إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

آية إكمال الدين تتعلق أيضا بالخلافة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • آية إكمال الدين تتعلق أيضا بالخلافة

    آية إكمال الدين تتعلق أيضا بالخلافة
    قوله سبحانه وتعالى: اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً (1) ، يجمع الشيعة على نزولها بغدير خم بعد تنصيبالرسول صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي خليفة للمسلمين وذلك رواية عن أئمة العترة الطاهرة وبذلك تراهم يعدّون الإمامة من أصول الدّين.
    ورغم أن الكثير من علمائنا يروون نزولها في غدير خم بعد تنصيب الإمام علي أذكر منهم على سبيل المثال:
    1 ـ تاريخ دمشق لإبن عساكر ج 2 / 75.
    2 ـ مناقب علي أبي طالب لإبن المغازلي الشافعي ص 19.
    3 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 8 ص 290.
    4 ـ الإتقان للسيوطي ج 1 / 31.
    5 ـ المناقب للخوارزمي الحنفي ص 80.
    6 ـ تذكره الخواص للسبط إبن الجوزي ص 30
    ____________
    (1)سورة المائده آية 3.
    7 ـ تفسير إبن كثير ج 2 / 14.
    8 ـ روح المعاني للألوسي ج 6 / 55.
    9 ـ البداية والنهاية لإبن كثير الدمشقي ج 5 / 213.
    10 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج 3 /19
    11 ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 115.
    12 ـ شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 /157.
    أقول رغم ذلك لابدّ لعلماء أهل السنّة من صرف هذه الآية الى مناسبة أخرى، وذلكللحفاظ على كرامة السلف الصالح من الصحابة، وإلا لو سلّموا بنزولها في غدير خمّ لأعترفوا ضمنّياً بأن ولاية علي بن أبي طالب هي التي أكمل الله بها الدّين وأتم بها على المسلمين نعمته ولتبخّرت خلافة الخلفاء الثلاثه الذين سبقوه، ولتزعزعت عدالة الصحابة، ولذابت أحاديث كثيرة مشهورة كما يذوب الملح بالماء، وهذا أمرّ مستحيل وخطبٌ فادحٌ، لأنه يتعلّق بعقيدة أمّة كبيرة لها تاريخها وعلماؤها وأمجادها، فلا يمكن لنا تكذيب أمثال البخاري ومسلم الذين يروون بأن الآية إنما نزلت عشية عرفة في يوم الجمعة.
    وبمثل ذلك تصبح الروايات الأولى مجرّد خرافات شيعيّة لا أساس لها من الصحّة ويصبح الطعن على الشيعة أولى من الطعن على الصحابة فهؤلاء معصومون عن الخطأ(1) ولا يمكن لأي إنسان أن ينتقد أفعالهم وأقوالهم، أما أولئك الشيعة فهم مجوس، كفّار، زنادقة وملحدون ومؤسس مذهبهم هو عبدالله بن سبأ(2) وهو يهودي أسلم في عهد عثمان ليكيد للمسلمين وللإسلام.
    ____________
    (1)لأنهم يعتقدون بأن الصحابة كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم.
    (2) إقرأ كتاب عبدالله بن سبأ للعلامة العسكري لتعرف بأنه لاوجود له، وهو من مختلقات سيف بن عمر التميمي المشهور بالوضع والكذب ـ وإقرأ كتاب الفتنه الكبرى لطه حسين وإن شئت فأقرأ كتاب الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور مصطفى كامل الشيبي لتعرف بأن عبدالله بن سبأ هذا ليس غير سيدنا عمار بن ياسر رضي الله تعالىعنه.
    وهذا أسهل بكثير للتمويه على الأمة التي تربّت على تقديس وإحترام الصحابه (أي صحابي كان ولو شاهد النبي مرّة واحدة) وأنّى لنا ان نقنعهم بأن تلك الروايات ليست خرافات شيعية وإنما هي من أحاديث الأئمه الأثني عشر الذين نص رسول الله على إمامتهم، الذين نجحت الحكومات الإسلامية في القرن الأول في غرس حب وأحترام الصحابة مقابل التنفير من علي وبنيه، حتى لعنتهم على المنابر وتتبعت شيعتهم بالقتل والتشريد، فنشأ من ذلك بغض وكراهية لكل الشيعة، لما روّجتْهُ وسائل الإعلام في عهد معاوية من إشاعات وخزعبلات وعقائد فاسدة ضدّ الشيعة، وهم (الحزب المعارض) كما يسمّى عندنا اليوم لعزلهم والقضاء عليهم.
    ولذلك نجد حتّى الكُتابْ والمؤرّخين في تلك العصور يسمّونهم الرّوافض ويكفّرونهم ويستبيحون دمائهم تزلّفاً للحكّام ولمّا إنقرضت الدولة الأموية وخلفتها الدولة العبّاسية نسج بعض المؤرخين على منوالهم وعرف البعض حقيقة أهل البيت(1) فحاول التوفيق والإنصاف فألحق علياً بالخلفاء الرّاشدين ولكن لم يجرأوا على التصريح بأحقيته، ولذلك تراهم لا يخرجون في صحاحهم إلا النزر اليسير من فضائل علي والتي لا تتعارض مع خلافة الذين سبقوه، والبعض منهم وضع كثيراً من الأحاديث في فضل أبي بكر وعمر وعثمان على لسان علي نفسه، حتى يقطع بذلك (على زعمه) الطريق على الشيعة الذين يقولون بأفضليته.
    وإكتشفْتُ خلال البحث بأن شهرة الرجال وعظمتهم إنما كانت تقدّر ببغضهم لعلي بن أبي طالب، فالأمويون والعباسيون كانوا يقربون ويعظمون كل من حارب الإمام علي أو وقف ضدّه بالسيف أوباللسان، فتراهم يرفعون بعض الصحابة ويضعون آخرين، ويغدقون الأموال على بعض الشعراء ويقتلون آخرين، ولعلّ عائشة أمّ المؤمنين لم تكن لتحضى بتلك المنزلة عندهم لولا
    ____________
    (1) ذلك لأن الأئمه من أهل البيت فوضوا أنفسهم بأخلاقهم وعلومهم التي ملأت الخافقين وبزهدهم وتقواهم والكرامات التي حباهم الله بها.
    بغضها(1) وحربها لعلي.
    ومن ذلك أيضا تجد العباسيين يعلون من شأن البخاري ومسلم والإمام مالك لأنهم لم يخرجوا في فضائله إلا القليل بل نجد صراحة في هذه الكتب بأن علي بن أبي طالب لا فضل له ولا مزية فقد روي البخاري في صحيحه في باب مناقب عثمان عن إبن عمر قال: كنا في زمن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نعدِلُ بأبي بكر أحداً ثم عُمرَ ثم عثمانَ ثم نترك أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لا نفاضل بينهم(2) فعليّ عنده كسائر النّاس «إقرأ وأعجب» !!
