إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

نص اسرائيلى يتحدث عن ( حزب الله)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نص اسرائيلى يتحدث عن ( حزب الله)

    نص إسرائيلي
    'حـزب اللـه' بعـد الإنسحــاب الســـوري




    في السنوات الأخيرة، لا سيّما منذ انسحاب القوّات الإسرائيلية من لبنان في أيار 2000، اصبح مستقبل المنظّمة اللبنانية "حزب الله" وعلّة وجودها في غياب الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، موضوع جدل على نطاق واسع. ولا يشارك في هذا الجدل المحيط الداخلي والإقليمي وحسب بل أيضاً قيادة "حزب الله" نفسها. من جهته، أظهر الحزب قدرته على تكييف طابع المنظّمة ونشاطها مع الواقع المتغيِّر في ضوء أحداث 11 أيلول 2001 والحرب في أفغانستان وإطاحة النظام العراقي. ويواجه "حزب الله" الآن تحدّياً جديداً نتيجة الضغوط اللبنانية والدولية المتزايدة على سوريا التي هي أحد رعاته الأساسيين. وقد دفعت هذه الضغوط بالحزب إلى ترسيخ موقعه في الساحة اللبنانية الداخلية بالتعاون مع سوريا والإستابلشمنت الموالي لها، وإلى تعزيز دوره كقوّة مسلّحة في لبنان. أصبح إمكان إدماج "حزب الله" مستقبلاً في الجيش اللبناني مسألة أكثر إلحاحاً على جدول الأعمال السياسي والإعلامي في لبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 شباط (الماضي).

    أدّى اغتيال الحريري، الذي سيكون على ما يبدو أحد الأحداث التأسيسية الحاسمة في لبنان منذ اتفاق الطائف ونهاية الحرب الأهلية في أواخر 1989، إلى زيادة الضغوط المحلية والدولية على سوريا والتي كانت قد بلغت أصلاً مستوى عالياً، كي تلتزم بقرار مجلس الأمن الرقم 1559 الصادر في أيلول 2004. يدعو هذا القرار إلى انسحاب "كلّ القوّات الأجنبية المتبقّية" من لبنان و"حلّ كلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها" و"بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية"(1). بالنسبة إلى "حزب الله"، عرّض موت الحريري المنظّمة لضغوط دولية جديدة. وليس مفاجئاً أنّ الحزب وصف الحدث بـ"الزلزال".

    الفكرة الأساسية التي يحاول هذا المقال إيصالها هي أنّ المنظّمة الشيعية تفعل الآن كلّ ما بإمكانها لزرع الاعتقاد بأنّه من الضروري أن يبقي لبنان على القوّة العسكرية ل"حزب الله" كقوّة رادعة استراتيجية ضدّ إسرائيل. وهذا يُكسِب الحزب الدعم من الإستابلشمنت الموالي لسوريا وحتى من بعض الشخصيّات البارزة في المعارضة التي طالبت بقوّة برحيل السوريين من البلاد. بالإضافة إلى هذا، من المتوقّع أن يندفع لبنان أكثر فأكثر نحو دعم القوّة العسكرية لـ"حزب الله" وتالياً حمايته رسمياً نتيجة الضغوط الدولية المتزايدة على سوريا ولبنان. على الأرجح أنّ "حزب الله"، الذي تنبع قوّته الرادعة ضدّ إسرائيل من كونه في شكل خاص منظّمة غير منتمية إلى الإستابلشمنت، سيسعى إلى الإفادة من حماية الإستابلشمنت اللبناني له بينما يحاول في الوقت نفسه الحفاظ قدر الإمكان على وضعه المستقلّ.

    التركيز على الساحة اللبنانية

    يشير تاريخ "حزب الله" إلى أنّه يتأثّر عند حدوث تطوّرات دراماتيكية مثل الحملة الأميركية في العراق والدعم الدولي الواسع للحرب على الإرهاب. على الأقلّ في ما يتعلّق بالشؤون الداخلية اللبنانية، ومنذ عشيّة الحرب الأميركية على العراق، حصل تغيير بعيد الأثر في أولويات المنظمة وعمليّاتها.

