إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مجموعات المقاومة العراقية: تصنيف وتحليل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مجموعات المقاومة العراقية: تصنيف وتحليل

    مجموعات المقاومة العراقية: تصنيف وتحليل



    نص قُدّم الى اجتماع سلامة المدنيين في الشرق الأوسط الذي اقامته منظمة العفو الدولية في فندق كومودور في بيروت بين 2 و3 تموز 2005.


    شهد العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق في 9 نيسان 2003 تغيرات واسعة النطاق شملت كل مناحي الحياة من سقوط الدولة الى معيشة الفرد وعلاقته مع الآخر. وجاءت بعدها التغيرات في بنية النظام والدولة العراقية، واتسعت لتطاول المؤسسة العنفية الرسمية (الجيش والشرطة والمؤسسات الامنية التابعة للدولة) لتساهم كل مكونات المجتمع العراقي في قيادة عمليات هذه المؤسسة وتوجيهها، من دون استئثار طرف اجتماعي واحد، كما كان في العهد السابق، ذلك أن معظم تلك المؤسسات كانت تدار من قبل عرب العراق في المنطقة الغربية، تحت واجهات حزب البعث او عبر تحالفات عشائرية.

    الخاسرون السياسيون من التغيير في العراق نظموا أنفسهم في مجموعات مسلحة بعد مرور ستة اشهر على سقوط العهد الديكتاتوري؛ لتبدأ تصديها للقوات المحتلة أولاً، ومن ثم المتعددة الجنسية والقوات الحكومية ثانياً؛ لتصل في مراحلها الاخيرة الى ما يشبه عمى الالوان حيث لا تمييز للعنف كثيراً بين المدني والعسكري ولا بين الاجنبي والعراقي، ولا بين استهداف مستشفى ومخبز وبين قاعدة عسكرية او مخفر للشرطة، كما استهدفت محطات الكهرباء ومنشآت المياه والنفط وخطوطها والبنية التحتية للبلاد والاماكن المقدسة من مساجد وحسينيات وكنائس. لقد اتخذ العنف في مراحله الاخيرة صفة ارهابية طائفية فاقعة منذ عام على الاقل، يكشف عن ذلك التصنيف الطائفي والقومي للضحايا المدنيين، عبر القتل الاعمى وجزّ الرؤوس والاختطاف.

    استطاعت المجموعات العنفية تعبئة مناصريها والمناهضين للوضع الجديد، فانتظموا في كتائب عسكرية مسلحة، يمكن تقسيمها اربع مجموعات مختلفة في الاتجاهات السياسية والفكرية، جمعها في البداية عنوان واحد (مقاومة المحتل). لكن هذا العنوان لم يعد قادراً على تحمّل عبء ما يحدث باسمه ووزره. فما يجري هو أقرب الى الحرب الطائفية/ القومية المكشوفة التي كانت قائمة ولكنها مستترة في عهد صدام. ما يجري ليس مواجهة للاحتلال بالضرورة بقدر ما هو انتفاضة الخاسرين؛ وما يجري ليس بسبب الاقصاء السياسي بل يستهدف اعادة "الاحتكار السياسي" الى سابق عهده، اي الاستيلاء الاقلوي على جهاز الدولة من جديد.

    يمكن تصنيف تلك المجموعات المسلحة الى:

    -1 تنظيمات حزب البعث المنحل، وهي مجموعات مسلحة مقاتلة، شكلت بموجب خطة تفصيلية وضعت من قبل النظام السابق، وتقضي الخطة باجراء عمليات عنفية في حال سقط النظام، من خلال تشكيلات عسكرية منفصلة عن بعضها البعض، ممولة ومدربة بشكل جيد جداً على حرب العصابات وحرب المدن. وتمتلك التشكيلات العسكرية اسلحة وذخائر تكفيها لفترة زمنية طويلة، سرقت من مخازن الجيش العراقي، بعد ارتكاب الخطأ الشنيع بحله، يقودها عدد من قادة الظل المدربين، جلهم من العسكريين المحترفين والضباط الامنيين واعضاء قياديين في حزب البعث، الذين اختيروا لاداء ادوار في مرحلة ما بعد السقوط. شُكلت كتائب مسلحة وأطلقت على نفسها تسميات تتم عن حس ديني طائفي، تعمل تحت إمرة قيادات ميدانية منفصلة، تملك زمام المبادرة في تحديد الاهداف والضحايا واسلوب التنفيذ، واطلقت لها حرية اختيار التسميات لتعبر عن توجهاتها وللتعتيم على الفاعل الحقيقي والمحرك لتلك الافعال الارهابية، مثل الجيش الاسلامي، أنصار السنة، جيش محمد (القي القبض على قائده وحُيّدت معظم عناصره)، كتائب ثورة العشرين، كتائب علي بن أبي طالب، وكتائب الفاروق، الخ.

    -2 المجموعات الاسلامية المتطرفة، سواء العراقية منها او غير العراقية، مثل مجلس شورى المجاهدين بقيادة الشيخ عبدالله الجنابي من أهالي الفلوجة، و"كتائب السلفية المجاهدة في بلاد الرافدين" بقيادة أبو الدرداء العراقي، وتنظيم انصار الاسلام (مجموعات كردية عراقية أسسها الملا كريكار المقيم في النروج حالياً) والتي يقودها في العراق أبو عبدالله الشافعي، وتنظيم "التوحيد والجهاد" بقيادة الزرقاوي، وقد تغيرت التسمية بعد مبايعة الاخير لابن لادن الى تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". وتتصف كل هذه التشكيلات بتبنيها تكتيكات تنظيم "القاعدة"، والتي أصبحت لاحقاً جزءاً منها.

    -3 مجموعات المقاومة الوطنية، هم مجموعات من العراقيين، انتظموا في تشكيلات مسلحة، تحت مسميات متنوعة، لمحاربة المحتلين لاسباب متعددة، وطنية، قومية، ودينية؛ وتذرعت بعدم قدرتها على تحمل رؤية الاميركيين يسقطون النظام ويحكمون البلد بالقوة العسكرية. هؤلاء ينحدرون من شرائح اجتماعية مختلفة ومن تكوينات سياسية متعددة. واستغلت بعض القوى السياسية تلك المجموعات وجمعتها لهدف تثبيت قادتها في الساحة السياسية، أملاً بالحصول على مواقع في قيادة الدولة او أن تكون جزءاً من السلطة.

    ويمكن إدراج ميليشيا جيش المهدي ضمن هذا التصنيف، خصوصاً بعد أن أنهى عملياته المسلحة وانضم الى العملية السياسية الجارية في العراق، وبعد قيام زعيمها مقتدى الصدر بعقد مصالحات مع أهالي النجف الذين جرى الاعتداء عليهم او على ممتلكاتهم ونجاح المساعي لاعادة تأهيلها للعمل السياسي.

    -4 قوى خلقتها ممارسات القوات الاجنبية والاميركية خصوصاً، نتيجة تصرفاتها الحمقاء وانتهاكاتها الفظة لاتفاقات جنيف الخاصة بادارة الحرب والأسرى والتعامل مع الشعوب المحتلة، وباستعمالها المفرط والقاسي للقوة ضد العراقيين، الذين يشاهدون وبمرارة عمليات الاذلال والاهانة لابناء وطنهم. وهي مجموعات صغيرة لكنها ظهرت على مسرح الاحداث، قسم ألقى السلاح، وآخر انضم الى المجموعات المسلحة بدوافع شتى.



