معالم المدرستين جلد 1
السيد مرتضى العسكري
النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله
في تعيين ولي الامر من بعده
السيد مرتضى العسكري
النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله
في تعيين ولي الامر من بعده
ما فعله الانبياء في تعيين الوصي وولي الامر لاممهم من بعدهم
الوصية في الامم السابقة قد سلسل المسعودي
(إثبات الوصية ، للمسعودي ، مطبعة الحيدرية ، النجف الاشرف ، والمسعودي هو : أبو الحسن ، علي بن الحسين المسعودي ، ينتهي نسبه إلى الصحابي عبد الله بن مسعود ، توفي سنة 346 ه وفي ترجمته بطبقات الشافعية ( ج 2 / 307 ) : قيل كان معتزلي العقيدة ،وأشار إلى هذا الكتاب الكتبي في فوات الوفيات) ج 2( / 45 وياقوت الحموي في معجم الادباء) ج 13 / 94 ( وقالا : له كتاب البيان في أسماء الائمة ، وفي الميزان ، لابن حجر ( ج 4 / 224 ) له كتاب تعيين الخليفة وسماه في الذريعة وغيرها : ) إثبات الوصية ( . ) اتصال الحجج وأوصياء الانبياء من لدن آدم حتى خاتم لنبيين صلوات الله عليهم أجمعين وأوصيائه
فقد ذكر:
- مثلا - : أن وصي آدم كان هبة الله وهو شيث بالعبرانية . وأن وصي ابراهيم كان اسماعيل ( ع ). وأن وصي يعقوب كان يوسف ( ع ). وأن وصي موسى كان يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف ( ع ) وخرجت عليه صفورا زوجة موسى ( ع )وأن وصي عيسى كان شمعون ( ع ) . وأن وصي خاتم الانبياء محمد ( ص ) كان علي بن أبي طالب ، ثم الاحد عشر من ولده ( ع ) .
ونذكر خبر ثلاثة من الاوصياء المذكورين أعلاه:
أ - خبر وصية آدم لشيث:
قال اليعقوبي في خبر وصية آدم لشيث . " لما حضر آدم الوفاة . . . جعل وصيته إلى شيث " .
وقال الطبري : " هبة الله ، وبالعبرانية : شيث ، واليه أوصى آدم . . . وكتب وصيته ، وكان شيث في ما ذكر وصي أبيه آدم ( ع ) . "
وقال المسعودي في خبر وصية آدم لشيث ثم وفاته : " ثم ان آدم حين أدى الوصية إلى شيث ، احتقبها واحتفظ بمكنونها ، وأتت وفاة آدم . . . . . . "
وقال ابن الاثير : " وتفسير شيث : هبة الله ، وهو وصى آدم ، ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى شيث . " وقال ابن كثير : ذكر وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث عليه السلام : " ومعنى شيث : هبة الله . . . ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث . . . . . " .
ب - خبر يوشع بن نون وصي موسى:
أولا : يوشع بن نون في التوراة : ورد في مادة يوشع من قاموس الكتاب المقدس نقلا عن التوراة : " أن يوشع بن نون كان مع موسى في جبل سينا ولم يتلوث بعبادة العجل على عهد هارون " وفي آخر الاصحاح السابع والعشرين من سفر العدد (التوراة من الكتاب المقدس ، بيروت ، المطبعة الامريكية سنة : 1907 م . ) ورد خبر تعيينه من قبل الله وصيا لموسى كالآتي نصه :
فكلم موسى الرب قائلا . 16 ليوكل الرب اله 17 - أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة 17 يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم 18 - ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها . 18 فقال الرب لموسى 19 - خذ يشوع بن نون رجلا فيه روح وضع يدك عليه 19 وأوقفه قدام ألعازار الكاهن 20 - وقدام كل الجماعة وأوصه أمام أعينهم . 20 واجعل من هيبتك عليه لكي يسمع له كل 21 - جماعة بني إسرائيل . 21 فيقف أمام ألعازار الكاهن به فيسأل له بقضاء الاوريم أمام الرب . حسب قوله يخرجون وحسب قوله يدخلون هو وكل بني اسرائيل معه كل 22 - الجماعة . 22 ففعل موسى كما أمره الرب . أخذ يشوع وأوقفه قدام ألعازار الكاهن 23 - وقدام كل الجماعة 23 ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى وورد خبر قيامه بأمر بني اسرائيل وحروبه في ثلاثة وعشرين اصحاحا من سفر يوشع بن نون .
