أمّيـة النبـيّ:
س: قال تعالى: [وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ] (العنكبوت:48)، هل تدل هذه الآية على أن النبي(ص) لم يعرف القراءة والكتابة قبل البعثة؟
ج: نعم، والدليل قوله تعالى: [إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ]، يعني أنّك لو كنت تعرف القراءة والكتابة، وعرف الناس منك ذلك، باعتبار أنك عشت معهم قبل النبوّة أربعين سنة، لقالوا إنك قد قرأت الكتب السماوية وقد كتبتها، فهذه الرسالة التي جئت بها ليست وحياً من اللّه، ولكنها ثقافة مما قرأته ومما كتبته. بينما عندما يعرفك الناس وأنت لم تقرأ كتاباً طيلة هذه المدة، ولم تكتب أيضاً كتاباً، أو تنقله، فيعرف الناس أنّ هذه الرسالة تشتمل على علم ليس مسبوقاً، وليس موجوداً في محيطك الذي عشت فيه طيلة هذه المدة، ولاسيّما أنّها تشتمل على أنباء الغيب، كما قال الله سبحانه: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [يوسف:102]، فيعرفون أنك نبي من قبل اللّه سبحانه وتعالى، ولست مجرد إنسان مثقف يأتي بما أخذه من ثقافته.
هل الأمّية نقصٌ للنبيّ؟
س: وهل القول إنّ الرسول أميّ ينقص من كماله؟
ج: إن الأمّية لا تنقص من كمال النبيّ(ص)؛ لأن الأمية إنما تنقص من كمال الإنسان، باعتبار سببيّتها للجهل، أما إذا كانت الأمية تنفتح على علم واسع عميق يتصل بعالم الغيب وبعالم الشهود، ويعطي الناس برنامجاً دقيقاً في مسألة العقيدة والشريعة والحياة، فإن الأمية تكون مصدر كمال لا مصدر نقص، لأن هذا الأمي هو الذي جاء بما يغني الثقافة الإنسانية في مدى الزمان. على أنّ هذه الأمور لا بدّ أن يُنظر إليها من خلال حكمة الله سبحانه، فيما أراد أن يركّزه في حركة النبوّة في الناس، مما قد يتطلّب توفّر بعض الصفات، أو عدم توفّر البعض الآخر، لمصلحة الرسالة ككل، مع حفظ حاجات الرسالة في الرسول بطريقة وبأخرى.
متطلّبات الدعوة إلى الإسلام:
س: ما هي الطريقة المثلى لدعوة الناس إلى مذهب أهل البيت(ع) وتعريفهم به؟
ج: أن يكون الداعية مثقفاً بمذهب أهل البيت(ع)، وذلك بأن يكون مثقّفاً بالإسلام كله، لينطلق من خلال الخطوط الإسلامية الثقافية لتأكيد هذا المذهب، لأن الذين يلتزمون مذهب أهل البيت(ع)، إنما يلتزمونه من خلال الكتاب والسُنّة الشريفة، ومن خلال ما أخذوه من الأئمة(ع) الذين يتحدثون بحديث رسول اللّه(ص)، ولا يتحدثون حديثاً ذاتياً. ثم لا بد للداعية من أن يكون مثقّفاً ببعض القضايا التي حكم بها العقل في تأكيد شخصية الإنسان الذي يكمل عقيدته بالولاية.
وقد قيل للخليل بن أحمد الفراهيدي العالم النحوي اللغوي المعروف: قيل له: لم فضّلت علياً على غيره؟ قال: (احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل، دليل أنه إمام الكل)، بحيث إن الرجل درس كل حياة الإمام علي(ع)، فرأى أن الإمام(ع) قد احتاجه كل المسلمين، وكانوا يلجأون إليه عندما تتحداهم الشعوب الأخرى في أسئلة لم يكن للمسلمين عهد بها، من أجل أن يعطيهم الجواب عن ذلك، ولذلك قال الخليفة عمر: (لولا علي لهلك عمر)، وقال: (ما كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن). والإنسان الذي يملك هذه الثقافة، لا بد له أن يملك الأسلوب الذي يدير الحوار فيه مع الآخرين؛ لأن بعض الناس قد يملكون الثقافة، ولكنهم لا يملكون كيفية تحريكها لتدخل إلى عقول الناس وإلى وجدانهم. كما أنّ عليه أن يبتعد عن كلّ التراكمات المنحرفة، مما قد تختلط فيه الخرافة بالحقيقة، والغلوّ بالاعتدال.