    تحليل قوى المجموعات المسلحة

    يجمع هذه القوى خصائص عامة واخرى منفردة حسب رؤيا كل واحدة منها، ومن تلك الخصائص:

    -1 احتضان المنطقة الغربية ومنطقة الشمال الغربي من العراق العمليات المسلحة، حيث كانت الحامل الاجتماعي والمنطلق وساحة معظم العمليات المسلحة وحتى الارهابية، وطاول عملها بغداد. ويقف الشعور بالمرارة والخسارة التاريخية للسلطة في العراق، كعامل رئيس لمناهضة الوضع الجديد، فقد شكل سكان تلك المنطقة العمود الفقري للمؤسسات الامنية والمدنية للنظام السابق، فمن بين 850 درجة خاصة في المفاصل المدنية الرئيسة للدولة شغل أهالي تلك المنطقة 740 منها، وقسمت الدرجات الباقية على الموالين للنظام من بقية المناطق العراقية، ناهيك عن وجودهم في التشكيلات العسكرية العامة والخاصة، كالحرس الجمهوري، والحرس الخاص، والمخابرات، والامن العام... الخ، واصبحت تلك المنطقة نقطة ارتكاز للنظام السابق نتيجة عدم مشاركة أهاليها في أي تمرد مناهض للسلطة، ولم تشملها العمليات الحربية اثناء الحروب الكارثية للنظام السابق. ولهذا فإن ابناء تلك المنطقة غير قادرين على تحمل حجم الخسارة الكارثية التي ألمت بهم كرؤوس للسلطة، يأخذون ما يريدون ويقدمون الفتات للآخرين، فاذا بآخرين يخصصون لهم حصتهم حسب حجمهم السكاني.

    -2 تميزت تلك المجموعات المسلحة بالقدرات القتالية والتدريب العالي، الآتية من انخراطهم في الاجهزة الاستخبارية السابقة ذات الموازنات المالية الضخمة؛ كما تتمتع تلك المجموعات بمعرفة عالية بالوضع العراقي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبمقدرة فائقة على تحديد الاهداف بدقة عبر خزين المعلومات والعلاقات التي يتمتع بها اعضاؤها، وبامكان التجنيد والتنظيم لعملياتها. ويمتلك المسلحون خطة عمل موضوعة بدقة من قبل النظام السابق، عثر على بعض أوراقها في أوكارها، ويصعب الحصول على ارقام دقيقة عن عدد المنضوين لهذه التنظيمات، لكن العدد يقدر بآلاف عدة حسب قول مدير المخابرات العراقي الجديد. وينبغي الالتفات الى أن معظم قادة هذه المجموعات يقيمون في اكثر من دولة عربية مجاورة للعراق، ويديرون العمل من ملاذات آمنة توفرها دول الجوار؛ وهؤلاء القادة لا هدف لهم سوى عودة حزب البعث بقيادة صدام حسين الى السلطة، واذا تعذرت عودة صدام وحزبه، فعلى الاقل يعود البعثيون الى السلطة تحت مسمى جديد.

    كما ضمّت تنظيمات البعث المسلحين العرب القادمين من عدد من دول المنطقة والمرتبطين بتنظيمات حزب البعث سابقا، اضافة الى تجنيد عرب معادين للسياسة الاميركية في المنطقة، ظهر العديد منهم على شاشة التلفزيون (العراقية) وهم يدلون باعترافاتهم عن المشاركة في العمليات العنفية والارهابية. وقد نقلت الفضائيات العربية وغيرها مشاهد متعددة عن دخول هؤلاء المسلحين عبر سوريا اثناء الاستعدادات للحرب عام 2003.

    -3 اظهرت تلك الكتائب قدرات قتالية عالية، وامكانات استخبارية متقدمة (بالرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بها) في تنفيذ عمليات اعطت انطباعا بأنها اكثر تنظيما وتخطيطا في الرد على عمليات الحكومة والقوات المتعددة الجنسية، كما حصل في منطقة جنوب وغرب بغداد فجر يوم 20 حزيران 2005، حين نزل مسلحون ملثمون كثر من نحو خمسين سيارة وقاموا بعمليات قتل وتفجير سيارات في مناطق السيدية والبياع والعامل والعامرية.