    كما في أن في الأمّة فرقاً أخرى كالمعتزلة والخوارج وغيرهم ممّن لا يقول بمقالة الشيعة، ولأن إمامة علي وأولاده من بعده تقطع عليهم الطريق للوصول للخلافة والتحكم في رقاب النّاس والتلاعب بمصيرهم وممتلكاتهم كما فعل ذلك بنو أميّة وبنو العباس في عهد الصحابة وعهد التابعين والى يوم الناس هذا. لأن حكام العصر الذين وصلوا الى الحكم سواء بالوراثة كالملوك والسلاطين، أو حتّى الرؤساء الذين إنتخبتهم شعوبهم لا يعجبهم هذا الإعتقاد؛ أعني أن يعتقد المؤمنون بخلافة أهل البيت، ويضحكون من هذه الفكرة التيوقراطية، التي لا يقول بها إلا الشيعة، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الشيعة قد بلغوا من سخافة العقل وسفاهة الرأي إنهم يعتقدون بإمامة المهدي المنتظر الذي سيملأ أرضهم قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ضلماً وجوراً.
    ونعود الآن لمناقشة أقوال الطرفين في هدوء وبدون تعصّب، لنعرف ماهي
    ____________
    (1)كانت لا تطيق ذكر أسمه البخاري 1 / 162 ـ 7 / 18 ـ 5 /140 ويقول المؤرخون لما بلغها خبر مقتله سجدت شكرا لله وقالت في ذلك شعراً.
    (2) صحيح البخاري 4 /191 وص 201 كما روي البخاري في صحيحه 4 /195 رواية تُنسب الى محمد بن الحنفية قال: قلتُ لأبي أيّ الناس خيرُ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أبو بكر قلتُ ثم مَنْ قال: ثم عُمرُ وخشيتُ أنْ يقولَ عثمانُ قلتُ ثم أنتَ قالَ: ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين.
    المناسبة وما هو سبب نزول آيه «إكمال الدين» حتّى يتضّح لنا الحقّ فنتبعه وما علينا بعد ذلك من رضا هؤلاء، أو غضب أولئك مادمنا نتوخّى قبل كل شيء رضا الله سبحانه والنجاة من عذابه يوم لاينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم، يوم تُبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوهٌ فأمّا الذين إسودّتْ وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأمّا الذين إبيضّتْ وجوههُمْ ففي رحمه الله هم فيها خالدون (1) .
    ____________
    (1)سوره المائده آية 106.
    مناقشة القول بأن الآية نزلت يوم عرفة
    أخرج البخاري في صحيحه(1) قال: حدّثنا محمد بن يوسف حدّثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب إن أنّاساً من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآيه فينـا لأتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال عمر أَيَّةُ آيةٍ ؟ فقالوا: اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً .
    فقال عمر: إنّي لأعلم أي مكان أنزِلتْ، أنزِلتْ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقفٌ بعرفة.
    وأخرج إبن جرير عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال: كنّا جلوساً في الديوان فقال لنا نصراني يا أهل الإسلام، لقد أنزِلتْ عليكم آية لو أنزِلتْ علينا لأتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعه عيداً وما بقي منّا إثنان وهي «اليوم أكملت لكم دينكم» فلم يجبه أحد منّا، فلقيتُ محمد بن كعب القرطبي فسألته عن ذلك، فقال: ألا رددتم عليه ؟ فقال عمر بن الخطاب أنزلتْ على النّبي وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك اليوم عيداً للمسلمين مابقي منهم
    ____________
    (1)صحيح البخاري 5 /127.
    أحد(1) .
    أوَّلاً ـ نلاحظ من خلال هذه الروايات أن المسلمين كانوا يجهلون تاريخ ذلك اليوم المشهود، ولا يحتفلون به مّما دعا اليهود مرّة والنصّارى أخرى أن يقولوا لهم: لو إن هذه الآية فينا أنزلت لأتخذنا يومها عيداً مّما حدا بعمر بن الخطاب أن يسأل أيةُ آية ؟ ولّما قالوا: «اليوم أكملتُ لكم دينكم» قال: إني لأعلم أي مكان أُنزلتْ، أُنزلتْ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقف بعرفة.
    فإننا نشمّ رائحه الدسّ والتعتيم من خلال هذه الرواية والذين وضعوا هذا الحديث على لسان عمر بن الخطاب في زمن البخاري أرادوا أن يوفّقوا بين آراء اليهود والنصارى في أن ذلك اليوم هو يوم عظيم يجب أن يكون عيداً، وبين ما هم عليه من عدم الإحتفال بذلك اليوم وعدم ذكره بالمرّة حتى تناسوه، والمفروض أن يكون من أكبر الأعياد لدى المسلمين إذ أن الله سبحانه أكمل لهم فيه دينهم وأتمَّ فيه نعمته عليهم ورضي لهم الإسلام ديناّ.
    ولذلك ترى في الرواية الثانية قول الرواي عندما قال له النصراني: يا أهل الإسلام، لقد أنزلت عليكم آية لو أُنزلتْ علينا لأتخذنا ذلك اليوم عيداً مابقي منّا إثنان.
    قال الرواي فلم يُجبْهُ أحدٌ منّا؛ وذلك لجهلهم بتاريخ وموقف ذلك اليوم وعظمته، ويبدو أن الراوي نفسه إستغرب كيف يغفل المسلمون عن الإحتفال بمثل ذلك اليوم ولهذا نراه يلقي محمد بن كعب القرطبي فيسأله عن ذلك فيردّ هذا الأخير بأنّ عمر بن الخطاب روي إنها انزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة.
    فلو كان ذلك اليوم معروفاً لدى المسلمين على إنّه يوم عيد لما جهله هؤلاء الرّواة سواء أكانوا من الصحابة أم من التابعين، لأن الثابت المعروف لديهم أن
    ____________
    (1)جلال الدين السيوطي الدر المنثور في التفسير المأثور 3 /18.
    للمسلمين عيدين إثنين وهما عيد الفطر وعيد الأضحى، حتّى أن العلماء والمحدّثين كالبخاري ومسلم وغيرهما تراهم يخرجون في كتبهم كتاب العيدين ـ صلاة العيدين ـ خطبة العيدين الى غير ذلك من المتسالم عليه لدى خاصّتهم وعامّتهم، ولا وجود لعيد ثالث.
    وأغلبُ الظنّ إن القائلين بمبدأ الشورى في الخلافة ومؤسسي هذه النظرية هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خمّ بعد تأمير الإمام علي، فكان تحويل نزولها في يوم عرفة أهون وأسهل على القائلين به لأن يوم الغدير جمع مئه الف حاج أو يزيدون، وليس هناك مناسبة في حجة الوداع أقرب الى الغدير من يوم عرفة في المقارنة إذ أن الحجيج لم يجتمعوا على صعيد واحد إلا فيهما، فالمعروف إن النّاس يكونون متفرّقين جماعات واشتاتاً في كل أيام الحجّ ولا يجتمعون في موقف واحد إلا في عرفة.