وجه الشبه بين وصي خاتم الانبياء ووصي موسى عليهم السلام أن يوشع بن نون كان مع موسى في جبل سينا ولم يعبد العجل . وأمر الله نبيه موسى أن يعينه وصيا من بعده لئلا تكون جماعة الرب كالغنم بلا راعي . وكان الامام علي مع النبي في غار حراء ولم يعبد صنما قط وأمر الله نبيه في رجوعه من حجة الوداع ان يعينه أمام الحجيج قائدا للامة من بعده ، ولا يترك امته هملا ، وقد صدع بذلك رسول الله ( ص ) في غدير خم وعينه وليا للعهد من بعده كما سنذكره في ما يأتي ، وصدق رسول الله ( ص ) حيث قال : ليأتين على أمتي ما أتى على بني اسرائيل حذو النعل بالنعل . . . "
ثانيا : في القرآن الكريم ومصادر الدراسات الاسلامية : في القرآن الكريم ، عرب يوشع ب ) اليسع ) في سورة الانعام ، الاية : 86 و سورة ص ، الاية : 48 .
وفي تاريخ اليعقوبي : " وكان موسى لما حضرته وفاته امره الله عزوجل أن يدخل يوشع بن نون إلى قبة الزمان فيقدس عليه ويضع يده على جسده لتتحول فيه بركته ويوصيه أن يقوم بعده في بني اسرائيل .
ج - خبر شمعون وصي عيسى:
أولا : شمعون في الانجيل . ورد في قاموس الكتاب المقدس ذكره عشرة أشخاص بهذا الاسم ، منهم : شمعون بطرس وشمعون اسمه في التوراة سمعون ، وقد ورد خبره في انجيل متى الاصحاح العاشر كالآتي : " ثم دعا - يعني عيسى -
تلاميذه الاثنى عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ، ويشفوا كل مرض وكل ضعف . وأما الاسماء الاثنى عشر رسولا فهي هذه : الأول سمعان الذي يقال له بطرس . . . . " . وفي انجيل يوحنا ، الاصحاح 21 العدد : 15 -
18 أن عيسى أوصى إليه وقال له : " ارع غنمي " كناية عن رعاية من آمن به . وجاء في قاموس الكتاب المقدس أيضا : " عينه المسيح لهداية الكنيسة " .
ثانيا : شمعون في مصادر الدراسات الاسلامية : ذكر خبره اليعقوبي وسماه سمعان الصفا .
وقال المسعودي في 1 / 343 قتل برومية بطرس واسمه باليويانية شمعون والعرب تسميه سمعان . وفي مادة دير سمعان من معجم البلدان : " دير سمعان : بنواحي دمشق ، وسمعان هذا الذي ينسب إليه الدير ، أحد أكابر النصارى ، ويقولون أنه شمعون الصفا . أوردنا نتفا من أخبار هؤلاء الاوصياء الثلاثة كمثال لاخبار بقية أوصياء الانبياء في الامم السابقة . ولم يكن خاتم الانبياء بدعا من الرسل ليترك أمته دون تعيين ولي الامر من بعده وهو الذي لم يغب عن المدينة ، المجتمع الاسلامي
الصغير ، في غزواته ولا ساعة من نهار دون أن يستخلف عليها أحدا ، لم يترك خاتم الانبياء والمرسلين المجتمعات الاسلامية للابد دون أن يعين أولي الامر من بعده ، بل عينهم بألفاظ مختلفة وفي أماكن متعددة ، منها ما خص بالذكر الامام من بعده ومنها ما ذكر فيها جميع الائمة .