    -4 نشأت حركات التطرف الدينية في بلدات المنطقة خصوصا مدن الفلوجة والرمادي وهيت وكبيسه، وفي حين ينتمي سكان مدن المنطقة الغربية من العراق للمذهب السني ولعشائر عربية معروفة مثل دليم، وشمّر وغيرها، متمسكين بعاداتها وتقاليدها، فان تلك المدن اصبحت عامل جذب قوي لحركات التطرف الديني من داخل العراق وخارجه، والتي وإن كانت ضئيلة الحجم الا انها استطاعت ان تفرض سطوتها وبالقوة على مجمل السكان. من هنا قيل ان القرار السياسي السني قد تم اختطافه ليس من بقايا حزب البعث فحسب، بل من القوى التكفيرية القادمة من خارج الحدود.

    -5 هناك تطابق في الاهداف وتشابه في الاساليب بين الحركات الاسلامية المتطرفة، وتنظيمات النظام السابق، فوحشية اجهزة النظام الصدامي بالغة البشاعة وجد من يمارسها بين التنظيمات الدينية التكفيرية تحت مبررات دينية/طائفية، وفي الحقيقة فان التكفيريين استوعبوا كل منتجات القمع الصدامي ووسائله وصاروا يمارسونها بيافطة دينية. وفضلا عن هذا، فان الاهداف الاستئصالية الصدامية التي كشفت عنها المقابر الجماعية وتدمير مئات المدن والقرى وتهجير الملايين من العراقيين، قد تم اعتمادها من قبل التكفيريين الذين يمارسون في اكثر من منطقة ومدينة عراقية عمليات تطهير طائفي وعرقي، كما سمعنا ذلك علنا في شاشات التلفزيون في المدائن وفي تلعفر، فضلا عن المسكوت عنه في مدن الغرب العراقي حيث تم تهجير وقتل الآلاف من الشيعة. والغريب ان تحالفات الاجهزة الصدامية مع تشكيلات الحركات التكفيرية للقيام بعمليات مشتركة من جهة التخطيط والمتطلبات اللوجستية والاهداف تطلبت تقسيما للعمل بحيث يقوم الجانب العراقي بالتخطيط وتوفير اللوجستيك، في حين يقوم التكفيري بتوفير المقاتلين الانتحاريين لتنفيذ معظم العمليات الانتحارية النوعية. ولقد تضاعفت مساحة المشترك بين الطرفين حين انخرط الجانب العراقي في المشروع الطائفي التكفيري الاستئصالي، وتنازل التكفيري عن تكفير البعثي بحيث حصر التكفير والقتل في الاكراد والشيعة قاطبة.

    -6 لا يخفى ان جماعات الارهاب والعنف لا تستهدف اليوم اخراج المحتل الا كوسيلة للعودة الى السلطة، فالاحتلال ليس هو المقصود في ذاته، وانما كمعبر للعودة الى حكم العراق من جديد وبالجماعات نفسها وبالوسائل ذاتها. اما العملية الديموقراطية فانها توفر جزءا من كعكة السلطة، والارهابيون يريدون اكثرها، ومن هنا لم تعد العملية الديموقراطية مغرية لهم، والتمسوا الى افشالها كل الوسائل الممكنة، بما فيها تخريب ما تطاوله ايديهم، وممارسة القتل على الهوية الطائفية والقومية، وتدمير كل مؤسسات الدولة والبنى التحتية والغرض النهائي هو ادخال العراق في ازمة لا حل لها الا بالحرب الاهلية او عودة البعثيين بدعم التكفيريين الى السلطة.

