إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الإمام الشهيد حسن الشيرازي بقلم إخوانه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام الشهيد حسن الشيرازي بقلم إخوانه

    بسم الله الرحمن الرحيم. و الحمد لله رب العالمين.
    والصلاة و السلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين.
    و لعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.


    بمناسبة مرور 26 عاما على استشهاد سماحة آية الله الإمام السيد حسن الشيرازي قدس سره على أيدي البعثيين الملاحدة و النواصب في بيروت، أحببت أن أضع بين أيديكم بعض ما كتبه أخوه الأكبر سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد الشيرازي قدس سره و أخوه الأصغر سماحة آية الله المجاهد السيد مجتبى الشيرازي دام ظله.


    1- سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد الشيرازي قدس سره:

    * الأخ الشهيد السيد حسن الشيرازي
    تجد هذا الكتيب على الرابط التالي:
    http://alshirazi.com/compilations/me...eed/fehres.htm

    * إعتقال السيد حسن الشيرازي و جمع من العلماء و الوجهاء
    تجد هذا الفصل من كتاب (تلك الأيام) على الرابط التالي:
    http://www.alshirazi.com/compilation...am/part4/2.htm

    * فترة الاختفاء
    تجد هذا الفصل من كتاب (كفاحنا) على الرابط التالي:
    http://www.alshirazi.com/compilation...kifahona/1.htm

    * قصر النهاية
    تجد هذا الفصل من كتاب (كفاحنا) على الرابط التالي:
    http://www.alshirazi.com/compilation...kifahona/2.htm

    * التعذيب في سجون بغداد
    تجد هذا الفصل من كتاب (الصياغة الجديدة) على الرابط التالي:
    http://alshirazi.com/compilations/pa...da/part8/3.htm

    2- سماحة آية الله المجاهد السيد مجتبى الشيرازي دام ظله:

    * المجاهد الصالح
    تجد هذا المقال على الرابط التالي:
    http://www.annabaa.org/nba61/mujahid.htm

    * مقدمة المنسق
    تجد مقدمة سماحته – تحت عنوان المنسق – على كتاب (خواطري عن القرآن) للشهيد الشيرازي على الرابط التالي:
    http://www.alshirazi.com/compilation...n1/part1/1.htm

    * مقدمة سماحته – تحت عنوان المنسق – على كتاب (نهج البلاغة ميناء الإنسانية المعذبة) للشهيد الشيرازي.

    * مقدمة سماحته – تحت عنوان المنسق – على كتاب (إنجازات الرسول) للشهيد الشيرازي.

    * التعذيب البعثي في قصر النهاية.


    منتظر القائم

  • #2
    مقدمة سماحة آية الله المجاهد السيد مجتبى الشيرازي على كتاب (نهج البلاغة ميناء الإنسانية المعذبة) للشهيد الشيرازي، تحت عنوان (المنسق):


    * ولد في (النجف الأشرف) حيث مثوى أمير المؤمنين عليه السلام عام 1354.

    * نشأ في (كربلاء المقدسة) حيث مرقد سيد الشهداء عليه السلام.

    * تربى في كنف والده المرحوم آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي رضوان الله تعالى عليه و تحت رعاية أخيه آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي دام ظله.

    * ينتمي إلى (بيت) عرف بـ: التقوى، و العلم، و الجهاد، و المرجعية، و الأخلاق الفاضلة، و هداية الناس... مطلع شموس و أقمار و نجوم ذات أضواء و أنوار: المجدد الشيرازي و (ثورة التنباك)، و الشيخ محمد تقي الشيرازي و (ثورة العشرين)...

    * ورد (الحوزة العلمية) فور صدوره عن (الكتّاب)، و تخرج منها حائزا على درجة (الاجتهاد)، و مارس مهام الرجل الحوزوي: التدريس، التأليف، نشر المقالات و القصائد...

    * شاعر المهرجانات، و خطيب الاحتفالات، و بصورة خاصة: المهرجانات الدولية المنعقدة بمناسبة ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام في (كربلاء المقدسة).

    * مفكر إسلامي كبير، و محقق علمي قدير، تأتي في طليعة نتاجه الفكري: سلسلة (الكلمة)، و خواطري عن القرآن، و حديث رمضان، و العمل الأدبي... دع عنك مخطوطاته التي لم تر النور بعد.

    * قاوم الحكم الجائر، على تنوع الأنظمة المتعاقبة على العراق: نوري السعيد و حلف بغداد و بهجت عطية، عبد الكريم قاسم و الشيوعيين و قانون الأحوال الشخصية، عبد السلام عارف و القومية، البكر و صدام و البعثية... و كان أول رجل دين كبير يعتقل و يعذب و يسجن – عام 1389 – في موجة استنكار عالمية.

    * هاجر إلى سوريا و لبنان عام 1390 كأول رجل دين كبير يهاجر في سبيل الله تعالى. و انطلق يخدم الإسلام بشتى صنوف النشاطات: إلقاء المحاضرات، توزيع الكتب المجانية، سفرات تبليغية و تفقدية، زرع المبلغين في القارة الإفريقية، إرسال رجال الدين إلى البلاد في المواسم الدينية، تأسيس (جماعة العلماء) عام 1397، تأسيس (مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الدينية)، نفض غبار الاتهام و البهتان عن (العلويين)، تأسيس (دار الصادق) للتأليف و النشر و التوزيع...

    * بذل أقصى جهده في إنهاء الحرب اللبنانية – اللبنانية.

    * دأب على أداء (العمرة و الحج) سنويا، على رأس (بعثة الإمام الشيرازي الدينية). و هناك: كان ينهك نفسه في العبادة و الإرشاد و الاتصال بمختلف الشخصيات الإسلامية...

    * قام بمحاولات مستمرة جادة متنوعة في سبيل تعمير (مراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام) بالمدينة المنورة. و لكنها لم تثمر بسبب من: تعجرف بعض العلماء الوهابيين، و معاكسة بعض السياسيين العراقيين، و تغاير بعض العلماء المسلمين الحاسدين.

    * كان يكثر الاتصال برجال الحكومات (ملوك، رؤساء، رؤساء وزراء، وزراء...) لأخذ ما يمكن أخذه منهم في سبيل نشر الإسلام و تقوية المسلمين، من دون أن يأخذ منهم حتى فلسا واحدا. و كان لا يعطيهم من دينه شيئا أبدا، مما دفع ببعض الحكوميين إلى استشعار الضيق به أحيانا و ببعض وعاظ السلاطين إلى إحساس الحسد منه أحايين.

    * عرف بمساندته للثورة الإيرانية منذ بداياتها و أيام غربتها بعزم لا فتور فيه، حين كان الآخرون يحاربونها بصورة لا هوادة فيها. و حينما نجحت ألقت النقاب عنها و تعرت فتوقف عن مساندتها و تحامى عنها، بينما إبتدء الآخرون يقلبون الصفحة و يقبلون عليها. و كفى بذلك فخرا لمن ساند أيام الغربة للحق، و تحامى أيام العزة للحق كذلك. و كفى بذلك نذلا لمن عادى أيام الغربة للمادة، و والى أيام العزة للمادة كذلك.

    * عرفت جولاته الإرشادية و التفقدية كل من: الجزيرة العربية، و مصر، و سوريا، و لبنان، و الكويت، و البحرين، و إيران، و فرنسا، و سيراليون، و ساحل العاج...

    * شجب – بكل ما أوتي من قوة – التيارات الاستعمارية في البلاد الإسلامية: إسرائيل في فلسطين، الشاهنشاهية في إيران، كامب ديفيد في مصر، الأحزاب المنحرفة...

    * أسس (الحوزة العلمية) في (السيدة زينب) بسوريا عام 1393، إقتدائا بأسلافه العلماء العظماء الذين أسسوا (الحوزات العلمية) في (البلاد المقدسة): الشيخ الطوسي و (حوزة النجف الأشرف)، المجدد الشيرازي و (حوزة سامراء المقدسة)، الشيخ عبد الكريم الحائري و (حوزة قم المشرفة)... و تولى – بنفسه – تدريس (الخارج = أرقى الدروس الإسلامية) في الحوزة الفتية.

    * لم يخف في الله لومة لائم، و أدى ضريبة ذلك بصورة غريبة: الحرمان، و الحصار، و المقاطعة، و المحاربة... و لكن كان الله في عونه حيا و ميتا، فهو الآن (غائب) بجسمه (حاضر) بفكره و كتبه و مشاريعه و تلامذته... كأشد ما يكون الحاضرون.

    * لم يجر في ميدان واحد من ميادين الخير بل كان رجل الميادين بقدر ما يستطيع، و كان يحب هداية الناس إلى درجة العشق، و كان متواضعا بحيث ربما يتجرأ عليه حتى الحقير، و كان زاهدا لم يخلف – حين رحل – عقارا و لا مالا و لا نقودا... بل ديونا أثقلت كاهل من تولوا أموره بعده.

    * و أخيرا.. توج – من قبل الله تبارك و تعالى – بـ (الشهادة)، إذ خر صريعا برصاصات (البعث الكافر) في بيروت – لبنان، يوم السادس عشر من جمادى الثانية عام ألف و أربعمائة لهجرة جده الأكرم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم = 16 / 6 / 1400. فسلام عليه: يوم ولد، و يوم جاهد، و يوم استشهد، و يوم يبعث حيا... الفاتحة

    تعليق


    • #3
      مقدمة سماحة آية الله المجاهد السيد مجتبى الشيرازي على كتاب (إنجازات الرسول) للشهيد الشيرازي، تحت عنوان (المنسق):



      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله رب العالمين.

      و الصلاة على أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا: محمد و آله الطيبين.

      و اللعنة على أعدائهم = أعداء الله أجمعين.

      و السلم لمحبيهم و الحرب على مبغضيهم، من البعثة المباركة إلى قيام يوم الدين.

      آمين. آمين. آمين.





      آية الله الشهيد
      السيد حسن الشيرازي
      قدس سره

      * حرم أمير المؤمنين عليه السلام ( العراق - النجف الأشرف ) حيث مولد الشهيد 1354. و حرم سيد الشهداء عليه و عليهم السلام ( العراق - كربلاء المقدسة ) حيث منشأ الشهيد. و حرم السيدة عليها السلام ( سوريا - دمشق ) حيث مشروع الشهيد ( الحوزة ). و حرم كريمة الإمام الكاظم عليهما السلام ( إيران - قم المشرفة ) حيث مدفن الشهيد 1400. مقيما في سوريا و لبنان ـ بعد الهجرة الدينية من العراق ـ حيث مكتباه للنشاط الإسلامي المتعدد الجوانب، مرتادا الديار المقدسة لقيادة ( بعثة الإمام الشيرازي الدينية )، مرورا بـ: مصر، و الكويت، و البحرين، و إيران، و فرنسا، و سيراليون، و ساحل العاج، و المنطقة الشرقية... للتبليغ الإسلامي. و أخيرا ـ عبر مخاض الولادة الثانية ـ شهيدا في بيروت برصاصات ( البعث العفلقي الصليبي ).

      * المجدد الشيرازي رائد ( نهضة التنباك ) ابن عمه، و الشيخ محمد تقي الشيرازي قائد ( ثورة العشرين ) ابن خاله، و السيد مهدي الشيرازي ( المرجع الديني المثالي ) والده، و السيد محمد الشيرازي ( معجزة العصر ) أخوه... و موجزا: العظماء أقربائه و أساتذته و زملائه و تلامذته و محادثيه...

      * أصدقائه: التقوى و الزهد و الخلق الرفيع، العلم و ( الاجتهاد )، هداية الأمة، التدريس و المحاضرات، المقال و القصيدة و الكتاب و الديوان، ( الجهاد ) و مقارعة الظالمين و مقاساة ( السجن ) و معاناة ( التعذيب ) و ( الهجرة )، تأسيس الصحف و دار النشر و توزيع الكتب المجانية، تأسيس ( الحوزة )، تأسيس ( جماعة العلماء )، نفض غبار البهتان عن ( العلويين )، إرسال رجال الدين إلى البلاد في المواسم الدينية، زرع المبلغين في القارة الإفريقية، السفرات التبليغية و التفقدية...

      * أعدائه: الشيوعية اليهودية، الغربية الذيلية ( حلف بغداد أيام نوري السعيد، حصانة الخبراء الأمريكان في عصر الشاه، كامب ديفيد أنور السادات... )، الصهيونية العلمانية، القومية الطائفية، البعثية العفلقية الصليبية، الأحزاب المنحرفة...

      * كان يتمحور حول ( القران الكريم ) و ( أهل البيت عليهم السلام ) فكرا و تدريسا و محاضرة و مقالا و قصيدة و كتابا و ديوانا... و لا يقتصر الشهود على (خواطري عن القران) و ( سلسلة الكلمة: كلمة الرسول الأعظم، كلمة الإمام الحسن... ).