ومما خص بالذكر الامام علي بن أبي طالب وحده الاحاديث الآتية :
في أحاديث الرسول ( ص ) اوردنا في اول الباب قصة انذار بني هاشم وفي ذلك اليوم وبمحضر من رجال بني هاشم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام : " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " وبهذا القول عين الرسول صلى الله عليه وآله وصيه وخليفته فيهم وأمرهم بإطاعته " وما أتاكم الرسول فخذوه .
وروى الطبراني عن سلمان قال قلت يا رسول الله : إن لكل نبي وصيا فمن وصيك ؟ فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال يا سلمان فأسرعت إليه قلت لبيك قال : تعلم من وصي موسى قال نعم ، يوشع بن نون قال لم ؟ قلت : لانه كان أعلمهم يومئذ قال : فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب (رواه الهيتمي عن الطبراني في مجمع الزوائد (ج 9 / 113 ) ، ورواه سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة خواص الامة باب حديث النجوى عن كتاب الفضائل لاحمد بن حنبل وهذا لفظه :
قال أنس قلنا لسلمان : سل رسول الله ( ص ) من وصيك ؟ فسأل سلمان رسول الله ( ص ) فقال : من كان وصي موسى بن عمران ؟ فقال : يوشع بن نون . قال : ان وصيي ووارثي ومنجز وعدي علي بن أبي طالب. ) .
وعن أبي أيوب أن رسول الله ( ص ) قال لابنته فاطمة : اما علمت أن الله عزوجل اطلع على أهل الارض فاختار منهم اباك فبعثه نبيا ثم اطلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا(مجمع الزوائد للهيتمي ( ج 8 / 253 ) وفي ( ج 9 / 165 ) منه عن علي بن علي الهلالي : ووصيي خير الاوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعل. . الحديث . ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج 5 / 31 ) وكنز العمال ، كتاب الفضائل ، الفصل الثاني ، فضائل علي بن أبي طالب ، الحديث رقم : ( 1163 ) ، ( ج 12 / 204 ) وأبو أيوب الانصاري اسمه خالد بن زيد الخزرجي ، شهد بيعة العقبة وجميع مشاهد رسول الله ( ص ) وشهد مع الامام علي الجمل وصفين ونهروان ، وتوفي عند مدينة القسطنطينية سنة خمسين أو احدى وخمسين ، اسد الغابة ( ج 5 / 143 ) ) .
وعن ابي سعيد أن رسول الله ( ص ) قال : إن وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب (كنز العمال ، كتاب الفضائل ، الفصل الثاني ، فضائل علي بن أبي طالب ، الحديث رقم : 1192 ، ط ، الثانية ( ج 12 / 209 ) . وابو سعيد الخدري ، سعد بن مالك الخزرجي ، كان من الحفاظ لحديث رسول الله ( ص ) ( ت : 54 ه ) ، اسد الغابة ( ج 5 / 211 ) ) .
وعن أنس بن مالك أن الرسول توضأ وصلى ركعتين وقال له : " أول من يدخل عليك من هذا الباب امام المتقين وسيد المسلمين ويعسوب الدين وخاتم الوصيين . . . فجاء علي ( ع ) فقال ( ص ) من جاء يا أنس ؟ فقلت : علي ، فقام إليه مستبشرا فاعتنقه " الحديث .
(حلية الاولياء ( ج 1 / 63 ) ، وتاريخ ابن عساكر ( ج 2 / 486 ) ، وشرح نهج البلاغة ، ط ، مصر الاولى ( ج 1 / 450 ) . وانس بن مالك أبو ثمامة الخزرجي ، روى عنه البخاري ومسلم 2286 حديثا . اختلف في سنة وفاته من( 90 - 93 ه ) ، الاستيعاب ، واسد الغابة ، الاصابة . )
وعن الصحابي بريدة قال : قال النبي : " لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي " (تاريخ دمشق لابن عساكر ( ج 3 / 5 ) ، والرياض النضرة ( ج 2 / 178 ) عن بريدة وهو : أبو عبد الله بريدة بن الحصيب بن عبد الله الاسلمي قدم المدينة بعد احد فشهد مع رسول الله ( ص ) مشاهده وتحول بعده إلى البصرة وابتنى بها دارا ثم خرج غازيا إلى خراسان فأقام بمرو وتوفي بها ، اسد الغابة ( ج 1 / 175) ) .
