إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

يا ال بيت رسول الله(ص) حبكم فرض من الله..تعلم تنجو

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يا ال بيت رسول الله(ص) حبكم فرض من الله..تعلم تنجو

    بسم الله الرحمن الرحيم و الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبي الرحمة محمد و اله الطاهرين و اصحابه المنتجبين و من تبعهم باحسان الى قيام يوم الدين
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    يا ال بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القران انزله
    كفاكم من عظيم الشأن انكم من لم يصلي عليكم لا صلاة له
    اللهم صل على محمد و ال محمد حتى ترضى يا رب

    هو قول نطق به احد ائمة المذاهب الاربعه وما زال يدوي مبهرا الانام مظهرا الحق مبطلا للباطل ... هو فرض من الله تبارك و تعالى على الانام ان تصدع له و تؤمن به و تسير من خلاله و تدخل من ابوابه الواسعه ابتداء بالباب الاول لمدينه الله تبارك و تعالى الامام امير المؤمنين عليه افضل الصلاة و السلام. اهل البيت عليهم السلام هم الدالون على الله و هم الرحمة الالهيه التي انعم الله علينا بها فكانوا هم الوسيله وهم الشفعاء يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم و القلب السليم هو ولايتهم صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين.
    يا ال بيت رسول الله (ص).
    إنّا توجَّهنا واستشفعنا وتوسَّلنا بكم إلى الله وقدَّمناكم بين يدي حاجاتنا،يا وجهاءا عند الله اشفعوا لنا عند الله..
    حلقات من نور نبدأ بها و نتابعها ان ابقانا الله من الاحياء تنير الدرب و تبعث الامل في النفوس و تعبد الطريق الى رحمة الله الواسعه و الى جناته التى وعد بها المتقون...
    اللهم صل على محمد و ال محمد حتى ترضى يا رب
    فالى هناك... مع الحلقه الاولى..
    الفقير الى الله. خادم شيعة اهل البيت عليهم السلام
    الحاج ابراهيم علي عوالي العاملي

  • #2
    ألحلقة الاولى

    (‍‍1)
    محـال مشـيئة الله

    الخـلق

    من جملة الأسئلة المطروحة في مجال الخلق هو السؤال التالي:

    هل الله سبحانه بإرادته خلق الأشياء بإفاضة الوجود إليها، أم أن الفيض انتشر منه تعالى بنحو جبري من غير الإرادة كانبثاق النور من الشمس؟

    أقـول :لا شكَّ أنَّ جميع الموجودات قد صدرت منه تعالى بالإرادة والقصد لا بالجبر والقهر. وهذا الأمر يحتاج إلى شرحٍ وإيضاح:

    النـور

    لا تَقلُّ أهميَّةُ النور في فهم وتنوير الحقائق المعنوية والمعارف الإلهيَّة عن أهميَّته في تنوير الأجسام والأجرام المادية (وهذا لا ينافي إطلاق الغيب على الله تعالى بل هو غيب الغيوب لأنَّ الأشياء الخفية ربَّما تكون خفية لشدة ظلمتها، وربما تكون خفية لشدَّة نورها وظهورها، فالشدة في كل من النور والظلمة تؤدِّي إلى خفاء الشيء ألا ترى أنَّك لا تشاهد الشيء إذا سُلِّط عليه نورٌ شديد، فالله سبحانهوتعالى اختفى وغاب فلشدة نوره فهو نور الأنوار يقول المحقق السبزواري (ره) يا من هو اختفى لفرط نوره الظاهر الباطن في ظهوره.)فالخلق ليس إلاّ إشعاع النور المطلق على الكيانات المكتومة والماهيات المظلمة (الماهية هي ما تقال في جواب ما هو؟ فهو مصدر صناعي ويطلق على شيئية الشيء في قبال وجوده.).

    وهذا ما تُبيِّنه آية النور ذات المحتوى العرفاني العميق الذي من أجلها سمِّيت السورة بأجمعها بهذا الاسم (وهي السورة الوحيدة التي بدأت بكلمة (سورةٌ)ولا يخفى عليك السر في الابتداء بالنكرة الدال على العظمةومن هنا قال تعالى : "أنزلناها" فهي مع علوِّ شأنهاوسموِّ مرتبتها عندنا، أنزلناها فصارت ضمن المصحف).

    قال تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... }(النور35)

    وينبغي أن لا ننسى أنَّ هذا ليس هو إلاّ مثالٌ، فلا نظنّ بأن الله هو بالفعل نور بالمفهوم الذي نتصوره نحن بذهننا القاصر،كيف وهو خالق النور ومُنَور النور وربّ النور! كم من فرق بين الممثَّل الذي هو نور الوجود والمثال الذي هو النور الحسِّي. إليك بعض تلك الفروق:



    الأوَّل: النور الحسي قائم بغيره ونور الوجود قائم بذاته
    توضيح ذلك :

    إن النور الحسي له ماهية ووجود، وحيث أنَّ الأصالةوالحقيقة تعني الوجود (قد ثبت ذلك في الحكمة بأدلَّة قطعيَّة فراجع.) فالنور لا يتحقق بذاته أي مستقلا عن الوجود بل هو كغيره من الموجودات فقير إليه،وبفضل الوجود أصبح النور نوراًومنوَّراً، فلا يمتاز النور على سائر الموجودات من هذه الناحية أعني الفقر الذاتي :

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيــدُ}(فاطر15).

    بل المستوى الوجودي للنور أقل من سائر الموجودات حيث أنَّه ليس في أفق الإنسانولا الحيوانولا النبات ولعلَّه يعدُّ من الجمادات.والحاصل أنَّ النور الحسِّي هو مظهر من الوجود (النور المطلق) وقائم به، ولولا الفيض الدائم المستمر عليه لما كان له أي اعتباروكيان، كما سيأتي زمانٌ تنعدم فيه الأنوار:

    {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}(التكوير1، 2)

    الثاني: أن النور الحسي تظهر به المبصرات فقط وأما المسموعات مثلاً فلا يكشفها النور الحسي، بل حتَّى المبصرات لا ترى من جميع زواياهاوجوانبها من خلال النور الحسِّي بل يمكن رؤيتها على مستوى واحدٍ فقط،وهو سطح الأشياء وأمّا عمقها فليس للنور أيَّة سلطة عليها.

    وأمّا نور الوجود فتظهر به المبصرات والمسموعات والمتذوقات والمشمومات والملموسات والمتخيلات والمعقولات وما وراء الحس والعقل. فالوجود هو الذي يُظهرها جميعاًوهو ظاهر بنفسه. فالمسموع لا يسمع إلا بالوجود، فلو لم يكن الصوت موجوداً لما سُمع، ولو لم يكن الطعم موجوداً لما تُذوِّق فكلُّ شيء -ببركة الوجود- يكون له أثرٌوانعكاس، سواء الوجود العيني أو الوجود الذهني (وهذا التقسيم من أهم تقسيمات الوجود لدى الحكماء فالآثار الذهنية للشيء هي بعد ايجاد صورته في الذهن فالأثر إذا راجع إلى الوجود كما لو كان تخيل الإنسان شيئاً يؤَّدي إلى لذةٍ أو حزنٍ.).

    الثالث: ما أشرنا إليه في الأمر السابق أنَّ الوجود مسيطر على كل شيء (باطنه وظاهره)، فماذا يبقى إذاً للشيء؟

    بما أنَّ النور الحسِّي يسلط ضوءه على ظواهر الأشياء، فتبقى البواطن على حالها خارجة عن نطاق النور،ولكن إذا كان الوجود هو الذي أظهر جميع الأشياء سطوحهاوبواطنها، فأيُّ شيء يبقى خارجاً عن مملكته وماذا بعد الحق (وهو الوجود المطلق) إلاّ الضلال المبين! هو الأوَّل والآخروالظاهر والباطن وهو معكم أينما كنتم وقيام كل شيء به تعالى :

    {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}(البقرة255)

    فكلُّ شيءٍ ميِّت وهو الحي، وكلُّ شيء فقيروهو الغني القائم والشاهدوالمحيط بكل شيء

    ((وبنور وجهك الذي أضاء له كلُّ شيء))(دعاء كميل، وقد وردت في هذا المجال آيات وأحاديث كثيرة راجع مضانها)

    هذه أهمّ نقطة يجب أن نعرفها حقَّ المعرفةونصل إليها بالشهود والعرفان حيث أنَّ لها الدور الرئيسي في حركاتنا وسكناتنا ومواقفناوأعمالنا وأخلاقنا، فينبغي أن نُدرك حقيقة قوله تعالى :

    {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(المجادلة7)

    والمعتقد بهذه الحقيقة لا يمكن أن يصدر منه أصغرّ الذنوب،كيف وهو يعلم بأنَّ الله له حضور تكويني في كلِّ ما هو موجود!

    قال تعالى :

    {أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}(العلق13-14)

    الرابع : إن النور الحسي لا شعور له ونور الوجود ذو شعور بل هو عين الشعوروالإدراك، كيفوالشعور لا يكون له أيُّ اعتبارٍ إلاّ بالوجود. ومن هنا نعرف السرّ في قوله تعالى :

    {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(الرعد15)

    و قوله تعالى :

    {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ}(الجمعة1)

    فكلمة "ما " تشمل كافة الموجودات حتَّى الجمادات. وأوضح من ذلك قوله تعالى :

    {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَـهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}(الإسراء44)

    فالأشياء جميعاً لا تسبِّح فحسب، بل تسبِّح حين الحمد فتنـزِّه وتحمد وتلاحظ الجلال والجمال الإلهي على مستوى واحد، وهذه حقيقة التوحيد.
    يتبع......

    تعليق


    • #3
      تابع



      ألحلقة الاولى

      (‍‍1)
      محـال مشـيئة الله

      السادس : إنَّ إشعاع النور ليس إرادياً بل هو جبري محض، فالشمس لا تَنشر النوروترسله إلى الأجرام بإرادتها، بل بما أنَّها شمس، فهي ذات إشعاع وذلك لأنَّ النور الحسي ليس من جملة الموجودات العالية كالإنسان والملائكة، بل شأنها شأن الجمادات التي لا إرادة لها، بل ربَّما يكون النور في مرحلة أدنى من الجمادات كما مرَّ. فلو أثبتنا أنَّه ليس بجسم، فهذا لا يعني أنَّه مُجرَّدٌ روحاني كيفولا إرادة له!

      فلو أثبت علماء الطبيعة أن النور لا يوزن وليس له مكان، فهذا لا يعني أنَّه مجردٌ! وأمّا الله فهو :

      {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(النور35)

      أي وجودهما فظهرت بالله السماوات والأرض ولكن بالمشيئةوالإرادة. كيف لا يكون كذلكوهو خالق للإرادة،وخالق الإنسان المريد (وفاقد الشيء لا يُعطيه) فالإنسان يتصوَّر، فيُصدِّق، فيرغب، فيشتاق، فيطلب، فيريد، فيفعل. الإرادة إذاً هي مظهر من مظاهر الوجود، وكما أنَّه بالوجود أصبح الجمالُ جمـالاًوالقدرةُ قدرةًوالعلم علماً، فبالوجود أيضاً أصبحت الإرادةُ إرادةً، فالله سبحانه هو الجميلوالقديروالعليم على الإطلاق وكل جمالوقدرةوعلم منه تعالى، وهو أيضاً المريد على الإطلاق، وكلُّ إرادة مهما كانت، هي مظهر من إرادته جلّ شأنه.

      فهو تعالى أرادَ، فخلق الأشياء،وإرادتُه سبحانه وتعالى عينُ فعله :

      {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس82)

      ليس هناك فاصل زمني بين كنْويكون فمتى ما أراد الله أن يكون يتحقق الشيء أقل من طرفة عين.

      إنَّ صدور الأشياء منه تعالى ليس قهريّاً بل هو اختياريٌّ، ولكنَّ الله تعالى بكرمهولطفهوسعة رحمته لا يمنع الموجودات من فيضه، رغم تمكّنه من المنع :

      ((يا من يعطي من سأله. يا من يعطي من لم يسألهومن لم يعرفه تحنُّناً منهورحمة))

      السابع : إن النور الحسي له أفولوزوالوله ثانٍ،ونور الوجود لا أفول له ولا زوالولا ثان لهولا مقابل، ووحدته ليست عددية، فهو ليس واحداً بل هو أحدٌ، والأحد لا يكون إلا الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. قال تعالى :

      {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(الإخلاص1)

      لماذا؟ لأنه هو :

      {اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}(الإخلاص2-4)

      فمع اجتماع هذه الصفات يكون أحداً، فإذا استوعب كلَّ شيء بحيث لا يخلو منه شيء فلا يوجد مجال للثاني،وما هو الثاني في قبال الوجود المطلق؟ العدم! أم…!



      أوَّل ما خلق الله المشيئة

      على ضوء ما قلنا، يمكنك أن تتعرَّف على أوَّل ما خلق الله وأوَّل ما ظهر منه تعالى وهو المشيئة والإرادة، كما ورد في الحديث :

      ((علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَير عن عُمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خَلقَ الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة))(الكافي ج1 ص110 الحديث4)

      فهو شاء فخلق وإنَّما سمِّيت الأشياء أشياءً فلأنَّها مظاهر مشيئته تعالىوتجلِّي إرادته؟

      عالم الأمر

      وهاهنا سؤال يطرح نفسه وهو :

      في ماذا تجلَّتوتتجلَّى (وذلك لأنَّ الخلق مستمرٌ غير متوقِّف فالله دائماً يريد فيخلق) المشيئةُ الإلهيَّة التي بها خلقَ الله الأشياء؟ ومن هُمْ محال مشيئته تعالى؟ هل المشيئة الأولى التي خلق الله بها الأشياء وأظهر به سائر الموجودات، مخلوقة كسائر المخلوقات بمعنى أنَّ المشيئة أيضاً ظهرت بالمشيئة؟

      أقـول:

      من الواضح أنَّ الذي هو مظهر نفس المشيئة، لا يكون شيئاً كسائر الأشياء بل له رتبة أعلى وأسمى منها حيث به خُلقت الأشياء وأصبح هو واسطة لانتقال فيض الوجود إلى الأشياء الأخرى، فهو رابط بين الأشياء وبين الله سبحانه وتعالى.

      لأنَّه إن قلنا بأن المشيئة خلقت بالمشيئة، سوف ننقل الكلام إلى المشيئة الأولى ونقول: هل الله بمشيئته شاء أن يخلق؟ولا تتوقَّف هذه السلسلة أصلاً والتسلسل باطل بالبداهة. (وقد ذكر الحكماء بطلان التسلسل أمور نشير إلى أثنين منها:- 1-لو فصلنا حلقاتٍ من السلسلة ثم قايَسناها مع السلسلة الأولى (الكاملة) فهل الناقصة تساوي الكاملة؟ فإن كانتا متساويتين فسوف تكون الناقصة ليست بناقصة والكاملة ليست بكاملة (وهذا هو التناقض المحال). وأمّا لو قلنا بأنَّهما حينئذٍ غير متساويين فسوف يثبت المطلوب وهو أنّ السلسلة من أوَّل الأمر لم تكن مستمرَّة إلى مالا نهاية بل كانت محدودة. 2-إنَّ وجود المعلول على أيٍّ مشروط بوجود العلَّة فلو استمرَّت المشروطية والربط بتسلسل العلل والمعلولات فسوف لن يتواجد حتَّى شيء واحد أصلاً، وذلك لأنَّ الرابط يفتقر في وجوده إلى غير الرابط فوجود الأشياء وتحقُّقها عيناً دليلٌ على عدم اشتراطها إلى ما لا نهاية.)