      * كان يركز على ( الأدب ) بصورة عامة و ( الأدب العصري ) بالذات، انطلاقا من الفكرة التي تعتقد بان الإناء الأنيق يشهي الغذاء الرديء فكيف بالعادي فكيف بالممتاز فكيف بالغذاء الفكري الذي لا أفضل منه و لا أنبل ( الإسلام ). لذلك: حرص على أن يكون نثره و شهره في القمم المعاصرة، و لا أدل على ذلك من: ( الأدب الموجه ) و ( العمل الأدبي ) و الدواوين المطبوعة... كما و ربى مجموعة على ذلك جرت مصاديق للآية الكريمة: (( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها، فاحتمل السيل زبدا رابيا. و مما يوقدون عليه في النار ـ ابتغاء حلية أو متاع ـ زبد مثله. كذلك يضرب الله الحق و الباطل: فأما الزبد فيذهب جفاء. و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. كذلك يضرب الله الأمثال.* )). سورة الرعد = 13 / 17

      * أول رجل دين كبير: ينشر كتابا حول ( الاقتصاد ) في همجية المد الأحمر، و يعتقل و يعذب و يسجن في وحشية البعث العفلقي الصليبي، و يهاجر إلى سوريا و لبنان، و
      يضع بحثا بعنوان ( الشعائر الحسينية )...

      * التصق بـ ( الشعائر الحسينية ) أيما التصاق: ممارسا و شارحا و مدافعا و متحملا ألوان البهتان و المقاطعة و الحصار و السجن و التعذيب من الحزب المنحرف و الحكم الظالم، في حقبة الانهزامية الغربية و الانهزامية الخارجية و الانهزامية الناصبية و الانهزامية الوهابية و الانهزامية البكرية، و في عصر العمالة الغربية و الخارجية و الناصبية و الوهابية و البكرية.

      * سعى في ميادين عديدة سعيا حثيثا، و لكنه ـ مع ألف أسف يستتبع مليون أسف ـ لم يقطف الثمار المرجوة، لمؤامرات الأعداء الأذكياء و معاكسات الأصدقاء الأغبياء: تعمير ( مراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام ) بالمدينة المنورة، الانقلاب على البعث العفلقي الصليبي في العراق، إنهاء الحرب الداخلية اللبنانية، تعمير ( مرقد مالك الأشتر النخعي ) بالقاهرة...

      * كان يتحكم ـ بشكل غريب ـ في: نومه، و أكله، و شربه، و غضبه، و فرحه، و حبه، و بغضه... و لم يتزوج توفرا على خدمة الإسلام و مساندة المسلمين.

      * لم يكن يحسب للتيار أي حساب، فقد كان يجري وفق الإسلام سواء واكبه التيار أم ناقضه. و هذا.. يكشف سر انتصاره لـ ( السيد الخميني ) في عصر لم ينصره أحد ـ خارج جماعته ـ غيره و غير أخيه الإمام الشيرازي دام ظله.

      * لم يكن معصوما لا يخدع، فربما انطلت عليه الخدائع المتقنة كسائر العظماء. و لكنه كان ينكمش عن المشروع الخداعي فور الإحتكاكة الأولى بالوميض الكاشف، مما يفرزه عن الذين يحسبون لـ ( ماء الوجه ) ألف حساب على حساب الإسلام. و هذا.. يكشف لغز انكماشه عن الاستمرار في دعم ( السيد الخميني ).

      * كانت إنجازاته اكبر من عمره و كان أعدائه أكثر من أنصاره و كانت همته أوسع من مكانه و زمانه، و لو طال عمره و قل أعدائه و كثر أنصاره و تجاوب مكانه و عقل زمانه لكانت الأرض تشهد ـ مرة أخرى ـ سقوط المعجزات و لكن فيما بقي مما أنجز قدوة للسائر و عبرة للعامل: (( ... و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون! * )). سورة الشعراء = 26 / 227

      * ترى هل يستمر الزمان و المكان في معاكسة العظماء أم أن ( الشهيد ) كان استثناء عابرا؟ التاريخ يعيد نفسه: من لدن أبي البشر ( ادم ) عليه السلام، و إلى ( الظهور الميمون )، و إلى ( يوم القيامة ). كن عظيما ـ إن تمكنت ـ فستعاديك الدنيا، و كن حقيرا ـ إن شئت ـ فستواليك الدنيا: (( يا حسرة على العباد! ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون.* )). سورة ياسين = 36 / 30. (( فخرج ـ قارون ـ على قومه في زينته، قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون! إنه لذو حظ عظيم! *. )). سورة القصص = 28 / 79

      تعليق


      • #4
        التعذيب البعثي في قصر النهاية

        التعذيب البعثي

        في

        قصر النهاية






        تقرير ينشر

        بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لشهادة
        آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره
        16 / 6 / 1400





        من حياته


        * ولد في ( النجف الأشرف ) عام 1354.

        * نشأ في ( كربلاء المقدسة ).

        * ينتمي إلى ( بيت ) كان و يكون و سوف يكون ـ إنشاء الله تعالى ـ: معدن العظماء، و مالئ الدنيا، و شاغل الناس. و لا ينحصر نتاجه في: قائد ثورة التنباك، و قائد ثورة العشرين، و السيد ميرزا مهدي ( والده )، و السيد ميرزا عبد الهادي ( ابن عمه )، و آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي ( أخيه الأكبر ) دام ظله.

        * عرفته السجون و أقبية التعذيب... و التدريس و المحاضرات و الاحتفالات... و الكتاب و الديوان و الاجتهاد... و الحج و العمرة و الزيارة و العبادة... و المشاريع الإسلامية و السفرات التبليغية و الشعائر الحسينية... و قبل كل شيء: القران الكريم و العترة الطاهرة...

        * كان يساند القضايا الإسلامية من أي لون، و كان يقاوم الحكومات الجائرة من أي نوع، و كان الأول في أكثر من ميدان، و كان عالما متقيا هاديا متواضعا زاهدا جريئا... و كان متحكما في نفسه بصورة غريبة لم يعرفها إلا من عاش معه.

        * هاجر في سبيل الله تعالى إلى سوريا و لبنان عام 1390، و أسـس ( الحوزة العلمية الزينبية ) عام 1393، و استشهد على يد ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) في بيروت عام 1400، و دفن في مدينة ( قم المشرفة ) بجوار مرقد السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام.





        ملاحظات

        * يرجى من الذين عرفوا ـ بنحو من الأنحاء ـ شيئا عن تلك الفترة الوحشية من ( قصر النهاية )، أن يضعوه أمام الرأي العام العربي و الإسلامي و العالمي. أما الرأي العام العراقي فلا يحتاج إلى شرح الحقائق المؤلمة بل إلى مساندة قضيته العادلة.

        * يرجى من ( المنظمات ) العربية و الإسلامية و العالمية ـ تحت أي اسم كانت ـ توجيه اهتماماتها المخلصة إلى العراق: إنسانا، و حيوانا، و نباتا...

        * يطلب من ( الأمم المتحدة ) ـ إن بقي في وجدانها عرق ينبض بالإنسانية و ليس بالأمريكية ـ أن تنتشل العراق من أعمق أعماق جحيم ( حزب البعث العربي الاشتراكي ).

        * يطلب من الدول العظمى ـ و في طليعتها الولايات الأمريكية المتحدة ـ أن تتخلى عن سياسة: ( تدمير البلاد ) و ( ترويض الشعوب )، لأنها سوف: تسجل زعمائها في قائمة نيرون و الحجاج... و تسجل جنودها في قائمة التتار و الشيوعيين... فلم يعد العالم ينخدع بعد طول تجاربه، بل عرف: أن حزب البعث العربي الاشتراكي ( مجند ) الكبار، و أن مأساة العراق ( مخطط ) الاستعمار.

        * يطلب من الحكومة اللبنانية ـ إن لم تكن متواطئة مع النظام البعثي في العراق ـ الاهتمام بحادث ( استشهاد ) آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره: لأنه وقع على أرضها، و بالنسبة لإنسان منحته ( الجواز اللبناني ) و تحت عنوان ( الإمام الشيرازي ) بالذات.

        و لم يقع الحادث في ( بستان مجهول ) تابع لـ ( قرية مجهولة ) رابضة على أقصى الأراضي اللبنانية، بل وقع في قلب العاصمة ( بيروت ) و في إحدى أرقى أحيائها بالذات.





        بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمد و الشكر لله رب العالمين

        و الصلاة و السلام على محمد و اله الطاهرين

        و اللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين

        و الدعاء للناس المظلومين أجمعين

        و خاصة: العراقيين المسحوقين.


        مقدمة

        في اليوم السابع عشر من تموز عام 1968 استولى ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) على جهاز الحكم في العراق مرة ثانيـــة. و بإقصاء الثائرين الأصليين ( الداوود، و النايف ) عن الحكم ـ في اليوم الثلاثين من شهر تموز نفسه ـ انفرد الحزب بالسلطة المطلقة دون منازع.

        و منذ ذلك اليوم و إلى الوقت الحاضر أخذ الحزب: يضع السيف في الرقاب، و يقطع للشعب وعودا من السراب، و ينكل بكل من يعارضه من الوجهة الفكرية أو السياسية، و يفعل ما يشاء من العذاب بكل من يشاء من الناس.

        و لأجل ذلك: فقد ازداد عدد المعتقلات و السجون، و انتشرت أقبية التعذيب و ساحات الشنق و ميادين الرمي بالرصاص و صالونات القتل بالكرسي الكهربائي... و خيمت على الشعب سحب الإرهاب و الترويع.

        * * *

        و شهد ( قصر النهاية ) ما لم تشهده دوائر التعذيب الأخر إلى درجة كبيرة أصبح معها ذكر اسمه: يبعث الذعر في النفوس، و يجلب الخوف إلى السامعين، و يخلق جوا مزدحما برؤى الدم و الدمع و الصياح و الأنين.

        و ظل ( قصر النهاية ) مخبئا لأسرار لم يطلع عليها إلا أفراد قلائل من المسئولين الحزبيين الكبار، بالرغم من أنه كان مجمعا لقوافل كبيرة من مختلف قطاعات الشعب ساقها ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) إلى هذا المصير الكريه بدون علم أحد من الناس.

        * * *

        و كان آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي ـ قدس سـره ـ من الذين دخلوا (قصر النهاية) في شهر ربيع الأول / 1389 الهجري، و كان ثاني معتقل يتعرض لألوان التعذيب الجسدي و النفسي في تلك الحقبة المريرة من تاريخ العراق الحديث.

        و كان من الذين قدموا لـ ( محاكمة صورية ) مقدمة لدخول السجن في مدينة ( بعقوبة ).

        و هناك: تقاطرت عليه برقيات و رسائل التأييد من خارج العراق، و توافدت عليه جموع الأنصار من داخل العراق.

        و هناك: اقترح عليه أحد تلامذته ـ كاتب هذه الســـطور ـ أن يزوره باستمرار، فيستملي منه ـ عند خفة الوفود ـ خلاصة ما جرى عليه و على الآخرين من ( التعذيب البعثي )، كي يبقى للتاريخ وثيقة دامغة إن هو تعرض لـ ( مـــؤامرة قتل دنيئة ) داخل السجن بـ ( حجة مفضوحة ) أو أخرى ، فكان هذا التقرير.

        و شاء الله ـ تبارك و تعالى ـ أن يخرج اية الله من السجن، و أن يهاجر من العراق، و أن يستشهد في بيروت بدل بعقوبة.

        و شاء الله ـ تبارك و تعالى ـ أن يرى التقرير النور بمناسبة ذكرى استشهاده التاسعة عشرة.

        * * *

        و ( التعذيب ) له تاريخ مواز لتاريخ الإنسان، و ( تطور التعذيب ) يواكب تطور الإنسان. و الدول الإسلامية ليست بمستثناة من هذه القاعدة، خاصة: ( عراق عفلق )، و ( إيران الخميني ):

        (( أشار اقتصاديون في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن إيراداتها هذه السنة من بيع أدوات التعذيب البشري بلغ ربع مليون دولار أمريكي ( مع حفظ نسبة الكذب من جهة تقليل المبلغ لعدم إراقة ماء الوجه رأسا ).

        و هي عبارة عن كابلات للأصابع و قراضات للإبهام و انحلال للمعاصم و قيود حديدية و أصفاد للتعذيب البشري و مسدسات صادمة و هراوات صاعقة و مناخز كهربائية و بنادق تشل الحركة و سماعات تنصت تلتقط كلام الأشخاص من مسافة ألف متر أو عبر النوافذ المغلقة و أنظمة معلومات خاصة للتعرف على السيارات المارة حتى في الظلام و متابعتها عبر شوارع المدينة و أجهزة بث موجات صوتية مرعبة تشل الضحية و أخرى تستخدم موادا كيماوية تصيب الأشخاص بحالات إغماء مؤقتة.

        و في المعلومات أن الدولة العبرية ( الطفلة المدللة ) على رأس قائمة الدول المستوردة لهذه المعدات و التي تضم دولا أوروبية و آسيوية ( كإيران مثلا ) بما فيها 18 دولة عربية ( كالعراق مثلا آخر ).

