بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
ذكر حديثاً في مرض فاطمة (عليها السلام)، وفيه:
قالت: يابن عمّ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني...
ثم قالت: جزاك الله عنّي خير الجزاء يابن عمّ، أوصيك أولاً أن تتزوّج بعدي بابنة [أختي] أمامة فإنّها تكون لولدي مثلي فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء...
ثم قالت: أوصيك يابن عم، أن تتّخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوّروا صورته لي فقال لها: صفيه إليّ، فوصفته، فاتّخذه لها، فأوّل نعش عمل في وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.
ثم قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقّي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا تترك أن يصلي علي أحد منهم، ولا من أتباعهم وادفنّي في الليل، إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار(9).
دخل الإمام علي (عليه السلام) البيت، وإذا به يرى عزيزته قد غادرت فراش العلة وهي تمارس أعمالها المنزلية.
رقَّ لها قلب الإمام حين نظر إليها وقد عادت إلى أعمالها المتعبة التي كانت تجهدها أيام صحتها، فلا عجب إذا سألها عن سبب قيامها بتلك الأعمال بالرغم من انحراف صحتها؟
أجابته بكل صراحة: لأن هذا اليوم آخر يوم من أيام حياتي، قمت لأغسل رؤوس أطفالي وثيابهم لأنهم سيصبحون يتامى بلا أم!!
سألها الإمام عن مصدر هذا النبأ فأخبرته بالرؤيا، فهي بذلك قد نعت نفسها إلى زوجها بما لا يقبل الشك.
إذن، فالسيدة فاطمة في أواخر ساعات الحياة، وقد حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها (طيلة هذه المدة) من الوصايا التي يجب تنفيذها ولو بأغلى الأثمان ولا يمكن التسامح فيها أبداً، لأنَّ لها غاية الأهمية.
كأنها قد فرغت من أعمالها المنزلية وعادت إلى فراشها وقالت:
يا ابن عم!! إنه قد نُعيت إليَّ نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلاَّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي.
قال لها علي (عليه السلام): أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله، فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت، ثم قالت:
يا ابن عم! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة.
ولا خالفتك منذ عاشرتني.
فقال علي (عليه السلام) : معاذ الله!! أنتِ أعلم بالله، وأبرُّ وأتقى وأكرم، وأشدُّ خوفاً من الله من أن أوبِّخك بمخالفتي.
وقد عزَّ عليَّ مفارقتك وفقدكِ.
إلاَّ أنَّه أمر لابدَّ منه.
والله لقد جددت عليَّ مصيبة رسول الله، وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون.
من مصيبة ما أفجعها وآلمها، وأمضَّها وأحزنها.
هذه مصيبة لا عزاء منها، ورزية لا خلف لها.
ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ الإمام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال:
أوصيني بما شئت، فإنك تجدينني وفياً أمضي كل ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري.
فقالت: جزاك الله عني غير الجزاء.
يا ابن عم! أوصيك أولاً:
أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لوُلدي مثلي، فإن الرجال لابدَّ لهم من النساء.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، فإنهم عدوي وعدو رسول الله، ولا تترك أن يصلي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار(10).
--------------
(10) روضة الواعظين
تعليق