      إذاً المشيئة لم تُخلق كسائر الأشياء، بل خَلَق الله الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها والمشيئة من عالم الأمر الذي ورد في قوله تعالى :

      {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}(الأعراف54)

      ((فى الخرائج والجرائح عن القائم عليه السلام حديث طويل فيه يقول لكامل بن ابراهيم المدين : وجئت تسأل من مقالة المفوِّضة، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله عزّ وجلَّ فإذا شاء شئنا والله يقول: وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله))

      وقال الإمام قدَّس الله نفسَه في كتابه القيِّم مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية:

      "مطلَعٌ : إن الأحاديث الواردة عن أصحاب الوحيوالتنزيل في بدء خلقهم عليهم السلاموطينة أرواحهم وأنّ أول الخلق روح رسول اللهوعليّ صلى الله عليهماوآلهما أو أرواحهم إشارة إلى تعين روحانيتهم التي هي المشيئة المطلقةوالرحمة الواسعة تعيّناً عقليّاً لأنّه أوَّل الظهور هو أرواحهم عليهم السلاموالتعبير بالخلق لا يناسب ذلك فإنَّ مقام المشيئة لم يكن من الخلق في شيءٍ بل هو الأمر المشار إليه بقوله تعالى :

      (ألا له الخلقوالأمر)وإن يُطلق عليه الخلق أيضا، كما ورد منهم "خلق الله الأشياء بالمشيئة والمشيئة بنفسها" وهذا الحديث الشريف أيضا من الأدلة على كون المشيئة المطلقة فوق التعينات الخلقية من العقلوما دونه" (الكافي ج1 ص441 الرواية9)

      أقـول: ولعلَّ في قوله تعالى :

      {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}(السجدة24)

      إشارة إلى ذلك، فهم عليهم السلام محال مشيئة الله، وهم باب الله الذي منه يُؤتى، والسبب المتصل بين الأرض والسماء، والنور الأوَّل الذي كان في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهَّرةوالذي منَّ الله علينا بهم فجعلهم في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه. جاء في الحديث:

      ((عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام يا ابن رسول الله لم سميت الزهراء زهراء فقال: لأنَّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور… إلى أن قال: فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام))) بحار الأنوار ج43 ص11 رواية2 باب2)

      و قال قدِّس سرُّه :

      " لو اتَّحد أفق الإنسان الكامل مع المشيئة المطلقة وأصبحت روحانيته عين مقام الظهور الفعلي للحق تعالى ففي هذا الحال سوف ينظر الحق تعالى بهويسمع بهويبطش به فهو الإرادة النافذة للحقوالمشيئة الكاملةوالعلم الفعلي وقد ورد في الحديث عليٌّ عين الله وسمع اللهوجنب الله." (توحيد الصدوق ص164)

      وقال الإمام قدِّس سرُّه في بيان شخصيَّة النبي الأكرم صلى الله عليهوآله :

      " وهو المشيئة المعبَّر عنها بالفيض المقدس والرحمة الواسعة والاسم الأعظم والولاية المطلقة المحمدية أو المقام العلوي، وهو اللواء الذي آدم ومن دونه تحته والمشار إليه بقوله: " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين أو بين الجسد والروح "أي لا روح ولا جسد، وهو العروة الوثقى والحبل الممدود بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية، وفي دعاء الندبة قوله عليه السلام : "أين باب الله الذي منه يؤتى أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء، أين السبب المتصل بين الأرض والسماء" وفي الكافي عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف كنتم حيث كنتم في الأظلّة فقال: يا مفضل كنّا عند ربّنا ليس عنده أحد غيرنا في ظُلّة خضراء نسبحه ونقدِّسهونهلِّله ونمجِّده وما من ملكٍ مقرب ولا ذي روح غيرنا، حتى بدا له في خلق الأشياء فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم ثم أنهى علم ذلك إلينا". والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام بهذا المضمون كثيرة" (شرح دعاء السحر ص10)

      وهذه المعرفة هي عين التوحيد لأنَّه من خلالها يمكن ربط الأرض بالسماءوالمخلوق بالخالق الواحد الأحد، ويتحقق التناسبوالتسانخوالانسجام بين العلة والمعلول.

      ثمَّ :

      إنَّ أسمائهم هي الأسماء التي علَّمها الله لآدم حيث يقول:

      {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}(البقرة 31).

      والمراد من الأسماء هي التي كانت لها علاقة بمقام الخلافة الإلهيّةوبطبيعة الحال هي المسميات المشار إليها في قوله:

      {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ}(البقرة 31)

      أنظُر إلى هذا التعبير وتأمّل في كلمة (ثمَّ) فإنها قد فصَّلتْ بين جميعِ الأسماء وبين التّي عُرضَتْ على الملائكة وتأمَّل أيضاً في ضمير(هم) فالمقصود منه المسميات التِّي تمتلك التعقُّلَ وإلا لكان التعبير الصحيح هو (عَرضَها) لا (عَرضَهُم).وأصرح منه قوله تعالى:

      {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة31).

      ولا يخفى أنَّ كلمة هؤلاء تدلُّ على حضورهم بعينهم آنذاك وهم بعرشه محدقين. ولعلَّ قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة وأسماؤكم في الأسماء إشارة إلى هذه الحقيقة حيث كانت أسماؤهم في الأسماء التِّي علَّمها الله آدم عليه السلام.

      و قد ورد في الحديث :

      ((لولاك لما خلقت الأفلاك وأيضاً لولاك لما خلقت آدم))(بحار الأنوار ج16 ص406 الرواية1 الباب12).

      و في زيارة رسول الله صلى الله عليهوآله وسلَّم المنقول عن كلٍّ من الشيخ المفيدوالسيدوالشهيد:

      ((أوَّل النبيين ميثاقاوآخرهم مبعثاً الذي غمسته في بحر الفضيلةوالمنزلة الجليلةوالدرجة الرفيعةوالمرتبة الخطيرة فأودعته الأصلاب الطاهرةونقلته منها إلى الأرحام المطهرة..))(بحار الأنوار ج100 ص183 رواية11 باب2)

      وقد أشبعنا هذا الموضوع بحثاً في كتابنا دولة المهدي المنتظر (دولة المهدي المنتظر من ص 13-45)

      أنتهت الحلقه الاولى وللامانه العلميه نحن ننقلها من موقع الكوثر
      http://www.al-kawthar.com/




      تعليق


      • #4
        الحلقه الثانيه

        (2)

        نـور على نـور

        من الأبحاث التي تطرَّق إليها الحكماء، هو الحديث عن النظام الإلهي، وأنَّه هو النظام الأتم الأكمل الأحسن، وذلك لأنَّ فيضه سبحانه دائم، فمن المستحيل تصوّر النقصان في فيوضاته على العالمين. وهذا الأمر غير خاضع للزمان والمكان مطلقاً، فنظام الكون دائماً هو الأحسن، وعليه يكون أحسن ما خلق هو الأوَّل وهو الآخر، وبما أنَّ النبي الأكرم هو أحسن الخلق وهو الأفضل من جميع الأنبياء -كما ثبت في الأبحاث السابقة- فهو أوَّل ما خلق الله.

        وجميع الأنوار إنّما هي إشعاع لذلك النور الأوَّل المنبثق من النور المطلق، فلا بد من نور شديد به تظهر سائر الأنوار، وإلا سوف ينقطع الفيض الإلهي، أعني كلّ صفات الجمال والكمال، فالجميل المطلق قد ظهر في أحسن موجود كما أن الكريم المطلق تجلى وظهر بكرمه والقدير المطلق ظهر بقدرته، فالذي هو مظهر لتلك الصفات هو وجه الله، ولابد أن يكون موجوداً في كلِّ زمان وهو حجَّة زمانه الذي ورد في الحديث عنه:

        { لولا الحجة }

        وقال تعالى :

        {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَـلاَلِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن26،27)

        والمقصود من الوجه هي الفيوضات التي تمثِّل الواجهة والمرآة الإلهية، فضمير في "ربِّك" إشارة إلى خصوص ربِّ الرسول صلى الله عليه وآله، ومن هنا اتُّصف بذي الجلال والإكرام.

        وفي دعاء الندبة :

        (( أين وجه الله الذي منه يُؤتى ))

        ولتوضيح هذه الحقيقة نذكر مثالاً :

        لو فرضنا أنَّ شلاّلا ينـزل من جبلٍ عالٍ، فمن الطبيعي أن يمرَّ من خلال البحر ثمَّ الشط ثمَّ الأنهار فالجداول، وكلّ واحدة منها هي واسطة الفيض إلى ما دونها.حينئذٍ نتساءل : هل بإمكان الإنسان أن يشرب الماء من غير التوسُّل بتلك الوسائط؟

        لو حاول ذلك وهو غير قابل لهلك، لأنَّ الوعاء الذي يمتلكه لا يستوعب المـاء، فيبقى عطشاناً وهو يجاور الماء. فالحل الوحيد لمثل هذا الإنسان هو الإبتعاد من المصدر والتقرُّب إلى وسائط الفيض، جاء في الدعاء :

        ((إنّا توجَّهنا واستشفعنا وتوسَّلنا بك إلى الله وقدَّمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله))

        وهذه الحقيقة قد بيِّنت في قوله تعالى :

        {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (الحشر21)

        كيف والجبل مهما عظم فهو جماد لا يستوعب كلام الله تعالى، فأين التراب وربِّ الأرباب، ومن هنا يقول سبحانه :

        {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر21)

        قال صدر الحكماء المتألّهين وشيخ العرفاء الكاملين في الأسفار:

        "إعلم أيّها المسكين، أنّ هذا القرآن أُنزل من الحق إلى الخلق مع ألف حجاب لأجل ضعفاء عيون القلوب وخفافيش أبصار البصائر، فلو فرض أنّ باء بسم اللّه مع عظمته التي كانت له في اللّوح نزل إلى العرش لذاب واضمحلّ، فكيف إلى السماء الدنيا. وفي قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر21) إشارة إلى هذا المعنى"

        وتعليقاً على ذلك قال الإمام قدس سرُّه :

        "و هذا الكلام صادر عن معدن المعرفة،مأخوذ عن مشكوة الوحي والنبوة"

        أقـول:

        ولهذا قال تعالى بعد ذلك :

        {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر24:22)

        و الجدير بالذكر أنَّها آيات ثلاثة وكلِّ واحدة منها تبدأ بـ "هو الله".

        قال الإمام قدِّس سرُّه:

        " الآية الشريفة الأولى مشيرة إلى أسماء الصفات، والآية

        الثانية إلى أسماء الذات، والآية الثالثة إلى أسماء الأفعال."

        هذا:

        ولاحظ قوله تعالى :

        {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً*نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (المزمل4:1)

        كلُّ هذه العبادات لماذا؟ قال تعالى :

        {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} (المزمل5)

        فهل بإمكاننا -نحن القُصَّر- أن نصل إلى شيء من مستوى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم!

        ومن المناسب هنا الحديث عن آية النور ذات المحتوى العرفاني العميق،قال تعالى:

        {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النور35)

        أقـول :

        ظاهر المثال هو نوع من التشبيه لنور الله –جلّ شأنه- كمشكاة فيها مصباح وهو سراج والمصباح في قنديل من الزجاج وهو مضيء متلألئ كأنَّه كوكب درِّي، وهذا المصباح يتوقَّد من شجره مباركة هي شجرة الزيتون المتكاثر نفعها والشجرة لبركتها وردت مبهمة، كما أنَّ الزيتونة لفخامة شأنها جاءت بدلاً من الشجرة، وهي لا شرقية، ولا غربية، تسطع الشمس عليها بنحو متواصل من غير انقطاع، كالتي على قمَّة جبل، أو صحراء واسعة، فان ثمرتها تكون أنضج وزيتها أصفى. أو أنَّهما إشارة إلى أرض الشام الواقعة في وسط المعمورة لا شرقها ولا غربها، فإن زيتونه أجود الزيتون أو أنَّه لا في مضحى تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها ولا مقناة تغيب عنها دائماً فيتركها نياً وفي الحديث :

        ((لا خير فى شجرة ولا فى نبات فى مقناة ولا خير فيها في مضحى))

        يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وذلك لتلألئه وبياضه الشديد، فجميع تلك الأمور ضاعفت في النور ولم تنقص منه أصلاً، فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت والقنديل وضبط المشكاة، فهو نور على نور وإن كان النور حقيقة من المعدن، كما جاء في المناجاة الشعبانية:

        ((إلهي هب لي كمال الإنقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك))

        ولكن عند التأمل في الأحاديث الشريفة التي وردت في تفسير الآية المباركة والآية التي بعدها، وملاحظة القرائن المحيطة بها، نصل إلى النتيجة التالية :

        عند ملاحظة سياق الآيات، نرى أنَّها تنوِّه إلى حقيقة واحدة وهي :

        إنَّ الله هو نور السماوات والأرض، إنَّ هذا ليس هو إلاّ مثالٌ يشير إلى حقائق أخرى كما أشرنا سابقاً في بيان الفروق بين النور الحسِّي والحقيقي.

        فالأحاديث على اختلافها الظاهري تؤكِّد على أنَّ المصباح هو المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقد جاء في الحديث التالي :

        ((عن عبد الله بن جندب قال :كتبت إلى أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه أسأله عن تفسير هذه الآية فكتب إلي الجـواب : أما بعد فان محمدا صلى الله عليه واله كان أمين الله فى خلقه فلما قبض النبي كنا أهل البيت ورثته فنحن أمناء الله فى أرضه… مثلنا في كتاب الله عزّ وجل "كمثل مشكوة "المشكوة في القنديل فنحن المشكوة "فيها مصباح " المصباح محمد صلى الله عليه واله)).

        وكانوا عليهم السلام يستشهدون بآيات أخرى تعزيزاً لهذا المعنى، فقد ورد في تفسير قوله تعالى :

        {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ} (البقرة17)

        وقوله تعالى :

        {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا...} (يونس5)

        وقوله تعالى:

        {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} (يس37)

        ((على بن محمد عن على بن العباس عن على بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ...في حديث طويل. قال في تفسير الآية المباركة أضاءت الأرض بنور محمدٍ كما تضيء الشمس فضرب الله مثل محمد صلى الله عليه وآله الشمس ومثل الوصي القمر وهو قوله عزّ وجلّ جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقوله وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون)) (الكافى ج8 ص379 روايه574 باب8)

        والجدير بالذكر ما ورد في تفسير الآيتين المباركتين وهما:

        قوله تعالى :

        {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف157)

        {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (التغابن8)

        ((علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام فى قول الله تعالى: "الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث...إلى قوله... فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" قال : النور فى هذا الموضع على أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام)) (الكافى ج1 ص194 روايه2)

        ((أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن على بن اسباط والحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي خالد الكابلي، قال :سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى فآمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزلنا فقال : يا أبا خالد النور - والله- الأئمة عليهم السلام يا ابا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها)) (الكافي ج1 ص195 رواية4)

        وقال تعالى في شأن رسوله صلوات الله عليه :

        {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الاحزاب46)

        وأمّا كلام القوم في تفسير النور :

        وقال ابن عباس : من أن المقصود من الآية أنَّ "مثل نور الله الذي يهدي به المؤمن".

        وقال الحسن : "مثل هذا القرآن فى القلب كمشكاة".

        وقيل : مثل نوره وهو طاعته.

        وقال سعيد بن جبير : "النور محمد كأنه قال مثل محمد رسول الله".

        وقيل : هو مثل ضُرب لقلب المؤمن.

        تعليق


        • #5

          تابع الحلقه الثانيه

          (2)

          نـور على نـور




          أقـول:

          و لا تعارض بين الأحاديث والأقوال المختلفة في هذا المجال، بل يمكن الجمع بينها فنور الله ليس هو إلا رسوله وهو متَّحد مع القرآن.

          ثمَّ :

          عندما نتأمَّل في الوسائط التي بيَّنتها الآية المباركة، وهي المشكاة، والمصباح، والزجاجة، سوف نعرف أنَّها لا تمنع من إشعاع النور أصلاً، بل من خلالها يتمكَّن الإنسان من معرفة ذلك النور الوضّاء الذي نوَّر السماوات والأرض، نور الله المطلق، فلا مجال للإنسان أن يشاهد النور الإلهي من غير الانطلاق منها، فهل للخفاش أن يوصف الشمس المضيئة للعالم؟ فما هو الحلّ إذاً؟

          الحلّ إنَّما هو التوسُّل بتلك الوسائط والتقرُّب إليها كما مرَّ.

          ومما ينبغي ذكره أنَّه تعالى بعد ذكر تلك الوسائط قال :

          {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (النور35)

          فمعرفة الأنوار الإلهيَّة ليست من السهل لأيِّ إنسان، بل تفتقر إلى قابلية وتهيُّأ، وهذا لا يحصل إلا بمشيئته الله سبحانه.

          ولعلَّ هذا المقطع من الآية إشارة إلى ذلك النور الإلهي الغائب بقيَّة الله في الأرضين الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف في خصوص عصر غيبته، حيث أنَّ النور في الآية أضيف إلى الضمير الغائب أعني "لِنُورِه" وأخفى إسم من أسماءه تعالى هو الهاء، كما أنَّ قوله تعالى :

          {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا...} (الزمر69)

          يشير إلى عصر ظهوره صلوات الله وسلامه عليه، حينما ينتشر ذلك النور فينوِّر الأرض، وقد ورد في هذا المجال حديث طويل، عن محمد بن أبي عبد الله عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن صباح المزني عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (حين ظهور المهدي) :

          ((يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزؤون بنور الإمام)) (البحار ج7 ص326 روايه1 باب17)

          وفي الزيارة الجامعة الكبيرة :

          ((وأشرقت الأرض بنوركم)) (البحار ج102 ص129 روايه4 باب8)

          ولا يخفى لطافة التعبير في الآية حيث أضيف النور إلى الربّ، في قوله "بِنُورِ رَبِّهَا " وهو أجلى وأظهر أسمائه تعالى.