        و يقوم خبراء الأمن الأمريكيون بتنظيم دورات تدريبية لقوات الأمن في الدول المستوردة )). الشراع / العدد 830





        قصر النهاية

        بناية ضخمة، تتوسط أشجارا كثيفة، تقع في مدخل ( بغداد ) على يسار المسافر القادم إلى العاصمة من ( الحـــلة )، و تكون مقابلة لمدينة ( اليرموك ). هذه البناية هي ( قصر الرحاب ) حيث كان يقيم الملك فيصل الثاني و الأسرة المالكة في فصل الصيف من كل عام، و هي تتألف من قسمين: قسم للأسرة المالكة، و قسم للخدم.

        و في صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958 ثار عبد الكريم قاسم على العهد الملكي، فقتل الملك فيصل الثاني و وصي العرش الأمير عبد الإله و أفراد الأسرة المالكة في ( قصر الرحاب )، و من أجل ذلك سمي بـ ( قصر النهاية ) ليدل على أن نهاية الملكية في العراق جاءت في هذا المكان.

        و بعد مدة طويلة استحدث قسم ثالث، و صارت الأقسام الثلاثة من ( قصر النهاية ) مركزا للتحقيق = مكانا للتعذيب. و في فترة حكم البعثيين الثانية ـ التي ابتدأت من يوم السـابع عشر من تموز عام 1968 ـ أصبح ( قصر النهاية ) مقـــرا للجان التحقيقية = التعذيبية التابعة للاستخبارات العسكرية و الأمن العام.

        و تتألف غرف ( قصر النهاية ) من طائفتين:

        الأولى: غرف كبيرة نسبيا، سعة كل واحدة منها بضعة أمتار طولا في بضعة أمتار عرضا. فتارة: يملأونها بالناس إلى حد لا يتمكنون معه من التمدد على وجه الراحة، و أخرى: يحشرون في كل غرفة جماعة كثيرة بحيث لا يمكن لأي واحد منهم التمدد و إنما عليه الجلوس فقط، و ثالثة: تزدحم الغرفة الواحدة بالعشرات من البشر الذين ليس لهم مجال التمدد و لا الجلوس و إنما عليهم الوقوف كأسنان المشط.

        الثانية: غرف صغيرة جدا = زنزانات تتراوح مساحة الواحدة منها بين 60 إلى 70 سنتيمترا عرضا في 180 إلى 200 سنتيمتر طولا. و هذه الزنزانات ظلماء، لا يميز فيها الليل عن النهار، و مصدر تهويتها الوحيد كوة ضيقة فوق الباب، و لها أبواب من الحديد يجب أن تكون مقفلة - دائما - و يجب أن يقيم خلف كل باب حارس. و لا يسمح لنزلاء هذه الزنزانات بالخروج لـ ( قضاء الحاجة ) في كل أربعة و عشرين ساعة إلا مرة واحدة ربما تتحول إلى مرتين أحيانا. و يسكن كل واحدة من هذه الزنزانات معتقل واحد إلى اثنين إلى ثلاثة إلى أربعة إلى خمسة، بحيث يصبحـــون ـ آنذاك ـ كتلة بشرية واحدة متماسكة.

        و لا يوجد في ( قصر النهاية ) معنى للطعام الطبيعي و المروحة و الماء البارد في الصيف و المدفئة في الشتاء و المرافق الصحية المعتادة... و الحزبيـــون ـ عادة ـ يتسلمون النقود و الملابس و المأكولات و الأشياء الأخرى من أقرباء المعتقل على أساس أن يسلموها إليه، و لكن لا تتسرب قطعة واحدة من الهدايــا إلى ( قصر النهاية ) أبدا، و إنما تنزلق في جيوب و حلوق و بيوت الحزبيين.

        و قد أصبح ( قصر النهاية ) ـ منذ السابع عشر من تموز عام 1968 - محطة كبيرة يدخل فيها الأحياء ليخرجوا منها نصف ميتين نحو (المحاكم العسكرية الصورية) ثم نحو ( السجون ) المنتشرة في أنحاء العراق.

        و على سبيل المثال تقدم بعض الأسماء التي القي بها في ( قصر النهاية ) آنذاك:

        العسكريون: رشيد مصلح ( حاكم عسكري عام )، عبد العزيز العقيلي ( وزير دفاع )، إبراهيم فيصل الأنصاري ( رئيس أركان )، لطفي طاهر ( زعيم ركن )...

        الحكوميون: الدكتور عبد الرحمان البزاز ( رئيس وزراء )، طاهر يحيــى ( رئيس وزراء )، هاني عبد الكريم العاني ( وزير صحة )، فؤاد الركابي ( وزير دولة )، مدحت الحاج سري ( أمين العاصمة )، الدكتور هاشم مصطفى الدباغ ( رئيس المؤسسة العامــة للمصارف )، عبد الله محمد الخياط ( موظف في وزارة الخارجية )...

        رجال الدين: السيد حسن الشيـرازي ( عالم دين من كربلاء المقدسة )، الشيخ عبد العزيز البدري ( إمام جامع إسكان غربي بغداد )، السيد جعفر شبر ( وكيل الإمام الحكيم في مدينة المشخاب )...

        المدنيون: الدكتور كاظم شــــبر ( طبيب )، سلمان الصفواني ( صاحب جريدة اليقظة )، زكي عبد الوهاب ( من رجال الصف الأول في الحزب الوطني الديمقراطي )، خالد علي الصالح ( من رجال حزب الوحدة الاشتراكي )، يوسف جواد المعمار ( حامل شهادة دكتوراه في الاقتصاد )، فائق عبد الرحمـــان العبيدي ( شقيق لطفي العبيدي )، نعمان محمد أمين العاني ( صاحب جريدة العرب )، عزيز بركات ( صاحب جريــدة المنار )...

        يذكر: ان كلا من رشيد مصلح و مدحت الحاج سري و زكي عبد الوهاب و عبد الله محمد الخياط قد اعدموا في يوم 21 / 1 / 1970، العسكري منهم رميا بالرصاص و المدني شنقا حتى الموت.





        التعذيب

        ينقسم التعذيب في ( قصر النهاية ) إلى ثلاثة أقسام:

        الأول: التعذيب الجسدي.

        الثاني: التعذيب النفسي.

        الثالث: التهديد الفارغ ذو المظهر الجدي المخيف.





        التعذيب الجسدي

        رافقت أقبية ( قصر النهاية ) ألوانا قاسية و متباينة من التعذيب الجسدي الوحشي ربما لم تشهد الأرض لها أمثالا منذ أن وجد الإنسان على سطحها، و كأن التاريخ أراد أن يحتفظ بهذه الصفحات السود للبعثيين.. و للبعثيين.. فقط.

        و لقد عرف الإنسان ـ فيما مضى ـ بحار الدم و انهار الدمع و إزهاق الأرواح بالآلاف و الزنزانات المرطوبة الكريهة... و أنواعا بشعة من عذاب الجسم، و لكنه ربما لم يعرف ـ قبل السابع عشر من تموز عام 1968 ـ ما عرفه بعد ذلك اليوم المشئوم في تاريخ العراق الحزين.

        و إذا كان لا يتيسر ـ في هذه العجالة ـ ذكر كل تلك الألــوان القاسية من التعذيب الجسدي، فإليكم القليل منها بإيجاز مختصر:

        أ: - يجعل البعثيون السجين مكبــوبا على وجهه، و تشد يداه إلى رجليه من فوق ظهره شدا قويا مؤلما على صورة يشكل بدنه فيها دائرة تقريبية، و تنثال عليه جماعة من البعثيين يضربونه ضربا مبرحا حتى يدمى جسمه و يغمى عليه، و كثيرا ما تصاب عظامه ببعض الفطور و الكسور. و تستعمل في مثل هذه الحالة، العصي الطوال الغلاظ القوية التي تعرف بـ ( الصوندات ).

        ب: - يمدد البعثيون السجين على قفاه، و يفتحون أجفان عينيه بوحشية، و يملأونها بمسحوق ( D. D. T. ) التي تستعمل عادة في إبادة الفيران و الحشرات، ثم يشدونهما بعصابة خشنة، و يتركونه جانبا ليتلوى من الألم مدة طويلة من الزمن.

        ج: - يربط البعثيون رجلي السجين بحبل ينتهي إلى مسمار مثبت في الجدار عبر ( بكرة ) معلقة بالسقف ثم يجرون الحبل حتى يكون صدر أو كتف و بعض ظهر السجين على الأرض و بقية بدنه معلقة في الفضاء، و تهجم عليه طائفة من البعثيين بـ ( الصوندات )، و لا يكفون عنه حتى يشبعون حقدهم الأسود من الإنسان.

        د: - يأتي رجلان قويان من البعثيين، فيمسك أحدهما بيدي السجين و يمسك الآخر برجليه، ثم يرفعانه عاليا في الفضاء، و يبدان في تحريكه من اليمين إلى الشمال و من الشمال إلى اليمين بتوال سريع، حتى إذا بلغت الحركة نصف الدائرية أوجها تركاه ـ فجأة ـ ليتدحرج في الهواء. فيصطدم بالجدران ثم يندق بالأرض دقا عنيفا.

        و ينتج عن ذلك: نزيف الأنف، و كسر بعض العظام، و شج الرأس و الوجه... و لقد كان هذا النوع من التعذيب الجســـدي ـ عادة ـ من نصيب ( الأكراد ).

        هـ: - يدخل البعثيون السجين إحدى الزنزانات، و يربطون كلتا يديه بالحبل إلى السقف، ليبقى هكذا واقفا على رجليه و يداه مشدودتان إلى أعلى و عيناه معصبتان بعصابة. و تسمى هذه العملية ـ عند البعثييـن ـ بـ ( عملية التعليق ). و تكون مدة هذه العملية: تارة 24 ساعة، و أخرى 48 ساعة، و ثالثة 72 ساعة، و رابعة 96 ساعة، و خامسة 120 ساعة، و سادسة 144 ساعة، و سابعة 168 ساعة التي تعني أسبوعا كاملا.

        و السجين ـ في عملية التعليق هذه ـ لا يقدم إليه الطعام و لو لقمة واحدة و لا الماء و لو قطرة واحدة، و عليه أن ( يقضي حاجته ) و هو في تلك الحالة. و بين آونة و أخرى تنفتح باب الزنزانة ليدخل إليه البعثيون و بأيديهم ( الصوندات )، و يبتدأون في ضربه ضربا مبرحا حتى درجة الإغماء. و في أثناء ( عملية التعليق ) تمر بالسجين لحظات تضعف فيها مقاومته للنوم فيتدلى و يقع كل ثقل بدنه على معصميه، مما يسبب إصابتهما بأضرار بالغة الخطورة.

        و ربما يربط البعثيون إحدى رجلي السجين ـ كذلك ـ إلى السقف، فيكون عليه أن يقف على رجل واحدة كل هذه المدة الطويلة.

        و كثيرا ما يمارس البعثيون ( عملية التعليق ) بأحد السجناء: وسط إحدى الصالات الكبيرة العامة، أو في أحد الممرات المزدحمة. و ذلك: إرهابا للآخرين، و إهانة نفسية بليغة إلى السجين شخصيا.

        و: ـ يأتي البعثيون بالسجين فيشدون يديه شدا وثيقا من خلف ظهره، ثم يعلقونه من يديه بحبل إلى السقف، فيتدلى بين السماء و الأرض بحيث يشكل جسمه قوسا كاملا. يفعلون به ذلك في وسط صالة كبيرة عامة مزدحمة بالسجناء الآخرين.

        و يستمر هذا النوع من التعليق أربعا و عشرين ساعة ـ كأخـف تعذيب من هذا النوع ـ : من دون طعـــام و لا شراب، و لا إجازة لـ ( قضاء الحاجة ) في المرافق العامة، و مع العينين المغمضتين بعصــابة مشدودة، و مع فترات قاسية من الضرب الدامي المؤلم بـ ( الصوندات ).

        و عندما يحرر السجين من التعليق هذا: تكون رقبته و يداه و كتفاه محطمة تحطيما كاملا، و يكون عظم إحدى كتفيه أعلى من عظم الأخرى بمقدار محسوس لا يتمكن الأطباء من تسويتهما أبدا.

        ز: - يشد البعثيون رقبة السجين بحبل غليظ يكون طرفه الآخر بيد أحدهم، ثم يؤمر بأن ينحني و يمشي على يديه و رجليه و يعوي كالكلب، ثم يؤمر بأن يأتي إلى أولئك المعلقين في الزنزانات و الصالات و الممـرات ـ واحدا واحدا ـ فيعض أرجلهم حتى تسيل الدماء على أقدامهم.

        و يمشي من وراء السجـــين جماعة من البعثييـــن يحملون ( الصوندات )، فإذا ما توقف عن المشي أو انقطع عن العواء أو حاول الوقوف على الرجلين ـ و لو دقيقة واحدة ـ فان ( الصوندات ) تمزق بدنه بوحشية البعثيين المعروفة.

