أبناء الرسول (ص) في مصر: تأثيرات الماضي وامتدادات الحاضر
منذ أن هبط الإسلام أرض مصر وهي تتنفس هواء أهل البيت(ع) وتدين بحبهم.
إن الولاء لأهل البيت (ع) وحبهم يجري في دماء المصريين، وقد جاء أبناء الرسول (ص) ليدعموا هذا الولاء ويزكوا هذا الحب.
لولا وجود أبناء الرسول في مصر لما كان لها دور من عالم الإسلام والمسلمين، فقد سطر هؤلاء الأبناء صفحات ناصعة من تاريخها وتركوا بصمات واضحة من واقعها السياسي الاجتماعي والاقتصادي.
ويكفى رصد الحالة الثقافية في مصر ليتبين لنا أن فكرة أهل البيت (ع) تعيش في وجدان أهل الفكر والقلم وشتى الشرائح الثقافية.
ويبدو ذلك بوضوح من ذلك الكم الهائل من الكتابات التي تعكس حال العشق والولاء التي يعيشها المصريون مع أهل البيت، والتي تبرهن من جانب آخر على قيمة أهل البيت وعظمتهم من نفوس أهل الفكر خاصة والناس عامة.
إن هذا الارتباط الوجداني هو الذي حافظ على النسيج المصري وحال دون انتشار الفرق والتيارات الضالة من الشارع المصري وحصرها في دائرة ضيقة لم تستطع تجاوزها.
ولقد طغى الواقع على القلم، فقدم الوقائع والشواهد وشتى الأدلة الملموسة التي تجري طول العام بلا انقطاع حول مراقد أبناء الرسول (ص) في مصر، والتي هي أبلغ من القلم وأشد تأثيراً من الكتب.
ومن بين كتابات عديدة عن وفود أبناء الرسول (ص) الى مصر وسيرتهم ومراقدهم برزت كتابات رموز الأزهر، وعلى رأسهم شيخ الأزهر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود والشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ أحمد زكي إبراهيم والشيخ عبد الحفيظ فرغلي وغيرهم كثير.. ومن الأدباء العقاد وعبد الحميد جودة السحار وخالد محمد خالد وعبد الرحمن الشرقاوي وأحمد تيمور وغيرهم.
وسوف نعرض هنا مقتطفات من بعض هذه الكتابات..
جاء في كتاب الشيخ عبد الحفيظ فرغلي: لما حدثت واقعة كربلاء التي استشهد فيها سبط الرسول (ص) ومعه كثير من أهل بيته وولده، ولم يطمئن بهذه الأسرة الكريمة المقام بعد أن أدركوا الحقد الذي يتعقبهم به خلفاء بني أمية وولاتهم، أقبلت وفودهم الى مصر حيث وجدوا في رحابها الأمن الهدوء، وأكرمت وفادتهم وأفسحت لهم صدرها ولاقتهم بما يليق بهم وبمجدهم الكريم من حفاوة وتكريم.
وبذلك أصبحت مصر داراً للأسرة النبوية المجيدة التي بادلت مصر الحب والوفاء.. وأصبحت مصر في نظر العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت رمزاً للوفاء والتقدير يتطلع اليه المسلمون في شتى الأقطار.
وأصبحت بيوت الهاشميين في مصر قبلة يحج اليها المسلمون، وأضحت قبورهم منار ذكرى ومهبط رحمة وكعبة يقصدها الآلاف، يستعيدون فيها سيرة رسول الله (ص) ويتبركون فيها بآثار عترته الطاهرة الزكية.. ولحكمة ما اختص الله مصر بهذه النعمة المباركة، فقد أكرمها الله بأوليائه الطاهرين وأصفيائه المقربين، حتى أنه من شاء الله أن يُقبض بعيداً عن مصر قُيض الله له من ينقل رأسه الشريف اليها.
ويقول الأستاذ أحمد أبو كف: دوحة النبي المباركة ظللت أرض مصر بأوراقها وأغصانها، ولآلئ من كنوز آل بيت الرسول (ص) رصعت جبين مصر وصارت أنوارها مضيئة يفوح عطرها الذكي..