          وفي حديث آخر :

          ((الكوكب الدرِّي القائمُ المنتظر عليه السلام، الذي يملأ الأرض عدلاً)) (معجم أحاديث الإمام المهدي جلد5 صفحة273)

          وعن ابن محبوب عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :

          (( قال لي: لا بدَّ من فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي يبكى عليه أهل السماء وأهل الأرض وكلّ حريٍّ وحرّان وكلّ حزين لهفان، ثم قال : بأبي وأمي سميّ جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوبُ النور تتوقَّد بشعاع ضياء القدس)) (بحار الأنوار ج51 ص152 روايه2 باب8)‏

          ونفس النص قد صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم (بحار الأنوار ج51 ص108 روايه42 باب1)‏

          ثمَّ قال تعالى:

          {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (النور36،37)

          فتلك الأنوار إنَّما هي في بيوت، فما هي تلك البيوت التي احتملت الأنوار المعنويَّة؟

          هذا ما يجيب عنه أئمتنا عليهم السلام معتمدين على الآية نفسها.

          فالقرآن يشتمل على ظاهر وباطن وقد أشار سبحانه إلى باطنه بقوله:

          {وما يعلم تأويله إلا الله} (آل عمران7)

          فالظاهر ورود هذه الآية في المساجد. فالمسجد له الأهمية القصوى في الإسلام، لأنه مكان أداء أقدس الأعمال ألا وهو الصلاة.

          فالمسجد في ظاهره ليس إلا عبارة عن بناء مكوَّن من التراب والصخر والحديد وكلّها جمادات، إلا أنها لإضافتها باسم الربّ تعالى، فإن شأن المسجد يختلف عن سائر البيوت في الدنيا والآخرة، كما تؤكِّد على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة.

          بيت النبوَّة والإمامة

          ولله أيضاً بيوت ليست من الصخر والطين والحديد، بل إنها من العقل والروح والقلب فهي مختلفة عن سائر البيوت. إن المسجد بيتٌ لإقامة الصلاة، أما بيت العقل والروح والقلب فسكّانه المعرفة والعلم بالله.

          وهذا البيت الروحاني هو المقصود الباطني لهذه الآية. فالقلب هو المسجد وبيت الله الحقيقي، وهو مسكن للمعرفة والتوحيد والأسماء الحسنى الإلهية.

          ولذلك نعرف السرّ في أهميَّة مشاهد الرسول والأئمة عليهم السلام حيث يجري عليها أحكام المساجد.

          ففي روضة الكافى عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : "فى بيوت أذن الله أن ترفع" قال :

          ((هي بيوت النبي صلى الله عليه وآله))

          وأيضاً :

          لما قدم قتادة -وكان فقيهاً عالماً لا يتزعزع أمام كبار العلماء- على الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، وقبل أن ينطق قال له الإمام عليه السلام :

          (("ويحك يا قتاده، إن الله تعالى خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه، وهم أوتادٌ في أرضه، قّوامٌ بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلّة عن يمين عرشه". قال : فسكت قتاده طويلاً، ثمّ قال : أصلحك الله، والله لقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك! فقال أبو جعفر عليه السلام : "أتدري أين أنت؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبِّح له فيها بالغدوّ والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ونحن أولئك". فقال قتادة : صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين!)) (بحار الأنوار ج10 ص155 والكافي ج6 ص265 ح1

          تعليق


          • #6
            الحلقه الثالثه


            (3)

            كَلمـاتُ اللّـه

            الكلمات التكوينيَّة والكلمات التدوينيَّة، هناك نوعان من الحروف والكلمات والجمل:

            النـوع الأوَّل: التـكوينية.

            النـوع الثاني: التـدوينية.

            الكلمات التكوينية هي الأساس التِّي لها المصداقية العينيَّة وأمّا الكلمات التدوينيَّة فهي ليست على الحقيقة، بل إطلاق الكلمات عليها مجازاً، وسميت تدوينية باعتبار أنها تُدَون وتكتب وهي الألف والباء والجيم والدال.... تلك الحروف التي إن اجتمعت دلَّتْ على الحقائق العينيَّة الخارجيَّة .

            فعندما نقول مثلاً "الباب" فهناك في عالم الخارج بابٌ هو مصداق للكلمة التي تلفظنا بها والكلمة تُمثِّل ذلك الباب العينيِّ الخارجيِّ، وكذلك كلمة "البحر" و"البرّ" و"السماء" و"الأرض" فالكلمة إذاً ليست هي حقيقة مستقلة في قبال الحقيقة الموجودة في الخارج، وعليه لا يمكن إطلاق الكلمة على الألفاظ، وإن أطلقت عليها فهو ليس إطلاقا حقيقيا بل هو على نحو المجاز.

            والكلمات ليست هي إلاّ تَبْيين أو بالأحرى إيجاد الأشياء الخارجيَّة في ذهن السامع، فهناك شيء موجود في الخارج وهناك أمر آخر نحن تلفظنا به، ذلك كي نحقِّق صورةً من تلك الحقيقة في ذهن السامع.

            فعندما سمينا الأرض بهذا الإسم أعني الهمزة والراء والضاد وسمينا البحر بالباء والحاء والراء والسماء بالسين والميم والألف والهمزة فلا نقصد بذلك إلا الوصول من خلال تلك الكلمات إلى واقع الأرض والبحر والسماء، ولنقل ذلك الواقع إلى أذهان الآخرين، كي يتصوَّروا ما تصوَّرناه فيعرفوه.

            فلو كان هناك إنسانٌ يعيش في البر ولم يرَ البحر قطّ ونحن أردنا أن نبين له واقع البحر فأفضل وسيلة لذلك هي استعمال الكلمات، حيث أنَّ هذه الكلمات حينئذ سوف توجد صور ذهنية عندنا، شريطة أن نبيِّن الواقع بشكلٍ صحيح وصورةٍ واضحةٍ لا غموض فيها فلربَّ متكلِّمٍ لا يمكنه نقل كلّ ما في ذهنه إلى الآخرين وذلك لضعف بيانه وقلة ممتلكاته ومعرفته للكلمات التي يستخدمها حين الحديث أو عدم رعايته أدب تلك اللغة، فكميَّة الكلمات مضافاً إلى فهم أدب اللغة لهما دورٌ رئيسيٌّ في نقل المفاهيم إلى الآخرين .

            الكلمات التكوينيَّة

            وأمّا الكلمات التكوينيَّة فهي الأمور الخارجية والحقائق العينيَّة التِّي لها وجودٌ حقيقي، فواقع السماء والأرض والبرّ والبحر والجبال كلمات تكوينيَّة، سميت تكوينية لأن الله كوَّنها وأوجدها :

            {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل/40)

            فقول الله هو الإيجاد لا التكلُّم، وليس هناك فاصل زمني بين الإيجاد والوجود نعم هناك فاصل في الرتبة فقط فهو الذي أوجدَها فوُجدت وهذا شأن كلّ علةٍّ ومعلول كما هو ثابت في محلِّه.

            فجميع الموجودات التِّي كوَّنها الله سبحانه وخلقها هي كلماته، وهي غير مختصَّة بعالم المُلك والدنيا بل تشمل عالم الملكوت والجبروت فالجنَّة وما فيها كلمات الله التكوينيَّة، ولكثرتها وعدم إمكان إحصائها قال تعالى :

            {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (الكهف/109)

            {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (لقمان/27)

            ومن الواضح أنَّه ليس المقصود من الآية هي الكلمات المكتوبة بل هي الكلمات الواقعيَّة العينيَّة .

            ومن أبرز كلمات الله هم أصحاب الكساء الخمسة الذين بهم قبل الله توبةَ آدم عليه السلام كما قال تعالى :

            {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة/37)

            و في هذا المجال أحاديث كثيرة نكتفي بذكر حديث واحد :

            ((عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنَّة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم ادع ربك قال يا حبيبي جبرئيل ما أدعو؟ قال قل ربِّ أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا تبت علي ورحمتني فقال له آدم يا جبرئيل سمِّهم لي، قال قل اللهم بحق محمد نبيك وبحق على وصي نبيك وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق الحسن والحسين سبطي نبيك إلا تبت علي فارحمني فدعا بهن آدم فتاب الله عليه، وذلك قول الله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، وما من عبد مكروب يخلص النية ويدعو بهن إلا استجاب الله له)) (بحار الأنوارج26 ص333 الرواية15 باب7)

            ولا تخفى عليك لطافة كلمة "فتلقَّى" فهي تدل على نوعٍ من الانسجام بين آدم وبين تلك الأنوار الطاهرة بحيث أنَّه بمجرد التلقِّي حصلت التوبة قهراً "فتاب عليه".

            وقال تعالى:

            {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (يونس/82)

            وفي تفسير علي بن إبراهيم:

            ((بالأئمة و القائم من آل محمد صلى الله عليه و آله)) (بحار الأنوار ج9 ص234 الرواية129 باب1)

            كما أنَّ القرآن الكريم يطلق على النبي عيسى عليه السلام أنَّه كلمة من كلمات الله قال عزَّ شأنه :

            {إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران/45)

            نلاحظ في هذه الآية المباركة أنَّ المسيح عيسى ابن مريم اسم ذلك النبي الذي هو كلمة الله وهو حقيقة خارجية مقدَّسة، وقال تعالى:

            {فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ} (آل عمران/39)

            والكلمة التي صدَّق بها يحيى هو المسيح عيسى بن مريم كما يستفاد ذلك بانضمامها إلى الآية السابقة وذهب إليه أكثر المفسِّرين.

            وربَّما أطلقت الكلمة على الحوادث التِّي لها بالغ الأهميَّة كما في قوله تعالى :

            {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة/124)

            فالآية تشير إلى الوقائع والحقائق الخارجية التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام وهي تتمثَّل في قضية ذبح ابنه إسماعيل وإلقائه في النار ومواجهته لنمرود وغيرها ، فكلُّ هذه القضايا حقائق خارجية أطلقت عليها كلمات .

            وقد ورد في التوقيع الصادر من الناحية المقدسة حرسها الله تعالى :

            ((اللهم صل على محمد حجتك في أرضك وخليفتك في بلادك والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك والثائر بأمرك، ولي المؤمنين وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والناطق بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك، المرتقب الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى)) (بحار الأنوارج94 ص2 الرواية4 باب28)

            والأدعيَّة المأثورة عنهم عليهم السلام مليئة بذلك كدعاء السمات ودعاء جوشن الكبير وغيرهما.

            وعلى ضوء ذلك يستنتج أنَّ الكلمات هي حقائق خارجيَّة قبل أن تكون ألفاظاً، وتلك الحقائق لايفرق فيها بين أن تكون أمور عينيَّة خارجيَّة أو وقائع وحوادث مهمَّة.

            ثمَّ إنَّه ليس من الضروري مشاهدة جميع الكلمات التكوينيَّة حسّاً بل يمكن لنا أن ننظر إلى بعضها بأعيننا المُلكيَّة وأمّا البعض الاخر فتفتقر إلى عين ملكوتيَّة برزخيَّة (ما وراء الطبيعة).

            ومن هنا نرى بان الله سبحانه و تعالى يقول:

            {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} (الحاقة 38، 39)

            فهناك أشياء و حقائق يمكن ان نُبصرها وهناك ما لا يمكن، ولكنّ كليهما تكوينيتان واضحتان، وإنَّما النقص و الضعف فينا نحن الضعفاء فيمكننا أن نبصر بعضها باعتبار أنَّها من عالم الملك ولا يمكننا ان نبصر البعض الآخر-مع وضوحها- لأنَّنا نحن لم نصل إلى مستوى الملكوت، فالملائكه وجودهم واضح وضوح الشمس إلاّ أنَّنا لا يمكننا رؤيتهم، كما أنَّ وجود الأرواح ولكن لا يمكننا أن نُبصرها، و سر ذلك أنَّنا لا نعيش ذلك العالم.

            ولشدة وضوحها وفرط ظهورها قال (لا أُقسمُ) فهي لا تحتاج إلى قسم كقوله تعالى :

            {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (الواقعة/75)

            {فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} (الإنشقاق/16-18)

            {لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} (البلد/1-3)

            {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (القيامة1،2)

            فاللاء النافية هاهنا ليست زائدة تأكيديَّة كما يتصوَّر الكثير من المفسِّرين، بل هي على حقيقتها، وإنَّما ذكرت لتبيِّن وضوح الشيء، ومن الطبيعي أنَّ هذه اللاء تنفي لتُثبِت، فنفيُ القسم ههنا يعادل سبعين قسماً وكأنَّه تعالى يقول: إن أردتم أن أقسم فسوف أُقسم كثيراً.

            ورب إنسان لا يفهم الكلمات التكوينيَّة المُلكية ولا يبصرها مع أنَّه ينظر اليها بعينيه ! فهو يرى و لا يبصر ، كما ورد في القرآن الكريم عن الذين كانوا ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله :

            {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إلى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} (الأعراف/198)

            فليس كل مانراه نعرفه بل نحن لا نعرف حقيقة الاشياء أصلاً، فالبصر في عالم الدنيا أيضا يحتاج إلى دقَّة وإلى مستوى من الرقيِّ الروحي، فلا يتحقَّق البصرُ بمجرَّد النظر حيث أنَّ الحيوانات أيضاً تنظر لكنها لا تفهم، فإذن هناك ثلاثة احتمالات :

            الأوَّلى : النظر والفهم .

            الثانية : النظر وعدم الفهم .

            الثالثة : عدم النظر وعدم الفهم .

            هذا كلُّه بالنسبة إلى الكلام التكويني.

            الكتاب التكويني والكتاب التدويني كتاب الله أيضاً ينقسم إلى قسمين:

            الأوَّل : تكـويني .

            الثاني : تـدويني .

            جميع الحقائق الموجودة في الكتاب التكويني موجودة في الكتاب التدويني الذي هو كتاب الله، لأنَّ القرآن ليس هو إلاّ مظهراً للكتاب التكويني، فجميع الكتب مهما توسَّعت فهي لا تستوعب كلَّ الكتاب التكويني ولا تمثِّله، بل ينعكس فيها كمٌّ ضئيلٌ من الكتاب التكويني، فمثلاً كتب الطب أو البيئة أو العلوم الأخرى لاتمثِّل جميع التكوين بل تمثِّل قسماً من عالم التكوين، كلّ بحسبه.

            الكتاب الوحيد الذي يمثل جميع ما في عالم التكوين هو القرآن الكريم حيث أنَّ الله سبحانه وتعالى بقدرته المطلقة قد جمع الكلام التكويني بما فيه من الخصوصيات، في كتابه العزيز.

            فهو كتاب تدويني مشتمل على جميع الكلمات التكوينية لاشتماله على فصول وأبواب وحروف، فنفس الحقائق الموجوده في الخارج أصبحت حروفاً، فلو سمعتَ عن الإسم الأعظم، أوعلم من الكتاب، أوعلم الكتاب فلا تتوهم أنَّ المقصود من ذلك صرف الكلمات بل المراد الكلمات التي تمثل عالمَ العين والخارج، فهي في الحقيقة ليست إلاّ وقائع خارجية، ولكن ليس كلّ انسان يعرف ما في القرآن بل يحتاج ذلك إلى الجدّ والجهد، فكما أنه تعالى وبالنسبه إلى كتاب التكوين يقول :

            {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور} (الملك/15)

            فلابد للانسان من البحث للعثور على الرزق، فكذلك بالنسبة إلى القرآن لا بد من السير والفحص والدقّة حتى الوصول إلى كنوزه غير النافذة.

            فاتحة الكتاب التكويني

            قال الإمام الخميني قدِّس سرُّه:

            (( ففاتحة الكتاب التكويني الإلهى الذي صنفه (تعالى جدّه) بيد قدرته الكامله بالوجود الجمعي الإلهي المنزّه عن الكثرة المقدّس عن الشَين والكدورة بوجهٍ هو عالم العقول المجردة والروحانيين من الملائكة والتعين الأوَّل للمشيئة وبوجهٍ عبارةٌ عن نفس المشيئة فإنِّها مفتاح غيب الوجود وفي الزيارة الجامعة: بكم فتح الله، لتوافق أفقهم عليهم السلام لأفق المشيئة كما قال الله تعالى حكاية عن هذا المعنى: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، وهم عليهم السلام من جهة الولاية متحدون أوَّلنا محمّد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد، كلّنا نور واحد، ولكون فاتحة الكتاب فيها كلّ الكتاب والفاتحة باعتبار الوجود الجمعى في بسم الله الرحمن الرحيم وهو في باء بسم الله وهو في نقطه تحت الباء قال علي عليه السلام: أنا النقطة وورد: بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميَّز العابد عن المعبود)) (شرح دعاء السحر ص64)

            فكما أنَّ الكتاب التدويني يبدأ بسورة الفاتحة فالكتاب التكويني أيضاً كذلك ففاتحة الكتاب التدويني هو :

            ((بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين...))