    أولاً بدأ "حزب الله" يظهر بقوّة انفتاحاً على الأحزاب السياسية في لبنان بما فيها كيانات سياسية كان يتحاشاها في السابق. في حين كانت غالبية التقارير في وسائل الإعلام اللبنانية تتحدّث تقليدياً عن "حزب الله" في سياق عسكري، أصبح اسم المنظّمة يتردّد يومياً في السنوات الأخيرة لا سيما في الشؤون السياسية الداخلية. على سبيل المثال، عندما حضر الأمين العام ل"حزب الله"، حسن نصرالله، في تشرين الأول 2002 حفل افتتاح المؤتمر الفرنكوفوني في بيروت، كانت هذه المرّة الأولى التي يشارك فيها نصرالله في حدث لا صلة له بالنزاع مع إسرائيل وحيث كان السفير الأميركي حاضراً بين العديد من الشخصيات الأجنبية الرفيعة المستوى. وفي طريقه إلى مقعده، صافح نصرالله، لأوّل مرة أيضاً، البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، وهو من أوائل الشخصيات المهمّة التي طالبت بالانسحاب السوري من لبنان. أصبحت اجتماعات من هذا النوع للتقارب والتنسيق مسائل روتينية بالنسبة إلى قادة "حزب الله"، بما في ذلك مع القائد المعارِض والمناوئ البارز لسوريا الذي كان منفياً في ذلك الوقت وعاد أخيراً إلى البلاد، ميشال عون(2).

    ثانياً، في السياق العسكري يسوّق "حزب الله" نفسه حالياً كقوّة ردع استراتيجية ضدّ إسرائيل، وإلى درجة أقلّ بكثير كمنظّمة تشارك في الحرب التكتيكية اليومية ضدّها(3). يمكن تقسيم السنوات الخمس التي انقضت منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان إلى مرحلتين أساسيّتين: من تشرين الأول 2000 حتى نهاية 2002 عندما كان "حزب الله" يشنّ هجمات على جبل دوف كلّ بضعة أسابيع، ومن مطلع 2003 حتى الآن حيث تمرّ أشهر عدّة بين هجمة وأخرى على هذا الجبل، وتأتي الهجمات في شكل أساسي كردّ على ما تعتبره المنظّمة استفزازاً إسرائيلياً(4). مع ذلك، ومباشرةً بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، بذل قادة "حزب الله" جهداً كبيراً لإظهار أنّ المنظمة حريصة على الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في البلاد. منذ ذلك الوقت، راحت تبرز أكثر فأكثر صورة جديدة ل"حزب الله" كقوّة مكمّلة للجيش اللبناني تعمل بالتنسيق مع المؤسّسة العسكرية الوطنية. يشرح مسؤولون بارزون في "حزب الله" أنّه نظراً إلى ضعف الجيش، "تتشاطر المنظّمة مع الجيش اللبناني حفرة يتّقيان فيها نار العدو"، وتالياً يجب الحفاظ على قوّتها العسكرية. وقد حصلت هذه المقاربة على موافقة الإستابلشمنت اللبناني.

    في شكل خاص، تلقى المخاوف المعبَّر عنها في إسرائيل، اهتماماً وأصداء جيّدة لدى الكيانات المختلفة الواقعة شمال الحدود، أي سوريا و"حزب الله" والإستابلشمنت اللبناني وحتى بعض قادة المعارضة المناوئة لسوريا. لا يكتفي "حزب الله" بلَحْظ تعابير الخوف هذه التي نجح في توليدها بل يستغلّها ويدرجها في حملة البروباغندا الداخلية التي يشنّها بهدف الحفاظ على إمكاناته ووضعه. وهكذا أعلن أمين عام "حزب الله" أنّ الجيش اللبناني عاجز بمفرده عن ردع إسرائيل التي تستطيع قوّتها الجوّية وحدها أن تدمّر الجيش في غضون "ثلاث إلى أربع ساعات". لكنّ نصرالله أضاف أنّ لبنان يملك "المقاومة التي هزمت إسرائيل وأذلّتها وردعتها في فترة أربع سنوات ونصف السنة"(5). وصرّح نائبه، نعيم قاسم، أنّ "المقاومة الرادعة هي التي تخيف الإسرائيليين"(6).