    ولذلك نرى إن القائلين بنزولها يوم عرفة يقولون بنزولها مباشرة بعد خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشهيرة والتي أخرجها المحدّثون.
    واذا كان النّص بالخلافة على علي بن بي طالب قد صرفوه عن حقيقتة وباغتوا النّاس «بمن فيهم علياً نفسه والذين كانو منشغلين معه بتجهيز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ودفنه» بالبيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة على حين غفلة، وضربوا بنصوص الغدير عرض الجدار وجعلوه نسيا منْسيَّاً، فهل يمكن لأي أحد بعد الذي وقع أن يحتجّ بنزول الآية يوم الغدير ؟
    فليست الآيه أوضح في مفهومها من حديث «الولاية» وإنّما تحمل في معناها إكمال الدّين وإتمام النعمّة ورضا الربّ ليس إلا، وإن كانت تنطوي على إشعار بحصول حدات لهم في ذلك اليوم هو الذي سبب كمال الدين.
    ومّما يزيدنا يقيناً بصحة هذا الإعتقاد، ما رواه إبن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال: قال كعب «لو إن غير هذه الأمّة نزلتْ عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أُنزلتْ فيه عليهم فاتّخدوه عيداً يجتمعون فيه» ! فقال عمر: وأي آيه يا
    كعب ؟ فقال: اليوم أكملتُ لكم دينكمْ فقال عمر: لقد علمتُ اليوم الذي أُنزلتْ والمكان الذي نزلتْ فيه، نزلتْ في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد(1) .
    ثانيا ـ على ان القول بنزول الآية اليوم أكملت لكم دينكم في يوم عرفة يتنافى مع آية البلاغ يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك والتي تأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ أمر مهم لا تتم الرسالة إلا به، والتي سبق البحث وتبينّ نزولها بين مكة والمدينة بعد حجة الوداع وهو مارواه أكثر من مائة وعشرين صحابياً وأكثر من ثلاثمائة وستين من علماء أهل السنة والجماعة، فكيف يكمل الله الدّين ويتمّ النعمة في يوم عرفه ثم بعد إسبوع يأمر نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم وهو راجع الى المدينة بإبلاغ شيء مهم لا تتم الرسالة إلا به ؟؟ كيف يصحّ ذلك يا أولي الألباب ؟؟؟
    ثالثا ـ إن الباحث المدقق إذا أمعن في النظر في خطبة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم يوم عرفه لا يجد فيها أمراً جديداً يجهله المسلمون والذي يمكن إعتباره شيئاً مهمّاً أكمل الله به الدّين وأتّم به النّعمة، اذ ليس فيها إلا جملة من الوصايا التي ذكرها القرآن أو ذكرها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في عدة مناسبات وأكدّ عليها يوم عرفة. وإليك ما جاء في الخطبة على ماسجّله كل الروّاه:
    ـ إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا ويومكم هذا.
    ـ إتّقوا الله ولا تبخسوا ألنّاس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها.
    ـ الناس في الإسلام سواء لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى.
    ـ كلّ دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وكل ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي.
    ____________
    (1) الدّر المنثور للسيوطي في تفسير الآية /اليوم أكملت لكم دينكم //
    سوره المائدة.
    ـ أيها الناس إنّما النسيء زيادة في الكفر … إلا وإن الزمان قد إستدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض.
    ـإن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله منها أربعة حرمٌ.
    ـ أوصيكم بالنساء خيراً، إنّما إتخذتموهن لأمانة الله وإستحللتم فروجهن بكتاب الله.
    ـ أوصيكم بمن ملكت أيمانكم فاطعموهم ممّا تأكلون وإلبسوهم مّما تلبسون.
    ـ إنّ المسلم أخو المسلم، لا يغشّه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله.
    ـ إن الشيطان قد يأس أن يُعبد بعد اليوم ولكن يُطاع فيما سوى ذلك من أعمالكم التي تحتقرون. ـ
    أعدى الأعداء على الله قاتل غير قاتله، وضارب غير ضاربه ومن كفر نعمة مواليه فقد كفر بما أَنّزلَ الله على محمد، ومن إنتمىالى غير أبيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
    ـ إنما أُمرتُ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله وأني رسول الله، واذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق وحسابهم على الله.
    ـ لا ترجعوا بعدي كفاراً، مضلّين يضرب بعضكم رقاب بعض.
    هذا كل ماقيل في خطبة عرفة من حجة الوداع وقد جمعتُ فصولها من جميع المصادر الموثوقة حتى لايبقى شيء من وصاياه صلّى الله عليه وآله وسلّم التي ذكرها المحدثون إلا أخرجتها فهل فيها شيء جديد بالنسبة للصحابة ؟ كلا فكل ماجاء فيها مذكور في القرآن ومبين حكمه في السنّه النبّوية، فقد قضى صلى الله عليه وآله وسلم حياته كلها يبينّ للناس مانزّل إليهم ويعلّمهم كل صغيرة وكبيرة، فلا وجه لنزول آية «إكمال الدّين وإتمام النعمة ورضا الله» بعد هذه الوصايا التي يعرفها المسلمون، وإنما أعدها عليهم للتأكيد لأنّهم لأوّل مرّه يجتمعون عليه
    بذلك العددالهائل ولأنه أخبرهم قبل الخروج الى الحجّ بأنها حجة الوداع فكان واجباً عليه أن يسمعهم تلك الوصايا.
    أمّا إذا أخذنا بالقول الثاني: وهو نزول الآية يوم غذير خمّ بعد تنصيب الإمام علي خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأميراً للمؤمنين، فإنّ المعنى يستقيم ويكون مطابقاً، لأن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من أهمّ الأمور ولا يمكن أن يترك الله عباده سدى ولا ينبغي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يذهب دون إستخلاف ويترك أمته هملاً بدون راعٍ وهو الذي ماكان يُغادر المدينة إلا ويستخلف عليها أحداً من أصحابه، فكيف نصدّق بأنّه إلتحق بالرفيق الأعلى وما فكّر بالخلافة ؟؟؟.