وفي المحاسن والمساوئ للبيهقي ، ما موجزه : " ان جبرائيل جاء بهدية من الله ليهديها الرسول ( ص ) إلى ابن عمه ووصيه علي بن أبي طالب " الحديث . (المحاسن والمساوئ لمحمد بن ابراهيم البيهقي ( كان حيا قبل : 320 ه ) ، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ، ط ، القاهرة سنة : 1380 ه ، ( ج 1 / 64 - 65 ) . ) كان هذا ما وجدناه في الوصية في أحاديث الرسول ( ص )
الوصية في كتب الامم السابقة روى نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين والخطيب في تاريخ بغداد واللفظ للاول : ان الامام علي في مسيره إلى صفين عطش جيشه في صحراء فانطلق بهم حتى أتى بهم على صخرة فأعانهم حتى اقتلعوها وشرب الجيش حتى ارتووا وكان بالقرب منهم دير فلما اطلع صاحب الدير على هذا الامر قال : ما بني هذا الدير الا بذلك الماء وما استخرجه الا نبي أو وصي نبي (وقعة صفين ، ط ، المدني بمصر سنة 1382 ه : 145 وتاريخ الخطيب ( ج 12 / 305 ) وقد أوردنا الخبر بإيجاز من الاول . وقد بني في مكان الدير منذ قرون مسجد براثا وتغير مجرى نهر دجلة فأصبح قريبا من المسجد المذكور ) . خبر آخر يؤيد الخبر السابق في صفين لنصر بن مزاحم وتاريخ ابن كثير واللفظ للاول : قال : لما نزل علي الرقة بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي : ان عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه أصحاب عيسى بن مريم ، أعرضه عليك قال علي : نعم ، فما هو ؟ قال الراهب : بسم الله الرحمن الرحيم . [ الذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، أنه باعث في الاميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على سبيل الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الاسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط ، تذل السنتهم بالتهليل والتكبير والتسبيح ، وينصره الله على كل من ناواه ، فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت ، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ، ولا يرتشي في الحكم . الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء ، يخاف الله في السر ، وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم . من أدرك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ، فإن القتل معه شهادة ] . ثم قال له : فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك قال : فبكي علي ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا ، الحمد لله الذي ذكرني في كتب الابرار . ومضى الراهب معه ، وكان - فيما ذكروا - يتغدى مع علي ويتعشى حتى اصيب يوم صفين ، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي : اطلبوه فلما وجدوه ، صلى عليه ودفنه ، وقال : هذا منا أهل البيت . واستغفر له مرارا (صفين ، ص : 147 - 148 . وابن كثير ( ج 7 / 254 ) . والبليخ : اسم نهر بالرقة ، يجتمع فيه الماء من عيون . معجم البلدان . ) .
الوصية في حديث الاشتر عندما بويع الامام علي ( ع ) قال مالك بن الحارث الاشتر لما بويع أمير المؤمنين ( ع ) : ( أيها الناس هذا وصي الاوصياء ، ووارث علم الانبياء ، العظيم البلاء الحسن العناء ، الذي شهد له كتاب الله بالايمان ، ورسوله بجنة الرضوان من كملت فيه الفضائل ، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الاواخر ولا الاوائل ) (تاريخ اليعقوبي ( ج 2 / 178 ) ) .
