جيّر المسجد لنفسه واتهمها بالتحريف والإساءة لدول
القرضاوي قطع إجازته وخطب مهاجما
خص يوسف القرضاوي، الداعية المصري وأحد مرشدي حركة الإخوان المسلمين الكبار ورجل الإفتاء الأول في دولة قطر التي يحمل جنسيتها، صحيفة (إيلاف) التي لم يذكرها بالاسم بالطبع، بخطبة جمعة غير مسبوقة من على منبر مسجد عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية الدوحة، واتهم الداعية الذي يبدو أنه قطع إجازته وعاد للخطبة أمام مريديه (إيلاف) بأنها استغلت خطبته يوم الجمعة الماضي وحرفته عن مواضعه. واعتبر القرضاوي في خطبته ما ورد في تقرير (إيلاف) يوم الأحد في 12 حزيران 2005 بأنه "يسيء إلى دول" لكنه لم يذكر هذه الدول، وكان التقرير الذي فنده القرضاوي تساءل "ما إذا كانت حكومة قطر تعتزم تضييق الخناق على القرضاوي والمتشددين الدينيين، مع بدء تطبيقها لدستورها الجديد الذي يدعو إلى انتخابات تشريعية حرة ونزيهة وديمقراطية ومع توجه الدولة الخليجية لتطبيق إصلاحات واسعة".
واعترف القرضاوي، في خطبة الجمعة أمس في 17 حزيران 2005، بأنه كان قال أمام المصلين بـ "أن خطبة الجمعة الماضية كانت آخر خطبة هذا العام"، يشار إلى أن متحدثا باسم القرضاوي هو هاني محمود المشرف على موقع (إسلام أون لاين) الذي يرعاه القرضاوي، رد على تقرير مشيرا إلى أن "الشيخ قال في آخر خطبة لي في هذا الموسم، فذلك لأن الموسم الدراسي انتهى، والشيخ سيسافر إلى مؤتمر في نهاية الأسبوع الحالي، ثم إلى مصر".
خطبة القرضاوي بالكامل، كما أن موقع الذي يملكه الداعية المصري، وضع نص الخطبة مسموعا على موقعه الإلكتروني على شبكة إنترنت. وفي الخطبة تراجع القرضاوي عن اتهامه لكل "تلفزيون قطر بأنه مسح خطبه، محملا المسؤولية لـ "موظف مسح بعض الخطب".
وفي الخطبة التي خصصها القرضاوي للرد على تقرير (إيلاف)، فإنه تحدث مطولا عن مسؤولية الكلمة وأمانتها، محذرا الإعلاميين من "عذاب القبر والحساب والعذاب في الآخرة". ولوحظ أن الداعية المصري لم يترك شاردة أو واردة إلا واوردها أمثلة على "أمانة الكلمة"، مستعينا بفتاوى "السلف الصالح"وقصص عبر التاريخ الإسلامي و"عبر من أهل الذكر".
خطبة القرضاوي
وتنشر (إيلاف) في الآتي ما جاء في خطبة القرضاوي بالنص الكامل: "كنت ودعتكم في الخطبة الماضية وقلت انها قد تكون اخر خطبة هذا العام، وكنت طلبت من الاخوة المشاهدين في كل مكان ممن يسجلون هذه الخطب ان يبعثوا اليّ من هذه الخطب المسجلة علي الفيديو، وكان ذلك نتيجة خطأ موظف في تلفزيون قطر مسح بعض الخطب.. لكن جهات معينة استغلت هذا الكلام وحرفته عن مواضعه وجعلت منه قصة اخرى، وهذه مشكلة في امانة الكلمة وتحدث عن تلك المشكلة موضحا آفاقها في الاسلام.. قال:
الانسان امين على الكلمة التي يقولها والكلمة التي يسمعها، لايجوز للإنسان ان يلقي الكلام علي عواهنه، ولا أن يطلق لسانه كالمنشار آكلا هابطا وصاعدا، لا، الكلمة امانة ومسؤولية، لايجوز للانسان ان يتصرف في الكلام ويحرفه عما قيل لأهداف شتى، المسلم يرعى الله في الكلمة.. الكلمة امانة، اذا كان لك هدف فلا تدخل أهدافك الدنيوية والمادية والشخصية في تحريف الكلام، فهذا قد يسيء اساءات بالغة اليك، ويسيء إلى الناس من حولك، ويسيء الى دول ولذلك كانت مسؤولية اهل الكلمة، الذين صناعتهم الكلمة، الصحافيون، الاذاعيون، الخطباء، الدعاة، الاعلاميون، في أي لون من ألوان الاعلام، مقروءا كان أو مسموعا أو مشاهدا، كانت مسؤوليتهم مسؤولية كبيرة عن الكلمة.