    وإذا كان ألمُلحدون في عصرنا يؤمنون بهذه القاعدة ويسرعون الى تعيين خلف للرئيس حتّى قبل موته ليَسوسَ أمور الناس ولا يتركونهم يوماً واحداً بدون رئيس !
    فلا يمكن أن يكون الدّين الإسلامي وهو أكمل الأديان وأتمها والذي ختم الله به كل الشرائع أن يُهمل أمراً مهماً كهذا.
    وقد عرفنا فيما تقدم بأن عائشة وإبن عمر وقبلهما أبو بكر وعمر أدركوا كلهم بأنه لابد من تعيين الخليفة وإلا لكانت فتنة، كما أدرك ذلك من جاء بعدهم من الخلفاء فكلُّهم عَيّنوا مَنْ بعدهم فكيف تغيب هذه الحكمة على الله وعلى رسوله ؟؟؟
    فالقولُ بأنّ الله سبحانه أوحى الى رسوله في الآية الأولى «آية البلاغ» وهو راجع من حجة الوداع بأنْ يُنصّب عليّاً خليفة له بقوله: يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزلَ إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالتهُ والله يعصمك من الناس أي: يامّحمد إنْ لم تبلّغ ماأمرتك به بأنّ علياً هو ولي المؤمنين بعدك فكأنك لم تُكمل مهمتك التي بُعثتَ بها، إذ أن إكمال الدّين بالإمامة أمرٌ ضروري لكل العقلاء.
    ويبدو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخشى معارضتهم له أو تكذيبهم، فقد جاء في بعض الروايات: قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كلّ أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي، فسألتُ جبرئيل أن يستعفي لي ربّي لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي وشدّة إقبالي عليه حتى سمّوني إذناً، فقال تعالى: ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أذنٌ قل أذن خير لكم ولو شئتُ أن أسميهمّ وأدلُ عليهم لفعلتُ ولكنّي بسترهم قد تكرّمتُ، فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه فإعلموا معاشر الناس إن الله قد نصّبه لكم ولياً وإماماً وفرض طاعته على كل أحد … الخطبه(1) .
    فلمّا أنزل الله عليه والله يعصمك من الناس أسرع في نفس الوقت وبدون تأخير بإمتثال أمر ربّه فنصب علياً خليفة من بعده وأمر أصحابه بتهنئته بإمارة المؤمنين ففعلواوبعدها أنزل الله عليهم اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً .
    أضف الى كل ذلك إنّنا نجد بعض علماء أهل السنّة والجماعة يعترفون صراحة بنزول آية البلاغ في إمامة علي فقد رووا عن إبن مردويه عن إبن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل اليك من ربّك ـ إنّ عليّاً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته والله يعصمك من الناس(2) .
    وبعد هذا البحث إذا أضفنا روايات الشيعة عن الأئمة الطاهرين يتجلّى لنا
    ____________
    (1)أخرجها بكاملها الحافظ إبن جرير الطبري في كتاب الولاية كما أخرج جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 2 /298 خطبة في نفس المعنى بألفاظ متقاربه.
    (2) تفسير فتح القدير للشوكاني ج 3 /57.
    جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج2 / 298 عن إبن عباس.
    بأن الله أكمل دينه بالإمامة ولذلك كانت الإمامة عند الشيعة اصلاً من أصول الدّين.
    وبإمامة علي بن أبي طالب أتمّ الله نعمته على المسلمين لئلا يبقوا هملاً تتحاذبهم الأهواء وتمزّقهم الفتن فيتفرقوا كالغنم بدون راع ـ
    ورضي لهم الإسلام ديناً، لأنّه إختار لهم أئمة أذهب عنهم الرجس وطّهرهم وأتاهم الحكمة وورثهم علم الكتاب ليكونوا أوصياء محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فيجب على المسلمين أن يرضوا بحكم الله وإختياره ويسلّموا تسليماً، لأن مفهوم الإسلام العام هو التسليم لله قال تعالى: وربّك يخلق مايشاء ويختار ماكان له الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربّك يعلم ما تكنْ صدورهم وما يُعلنون وهو الله لا إله إلا هُو له الحمدُ في الأولى والآخرة وله الحكمُ وإليه ترجعون (1) .
    ومن خلال كل ذلك يُفهمُ بأن يوم الغدير إتخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم عيد اذ بعد تنصيب الإمام علي وبعد أن نزل عليه قوله: اليوم أكملتُ لكم دينكم … الآية: قال: الحمد لله على إكمال الدّين، وإتمام النّعمة، ورضى الربّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي(2) ثم عقد له موكباً للتهنئة وجلس صلى الله عليه وآله وسلم في خيمة وأجلس عليَّاً بجانبه وأمر المسلمين بما فيهم زوجاته أمهات المؤمنين أن يدخلوا عليه أفواجاً ويهنّئوه بالمقام ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل النّاس ما أمروا به وكان من جملة المهنئينّ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بهذه المناسبة أبو بكر وعمر.
    وقد جاءا إليه يقولان له: بخٍ بخٍلك يا إبن أبي طالب أصبحتَ وأمسيتَ
    ____________
    (1) سورة القصص آيه 68 ـ 69 ـ 70.
    (2) الحاكم الحسكاني عن بي سعيد الخدري في تفسيره للآية. والحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه «ما نزل من القرآن في علي».
    مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة(1) .
    ولمّا عرف حسّان بن ثابت شاعر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فرح النبي وإستبشاره في ذلك اليوم قال: أتأدن لي يارسول الله أن أقول في هذا المقام أبياتاً تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، لا تزال ياحسّان، مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.
    فأنشد يقول:
    يناديهم يوم الغدير نبيّهم *بخمّ فأسمع بالرسول مناديا **
    الى آخر الأبيات التي ذكرها المؤرخون(2) .
    ولكنّ ورغم كل ذلك فإنّ قريشاً إختارت لنفسها وأبتْ أن تكون في بني هاشم النبوّة والخلافة فيجحفون على قومهم بُجُحاُ بُجَّحاً، كما صرّح بذلك عمر بن الخطاب لعبدالله بن عبّاس في محاورة دارت بينهما(3) .