        و الويل ـ كل الويل ـ للسجين المسوق إذا لم يعض السجين المعلق عضة وحشية، و الويل ـ كل الويل ـ للسجين المعلق إذا صبر على العضة و لم يزعج السجناء بصيـــاحه المدوي. ذلك: ان كل واحد منهما سيرى ـ في هذه الصورة ـ من ( الصوندات ) جزاء بعثيا أليما.

        ح: - يأتي البعثيون إلى سجين له لحية، كالشيخ عبد العزيز البدري مثلا، فيقولون له ـ في لهجة استهزاء ـ : (( هل تحب حلاقة من دون شفرة و لا ماء و لا صابون؟! ))، ثم يبدءون في إشعال أعواد الثقاب و حرق لحيته شيئا فشيئا بالنار.

        ط: - ( الصيام الإجباري المستقل ) ـ بغض النظر عن الصيام الإجباري المرافق للعديد من عمليات التعذيب الأخر ـ.

        و كان من جراء ( الصيام الإجباري المستقل ) في فصل الصيف و انصباب العرق عن كل أجزاء البدن بغزارة نقص أملاح الجسم بكميات هائلة، مما يصيب السجين بمرض لا يتمكن معه من ازدراد الطعام أبدا فيأخذ طريقه إلى الموت سريعا.

        و كان هذا النوع من التعذيب هو الذي أودى بحياة كثير من السجناء البائسين، منهم: الشيخ عبد العزيز البدري، و عامل تلفون في محافظة كربلاء المقدسة...

        ي: - يحلق البعثيون رأس السجين بالموسى حلاقة ناعمة تجعله يلمع لمعان المراة، ثم يجعلون فوقه عددا من حشرة ( الخنفساء ) لتجرح قشرته بأرجلها الخشنة و تعض جلده بفمها الحاد. و لكي لا تنزلق حشرات ( الخنفســــاء ) فتقع على الأرض، يجعل البعثيون على رأس السجين ( برنسا ) يمنعها من الانزلاق.





        التعذيب النفسي

        لأن نزلاء ( قصر النهاية ) كانوا بشرا يتألف من جسد و نفس، فقد رأى البعثيون أن يمارسوا في حقهم ألوانا من التعذيب النفسـي المر إلى جانب ما قاموا به ـ في حقهم ـ من تعذيب جسدي قاس.

        و التعذيب النفسي الخفيف يساوي ـ عند الشرفاء ـ أقسى أنواع التعذيب الجسدي الشديد، فكيف إذا كانت أقسام التعذيب النفسي التي يعرضون عليها ممعنة في الإهانة و الإزراء و المضض الكبير.

        و إذا كانت تفاصيل التعذيب الجسدي في ( قصر النهاية ) تشكل مجلــــدا ضخما، فأحرى بألوان التعذيب النفسي في ( قصر النهاية ) أن تملأ موسوعة كاملة. ذلك: لأن المشرفين على التعذيب في ( قصر النهاية ) لمسوا بأن سجنائهم يتألمون من التعذيب النفسي مهما كان خفيفا أكثر مما يتألمون من التعذيب الجسدي مهما كان شديدا، فأكثروا من التعذيب النفسي ما شاءت لهم طبائعهم المجبولة على الشر و تربيـــاتهم الممعنة في النذالة.

        و إليكم صورا باكية من عذاب النفس في ( قصر النهاية ):

        أ: - يأمر البعثيون السجين بتنظيف ( المراحيض ) و نقل المدفوع من مكان إلى مكان بكلتا يديه و أمام السجناء الآخرين. و ان تردد في ذلك ـ و في الأقسام الأخرى آلاتية ـ دقيقة واحدة فـ ( الصونـــدات ) له بالمرصاد.

        ب: ـ يأمر البعثيون السجين بأن يلبس كافة ثيابه الضرورية و الكمالية، ثم يؤتى به إلى الصالات الكبيرة العامة و يؤمر ـ أمام حشود السجناء ـ بأن يـــنزع ( الروب ) و يجعله في الماء و يمسح به جدران و أرض الصالات و الممرات جمــــــعاء، ثم ( السترة ) و بعد ذلك ( البنطلون ) ثم ( القميص ) و هكذا.. دواليك.

        ج: - يأمر البعثيون السجين بكنس ( قصر النهاية ) و جمع القمامات من الصالات و الممرات، ثم حملها على ظهره و الإلقاء بها في مكان معين. كل ذلك: أمام المئات من السجناء الذين يعرفونه حق المعرفة و يقدرونه حق التقدير.

        د: - يأمر البعثيون السجين بأن يغنـي ـ على حشود السجناء ـ أغنية معينة على طريقة أحد المغنين أو إحدى المغنيات.

        هـ: - يأمر البعثيون السجين بأن يرقــــص ـ أمام السجناء الآخرين ـ رقصة معينة.

        و: - يأتي البعثيون ببضعة من السجناء و يأمرونهم بأن يشكلوا (قطارا بشريا) يسير كما تسير القطارات المعروفة. و على الرجل الأول أن يطلق ( الصافرات ) من فمه على سبيل الاستمرار، أما الرجال الآخرون فان واجبهم يتلخص في أن يحكوا بألسنتهم ـ على سبيل الاستمرار كذلك - صوت ( عجلات ) القاطرة.

        و يجبر هذا ( القطار البشري السجين ) على أن يسير في كل الممرات و في كل الصالات، إمعانا في التعذيب النفسي له و إرهابا للسجناء الآخرين. و يسير وراء هذا القطار قطار آخر من البعثيين ليقوّموا أي تخلف بـ ( الصوندات ) المشرعة اللماعة.

        ز: - يجمع البعثيون فريقا من السجناء في صالة مزدحمة، ثم يأمرون أحدهم بأن يعوي كـ ( الكلب )، و الآخر بأن يحكي صوت ( ابن آوى )، و الثالث بأن ينهق كـ ( الحمــار )، و الرابع بأن يحكي أصوات ( الفيران )، و الخامس بأن يموء كما تموء ( الهرة )، و هكذا.. دواليك.

        ح: - هناك في ( قصر النهاية ) قطعة أرض فسيحة مــزروعة بـ ( ثيل ) نصف ميت و مغطاة بأنواع مختلفة من القمامات.

        هنا: يؤمر أحد البعثيين بأن يزرع أرجاء هذه الفسحة بالمئات من أعقاب السيجاير المنطفئة.

        و عند ذلك: يؤمر السجين بأن يحمل معه ( سطلا ) يجمع كل تلك الأعقاب فيه، و عليه أن يفتش عنها بدقة بالغة حتى لا يخطأ واحدا منها، و إلا...

        ط: - يحلق البعثيون رأس السـجين ـ صاحب الشـعر الكثيف ـ بدون ترتيب، بل شيئا من هنا و شيئا من هناك، بحيث يجعلون منظره منظرا دميما جدا و باعثا على السخرية و الاستهزاء. ثم يأمرونه بأن لا يمس شعر رأسه ـ مدة طويـلة من الزمن ـ و يظهر هكذا.. أمام جماهير السجناء.

        و إذا عرفنا أن شخصـيات شريفة ـ كالدكتور عبد الرحمان البزاز ـ كانت تمارس في حقهم هذه العمليات بصورة متكررة، نعرف إلى أي مدى بعيد كان إنسانهم يتعذب و يتألم و ينسحق انسحاقا.





        التهديد

        يؤثر التهديد الفارغ ـ و لكن ذو المظــهر الجدي المخيف ـ في نفس الإنسان أكثر من تأثير الحقيقة المؤلمة بالذات، ذلك: لأن الحقيقة المؤلمة تستغرق من الوقت أقل مما يستغرقه التهديد.

        و انطلاقا من هذه القاعدة عمد ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) إلى استعمال التهديد في ( قصر النهاية ) جنبا إلى جنب مع التعذيب الجسدي و التعذيب النفسي.

        و إليكم أمثلة واقعية توقفكم على بعض الأقسام من ذلك:

        أ: - مدحت الحاج سري: قاوم التعذيب الجسدي القاســــي و التعذيب النفسي المرير و لم يستعد لإلقاء ( الأسطورة البعثية ) في ندوة تلفزيونية و إذاعية، و كلما كان التعذيب الجسدي و النفسي يشتدان كان رفضه يزداد مضاء و إصراره يتقوى تصميما.

        و عند ذلك: أمر كبير المشرفين على التعذيب جماعة من البعثيين بأن يذهبوا فورا إلى داره و يأتوا بزوجته إلى ( قصر النهاية ) و يفعلوا بها أمامه، ان هو لم يلب ما يريده منه ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) لتبرير جرائمه عند الشعب العراقي و عند الرأي العام العالمي.

        و هنا: ضعفت مقاومة ( مدحت الحاج سري ) و قال لكبير المشرفين على التعذيب: (( لا ترسل على زوجتي، و أنا مستعد أن أنفذ كل ما تريد ))، فكانت تلك الندوة التلفزيونية و الإذاعية التي سمعها الجميع و كان ذلك القتل البشع بعد أن وعدوه بأنه إن قال ما يريدونه منه فسوف يطلق سراحه فورا و يحكم ببراءته و تحترمه الحكومة احتراما بالغا.

        ب: - زكي عبد الوهاب: قاوم التعذيب الجسدي القاسي و التعذيب النفسي المرير و لم يستعد لإلقاء ( الأسطورة البعثية ) في ندوة تلفزيونية و إذاعية، و كلما كان التعذيب الجسدي و النفسي يشتدان كان رفضه يزداد مضاء و إصراره يتقوى تصميما.

        و عند ذلك: قال له كبير المشرفين على التعذيب ـ بلهجـة جدية و ملابسات جعلتا من التهديد الفارغ حقيقة ملموسة ـ : (( ان في قصر النهاية آلة كهربائية تكون مثل ( الخوذة ) توضع على رأس الإنسان فيذوب مخه و يسيل شيئا فشيئا من أنفه ))، و ثم هدده بوضع تلك الآلة على رأسه إن هو لم يلب ما يريده منه ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) لتبرير جرائمه عند الشعب العراقي و عند الرأي العام العالمي.

        و هنا: ضعفت مقاومة ( زكي عبد الوهاب ) و قال لكبير المشرفين على التعذيب: (( لا تفعل ذلك، و أنا مستعد أن أنفذ كل ما تريد ))، فكانت تلك الندوة التلفزيونية و الإذاعية التي سمعها الجميع و كان ذلك القتل البشع بعد أن وعدوه بأنه إن قال ما يريدونه منه فسوف يطلق سراحه فورا و يحكم ببراءته و تحترمه الحكومة احتراما بالغا.

        ج: - رشيد مصلح: قاوم التعذيب الجسدي القاسي و التعذيب النفسي المرير و لم يستعد لإلقاء ( الأسطورة البعثية ) في ندوة تلفزيونية و إذاعية، و كلما كان التعذيب الجسدي و النفسي يشتدان كان رفضه يزداد مضاء و إصراره يتقوى تصميما.

        و عند ذلك حدث ما يلي:

        تشكلت محكمة صورية في ( قصر النهاية ) حكمت بإعـدامه رميا بالرصاص. و عينت ساعة متأخرة من ليلة معينة لتنفيذ حكم الإعدام به. و في تلك الليلة جيء له بوجبة طعام دسمة و أشعلت في زنزانته الشموع، باعتبار أنها سوف تكون الليلة الأخيرة في حياته. وحانت ساعة التنفيذ، و جيئ به إلى ساحة الإعدام، و اجتمع السجناء المرعوبون لإلقاء النظرة الوداعية على زميلهم المسكين، و تقدم إليه أحد البعثيين ليقول: (( اكتب وصيتك ))، و حالا أخذ ورقة و قلما و شرع في كتابة ( وصية قصيرة ) ممزوجة برائحة الموت. و إقترب إليه أحد البعثيين ليلبسه ( خــوذة الإعدام )، و فعلا ألبسه إياها و عقد سيرها على رقبته. و أعلن عن اقتراب موعد التنفيذ، و قيل له بأنه سوف يعدم إن لم يلب ما يريده منه ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) لتبرير جرائمه عند الشعب العراقي و عند الرأي العام العالمي.

        و هنا: ضعفت مقاومة ( رشيد مصلح ) و لبى ما كانوا يريدونه منه، فكانت تلك الندوة التلفزيونية و الإذاعية التي سمعها الجميع و كان ذلك القتل البشع بعد أن وعدوه بأنه إن قال ما يريدونه منه فسوف يطلق سراحه فورا و يحكم ببراءته و تحترمه الحكومة احتراما بالغا.





        خاتمة

        - ناظم كزار: أكبر مسئول في ( قصر النهاية ) آنذاك.

        - فيصل: ثاني أكبر مسئول. نجفي.

        - سعد: أحد المشرفين على عمليات التعذيب. بغدادي اسمه المستعار ( طارق ).

        - لا يطلق أحد من السجن إلا بعد أخذ التعهد منه بعدم ( إفشاء الأسرار )، و إلا...

        - بناء صداقة متينة مع الذين أطلق سراحهم ( أو أقربائــــهم الملتصقين، أو رفاقهم الحميمين ) يفتح لك سجلات الأسرار.