هل كلّ فعل النبيّ سنّة؟
س: نجد من خلال السيرة النبوية (الشريفة)، أن تصرفات النبي (ص) ليست كلها من نوع التشريع، بل هو في كثير من الأحيان يتصرف من حيث هو بشر من الناس يفكر ويدّبر كما يفكر غيره، فهل نحن ملزمون باتباعه في مثل هذه التصرفات؟
ج: السُنة هي قول المعصوم وفعله وتقريره. والقول قد يكون وجوباً، وقد يكون تحريماً، وقد يكون استحباباً، وقد يكون كراهة، وقد يكون إباحة، فنتبع كل ما قاله بحسب ما يدل عليه قوله. أمّا فعله، فتارة يكون المعصوم في مقام التعليم، مثل قوله (ص): "خذوا عني مناسككم"، فهذا يعني أنّه يريد أن يبيّن التشريع من خلال عمله، يعني انظروا إليّ ماذا أعمل أنا فاتبعوني في ذلك، وظاهر ذلك أنّه تشريع إلزامي، كما هو في ما نأخذه من أفعال الحج وما إلى ذلك. أمّا التقرير، فهو أن يرى (ص) شيئاً ويسكت عنه، ويقرر فعله، وهذا يدلّ على أنّه ليس بحرام، وقد يُستدلّ به أحياناً على الوجوب أو الحرمة بحسب القرائن المحيطة. وهذا أيضاً من السنة. وفعل النبي(ص) ـ كما يقول الأصوليون ـ أعم من أن يكون إلزاماً، كما أن تركه أعم من أن يكون انتهاءً. والفعل غاية ما يدل عليه كون الشيء مباحاً؛ لأنه لو كان محرماً لما فعله النبي(ص). الترك أيضاً يدل على أن الترك مباح أيضاً. فبالنسبة إلى فعل النبي(ص)، حتى من خلال بشريته، نفرض أنه كان ينام عند التعب، وكان يعجبه أن يأكل هذا الشيء، أو يأكل ذاك الشيء، لا يعجبه أن يأكل هذا الشيء، أو لا يعجبه أن يأكل ذاك الشيء، ليس معناه أن الذي كان يأكله النبي مستحب أكله، أو أنّ ما كان يعزف عنه النبي نقول إنه حرام أكله. كلا؛ نحن نقول إن النبي بشر، والبشر قد يعجبه شيءٌ من الطعام وقد لا يعجبه شيء آخر منه، قد يعجبه أن ينام في أول الليل، وقد يعجبه أن ينام في نصف الليل مثلاً. وهكذا، هذه الأمور التي تتعلق بالبشرية. كل ما نستفيد منه أنّ هذا أمر جائز، ولكننا لا نستطيع أن نقول: إن هذا واجب أو إن هذا حرام، أو إن هذا مستحب، أو إن هذا مكروه، أو ما أشبه ذلك. والله سبحانه وتعالى أرادنا أن نتّبع النبيّ(ص) في ما يبيّنه من الأمور الشرعيّة، أمّا ما يتّصل بالشؤون البشريّة التي يمارسها النبيّ من موقع بشريّته، فيبقى خاضعاً للإباحة العامّة، وليس من السنّة الشرعيّة، والله العالم.