وقال: ان الله سبحانه وتعالى يسمع كل كلمة تنطق بها، لا يغيب عن سمعه شيء كانت امرأة تكلم النبي -صلي الله عليه وسلم- في ركن من أركان المسجد، تحاوره في امر زوجها وقد ظاهر منها، فنزل قول الله تعالي (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير) يعلم السر وأخفى من السر،.. كان المشركون يتحدث بعضهم مع بعض عن محمد وأصحاب محمد فينزل القرآن يكشف سرهم وهتك سرهم ويفضح أمرهم، فيقول بعضهم لبعض: اذا تجالستم وتناجيتم فلا تعلنوا ولاتجهروا حتى لايسمعكم إله محمد فينزل وحيه على محمد يفضحنا فنزل قول الله تعالي (وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
يقول الله عز وجل (ألم تر أن الله يعلم مافي السماوات ومافي الأرض، مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا).
يسمع السر والنجوي
وقال: الناس يقولون للحيطان آذان، إذا أراد بعضهم أن يُسر إلى صاحبه أمراً يقول هكذا، نخشى من يتسمع إلى الأسرار من وراء الحيطان، ولا يخشى من رب الأرض والسماوات الذي يسمع السر والنجوى.. الله يسمع ويسجل عليك بقلم التسجيل الإلهي: الحفظة، يحصون لك أو عليك كل كلمة، خيراً أو شراً، جهراً أو سرا أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بلى ورسلنا لديهم يكتبون.. ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقي المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، أي قول، رقيب عتيد يكتب ويسجل.. ثم لا يضيع هذا الذي يُسجل، هو محفوظ لك أو عليك حتى يأتي يوم تقرأه بنفسك هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا، مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.
كل كلمة لا تذهب
وتحدث عن امر هام فقال: انهم يقولون ان كل كلماتنا هذه موجودة لا تذهب، كما كان يظن الفلاسفة القدامى بأن الأعراض لا تبقى زمانين، وأن الصوت من الأعراض، تبين في القرآن أن كل شيء موجود ووجدوا ما عملوا حاضرا ، يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فيرى الانسان عمله وقوله، كأنما هو شريط مسجل له، يحتوي حياته كلها، في مسيرة الحياة: أقوالا وأفعالا وتصرفات.
وتوجه الي المسلمين للمحافظة علي كلماتهم قائلاً:
من اجل هذا يجب على الإنسان ان يحافظ على كلمته، هؤلاء الاعلاميون الذين يهولون الأمور، يجعلون من الحبة قبة، ومن النملة فيلا، او يختلقون الأشياء من أساسها، أو يصطادون في الماء العكر، او يعكرون الماء الصافي ليصطادوا فيه، لا يعلمون انهم مسؤولون امام الله عن كل كلمة يكتبونها، او يقولونها، الكلمة الشفهية والكلمة المحررة، ولعل الكلمة المحررة والمكتوبة أشد خطرا.. العرب يقولون: القلم احد اللسانين، هذا اللسان واللسان الآخر هو القلم، الله امتن على الإنسان بنعمة اللسان ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين امتن على الانسان بنعمة البيان الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان.