    فلم يكن في وسع أحد أن يحتفل بذلك العيد بعد ذكراه الأولى التي أحتفل بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    وإذا كانوا قد تناسوا نصّ الخلافة وتلاشى من أذهانهم ولم يمض عليه من
    ____________
    (1)روى هذه القصّة كل من الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه سرّ العالمين ص 6كما رواها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده 4 /281.
    والطبري في تفسيره 3 / 428 والبيهقيوالثعلبي، والدار قطني والفخر الرّازي وإبن كثير وغيرهم.
    (2) الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه مانزل من القرآن في علي.
    ـ الخوارزمي المالكي في كتاب المناقب ص0 8 ـ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.
    ـ جلال الدين السيوطي في كتابه ـ الإزدهار فيما عقده الشعراء من الأشعار.
    (3) الطبري في تاريخه 5 / 31.
    تاريخ ابن الأثير 3 /31 وشرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 2 /18.
    الوقت غير شهرين ومع ذلك لم يتكلم به أحد، فكيف بذكر الغدير التي مضى عليها عام كامل، على إن هذا العيد مربوط بذلك النص على الخلافة فإذ إنعدم النّص وزال السببُ لم يبق في ذلك العيد أثرٌ يذكر.
    ومضت على ذلك السنون حتّى رجع الحق إلى أهله بعد ربع قرن، فأحياها الإمام علي من جديد بعد ما كادت تُقبرُ وذلك في الرحبة عندما ناشد أصحاب محمد ممن حضر عيد الغدير أن يقوموا فيشهدوا أمام النّاس ببيعة الخلافة فقام ثلاثون صحابياً منهم ستةّ عشر بدريَّاً وشهدوا(1) والذي كتم الشهادة وإدّعى النسيان، كأنس بن مالك الذي أصابتْه دعوى علي بن أبي طالب فلم يقم من مقامه ذلك إلا أبرص فكان يبكي ويقول أصابتني دعوة العبد الصالح لأني كتمتُ شهادته(2) وبذلك أقام أبو الحسن الحجّة على هذه الأمّة ومنذ ذلك العهد وحتّى يوم الناس هذا وإلى قيام الساعة يحتفل الشيعة بذكرى يوم الغدير وهو عندهم العيد الأكبر، كيف لا وهو اليوم الذي أكمل الله لنا فيه الدّين وأتمّ فيه علينا النعمة ورضي بالإسلام لنا ديناً، وهو يوم عظيم الشأن عند الله ورسوله والمؤمنين، ذكر بعض علماء أهل السنة عن أبي هريرة إنه قال: لّما أخد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد علي وقال: من كنتُ مولاه فعلي مولاه.. الى آخر الخطبة، فأنزل الله عزّ وجلّ اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً قال أبو هريرة وهو يوم غدير خم من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهرا(3) .
    ____________
    (1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 /370 وكذلك 1 / 119. النسائي في الخصائص ص 19 ـ كنز العمال/397 ـ إبن كثير في تاريخه 5 / 211.
    . ـ إبن الأثير في أسد الغابه 4 / 28 وإبن حجر العسقلاني في الإصابة 2 /408 ـ السيوطي في جمع الجوامع.
    (2) مجمع الزوائد للهيثمي 9 /106 ـ إبن كثير في تاريخه 5 / 211.
    إبن الأثير في أسد الغابه 3 /321 ـ حلية الأولياء 5 /26.
    أحمد بن حنبل 1 /119.
    (3) إبن كثير في كتاب البداية والنهاية 5 /214.
    أمّا روايات الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في فضائل ذلك اليوم فحدّث ولا حرج، والحمد لله على هدايته أن جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والمحتفلين بعيد الغدير.
    وخلاصة البحث أن حديث الغدير «من كنتُ مولاه فعلي مولاه، أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وإنصر من نصره وإخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار» هو حديث أو بالأحرى هي حادثة تاريخية عظيمة أجمعت الأمة الإسلامية على نقلها، فقد مرعلينا ذكر ثلاثمائه وستين من علماء أهل السنة والجماعة وأكثر من ذلك من علماء الشيعة.
    ومن أراد البحث والمزيد فعليه بكتاب الغدير للعلاّمة الأميني.
    وبعد الذي عرضناه لا يُستغربُ أنْ تنقسمَ الأمّة الإسلامية الى سنة وشيعة، تمسّكت الأولى بمبدأ الشورى في سقيفة بني ساعدة، وتأولتْ النّصوص الصريحة وخالفتْ بذلك ما أجمع عليه الرواة من حديث الغدير، وغيره من النصوص.
    وتمسكتْ الثانية بتلك النّصوص فلم ترض عنها بدلاً وبايعتْ الأئمة الأثني عشر من أهل البيت ولم تبغ عنهم حولاً والحقّ إنّني عندما أبحثْ في مذهب أهل السنّة والجماعة خصوصاً في أمر الخلافة، أجد المسائل مبنيةً على الظنّ والإجتهاد، لأنّ قاعدة الإنتخاب ليس فيها دليل قطعي على أنّ الشخص الذي نختاره اليوم هو أفضل من غيره لأننا لا نعلمُ خائنه الأعين وما تُخفي الصدور، ولأنّنا في الحقيقية مركّبون من عواطف وعصبيات وأنانية كاملة في نفوسنا وستلعب هذه المركبات دورها إذا ما أوكل الينا إختيار شخص من بين اشخاص.
    وليستْ هذه الأطروحة خيالاً أو أمراً مبالغاً فيه، فالمتتبّع لهذه الفكرة، فكرة إختيار الخليفة سيجد ان هذا المبدأ الذي يطبّل له لم ينجح ولا يمكن له أن ينجح أبداً.
    فهذا أبو بكر زعيم الشورى بالرغم من وصوله الى الخلافة «بالإختيار
    والشورى»، نراه عندما شارف على الوفاة أسرع الى تعيين عمر بن الخطاب خليفةً له ! دون إستعمال طريقة الشورى. وهذا عمر بن الخطاب الذي ساهم في تأسيس خلافة أبي بكر نراه ـ بعد وفاة أبي بكر يُعلن على الملأ بأن بيعة أبي بكر كانت فلتةً وقى الله المسلمين شرّها(1) .
    ثم بعد ذلك نرى أن عمراً عندما طُعن وأيقن بدنو أجلـه عينّ ستّة أشخاص ليختاروا بدورهم واحداً منهم ليكون خليفة، وهو يعلم علم اليقين أنّ هؤلاء النفر على قلّتهم سيختلفون رغم الصحبة والسبق للإسلام والورع والتقوى فتثور فيهم العواطف البشرية التي لا ينجو منها إلاّ المعصوم، ولذلك نراه ـ لحسم الخلاف ـ رجّح كفّه عبدالرحمن بن عوف فقال ـ أذا إختلفتُم فكونوا في الشق الذي فيه عبدالرحمن بن عوف ونرى بعد ذلك بأنهم إختاروا الإمام علياً ليكون خليفة ولكنّهم إشترطوا عليه أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر وقَبِلَ عليُّ كتاب الله وسنة رسوله ورفض سنة الشيخين(2) وقَبلَ عثمان هذه الشروط فبايعوه بالخلافة وقال علي في ذلك:
    «فيا لله وللشّورى متى إعترض الريبُ فيَّ مع الأول منهم حتّى صرتُ أُقرنُ الى هذه النظائر، لكني أسففتُ إذا أسّفوا وطرت إذ طاروا، فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ..»(3) .
    وإذا كان هؤلاء وهم نخبة المسلمين وهم خاصّة الخاصّة تلعبُ بهم العواطف فيكون فيهم الحقد وتكون فيهم العصبية بينهن وهن «يقول محمد عبده في شرحه لهذه الفقرة: يشير الإمام علي الى أغراض أخرى يكره ذكرها» فعلى الدنيا بعد ذلك السلامّ.
    ____________
    (1)صحيح البخاري 8 /26 باب رجم الحبلى من الزنـا.
    (2) تاريخ الطبري وإبن الأثير بعد موت عمر بن الخطاب وإستخلاف عثمان
    (3) شرح نهج البلاغة لمحمد عبده 1 /88.
    على أن عبدالرحمن بن عوف ندم فيما بعد على إختياره، وغَضبَ على عثمان وإتّهمه بخيانه العهد لّما حدث في عهده ماحدث وجاءه كبار الصحابة يقولون له: يا عبدالرحمن هذا عمل يديك. قال لهم: ما كنتُ أظنّ هذا به ولكن لله عليَّ ألا أكلمه أبداً. ثم مات عبدالرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمانحتى رووا أنّ عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول بوجهه الى الحائط ولم يكلّمه(1) .
    ثم كان بعد ذلك ما كان وقامت الثوره على عثمان وإنتهت بقتله، ورجعتْ الأمّة بعد ذلك للإختيار من جديد وفي هذه المرّة إختاروا عَّلياً ولكنْ يا حسرة على العباد: فقد إضطربتْ الدولة الإسلامية وأصبحت مسرحا للمنافقين ولإعدائه المُناوئين والستكبرين والطامعين لإرتقاء منصّة الخلافة بايّ ثمن وعلى أي طريق ولو بإزهاق النفوس البريئه، وقد تغيرتْ أحكام الله ورسوله على مرّ تلك السّنين الخمس والعشرين ووجد الإمام علي نفسه وسط بحر لّجي وأمواج متلاطمة وظلمات حالكة وأهواء جامحة وقضى خلافته في حروب دامية فُرضتْ عليه فرضاً من الناكثين والقاسطين والمارقين ولم يخرج منها إلاّ بإستشهاده سلام الله عليه وهو يتحسّر على أمّة محمد وقد طمع فيها الطليق بن الطليق معاوية بن أبي سفيان وأضرابه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وغيرهم كثيرون، وما جرًّأ هؤلاء على مافعلوه إلاّ فكرة الشورى والإختيار.
    وغرقت أمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم في بحر من الدّماء، وتحكّم في مصيرها سفهاؤها وأرذالُها وتحوّلتْ الشورى بعد ذلك الى الملك العضوض، الى القيصرية والكسروية.
    وإنتهت تلك الفتره التي أطلقوا عليها إسم الخلافة الرّاشدة وبها سمّوا الخلفاء الأربعة بالراشدين والحقّ إنّه حتّى هؤلاء الأربعة لم يكونوا خلفاء بالإنتخاب والشورى سوى أبي بكر وعلي، وإذا إستثنينا أبا بكر لأنّ بيعته كانت
    ____________
    (1) تاريخ الطبري وإبن الأثير في حوادث سنة 36 للهجرة محمد عبده في شرح النهج 1 /88.
    غفلة ولم يحضرها «الحزب المعارض» كما يقال اليوم وهم علي وسائر بني هاشم ومن يرى رأيهم، لم يبق معنا من عُقدتْ له بيعة بالشورى والإختيار إلا علي بن أبي طالب الذي بايعه المسلمون رغم انفه وتخلّف عنه بعض الصحابة فلم يفرض عليهم ولا هدّدهم.
    وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون علي بن أبي طالب خليفة لرسول الله بالنّص من الله وكذلك بالإنتخاب من المسلمين وقد إجتمعت الأمة الإسلامية قاطبة سنّة وشيعة على خلافة علي وإختلفوا على خلافة غيره كما لا يخفى. أقول ياحسرة على العباد لو إنّهم قبلوا ما إختاره الله لهم لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ولأنزل الله عليهم بركات من السّماء ولكان المسلمون اليوم أسياد العالم وقادته كما أراد الله لهم لو إتّبعوه وأنتَّم الأعلون إن كنتم مؤمنين .
    ولكنّ إبليس اللّعين عدوُنا المبين: قال مخاطباً ربّ العزة: فبما أغويتني لأقعدنّ لهم سراطك المستقيم، ثم لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (1) .
    فلينظر العاقل اليوم إلى حالة المسلمين في العالم، وهم أذلاّء لا يقدرون على شيء يركضون وراء الدّول معترفين بإسرائيل وهي ترفض الإعتراف بهم ولا تسمح لهم حتى بالدخول الى القدس التي صبحت عاصمة لها، وإذا مارأيت بلاد المسلمين اليوم ترى إنهم تحت رحمة امريكا وروسيا وقد أكل الفقر شعوبهم وقتلهم الجوع والمرض، في حين تأكل كلاب أوربا شتّى أنواع اللحوم والأسماك، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
    وقد تنبأتْ سيدة النساء فاطمه الزهراء سلام الله عليها عندما خاصمتْ أبا بكر وخطبتْ خطبتها في نساء المهاجرين والأنصار وقالت في آخرها مُخبرةً عن مآل الأمة:
    ____________
    (1)سورة الأعراف آية 16 ـ 17. أما لعمري لقد لقحتْ فنظرت ريثما تُنتجْ، ثم إحتلبوا ملأ القعب دما عبيطاً وزُاعفاً مبيداً، هناك يخسر المبطلون ويعرف التَالونْ غبْ ما أمسّه الأوّلون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً وإطمئنّوا للفتنه جأشاً، وإبشروا بسيف صارم وسطوه معتدٍ غاشم وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدعُ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فياحسرةً لكم، وأنّى بكم، وقد عُمّيتْ عليكم أنلزمكموها وانتم لها كارهون»(1) .
    صدقتْ سيده النساء فيما تنبأتْ به وهي سليلة النّبوة ومعدن الرساله، وقد تجسدت اقوالها في حياة الأمة ومن يدري لعلّ الذي ينتظرها أبشّع مّما إقضى، ذلك بأنهم كَرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم
    أردت التعقيب فقط من خلال ملاحظة قد تكون جد هامة بالنسبة للمستبصرين ..في زيارة لي لاحد المواقع السلفية "البرهان" صادفت ويا لهذه المصادفة الجميلة "موضوع" بشان أهل البيت ..لا تتصورون كيف لهذه العقول التي تحسب نفسها مفكرة أن تكتب شيئين متناقضين تماما ..وسوف ترون الان : "
    "