الخط الفاصل بين الإصلاح والفتنة:
س: ما هي الخطوط الفاصلة بين النهضة أو الإصلاح وبين الفتنة؟ كيف نميز أن هذا الموقف أو ذاك هو موقف ثوري إصلاحي وليس فتنة وخروجاً عن الجماعة؟
ج: لا بدّ من دراسة المضمون في الدرجة الأولى، إضافةً إلى الأسلوب، مقارناً بالواقع الموضوعي والظروف المحيطة بالحركة، والنتائج المترتّبة على ذلك كلّه. فتارة تكون الفكرة منسجمة مع ما قاله الله تعالى، ومع ما قاله الرسول(ص)، ومع ما يبعث على قوة المجتمع وسلامته وما إلى ذلك، ورفع مستواه، فهذا إصلاح. أما الفتنة، فهي عبارة عمّا يمزّق المجتمع، وما يحطُّ من مستواه، وما يؤدّي إلى التنازع، وإلى التقاتل، وما إلى ذلك، وقد قيل في تفسير الفتنة أنها: إما الموقف الذي لا يعرف فيه الحق من الباطل، أو الموقف الذي تنطلق فيه فئتان من الباطل.
وقت الوفاء بمؤخّر الصداق:
س: هل يعتبر مؤخرُ الصداق ديناً في ذمة الزوج للزوجة عليه الوفاء به، أم أنه غير ملزم بدفعه إلا في حالة الطلاق؟ وإذا كان العرف يقصد الحالة الثانية، فهل تُمضي الشريعة هذا العرف؟
ج: "المؤمنون عند شروطهم"، وقد يجعل الناس الأجل هو الطلاق أو الموت، والبعض قد يجعله حين الاستطاعة، وربّما يؤخّره بعضهم إلى عشر سنين مثلاً. فهذا أمر يتبع الشرط الذي يشترطه الزوجان في مؤخّر الصداق، ومؤخّر الصداق دين يجب الوفاء به حين استحقاقه بحسب الشرط.
حكم بيع الأعضاء:
س: ما هو الحكم الشرعي في بيع الأعضاء لمن يحتاجها، ولا سيما أنّه شاعت في هذا الوقت ظاهرة بيع (الكلية)؟
ج: أولاً : لا يجوز التبرع بالأعضاء أو بيعها إذا كان ذلك يمثل خطراً على صاحب العضو، أو يؤدي إلى ضرر بالغ على صحته؛ لأن بعض الناس ربما إذا تبرع (بكليته) تتعرّض (الكلية الثانية) للخطر. هذه الأمور تحتاج إلى دراسة من جميع الجهات. وثانياً: أن لا تكون المسألة مسألة بيع وشراء، لأن (الكلية) لا ثمن لها، فهي ليست من الأمور التي تتداول في السوق.
منع الزوجة من إكمال دراستها:
س: أثناء عقد الزواج، لم يكن هناك حديث عن إكمال الزوجة لدراستها بعد الزواج أو عدم إكمالها لها، هل يجوز للزوج الآن ـ بعد الزواج ـ أن يمنعها من ذلك رغم إصرارها وإلحاحها؟ وما هو الحل في رأيكم في حال كون كلا الزوجين متمسكاً برأيه؟
ج: إذا كانت تدرس قبل الزواج، وعرف من حالها ومن الوضع العام أنها مصرة على إكمال دراستها، فيصير هذا من قبيل الشرط الضمني الذي لم يعترض عليه الزوج حال العقد. والشروط الضمنيّة هي الشروط التي لا ينطق بها الزوجان، ولكنها تكون حاضرة أثناء العقد، بحيث يُستغنى عن ذكرها من خلال التفاهم عليها، من خلال الواقع الخارجي. إذا كان الأمر كذلك، بحيث عرفنا أن الزوجة عندما قبلت بالتوكيل في عقد زواجها، أو عندما أنشأت العقد، كأنه كانت تشترط ذلك، لأنها مصرة عليه، ولا تقبل الزواج من دونه، فليس للزوج أن يجبرها على الترك أو يمنعها، لأنه يجب الوفاء بالشرط الضمني، كما يجب الوفاء بالشرط المصرح به، (المؤمنون عند شروطهم). ونحن ننصح في مثل هذه الأمور، أن تحلّ المسألة من خلال التفاهم بين الزوجين، حتى لا تؤدّي الأمور إلى التنافر والمشاكل.