علَّم الإنسان البيان ليفصح به عن نفسه، ويعبر به عن ذاته، فهذه نعمة من الله عز وجل ولكن الانسان لم يشكر الله علي هذه النعمة، واستخدمها في غير ما خلقت له.. الله علمك البيان لتنطق بالحق، لتعبر عن حاجاتك ومشاعرك، عن نفسك، لتذكر الله عز وجل، لتكلم الناس، ولكن الناس استخدموا اللسان فيما يضر ولا ينفع، فيما يُعصى الله به، لا فيما يطاع، بدل ان تقول الكلام الطيب تقول الكلمة الخبيثة، والكلمة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والكلمة الخبيثة لا تثمر إلا خبيثا، لماذا تستبدل الخبيث بالطيب؟ قل كلمة الحق.
قل الكلمة النافعة التي تنفعك في الدنيا، وفي الآخرة، وخصوصا الكلمة التي تموت وتبقى بعدك، رب كلمة يكتبها كاتبها، في صحيفة أو في كتاب، أو يسجلها فتبقى في شريط من بعده، يموت وقد أكله الدود وأكله التراب، ونسيه الناس، لكن كلماته باقية، مات الشخص ولم تمت ذنوبه، طوبي لمن مات وماتت ذنوبه معه، وويل لمن مات وبقيت ذنوبه من بعده.. كم من أناس ماتوا وتركوا وراءهم كتبا مضللة تظل سيئاتهم من بعدهم، تظل خطاياهم تعمل عملها، كم من أشرطة ساقطة وخليعة يموت أصحابها أو تموت صاحباتها وهي لا تزال تتداول بين الناس، سيئات مستمرة لايزال الناس يتأثرون بها، لا تزال هذه المعصية مستمرة لأصحابها.. هناك معاص قاصرة ومعاص متعدية.
الكلمة المكتوبة أخطر
وقال د. القرضاوي ينبغي للإنسان أن يخشى الكلمة، خصوصا الكلمة المكتوبة، الشاعر الصالح قال:
وما من كاتب الا سيبلى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
وتابع: هناك أناس نستفيد من كتبهم وندعو الله لهم، وان لم ندع، مادمنا ننتفع بعلمهم، فهذا اثر باق ممتد لهم، كما جاء في الحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له الأعمال النافعة يستفيد منها اصحابها بعد وفاتهم، باعتبار هذا عملا صالحا ممتدا لهم.. اما الكتب السيئة فأصحابها يتضررون بها في قبورهم، لأن شرهم مستمر والعياذ بالله، فلا تكتب بخطك غير شيء، يسرك في القيامة أن تراه.
خطورة الكلمة
وأضاف: ان الناس يستهينون بالكملة، والكلمة لها خطورتها، العرب يقولون: رب كلمة سلبت نعمة، ويقولون : رب حرب شبت من كلمة، الكلمة لها خطورتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عليه لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم سبعين خريفا.. وقال النبي للسيدة عائشة وقد قالت كلمة عن احدى ضرائرها: أشارت الى انها قصيرة؟ فقال لها: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته وهي نصف كلمة ما يعجبك من فلانه إنها.. لم تذكر خبر ان.. لذلك ينبغي للإنسان المؤمن ان يحرص على لسانه فلا يتكلم إلا بالخير، رحم الله امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم ، من كان يؤمن بالله أو باليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت.