وهذه الدوحة المباركة ألقت ثمارها وأوراقها أكثر ما ألقت من نسل فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ابن عم رسول الله (ص)، وبعضها من نسل الحسن بن علي.
بل إن أرض مصر وأهل مصر حباً بآل البيت وعشقاً وتشيعاً، لم يكتفوا بتلك الضرائح والمشاهد الحقيقية، وإنما بنوا عشرات ومئات من ضرائح أو مشاهد الرؤيا تأكيداً لما قاله الرسول (ص): من مات على حب آل محمد مات شهيداً.. ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان..
وقال الشبلنجي: أعلم أنه لا عبرة بالاختلاف في دفن بعض أهل البيت الذين لهم بمصر مزارات، فإن الأنوار التي على ضرائحهم شاهد صدق على وجودهم في هذه الأمكنة، ولا ينكر ذلك الا من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة..
وقد اعتنى المتصوفة على مر التاريخ بالضرائح والمقامات الخاصة بأبناء الرسول (ص) في مصر، وأحيوا ذكراهم وأقاموا المناسبات الخاصة بهم، ما دفع الجماهير المصرية الى الالتفاف حولهم، ليصبح التيار الصوفي هو التيار الإسلامي الأول في مصر.
وهذا الالتفاف الجماهيري والولاء والعشق ومظاهر الحب الجارف لأبناء الرسول، دفع بالحكام الى احترام مراقدهم والعناية بها والمشاركة في الاحتفالات الخاصة برموزها. وهو تقليد سائد في مصر منذ عصر الدولة الأيوبية حتى اليوم..
الآثار العلوية
كانت مصر علوية الاتجاه في حياة الإمام علي (ع) واستمرت على هذا الاتجاه برغم الضغوط ومحاولات التعتيم التي فرضت على المصريين بعد وقعة صفين.. وقد لعب ربيب الإمام علي محمد بن أبي بكر دوراً في دعم هذا الاتجاه ـ إضافة الى دور القبائل العربية الموالية للإمام التي وفدت الى مصر ـ وبعد مصرعه لحق به واحد من سيوف الإمام ورجاله المخلصين وهو مالك الأشتر النخعي الذي قُتل مسموماً على أبواب مصر..
وكلاهما له مرقد يزار ويحتفى به الى اليوم.
واستمرت الهجرات الطالبية طوعاً وكرهاً الى مصر طول العصر الأموي والعباسي، وأسهمت هذه الهجرات في دعم اتجاه الإمام علي (ع) وتوطين حب أهل البيت (ع) في نفوس المصريين.
واكتظت مدن مصر وقراها منذ ذلك الحين بمراقد أبناء الرسول، واستمر المصريون على حبهم والاحتفال بهم وإحياء ذكراهم حتى اليوم.. حتى انه لم تعد هناك قرية أو مدينة إلا وفيها مرقد أو أكثر يعتز به أهلها ويستظلون ببركته..
ولقد أسهمت هذه المراقد ولا تزال تسهم في دعم حالة الولاء والحب لأهل البيت (ع).
وتزعم الكثير من الأشراف من أبناء الرسول العديد من الطرائق الصوفية، ما أكسب هذه الطرائق شعبية كبيرة كاسحة جعلت من التيار الصوفي أكثر التيارات الإسلامية شعبية في مصر.
ويبدو هذا الأمر بوضوح عند إحياء المناسبات الخاصة برموز أبناء الرسول، مثل السيدة زينب والحسين والسيد البدوي والسيدة نفيسة وغيرهم، حيث تجد الجماهير المصرية بمختلف طبقاتها تتوافد الى موقع الاحتفال وتحيط بالمرقد الطاهر وتمكث الأيام الطوال في الطرقات والشوارع المحيطة.. حتى ان الحكومة تضطر الى قطع المواصلات واستنفار رجال الأمن طول فترة الاحتفال.
الدور الفاطمي
واستمرت حالة الحب والولاء لأهل البيت والتشيع لهم حتى عصر الدولة الأخشيدية التي انهارت على يد الفاطميين عام 358هـ.
ووجد الفاطميون مصر ممهدة ومهيأة لاستقبالهم، فدخلوها وسط ترحيب الجماهير المصرية التي استقبلتهم بالزغاريد والفوانيس..