حول رؤية الأعمال:
س: ما معنى قول الإمام علي(ع): ((أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم))؟
ج: يبيّن هذا القول أن ما يعمله الإنسان في الدنيا، يكون أمامه في الآخرة، لا بمعنى تجسيم الأعمال، بل بمعنى النتائج التي يحصل الإنسان عليها من خلال عمله، والله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:7-8)، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (الإسراء:14).
مشاهدات النبيّ في المعراج:
س: ما مدى صحّة ما رآه النبي محمد (ص) عندما عرج إلى السماء، وكيف نفسر ذلك منطقياً؟
ج: إن هناك أحاديث كثيرة في عالم المعراج، ولكننا نؤمن بأن اللّه عرج بنبيه(ص) إلى السماء، وقد رأى أشياء كثيرة، ولا مانع من الالتزام بصحة بعض ما ينقل في الروايات، بشرط أن تكون تلك الروايات مشتملة على عناصر الوثاقة؛ لأن ذلك العالم هو عالم ينفتح على الغيب، وهو يختلف عن عالم الدنيا.
حول نسبة الاتحاد للمعصوم:
س: قال المعصوم(ع) في الله: نحن هو، وهو نحن، هل هذا الكلام صحيح؟
ج: هذا لم يقله معصوم، ولكن يقوله الشيطان؛ لأن الأئمة(ع) يشعرون بأنهم عباد اللّه. ونحن نقرأ في دعاء (كميل) الذي رواه عن الإمام عليّ(ع): ((وأنا عبدك الضعيف الحقير المسكين المستكين))، وهكذا نقرأ في أدعية النبي(ص) والأئمة(ع)، وهذا الكلام لا يجوز لنا أن ننسبه إلى الأئمة(ع)، وهو شرك، وهم أئمة التوحيد.
س: قال تعالى: [وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ] (العنكبوت:48)، هل تدل هذه الآية على أن النبي(ص) لم يعرف القراءة والكتابة قبل البعثة؟
ج: نعم، والدليل قوله تعالى: [إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ]، يعني أنّك لو كنت تعرف القراءة والكتابة، وعرف الناس منك ذلك، باعتبار أنك عشت معهم قبل النبوّة أربعين سنة، لقالوا إنك قد قرأت الكتب السماوية وقد كتبتها، فهذه الرسالة التي جئت بها ليست وحياً من اللّه، ولكنها ثقافة مما قرأته ومما كتبته. بينما عندما يعرفك الناس وأنت لم تقرأ كتاباً طيلة هذه المدة، ولم تكتب أيضاً كتاباً، أو تنقله، فيعرف الناس أنّ هذه الرسالة تشتمل على علم ليس مسبوقاً، وليس موجوداً في محيطك الذي عشت فيه طيلة هذه المدة، ولاسيّما أنّها تشتمل على أنباء الغيب، كما قال الله سبحانه: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [يوسف:102]، فيعرفون أنك نبي من قبل اللّه سبحانه وتعالى، ولست مجرد إنسان مثقف يأتي بما أخذه من ثقافته.
هل الأمّية نقصٌ للنبيّ؟
س: وهل القول إنّ الرسول أميّ ينقص من كماله؟
ج: إن الأمّية لا تنقص من كمال النبيّ(ص)؛ لأن الأمية إنما تنقص من كمال الإنسان، باعتبار سببيّتها للجهل، أما إذا كانت الأمية تنفتح على علم واسع عميق يتصل بعالم الغيب وبعالم الشهود، ويعطي الناس برنامجاً دقيقاً في مسألة العقيدة والشريعة والحياة، فإن الأمية تكون مصدر كمال لا مصدر نقص، لأن هذا الأمي هو الذي جاء بما يغني الثقافة الإنسانية في مدى الزمان. على أنّ هذه الأمور لا بدّ أن يُنظر إليها من خلال حكمة الله سبحانه، فيما أراد أن يركّزه في حركة النبوّة في الناس، مما قد يتطلّب توفّر بعض الصفات، أو عدم توفّر البعض الآخر، لمصلحة الرسالة ككل، مع حفظ حاجات الرسالة في الرسول بطريقة وبأخرى.