الوصية في كتاب محمد بن أبي بكر :
كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم " من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي بن صخر . سلام على أهل طاعة الله ممن هو مسلم لاهل ولاية الله . أما بعد فإن الله . . . . . انتخب محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، فاختصه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه على أمره ، وبعثه رسولا مصدقا لمن بين يديه من الكتب ، ودليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أول من أجاب وأناب ، وصدق ووافق وأسلم وسلم ، أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم فوقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الازل ، ومقامات الروع ، حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله . وقد رأيتك تساميه وأنت أنت . وهو هو المبرز السابق في كل خير ، أول الناس اسلاما ، وأصدق الناس نية ، وأطيب الناس ذرية ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عم . . . . . ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على اطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتخالفان فيه القبائل . على ذلك مات ابوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الاحزاب ، ورؤس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وآله . والشاهد لعلي مع فضله المبين وسبقه القديم ، انصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم ، من المهاجرين والانصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ، ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتباعه ، والشقاء في خلافه ،فكيف - يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي ، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا ، وآخرهم به عهدا ، يخبره بسره ويشركه في أمره " وكتب معاوية في جوابه : " من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر . سلام على أهل طاعة الله . أما بعد فقد أتاني كتابك ، تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه وما أصفى به نبيه ، مع كلام ألفته ووضعته ، لرأيك فيه تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف . ذكرت حق ابن ابي طالب ، وقديم سوابقه وقرابته من نبي الله صلى الله عليه ، ونصرته له ومواساته إياه في كل خوف وهول ، واحتجاجك علي بفضل غيرك لا بفضلك . فأحمد الها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك . وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا صلى الله عليه ، نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله ما عنده ، وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته وأفلج حجته . قبضه الله إليه ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه . على ذلك اتفقا واتسقا ، ثم دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فبايع وسلم لهما ، لا يشركانه في امرهما ، ولا يطلعانه على سرهما ، حتى قبضا وانقضى أمرهما . ثم قام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان ، يهتدي بهديهما . . . " إلى آخر الكتاب اوردنا جواب معاوية لما فيه الاعتراف بما ذكره محمد بن أبي بكر ، وأورد تمام الكتابين نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين والمسعودي في مروج الذهب . وأشار اليهما الطبري وابن الاثير في ذكرهما حوادث سنة ست وثلاثين هجرية .
روى الطبري بسنده عن يزيد بن ظبيان : " ان محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولي فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة . . . " إذا فإن الطبري لم يورد في موسوعته التاريخية الكبرى ما دار بين محمد بن أبي بكر ومعاوية من مكاتبات لانه لم ير من الحكمة ان يطلع عليها عامة الناس وليس من باب عدم اعتماده على صحة الخبر . وتبعه العلامة ابن الاثير ولم يورد تلك المكاتبات في موسوعته التاريخية الكامل وذكر نفس العلة وقال : كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة (صفين لنصر بن مزاحم ، ط ، القاهرة سنة : 1382 ه ، ص : 118 - 119 وتاريخ الطبري ط ، أروپا ( ج 1 / 3248 ) وتاريخ ابن الاثير ، ط ، أروپا ( ج 3 / 108 ) ومروج الذهب للمسعودي ، ط ، بيروت سنة : 1385 ه ( ج 3 / 11 ) ، وقال : ان محمد بن أبي بكر كتب الكتاب إلى معاوية من مصر لما ولاه الامام علي . ) .
الوصية في كتاب عمرو بن العاص روى الخوارزمي كتابا لعمرو بن العاص إلى معاوية قال فيه : " فاما ما دعوتني إليه . . . . ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي وهو أخو رسول الله ( ص ) ووصيه ووارثه ، وقاضي دينه ومنجز وعده وزوج إبنته . . . . " (مناقب الخوارزمي ، ص : 125 . )
الوصية في كلام الامام علي ( ع ) واحتجاجه:
روى الخوارزمي من كلام الامام علي ( ع ) : (مناقب الخوارزمي ، ص : 143 . ) " أنا أخو رسول الله ( ص ) ووصيه . . . . " .
وروى ابن أبي الحديد ، من كتاب للامام علي ( ع ) إلى أهل مصر : " واعلموا انه لا سوى امام الهدى وامام الردى ووصي النبي وعدو النبي " (شرح النهج لابن ابي الحديد ( ج 2 / 28 ) . )
وذكر اليعقوبي احتجاج الخوارج على الامام علي ( ع ) وجاء فيه : أنه ضيع الوصية ، فكان من جوابه ( ع ) : " أما قولكم اني كنت وصيا فضيعت الوصية فان الله عزوجل يقول : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " أفرأيتم هذا البيت لو لم يحج إليه احد كان البيت يكفر ؟ إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلا كفر ، وأنتم كفرتم بترككم إياي لا أنا بتركي لكم . . . الخ " (تاريخ اليعقوبي ( ج / 192 ) ) .