تروي المصادر التاريخية أن أحد العبيد الأشداء في العصر الأخشيدي كان دائم الاعتداء على الشيعة ويكرههم على قول: "ان معاوية خال المؤمنين".. ومن سوء حظ هذا العبد أن عاش حتى جاء الفاطميون الى مصر، فقبضوا عليه وقتلوه..
كانت مصر قبل الحكم الفاطمي تابعة لدمشق ثم بغداد، ولم يكن لها دور في واقع الإسلام يذكر.. وكانت أموالها وخراجها يذهب الى خزائن الخلفاء من بني أمية وبني العباس.
وعلى يد الفاطميين أصبحت دولة ذات سيادة لها عاصمة نشأت على أيديهم، هي القاهرة.. وأصبح لمصر جيش قوي، وانضمت اليها الشام، وعاد اليها وزنها ودورها الذي كان مفقوداً منذ العهود السابقة، لتتحول مصر الى متبوعة بعد أن كانت تابعة.
وقد عمل المؤرخون من الخصوم على تشويه الدولة الفاطمية ودورها وفرحوا بسقوطها، ظناً منهم أن سقوطها يعني انتهاء دور أبناء الرسول في مصر..(4).
إلا أن جامعة الزهراء أو الأزهر كما يسمونه، استمر منارة تشع علماً، وظل لافتة تعلن عن هوية مصر الإسلامية عبر العصور.. وبرز من خلاله قادة وزعماء ومفكرون. كما استمر مرقد رأس الحسين ينثر بركاته على مصر والمصريين عبر العصور..
ولو لم يكن للفاطميين إنجاز إلا تأسيس الجامع الأزهر الذي حفظ لمصر دورها ومكانتها في محيط العالم الإسلامي، لكفاهم..
هوامش:
(1) انظر بدائع الزهور في وقائع الدهور والنجوم الزاهرة حوادث عام 385هـ.. وانظر خطط المقريزي، وانظر لنا كتاب "الشيعة في مصر: من الإمام علي حتى الإمام الخميني".
(2) المراجع السابقة.
(3) كتب ابن الجوزى كتاباً بعنوان: "النصر على مصر ابتهاجاً بانتصار الأيوبيين على الفاطميين".
منذ أن هبط الإسلام أرض مصر وهي تتنفس هواء أهل البيت(ع) وتدين بحبهم.
إن الولاء لأهل البيت (ع) وحبهم يجري في دماء المصريين، وقد جاء أبناء الرسول (ص) ليدعموا هذا الولاء ويزكوا هذا الحب.
لولا وجود أبناء الرسول في مصر لما كان لها دور من عالم الإسلام والمسلمين، فقد سطر هؤلاء الأبناء صفحات ناصعة من تاريخها وتركوا بصمات واضحة من واقعها السياسي الاجتماعي والاقتصادي.
ويكفى رصد الحالة الثقافية في مصر ليتبين لنا أن فكرة أهل البيت (ع) تعيش في وجدان أهل الفكر والقلم وشتى الشرائح الثقافية.
ويبدو ذلك بوضوح من ذلك الكم الهائل من الكتابات التي تعكس حال العشق والولاء التي يعيشها المصريون مع أهل البيت، والتي تبرهن من جانب آخر على قيمة أهل البيت وعظمتهم من نفوس أهل الفكر خاصة والناس عامة.
إن هذا الارتباط الوجداني هو الذي حافظ على النسيج المصري وحال دون انتشار الفرق والتيارات الضالة من الشارع المصري وحصرها في دائرة ضيقة لم تستطع تجاوزها.
ولقد طغى الواقع على القلم، فقدم الوقائع والشواهد وشتى الأدلة الملموسة التي تجري طول العام بلا انقطاع حول مراقد أبناء الرسول (ص) في مصر، والتي هي أبلغ من القلم وأشد تأثيراً من الكتب.
ومن بين كتابات عديدة عن وفود أبناء الرسول (ص) الى مصر وسيرتهم ومراقدهم برزت كتابات رموز الأزهر، وعلى رأسهم شيخ الأزهر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود والشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ أحمد زكي إبراهيم والشيخ عبد الحفيظ فرغلي وغيرهم كثير.. ومن الأدباء العقاد وعبد الحميد جودة السحار وخالد محمد خالد وعبد الرحمن الشرقاوي وأحمد تيمور وغيرهم.