    وفي انعكاس لهذه النظرة، اقترب "حزب الله" في السنوات القليلة الماضية أكثر فأكثر من الإستابلشمنت العسكري الرسمي في لبنان. عندما أرسل رئيس الجمهورية اللبناني في أيار 1999 قائد لواء الحرس الجمهوري للقاء نصرالله ومنح أوسمة لمقاتلي الحزب تكريماً لنضالهم في جنوب لبنان، اعتُبِرت بادرة غير مسبوقة من قبل الحكومة تجاه المنظّمة(7). لكنّ الموادّ الاستخبارية التي تملكها إسرائيل(8) حول التعاون بين "حزب الله" والجيشَين اللبناني والسوري تشير إلى أنّ كثراً في الإستابلشمنت العسكري والسياسي اللبناني يعتبرون أنّ "حزب الله" يساعد في التعويض عن التفاوت في القوّة العسكرية مع إسرائيل. في تموز من العام الفائت، نُقِل عن قائد الجيش اللبناني، ميشال سليمان، قوله لنصرالله إنّه نظراً إلى أنّ لبنان لا يملك طائرات مقاتلة ولا جيشاً قوياً يواجه به إسرائيل، "يملأ حزب الله هذا الفراغ" وهو "سلاح لبنان الذكي"(9). بعد حوالى ثلاثة أشهر، شرح النائب في البرلمان اللبناني، فارس بويز وهو حالياً عضو بارز في المعسكر السياسي المناوئ لسوريا لكن في الوقت نفسه داعم ل"حزب الله" أنّ "أنشطة المقاومة سرّية بطبيعتها، وأنّه لو كان ل[لبنان] القدرة [العسكرية] التقليدية والكلاسيكية على مواجهة العدوّ الإسرائيلي، لتولّى الجيش هذه المهمّة"(10). وشرح الرئيس اللبناني، إميل لحود، أنّ "حزب الله" "يبقى السلاح المميّز الأساسي بيد لبنان في غياب التوازن العسكري التقليدي بين الجيشَين اللبناني والإسرائيلي"(11). وقال وزير الدفاع السابق عبد الرحيم مراد "إمكاناتنا محدودة ولبنان صغير جداً من حيث المساحة، لذلك نعتبر أنّ تعزيز المقاومة هو السبيل الأمثل بالنسبة إلينا"(12).

    في الأشهر الأخيرة، وعلى الأرجح في إطار محاولة من الإستابلشمنت الدفاعي اللبناني لحماية "حزب الله" ضدّ الضغوط الخارجية، برزت المظاهر الواضحة والضمنيّة لهذا المفهوم بقوّة كبيرة إلى درجة أنّ مسؤولين بارزين في لبنان يتحدّثون الآن عن دمج "حزب الله" في العقيدة العسكرية اللبنانية. حتى إنّ ضرورة حماية "المقاومة" (أي "حزب الله") ذُكِرت في منشور خاص وزّعته مديرية التوجيه في الجيش اللبناني على الجنود، وتشرح فيه أنّ "المقاومة تشكّل جزءاً أساسياً من قوّة الموقف اللبناني عند مواجهة الأخطار التي تسبّبها إسرائيل"(13). وبعد بضعة أيام، لفت سليمان إلى أنّ "دعم المقاومة هو من المبادئ الوطنية الأساسية في لبنان ومن الأسس التي ترتكز عليها العقيدة العسكرية. حماية المقاومة هي مهمّة الجيش الأساسية"(14). وقال نعيم قاسم موافقاً "نحن كمقاومة نقع دائماً ضمن إطار العقيدة العسكرية للجيش اللبناني"(15).