وروي عن الصحابة أحداثاً مؤثرة.. قال: كان سيدنا عبدالله بن مسعود ينبه على جبل الصفا، في حج أو عمرة يقول علي لسانه: يا لسان قل خيرا او اسكت عن شر تسلم، من قبل ان تندم، فقال له بعض اصحابه: هل هذا من عندك أم سمعته من رسول الله؟ قال، لا ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه، هذا ما أوصي به رسول الله بعض الصحابة حين سأله سفيان بن عبدالله: قل لي في الاسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك فقال: قل آمنت بالله ثم استقم، وتلا قول الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال يا رسول الله ماذا أتقي؟ فأومأ الى لسانه وقال اتق هذا، وكذلك قال لصاحبه معاذ بن جبل بعد ان أوصاه عدة وصايا ثم قال له: يا معاذ كُفَّ عليك هذا.. وأشار الى لسانه.. كان النبي يعلم بالاشارة، فقال يا رسول الله: أو إنا مآخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ؟ وهل يكب الناس على وجوههم (أو قال على مناخرهم) في النار إلا حصائد ألسنتهم؟
اللسان خطر
وقال راوياً حديثاً يشير الى أن الأعضاء اذا أصبحت ذهبت تستجدي الانسان وتقول له: اتق الله فينا، فإنك اذا استقمت استقمنا، واذا اعوججت اعوججنا والعرب قالوا: اللسان صغير الجَرْم، كبير الجُرم ، لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة ما بين رجليه: الفرج وما بين لحييه اللسان.. لذلك كان علماء السلوك يهتمون بآفات اللسان، لأن اللسان في خطر في الدنيا وفي الآخرة.. ليس خطراً عليك في الآخرة فقط، في الدنيا أيضاً: رُب كلمة عَثَرْتَ بها ضيعت عليك مستقبلك، قطعت العلائق بينك وبين الناس، أورثتك عداوة هائلة، أشعلت النار بينك وبين أصحابك أو بينك وبين أقاربك، كلمة واحدة.
وقال د. القرضاوي شعرا:
فاحفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
هذا خطر في الدنيا، أما الخطر في الآخرة فهو الكثير والأكثر، الرجل يكذب ليضحك القوم فيدخل بتلك جهنم، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ويل له، ويل له، ويل له..
الكذب واللغو
وقال القرضاوي: إن المسألة خطيرة لذلك وصف الله عز وجل المؤمنين قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللهو معرضون الكلام الذي لا فائدة ولا جدوى منه، فما بالك بما هو أكثر من اللغو.. أما الكلام الكذب، الباطل، السوء ، السب والشتم، أما مدح الظالمين بالباطل، أما التقرب الى الناس بالوجهين واللسانين، أما الغيبة، النميمة، هذه الآفات التي أوصلها الإمام الغزالي في المهلكات الى عشرين آفة من آفات اللسان وكلها خطيرة، وأوصلها العلامة عبدالغني النابلسي الي اثنتين وسبعين آفة، وفصَّل فيها، هذه خطر عليك في الآخرة، فلابد أن تضبط أمرك، وكان سيدنا أبو بكر يشير الى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان بعض السلف يحصي ما يتكلم به، والربيع بن خيثم أو ابن سكني كان عنده كراسة وقلم، كل ما يتكلم كلمة يكتبها، وآخر النهار يعمل جرداً، حسابا ماذا فيه من حسنات، ومن سيئات.. حاسب نفسك قبل أن تُحاسَب، لا تترك لسانك.. كل إنسان، كل مسلم ومسلمة، كل رجل وامرأة، كل شاب وشيخ، كل متعلم وأميّ عليه أن يراقب الله في لسانه، أن يتقي الله، فإنه مسؤول عن كل ما يصدر منه، الإنسان مخلوق عاقل، ومعنى هذا ألا يترك نفسه يقول كل ما يخطر علي باله، هل الكلمة التي سأقولها تنفعني أم لا تنفعني؟ الكلمة تملكها ما دامت في صدرك، فإذا خرجت منك ملكتك، لم تعد تملكها أنت، فاحذر ان تخرج منك.. لا تكون في ميزان حسناتك، أو على الأقل لا تكون في ميزان سيئاتك، تكون من المباح، من العفو، مع أننا قلنا ان المسلم يستطيع ان يجعل المباح عبادة اذا نوي الخير، ونوي وجه الله تبارك وتعالى.. داعياً المسلمين لتقوى الله في الكلمة".