وسوف نعرض هنا مقتطفات من بعض هذه الكتابات..
جاء في كتاب الشيخ عبد الحفيظ فرغلي: لما حدثت واقعة كربلاء التي استشهد فيها سبط الرسول (ص) ومعه كثير من أهل بيته وولده، ولم يطمئن بهذه الأسرة الكريمة المقام بعد أن أدركوا الحقد الذي يتعقبهم به خلفاء بني أمية وولاتهم، أقبلت وفودهم الى مصر حيث وجدوا في رحابها الأمن الهدوء، وأكرمت وفادتهم وأفسحت لهم صدرها ولاقتهم بما يليق بهم وبمجدهم الكريم من حفاوة وتكريم.
وبذلك أصبحت مصر داراً للأسرة النبوية المجيدة التي بادلت مصر الحب والوفاء.. وأصبحت مصر في نظر العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت رمزاً للوفاء والتقدير يتطلع اليه المسلمون في شتى الأقطار.
وأصبحت بيوت الهاشميين في مصر قبلة يحج اليها المسلمون، وأضحت قبورهم منار ذكرى ومهبط رحمة وكعبة يقصدها الآلاف، يستعيدون فيها سيرة رسول الله (ص) ويتبركون فيها بآثار عترته الطاهرة الزكية.. ولحكمة ما اختص الله مصر بهذه النعمة المباركة، فقد أكرمها الله بأوليائه الطاهرين وأصفيائه المقربين، حتى أنه من شاء الله أن يُقبض بعيداً عن مصر قُيض الله له من ينقل رأسه الشريف اليها.
ويقول الأستاذ أحمد أبو كف: دوحة النبي المباركة ظللت أرض مصر بأوراقها وأغصانها، ولآلئ من كنوز آل بيت الرسول (ص) رصعت جبين مصر وصارت أنوارها مضيئة يفوح عطرها الذكي..
وهذه الدوحة المباركة ألقت ثمارها وأوراقها أكثر ما ألقت من نسل فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ابن عم رسول الله (ص)، وبعضها من نسل الحسن بن علي.
بل إن أرض مصر وأهل مصر حباً بآل البيت وعشقاً وتشيعاً، لم يكتفوا بتلك الضرائح والمشاهد الحقيقية، وإنما بنوا عشرات ومئات من ضرائح أو مشاهد الرؤيا تأكيداً لما قاله الرسول (ص): من مات على حب آل محمد مات شهيداً.. ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان..
وقال الشبلنجي: أعلم أنه لا عبرة بالاختلاف في دفن بعض أهل البيت الذين لهم بمصر مزارات، فإن الأنوار التي على ضرائحهم شاهد صدق على وجودهم في هذه الأمكنة، ولا ينكر ذلك الا من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة..
وقد اعتنى المتصوفة على مر التاريخ بالضرائح والمقامات الخاصة بأبناء الرسول (ص) في مصر، وأحيوا ذكراهم وأقاموا المناسبات الخاصة بهم، ما دفع الجماهير المصرية الى الالتفاف حولهم، ليصبح التيار الصوفي هو التيار الإسلامي الأول في مصر.
وهذا الالتفاف الجماهيري والولاء والعشق ومظاهر الحب الجارف لأبناء الرسول، دفع بالحكام الى احترام مراقدهم والعناية بها والمشاركة في الاحتفالات الخاصة برموزها. وهو تقليد سائد في مصر منذ عصر الدولة الأيوبية حتى اليوم..
الآثار العلوية
كانت مصر علوية الاتجاه في حياة الإمام علي (ع) واستمرت على هذا الاتجاه برغم الضغوط ومحاولات التعتيم التي فرضت على المصريين بعد وقعة صفين.. وقد لعب ربيب الإمام علي محمد بن أبي بكر دوراً في دعم هذا الاتجاه ـ إضافة الى دور القبائل العربية الموالية للإمام التي وفدت الى مصر ـ وبعد مصرعه لحق به واحد من سيوف الإمام ورجاله المخلصين وهو مالك الأشتر النخعي الذي قُتل مسموماً على أبواب مصر..
وكلاهما له مرقد يزار ويحتفى به الى اليوم.