            قال في مجمع البيان:

            ((سمِّيت بذلك لافتتاح المصاحف بكتايتها، ولوجوب قرائتها في الصلوة، فهي فاتحة لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقرآءة)) (تفسير مجمع البيان ج1 ص47).

            وقد وردت أحاديث تؤكِّد أهميَّة هذه السورة منها ما ورد :

            ((إن الله خص بسوره الفاتحه محمداً (صلى الله عليه وآله) وشرفَّه بها، ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام، فإنَّه أعطاه منها بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: إنِّي ألقي إليَّ كتاب كريم إنَّه من سليمان و إنَّه بسم الله الرحمن الرحيم)) (بحار الأنوار ج14 ص128 الرواية14 باب9)

            وهي أوَّل سورة من الكتاب التدويني من حيث الافتتاح لا من حيث النزول، فكذلك للكتاب التكويني فاتحة وهي أوَّل سورة لها وهي أوَّل ما ظهر من العوالم بعد مرحلة الغيب المطلق أعني عالم الأحديَّة الذي لا سبيل للوصول إليه، فأوَّل ما ظهر هو التعيُّن الأوَّل، وهو عالم العقول المجردة أعني عالم الروحانية، وهو أوَّل مصداقٍ لمشيئته تعالى.

            هذا ولو تأمَّلنا أكثر لعرفنا بأنَّ أوَّل ما ظهر إنَّما هو نفس المشيئة الإلهيَّة كما شرحنا هذا الأمر بالتفصيل فراجع.

            وفي الحديث :

            ((عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيّما أفضل الحسن أم الحسين؟ فقال: إن فضل أوَّلنا يلحق بفضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق بفضل أوَّلنا، وكلُّ له فضل، قال: قلت له جعلت فداك وسِّع عليَّ في الجواب فإنِّي والله ما سالتك إلا مرتاداً، فقال: نحن من شجرة طيبة برانا الله من طينة واحدة، فضلُنا من الله، وعلمُنا من عند الله، ونحن أمناؤه على خلقه، والدُّعاة إلى دينه، والحجاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك يا زيد! قلت نعم، فقال: خلقُنا واحد، وعلمُنا واحدٌ، وفضلنا واحد، وكلُّنا واحدُ عند الله تعالى، فقال: أخبرني بعدَّتكم، فقال: نحن إثنا عشر هكذا حولَ عرش ربنا عزّ وجلّ في مبتدأ خلقنا أوَّلنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد)) (بحار الأنوار ج25 ص363 الرواية23 باب12)

            وفي حديث طويل قال عليٌّ عليه السلام مخاطباً أبا ذر وسلمان :

            ((أنَّه لا يستكمل أحدٌ الايمانَ حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية ...ثمَّ قال: معرفتى بالنورانية معرفه الله عزّ وجلّ، ومعرفةُ الله عزّ وجلّ معرفتي بالنورانية، وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين)) (بحار الأنوار ج26 ص16 الرواية2 باب14)

            وفي حديث آخر عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال :

            ((لا تعجبوا من قدرة ،الله أنا محمد ومحمد أنا)) (بحار الأنوار ج26 ص1 الرواية1 باب14)

            و قال الإمام الباقر عليه السلام :

            ((يا قوم لا تعجبوا من أمر الله، أنا عليٌّ، وعليٌّ أنا، وكلنا واحد من نور واحد، وروحنا من أمر الله، أوَّلنا محمَّد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمّد، وكلنا محمّد)) (بحار الأنوار ج26 ص1 الرواية1 باب14).

            تعليق


            • #7
              تابع
              الحلقه الثالثه


              (3)

              كَلمـاتُ اللّـه



              حـرف البـاء

              إنَّ فاتحة الكتاب التي بها يفتتح الكتاب التدويني تبتدأ بالبسملة، وهذه البسملة مرتبطة بالفاتحة، وهي جزء من السورة، والباء هي التي ربطت بين "اسم الله الرحمن الرحيم" وبين "الحمد لله رب العالمين"، ومن هنا أصبحت الباء هي الرابط بين الإسم والحمد، في الحديث الشريف النقطة هي ولي الله الأعظم، فهو الرابط بين الخالق والمخلوق، حيث أنَّ المخلوق قد تجلى في "الحمد لله رب العالمين" لأن الحمد كلَّه لله حيث لا حمدَ إلاّ للجمال، والكمال، والقدرة، وكلُّها مظاهر الله سبحانه الظاهرة في أسمائه، فنحن نشاهد المحبوب في آياته وآثاره، فنمدحها لأنَّها مرآته تعالى:

              ((ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه))

              متعلق الجار و المجرور

              ولا يخفى أنَّ الجار والمجرور يفتقران إلى متعلَّق فعلاً كان أو أسمَ فاعلٍ أو اسمَ مفعولٍ أو صفةً مشبّهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل أو مصدر، والسر في ذلك أنَّ الحرف ما هو إلا للربط، والرابط لا بدَّ أن يربط بين شيئين، فلو لم يكن هناك إلاّ شيءٌ واحدٌ، فلا ربط في البين وحيث لا ربط فلا مربوط.

              وربَّما يحذف المتعلَّق عند وجود قرينة على الحذف، كما في قولك "زيدٌ في الدار" أي مستقرٌّ.

              ولكن هذا الأمر لا يتأتَّى في البسملة، فعندما يقال "بسم الله الرحمن الرحيم" فمن الطبيعي أن يُسأل :

              بإسم الله ماذا ؟ في الجواب قال الكثير من المفسرين :

              باسم الله أستعين، وهذا رغم شهرته لا دليل عليه، فلقائل أن يقول باسم الله أتوكَّل أو أستغفر أو...، فكلُّ تلك الأفعال تفتقر إلى قرينة غير موجودة، فما هو الحلّ إذاً؟

              إرتباط البسملة بالسورة

              مادام أنَّ البسملة مرتبطة بالسورة فلماذا نلتجأ إلى خارج السورة للبحث على متعلق، فبالإمكان حصول المتعلَّق من نفس السورة وهو المتعيَّن.

              أقـول:

              إنَّ المتعلَّق للجار والمجرور في البسملة هو ما يأتي بعدها، وفي سورة الفاتحة هو "الحمد لله".

              فيكون المعنى هكذا :

              إنَّ جنس الحمد أي كلُّه لله تعالى، ذلك لأنَّه لا يتحقق حمدٌ إلاّ باسمه تعالى فمادام الحامد هو اسم الله والمحمود هو اسم الله، فالحمد لله، يكون بإسم الله.

              وهذا لا يختص بسورة الفاتحة بل هو جارٍ في جميع السور، فبإسم الله الرحمن الرحيم إقرأ، وباسم الله الرحمن الرحيم قُلْ وهكذا، وان كانت دائرة الإسم في كلِّ سورة غير دائرته في سورة أخرى، كما أنَّ أوسع دائرة ونطاق لإسم الله هو نطاق الإسم الموجود في بسملة سورة الفاتحة، وذلك لسعة إطار الحمد لأنَّه لله ربِّ العالمين.

              نعـم :

              إنَّ سورة التوبة لا تبتدأ بإسم الله حيث البرائة والنفي وهي تعني الابتعاد والتنفُّر والانزجار، ولا يكون ذلك باسم الله، فالعدم الصرف والشرّ المحض لا يكون مظهراً من مظاهر الله تعالى، فهو جلَّ شأنه وتبارك اسمه وجودٌ مطلقٌ وخيرٌ محضٌ وكمالٌ صرف.

              أهمية نقطة الباء

              فمادام أنَّ الرابط بين اسم الله الرحمن الرحيم الراجع إلى الحق وبين الحمد لله رب العالمين الراجع إلى الخلق إنَّما هو الباء، فبطبيعة الحال أوَّلُ مظهَرٍ من مظاهر الله تعالى وأوَّل تجلِّي من تجلياته الذي هو أعلى مستوى من الخلق لتقدِّمه على الخلق، هو الباء وقد ورد:

              ((بالباء ظهر الوجود وبالنقطة يتميز العابد عن المعبود))

              ولا يخفى أنَّ النقطة هي الباء، لأنها تتميَّز بنقطتها الموحَّدة عن المثناة أي التاء والمثلَّثة أي الثاء، فبهذه النقطة قد تميَّز العابد عن المعبود وذلك باعتبار أنَّ أوَّل ما ظهر هو الباء، وهي المشيئة التي شرحناها سابقاً.

              وقال علي عليه السلام :

              ((أنا النقطة)) (بحار الأنوار ج40 ص156 الرواية 54 باب93)

              وقد ورد في الزيارة الجامعة :

              ((بكم فتح الله )) (بحار الأنوار ج101 ص153 الرواية3 باب18)

              و قال تعالى :

              {السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أوَّلئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (الواقعة/10-12)

              ((وعن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى والسابقون السابقون أوَّلئك المقربون قال: نحن السابقون...)) (بحار الأنوار ج24 ص4 روايه11 باب23)

              القـلم

              قال الإمام قدِّس سرُّه :

              ((وفي بعض خطب أمير المؤمنين ومولى الموحدين سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه: "أنا اللوح وأنا القلم، أنا العرش، أنا الكرسي، أنا السموات السبع، أنا نقطة باء بسم اللّه وهو سلام اللّه عليه بحسب مقام الروحانية يتحدُّ مع النبي صلى اللّه عليه وآله، كما قال صلى اللّه عليه وآله أنا وعلي من شجرة واحدة وقال: أنا وعليٌّ من نور واحد إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على اتحاد نورهما عليهما السلام وعلى آلهما)) (شرح دعاء السحر ص87)

              أقـول وفي تفسير على بن إبراهيم :

              ((عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوَّل ما خلق الله القلم، فقال له اكتبْ، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة)) (بحار الأنوار ج57 ص366 روايه1 باب4).

              وفي حديث آخر :

              ((عن محمد العطار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن النوفلى عن على بن داود اليعقوبى عن الحسن بن مقاتل عمن سمع زرارة يقول: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن بدء النسل من آدم على نبينا وآله وعليه السلام ...إن الله عز و جل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة، قبل خلق آدم بألفي عام، وإنَّ كتب الله كلها فيما جرى فيه القلم)) (بحار الأنوار ج11 ص223 روايه2 باب5)

              فنتسائل : ماذا يقصد بالقلم؟ و لم سمِّي بهذا الإسم؟ وما هو دور القلم؟

              في الجواب نقول :

              إنَّ دور القلم هو إظهار ما في الضمير على صفحة الورق، فالإنسان عندما يأخذ قلماً فهو إنَّما يظهرُ ما هو مكنون ومكتوب على صفحة نفسه وباطنه، ويكتب به على صحيفة حسِّية شهودية وهي الورق، فالقلم إذاً واسطة بين ما في الضمير "أعني الغيب" وبين الشهود، ووسيلة لظهور الفيض ونشره على الصحيفة الظاهرة، ومن هنا أُطلق القلم على أوَّل ما خُلق، لأنَّه تعالى كتب به بيديه الجلالية والجماليَّة، فالقلم واسطة بين الخالق والمخلوق.

              والجدير بالذكر ما ورد في الحديث التالي عن ابن عبّاس قال :

              ((إن أوَّل ما خلق الله من شيءٍ القلم، فأمره ان يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامه والكتاب عنده ثم قرأ: "وإنَّه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم")) (بحار الأنوار ج11 ص223 روايه2 باب5)

              وفي كنز العمال عن الحسن بن أبى الحسن الديلمى بإسناده :

              ((عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سأله سائل عن قول الله عزّ وجلّ: وإنَّه في أمّ الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم، قال: هو أمير المؤمنين))(بحار الأنوار ج 23 ص 210 روايه 16 باب11)

              وفي دعاء الغدير المنقول في التهذيب و المصباح :

              (( فاشهدْ يا إلهى إن الإمام الهادي المرشد الرشيد علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين الذي ذكرتَه فى كتابك فقلت: وإنّه فى أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)) (بحار الأنوار ج 98 ص 304 روايه 2 باب4)

              وعلى ضوء ما قلنا يمكنك الجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا المجال ففي الحديث الذي يتحدَّث عن أسئلة الشامي من أمير المؤمنين عليه السلام، قال الشامي:

              ((أخبرني عن أوَّل ما خلق الله تبارك وتعالى فقال: النور)) (بحار الأنوار ج 1 ص 96 روايه 2 باب2)

              كما أنَّ هناك حديثاً آخر روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال:

              ((أوَّل ما خلق الله نورى)) (بحار الأنوار ج 1 ص 97 روايه 7 باب2)

              وهو صلى الله عليه وآله العقلُ الأوَّل الذي قد وردت أحاديث كثيرة في شأنه وأنَّ:

              ((أوَّل ما خلق الله العقل)) (بحار الأنوار ج 1 ص 97 روايه 8 باب2)

              الإمـام المبـين

              من هنا يمكنك معرفة الآية المباركة التالية:

              {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين}(يس 12)

              فالإنسان الكامل يشتمل على كلِّ شيء وكل حادثة، وعليه نعتقد أنَّ أئمتنا عليهم السلام يعلمون ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإذا عرف الإنسان خليفة الله فقد عرف الله، وذلك لأن خليفة الله هو باب معرفتة تعالى، وكل صفة من صفاته تجلٍ ومظهرٌ لصفة من صفات الله تعالى، فعلمه مظهر لعلم الله، وقدرته مظهر لقدرته، وحلمه مظهر لحلمه، ولطفه مظهر للطفه وهكذا سائر صفاته، وأفُقُه نفس أفق القرآن الكريم، فهو القرآن الناطق المشتمل على كلِّ شيء كما أنَّ القرآن الذي بين الدفتين في المصحف الشريف هو الكتاب الصامت الذي يقول عنه تعالى:

              {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام/59)

              ومن هنا قال تعالى :

              {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}

              و في الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم :

              ((من عرف نفسه فقد عرف ربه )) (بحار الأنوار ج2 ص32 روايه22 باب9)

              وقد ذكر صدر المتألهين (قدِّس سرُّه) احتمالات أربعة لهذا الحديث ومن جملتها :

              من عرف الانسان الكامل وهو النبّي الأكرم محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم فقد عرف ربَّه، إذ أنَّ الإنسان الكامل هو المثل الأعلى لله سبحانه وتعالى، فبمعرفته يعرف الإنسان ربَّه ، ولئِن كان النظر إلى سائر المخلوقات يوصل الإنسان إلى الربّ، فإنَّما يتعرَّف على ربِّها، لا ربِّ الناس، وبين الأمرين بونٌ بعيد، فلاحظْ دعاء الجوشن الكبير العظيم الشأن الذي رواه جماعة من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم)، وهو من الأدعية المعروفة المروية عن الإمام السجاد زين العابدين عن أبيه عن جدِّه علي بن أبي طالب عن النبي الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين:

              ((يا رب النبيين والأبرار، يا رب الصدِّيقين والأخيار، يا ربّ الجنة والنار، يا ربّ الصغار والكبار، يا ربّ الحبوب والثمار، يا ربّ الأنهار والأشجار، يا ربّ الصحاري والقفار، يا رب البراري والبحار، يا ربّ الليل والنهار، يا ربّ الإعلان والإسرار)) (بحار الأنوار ج94 ص391 روايه3 باب52).

              ثمَّ قارِنْ بينه وبين قوله تعالى :

              {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس* مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (الناس/6:1)

              ومن هذا المنطلق يمكنك معرفة الحديث القدسي الذي يقول :

              ((كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف)) (بحار الأنوار ج78 ص199 الرواية6 الباب12)

              فكل من يتكلَّم فهو يحب أن يُظهر ما ضميره ويشتاق إلى إعلانه، فمنشأ التكلّم هو العشق، والقرآن الكريم هو إظهار للغيب المطلق الذي هو الكنز المخفي، وفي الحديث:

              ((إنَّ الله تعالى تجلَّى في كتابه و لكن لا تبصرون))

              ومن هنا صار النظر إلى الكتاب الإلهي كالنظر إلى الله سبحانه وتعالى، فكذلك الإنسان الكامل أعني الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم كالقرآن الكريم بالنظر إليه يعرف الله سبحانه وتعالى.

              قال صدر المتألهين رضوان الله تعالى عليه :

              ((قال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" والمراد منها نفوس الكمَّل من الأنبياء والمرسلين، لأنَّ نفسَ كلِّ واحدٍ منهم كلمة تامة نازلة من عند رب العالمين "كتاب مرقوم يشهده المقرَّبون" مشتملٌ على آيات الملك والملكوت وأسرار قدرة الله والجبروت، ثم اصطفى من بينهم كلمةً جامعةً "أوتيت جوامع الكلم"، وأرسل إلينا رسولاً كريماً، ونوراً مبيناً، وقراناً حكيماً، وصراطاً مستقيماً، وتنزيلاً من العزيز الرحيم، فجعل نسخة وجوده نجاةَ الخلق من عذاب الجحيم، وكتابَه خلاصاً من ظلمات الشياطين، والقرآنَ النازل معه براءة العبد من سلاسل تعلُّقات النفس ووساوس إبليس اللعين)) (الحكمة المتعالية ج7 ص20)

              ثمَّ يختم كلامه (ره) في الموعظة الحسنة نذكرها إتماماً للفائدة:

              ((فاعرفه أيُّها السالك إلى الله‍! حتى تعرف ربَّك، قال تعالى : "من يطع الرسول فقد أطاع الله" وقال الرسول : "من رآني فقد رأى الحق" فصحِّحْ يا مسكين نسبتك إليه لأ انَّه الأصل في الوجود، والمؤمنون بالله واليوم الآخر تابعون له في المقام المحمود، والمؤمن من صحَّتْ له نسبة التابعية، كمرآةٍ وقعت فى محاذاة مرآةٍ حاذت الشمس فيتحدَّ معه فى النور "ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور" فافهم هذا)) (الحكمة المتعالية ج7 ص21)

              و الحمد لله ربِّ العالمين و صلى الله على أفضل بريته محمد وآله الطاهرين الهداة المهديين و اللعن على مبغضيهم و منكري فضائلهم أجمعين.

              http://www.al-kawthar.com/

              تعليق


              • #8
                ألحلقه الرابعه

                (4)

                أوليـاء الله

                إن الله سبحانه وتعالى هو الوجود المطلق بلا قيدٍ، فيشتمل على جميع الخيرات بنحو مطلق، فهو جمال مطلق، وعلم مطلق وقدرة مطلقة، وإرادة مطلقة بل هو الكمال المطلق بجميع ما تحمل الكلمة من معنى، فهو بجميع خصوصياته التي يدلُّ عليها الاسم الجامع وهو الله سبحانه وتعالى قد ظهر في الوجود، وتجلّى في الكون، فجميع الكون هو وجه الله ومظهره، فليس هناك جمال إلاّ الجمال الإلهي، وليست هناك إرادة إلاّ إرادة الله، والكل فقير إليه، وحقائق جميع الأشياء بيده سبحانه:

                {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يس/83)

                ومن هنا يتبيّن المراد من قوله تعالى في سورة الرحمن حيث يقول:

                {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن26،27)

                وكذلك قوله تعالى في سورة القصص :

                {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (القصص/88)

                يقول الشاعر الفارسي:

                ((سيه روئي زممكن در دو عالم جدا هركز نشد والله أعلم))

                أي سواد الوجه من ممكن الوجود وهو كلّ ما سوى الله تعالى لم ولن ينفصل عنه أصلاً، سواء تلبَّس بالوجود أم لم يتلبس به، حيث أنَّ ممكنَ الوجود طبيعتَه طبيعةٌ سوداء مظلمة لا نور لها وكما قيل:

                ((كلُّ ما في الكون وهمٌ أو خيال *أو عكوس في المرايا أو ظَلال))

                وظهور ممكن الوجود كله يرجع إلى الوجود، فلأجل وُجوده ظهر، فلولا الوجود لما ظهر الممكن أصلاً، فليس هناك شيء ظاهرٌ في الكون إلا الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى وليس هناك شيء باطن إلاّ الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى.

                {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (سورة الحديد/3)

                فلا أول قبل الوجود ولا آخر بعده، لأن الحق المطلق ليس أولاً له آخر، ولا هو آخرٌ له أوَّل بل كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :

                ((هو الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخرٍ يكون بعده))

                فالأول هو والآخر هو، وجميع الموجودات مظاهره تعالى، ليس لها أي استقلال وأصالة أبداً، بل هي أمور اعتبارية محضة:

                {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ ...} (النور/39)

                فالغافل من يرى الأشياء فيحسبها مستقلة في الوجود ويعتبرها ذات قيمة، فيُقَيِّم الدنيا والآخرة والمال والجاه والجمال، فهو الأعمى حقاً:

                {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَـى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (سورة الإسراء/72)

                {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...} (النور/35)

                فالآية صريحة في أنَّ الله تعالى نور السماوات والأرض وليس مُنوِّرها، فيا ترى ما هو المقصود من هذه الآية المباركة؟

                إنها تريد القول بأنَّ الله نورٌ، والسماوات والأرض وهما إشارة إلى جميع الكون سواء المُنَور منه أو غير المنور، أعماق الأرض أو سطحها.

                فالكواكب التي لا تصل إليها نور الشمس أيضاً ذات نور، ونورُها هو الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

                فجميع الموجودات سواء كانت مظلمة في الظاهر أو مضيئة، حتى السُّرُج كالشمس بل وحتى نفس النور، كلها مظلمة في حدِّ ذاتها، حيث أنَّها معلولة فقيرة تحكمها الحدود والتعيُّنات والقابليات (سوف نشرح آية النور بالتفصيل، راجع الكلمة)، ولذا يمكن السؤال عنها بكيف وأين وكم وهل!

                وأمّا الله فهو نور مطلق ليس له حدٌّ ولا يأيَّن بأين، وفي الكافي بإسناده عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور قال:

                ((خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بعد العصر فعجب الناس من حسن صفته وما ذكره من تعظيم الله جلّ جلاله، قال أبو إسحاق، فقلت للحارث أ و ما حفظتَها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه: الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه ... ليست في أوَّليَّته نهاية، ولا لآخريته حدّ ولا غاية، الذي لم يسبقه وقتٌ، ولم يتقدَّمه زمان، ولا يتعاوره زيادة، ولا نقصان ولا يوصف بأين ولا بِمَ ولا مكان)) (الكافي ج1 ص141 روايه7)

                وهو تعالى الذي جعل النور نوراً :

                {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (سورة نوح/16)

                فشعَّ النور المطلق ، فكلٌّ اكتسب النور على قدر استعداده وقابليته :

                ((يا نور كل نور يا نور كلّ شيء))

                فالله سبحانه وتعالى هو نور النور باعتبار أن النور لا يكون كذلك إلا إذا كان موجوداً فالوجود هو النور حقيقةً، وهو منور النور، وخالق النور ومدبر النور ومقدِّر النور، حيث أنَّ نورانية النور من الوجود، كما أنَّ جمال الجميل وقدرة القادر وإرادة المريد من الوجود، فهو نور فوق كل نور، ونور ليس كمثله نور.

                ((وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء))

                فالنور الحسي مهما بلغ من الشدة فله قَدَر محدود وسوف ينتهي أمده من ناحية الزمان وتنتهي شموليته من ناحية المكان، فمادام هو محدود فسوف يكون لها أفول وزوال، وهذا شأن كلِّ شيء ذات حدّ، لأنَّه متغير، وكل متغير حادث، أي لم يكن وكان، فوجوده ليس من نفسه بل هو من واجب الوجود أعني الله سبحانه وتعالى.

                ومن المستحيل أن يخبو النور المطلق:

                {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} (سورة التوبة/32)

                وعلى ضوء ما ذكرنا يمكن أن نصل إلى مستوىً من عمق كلمات أئمتنا عليهم السلام في هذا الموضوع.

                ففي دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام:

                ((أ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهِر لك، متى غبت حتّى تحتاج إلى دليلٍ يدلُّ عليك، أو متى بَعُدتَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبك نصيبا))

                فليس هناك حجاب في قبال هذا النور ،لأنْ ليس وراء الحق المطلق شيء يحجبه:

                ففي الكافي بإسناده :

                ((عن محمد بن زيد قال: جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد، فأملى عليَّ: الحمد لله فاطر الأشياء إنشاءً، ومبتدعها ابتداعاً ...احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية ووصف بغير صورة، و نُعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال)) (الكافي ج1 ص105 روايه3)

                روي مثله عن أبي إبراهيم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام (البحار ج3 ص327 رواية27 باب14).

                فكلّ شيء في عالم الملك والدنيا قد اكتسب الوجود من الفيّاض المطلق بمقدار الوعاء الخاص به والقدَر المعيَّن له:

                {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه/50)

                {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (الأعلى/3)

                {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقـَدَرٍ مَعْلـُومٍ} (الحجر/21)

                ومن الطبيعي أنّ الموجودات كلّها قد أُحسن خلقها، فلا تتمنى أن تتبدل إلى غيرها:

                {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (السجدة/7)

                ومن هذا المنطلق ليس هناك تفاوت في خلق الرحمن ،كيف وهو ذو الرحمة الواسعة!

                {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (الملك/3)

                فلو نظرنا إلى نظام الخلق وتعمقنا فيه لعرفنا بأن هناك نظاماً طولياً يبدأ من الحق المطلق وينتهي إلى الجماد.

                وكلُّ هذا الاختلاف لم ينشأ من الله سبحانه وتعالى، فهو ليس ببخيل بل هو الغني على الإطلاق، و الفيّاض المطلق، وهو دائم الفضل على البرية وباسط اليدين بالعطيّة، فلا يعقل أن يمنع الأشياء قسطها، كيف وهو القائل:

                {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} (الأعراف/85)

                {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} (الإسراء/35)

                {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} (الرحمن/7)

                وفي سورة الرعد قد قرَّب سبحانه هذه الحقيقة بمثال رائع حيث قال :

                {أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ} (الرعد/17)

                فمن خلال هذه الآية المباركة نعرف :

                أنَّ الماء الذي أنزله الله لم يكن محدوداً، بل كان كثيراً، ومن كثرته انقلب سيلاًً، وأمّا الأودية فكانت مختلفة من حيث القابليّة، فكلّ وادٍ منها كان يتحمّل الماء بمقدار سعته ووعائه، وبعد الفيضان حصل الباطل الذي يتمثّل في الزبد الرابي المتلوّن والمتشكل بأشكال مختلفة ذات المظهر الخلابّ المغري.

                ولأنَّ الملائكة عقول محضة فلا يتصور فيها التكامل، وكذلك الجمادات والنباتات والحيوانات بطبيعتها محدودة الإطار بلا زيادة ولا نقصان، فلا تتكامل من ناحية القرب إلى الله أي التكامل الطولي، وإنّما يمكن تربيتها ونموّ استعدادها، وهذا ما يطلق عليه التوسع العَرضي.

                ولمكان هذا التسلسل الطولي أصبح كلٌّ منها ولياً تكوينياً على الآخر، فالحيوان له الولاية التكوينية على النبات والنبات على الجماد.

                وأماّ الإنسان فضلا عن أنه حيوان ونبات وجماد له الولاية التكوينيَّة (بما هو إنسان) عليها.

                والنفس الإنسانية مضافاً إلى إمكان توسعتها عَرضاً، يمكن أن تتكامل في النظام الطولي، ففي الجانب العَرضي يتوسَّعُ الإنسان بالعلوم التجريبية كالطبّ والفيزياء والكيمياء وحتى الصناعات، فهذه العلوم بما هي علوم ليس لها أيُّ دور في تكامل الإنسان وتقربه إلى الله سبحانه.

                نعـم : ربَّما تكون سبباً ووسيلةً لسلوك الإنسان في مراتبَ طوليَّةٍ تقرِّبُه إليه تعالى.

                وأمّا العلوم الإنسانيَّة فبطبيعتها تصنع الإنسان وتبنيه فتوسِّع في أفقه وترفعه إلى مستويات عالية تقرِّبه إليه تعالى، ومن هنا تكون للإنسان الكامل ولاية تكوينيَّة على غيره من الموجودات، بل على الإنسان الذي دونه شأناً ومنزلةً (ومن منطلق هذه الولاية والكرامة الإلهية حيث أن "أكرمكم عند الله أتقاكم" يمكننا أن نتعرَّف على أسرار كثير من العبادات والمعاملات، فالإنسان الأتقى له الولاية على من دونه، حتى لو كان أباه، حيث أنَّ وجوده أكمل من غيره فيجب على الغير إطاعته وتبعيته وذلك يعني إطاعة الله، غير أنَّ الإطاعة بالنسبة إلى غير المعصوم محدودة، قال تعالى: "المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" كما أنَّه لا قوّامية للرجل الفاسق على المرأة المؤمنة إلاّ في مجال المسائل الزوجية، وأمّا في سائر الأمور الراجعة إلى الشريعة فلا ولاية له عليها. ومن هنا أيضاً تعرف السر في الإسترقاق، حيث أن الكافر المحارِب كالحيوان بل هو أضل سبيلاً، فيُتعامل معه تعاملَ حيوان فيباع ويُشترى، وكذلك بالنسبة إلى كثير من التشريعات فتأمَّل.)

                وهذا هو مقام رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمَّة المعصومين عليهم السلام الذين هم خلفاء الله في الأرض ومظاهر صفاته وأسمائه، فجميع الموجودات تكون تحت ولايتهم التكوينيَّة، فلهم الولاية على جميع ذرات الكون.

                فلا تظهر صفة من صفاته سبحانه حتَّى الإرادة في موجود من الموجودات إلاّ من خلال تلك الأنوار الطاهرة ، وهذه الولاية هي مرآة ولاية الله سبحانه.

                ثمَّ إنَّ الله سبحانه هو منشأ الخيرات:

                {بيده الخير}

                ولكن حيث أنَّهم عليهم السلام أوَّل فيض من فيوضاته لأنَّ بهم فتح لله ، فلهذا و صلوا إلى مرتبة نخاطبهم :

                ((إن ذكر الخير كنتم أوّله، وأصله، وفرعه، و معدنه، و مأواه، ومنتهاه)) (بحار الأنوار ج102 ص132 رواية4 باب8 وج102 ص155 رواية5 باب8)

                فجميع ذرات الكون حتى الجمادات لا يمكن أن تصل إلى غاية كمالها إلاّ بهم ، فكما أنَّ القرآن الكريم يشتمل على جميع الحقائق:

                {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (النمل/75)

                {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (يونس/61)

                فكذلك ولي الله الأعظم ، حيث أنَّ له الولاية التكوينيَّة ، فكلُّ شيءٍ تحت سلطانه و إرادته بإذن الله تعالى :

                {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} (يس/12)

                وقال تعالى :

                {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (السجدة/24)

                والآية تشير إلى الهداية بالأمر التي هي الولاية التكوينيَّة، وقد تحدَّث العلامَّة الطباطبائي قدس سرُّه في الميزان حول الهداية بالأمر (الميزان ج14 ص304)

                وفي الحديث :

                ((محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل قال: أخبرني شريس الواشي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنَّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الإسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ واحدٌ عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوه إلاّ بالله العلي العظيم)) (الكافي ج1 ص230 رواية1).


                نا من الإسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ واحدٌ عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوه إلاّ بالله العلي العظيم)) (الكافي ج1 ص230 رواية1).

                url]http://www.al-kawthar.com/[/url][/]

                تعليق


                • #9
                  الحلقه الخامسه


                  (5)

                  مـرآةُ ولايـة الله


                  أسـماء الله جلّ جلاله
                  إن الله سبحانه وتعالى تجلّى بأسمائه وصفاته في الخلق كما تجلى بألوهيته في القرآن الكريم، حيث أنّ القرآن هو الجامع لجميع صفاته الكمالية وأسمائه الحسنى وفيه تبيان لكلّ شيء.

                  وكلما كانت الأسماء نابعة عن الذات، كان للتجليات والمظاهر الدوام والبقاء لأنَّ الله هو الباقي قال تعالى:

                  (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ)(الرحمن/26،27).

                  وقال تعالى:

                  (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(القصص/88).
                  ومن ناحية أخرى اسم الأعظم هو "الله" سبحانه وتعالى وهو الكلمة العليا المشتملة على رموزٍ وأسرار من ناحيتين، لفظيَّة ومعنويَّة، فمن البعد اللفظي هي كلمة دالَّة على تلك الذات المنزَّهة من جميع العيوب، والمتحلِّية بجميع المحاسن، والجدير بالذكر أنَّها باقية على ما عليها من المعنى مهما نقصت منها الحروف، فلو كانت كاملة فهي "الله".

                  قال تعالى:

                  (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(البقرة/255).

                  ولو أخذت الألف منها صارت "لله" قال تعالى:

                  (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض)(آل عمران/189)

                  ولو نقصت الألف واللام الأولى صارت "له" قال تعالى:

                  (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(البقرة/116)

                  وفي صورة ما لو نقصت الألف واللاّمان صارت "هـ" أو "هو" قال تعالى:

                  (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(البقرة/37)
                  وقال جلَّ وعلا:

                  (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(الإخلاص/1).
                  فلاحظ السرّ المكنون في هذا الإسم، فهو يدلّ على نفس المسمّى في جميع الحالات وكافة الاحتمالات.