القرضاوي قطع إجازته وخطب مهاجما
خص يوسف القرضاوي، الداعية المصري وأحد مرشدي حركة الإخوان المسلمين الكبار ورجل الإفتاء الأول في دولة قطر التي يحمل جنسيتها، صحيفة (إيلاف) التي لم يذكرها بالاسم بالطبع، بخطبة جمعة غير مسبوقة من على منبر مسجد عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية الدوحة، واتهم الداعية الذي يبدو أنه قطع إجازته وعاد للخطبة أمام مريديه (إيلاف) بأنها استغلت خطبته يوم الجمعة الماضي وحرفته عن مواضعه. واعتبر القرضاوي في خطبته ما ورد في تقرير (إيلاف) يوم الأحد في 12 حزيران 2005 بأنه "يسيء إلى دول" لكنه لم يذكر هذه الدول، وكان التقرير الذي فنده القرضاوي تساءل "ما إذا كانت حكومة قطر تعتزم تضييق الخناق على القرضاوي والمتشددين الدينيين، مع بدء تطبيقها لدستورها الجديد الذي يدعو إلى انتخابات تشريعية حرة ونزيهة وديمقراطية ومع توجه الدولة الخليجية لتطبيق إصلاحات واسعة".
واعترف القرضاوي، في خطبة الجمعة أمس في 17 حزيران 2005، بأنه كان قال أمام المصلين بـ "أن خطبة الجمعة الماضية كانت آخر خطبة هذا العام"، يشار إلى أن متحدثا باسم القرضاوي هو هاني محمود المشرف على موقع (إسلام أون لاين) الذي يرعاه القرضاوي، رد على تقرير مشيرا إلى أن "الشيخ قال في آخر خطبة لي في هذا الموسم، فذلك لأن الموسم الدراسي انتهى، والشيخ سيسافر إلى مؤتمر في نهاية الأسبوع الحالي، ثم إلى مصر".
خطبة القرضاوي بالكامل، كما أن موقع الذي يملكه الداعية المصري، وضع نص الخطبة مسموعا على موقعه الإلكتروني على شبكة إنترنت. وفي الخطبة تراجع القرضاوي عن اتهامه لكل "تلفزيون قطر بأنه مسح خطبه، محملا المسؤولية لـ "موظف مسح بعض الخطب".
وفي الخطبة التي خصصها القرضاوي للرد على تقرير (إيلاف)، فإنه تحدث مطولا عن مسؤولية الكلمة وأمانتها، محذرا الإعلاميين من "عذاب القبر والحساب والعذاب في الآخرة". ولوحظ أن الداعية المصري لم يترك شاردة أو واردة إلا واوردها أمثلة على "أمانة الكلمة"، مستعينا بفتاوى "السلف الصالح"وقصص عبر التاريخ الإسلامي و"عبر من أهل الذكر".
خطبة القرضاوي
وتنشر (إيلاف) في الآتي ما جاء في خطبة القرضاوي بالنص الكامل: "كنت ودعتكم في الخطبة الماضية وقلت انها قد تكون اخر خطبة هذا العام، وكنت طلبت من الاخوة المشاهدين في كل مكان ممن يسجلون هذه الخطب ان يبعثوا اليّ من هذه الخطب المسجلة علي الفيديو، وكان ذلك نتيجة خطأ موظف في تلفزيون قطر مسح بعض الخطب.. لكن جهات معينة استغلت هذا الكلام وحرفته عن مواضعه وجعلت منه قصة اخرى، وهذه مشكلة في امانة الكلمة وتحدث عن تلك المشكلة موضحا آفاقها في الاسلام.. قال:
الانسان امين على الكلمة التي يقولها والكلمة التي يسمعها، لايجوز للإنسان ان يلقي الكلام علي عواهنه، ولا أن يطلق لسانه كالمنشار آكلا هابطا وصاعدا، لا، الكلمة امانة ومسؤولية، لايجوز للانسان ان يتصرف في الكلام ويحرفه عما قيل لأهداف شتى، المسلم يرعى الله في الكلمة.. الكلمة امانة، اذا كان لك هدف فلا تدخل أهدافك الدنيوية والمادية والشخصية في تحريف الكلام، فهذا قد يسيء اساءات بالغة اليك، ويسيء إلى الناس من حولك، ويسيء الى دول ولذلك كانت مسؤولية اهل الكلمة، الذين صناعتهم الكلمة، الصحافيون، الاذاعيون، الخطباء، الدعاة، الاعلاميون، في أي لون من ألوان الاعلام، مقروءا كان أو مسموعا أو مشاهدا، كانت مسؤوليتهم مسؤولية كبيرة عن الكلمة.