    الفصل الثالث: فضائلُ أهل البيت في القرآن الكريم

    قال الله عزَّ وجلَّ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيـمًا يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }.

    فقولُه: { إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } دالٌّ على فضل قرابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين تحرم عليهم الصَّدقة، ومِن أخَصِّهم أزواجه وذريّته، كما مرَّ بيانُه.

    والآياتُ دالَّةٌ على فضائل أخرى لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، أوّلها: كونهنَّ خُيِّرْن بين إرادة الدنيا وزينتها، وبين إرادة الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترنَ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة، رضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ.
    ويدل على فضلهنَّ أيضاً قوله تعالى: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }؛ فقد وصفهنَّ بأنَّهنَّ أمّهات المؤمنين.

    وأمَّا قولُه عزَّ وجلَّ: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى }، فالصحيحُ في معناها أنَّ المرادَ بذلك بطونُ قريشٍ، كما جاء بيانُ ذلك في صحيح البخاري (4818) عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما؛ فقد قال البخاري: حدَّثني محمد بن بشار، حدَّثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، عن عبدالملك بن مَيسرة قال: سمعتُ طاوساً، عن ابن عباس: (( أنَّه سُئل عن قوله { إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى }، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: عجلتَ؛ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش إلاَّ كان له فيهم قرابة، فقال: إلاَّ أن تَصِلُوا ما بيني وبينكم من قرابة )).

    قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (( أي قل يا محمد! لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالاً تُعْطُونِيه، وإنَّما أَطلبُ منكم أن تكفُّوا شرَّكم عنِّي وتَذَرُونِي أبلِّغ رسالات ربِّي، إن لَم تَنصرونِي فلا تؤذوني بِما بينِي وبينكم من القرابةِ ))، ثم أورد أثرَ ابن عباس المذكور.

    وأمَّا تخصيصُ بعض أهل الأهواءِ { القُرْبَى } في الآية بفاطمة وعلي رضي الله عنهما وذريَّتهما فهو غيرُ صحيح؛ لأنَّ الآيةَ مكيَّةٌ، وزواجُ عليٍّ بفاطمةَ رضي الله عنهما إنَّما كان بالمدينة، قال ابن كثير رحمه الله: (( وذِكرُ نزول الآية بالمدينة بعيدٌ؛ فإنَّها مكيَّةٌ، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولادٌ بالكليَّة؛ فإنَّها لَم تتزوَّج بعليٍّ رضي الله عنه إلاَّ بعد بدر من السنة الثانية مِن الهجرة، والحقُّ تفسيرُ هذه الآية بما فسَّرها به حَبْرُ الأمَّة وتُرجمان القرآن عبدالله بنُ عباس رضي الله عنهما، كما رواه البخاري )).
    ثم ذكر ما يدلُّ على فضل أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من السُّنَّة ومن الآثار عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
    أما بالنسبةللتناقض الواضح فهو كما يلي"

    روى مسلمٌ في صحيحه (2276) عن واثلةَ بنِ الأسْقَع رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    (( إنَّ اللهَ اصطفى كِنانَةَ مِن ولدِ إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنَانَة، واصطفى مِن قريشٍ بَنِي هاشِم، واصطفانِي مِن بَنِي هاشِم )).

    ـ وروى مسلمٌ في صحيحه (2424) عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (( خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل مِن شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثمَّ جاءت فاطمةُ فأدخلَها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } )).

    ـ وروى مسلم (2404) من حديث سَعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه قال: (( لَمَّا نزلت هذه الآيةُ { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمةَ وحَسناً وحُسيناً، فقال: اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتِي )).