الوصية في خطب الامام علي ( ع ) :
في الخطبة 182 من نهج البلاغة ، قال الامام : " أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الانبياء بها أممهم وأديت إليكم ما أدت الاوصياء إلى من بعدهم . . . . " وفي الخطبة : 88 منه ، قال : " ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي . " وفي الخطبة الثانية منه ، قال : " لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الامة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين . . . . ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة . . . . . " .
الوصية في خطبة الامام الحسن ( ع ):
خطب الامام الحسن ( ع ) بعد مقتل أبيه وقال في خطبته : " أنا الحسن بن علي أنا ابن الوصي . . . " (نقلنا الخبر من مستدرك الحاكم ( ج 3 / 172 ) وراجع ذخائر العقبى ، ص : 138 ، وفي مجمع الزوائد للهيتمي ( ج 9 / 146 ) عن الطبراني وغيره . ) الحديث .
الوصية في خطبة الامام الحسين ( ع ) :
خطب الامام الحسين ( ع ) يوم العاشر من محرم على جيش الخليفة يزيد وقال في خطبته في مقام الاحتجاج عليهم : " أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها هل يجوز لكم قتلي وانتهاك حرمتي . ألست ابن بنت نبيكم ( ص ) وابن وصيه وابن عمه واول القوم اسلاما وأول المؤمين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه . أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي ؟ "( في الخطبة التي رواها الطبري في ، ط ، أروپا ( ج 2 / 329 ) وابن الاثير ، ط ، أروپا ( ج 4 / 52 ) وأورد الخطبة ابن كثير في ( ج 8 / 179 ) وحذف منها ما ذكره الامام الحسين في وصف أبيه وكتب بدلها " وعلي أبي " وأورد الباقي . ).
إذا كان ما وصف به الامام الحسين أباه الامام عليا من أنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله مشهورا عندهم كشهرة نبوة جده وأن عم أبيه سيد الشهداء حمزة وأن عمه الطيار ذو الجناحين جعفر ولذلك ذكره في ذكر نسبه ولم يرد عليه احد منهم . عبد الله بن علي عم الخليفة العباسي السفاح يحتج بالوصية دعا العباسيون في بادئ أمرهم الناس إلى القيام ضد الامويين باسم آل محمد وكان يدعى أبو مسلم أمير آل محمد (تاريخ اليعقوبي والتنبيه والاشراف للمسعودي ص : 293 وتاريخ ابن الاثير ( ج 5 / 139 ] 142 ] 194 في ذكر حوادث سنة 129 و 130 . ) وكانوا يحتجون على خصومهم بالنصوص التي وردت عن رسول الله ( ص ) في حق آله بالحكم ، ولما تم لهم الاستيلاء على الحكم أداروا ظهرهم لآل محمد ، وممن احتج بالوصية عم السفاح اول الخلفاء العباسيين ، فقد روى الذهبي عن أبي عمرو الاوزاعي (بترجمته في تذكرة الحفاظ ( ج 1 / 181 ) . ) ما موجزه : لما قدم عبد الله بن علي عم السفاح الشام وقتل بني أمية بعث إلي وقال في كلامه : " ويحك أو ليس الامر لنا ديانة ؟ قلت : كيف ذاك ؟ قال : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى لعلي ؟ قلت لو اوصى إليه لما حكم الحكمين . فسكت وقد اجتمع غضبا فجعلت أتوقع رأسي يسقط في يدي ، فقال بيده هكذا أومى أن أخرجوه فخرجت . . . . الحديث . إن الاوزاعي احتج في رد الوصية بما احتج به الخوارج على الامام علي وجوابه جواب الامام للخوارج .
تعليق