    -7 انعدام البرنامج السياسي المعلن لهذه المجموعات، وسرية القيادة ومجهوليتها واعتماد التنظيم السري اللينيني في التعبئة والتنظيم، واللجوء الى حرب العصابات التقليدية، وان طورت بعض هذه المجموعات اعمالها الى ان تكون بربرية دموية اكثر، مثلت بعض اعمالها العودة القهقرى الى الاساليب الوحشية المقززة، المتمثلة في قطع الرؤوس والاغتصاب والنهب كما كان سائدا ايام الجاهلية والبداوة، وعند حكام الجور والاستبداد في العهود الماضية.

    -8 الدعم الخارجي من دول الجوار العراقي لكل الاطراف التي ترفع السلاح ضد الوجود العسكري الاجنبي، من خلال تقديم الدعم اللوجستي والاعلامي والملاذ الآمن لقياداتها وتسهيل تدفق المتسللين، لخلق بؤر توتر دائمة واشغال القوات الاجنبية دوما مما يعوق نقل التجربة العراقية في التغيير وبناء الدولة من جديد الى الاوطان الاخرى، وكذلك قمع شهية الاميركيين للتدخل في بلدان اخرى (السعودية سوريا ايران) وقد نجحت هذه الدول الثلاث مجتمعة كل بطريقتها في توفير الوسائل لجعل العراق بؤرة توتر شغلت الاميركيين عن فتح معارك جديدة مع هذه الدول التي تحاول انتزاع ورقة من واشنطن بأن لا تقوم بأي عمل يهددها، او على الاقل تشغلها وتثخن جراحها فلا تعود الى تكرار التجربة العراقية في بلد آخر.

    -9 تفتقر كل مجموعات العنف والتطرف الى الاجماع الوطني، على اساس ان هذه الظاهرة طارئة على المجتمع العراقي لم يعرفها من قبل. لكن استزراع الفكر الوهابي منذ بداية التسعينات في بعض المدن جعلها حاضنة للعنف الطائفي بعد وقوع الاحتلال الاميركي، وان كانت اكثرية العراقيين غير ميالة لها، بالنظر الى عنفها وتطرفها الفكري والمذهبي، وهذا ما يكشف عنه التعاون مع السلطات الامنية الواضح في الآونة الاخيرة من أجل مواجهتها والقضاء عليها.

    الغطاء السياسي للجماعات المسلحة

    تفتقر الجماعات المسلحة الى الغطاء الرسمي السياسي المعبر عن طموحاتها وتطلعاتها، الا ان عددا من التنظيمات القومية والدينية وشخصيات عشائرية تبنت تأييد الخيار المسلح لمقاومة الاحتلال، لجأ اليها العديد من الدول والمنظمات الانسانية، للتوسط والتفاوض بشأن رعاياها المختطفين من قبل المسلحين، وتعد "هيئة علماء المسلمين" اهم واكبر تلك المنظمات الموثوقة عند المسلحين وقد لعبت دورا بارزا في اطلاق سراح عدد من المخطوفين، وتعد من التجمعات المتشددة المعارضة لقوات الاحتلال وللوضع الجديد، وهي تضم كل الجهاز الديني للنظام الديكتاتوري من منتسبي وزارة الاوقاف سابقا، وحاولت ان تكون مرجعية دينية لأهل السنّة في العراق لكنها لم تحصل على الاجماع حتى الآن لأسباب تتعلق بالبناء العقائدي المذهبي وكذلك لوجود تشكيلات دينية متعددة تنافسها الزعامة.

    ومن موقع ادعائها المرجعية الدينية للسنّة العرب، دعت الهيئة الى مقاطعة الانتخابات العراقية، شأنها في ذلك شأن حزب البعث والمنظمات التكفيرية الارهابية، وكان من نتائج المقاطعة اختلال في التوازن السياسي في البناء الوطني العراقي الجديد، ومزيد من العزلة والتهميش للسنة العرب فرضوها على أنفسهم، كما ساهمت المقاطعة في تفتيت الصف السياسي للسنة العرب، واضعاف تمثيلهم في العملية الانتخابية البرلمانية، مما احدث هزة أدت الى مراجعة مواقفهم، ونقد تشدد رئيس هيئة علماء المسلمين، الأمر الذي أدى الى انسحاب عدد من قادة الهيئة والتحاقهم بالحزب الاسلامي.