وقال: ان الله سبحانه وتعالى يسمع كل كلمة تنطق بها، لا يغيب عن سمعه شيء كانت امرأة تكلم النبي -صلي الله عليه وسلم- في ركن من أركان المسجد، تحاوره في امر زوجها وقد ظاهر منها، فنزل قول الله تعالي (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير) يعلم السر وأخفى من السر،.. كان المشركون يتحدث بعضهم مع بعض عن محمد وأصحاب محمد فينزل القرآن يكشف سرهم وهتك سرهم ويفضح أمرهم، فيقول بعضهم لبعض: اذا تجالستم وتناجيتم فلا تعلنوا ولاتجهروا حتى لايسمعكم إله محمد فينزل وحيه على محمد يفضحنا فنزل قول الله تعالي (وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
يقول الله عز وجل (ألم تر أن الله يعلم مافي السماوات ومافي الأرض، مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا).
يسمع السر والنجوي
وقال: الناس يقولون للحيطان آذان، إذا أراد بعضهم أن يُسر إلى صاحبه أمراً يقول هكذا، نخشى من يتسمع إلى الأسرار من وراء الحيطان، ولا يخشى من رب الأرض والسماوات الذي يسمع السر والنجوى.. الله يسمع ويسجل عليك بقلم التسجيل الإلهي: الحفظة، يحصون لك أو عليك كل كلمة، خيراً أو شراً، جهراً أو سرا أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بلى ورسلنا لديهم يكتبون.. ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقي المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، أي قول، رقيب عتيد يكتب ويسجل.. ثم لا يضيع هذا الذي يُسجل، هو محفوظ لك أو عليك حتى يأتي يوم تقرأه بنفسك هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا، مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.
كل كلمة لا تذهب
وتحدث عن امر هام فقال: انهم يقولون ان كل كلماتنا هذه موجودة لا تذهب، كما كان يظن الفلاسفة القدامى بأن الأعراض لا تبقى زمانين، وأن الصوت من الأعراض، تبين في القرآن أن كل شيء موجود ووجدوا ما عملوا حاضرا ، يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فيرى الانسان عمله وقوله، كأنما هو شريط مسجل له، يحتوي حياته كلها، في مسيرة الحياة: أقوالا وأفعالا وتصرفات.
وتوجه الي المسلمين للمحافظة علي كلماتهم قائلاً:
من اجل هذا يجب على الإنسان ان يحافظ على كلمته، هؤلاء الاعلاميون الذين يهولون الأمور، يجعلون من الحبة قبة، ومن النملة فيلا، او يختلقون الأشياء من أساسها، أو يصطادون في الماء العكر، او يعكرون الماء الصافي ليصطادوا فيه، لا يعلمون انهم مسؤولون امام الله عن كل كلمة يكتبونها، او يقولونها، الكلمة الشفهية والكلمة المحررة، ولعل الكلمة المحررة والمكتوبة أشد خطرا.. العرب يقولون: القلم احد اللسانين، هذا اللسان واللسان الآخر هو القلم، الله امتن على الإنسان بنعمة اللسان ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين امتن على الانسان بنعمة البيان الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان.