    يرتكز هذا الاعتراف بالمقاومة، لا سيّما في معسكر الموالين لسوريا، إلى حدّ كبير على مجموعة من المصالح المشتركة بين سوريا و"حزب الله". تعتبر سوريا لبنان ورقة رابحة استراتيجية من الدرجة الأولى. ويُعتبَر نجاحها في فرض هيمنتها على البلاد، بدءاً من عام 1976،(16) أحد أهمّ إنجازات نظام الأسد. ترى دمشق في لبنان منطقة عازلة أساسية في وجه هجوم إسرائيلي قد يذهب أبعد من مرتفعات الجولان، ومصدراً مهمّاً للدخل بالنسبة إلى آلاف العمّال السوريين. ويشاطر "حزب الله" سوريا مخاوفها الاستراتيجية معتبراً أنّ الحياد ليس بديلاً حيوياً بالنسبة إلى لبنان، وأنّه على البلاد أن تعتمد موقفاً إما موالياً لسوريا وإما موالياً لإسرائيل(17).

    مناقشات أوليّة حول الدمج في الجيش

    في هذه الظروف، كان من الطبيعي أن يكون النقاش التالي حول مستقبل "حزب الله" جدلاً يتعلّق بدمج المنظمة الشيعية، رسمياً أو على نحو شبه رسمي، في الجيش اللبناني. وقد سرّع اغتيال الحريري هذا الجدل. بعد أسبوعين فقط من الاغتيال، نُقِل عن مسؤولين لبنانيين قولهم إنّه "في المرحلة المقبلة" سيُناقَش مستقبل "حزب الله" وسلاحه بالتشاور مع كلّ الأطياف السياسية في البلاد. وكانت الاحتمالات المقترحة إنشاء رابط اندماجي بين "حزب الله" والجيش أو دمج القوّة العسكرية للمنظمة في الجيش أو الإعلان بأنّ هذه القوّة ستصبح قوّة "مساعِدة" للجيش اللبناني، كجزء من لواء خاص منفصل يُعرَف بـ"لواء المقاومة"(18).

    لفت الرئيس اللبناني الأسبق، أمين الجميّل، أحد قادة المعارضة الذين طالبوا بنشر الجيش اللبناني في جنوب البلاد، إلى أنّه بحسب القانون اللبناني، يمكن تحديد "حزب الله" في فئة "داعمي الجيش" وبناءً عليه "سيتحمّل الجيش مسؤولية مباشرة ويُلحق "حزب الله" ب"داعمي الجيش" وستعمل [المنظمة] تحت إشرافه ومسوؤليته"(19). في المقابل، تحدّث السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، عن "دمج" "حزب الله" بالجيش اللبناني (20). ونُقِل عن محمد رعد، رئيس كتلة "حزب الله" في البرلمان اللبناني، اقتراحه تحويل القوّة المسلّحة ل"حزب الله" وحدة احتياطية في خدمة الجيش اللبناني(21).