        - بناء صداقة متينة مع المشرفين على التعذيب و مع المعذبين ( أو أقربائهم الملتصقين، أو رفاقهم الحميمين ) يفتح لك سجلات الأسرار كذلك.

        - في وجبات التعذيب الجسدي يشد البعثيون عين السجين بعصابة سميكة: حتى يروعون السجين أكثر فأكثر، و حتى لا يعرفهم السجين فينتقم منهم يوما من الأيام.

        - كان ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) قد أعد لكل واحد من نزلاء ( قصر النهاية ) ـ آنذاك ـ ( أسطورة ) متلاحمة الأطراف تذكر: كيف انه اتصل بمركز المخابرات الأمريكية ( C. I. A. ) فصار عميلا لها، و كيف انه خدع الشخصيات العراقية الكبار ليكونوا عملاء للولايات الأمريكية المتحدة مثله.

        و كان ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) يطلب من كل واحد من السجناء أن يتلو نص الأسطورة الخاصة به في ندوة تلفزيونية و إذاعية، فكان يرفض ذلك و يأبى أن يعترف بـ ( جرائم نكراء ) لم يقترفها و لم تعبر حتى في خياله بل يسمعها الآن في ( قصر النهاية ) و لأول مرة في حياته.

        و عند ذلك: كان السجين يصبح نهب التعذيب الجسدي بكل أنواعه و التعذيب النفسي بكل ألوانه و التهديد المروع بكل أساليبه، فكان يزداد صمودا و يمتنع من أن يحطم سمعته و يدنس سمــعة الشخصيات العراقية الكبيرة المعروفة بالنزاهة في سبيل ( نزوة بعثية ) رخيصة.

        و في بادئ الأمر: كان ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) يزعم بأن السجين مجرم لا يريد الاعتراف بجريمته، و لكنه ـ في الأثناء ـ كان يقول للسجين: (( إنني أعلم بأنك بريء، و لكن يجب عليك النزول عند رغبة الحزب، و إلا فسوف تبقى خالدا في غمرات العذاب )). فكان السجين يتألم و يصمد، و يئن و يرفض، و يتحطم تحت موجات التعذيب و لا يعترف بجرائم لم يقترفها.

        و تشتمل بعض تلك ( الأساطير البعثية ) على أكثر من أسماء خمسمائة شخصية عراقية و عربية و إسلامية معروفة بالنزاهة و الإخلاص، في صفحات كثيرة تبلغ ـ في بعض الأحيان ـ الخمسين صفحة من القطع الكبير.

        - كان التعذيب الجسدي يبتدأ من الساعة الحادية عشرة ليلا و ينتهي في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، ذلك: حتى يستيقظ السجين و هو في طريقه إلى ( أقبية التعذيب ) و تدك أعصابه وحشـــة الليل و السهر المصحوب بتمزق الجسم تحت وجبات التعذيب.

        - كان الجلادون جميعهم من ( البعثيين )، ذلك: حتى تكون عمليات التعذيب عن دافع حقدي لا يشبع و لا يتقهقر أمام أبشع صور التألم الإنساني.

        - كانت عمليات التعذيب الجسدي و النفسي و التهديد تجري في مشهد من السجناء الآخرين، ذلك: لإهانة المعذب، و لخلق جو قاتم كريه من الإرهاب و الإرعاب، و لتحطيم الأعصاب.

        - كانت عمليات التعذيب الجسدي و النفسي و التهديد متماثلة بالنسبة إلى كافة السجناء، اللهم إلا في بعض الحالات النــــادرة. فالتعذيب الجسدي الذي كان يتلقاه ( الدكتور عبد الرحمان البزاز ) كان يتلقاه ( السيد حسن الشيرازي ) كذلك، و الإهانة النفسية التي كانت توجه نحو ( الشيخ عبد العزيز البدري ) كانت توجه نحو ( عبد العزيز العقيلي ) أيضا، و التهديد الذي كان يدك أعصاب ( مدحت الحاج سري ) كان يدك أعصاب ( رشيد مصلح ) بالذات...

        - كان السجين يضعف بعد وجبات عديدة من التعذيب القاســي، إلى درجة يصبح معها ـ بعد أيام قليلة من بقائه في قصر النهاية ـ إنسانا غير الإنسان الأول تماما.

        - كانت الوجبة الواحدة من التعذيب الجسدي تستغرق حوالي ثلاث ساعات، طبعا: بإستثناء عمليات ( التعليق ) المختلفة التي كانت تستغرق أياما عديدة.

        - كان السجين يتحمل وجبات عديدة من التعذيب القاسي طيلة بقائه في ( قصر النهاية )، و كان عدد الوجبات ـ تبعا لاعتبارات معينـــة ـ يختلف من سجين إلى آخر.

        - كان من الطبيعي أن يمـوت الكثير من السجناء في ( قصر النهاية ) من جراء: التعذيب القاسي، و الظروف المعيشية غير الملائمة، و الملابسات الصحية التعسة.

        - كان البعثيون يمعنون في تعذيب السجين إلى درجة الإغماء، و بعد الإفاقة من الإغماء كان السجين لا يتمكن من النوم بسبب الآلام الكبيرة، فيعطيه الطبيب عددا من حبات الـ ( مورفين ) أملا في أن ينام فلا يزعج البعثيين بصياحه.

        و في كثير من هذه الحالات كان السجين يموت من جـراء التعذيب و الإغماء و ( المورفين )، و لقد مات صاحب جريدة ( المنار ) البغدادية في زنزانته الظلماء الضيقة بسبب ثلاثي من: التعذيب، و الإغماء، و حبات ( المورفين ).





        لمــاذا
        السجن و التعذيب و الهجرة و الشهادة؟

        يا من بنورك قامت العــلياء!
        عد نحونا لتشـــع منك سناء

        ( علوية ) غـراء، لا ( أموية )
        غواء ينشد ( بعثــها ) غوغاء

        فالشعب نحن و أنت أنت إمامنا
        و رعاتنا (العلماء) لا( العملاء )

        * * *

        كم ذا جنى الأذناب و(الأحزاب)؟!
        فلتسقط ( الأحـزاب ) و الأذناب

        لا توجد (الأحزاب ) في أوطاننا
        فمنــــاورات تلك أو ألعاب

        يتنازع ( المستعمـرون ) و إنما
        ( كبش الفداء ) شراذم و شبـاب

        يتقاتلون على (المناصب) و الذي
        سن المبــــادئ انها أبواب

        فلكل حزب ( قادة مدسـوسة )
        يحدو لها (مستعمـــر) نصاب

        * * *

        أمل الشعوب و مجدها(الإسلام)
        و سواه كفر زائف و ظـــلام

        فدع المبادئ كلها في معزل
        إن المبادئ كلها هــــدام

        و اعمل لتطبيق (الكتاب) مجاهدا
        إن (العقــيدة) مصحف و حسام

        و اسحق جباه (الملحدين) مرددا:
        لا (السجن) يرهبني ولا (الإعدام)

        دستورنا ( القران ) نهتف باسمه
        و شعـارنا في العالم ( الإسلام )

        و زعيمنا (الكرار)،لا (ميشيل) لا
        (ماركس) لا (القسيس)لا(الحاخام)

        * * *

        ويل الشعوب! شرارها أسيادها
        و يسود أسيــاد الشعوب شرار

        * * *

        أرض (العراق) مجازر و مآتم
        و ( الرافدان ) مدامــع و دماء

        لا ذل إلا لـ (الشعوب) و إنما
        لـ ( الحاكمين ) الكبر و الغلواء

        * * *

        و(الاشتراكيون) أضحوا (بورجوا
        زييــن ) في جمع الثراء سواء

        داسوا (عفاف المحصنات ) لأنهم
        ( لقـــطاء ) لم يعرف لهم آباء

        و هم ( الشيــوعيون ) إلا أنه
        زادتهم ( الأموية ) النكـــراء

        أوليس قد سماه يعرب ( عفلقا )
        و لديه أحقاد ( الصـليب ) دماء

        وأبوه جاء لـ (سوريا) مستعمرا
        و الأم ( باريسية ) عجــماء؟!

        * * *

        ويل ( العراق )! فليله لا ينقضي
        حتى تقوم ( حكومة الإسـلام )

        تعليق


        • #5

          احسنت اخي الفاضل منتظر القائم على هذه المعلومات القيمة عن الشهيد السعيد ...
          -----------------
          نظرية الأدب عند الشهيد السيد حسن الشيرازي.. مشروع لكل الآداب

          د.أحمد قوماندار مصطفى الحسن

          وحده العالِم الذي لا يغيب بموته، وإنَّما قد تكون ولادته الأبديَّة قد بدأت بعد الرَّحيل، وتلك من أولى بدهيَّات الحياة، لأنَّه خلَّفَ (علماً يُنْتَفَع به). ووحده العالم الذي يدلُّك على أكبر قِيم الحياة على قِصَر العمرْ فيها، ويُعرِّفك بالكيْفيَّة التي يجب أن تَصرف بها الوقت، وكيف توظِّفه من أجل الإنسان والدِّين والحياة.

          والعالم وحده هو الغائب الحاضر، غائب الجسد حاضر العلم، يخطر في الأسماع والبصائر، يُمتع ويُحاور ويطلق الحكمة صامتاً، يعلو صوته في ضجيج السُّكون، يدعو إلى الثَّورة والتَّمرُّد في السُّكونيَّة المطلقة حين تحترق الأشياء بنار مرئيَّة الأثر، مفهومة الاشتعال، مبهمة المواقد على تعدُّدها في أغلب الأحيان.

          والعالم وحده الأديب الثَّائر الذي خبِر مواطن القُوَّة والضَّعف، فأدرك قيمة الوقت في الزَّمن الصَّعب، وأنَّ الأدب هو المنهج الأرقى والأسما في كلِّ مناحي الحياة (للكلِّ الاجتماعي)، وأنَّ الدِّين وحده الكفيل بإحياء النُّفوس البشريَّة ومصدر قوَّتها، بعد أن طغت أطماع المحتلِّين والمستكبرين، الذين لم يؤمنوا إلاَّ بأكداس الفحم وأكوام الحديد وقهر إرادة الإنسان.

          والعالم وحده الأديب الذي يجعل من الحاضر الماثل صورة للمستقبل المُنْتَظَر، ويرى الحاضر على أنَّه المُستَقبل الذي يجري إعداده في اللَّحظة الرَّاهنة، وأنَّ التَّعبير عن دواخل النَّفس إنَّما هو وقع أقدامها في الكون الذي تعيش في إحدى زواياه، وعليه إضاءة أي مكان يصل إليه، باللَّفظ المسموع، أو بالإيقاع الذي تتداعى نغماته وتتنادى من الفضاء الرَّحب إلى العالم السَّمعي والبصري، وأنَّه لا عبثيَّة في الخلق والكون والحياة، لأنَّها بناء مستمر لا يوفقه الزَّمن، ولا تطاله أيدي العابثين والمعطِّلين والمتعطِّلين.

          هنا تكمن الهيبة من دخول عالَم الأدب عند (السيِّد حسن الشيرازي)، وهو يرتفع صوتاً، ويعلو أدباً، ويرتقي فنَّاً، بحيث يتكثَّف حتَّى تكاد لا تستبين المرئيَّ الماثل، ويشفُّ حتى كأنَّك تلمس المعقول وتبصر المجهول، وأنت بين هذه وتلك تدخل عالماً رهيباً مهيباً، ممتلئ الجنبات سحراً وألقاً وحكمة.

          فلسفة الأدب:

          لقد نظر إلى الأدب على أنَّه رسالة في الحياة من أجل الحياة لها غاية تريد لها أن تكون ثابتة الجذور، واضحة النَّظرة إلى المُستقبل الأرقى، فهو يرى: (أنَّ الأدب يحصد القمم ويقطف النُّجوم، ليعبِّد للتَّائهين المُستقبل الصَّاعد، ولا ينحدر إلى المستنقعات الآسنة، التي تلفت الصَّاعدين إلى الوراء، حتى ليحبسه الناس مثاليَّاً، وما هو إلاَّ منتزعاً من صميمهم، ولكنَّه منتزع من قممهم لا من سفوحهم)([1]).

          تلك نظرة إلى الأعلى دائماً، إلى الحريَّة المطلقة، فليس للأديب ولادة عاديَّة، ولا رحيله أمراً عاديَّاً، وإنَّما هو أثر كبير يتْرُك أثراً عظيماً يتناسب مع مكانة الأديب وقدراته وثقافته، تكون بعد وفاته أعظم ما تكون وأوضح ما تكون، إذ أنَّ نتاجه الأدبي إنَّما هو إضافة معرفيَّة في حياته، وإضافة معرفيَّة بعد وفاته، وهنا تكمن عظمة الأديب. فليست كل كتابة أدباً، لأنَّ الأدب في حقيقته: هو تربية للنَّفس وتوطين لها على الفضائل ومكارم الأخلاق، آخذه بالدين والعلم والفلسفة والتاريخ، منسجمة الرَّوابط، تتأسَّى بالعظماء، وتتعظَّم بالمبادئ، وتبدأ دائماً بالحق. لأنَّ الأدب ليس هو الكتابة العابثة اللَّهثة وراء الماديَّة البحتة، المنفلتة من صائنات الأخلاق، إلى مهالك الهوى ومسارب الفجور، وهي أخطر ما تواجهه المجتمعات في حياتها.