علَّم الإنسان البيان ليفصح به عن نفسه، ويعبر به عن ذاته، فهذه نعمة من الله عز وجل ولكن الانسان لم يشكر الله علي هذه النعمة، واستخدمها في غير ما خلقت له.. الله علمك البيان لتنطق بالحق، لتعبر عن حاجاتك ومشاعرك، عن نفسك، لتذكر الله عز وجل، لتكلم الناس، ولكن الناس استخدموا اللسان فيما يضر ولا ينفع، فيما يُعصى الله به، لا فيما يطاع، بدل ان تقول الكلام الطيب تقول الكلمة الخبيثة، والكلمة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والكلمة الخبيثة لا تثمر إلا خبيثا، لماذا تستبدل الخبيث بالطيب؟ قل كلمة الحق.
قل الكلمة النافعة التي تنفعك في الدنيا، وفي الآخرة، وخصوصا الكلمة التي تموت وتبقى بعدك، رب كلمة يكتبها كاتبها، في صحيفة أو في كتاب، أو يسجلها فتبقى في شريط من بعده، يموت وقد أكله الدود وأكله التراب، ونسيه الناس، لكن كلماته باقية، مات الشخص ولم تمت ذنوبه، طوبي لمن مات وماتت ذنوبه معه، وويل لمن مات وبقيت ذنوبه من بعده.. كم من أناس ماتوا وتركوا وراءهم كتبا مضللة تظل سيئاتهم من بعدهم، تظل خطاياهم تعمل عملها، كم من أشرطة ساقطة وخليعة يموت أصحابها أو تموت صاحباتها وهي لا تزال تتداول بين الناس، سيئات مستمرة لايزال الناس يتأثرون بها، لا تزال هذه المعصية مستمرة لأصحابها.. هناك معاص قاصرة ومعاص متعدية.
الكلمة المكتوبة أخطر
وقال د. القرضاوي ينبغي للإنسان أن يخشى الكلمة، خصوصا الكلمة المكتوبة، الشاعر الصالح قال:
وما من كاتب الا سيبلى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
وتابع: هناك أناس نستفيد من كتبهم وندعو الله لهم، وان لم ندع، مادمنا ننتفع بعلمهم، فهذا اثر باق ممتد لهم، كما جاء في الحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له الأعمال النافعة يستفيد منها اصحابها بعد وفاتهم، باعتبار هذا عملا صالحا ممتدا لهم.. اما الكتب السيئة فأصحابها يتضررون بها في قبورهم، لأن شرهم مستمر والعياذ بالله، فلا تكتب بخطك غير شيء، يسرك في القيامة أن تراه.
خطورة الكلمة
وأضاف: ان الناس يستهينون بالكملة، والكلمة لها خطورتها، العرب يقولون: رب كلمة سلبت نعمة، ويقولون : رب حرب شبت من كلمة، الكلمة لها خطورتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عليه لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم سبعين خريفا.. وقال النبي للسيدة عائشة وقد قالت كلمة عن احدى ضرائرها: أشارت الى انها قصيرة؟ فقال لها: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته وهي نصف كلمة ما يعجبك من فلانه إنها.. لم تذكر خبر ان.. لذلك ينبغي للإنسان المؤمن ان يحرص على لسانه فلا يتكلم إلا بالخير، رحم الله امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم ، من كان يؤمن بالله أو باليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت.