    إثر ذلك نظّم السنة العرب العديد من المؤتمرات، انبثقت عنها تشكيلات سياسية تريد المساهمة في العملية السياسية الجارية، والمشاركة في السلطة، والدخول الى الجمعية الوطنية، ويمكن القول ان عدنان الدليمي رئيس الوقف السني لعب دوراً في تشكيل: (1) مؤتمر أهل السنة. وتشكل ايضاً بعد الانتخابات، (2) مؤتمر وحدة الشعب العراقي، (3) ومجلس الحوار الوطني ضم 13 مجموعة وحزباً برئاسة عبد مطلك الجبوري نائب رئيس الوزراء الحالي، ومجبل الشيخ عيسى؛ ويلاحظ ان معظم اعضاء المجلس هم من قيادات النظام السابق العسكرية، ورؤساء عشائر ومهنيين منحهم النظام السابق الحماية والرعاية ليضمن ولاءهم بحكم الارتباطات القرابية والعشائرية والجغرافية. ايضاً تأسست (4) الجبهة الوطنية وهي مؤلفة من لجنة خماسية تضم خمسة تشكيلات حزبية وعشائرية؛ وكذلك (5) جبهة القوى الوطنية لأهل السنة بقيادة الحزب الاسلامي العراقي وشخصيات اسلامية مستقلة اخرى.

    ويعد "الحزب الاسلامي العراقي" (نسخة الاخوان المسلمين في العراق) من التنظيمات المعتدلة، والساعية لطرد المحتل بالطرق السلمية، وقد ساهم بفاعلية في ادارة الوضع الجديد، وشارك في مجلس الحكم الانتقالي ووزارة الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، كما اشترك في العديد من المفاوضات لمنع التوتر والقتال، ودعا الى الاحتكام الى القانون والحوار واقرار السلم الأهلي، وامتنع عن المشاركة في الانتخابات تحت ضغط الأطراف المتشددة وتهديدها، لكنه اليوم طرف فعال في الحياة السياسية.

    كل هذه القوى السياسية والاجتماعية تعمل في الوقت الحالي على اعادة تنظيم صفوفها وعقد تحالفات واصطفافات جديدة تقوم على تمثيل السنة العرب في كل مؤسسات الدولة والاستعداد للانتخابات المقبلة، وهي تطرح برامجها وحاجات من تمثيلها بعد حصول اقتناع باستحالة عودة النظام السابق وبعد تزايد التأييد الدولي والعربي للوضع العراقي الحالي واستمرار العملية السياسية فيه والتي لم تتوقف رغم كل العنف.

    ان تصدّع القيادة السياسية للسنّة وتشرذمها يعطي فرصة لقوى العنف والتكفير والارهاب لتطرح نفسها بديلاً من العراقيين (كون بعضها خارجية المنشأ) أو تطرح نفسها بديلاً من القوى المحلية (مثل حزب البعث الذي يريد ان يحتكر التمثيل السني لنفسه). ومما لا شك فيه ان من مصلحة العملية السياسية في العراق، ان تتبلور قيادة للسنّة واضحة المعالم، بدل ان تكون نهباً لقوى غربت عنها الشمس، أو قوى تكفيرية خارجية، أو قوى متطرفة ترفض الدخول في اللعبة السياسية.