          يقول السيِّد حسن الشِّيرازي: (إنَّ الأفراد -مهما عظُمُوا- يفنون عندما تلفِّفُ الأجداث رفاتهم، ولكن الأديب العظيم، عندما يولد، يولد معه كوْنٌ عظيم، وحينما يموت، يضيف إلى رصيد البشريَّة كوناً عظيماً، لم يسبق أن رآه إنسان، وكلُّ لحظة يمضيها القارئ مع أديب عظيم هي رحلة في كوكب منفرد، متميِّز الخصائص والسِّمات)([2]). وهذه الميزة لا تتاح إلاَّ لمن قوَّم النَّفس على حميد الأخلاق، وصان اللِّسان عن السَّفاسف، واهتدى إلى الطَّيِّب من القول، أيَّاً كان موضوعه الأدبي الذي اختاره مجالاً له. لأنَّ اللَّفظة تنبئ عن قائلها في تفكيره ومسلكه وطباعه ومنهجه في الحياة.

          إنَّك لتجد في رُؤية السيِّد حسن الشيرازي الأدبيَّة انتقالات من العالم الضَّيِّق المكبوت إلى العالم الأرحب، من عالم الجهل وانهزام الذَّات الحائرة في المجاهيل من حولها، إلى عالم الفضيلة والمثال التي تخلَّصت من الجهل والأنانيَّة والانحسار والانكسار، ومن عالم الظلمة النَّفسيَّة الطارئة التي تنوء تحت أثقال سطوة الظلم والطُّغيان حيناً، والأنانيَّة والاستكبار والعنت أحياناً، إلى عالم النُّور الذي يبدِّد مسالك الحيرة والقلق، وبذلك يقضي الإنسان عمره على قِصَره في منجاة من الأذى واللَّوم، وينتقل الأدب من الخاص إلى العام، فيصبح عمَلاً إنسانيَّاً تتسع له مساحة العالم، مع قدرة على الإبداع والابتكار، يتميَّز بالشَّجاعة الأدبيَّة القادرة على النَّقد والتَّجاوز وصولاً إلى المُعْجِز، وهو بهذا يستحق (أن ينفق الإنسان في سبيله ما يستطيع من وقته المحدود، لأنَّه عمل إنساني يوسِّع نطاق الفكر البشري ليَسع ما وُجدَ وما لمْ يوجد)([3]).

          وإذا كان العمل الأدبي في نظر (السيِّد حسن الشيرازي) ينظر كلِّ شيء في الكون والحياة والإنسان بمنظار (الشُّعور) لا بمنظار (الذِّهن)، بحيث لا توجد فواصل حاسمة بين المناطق الشّعوريَّة، إلاَّ أنَّ هذا العمل الأدبي يجب أنْ يتَّجه إلى الإنسان أولاً، ليفتح له أبواب الكون على قدر استعداده وفطرته وثقافته ومؤهِّلاته وقدراته، لأنَّ كل إنسان يُصَوِّر الكون ويتصوَّره على نحو (خاص به) لا يتماثل مع ما يصَوِّره ويتصوَّره إنسان آخر، وهنا تأتي مهمَّة العمل الأدبي ودوره، في توحيد النَّظرة إلى الكون، أو تقريبها بين الرُّؤى المُختلفة على أقلِّ تقدير، وكأنما للأدب مهمَّة غير تلك الأوليَاَت... وهي تنظيم رحلة العقل البشري في تلك الأكوان التي خلقها الله سبحانه، لكي تتملَّى من مشاهدها العجيبة، على الرغم من اختلاف الكائنات البشريَّة فيما بينها بأشياء حدَّدها (علم الشَّخصيَّة) في: خطوط الأصابع، وقسمات الوجه، وذبذبات الصَّوت، والذّبذبات العصبيَّة، وبصْمة الإبهام وغيرها.

          ذلك لأنَّه يرى في الأديب الكبير: (رسول من رسل الحياة، الذين مُنحوا (قدرة الاتِّصال) بواقع الحياة، ليطَّلعوا على الخفايا والضَّمائر، فينيروا للآخرين طريق التَّقدُّم والصُّعود، فرسالة الأديب تتلخَّص في أن يفتح المنافذ بين النَّاس وبين الواقع، الذي يصهر القُشور والزُّيُوف، ليُهَيْمِنَ على مسيرة الأفكار والأعمال -في المطاف الأخير- فالقيمة الشُّعوريَّة للأديب تقَدَّر بمدى اطِّلاعه على الواقع المختبئ خلف القُشور والزُّيوف، والقيمة الشعوريَّة للأدب تُقدَّر بمدى كشفه عن ذلك الواقع([4])، بمعنى أنَّ الأديب هو الإنسان القادر على اكتشاف حقائق الحياة، وارتياد آفاقها المجهولة أو المستغلقة لفكِّ رموزها، وكشف مبهماتها، واستكناه جواهرها، واستنباط معطياتها، والإجابة على تساؤلاتها الحائرة بوضوح، بعيداً عن الإيهام والابهام، ويقدِّمها في أي صورة تعبيريَّة يُريد، ولكن بشرط أن تكون خدمة للمعرفة الإنسانيَّة وتوعية للإنسان، في أصدق صورة وأوضح عبارة وأجمل تعبير.

          ويرى السيِّد حسن الشيرازي: أنَّ التَّعبير في العمل الأدبي ذو القيمة لابدَّ للأديب من أن يضعها في حسابه، ذلك لأنَّ التَّعبير عن (الحقيقة العلميَّة) بصور مختلفة أمر ممكن، وفي ذلك لا يتأثر (المدلول العلمي) باختلاف التَّعبير، إذ أنَّ استخدام الألفاظ ومعانيها ومترادفاتها تبقى ضمن الاهتمام (بالحقيقة العلميَّة) والتَّعبير عنها، فلكلِّ حقيقة ألفاظ خاصَّة تناسبها وتدل عليها، لأنَّ وظيفة (العمل العلمي) تنتهي بتفريغ شحنة ذهنيَّة في أذهان المستمعين، دون أن يكون وراء الإلقاء والتَّلقِّي أمر آخر.

          على غير ما هو عليه الحال في (العمل الأدبي)، إذ لا ينتهي بتفريغ شحنة شعوريَّة في مشاعر المستمعين، دون أن يكون وراء الإلقاء والتَّلقِّي أمر آخر، حتَّى تنتهي الدِّلالة اللُّغَويَّة للألفاظ، بل لابدَّ من أن تُضاف إليها مؤثِّرات أُخَر يكمل بها الأداء الفنِّي باعتبارها أساسيَّات لكل عمل أدبي.

          فلا بدَّ للأديب وهو يضع العمل الأدبي أمام القرّاء من أن يوظِّف الإيقاع الموسيقي للألفاظ، وهي تتنادى لتشكِّل الجملة الموسيقيَّة القادرة على جذب مشاعر المتلقِّي، وتوجيه هذه المشاعر باتِّجاه النَّص الأدبي ومغزاه، ثمَّ تتَّجه إلى مراميه وأهدافه، وهذه تُعرِّفنا إلى أنَّ لكل حرف إيقاعه الذي يقف إلى جانب الحرف الآخر وايقاعه، ثمَّ تتآلف الحروف والألفاظ وإيقاعاتها الموسيقيَّة إلى أن تتكامل وحداتها وأنغامها في الجمل.

          ولابدَّ للأديب من استخدام الصُّور وأبعادها وألوانها وطعومها وروائحها وظلالها، إذ أنَّ للألفاظ والعبارات إشعاعات وإضاءات تحيطها، بحيث تتكامل الإشعاعات وتتواصل، كما تتواصل الظِّلال والانفراجات والمنعرجات والوهاد والجبال وغيرها من مكوِّنات الصُّورة، فتولد اللَّوحة التي ترسمها ريشة الأديب بالكلمات والألفاظ، يزيِّنها بسحر العبارة، وجمال الصُّورة، وروعة المشهد، وبذلك تأخذ مكانها في النَّفس الإنسانيَّة فتحرِّك انفعالاتها، وتثير كوامنها، وتفتح آفاق مشاعرها، بحيث يصبح القارئ مشاهداً مشاركاً للأديب في عمله الفنِّي. وهنا يضعنا السيِّد (حسن الشيرازي) أمام رؤية جديدة للعمل الأدبي.

          ويطرح السيِّد (حسن الشيرازي) سؤالاً مهمَّاً، هو: كيف تدلُّ الألفاظ على معانيها الذّهنيَّة؟؟ وكيف توحي الألفاظ على الصُّور والظِّلال المصاحبة لها؟؟ فيضع اتِّجاهين في مواجهة الجواب، وهذان الاتجاهان يختلفان في المبدأ:

          الأوَّل: الاتِّجاه الدِّيني:

          وهو أنَّ المصادر الدينيَّة تدلُّ على أنَّ واضع اللُّغات هو الله سبحانه وتعالى، وقد بشَّر بها النَّاس بواسطة الأنبياء، كما أنَّ الأنبياء فتَّقُوا كثيراً من العلوم للإنسان، وأنَّ أبانا (آدم (ع)) كان يتكلَّم بلغة كاملة التَّعبير([5]). هذا الاتِّجاه في أولى معانيه، أنَّ الإنسان الأوَّل تعامل مع الحياة بألفاظ كافية تحمل كل ما احتاج إليه من معانٍ شاملة كاملة موحية متناسقة متناغمة أدقّ ما تكون إذا كانت تعليماً دقيقاً من الله سبحانه وتعالى، وهذا مثبت في قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها)([6])، وذلك على تعميم المعنى الدلالي وإطلاقه، أظهر التَّوكيد المعنوي (كلَّها) شمولاً وإحاطة، ومنه جاءت أو بدأت الخبرة اللَّفْظيَّة، إذ لا يمكن أنْ يخلقَ الله سبحانه وتعالى خليفة في الأرض، ثمَّ يتركه عرضة للْحَيْرة والقلق والجهل، وإنَّما الحقيقة أنَّه علَّمه الكيفيَّات الألفاظ والأسماء والأسباب والنَّتائج ومصادر الأشياء والعناصر، ثمَّ أوكل إليه مهمَّة التَّعمير على هذه الأرض.

          الثاني: الاتِّجاه الدَّارويني:

          الذي يزعم أنَّ الإنسان البدائي لم يكن يملك من اللُّغة إلاَّ رصيداً محدوداً قد يكون مجرَّد كلمات مفردة، يرمز اللَّفظ الواحد منها إلى شيء أو حركة أو حالة، ويجعله مفهوماً كبيراً قد لا تحتمله غلاَّ عبارات طويلة، ولم تتوفَّر له وسيلة يستعين بها على وضع اللُّغة بمقدار المفاهيم التي كان يتعاطاها إلاَّ طبيعته التي كانت تملى عليه فيردد، وهنا يأتي ردُّ العالم العارف الأديب (السيِّد حسن الشِّيرازي) بطبيعة النَّوايا وتفسيراتها التي لا تقوم على دليل عملي، فيقول السيِّد: (ونحن وإن كنَّا لا نؤمن بالاتِّجاه الدَّارويني جملة وتفصيلاً إلا أن النتيجة أمر لا يختلف عليه الاتِّجاه الدِّيني والاتِّجاه الدَّارويني، فسواء أكان واضع اللُّغات هو الله سبحانه وتعالى أو البشر، فلا بدَّ أن يكون تخصيص كل لفظ بمعنى خاص سبباً، وهذا يعني وجود صلة خفيَّة بين اللَّفظ والمعنى، ولا يوجد كالجرس دليل إلى اكتشاف اللفظ للمعنى المقصود عرضة)([7]).

          لكنَّ المسألة في الألفاظ وجرسها وإيجادها أمر قد يحتاج منَّا إلى فهم آخر ردَّاً على الدَّاروينيَّة، ذلك أنَّ اللغة التي حملها أبونا آدم (ع) كانت لغة مكتملة الألفاظ، نظراً لما تقتضيه مهمَّته التي خُلق من أجلها واستُخلف، فهو لم يُخلق طفلاً تصقل معارفه المشاهد والدِّربة والتَّجارب والذكريات، وإنَّما خُلق رجلاً مكتمل الرجولة، معداً أتم الإعداد للبدء في مهمَّة الإبلاغ والإعمار والتعمير، مع الوسائل المساعدة التي تكفل له استمرار القيام بالمهمَّة المُلْقاة عليه، وهذه تحتاج إلى معرفة كلِّيَّة بالألفاظ ومعانيها ودلالاتها، وإلاّ فقد يكون مُحرجاً أيَّما إحراج في التَّلاؤم بين الأشياء ومُسميَّاتها ومعانيها وأغراضها، لأنَّ مهمَّته كانت قد بدأت منذ أن وعى حقيقة خلقه أمام خالقه، ولأنَّ المسألة لا تحتمل المرور الطِّويل بتجارب الحياة ومشاهدها المتكرِّرة لكي تتكوَّن لغته، وتتشكَّل معارفه ومداركه، وذلك ما أوضحه الخطاب القرآني لآدم (ع)، على أنَّه الرجل النَّاضج القادر على حمل المهمَّة.