                  وأما سائر الأسماء سواء أسماء الذات منها أو أسماء الفعل، كالملك والقدوس والسلام والمؤمن والمهيمن والعزيز والجبار والمتكبر والخالق والباريء والمصور وكالشافي والوافي والمعافي والغفور والرحيم فلكلُّ واحدة منها شأن ومنزلة رغم أنَّها جميعاً نابعة عن تلك الذات ومظاهر ذلك الواحد الأحد ولذلك نشاهد جملة

                  (هُوَ اللَّهُ)
                  في موارد ثلاثة قبل ذكر الصفات في قوله تعالى:

                  (هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَــوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم)(الحشر24:22).

                  وكذلك في سائر الصفات كرِّرت كلمة "الله".

                  سورة التوحيد:

                  وعلم الأسماء من أهم العلوم وأعمقها، ومن خلاله يصل العارف إلى علومٍ لا حدَّ ولا حصر لها، فالكلام عن أسمائه تعالى بالتفصيل يتطلَّب بحثاً مستقلاً لسنا بصدد بيانه في هذا المختصر، فنقتصر بالحديث التالي المنقول في الكافي للمحدِّث الكليني رضوان الله تعالى عليه:

                  ((علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها، الله مما هو مشتق قال: فقال لي: يا هشام: الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمَّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أ فهمت يا هشام؟ قال: فقلت: زدني قال إن لله تسعة وتسعين اسماً، فلو كان الاسم هو المسمَّى لكان كلّ اسم منها إلهاً، ولكن الله معنىً يدل عليه بهذه الأسماء، وكلُّها غيره، يا هشام: الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق أ فهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله جلَّ وعزّ غيره قلت: نعم قال: فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا))(الكافي ج1 ص87 روايه2).



                  الولـيّ إسم شامل

                  الولـيّ هو اسمٌ من أسماء الله الشامل لجميع الأزمنة، والمحيط على جميع الموجودات، وقد وصف الله نفسه بالولي في آيات كثيرة قال تعالى:

                  (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران/68).
                  (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(البقرة/286).

                  (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)(التوبة/51).
                  (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(الأنفال/40).

                  بخلاف كلمة الرسول فهي ليست من أسماء الله، بل عندما يبعث سبحانه رسولاً إلى أمّة من الأمم، فحينئذٍ يتصف ذلك الشخص المرسَل بهذه الصفة. فالرسالة ليست من مظاهره سبحانه، تلك المظاهر التّي لها الاستمرارية والأبديّة.

                  ومن هذا المنطلق اختُتمت الرسالة دون الولاية، فهي أبدية، ولها الاستمرارية والبقاء.

                  ومن هذا المنظار تكون الولاية أعظم من الرسالة والنبوّة، وأشمل منهما، وبطبيعة الحال هي أفضل، وإنّما صار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم هو الأفضل من سائر الأنبياء والأولياء فلأنَّه تحلَّى بكلا المقامين، فهو صلى الله عليه وآله وليٌّ مطلق ثمَّ رسول خاتم.



                  الولايـة والحكم لله

                  الولاية بالأصالة إنّما هي لله تعالى، حيث أنه هو الخالق الموجد للكون بإرادته الأزلية:

                  (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يس/82)

                  ومن هذا المنطلق صارت الولاية لله:

                  (هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ...)(الكهف/44)
                  والحكم لله:

                  (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ)(الأنعام/57).
                  (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)(المائدة/47)

                  والعزَّة لله جميعاً:

                  (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)(فاطر/10)
                  وكل من يريد أن يتولى الآخرين لا بدَّ وأن يكتسب الشرعية منه تعالى، وإلا فلا اعتبار لولايته أصلا ، وحيث لا ولاية، فلا قدرة ولا قوة ولا عزَّة.

                  ولايـة الأنبـياء

                  هناك عدد خاص من الأنبياء قد اكتسبوا الولاية من الله عزَّ وجلَّ، وذلك في إطار خاص حسب مرتبة النبي لاختلاف مراتبهم:

                  (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ...)(البقرة/253).



                  يتبع.............

                  تعليق


                  • #10
                    تابع.........

                    الحلقه الخامسه


                    (5)

                    مـرآةُ ولايـة الله


                    داود عليه السلام خليفة الله

                    إنَّ الله سبحانه يخاطب داود النبي بقوله:

                    (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(ص/26)

                    فكان هو نبياً لأنَّ الله خاطبه قبل أن يتحلَّى بمنصب الخلافة الإلهيّة، فلم يؤذن له أن يحكم بين الناس إلاّ بعد وصوله إلى هذه المرتبة، ومن هنا نشاهد أنّه سبحانه يُفرِّع الحكم على الخلافة بقوله:

                    (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)


                    إمامة إبراهيم عليه السلام

                    قال تعالى:

                    (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)(البقرة/124).

                    ولم تكن هذه الابتلاءات هينة، بل كانت شاقة للغاية، فبعد إتمامها أصبحت نفس إبراهيم مهيأة لقبول تلك المرتبة السامية، أعني الإمامة والولاية.

                    إبراهيم محطم الأصنام
                    ولأهمية هذا الامتحان ينبغي لنا أن نتحدّث عنه شيئاً فنقول:

                    بعد أن أتى إبراهيم الخليل ربَّه بقلب سليم وفطرة صافية سأل قومه مستغرباً ومتعجباً:

                    (مَاذَا تَعْبُدُون)(الصافات/85).
                    وهذا النوع من الاستغراب أمر طبيعي، حيث أنَّ الشرك هو أمر غريب عن فطرة الإنسان وهو إفك وبهتان، ومن هنا قال:

                    (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُون فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(الصافات/86،87).



                    فكيف يواجههم ليُقنعهم؟‍‍!

                    لا توجد طريقة غير ترك الحوار والنقاش معهم فالحلّ الصحيح الإلهي يتطلب أن يخلّى ونفسه وأن يواجه بنفسه هذا الإفك المبين:

                    (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ)(الصافات/88،89).
                    فلا أقدر الخروج معكم والمشاركة في عيدكم، وربما استدلَّ بالنظر في النجوم على وقت حمى كانت تعتريه فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ وأراد من ذلك أنَّه قد حضر وقت السقم وقرب نوبة العلَّة، فكأنه قال إني سأسقم لا محالة وحان الوقت الذي يعتريني فيه الحمى، وقد يسمى المشارف للشيء باسم الداخل فيه، قال الله تعالى:

                    (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(الزمر/30)
                    وشاهد ذلك أنَّ القوم كانوا يعتمدون على النجوم كثيراً، فقد ورد في شأنه:

                    (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام/79:75).

                    فهو عليه السلام انطلق من نفس ما يعتقدونه ليجرُّهم إلى التوحيد (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) وخلَّفوه في المدينة وحيداً فاغتنم هذه الفرصة الذهبية (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) وذلك بالغيظ والسخرية (فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) وأراد منهم أن يأكلوا تلك الأطعمة والثمار التِّي عرضت عليهم من قِبل الجهلة، وجعلت أمامهم في أيام العيد (مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُون) وهاهنا يأتي دور الحركة والفعل بدلاً من القول (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِين فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) أي يسرعون الخطى، فجعل يصرخ في وجه هؤلاء المشركين ويخاطبهم ببيان فصيح لا غبار عليه (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) وهل يكون المصنوع المنحوت خالقاً ليكون ربًّا؟ (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) فكل وجودكم حتَّى أعمالكم التَّي هي من عوارض وجودكم ومن شؤونه مخلوقة لله تعالى (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) فهم عزموا على قتل إبراهيم ومحوه من البسيطة بالمرّة ليجعلوه من الأسفلين (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأسْفَلِينَ).



                    هذا بداية ما امتحن به إبراهيم عليه السلام، وهكذا استمرّت الامتحانات، و كان من أعظمها القرار الحاسم لذبح إسماعيل ابنه الذي كان عطاء الله له في الكبَر استجابة لدعائه، ثمَّ الهجرة إلى وادٍ غير ذي زرع ، وبناء البيت حيث يقول:

                    (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(إبراهيم/37).

                    فبعد نجاحه عليه السلام وإتمامه لجميع تلك الكلمات قال تعالى مخاطبا له:

                    (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)(البقرة/124).

                    وفي حديث الكافي:

                    ((محمد بن سنان عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنَّ الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عليه السلام عبداً قبل أن يتَّخذه نبيّاً، وإن الله اتخذه نبيّاً قبل أن يتَّخذه رسولا، وإن الله اتَّخذه رسولا قبل أن يتَّخذه خليلاً، وإن الله اتَّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له الأشياء، قال: إنّي جاعلك للناس إماماً. قال عليه السلام: فمن عِظمها في عين إبراهيم قال: ومن ذرِّيتي! قال: لا ينال عهدي الظالمين)) (بحار الأنوار ج12 ص 12 رواية36 باب1).



                    عصمة الإمام

                    فكلّ من يصدر منه ذنب صغيراً كان أو كبيراً فهو ظالم لنفسه، هذا في غير الإمام أما لو كان إماماً فهو ظالم لنفسه ولغيره ممن يأتمّ به، بالإضافة إلى أنّ الأمّة سوف تفقد حينئذٍ الاطمئنان به، فلا يمكن أن يصدر من الإمام ذلك، لأن فيه نقضاً للغرض الذي من أجله نُصب الإمام، وهو محال في حقه تعالى.

                    وأيضاً لا يمكن أن يتصور صدور الذنب منه حتى في الخفاء، لأن الذنب ينقص من شأن الإنسان ويورث حزازة فيه، فلا تكون فيه الأرضية لتقبّل الوحي أو الإلهام أو الكرامة، فالإمامة ليست هي إلاّ انعكاس صفات الله الجمالية والجلالية في مرآة قلب الإنسان الكامل.

                    وكذلك بالنسبة إلى الأفعال الأخرى التي لم تصل إلى مرحلة الذنب فالميزان فيها هو الاطمئنان، فكلُّ أمر يوجب سلب اطمئنان الناس عنه فمن المحال صدوره من المعصوم، وأمّا ما لا يؤدِّي إلى سلب الاطمئنان فلا مانع من إتيانه، وإن كان ظاهره عملاً لا يُرغب فيه، وعلى ضوء ذلك صارت درجات الأنبياء متفاوتة.



                    محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليّ ورسول

                    وأمّا ولاية نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله فهي الولاية العظمى على جميع الخلق آدم فمن دونه حيث أنّ:

                    (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(الاحزاب/6).
                    فمادام هو ولياً على أنفس الناس، فولايته صلى الله عليه وآله على أموالهم وسائر شؤونهم بطريق أولى، قال تعالى:

                    (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)(الاحزاب/36).

                    أنظر إلى شدَّة التعبير في الآية الكريمة، فلا خيرة للمؤمنين في قبال قضائه صلى الله عليه وآله وسلَّم، وعصيانه هو عصيان الله وهو الضلال المبين.

                    وقال:

                    (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(النساء/65).

                    وفي هذه الآية ثلاث مراحل مترتِّبة:

                    1 أن يكون الرسول هو الحَكم لا غيره.
                    2 أن يتقبَّل المؤمن بكلّ ما حَكم به الرسول من صميم قلبه وعمق ذاته.
                    3 أن يُسلّم أمره إلى الرسول ولا يتخطى عن أمره مثقال ذرّة.


                    وقال تعالى:

                    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء/59)


                    عليٌّ عليه السلام هو الولي

                    مضافاً إلى النفس القدسية والصفاء المنقطع النظير، والأرضية المميّزة الكامنة في شخصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام التّي تفضِّله على جميع الأنبياء والأوصياء ما عدا خاتمهم.

                    وهناك أدلّة نقلية كثيرة من الكتاب والسنة تثبت صحة ما نذهب إليه، فآية الولاية والإطاعة والبلاغ والسؤال ومئات من الآيات، وأيضاً حديث المنزلة والسفينة ومئات من الأحاديث هي من أعظم الأدلَّة على أنّه هو الوليّ المطلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولوضوح دلالتها ومضمونها لم نتطرق إليها هاهنا، إلاّ أننا نحاول أن نتوسَّع شيئاً ما في خصوص حديث الغدير وبعض من الآيات التي نزلت في شأن تلك الواقعة العظيمة، وقد أفردنا له عنواناً خاصاً وهو النعيم الإلهي.

                    كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري

                    www.al-kawthar.com


                    http://www.al-kawthar.com/

                    تعليق


                    • #11
                      ألحلقه السادسة

                      (6)
                      النّعيـم الإلهـي


                      إنَّ حديث الغدير، متواتر بين العامّة والخاصة قد نُقل بأسانيد كثيرة جداً حتَّى صارت واقعة الغدير كبعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم من ناحية الأهمِّية والوضوح. وقد ورد الحديث في أكثر كتب العامَّة (راجع برنامج موسوعة الحديث الشريف في الحاسب الآلي1991-1995 عند البحث في من كنت مولاه) ، نكتفي بما يلي:

                      في مسند الإمام أحمد بن حنبل:

                      ((حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنّا مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم في سفر، فنزلنا بغدير خمٍ فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه فقال: ألستم تعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه، قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد عليٍّ، فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه: قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: هنيئًا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة))(مسند أحمد بن حنبل الحديث17749).

                      وفي سنن ابن ماجة:

                      ((عن سعد بن أبى وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد، فذكروا عليا فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كنت مولاه فعلي مولاه" وسمعته يقول: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى". وسمعته يقول : "لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله"))(سنن ابن ماجة جلد:1 ص45).

                      وفي سنن الترمذي بإسناده:

                      ((عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، فقال: كأنِّي قد دعيت فأجبت إنِّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما فإنَّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض. ثمَّ قال: إن الله عز وجل مولايَّ وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضى الله عنه فقال من كنت مولاه فهذا وليُّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه))(مستدرك الحاكم جلد:3 ص109).

                      وذكر الحديث بطوله.

                      ولم يقتصر صدور هذا النصّ من الرسول في غدير خم، بل صدر منه في مواقع عديدة نكتفي بواحدٍ منها من طرق غيرنا.

                      ففي مستدرك الحاكم:

                      ((حدّثنا الفضل بن دكين حدّثنا ابن أبي غنيّة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن بريدة قال: غزوت مع عليّ اليمن، فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرت عليّا فتنقّصته فرأيت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتغيّر، فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه))(مسند أحمد الحديث رقم21867).



                      ثم إن الخطيب البغدادي قال في تاريخه:

                      أنبأنا عبدالله بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة ، قال:

                      ((من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فأنزل الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم)).

                      وقال: أخبرنيه الأزهري، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري -إملاء- حدثنا علي بن سعيد الشامي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، وذكر الخبر مثل ما تقدم أو نحوه. وأخرجه الحافظ ابن عساكر بطريقه إلى أبي بكر الخطيب، وأخرجه بالإسناد عن أبي بكر الخطيب ابن الجوزي في العلل الواهية، حيث قال: أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت...الخ.(العلل الواهية ج1 ص226 ح356). والحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل والعاصمي في زين الفتى والمرشد بالله الشجري في الأمالي من طريقين والخطيب الخوارزمي في مناقبه والحافظ الجويني في فرائد السمطين والحافظ ابن المغازلي في المناقب، والحافظ أبو الحسين عبد الوهاب الكلابي المعروف بابن أخي تبوك في مسنده، والبلاذري في أنساب الأشراف والحافظ ابن عدي الجرجاني في كامله، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب، والحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط والصغير.

                      وأخرجه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف قال:

                      حدثنا شريك، عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه، قال: دخل أبو هريرة المسجد، فاجتمعنا إليه، فقام إليه شاب، فقال: أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

                      ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فقال له الشاب: أنا منك بريء، أشهد أنك قد عاديت من والاه، وواليت من عاداه. قال فحصبه الناس بالحصا)).

                      وفي الأمالي للمرشد بالله الشجري:

                      (( فقال له الناس(أي للفتى) أسكتْ أسكتْ))
                      وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة الخبر مع بعض الاختلاف في التعبير.

                      ألسـت بربِّـكم
                      فلنسلط الضوء على واحد من أهم مفردات الحديث وهو قوله صلى الله عليه وآله :

                      ((ألست أولى بكم من أنفسكم))
                      أو ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم))
                      وأنت إذا تأملت فستلاحظ أنَّ لسان هذا المقطع المهم من الحديث يساوق لسان الآية الكريمة التالية:

                      (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)(الأعراف/172).

                      إنَّ الله سبحانه وتعالى ومن منطلق ربوبيته للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (ربك)، طلب من بني آدم الاعتراف بربوبيته والتسليم له، وأشهدهم على أنفسهم كي لا يُنكروا هذه الحقيقة، ومن الطبيعي أن يقرَّ العبد بالعبودية لربِّه.

                      ومن المعلوم أنَّ الرسول لا ينطق عن الهوى، فكل ما يصدر منه إنَّما هو طبقاً لما يوحى إليه حتى استخدامه للكلمات وأسلوب تكلمه وسياق خطبه ووصاياه.