وروي عن الصحابة أحداثاً مؤثرة.. قال: كان سيدنا عبدالله بن مسعود ينبه على جبل الصفا، في حج أو عمرة يقول علي لسانه: يا لسان قل خيرا او اسكت عن شر تسلم، من قبل ان تندم، فقال له بعض اصحابه: هل هذا من عندك أم سمعته من رسول الله؟ قال، لا ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه، هذا ما أوصي به رسول الله بعض الصحابة حين سأله سفيان بن عبدالله: قل لي في الاسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك فقال: قل آمنت بالله ثم استقم، وتلا قول الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال يا رسول الله ماذا أتقي؟ فأومأ الى لسانه وقال اتق هذا، وكذلك قال لصاحبه معاذ بن جبل بعد ان أوصاه عدة وصايا ثم قال له: يا معاذ كُفَّ عليك هذا.. وأشار الى لسانه.. كان النبي يعلم بالاشارة، فقال يا رسول الله: أو إنا مآخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ؟ وهل يكب الناس على وجوههم (أو قال على مناخرهم) في النار إلا حصائد ألسنتهم؟
اللسان خطر
وقال راوياً حديثاً يشير الى أن الأعضاء اذا أصبحت ذهبت تستجدي الانسان وتقول له: اتق الله فينا، فإنك اذا استقمت استقمنا، واذا اعوججت اعوججنا والعرب قالوا: اللسان صغير الجَرْم، كبير الجُرم ، لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة ما بين رجليه: الفرج وما بين لحييه اللسان.. لذلك كان علماء السلوك يهتمون بآفات اللسان، لأن اللسان في خطر في الدنيا وفي الآخرة.. ليس خطراً عليك في الآخرة فقط، في الدنيا أيضاً: رُب كلمة عَثَرْتَ بها ضيعت عليك مستقبلك، قطعت العلائق بينك وبين الناس، أورثتك عداوة هائلة، أشعلت النار بينك وبين أصحابك أو بينك وبين أقاربك، كلمة واحدة.
وقال د. القرضاوي شعرا:
فاحفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
هذا خطر في الدنيا، أما الخطر في الآخرة فهو الكثير والأكثر، الرجل يكذب ليضحك القوم فيدخل بتلك جهنم، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ويل له، ويل له، ويل له..
الكذب واللغو
وقال القرضاوي: إن المسألة خطيرة لذلك وصف الله عز وجل المؤمنين قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللهو معرضون الكلام الذي لا فائدة ولا جدوى منه، فما بالك بما هو أكثر من اللغو.. أما الكلام الكذب، الباطل، السوء ، السب والشتم، أما مدح الظالمين بالباطل، أما التقرب الى الناس بالوجهين واللسانين، أما الغيبة، النميمة، هذه الآفات التي أوصلها الإمام الغزالي في المهلكات الى عشرين آفة من آفات اللسان وكلها خطيرة، وأوصلها العلامة عبدالغني النابلسي الي اثنتين وسبعين آفة، وفصَّل فيها، هذه خطر عليك في الآخرة، فلابد أن تضبط أمرك، وكان سيدنا أبو بكر يشير الى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان بعض السلف يحصي ما يتكلم به، والربيع بن خيثم أو ابن سكني كان عنده كراسة وقلم، كل ما يتكلم كلمة يكتبها، وآخر النهار يعمل جرداً، حسابا ماذا فيه من حسنات، ومن سيئات.. حاسب نفسك قبل أن تُحاسَب، لا تترك لسانك.. كل إنسان، كل مسلم ومسلمة، كل رجل وامرأة، كل شاب وشيخ، كل متعلم وأميّ عليه أن يراقب الله في لسانه، أن يتقي الله، فإنه مسؤول عن كل ما يصدر منه، الإنسان مخلوق عاقل، ومعنى هذا ألا يترك نفسه يقول كل ما يخطر علي باله، هل الكلمة التي سأقولها تنفعني أم لا تنفعني؟ الكلمة تملكها ما دامت في صدرك، فإذا خرجت منك ملكتك، لم تعد تملكها أنت، فاحذر ان تخرج منك.. لا تكون في ميزان حسناتك، أو على الأقل لا تكون في ميزان سيئاتك، تكون من المباح، من العفو، مع أننا قلنا ان المسلم يستطيع ان يجعل المباح عبادة اذا نوي الخير، ونوي وجه الله تبارك وتعالى.. داعياً المسلمين لتقوى الله في الكلمة".