          والسيِّد حسن الشِّيرازي بما امتلكه من ذائقة وجدانيِّة رفيعة، وأدب رصين عالي المستوى، ولغة قادرة على التَّوصيل، يفسِّر كثيراً من الحالات الشُّعوريَّة تفسيراً فلسفيَّاً يبعث على الدَّهشة والإمتاع معاً، فهو يرى: أنَّ استخدام الأديب لألفاظ المعبِّرة عن مشاهداته وذكرياته الشُّعوريَّة يتمُّ بطريقتين:

          الأولى: أن ينفعل الأديب بالتَّجربة الشُّعوريَّة، ويبلغ الانفعال من التَّوهُّج والحرارة والاشراق، بحيث يغمر الأديب كلّه: قلبه وفكره، وأعصابه، فيجعله في شبه نشوة أو في نصف غيبوبة، وعندئذ يتم التَّعبير اللَّفظي عن هذه التَّجربة الشُّعوريَّة بنصف وعي، فلا يتم اختيار الألفاظ ورصفها بإرادة كاملة الصَّحو، وإنَّما تقفز الألفاظ إلى مواقعها، وتتناغم مع بعضها، وكأنَّها تفعل ذلك بإرادتها لا بإرادة الأديب، وهذا ما قاد العرب إلى الإيمان بأنَّ لكلِّ شاعر شيطاناً، أو جنِّيَّاً يوحي إليه بالشِّعر.

          الثانية: أن يختار الأديب نفسه صياغة العبارات، بإرادة صاحية لا يرنِّقها شرود، وفي هذه الحالة ينبغي للأديب: أن يهيِّئ للألفاظ نظاماً وجوَّاً يسمحان لها بأن تشعَّ كلَّ رصيدها من الإيقاع والصُّور والظِّلال، وأنْ تتناسق إيقاعاتها وظلالها مع الجوِّ الشّعوري الذي يريد عقده، وأن يعني المعاني الشُّعوريَّة من الألفاظ دون المعاني التَّجريديَّة([8]).

          فالأديب الذي لم يهيِّئ الظروف الملائمة للإشعاع الكامل لألفاظه، إنَّما يكون قد وضع نفسه في دائرة من الحصار المحُكم، فيها يبرد الشُّعور وتنفصم عُراه، فيغدو مشتَّتاً، كأفكار طارئة ضاعت مصادرها، وأصبحت تبحث عن قيدها، فضاعت في زحمة غير متوقَّعة. لأنَّ غنى الألفاظ ودلالاتها يأتي من تناسُقها ووحدة اتِّجاهها وهدفها وكلَّما تناسقت ألفاظ الأديب كانت أبلغ في إظهار مرامي شحنة الشُّعور، إذ إنَّ التناسق يأتي بتآلفها فيقوِّي الدلالات، ويتوحد الإيقاع، وتصبح الأجواء أكثر شفافية وجذباً لنفس القارئ، لكونه يبحث دائماً عن وحدته النَّفسيَّة داخل النَّص الأدبي، فيجد في النَّص ما يوحِّد شتاته ويجمع تفرُّقه، فيتخلَّص من عناصر التَّشويه والتَّشويش التي قد تحيط به، فيطمئنَّ على واقعه ومستقبله، وخاصة في عصرنا الذي نعيش فيه، والذي كثرت فيه الثَّقافات الوافدة التي تحمل معها آفات من الأفكار وألوان من التَّعابير والمشكلات، بحيث يصبح القلق واقعاً والشّرود أمراً مألوفاً.

          ويحبُّ السيِّد حسن الشِّيرازي أنْ يُحوِّل النَّظر إلى (أنَّ القرآن الكريم هو الذي يسعفنا إلى النَّظائر، أكثر ممَّا تسعفنا أعمال البشر، فقد يستقلُّ لفظ واحد برسم صورة حيَّة لمعنى ثقيل، لا بمحتواه المجرَّد، بل بجرسه تارة وبظلِّه تارة أخرى، وبجرسه وظلِّه معاً آوِنة ثالثة)([9]).

          فاسمع كلمة (مُزَحْزِحِهِ) في قوله تعالى: (وما هو بمزحزحه من العذاب) ([10]) إِنَّها تصوِّرُ لك عمليَّة الزَّحزحة، التي تحاول تحريك شيء ثقيل عن مكانه، ولكن عبثاً تحاول، لأنَّه ثقيل بحيث لا يتحرَّك من مكانه، وإن تحرَّك بمحاولة مرهقة، فسرعان ما يتدحرج إلى حفرته التي تركَّز فيها على أثر ثقله([11]).

          وهذه إنَّما هي دعوة حُرَّة إلى متابعة ألفاظ القرآن الكريم تزيد الأديب بلاغة وحكمة، إذ يجد فيها كلَّ ما هو بحاجة إليه، فهو المجال الأوسع والأكثر وقعاً في النُّفوس، يسمو بها الذّوق، ويتَّسع الخيال، وتتَّضح الصُّورة ويتم الإبلاغ، ويحْسُنُ الأسلوب، وتنبعث الحكمة، وتخصب المعاني، إذ إنَّ ألفاظ القرآن ذات نور سرمدي، وطعم أبَدي، وشعاع لا ينتهي إشراقه، وكل حرف فيه له شخصيَّته التي تنتظم في ألفاظه لتؤدِّي علمها بأبدع عبارة وأجلّ لفظة وأشرف معنى، فهي تصنع أجواء تتناسب والغرض الذي نزلت من أجله، أو العلم الذي تريد إيصاله، أو النَّهي الذي تحرِّمه، أو المسلك الذي ترشد إليه، بتناسق وتناغم عجيبين، لا تجدهما في غير القرآن الكريم، لأنَّه تنزيل من ربِّ العالمين، يدفع عن الإنسانيَّة القلق والاضطراب، ويرفع عنها الذُّلَّة والهوان، ويكرمها غاية الإكرام: (ولقد كرمنا بني آدم) ([12])، فاستحق بذلك التَّكريم الخطاب الشريف واللَّفظ اللَّطيف، حتَّى حين يستحق الشِّدَّة والتَّعنيف، بعد أن دلَّه عل منابع الهدى والخير، وحذَّره من مهاوي الشِّرك والضَّلال، فخاطبه بما يعي ويفهم ويعلم.

          (العقيدة) عند الغرب.. كما يراها السيد حسن الشِّيرازي:

          كانت (أوروبا) لفترات طويلة مؤمنه بالمسيحيَّة، وأيَّاً كانت درجة تغلغل العقيدة الإلهيَّة في النُّفوس التي درجت على الوثنيَّة ردحاً طويلاً، فإنّ المسيحيَّة كانت الطَّابع العام للتفكير الأوروبي، وكانت العقيدة بالله هي القاعدة لهذا التَّفكير، ثمَّ تطوَّرت الأمور، فاستطاعت الكنيسة أن تكسب السُّلطة الزَّمنيَّة إلى جانب السُّلطة الروحيَّة، حتَّى أصبحت تجنِّد الجيوش، وتعزل الملوك، وتملك الإقطاعات الواسعة كأمراء الاقطاع، وكان في وسعها أن تستفيد من ائتلاف السلطة الزمنية والسلطة الروحيَّة في قبضتها لتأصيل السُّلطة الزمنية في تأصيل السلطة الرُّوحيَّة، ولكنَّها أساءت التَّصرُّف في هاتين السُّلطتين، إذ استغلَّتهما للتحكُّم في رقاب الناس بأعذار واهية، وفرض الأتاوات الجشعة عليهم، وتهديد كل من لا يتذلَّل لها بالطَّرد من ملكوت الله.

          وبعد أن قويت الكنيسة وتمكَّنت من إخضاع الناس عمدت إلى تأليف نظريَّات تدَّعي أنَّها (علميَّة) تتناول البحث في (الكون، وهيئة الأرض، والنُّجوم والأفلاك، وعمر الإنسان...) وأصبحت ترغم الناس على الإيمان بهذه النَّظريات بالقوَّة، وترمي كل من خرج عليها بالإلحاد، ثمَّ حرقه بالنَّار... وبعد أن أثبت العلم بالتَّجربة والبرهان والبحث العلمي خطأ هذه النَّظريَّات، بدأت بمكافحة معارضيها، فراحت تفتك بالعلماء وتحرق جثثهم، لأنَّهم قالوا بـ (كرويَّة الأرض)، وأنَّها ليست مركز الكون، مما نفَّر النَّاس من الكنيسة، وانفصل العلماء عنها، وعمقت الشُّقَّة بين العلماء والكنيسة، ممَّا أدَّى اتِّساع الهوَّة بين العلم والدِّين، حتَّى إنَّ المتأثِّرين بالعلم الحديث وسموا (داروين) بالبطولة، لأنَّه وجّه الضربة القاضية إلى الكنيسة، حتَّى أصبح وجودها خفيفاً لا وزن له في حقيقة الأمور.

          وحين اشتدَّ الصراع الفكري في (أوروبا)، قامت الثَّورة الفرنسيَّة، وجرَّدت الكنيسة من سلطتها الزَّمنيَّة، في الوقت الذي نفر عنها العلماء فجرَّدوها من سلطتها الرُّوحيَّة، وتحرَّر الناس من سلطة الكنيسة، فنهضت أزمة حقيقيَّة هي أخطر ما تكون، إذ حمَّل هؤلاء الأخطاء للدين، حيث لم يُفرِّقوا هل المخطئ هي الكنيسة أم المخطئ هو الدِّين؟؟ ولذلك رموا الدين والعقيدة وراء ظهورهم، وقالوا: (إننَّا لا نؤمن إلاَّ بما تدركه حواسُّنا، وما دامت حواسُّنا لا تدرك الدين والله والعقيدة، فهي أمور لا حقيقة لها، ونحن لا نؤمن بغير الحقائق)([13]).

          وفي هذه الأوضاع المُتأزِّمة، حدث شرخ كبير بين رجال الدين في الكنيسة، وبين الناس، فانعدمت الثِّقة، واستوت لدى النَّاس الحقيقة وغيرها، ونفروا من كل ما تأتي به الكنيسة خطأ كان أم صواباً، وقطعوا كل صلة بينهم وبين الكنيسة، فكانت الفرصة مواتية ليقوم مدَّعو العلم الذين أطلقوا عليهم اسم (العلماء) بضرب العقيدة واجتثاث جذورها من الأذهان، وإلصاق كل منكر بها، وخاصة من قبل علماء اليهود الذين استغلُّوا هذه الفرصة الذين كانوا يدبِّرون للوقيعة والخلاص من الكنيسة التي طالما اضطهدتهم، وحاولت القضاء عليهم عن بكرة أبيهم.

          فجاء فرويد ليقول: إنَّ العقيدة إفراز جنسي ينشأ من عقدة (أوديب) الناجمة من كبت الطّفل لرغبته الجنسيَّة نحو أمِّه بسبب وجود أبيه.

          أليس في هذا القول ما ينطوي على اتِّهام العقلاء في عقولهم؟ علماً بأنَّ عقدة أوديب قامت أصلاً على توهُّم خاطئ، أو قل على خطأ لم يكن مقصوداً لذاته، لأنَّ أوديب لم يكن يدري من يعاشر، ولم تكن رغبته بأمِّه أصلاً انتقاماً من أبيه، -ولو عرف أنَّها أمُّه لما اقترب منها، ولذلك حين عرف فعل ما فعل، وما هذه النَّظرة إلاَّ محض افتراء وظنَّ فيها من الكذب ما يدحضها ويردُّها على صاحبها.

          وجاء ماركس ليقول: إنَّ العقيدة إفراز اقتصادي, ينشأ من طبيعة المجتمع الطبقي وتستغلُّه الطَّبقة الحاكمة لإخضاع الطَّبقة المحكومة.

          فإذا كان هذا صحيحاً من وجهة نظره, فلما استغلَّت طبقته الحاكمة الناس الذين حكموهم, ألم يظهر إفلاس عقيدته بهذا الانهيار المفاجئ الذي أصاب دولته؟ إنَّ العقيدة قناعة أخلاقية ومسلك متميِّز, تجعل من الفرد يحيا لنفسه ومجتمعه, سيِّداً يمتلك كامل حرِّيَّته, وليس إنساناً تحكمه الآلة التي يقوم بتشغيلها والعمل عليها.

          وجاء غيرهما وأدلى بدلوه في إنكار العقيدة ومحاربتها, وعلى هذا أصبح هناك من يقف ضدَّ الدين والعقيدة, ولا يريد أن يعرف من الخاطئ: العقيدة أم رجال الكنيسة؟ وأصبحت الحرب معلنة إلى أن أصبحنا نرى اليوم ما نراه ماثلاً..!