متطلّبات الدعوة إلى الإسلام:
س: ما هي الطريقة المثلى لدعوة الناس إلى مذهب أهل البيت(ع) وتعريفهم به؟
ج: أن يكون الداعية مثقفاً بمذهب أهل البيت(ع)، وذلك بأن يكون مثقّفاً بالإسلام كله، لينطلق من خلال الخطوط الإسلامية الثقافية لتأكيد هذا المذهب، لأن الذين يلتزمون مذهب أهل البيت(ع)، إنما يلتزمونه من خلال الكتاب والسُنّة الشريفة، ومن خلال ما أخذوه من الأئمة(ع) الذين يتحدثون بحديث رسول اللّه(ص)، ولا يتحدثون حديثاً ذاتياً. ثم لا بد للداعية من أن يكون مثقّفاً ببعض القضايا التي حكم بها العقل في تأكيد شخصية الإنسان الذي يكمل عقيدته بالولاية.
وقد قيل للخليل بن أحمد الفراهيدي العالم النحوي اللغوي المعروف: قيل له: لم فضّلت علياً على غيره؟ قال: (احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل، دليل أنه إمام الكل)، بحيث إن الرجل درس كل حياة الإمام علي(ع)، فرأى أن الإمام(ع) قد احتاجه كل المسلمين، وكانوا يلجأون إليه عندما تتحداهم الشعوب الأخرى في أسئلة لم يكن للمسلمين عهد بها، من أجل أن يعطيهم الجواب عن ذلك، ولذلك قال الخليفة عمر: (لولا علي لهلك عمر)، وقال: (ما كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن). والإنسان الذي يملك هذه الثقافة، لا بد له أن يملك الأسلوب الذي يدير الحوار فيه مع الآخرين؛ لأن بعض الناس قد يملكون الثقافة، ولكنهم لا يملكون كيفية تحريكها لتدخل إلى عقول الناس وإلى وجدانهم. كما أنّ عليه أن يبتعد عن كلّ التراكمات المنحرفة، مما قد تختلط فيه الخرافة بالحقيقة، والغلوّ بالاعتدال.
هل كلّ فعل النبيّ سنّة؟
س: نجد من خلال السيرة النبوية (الشريفة)، أن تصرفات النبي (ص) ليست كلها من نوع التشريع، بل هو في كثير من الأحيان يتصرف من حيث هو بشر من الناس يفكر ويدّبر كما يفكر غيره، فهل نحن ملزمون باتباعه في مثل هذه التصرفات؟
ج: السُنة هي قول المعصوم وفعله وتقريره. والقول قد يكون وجوباً، وقد يكون تحريماً، وقد يكون استحباباً، وقد يكون كراهة، وقد يكون إباحة، فنتبع كل ما قاله بحسب ما يدل عليه قوله. أمّا فعله، فتارة يكون المعصوم في مقام التعليم، مثل قوله (ص): "خذوا عني مناسككم"، فهذا يعني أنّه يريد أن يبيّن التشريع من خلال عمله، يعني انظروا إليّ ماذا أعمل أنا فاتبعوني في ذلك، وظاهر ذلك أنّه تشريع إلزامي، كما هو في ما نأخذه من أفعال الحج وما إلى ذلك. أمّا التقرير، فهو أن يرى (ص) شيئاً ويسكت عنه، ويقرر فعله، وهذا يدلّ على أنّه ليس بحرام، وقد يُستدلّ به أحياناً على الوجوب أو الحرمة بحسب القرائن المحيطة. وهذا أيضاً من السنة. وفعل النبي(ص) ـ كما يقول الأصوليون ـ أعم من أن يكون إلزاماً، كما أن تركه أعم من أن يكون انتهاءً. والفعل غاية ما يدل عليه كون الشيء مباحاً؛ لأنه لو كان محرماً لما فعله النبي(ص). الترك أيضاً يدل على أن الترك مباح أيضاً. فبالنسبة إلى فعل النبي(ص)، حتى من خلال بشريته، نفرض أنه كان ينام عند التعب، وكان يعجبه أن يأكل هذا الشيء، أو يأكل ذاك الشيء، لا يعجبه أن يأكل هذا الشيء، أو لا يعجبه أن يأكل ذاك الشيء، ليس معناه أن الذي كان يأكله النبي مستحب أكله، أو أنّ ما كان يعزف عنه النبي نقول إنه حرام أكله. كلا؛ نحن نقول إن النبي بشر، والبشر قد يعجبه شيءٌ من الطعام وقد لا يعجبه شيء آخر منه، قد يعجبه أن ينام في أول الليل، وقد يعجبه أن ينام في نصف الليل مثلاً. وهكذا، هذه الأمور التي تتعلق بالبشرية. كل ما نستفيد منه أنّ هذا أمر جائز، ولكننا لا نستطيع أن نقول: إن هذا واجب أو إن هذا حرام، أو إن هذا مستحب، أو إن هذا مكروه، أو ما أشبه ذلك. والله سبحانه وتعالى أرادنا أن نتّبع النبيّ(ص) في ما يبيّنه من الأمور الشرعيّة، أمّا ما يتّصل بالشؤون البشريّة التي يمارسها النبيّ من موقع بشريّته، فيبقى خاضعاً للإباحة العامّة، وليس من السنّة الشرعيّة، والله العالم.
الخط الفاصل بين الإصلاح والفتنة:
س: ما هي الخطوط الفاصلة بين النهضة أو الإصلاح وبين الفتنة؟ كيف نميز أن هذا الموقف أو ذاك هو موقف ثوري إصلاحي وليس فتنة وخروجاً عن الجماعة؟
ج: لا بدّ من دراسة المضمون في الدرجة الأولى، إضافةً إلى الأسلوب، مقارناً بالواقع الموضوعي والظروف المحيطة بالحركة، والنتائج المترتّبة على ذلك كلّه. فتارة تكون الفكرة منسجمة مع ما قاله الله تعالى، ومع ما قاله الرسول(ص)، ومع ما يبعث على قوة المجتمع وسلامته وما إلى ذلك، ورفع مستواه، فهذا إصلاح. أما الفتنة، فهي عبارة عمّا يمزّق المجتمع، وما يحطُّ من مستواه، وما يؤدّي إلى التنازع، وإلى التقاتل، وما إلى ذلك، وقد قيل في تفسير الفتنة أنها: إما الموقف الذي لا يعرف فيه الحق من الباطل، أو الموقف الذي تنطلق فيه فئتان من الباطل.
وقت الوفاء بمؤخّر الصداق:
س: هل يعتبر مؤخرُ الصداق ديناً في ذمة الزوج للزوجة عليه الوفاء به، أم أنه غير ملزم بدفعه إلا في حالة الطلاق؟ وإذا كان العرف يقصد الحالة الثانية، فهل تُمضي الشريعة هذا العرف؟
ج: "المؤمنون عند شروطهم"، وقد يجعل الناس الأجل هو الطلاق أو الموت، والبعض قد يجعله حين الاستطاعة، وربّما يؤخّره بعضهم إلى عشر سنين مثلاً. فهذا أمر يتبع الشرط الذي يشترطه الزوجان في مؤخّر الصداق، ومؤخّر الصداق دين يجب الوفاء به حين استحقاقه بحسب الشرط.