    ربّما هناك شعور بأنّ المنظّمة في ذاتها تفضّل الحفاظ على درجة كافية من الاستقلالية بهدف تفادي استيعابها الكامل داخل الجيش وإلغاء فاعليّتها الخاصّة في مواجهة القوّات الإسرائيلية. بعبارة أخرى، ستحاول المنظمة الحفاظ على الصيغة الحالية التي يحدّدها نصرالله بما يأتي "أن تحافظ المقاومة على التنسيق والتكامل مع الجيش"(22) بينما تتمتّع في الوقت نفسه بالاعتراف الرسمي والحماية الضمنيّة من الإستابلشمنت. في مقابلة أجريت معه في مطلع نيسان، نُقِل عن نائب الأمين العام ل"حزب الله" قوله "نناقش مسألة السلاح بعد [الانسحاب الإسرائيلي من مزارع] شبعا شرط إيجاد بديل موثوق للدفاع عن لبنان. لا يعني الجيش الاحتياطي أنّ المقاومة أصبحت جزءاً من الجيش بل فقط إننا وجدنا صيغة للتنسيق معه. إنها في الواقع مقاومة تحت اسم مختلف"(23). على الفور، أصدرت المنظّمة توضيحاً رسمياً اعتبرت فيه أنّه أسيء نقل كلام قاسم وأنّ التعبير الدقيق كان "ليست الفكرة المطروحة أنّ المقاومة ستصبح جزءاً من الجيش اللبناني وستخضع لأوامره بل إنّه ستكون هناك صيغة منسّقة للدفاع عن لبنان. أما في ما يتعلّق بالوسائل والتفاصيل، فيجب مناقشة هذه المواضيع"(24). بدا أنّ الهدف من التوضيح هو التشديد على أنّ "حزب الله" يكره أن يخسر استقلاليّته لمصلحة جيش نظامي، وأنّه متلهّف للحفاظ على أساليبه المتمايزة في العمليّات.

    إسرائيل و"حزب الله": النظرة إلى التهديد

    من وجهة نظر إسرائيلية، التطوّرات في لبنان ومسألة النفوذ السوري مرتبطة مباشرةً بالأمن على الحدود الشمالية. لكنّ هذه المقاربة تغيّرت كثيراً منذ بداية الوجود العسكري السوري في لبنان عام 1976. في ذلك الوقت، عندما كانت صدمة "حرب يوم الغفران" لا تزال حديثة العهد نسبياً، تركّز الاهتمام على وجود الجيش السوري على طول حدود أخرى. لم تعد النداءات الإسرائيلية الأخيرة لرحيل سوريا من لبنان تنبع من الخوف من حدوث مواجهة عسكرية مع الجيش السوري على جبهة إضافية بل من فكرة أنّ رحيل سوريا من لبنان من شأنه أن يحرّر بيروت من قيود الوصاية السورية ويسمح بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، وتالياً إقصاء "حزب الله".

    تمنح التقارير الإعلامية في إسرائيل والملاحظات التي يدلي بها مسوؤلون إسرائيليون رفيعو المستوى في السنوات الأخيرة، انطباعاً بأنّ الخوف من "حزب الله" المنظّمة التي تضمّ بضع مئات المقاتلين المسلّحين بأكثر من 13 ألف صاروخ كاتيوشا وصاروخ بعيد المدى، كما يرد في تقارير استخبارية صادرة عن القوّات الإسرائيلية أقوى، أو على الأقلّ أكثر وضوحاً من الخوف من التهديد العسكري السوري الذي يقوم على حوالى 3800 دبّابة وأسلحة كيميائية ونظام صواريخ يمكن أن يطاول إسرائيل بكاملها(25). توصف المواجهة بين القوّات الإسرائيلية و"حزب الله" بأنّها غير متكافئة انطلاقاً من الافتراض الأساسي بأنّ الطرف الآخر عبارة عن منظّمة غير خاضعة للمنطق والاعتبارات التي توجِّه عادةً الدول. هذا في تناقض مع الحرب ضدّ الجيش السوري التي من شأنها، في حال وقوعها، أن تجري بحسب المعايير التقليدية والمألوفة للسلوك العسكري.