    هناك ادراك واضح لكل القوى السياسية العراقية، بأن الارهاب والعنف وان اشتد سينتهي يوماً، لأن، ما يعتبر مقاومة قد تحول على ارض الواقع الى "فتنة أهلية" والى مشروع "حرب اهلية" واقتتال داخلي طائفي. وفي حال وقع هذا رغم ممانعة القيادات الكردية والشيعية من الرد على اعمال الارهاب والعنف الطائفي بالمثل فان النتيجة المتحققة ستكون حرباً قاسية ستؤدي في النهاية الى تقسيم العراق، وسيكون الخاسر الاكبر هم السنة العرب. ولهذا، فان استراتيجية مواجهة الارهاب والعنف تقوم على ثلاث خطوات واضحة: اولها بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وهذه ستستكمل قريباً رغم استهدافها من قبل قوى التطرف أكثر من غيرها؛ وثانيها الاستمرار في العملية السياسية مهما كلّف الأمر، وبناء مؤسسات الدولة السياسية؛ وثالثها اخراج قوات الاحتلال كمحصلة طبيعية للخطوتين السابقتين.

    ان التغييرات التي اعقبت الانتخابات التشريعية في ما يتعلق باعادة هيكلة القيادة وصياغة توجهات واقعية بشأن العملية السياسية بدأت تفرض نفسها على الواقع العراقي، وستنتهي لغير مصلحة قوى العنف؛ وقد ترددت انباء عن حصول انفصام في تحالف هذه القوى والمتشددين الاسلاميين، ويحتمل ان تؤدي الى عمليات تصفية داخلية كما حدث في عملية اغتيال استاذين جامعيين ترشحا عن السنة العرب في لجنة صياغة الدستور العراقي. لا شك في ان العنف لن ينتهي بين يوم وليلة ولكنه كما هو واضح قد أخذ بالافول، ولعل قبول بعض القوى بالحوار مع الاميركيين، مدفوعة بوساطة دول عربية (الاردن) يخرج الموضوع من دائرة "المقاومة العنفية" الى "المقاومة السلمية" ومن الحلول الجذرية الاستئصالية الى "الحلول السياسية" ومن الدعوة الى التفرد بكامل كعكة السلطة، الى القبول بالمحاصصة فيها، مع ما يستلزمه من تعاون على انهاء الوجود المسلح للجماعات الاصولية المتطرفة التكفيرية الآتية من الخارج.

    والخلاصة النهائية: الارهاب يجتاح منطقة الشرق الأوسط بكاملها، ويرتهنها الارهاب الاصولي المتشدد، الذي يريد استراق السلطة من حكم الاجهزة الأمنية العربية، التي تحارب الاصولية دفاعاً عن تشبثها بالسلطة، دون وضع خطة حكيمة تحقق التوازن بين حاجات المواطنين والمهمات المطلوب تنفيذها من الدولة، لتشمل في ابوابها الحل السياسي من خلال توسيع المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي، وحلول للأزمات الاقتصادية يتمثل في موج اقتصادي هائل يجري تحسناً ملحوظاً في معيشة المواطن، وتوسيعاً للخدمات الاجتماعية ومرافقتها مع حملة اعلامية واسعة تستهدف التثقيف على ثقافة التسامح والتعايش مع الآخر المختلف، وتوعية المواطن من مخاطر ظاهرة التطرف ونتائجها الوخيمة.

    ولاستيعاب هذه الظاهرة ووضع حد لتناميها، كما تتطلب الخطة، السعي الحثيث لوضع معالجة من داخل هذه الجماعات المتطرفة، بتهيئة الاجواء لاجراء مراجعة فكرية لمنطلقاتها وتحقيق اهدافها، كما حدث في التجربة الناجحة التي اجرتها الجماعات الاسلامية المسلحة في مصر، اعتقد من الضروري استنساخ او الاسترشاد بهذه التجربة الناجحة وتعميم نتائجها. ومن أبواب الخطة المقترحة، العمل على عزل منظمات التطرف عن البيئة التي تتواجد فيها عبر وضع حواجز على استخدام المساجد والمراكز الدينية من افراد هذه التنظيمات.


    باحث في "مؤسسة الخوئي" في لندن


    غانم جواد
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X