                      فإنّنا نشاهد نفس المضمون قد صدر منه صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير، فبعد أن أخذ الاعتراف والإقرار من الناس بالنسبة إلى نبوَّته وأولويته من أنفسهم، قال: لا بدَّ من قبولكم ولاية عليٍّ عليه السلام الذِّي خلَّفتْه السماء عليكم من بعدي، وكان يؤكِّد على كلمة (اللهم اشهد) إتماماً للحجة وإيضاحاً للمحجَّة.

                      فالقضيَّة إذاً ليست مما يمكن التغاضي عنها وجعلها في طيِّ النسيان، بل هي تتعلَّق بأصل خلق الإنسان وفلسفته الوجوديَّة، حيث أنَّ الوصاية ما هي إلا استمرارٌ للنبوَّة التي هي مظهر حاكميّة الله على الإطلاق.

                      ولو أردنا أن نصل إلى عمق هذه الحادثة فينبغي لنا أن نتأمَّل في الآيات النازلة بشأنها فهي:

                      (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة/67).

                      يا أيَّـها الرسـول
                      إنَّ نبيَّنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلَّم قد نودي في الذكر في تسعة عشر مورداً، وذلك بتعبيرات أربعة، والملاحظ أنَّ الله سبحانه لم يخاطبه باسمه كما خاطب سائر الأنبياء بل في ثلاثة عشر مورداً يخاطبه بقوله: (يا أيها النبي) وفي موردين يخاطبه (يا أيُّها الرسول) وهناك خطابات أخر مثل (يا أيُّها المُزَّمل) (يا أيُّها المدَّثر) وقوله (طه) (يس) على ما في أحاديثنا.

                      فبالنسبة إلى النداءات التِّي تخاطب النبي (يا أيُّها النبيّ) فإنها تتمحَّض في سور "الأنفال والتوبة والأحزاب والممتحنة والتحريم" وتنحصر في أمرين:

                      ألف: ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله.

                      ب : الأمور المتعلقة بنساء النبيّ.

                      والجدير بالذكر هو أنَّ الموردين اللذين قد خاطب الله فيهما نبيَّنا بقوله (يا أيُّها الرسول) كليهما متعلقان بالولاية والإمامة.

                      والآيتان في سياق واحد من حيث أنَّ هناك من يحارب الولاية ويقف دون تحقّقها في المجتمع، فالله سبحانه لأجل ذلك يواسي رسولَه ويسليه كي يحقق الهدف السّامي الذي بُعث لأجله.

                      فأمّا قوله سبحانه وتعالى :

                      (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ) (المائدة/67)

                      فهو يتعلَّق بواقعة الغدير المتواترة لدى الفريقين.

                      وأمّا قوله سبحانه

                      { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ }(المائدة/41)

                      فهناك حديث دالٌّ على أنَّها تختصُّ بالولاية ، وهذا نصُّه :

                      ((عن تفسير علي بن إبراهيم القمِّي عن الإصفهاني ، عن المنقري ، عن شريك عن جابر ، قال: قال رجلٌ عند أبي جعفر عليه السلام ، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً و باطنةً ، قال : أمّا النعمة الظاهرة فهي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و ما جاء به من معرفة الله عزّ و جلّ و توحيده ، و أمّا النعمة الباطنة ولايتُنا أهل البيت ، و عقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة و الباطنة ، و اعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوها باطنه فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (المائدة/41) ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عند نزولها إذ لم يقبل الله تبارك وتعالى إيمانهم إلاّ بعقد ولايتنا ومحبتنا)) (بحار الأنوار ج42 ص25 رواية7 باب92).

                      ومن الواضح أنَّ الخطاب بقوله(يا أيُّها الرسول ) في الآيتين بدلاً عن سائر الصفات هو دليل على أنَّ الرسالة هي التِّي لها هذا الاقتضاء وأنَّ تبيين الولاية هي أهم أهداف الرسالة .

                      وفي خصوص آية التبليغ قد صرَّح سبحانه بقوله :

                      {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}المائدة 67

                      وأما الرسالة فهي شأن آخر لها جانبان :

                      1-جانب ربوبي .

                      2-جانب خلقي .

                      فربُّ العالمين يربِّي الأمَّة على مرِّ الزمن بواسطة الرسول بما هو رسول و يهديهم تشريعاً وتكويناً أعني الهداية بالأمر الذي مرَّ تفصيلها.

                      وعلماً بأنّه كان خاتم الأنبياء و المرسلين فلو لم يبلِّغ رسالته بتنصيب الإمام لم يتحقَّق الغرض من رسالته، كيف والولاية هي من صميمها.

                      ومن هنا نعرف السرَّ في تعبير القرآن بقوله “لقد منَّ” بصيغة الفعل الماضي الدال على المُضي و الانقضاء ، حيث أنَّ الرسالة قد ختمت به صلوات الله عليه وآله :

                      {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ }(آل عمران 164)

                      وأمّا بالنسبة إلى الإمامة فهي مستمرَّة لا نهاية لها ولا انقضاء إلى يوم القيامة ، حيث أنَّها تتمثَّل في الإنسان الكامل الذّي هو النور الصِرف الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، لأنَّه مظهر النور المطلق وهو الله سبحانه وتعالى ولهذا جاء كلمة المنَّة بنحو الفعل المضارع الدال على الاستمرار و الدوام في قوله :

                      {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ}(القصص5)

                      فمن أولويات شئون الرسالة هو تعريف الإمام و تنصيبه للناس ، الذي من خلاله تنزل الفيوضات الإلهيَّة وسوف يبقى الوحي من ربِّ العالمين مستمرّاً.

                      ولهذا نشاهد العلاقة الوثيقة بين الإمامة والرسالة المحمَّدية كما دلت عليها أحاديث كثيرة فالإمام هو :

                      ((سليل الرسالة-معدن الرسالة-موضع الرسالة-مفاض الرسالة-محكم الرسالة-محطّ الرسالة -رواسي الرسالة-أهل بيت الرسالة -فيهم نزلت الرسالة-أحق الخلق- بسلطان الرسالة-مودتهم أجر الرسالة))

                      فيستفاد من الآية الكريمة الأمور التالية:

                      1-إنّ من وظائف الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم هو إبلاغ الوحي الإلهي في جميع جوانبه وزواياه .

                      2-إنَّ هناك رسالة مميَّزة قد أُمر رسول الله بإبلاغها للناس ، وليس المقصود الشريعة بأجمعها لأنَّ لا معنى حينئذٍ لقوله فإن لم تفعل فما بلغت رسالته .

                      3-إنَّ تلك الرسالة الخاصَّة تُضاهي جميع الأمور الأخرى التِّي بيَّنها الرسول خلال حياته بل هي الرسالة بعينها.

                      4-إنَّ تنصيب عليٍّ عليه السلام إماماً للمؤمنين هو الحكم الإلهي النازل على الرسول في ذلك اليوم .

                      5-إنَّ عدم تبيين تلك الرسالة تعني عدم تبليغ الرسالة من الأساس .
                      6-ينبغي للرسول أن يتَّخذ خطَّة عمليَّة من خلالها يتمكَّن من ابلاغ الرسالة الخاصَّة وذلك لمكان قوله تعالى : “فإن لم تفعل”و لهذا لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالإبلاغ فحسب بل طلبَ من الناس رجالاً و نساءً أن يُبايعوا علياً عملاً وفي الحديث :

                      ((...و أمر علياً عليه السلام أن يجلس فى خيمة له بإزائه ، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنؤه بالمقام و يسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلّهم ، ثمَّ أمر أزواجه و سائر نساء المؤمنين معه ان يدخلن عليه و يسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن...))(بحار الأنوار ج 21 ص 386 روايه 10 باب 36)

                      7-كانت هناك مؤامرة تواجه الرسول من قِبَل بعض الناس إزاء تبليغ هذه الرسالة المميَّزة ، فأخبره الله سبحانه بأنَّه هو المتكفِّل للقضاء على هذه المؤامرة الخطيرة حيث يقول “والله يعصمك من الناس”.

                      8-هؤلاء المتآمرون بوقوفهم ضد رسالة الرسول و إنكارهم الولاية جُعلوا في عداد الكفّار بدليل “والله لا يهدي القوم الكافرين” فكلّ من يقف ضدّ الولاية فقد دخل في زمرة الكفّار وابتلي بالعذاب الأليم.

                      لا تقيّةَ بعد نزول الآية:
                      إنَّ الظاهر من الآية المباركة أنّه صلى الله عليه وآله كان يعيش التقيَّة في أمر الولاية قبل نزولها وأمّا بعد نزولها فانتفت التقيَّة ، ويشهد لذلك الحديث التالي :

                      ((الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن سهل بن القاسم النوشجاني قال : قال رجل للرضا عليه السلام يا بن رسول الله أنه يروى عن عروة بن زبير أنَّه قال : توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و هو في تقيةٍ ؟ فقال: أما بعد قول الله عز و جل “يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس” فإنَّه أزال كلَّ تقيةٍ بضمان الله عزَّ و جلَّ له و بيّن أمر الله))(بحار الأنوار ج 16 ص 221 رواية 16 باب 9)

                      ومن اللازم هاهنا أن نجيب على السؤال التالي وهو :

                      ما هو الضرر الذي كان يواجه الأمّة لولا التبليغ ؟ وهل كان رسول الله يحافظ على نفسه كي يخاطبه الله بقوله “والله يعصمك من الناس”؟

                      كيف وهو الذي وهو المخاطب بقوله :

                      {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً}(النساء 84)

                      ويقول أمير المؤمنين عليه السلام :

                      (( كنّا إذا احمر البأس إتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يكن أحدٌ منّا أقربَ إلى العدوِّ منه))(بحار الأنوار ج 19 ص 191 رواية 44 باب 8).

                      كلُّ ذلك كان قبل فتح مكّة وأمّا بعد الفتح، فقد اتَّسعت قدرة الإسلام وقويت شوكته ، فلا خوف من الناحية العسكرية ، فممَّ كان الخوف؟

                      يتبع......

                      تعليق


                      • #12
                        تابع
                        ألحلقه السادسة

                        (6)
                        النّعيـم الإلهـي





                        نقول في الجواب :

                        إنَّ الخوف كان من جانب آخر أهمّ و هو الجانب السياسي ذلك لأنَّ موضوع الولاية كان مهماً و حسّاساً للغاية، حيث يثير الأحقاد القبلية، والضغائن البدرية والخيبرية الكامنة في صدور القوم، وحيث التخطيط الدقيق المركَّز لتصاحب الخلافة بعد الرسول، و التسلُّط على رقاب المسلمين، وهذا هو من أهم المخاطر التي كانت تواجه الإسلام، ولكنَّ القوم فوجئوا بالغدير فيَئسوا من نجاح خطَّتهم الإسلام، كما يشهد بذلك التأرخ وهذا ما يستفاد من الحديث التالي:

                        ((عن المفضَّل بن صالح ، عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام أنَّه قال : لما نزلت هذه الآية “إنما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا” شقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وخشي أن يكذَّبه قريش، فأنزل الله “ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية” فقام بذلك يوم غدير خم))(بحار الأنوار ج 35 ص 188 رواية10باب4).



                        أهميَّـة هذا التبـليغ:

                        إنَّ أهمِّية هذا الأمر قد وصل إلى مستوى بحيث ورد في الحديث عن أبي جعفر محمد بن على عليه السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله مخاطباً لعليٍّ عليه السلام قال:

                        ((لقد أنزل الله فيك “يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته “فلو لم أبلِّغ ما أُمرتُ به لحبط عملي)) (بحار الأنوار ج 36ص139رواية99باب39)



                        ولا يخفى أنَّه من المستحيل أن يخالف الرسول ربَّه في هذا الأمر، ولكن يدلُّ ذلك على الأهميَّة الكبيرة لتبليغ ما أنزِل إليه من ربِّه، وهو تعيين أمير المؤمنين عليه السلام خليفةً على المسلمين .

                        وتأييداً لذلك نذكر حديثاً في هذا المجال :

                        ((على بن إبراهيم عن أبيه عن الحكم بن بهلول عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ” (الزمر/65)، قال يعنى إن أشركت في الولاية غيره، بل الله فاعبد و كن من الشاكرين يعنى بل الله فاعبد بالطاعة و كن من الشاكرين إن عضدتك بأخيك وابن عمك))(الكافي ج1ص427رواية76).

                        والجدير بالذكر أنَّ سورة محمَّد صلى الله عليه وآله قد بيَّنت بصورة صريحة النتائج السلبيَّة التِّي تترتَّب إنكار الولاية أو كراهتها ، حيث يقول سبحانه وتعالى:

                        {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ...إلى أن قال.. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}(محمد9،26).

                        ونذكر هاهنا حديثاً يتعلَّق بالآية الأولى :

                        ((عن أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قوله تعالى: “ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله “ في عليٍّ عليه السلام فأحبط أعمالهم))(بحار الأنوار ج23ص385رواية87باب21)

                        ومن أراد أن يتوسَّع في هذا المجال فليراجع كتاب كنز العمّال.

                        ثمَّ إنَّه ومن خلال هذا البحث سوف نواجه قضيَّة أخرى نجعلها تحت عنوان:

                        ما أُنـزل إليـك
                        عندما التأمُّل في الآية 66 من سورة المائدة التِّي جاء ت قبل آية التبليغ، ينفتح أمامنا زاويةً يمكن من خلالها أن نعرف مدى خطورة أمر الولاية ودورها في حياة المجتمع معنويةً ومادِّيةً حيث يقول سبحانه:

                        {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالآنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...." (المائدة/66)

                        فهناك ارتباط وثيق بين إقامة ما أنزل من ربِّ العالمين وبين نزول البركات السماوية والأرضيَّة على الأمَّة .

                        ومن هنا نعرف السرّ في استشهاد الصديقة فاطمة عليها السلام بهذه الآية عند بيانها الاعوجاج الذي حدث في الإسلام حيث قالت:

                        وفي الحديث :

                        ((عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ولو أنَّهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، قال: الولاية))(الكافي ج1ص413رواية6).

                        وفي تفسير قوله تعالى:

                        وأيضاً وردت أحاديث كثيرة في تفسير قوله تعالى:

                        {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}(الجن/16).

                        ((عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني،عن موسى بن محمد، عن يونس بن يعقوب، عمن ذكره، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً “ قال: يعنى لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، والأوصياء من ولده عليهم السلام، وقبلوا طاعتَهم في أمرهم، ونهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً، يقول: لأشربنا قلوبهم الإيمان، والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء))(الكافي ج8 ص58 رواية19).

                        وفي قبال ذلك نشاهد أنَّ أساس الفساد بدأ من اللحظة التِّي توفّي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كما في الحديث التالي:

                        ((عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن على بن النعمان، عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، في قوله عزّ و جلّ : “ظَهَرَ الفَسَادَ فِي البرِّ و البَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي الناس” قال: ذاك و الله حين قالت الأنصار منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ)) .

                        وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف السرّ في آية إكمال الدين وإتمام النعمة وهي:

                        {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ}(المائدة/3).

                        موقع الآية في المصحف :
                        {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المائدة/3).

                        والمقطع المتعلِّق بحادثة الغدير غير منسجم مع الآية من ناحية المعنى أصلاً، وهذا لا يعني أنَّه قد وُضع في غير موضعه، حيث أنَّ هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا القبيل، وسوف نطرَّق إلى هذا الأمر فيما بعد . وخلاصة الأمر ترجع إلى الجانب الفنِّي في القرآن الكريم، حيث أنَّه كتابٌ لهداية الناس بأفضل الأساليب والطرق، وهاهنا نقول:

                        حفاظاً على النصوص الواردة في حقِّهم عليهم السلام لكثرة المؤامرات والخطط ضدّ كلّ أمرٍ يمتًّ إليهم بصلة ، نشاهد أنَّه قد وردت هذه النصوص في مواضعها حين نزول القرآن أو أدرجها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم بأمر الحكيم جلَّ وعلا، ضمن آيات بعيدة كل البعد عن تلك الأمور ، والمتدبِّر في تلك الآيات سوف يعرف المقصود من غير شبهة ، وأمّا الذين في قلوبهم مرض فيغض النظر عن التفكير في إزالتها فيحاول تحريف محتواها بزعم وجود قرائن مقالية محيطة بها كما فعل القوم، ومن تلك الآيات هي آية الغدير التِّي هي مورد بحثنا.

                        وهناك شواهد كثيرة تدلُّ على أنَّ الآية غير متعلِّقة بالمحرَّمات نذكر بعضَها:

                        1-سياق الآية حيث نشاهد أنَّها غير كاملة إلاّ بمجيء المقطع الأخير منها وهي قوله “فمن اضطرّ” ، والدليل على ذلك وجود آيتين متشابهتين أحدهما في سورة البقرة ، والثانية في سورة النحل:

                        {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة/173).

                        {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(النحل/115).