    يقود هذا التعارض إلى إيلاء أهمية أكبر للتهديد الذي يشكّله "حزب الله". عندما أطلق "حزب الله" في تشرين الأول 2004 طائرة صغيرة موجَّهة عن بعد في أجواء نهاريا، حظي الأمر بتغطية إعلامية مكثّفة في إسرائيل وتبعه جدل حول إمكان أن تكون الطائرة محمّلة بالمتفجّرات في المرّة المقبلة. ونتيجة هذا التطوّر، برزت حتى تقارير تذكر أنّ القوات الإسرائيلية نشرت سريّة من صواريخ "باتريوت" في منطقة حيفا (26). وفي الإطار عينه، تخشى إسرائيل أن تجد وسائل متقدّمة من الدفاع الجوي (صواريخ الإسكندر وإس أي - 18) التي تبيعها روسيا إلى سوريا، طريقها إلى لبنان. ولدى القوّات الإسرائيلية رأيها في هذا الموضوع "صواريخ الإسكندر؟ ليست خطرة. نعرف كيف نتعامل مع الجيش السوري. لديهم صواريخ وسيستمرّون في امتلاكها. توازن الرعب بيننا واضح وحاسم، وفي هذه المرحلة لا يقلقوننا. ما الذي يقلقنا؟ حسن نصرالله. يستطيع من استمعوا إلى خطب قائد "حزب الله" في الأشهر الأخيرة أن يستشفّوا بوضوح أنّ الحزب يبحث عن حلول خلاّقة لمواجهة التفوّق الجوّي الإسرائيلي"(27).

    هذا هو المفهوم نفسه، على الأقلّ بحسب تقارير إخبارية، الذي أدّى إلى اعتراف غير مسبوق من جانب "مسؤولين دفاعيين رفيعي المستوى" في إسرائيل بضلوعهم باغتيال القيادي البارز في "حماس"، عزّ الدين شيخ خليل، في تشرين الأول من العام الماضي في دمشق(28). إذا كانت إسرائيل وراء اغتيال عناصر من "حزب الله" في السنوات الأخيرة في لبنان، فهي تتحاشى، خلافاً لمقتل خليل، تحمّل مسؤولية الاغتيالات في لبنان.

    لكن ثمّة مؤشّرات أيضاً أن هناك أشخاصاً في الإستابلشمنت العسكري بدأوا ينظرون إلى التهديد الذي يمثّله "حزب الله"، بدرجات مختلفة. بعد الضجّة الإعلامية والذعر اللذين أحدثهما اختراق الطائرة الصغيرة الموّجهة عن بعد الأجواء الإسرائيلية، قال مسؤول رفيع المستوى في القيادة الشمالية "نتكلّم كلّنا وكأنّهم سيطلقون بعد دقيقة قنبلة نووية في اتّجاهنا. بالتأكيد لست مسروراً لأنّ طائرة صغيرة موجّهة عن بعد حلّقت فوق نهاريا ثم غادرت لكن هذا كلّ شيء"(29). لفت رئيس فرع العمليّات، اللواء اسرائيل زيف، إلى أنّ "حزب الله وضع قدمه داخل دائرتنا. قد يكون هذا محرجاً لكنّه ليس مريعاً"(30). وفي مطلع نيسان، حلّقت الطائرة الصغيرة الموجّهة عن بعد التابعة ل"حزب الله" ثانيةً فوق إسرائيل لكن كان ردّ فعل الإعلام أكثر اعتدالاً هذه المرّة.

    خاتمة

    بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، بلغت الضغوط الدولية والداخلية اللبنانية على سوريا أوجها كي تسحب قوّاتها المتبقّية من لبنان وقد نفّذت هذه الخطوة في نيسان. حتى الآن سحبت سوريا رسمياً كلّ قواتها. لكنّ هذا لا يعني أنّها ستتخلّى كلياً عن مصلحتها الوطنية التي يؤمّنها نفوذها في البلاد المستمرّ منذ عشرين عاماً. بدون نفوذ في لبنان، من شأن سوريا أن تواجه تراجعاً في أهميّتها، كما عبّر عن الأمر رئيس الوزراء اللبناني السابق، سليم الحص عندما قال إنّه إذا خسرت سوريا [علاقتها الإيجابية مع] لبنان تصبح "دولة عاديّة كأيّ دولة أخرى في المنطقة"(31). في الواقع، حتى لو لم يبقَ جندي سوري واحد على الأراضي اللبنانية، سيظلّ هناك حلفاء لسوريا وقدرة على فرض عقوبات على معارضيها، وكيانات موالية لها ونفوذ لاستخباراتها.