واستمرت الهجرات الطالبية طوعاً وكرهاً الى مصر طول العصر الأموي والعباسي، وأسهمت هذه الهجرات في دعم اتجاه الإمام علي (ع) وتوطين حب أهل البيت (ع) في نفوس المصريين.
واكتظت مدن مصر وقراها منذ ذلك الحين بمراقد أبناء الرسول، واستمر المصريون على حبهم والاحتفال بهم وإحياء ذكراهم حتى اليوم.. حتى انه لم تعد هناك قرية أو مدينة إلا وفيها مرقد أو أكثر يعتز به أهلها ويستظلون ببركته..
ولقد أسهمت هذه المراقد ولا تزال تسهم في دعم حالة الولاء والحب لأهل البيت (ع).
وتزعم الكثير من الأشراف من أبناء الرسول العديد من الطرائق الصوفية، ما أكسب هذه الطرائق شعبية كبيرة كاسحة جعلت من التيار الصوفي أكثر التيارات الإسلامية شعبية في مصر.
ويبدو هذا الأمر بوضوح عند إحياء المناسبات الخاصة برموز أبناء الرسول، مثل السيدة زينب والحسين والسيد البدوي والسيدة نفيسة وغيرهم، حيث تجد الجماهير المصرية بمختلف طبقاتها تتوافد الى موقع الاحتفال وتحيط بالمرقد الطاهر وتمكث الأيام الطوال في الطرقات والشوارع المحيطة.. حتى ان الحكومة تضطر الى قطع المواصلات واستنفار رجال الأمن طول فترة الاحتفال.
الدور الفاطمي
واستمرت حالة الحب والولاء لأهل البيت والتشيع لهم حتى عصر الدولة الأخشيدية التي انهارت على يد الفاطميين عام 358هـ.
ووجد الفاطميون مصر ممهدة ومهيأة لاستقبالهم، فدخلوها وسط ترحيب الجماهير المصرية التي استقبلتهم بالزغاريد والفوانيس..
تروي المصادر التاريخية أن أحد العبيد الأشداء في العصر الأخشيدي كان دائم الاعتداء على الشيعة ويكرههم على قول: "ان معاوية خال المؤمنين".. ومن سوء حظ هذا العبد أن عاش حتى جاء الفاطميون الى مصر، فقبضوا عليه وقتلوه..
كانت مصر قبل الحكم الفاطمي تابعة لدمشق ثم بغداد، ولم يكن لها دور في واقع الإسلام يذكر.. وكانت أموالها وخراجها يذهب الى خزائن الخلفاء من بني أمية وبني العباس.
وعلى يد الفاطميين أصبحت دولة ذات سيادة لها عاصمة نشأت على أيديهم، هي القاهرة.. وأصبح لمصر جيش قوي، وانضمت اليها الشام، وعاد اليها وزنها ودورها الذي كان مفقوداً منذ العهود السابقة، لتتحول مصر الى متبوعة بعد أن كانت تابعة.
وقد عمل المؤرخون من الخصوم على تشويه الدولة الفاطمية ودورها وفرحوا بسقوطها، ظناً منهم أن سقوطها يعني انتهاء دور أبناء الرسول في مصر..(4).
إلا أن جامعة الزهراء أو الأزهر كما يسمونه، استمر منارة تشع علماً، وظل لافتة تعلن عن هوية مصر الإسلامية عبر العصور.. وبرز من خلاله قادة وزعماء ومفكرون. كما استمر مرقد رأس الحسين ينثر بركاته على مصر والمصريين عبر العصور..
ولو لم يكن للفاطميين إنجاز إلا تأسيس الجامع الأزهر الذي حفظ لمصر دورها ومكانتها في محيط العالم الإسلامي، لكفاهم..
هوامش:
(1) انظر بدائع الزهور في وقائع الدهور والنجوم الزاهرة حوادث عام 385هـ.. وانظر خطط المقريزي، وانظر لنا كتاب "الشيعة في مصر: من الإمام علي حتى الإمام الخميني".
(2) المراجع السابقة.
(3) كتب ابن الجوزى كتاباً بعنوان: "النصر على مصر ابتهاجاً بانتصار الأيوبيين على الفاطميين".
تعليق