                        وأيضاً الآية الـتالية:

                        {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأنعام/145)

                        وهذا دليل على أنّ ذلك المقطع ، قد أُدرج ضمن الآية .

                        2-إنَّ الآية تقول (اليوم يئس الذين كفروا عن دينكم....) ولو كان اليأس لأجل تلك الأحكام الخاصة ، أعني تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها فهي غير مختصَّة بهذا اليوم الذي نُزلت فيه الآية بل تلك الأحكام وردت في آيات أخرى أيضاً ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل على أنَّ يأس الذين كفروا عن الدين إنَّما هو لأجل أمر آخر أهم ( وهو إعلام الولاية وتبليغها بنحو علنيٍّ ).

                        وفي الحديث

                        (( قال أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام: أنزل الله عز و جلّ على نبيه صلى الله عليه وآله وسلَّم بكراع الغميم “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس” فذكر قيام رسول الله بالولاية بغدير خم قال: ونزل جبرئيل بقول الله عز وجل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً بعلي أمير المؤمنين في هذا اليوم أكمل لكم معاشر المهاجرين والأنصار دينكم وأتم عليكم نعمته ورضى لكم الإسلام دينا فاسمعوا له وأطيعوا تفوزوا وتغنموا))(بحار الأنوار ج37 ص 137 رواية 26 باب52)

                        قال في النهاية .. كراع الغميم كغراب موضع على ثلاثة أميال من عسفان و ذكره الفيروز آبادى .

                        قال : الراغب الإصفهاني في المفردات :

                        (( كمل: كمال الشيء حصول ما فيه الغرض منه ، فإذا قيل كمل ذلك فمعناه حصل ما هو الغرض منه ))

                        ((تمام : تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شئ خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه... قال تعالى { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ }(الأنعام/115).{ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ }(الصف/8).{ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} (الأعراف/142)))



                        قال إمام الأمَّة (قدِّس سرُّه):

                        ((كمال الشيء ما به تمامه و انجبر به نقصانه ...فالصورة كمال الهيولى ، والفصل كمال الجنس ، ولهذا عرّفت النفس بأنّها كمال أول لجسم طبيعي آلي، إذ بها كمال الهيولى باعتبار وكمال الجنس باعتبار. ولهذا كانت الولاية العلوية أدامنا اللّه عليها كمال الدين وتمام النعمة، لقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}(المائدة/3) وقال أبو جعفر عليه السلام في ضمن الرواية المفصلة في الكافي: ثم نزلت الولاية. وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل اللّه تعالى: {اليومُ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب، انتهى. فسائر العبادات بل العقايد والملكات بمنزلة الهيولى والولاية صورتها وبمنزلة الظاهر وهي باطنها ، ولهذا من مات ولم يكن له إمام فميتته ، ميتة الجاهلية وميتة كفر و نفاق و ضلال ، كما في رواية الكافي ، فإن المادة والهيولى لا وجود لهما إلاّ بالصورة و الفعلية ، بل لا وجود لهما في النشأة الآخرة أصلاً ، فإن الدار الآخرة لهي الحيوان، وهي دار الحصا، والدنيا مزرعة الآخرة.))


                        أهميَّـة الولايـة:

                        في تفسير فرات الكوفي:

                        قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا : عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : حين أنزل الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) قال : فكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام .

                        إن الله سبحانه و تعالى حين خلق الكون بإرادته المطلقة (إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون) أوجد الأشياء فصارت جميع الأشياء فقيرة إليه تعالى في ذاتها و هو الغني المطلق و صار سبحانه حاكما تكوينيا عليها جميعا.. فظهرت أسماؤه الحسنى في الكون. الولاية ليست هي مسألة قلبية فحسب بل هي أمر عملي خارجي له دور مهم في تطبيق سائر الأحكام الإلهية ، و بدونها يبقى الدين له جانبان جانب متعلق بالله و هو الجانب التشريعي و جانب يرجع إلى الناس و هو الجانب التنفيذي فالتشريع مهما كان متقنا و مهما كان مقدسا إلاّ أنه يبقى في عالمه (أعنى عالم التشريع) مادام لم يصل إلى مرحلة العينية والمصداقية، فمن الضروري أن تتنزل الشريعة في المجتمع وتنطبق كي يكون المجتمع مظهرا لاسم الله أعنى الحاكم وحينئذ سوف يتحقق الغرض من التشريع الإلهي وهو حاكمية الله على إرادة الناس الذي يستتبع حاكميته على كل شيء بقي أمر واحد وهو إرادة الإنسان فهي من ناحية تكوينية مظهر من مظاهر ذاته سبحانه حيث أن من أسماء ذاته تعالى (المريد) ولكن لأن طبيعة الإرادة طبيعة مميزة حيث بها يختار الإنسان الخير والشر فأراد الله سبحانه من الإنسان أن يختار الخير ويجتنب عن الشرّ وباختياره هذا يترقى في مدارج الكمال، فشرع الشريعة و بين الأحكام.. فها هنا يأتي دور الإنسان حيث يلزمه تطبيق الشريعة في المجتمع ويأتي دور الإمام حيث ينبغي له الإشراف على تطبيق الشريعة.. فإذاً دور الإمام دور حيوي وهو ركن مهم كالشريعة نفسها بل لو نظرنا إليه من منظاره الخاص صار أهم من ذلك لأنه بدونه لا جدوى للشريعة الإلهية. ومن هنا نعرف عمق ما بيّنه مولانا علي عليه السلام في كلمته حيث قال:

                        وقال عليٌّ عليه السلام (.. ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمه فإن انقطع النظام تفرق و ذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً...)(نهج البلاغة لابن أبي حديد ج9 باب146ص95)

                        فالإسلام يمثِّل المسباح والعبادات كلُّها من الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وغيرها وكذا المعاملات ليست هي إلاّ كالخَرز لذلك المسباح، ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله تمكَّن من تجهيز الخرَز طوال 23 سنة وتثقيبها بأكملها فلم تكمل بعدُ ما دام لم يمرُّ من خلالها الخيط حيث أن قوام المسبح بالخيط والولاية تُمثِّل ذلك الخيط القويّ الذي يجمع شمل العبادات والمعاملات وسائر أبعاد وزوايا الإسلام فبالولاية قد كمُل الإسلام (اليوم أكملت لكم دينكم) بعد أن كان ناقصاً لا فائدة فيه وتمَّت النعمة (وأتممت عليكم نعمتي) بعد أن كانت غير تامَّة حيث كان يُخاف على زوالها بارتحال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

                        ومن الواضح أنه لا ضمان لبقاء الخرز من غير الخيط (النظام على حدّ تعبير أمير المؤمنين) فلا ضمان لبقاء الصلاة و الصوم و... من غير الولاية ومن هنا نعرف معنى قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم...“ حيث أنه بالفعل قد كمل الدين في يوم الغدير و تمت النعمة التي هي الولاية و قد ورد في تفسير قوله تعالى:

                        {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ}(التكاثر/8)



                        (عدةٌ من أصحابنا عن احمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن القاسم بن محمد الجوهري عن الحارث بن حريز عن سدير الصيرفي عن أبي خالد الكابلى قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام فدعا بالغداء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما قط انظف منه ولا أطيب فلما فرغنا من الطعام قال يا أبا خالد كيف رأيت طعامك أو قال طعامنا قلت جعلت فداك ما رأيت أطيب منه ولا أنظف قط و لكنى ذكرت الآية التي في كتاب الله عز وجلّ لتسئلن يومئذ عن النعيم قال أبو جعفر عليه السلام لا إنَّما تسألون عما أنتم عليه من الحق ) (الكافي ج 6 ص 280 رواية 5)



                        وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نصل إلى عُمق الحديث التالي:

                        (عن على بن إبراهيم عن أبيه و عبد الله بن الصلت جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال بنى الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت وأيُّ شيءٍ من ذلك أفضل فقال الولاية أفضل لأنَّها مفتاحُهن والوالي هو الدليل عليهن.. ثمَّ قال: قال ذروه الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته..)(وسائل الشيعة ج1 باب29 ص119 رواية298 وأيضاً ج1 باب1 ص13 رواية2)

                        والولاية هاهنا لا يقصد منها الحب بل هي كالصلوة والصوم والزكاة .. وهي عبادات عمليَّة وليست أموراً قلبيَّة بحتة و أيضاً قوله عليه السلام والوالي هو الدليل عليهن حيث اشتقاق اسم الفاعل من الكلمة دليلٌ على أن الولاية هاهنا إنَّما تعني الجانب العملي التِّي هي الإطاعة والتبعيَّة المطلقة ومن هنا قال عليه السلام : (قال ذروة الأمر .. الطاعةُ للإمام)

                        الوحي التسديدي:

                        إنَّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ليسوا كمبلغين للرسالة فحسب بل هذا هو دور العلماء أيضا حيث قال تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}(الأحزاب/39).

                        فالعلماء ليس لهم دور إلاّ الدفاع عن الشريعة ببيان النصوص القرآنية وما صدر عن المعصومين عليهم السلام.

                        ولكن أهل البيت عليهم السلام مضافاً إلى دفاعهم عن الشريعة فهم كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أصحاب الدعوى و شركاء رسول الله في أمر النبوة و لهذا ورد في زيارة الحجة عجل الله تعالى فرجه “ السلام عليك يا شريك القرآن “ والدليل على ذلك آية المباهلة:

                        {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(آل عمران/61)

                        أقول:

                        ومن الواضح أن الكاذب لا يطلق على المتفرِّج فهو ليس بكاذب و لا صادق.. بل الكاذب و الصادق من الصفات التي تطلق على من لديه ادعاءٌ ما ، فهو (أعنى المدَّعي) إما صادقٌ في ادعائه أو كاذب فقوله تعالى “فنجعل لعنت الله على الكاذبين “ دليلٌ على أن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في يوم المباهلة كرسول الله كان صاحب ادِّعاء حيث ارتباطه بعالم الغيب وهذا ما يطلق عليه “ الوحي التسديدي “ في قبال الوحي التشريعي.

                        الإشـراك في الأمـر:

                        وأيضاً حديث المنزلة دليل آخر حيث صارت منزلة عليٍّ عليه السلام بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله كمنزلة هارون من موسى و هذا يعنى أنه تعالى أشركَ علياً مع محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم في أمرِ الرسالة التِّي طلبها موسى من الله لأخيه هارون (وأشركه في أمري) وإن كان هناك فرقٌ كبير بين هارون وبين عليٍ عليهما السلام وذلك لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَم حيث اختتمت به النبوَّة فهو أفضل الأنبياء كما أنَّ وصيَّه هو أفضل الأوصياء والسرُّ في ذلك هو ما ذكره الإمام قدَّس الله نفسَه الزكيَّة في بيان حقيقة الإنسان الكامل حيث قال:

                        {إن كانت عينه الثابتة تابعة للاسم الأعظم لاختتمت به دائرة النبوة كما اختتمت بالنبي المعظم الخاتم صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولم يوجد شخص آخر من الأولين والآخرين ومن الأنبياء والمرسلين ، تكون عينه الثابتة، تابعة للإسم الأعظم ولم يكن ظهور ذاته بجميع الشئون ولهذا حصل له صلى اللّه عليه وآله وسلم ظهور بجميع الشئون وحصلت الغاية من الظهور في الهداية، وتم الكشف الكلي واختتمت النبوة بوجوده المقدس}

                        ثم قال :

                        {وإذا فرضنا أن شخصاً من أولياء اللّه تبعاً لذات النبي المقدّس وهدايته سبحانه بلغ نفس المقام المقدَّس، لكان كشفه عين النبي، إذ لا يجوز التكرار في التشريع}

                        ومن هنا صار أمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله فهو إذاً أعلى من جميع الأنبياء عليهم السلام إلاّ خاتمهم وذلك لأنَّه خليفة للكشف التام ومن هنا قال صلى الله عليه وآله

                        {إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي}

                        فهذه العبارة لا تُقلِّل من مرتبة أمير المؤمنين عليه السلام بل تُضاعفه وتجعل عليّاً أعظم من هارون لأنَّ هناك أنبياءً بعد موسى عليه السلام فلم تكن نبوَّته تامَّة دون النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فهو خاتم النبيين وهو الذي وضع اللبنة الأخيرة وكملت به الدائرة، والذين يأتون من بعده هم الهداة بالأمر فيهدون الناس إلى الشريعة الكاملة وهذا المستوى أعني الهداية بالأمر أفضل من مستوى جميع الأنبياء.

                        يأس العدو من الدين:

                        وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف أهمية هذا النصب في غدير خم حيث أن العدوّ كان يتصور أنه بعد ارتحال رسول الله ليس هناك من يتولى أمر الرسالة وكان يتوقَّع باستئصال الإسلام من أساسه حيث لا حيوية للدين على زعمهم بعد ارتحاله صلى الله عليه وآله وسلَّم و من يأتي بعده ليس له دور رسالي بل هو مبلِّغ للوحي ليس إلاّ

                        {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ* قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ} (الطور/30،31)

                        فواقعة الغدير قد قضت على جميع تلك المخطَّطات و أفشلت كافةَ المؤامرات.

                        والجدير أن قضية الغدير استمرت بعد ارتحال عليٍّ عليه السلام حيث انتقلت الولاية إلى الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و هكذا.. إلى أن انتهت المسألة إلى عصر الغيبة الكبرى لولي العصر الحجة بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فانتقلت الولاية إلى الفقيه الجامع للشرائط لا للعالم فحسب بل لمن كان صائناً لنفسه حافظاً على دينه مخالفاً لهواه مطيعا لأمر مولاه.. فاليوم ليس هو يوم 18 ذي حجة فحسب بل هو كل يوم يعيش فيه الإنسان تحت ظل الولاية.

                        {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المائدة/3)

                        عليٌ عليه السلام كفؤٌ للزهراء سلام الله عليها:

                        فكما أن الكوثر (وهي الزهراء) كانت سبباً لاستمرار النبوة وعند ولادة الزهراء قال تعالى

                        {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ}(الكوثر/3)

                        فكذلك عند تتويج علي عليه السلام الخلافةَ يوم الغدير يئس العدوّ “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ “ فاستمرت الرسالة المحمدية.



                        هذا و نختم الحديث بذكر أروع قصيدة ذكرت في شأن الغدير وهي قصيدة السيد الحميرى (ره):

                        لام عـمرو باللوي مربـع طـامسة أعـلامها بلقـع

                        تـروع عنها الطير وحشية والوحش من خيفته تفزع

                        رقش يخاف الموت من نقشها والسم في أنيابها منقع

                        برسـم دار ما بها مونس الاصـلال في الثرى وقـع

                        لما وقفت العيس في رسمها والعين من عرفانه تدمع

                        ذكرت من قد كنت ألهو به فبـت والقلب شج موجـع

                        كأن بالنـار لما شـفني من حب أروى كبدي لـدع

                        عجـبت من قوم أتوا أحمـدا بخطة ليس لها موضع

                        قالوا له : لو شـئت أعلمتنا إلى من الغاية والمفزع

                        إذا توفيـت وفارقتـنا وفيهم في المـلك من يطـمع

                        فقال : لو أعلمتكم مفزعا كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا

                        صنيع أهل العجل إذا فارقوا هارون فالترك له أوسع

                        وفي الذي قال بيـان لمن كان إذا يعـقل أو يسـمع

                        ثـم أتـته بعد ذا عزمة من ربـه ليس لها مدفـع

                        بلّـغ وإلا لم تكن مبـلغا والله منهم عاصـم يمنـع

                        فعنـدها قام النـبي الذي كان بما يأمر به يصـدع

                        يخطـب مأمـورا وفي كـفه كف علي ظاهر تلمـع

                        رافـعها أكرم بكف الذي يرفع والكف الذي تـرفع

                        يقول والأمـلاك من حوله والله فيهم شاهد يسـمع

                        من كنت مـولاه فهذا له مولى فلم يرضوا ولم يقنع

                        فاتهمـوه وحنت فيهم على خلاف الصادق الأضـلع

                        وضل قوم غاضـهم فعـله كأنـما آنافـهم تجـدع

                        حتى إذا واروه في لحده وانصرفوا عن دفنه ضيعوا

                        ما قال بالأمس وأوصي به واشتروا الضر بما ينفع

                        فالناس يوم البعث راياتهم خمس فمنها هالك أربـع

                        قائـدها العجل وفرعونهم وسامري الأمة المفظـع

                        ومـارق من ديـنه مخرج أسود عبد لكـع أوكـع

                        وراية قائـدها وجـهه كأنـه الشـمس إذا تطـلع



                        [الحمد لله الذي جعل كمال دينه و تمام نعمته بولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام]


                        انتهيت من كتابة هذا البحث في اليوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة1416
                        كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري

                        www.al-kawthar.com
                        http://www.al-kawthar.com/

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                        يعمل...
                        X