    بالنسبة إلى سوريا، ما هو أسوأ من رحيلها من لبنان هو الاحتمال بأن يحلّ النفوذ الإسرائيلي مكان النفوذ السوري. في المستقبل المنظور، قد تستتبع كل عمل يُعتبر محاولة من إسرائيل لتجديد نفوذها في لبنان، إجراءات مضادّة من سوريا بما في ذلك خطوات من شأنها أن تقوّض استقرار البلاد. في هذه المرحلة على الأقلّ، تدرك أوساط المعارضة اللبنانية أنّ دمشق لن تقبل أبداً أيّ محاولة لإلحاق الضرر بالموقف السياسي السوري الذي يعتبر أنّه ينبغي على لبنان ألا يسير بمفرده في المواجهة الديبلوماسية والأمنية مع إسرائيل. لهذا السبب، سعى قادة المعسكر السياسي المناوئ لسوريا جاهدين إلى التركيز منذ اللحظة الأولى على "دور لبنان كشريك فاعل في النزاع العربي-الإسرائيلي"(32).

    في ما يتعلّق بـ"حزب الله"، لا يبدو أنّ المعارضة ستحاول إرغام المنظّمة على تسليم أسلحتها، فهذا السيناريو يُعتبَر شبه مستحيل في مختلف الحالات. بالإضافة إلى ذلك، وحتى بين مؤيّدي الانسحاب السوري واستقالة الإدارة الموالية لسوريا، هناك من يعتبرون أنّ القوّة العسكرية ل"حزب الله" ورقة رابحة على الصعيد الوطني. كلما ترسّخت في لبنان النظرة التي تعتبر إسرائيل دولة تشكّل تهديداً على البلاد، استمرّ "حزب الله" في الحصول على الدعم ووجد سهولة أكبر في تسويق نفسه على أنّه قوّة الردع الوطنية اللبنانية ضدّ إسرائيل.

    يعتبر "حزب الله" أنّ عليه الاستعداد للمستقبل على الرغم من أنّه لم يتّضح بعد الدور الذي ستؤدّيه سوريا. مهما حصل، من الواضح بالنسبة إلى المنظّمة أنّه ينبغي عليها استباق المرحلة حيث لن يعود بإمكانها الاعتماد على الدعم السوري كما فعلت حتى الآن. يرغم هذا الوضع "حزب الله" على تسريع الإجراءات التي انطلقت وتكثيفها لا سيمّا "لبننته" أو بعبارة أخرى التركيز على بعده اللبناني(33). لكن كلّما أصبح "حزب الله" "لبنانياً"، وأصبح تأثير الإستابلشمنت اللبناني أكثر رسميّة وتطلّباً، واجه صعوبات أكبر في القيام بأنشطة غير شرعية مثل المساعدة التي يقدّمها الآن إلى المنظّمات الفلسطينية في الأراضي (الفلسطينية) والتي لم تستفزّ إسرائيل بعد وتدفعها إلى ردّ من شأنه أن يزعزع الاستقرار عند الحدود الشمالية. على الأرجح أنّ "حزب الله" سيلقى في المستقبل تسامحاً أقلّ في لبنان بسبب نشاطه هذا على الساحة الفلسطينية، لأنّ وجوده كقوّة مسلّحة وأنشطته الاستفزازية سيُعتبَر بأنّه يحوّل إسرائيل تهديداً.

    من وجهة نظر إسرائيلية، لا يعني هذا أنّه في المرّة المقبلة التي يرصد فيها "حزب الله" انتهاكاً إسرائيلياً للحدود الشمالية، لن يردّ. لكن كلما اكتسبت المنظمة صورة رسميّة ومحدّدة، ستتحوّل تدريجاً من تهديد إلى خطر.

  • #2
    مشكور يعطيك الف عافية

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 16-05-2025, 03:07 AM
    ردود 0
    23 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة وهج الإيمان
    بواسطة وهج الإيمان
     
    أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 16-05-2025, 03:04 AM
    ردود 0
    14 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة وهج الإيمان
    بواسطة وهج الإيمان
     
    يعمل...
    X