    ـ وروى مسلم في صحيحه (2408) بإسناده عن يزيد بن حيَّان قال: (( انطلقتُ أنا وحُصين بن سَبْرة وعمر بنُ مسلم إلى زيد بنِ أرقم، فلمَّا جلسنا إليه، قال له حُصين: لقد لقيتَ - يا زيد! - خيراً كثيراً ، رأيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وسمعتَ حديثَه، وغزوتَ معه، وصلَّيتَ خلفه، لقد لقيتَ - يا زيد! - خيراً كثيراً، حدِّثْنا - يا زيد! - ما سَمعتَ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابنَ أخي! والله! لقد كَبِرَتْ سِنِّي، وقَدُم عهدِي، ونسيتُ بعضَ الذي كنتُ أعِي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدَّثتُكم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلِّفونيه، ثمَّ قال: قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يُدعى خُمًّا، بين مكة والمدينة، فحمِد اللهَ وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: أمَّا بعد، ألا أيُّها الناس! فإنَّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسولُ ربِّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثَقَلَيْن؛ أوَّلُهما كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، فقال له حُصين: ومَن أهلُ بيتِه يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيتِه؟ قال: نساؤه مِن أهل بيتِه، ولكن أهلُ بيتِه مَن حُرِم الصَّدقةُ بعده، قال: ومَن هم؟ قال: هم آلُ عليٍّ، وآلُ عَقيل، وآلُ جعفر، وآلُ عبَّاس، قال: كلُّ هؤلاء حُرِم الصَّدقة؟ قال: نعم! )).

    وفي لفظ: (( فقلنا: مَن أهلُ بيتِه؟ نساؤه؟ قال: لا، وايمُ الله! إنَّ المرأةَ تكون مع الرَّجل العصرَ من الدَّهر، ثم يُطلِّقها، فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيتِه أصلُه وعَصَبتُه الذين حُرِموا الصَّدقة بعده )).
    وهنا أنبِّه على أمور:
    الأول: أنَّ ذِكرَ عليٍّ وفاطمةَ وابنيهِما رضي الله عنهم في حديث الكِساء وحديث المباهلة المتقدِّمَين لا يدلُّ على قَصْر أهل البيت عليهم، وإنَّما يدلُّ على أنَّهم من أخصِّ أهل بيته، وأنَّهم مِن أَوْلَى مَن يدخل تحت لفظ (أهل البيت)، وتقدَّمت الإشارةُ إلى ذلك.

    الثاني: أنَّ ذِكرَ زيد رضي الله عنه آلَ عَقيل وآلَ عليٍّ وآلَ جعفر وآلَ العبَّاس لا يدلُّ على أنَّهم هم الذين تحرُم عليهم الصَّدقةُ دون سواهم، بل هي تحرُم على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نسل عبدالمطلب، وقد مرَّ حديثُ عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب في صحيح مسلم، وفيه شمول ذلك لأولاد ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب.

    الثالث: تقدَّم الاستدلالُ من الكتاب والسُّنَّة على كون زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من آل بيته، وبيان أنَّهنَّ مِمَّن تحرُم عليه الصَّدقة، وأمَّا ما جاء في كلامِ زَيدٍ المتقدِّم من دخولِهنَّ في الآل في الرواية الأولى، وعدم دخولهنَّ في الرواية الثانية، فالمعتبَرُ الروايةُ الأولى، وما ذكره من عدم الدخول إنَّما ينطبِق على سائر الزوجات سوى زوجاتِه صلى الله عليه وسلم.

    أمَّا زوجاتُه رضي الله عنهنَّ، فاتِّصالُهنَّ به شبيهٌ بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ به غيرُ مرتفع، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، كما مرَّ توضيحُ ذلك في كلام ابن القيم رحمه الله.

    الرابع: أنَّ أهلَ السُّنَّة والجماعة هم أسعَدُ الناس بتنفيذ وصيَّة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أهل بيتِه التي جاءت في هذا الحديث؛ لأنَّهم يُحبُّونَهم جميعاً ويتوَلَّونَهم، ويُنزلونَهم منازلَهم التي يستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ، وأمَّا غيرُهم فقد قال ابن تيمية في مجموع فتاواه (4/419): (( وأبعدُ الناسِ عن هذه الوصيَّة الرافضةُ؛ فإنَّهم يُعادُون العبَّاس وذُريَّتَه، بل يُعادون جمهور أهل البيت ويُعينون الكفَّارَ عليهم )).

    ـ وحديث: (( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامةِ إلاَّ سبَبِي ونسبِي ))، أورده الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (2036) وعزاه إلى ابن عباس وعمر وابن عمر والمِسور بن مخرمة رضي الله عنهم، وذكر مَن خرَّجه عنهم، وقال: (( وجملةُ القول أنَّ الحديثَ بمجموع هذه الطرق صحيحٌ، والله أعلم )).
    وفي بعض الطرق أنَّ هذا الحديث هو الذي جعل عمر رضي الله عنه يرغبُ في الزواج من أمِّ كلثوم بنت عليٍّ من فاطمة رضي الله عن الجميع.

    ـ وروى الإمام أحمد في مسنده (5/374) عن عبدالرزاق، عن مَعمر، عن ابن طاوس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول: (( اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه، كما بارَكتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ ))، قال ابن طاوس: وكان أبي يقول مثلَ ذلك.
    ورجال الإسناد دون الصحابيِّ خرَّج لهم البخاري ومسلمٌ وأصحابُ السنن الأربعة، وقال الألبانيُّ في صفة صلاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (( رواه أحمد والطحاوي بسندٍ صحيح )).

    وأمَّا ذِكرُ الصلاة على الأزواج والذريَّة، فهو ثابتٌ في الصحيحين أيضاً من حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه.
    لكن ذلك لا يدلُّ على اختصاص آل البيت بالأزواج والذريَّة، وإنَّما يدلُّ على تأكُّد دخولِهم وعدم خروجهم، وعطفُ الأزواجِ والذريَّة على أهل بيته في الحديث المتقدِّم من عطف الخاصِّ على العام.

    قال ابن القيم بعد حديث فيه ذكر أهل البيت والأزواج والذريَّة - وإسنـاده فيه مقال -: (( فجمع بين الأزواج والذريَّة والأهل، وإنَّما نصَّ عليهم بتعيينهم؛ ليُبيِّن أنَّهم حقيقون بالدخول في الآل، وأنَّهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحقُّ مَن دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاصِّ على العام وعكسه؛ تنبيهاً على شرفه، وتخصيصاً
    له بالذِّكر من بين النوع؛ لأنَّه أحقُّ أفراد النوع بالدخول فيه )). جلاء الأفهام (ص:338).

    ـ وقال صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الصَّدقةَ لا تنبغي لآل محمد، إنَّما هي أوساخ الناس ))، أخرجه مسلمٌ في صحيحه من حديث عبدالمطلب بن ربيعة (1072)، وقد تقدَّم.

  • #2
    مشكورة أختي رفع الله شأنك و حشرك الله مع محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X