حكم بيع الأعضاء:
س: ما هو الحكم الشرعي في بيع الأعضاء لمن يحتاجها، ولا سيما أنّه شاعت في هذا الوقت ظاهرة بيع (الكلية)؟
ج: أولاً : لا يجوز التبرع بالأعضاء أو بيعها إذا كان ذلك يمثل خطراً على صاحب العضو، أو يؤدي إلى ضرر بالغ على صحته؛ لأن بعض الناس ربما إذا تبرع (بكليته) تتعرّض (الكلية الثانية) للخطر. هذه الأمور تحتاج إلى دراسة من جميع الجهات. وثانياً: أن لا تكون المسألة مسألة بيع وشراء، لأن (الكلية) لا ثمن لها، فهي ليست من الأمور التي تتداول في السوق.
منع الزوجة من إكمال دراستها:
س: أثناء عقد الزواج، لم يكن هناك حديث عن إكمال الزوجة لدراستها بعد الزواج أو عدم إكمالها لها، هل يجوز للزوج الآن ـ بعد الزواج ـ أن يمنعها من ذلك رغم إصرارها وإلحاحها؟ وما هو الحل في رأيكم في حال كون كلا الزوجين متمسكاً برأيه؟
ج: إذا كانت تدرس قبل الزواج، وعرف من حالها ومن الوضع العام أنها مصرة على إكمال دراستها، فيصير هذا من قبيل الشرط الضمني الذي لم يعترض عليه الزوج حال العقد. والشروط الضمنيّة هي الشروط التي لا ينطق بها الزوجان، ولكنها تكون حاضرة أثناء العقد، بحيث يُستغنى عن ذكرها من خلال التفاهم عليها، من خلال الواقع الخارجي. إذا كان الأمر كذلك، بحيث عرفنا أن الزوجة عندما قبلت بالتوكيل في عقد زواجها، أو عندما أنشأت العقد، كأنه كانت تشترط ذلك، لأنها مصرة عليه، ولا تقبل الزواج من دونه، فليس للزوج أن يجبرها على الترك أو يمنعها، لأنه يجب الوفاء بالشرط الضمني، كما يجب الوفاء بالشرط المصرح به، (المؤمنون عند شروطهم). ونحن ننصح في مثل هذه الأمور، أن تحلّ المسألة من خلال التفاهم بين الزوجين، حتى لا تؤدّي الأمور إلى التنافر والمشاكل.
حول رؤية الأعمال:
س: ما معنى قول الإمام علي(ع): ((أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم))؟
ج: يبيّن هذا القول أن ما يعمله الإنسان في الدنيا، يكون أمامه في الآخرة، لا بمعنى تجسيم الأعمال، بل بمعنى النتائج التي يحصل الإنسان عليها من خلال عمله، والله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:7-8)، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (الإسراء:14).
مشاهدات النبيّ في المعراج:
س: ما مدى صحّة ما رآه النبي محمد (ص) عندما عرج إلى السماء، وكيف نفسر ذلك منطقياً؟
ج: إن هناك أحاديث كثيرة في عالم المعراج، ولكننا نؤمن بأن اللّه عرج بنبيه(ص) إلى السماء، وقد رأى أشياء كثيرة، ولا مانع من الالتزام بصحة بعض ما ينقل في الروايات، بشرط أن تكون تلك الروايات مشتملة على عناصر الوثاقة؛ لأن ذلك العالم هو عالم ينفتح على الغيب، وهو يختلف عن عالم الدنيا.
حول نسبة الاتحاد للمعصوم:
س: قال المعصوم(ع) في الله: نحن هو، وهو نحن، هل هذا الكلام صحيح؟
ج: هذا لم يقله معصوم، ولكن يقوله الشيطان؛ لأن الأئمة(ع) يشعرون بأنهم عباد اللّه. ونحن نقرأ في دعاء (كميل) الذي رواه عن الإمام عليّ(ع): ((وأنا عبدك الضعيف الحقير المسكين المستكين))، وهكذا نقرأ في أدعية النبي(ص) والأئمة(ع)، وهذا الكلام لا يجوز لنا أن ننسبه إلى الأئمة(ع)، وهو شرك، وهم أئمة التوحيد.
تعليق