          على هذا أقامت الآداب الأوربية قناعاتها, وأصبح الأدباء يكتبون أدبهم في قناعاتهم هذه التي تقف في وجه العقيدة موقف العداء المعلن, وأصبح الأدب يتصدَّى للمشكلات الطارئة عندهم بعيداً عن العقدية ودورها في الحياة, وأصبحت الحياة الاجتماعيَّة (لا دينيَّة) خالصة, تضع الهدف الأعظم محاربة الدين والعقيدة, أو تشويه حقائقها على أقلِّ تقدير, تارة بدعوى التَّقدُّم, وتارة بدعوى التَّطوُّر, وأنَّ الزَّمن قد تجاوز هذه المفاهيم وأصبحت قديمة باليَّة, لا بد للعصر من جديد يناسبه.

          لكنَّ هذه لم تكن في الغرب وحده، وإنَّما كانت لها ما يقابلها من آداب الشرق, التي لا تحمل فلسفة ولا هدفاً, وإنما تقوم على تقليد الآداب المنحرفة, التي تضع كل الحقائق الإلهيَّة والعقيديَّة في إطارها المادِّي المحدود, الذي لا يدعمه منطق, ولا يؤيِّده برهان, وتجد هؤلاء الأدباء يدَّعون: أنَّ ما يكتبونه أدباً, والأدب لا علاقة له بالدين والحياة على حد زعمهم.

          وهنا نحن نسأل: كيف يُكْتب الأدب خارج نطاق العقيدة؟ وكيف لمن امتهن الأدب أن ينكر ما جاءت به الرِّسالات السَّماويَّة التي أنزلها الله إحياء للنُّفوس والعقول, وحملت كل مرتكزات الخير وعناصرها للإنسانيَّة من أجل سعادتها وعيشها الكريم؟!. إنَّ الأديب الحق هو الذي شرب من مناهل العقيدة والإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرِّه, إذ لا يمكن أن يكون الأديب أديباً وهو لا يعرف الله, الذي يسبِّح بحمده كلُّ شيء.

          إنَّ سبب النكسة المُخزيه للبشريَّة هي أن آدابها تبنَّت منهج العداء للعقيدة, (وإنَّ الإيمان بالله تعالى حقيقة جارية في طبائع الموجودات كلَّها حتَّى الجمادات, فما من مخلوق إلاَّ وقد اهتدى إلى اللهربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى )([14]). إذ إنَّ أوَّل خطوات الأديب على طريق الأدب: أن يكون مؤدَّباً أمام الله والمجتمع.

          فالكون كلُّه مؤمن بالله وطائع له, ومسبِّح بحمْده (ولكن لا تفقهون تسبيحهم)([15]) لأنَّ في الآذان وقر. إنَّ كثيراً من أدباء الغرب, والشَّرق, يعومون اليوم على المركب الملحد المشوِّه للحقائق, ولم ينظروا إلى أنفسهم, وطبيعة خلقها, فإذا لم يدرك الأدب حقيقة الكون والخلق والحياة, ولم يناقش مسألة وجوده في ظلال العقيدة, فإنَّما هو فكرة عائمة تسبح في عالم من الهباء لا شاطئ لها, ولا قاع ترتكز إليه, وفي إنكار العقيدة ما يتساوى فيه الإنسان والحيوان, فكلاهما لا يفكر, وكلاهما يأكل ويشرب وينام ويتكاثر بالتَّزاوُج.

          إنّ الأديب هو ذاك الإنسان الذي تفوَّق بعقله وسلوكه, والذي تأصَّلت في كيانه العقيدة, فعرفها, وعرف لكل موجود من حوله كيانه مع الفوارق المميِّزة لكل موجود عن الآخر, ووعى عقيدته الوعي الكامل لأنَّه إنسان, ونقل معارفه إلى استكشاف الطبيعة ومكوِّناتها, لكي ينتقل بعدها إلى البحث ومعرفة ما وراء الطَّبيعة, لكي يدرك: أنَّه لا شيء في هذا الكون يحمل طبيعة سكونيَّة مطلقة, لأنه (ما من شيء في هذا الكون صامت ظاهراً، إلاَّ وهو ناطق يلهج بذكر الله) ([16]).

          لقد أوضح السيِّد حسن الشيرازي أنَّ العقيدة بالله هي أهمّ المعارف الإنسانيِّة عامَّة, وأعظم النّعم بعد الوجود, لأنَّ الإنسان بلا عقيدة شلو مادِّيٌّ حقير, نهض من التُّراب لينهار في التُّراب بعد حين, ولم يبق منه سوى ذكر مهما بقي فإنَّه يُنسى بعد حين آخر, وأمَّا الإنسان الذي يحمل معرفة العقيدة فهو إنسان خالد, لا يُنسى ولا يتضاءل, لأنّ العقيدة كشفت له أبعاد نفسه وأغوارها وطاقاتها وصلاتها, فإذا هو - مهما كان تافهاً حقيراً - إنسان تربطه بالله صلة العبوديَّة, ومشاعر الحب والرَّهبة, والخوف والأمل, تربطه بالكون والحياة صلات القُربى والتَّعاطُف والزَّمالة, وتربطه بأبناء أبيه صلة الأخوَّة والنَّظارةالناس صنفان: إمَّا أخ لك في الدِّين, أو نظير لك في الخلق), وتربط كيان نفسه في اتِّجاه الموجودات في الكون فتتوحَّد طاقاتها ونشاطاتها فتجعلها طريقة واحدة, ذات غاية واحدة, تتفاعل بين الدُّنيا والآخرة, والعمل والعبادة, والأرض والسَّماء, على نمط واحد, ونهج سواء. وهذه المشاعر مجالات واسعة لآداب لا نهاية لها من الضَّخامة والعمق والشُّمول, بحيث تجعل كل فرد عالماً اكبر, يمنحك ما دُمْتَ قادراً على الأخذ.

          قراءة عجلان في شعره:

          لم تكن نظرة السيِّد حسن الشيرازي إلى الشِّعر على أنه عمليَّة تفريغ لشحنة شعوريّة, تراكمت في زحمة الأحداث المتلاحقة, أو انفعالات تكدَّست في آفاق النَّفس, وإنَّما هو تعبير عن موقف من الكون والحياة, الزم ما يكون للتَّعبير عن مجتمع بأسره’ إذ هو من أهم الكتب البشريَّة وصوت وجدانها, ونداء الرُّوح, وهو ما يمكن أن يكون (الرُّوح الشعريَّة), وظيفته: أداء ما تترسَّب في النَّفس من مشاعر وانفعالات, حين ترتفع فوق الحياة العاديَّة, وتبلغ درجة الرَّفرفة والانسياب, انظر إلى قصيدته (أين الإنسان):

          أين الإنسان؟..

          خدعوني…

          كم خدعوني باسم الإنسان...!!

          لعلِّي أبعَثُ تجربة الأديان

          فامتصَّ وُجودي الغيلان..

          وجرت - في نفس مجاريها - الأكوان…

          وبقيتُ…

          بقيتُ بلا عُنْوان([17])...

          إنَّها فلسفة تترنَّم بالانفعالات, تلقي إلى الذِّهن والعقل ما بات وارء المرئي, وما بعد المحسوس, إنَّها ومضات توحي بالثَّورة الماورائيَّة, الظاهرة باللفظ المنطلقة من الشُّعور والوجدان:

          فأنا تاريخ أحرُفهُ بصمات الدم..

          أو بصقات البركان…

          وسأعصر كابوس الطُّغيان..

          ولا أبقي ما كان على ما كان..

          وسأبقى جُنْديَّاً في جبهات الإيمان..

          ضدَّ العدوان

          بلا عنوان([18])..

          ذلك موقف المجاهد الثَّائر الذي لا يريد المفاخرة, ولا يرغب بالمُباهاة, ولا يريد أن يقول أحد عنه أنَّه مجاهد, لأنَّ خير الجهاد ما كان لإعلاء كلمة الله, وهذا هو جهاد العالم المتواضع.

          لكنَّ السيِّد الملم بالشِّعر وإبداعاته, يرتفع إلى مكان شاهق, ثمَّ يلقي نظرة شاملة إلى الكون الذي يحيط به, يتأمَّل مكوِّناته العجيبة في تناسقها ومعجزاتها, وهي تسير في أفلاكها بحركة منتظمة سبحان من دبَّرها وسيَّرها, ويترك مشاعره لمؤثِّراتها وتناوبها, فيلوِّن أحاسيسه بلطائف القرآن وآياته وإعجازه, مبدعاً فنَّاً وفلسفة تقوم على الإدراك الكلي لأغراض الظَّواهر الكونيَّة ورؤاها وطوالعها, مبيِّناً العلاقة بين الكون والإنسان:

          شرب البدر من وراء ضحاها
          واشرْأبّ النَّهار يسألُ عنها
          ويجسُّ الظلام نبضاً فنبضاً
          أخلدي, فالرُّؤى قطيعُ سما
          ليْستِ الأرضُ للكسالى سريراً

          فارتدى معطف الغوى وتلاها
          كلُّ درْبٍ.. وكلُّ من جلاَّها
          ليرى.. من هوَ الذي يغشاها
          واتٍ, فهل تجتلينها إن بناها
          بل بساطاً على الرِّياحِ طحاها



          ثمَّ نجده يأخذ بقول أمير المؤمنين (ع), وذلك منهج الفضلاء وبغية العلماء, ومحاسن الشُّعراء, يقول الإمام علي (ع):

          نفسي على زفراتها محبوسة
          لا خير بعدك في الحياة وإنَّما


          يا ليتها خرجت مع الزَّفرات
          أبكي مخافة أن تطول حياتي



          من ديوان الإمام علي (ع) , نقلاً من كتابه (العمل الأدبي)([19]) إنَّه يأخذ بقول علي (ع) فهم خير الأسوة, وذلك في قصيدة بعنوان: (دعني أموت)، من ديوانه جذور الشَّرق[20])

          دعني أموتُ ففي المماتِ حياتي
          فالموتُ أروَعُ قفْزة ثوريَّةٍ


          دعني فخير للحياة مماتي
          نحو الكمالِ وأعمقِ اللَّذاتِ





          لكنَّ نفسه التَّوَّاقة النَّاظرة إلى العلا أبداً تبحث في المعجزات عن المُعجزات:

          أنا ما اتَّخذتُ الأرض معبد صخرةٍ
          بل جئتُ أتَّخذ المجرَّة سلَّماً
          بالأرض ما لوَّنتُ خطوي لحظة


          تغفو بمرماها مدى السَّنواتِ
          وأُعيدُ في الأجْواءِ رسم كُراتِ
          فمع المعجز تلتقي خطواتي



          ولعلَّ قراءة عجلان لا تفي ولا تحيط بكل روائعه الشعريَّة, وأسلوبه الفنِّي الرَّائع الممتع, وهو العالم الأديب السياسي الثائر الباحث المثقَّف والمبدع في كل مناحي الحياة وآدابها وعلومها المتنوّعة وما أجمل قوله وهو يجسِّد معنى الثَّورة الثقافية, ويطالب باستقلال القرار الإسلامي والشَّخصيَّة الإسلاميَّة:

          قم ثائر للدين وافتحْ أعيُناً
          حسبوا التَّقدُّم رفض كلِ شريعةٍ
          قد لطَّخوا كُرةَ التُّرابِ وروَّعوا
          في كلِ شبرٍ للرِّجالِ مجازرٌ
          لا يخدعنَّكُمُ السَّلامُ فإنَّه

          عاشت وماتت في عمىً وظلامِ
          والكفر والإلحادُ خير ما مرامِ
          حتَّى الجنين بأبشع الإجرام ِ
          وبكلِّ دارٍ صرخة الأيتامِ
          حربٌ على الأوطانِ والحكَّامِ



          هذه قطوف من حدائقه وظلاله, وأرجو أن تكون لي وقفة أخرى من آدابه وعلومه وجملة معارفه, وبخاصة آفاقه الشِّعرية.

          أما باقي كتبه وعوالمه الأخرى فإنّها أظهر ما تكون, في منهج اختطّه لأدب نشأ عليه, وأراده أن يكون لغيره, مستنيراً بكتاب الله عزّ وجلّ. وعلى كتاب الله أسس نظريّة للأدب المسلكي الذي به تستقيم الحياة كلها, لقد كان يرى أنّ الأمة اليوم تعيش في جاهليّة ثانية مما جعلها أقليّات مضطهدة يتحكم فيها أقوى السلطات والتيّارات … بقايا استعمارات وفضلات حروب, شعارها السّلاح, ودثارها الأحزاب والثورات.. التي تمعن فيها تشويهاً وتمزيقاً..

          فالأمة الناهضة التي تريد أن تعيش بكرامة وسيادة وحريّة, لا بدّ لها من الالتزام بالعقيدة التي تعصمها من الوقوع في مهاوي الضلال وقبضة الاستعباد, ولا بدّ لآدابها من أن تكون مرتكزة على العقيدة بالقرآن ليضيء لها سبل الحياة, ولا بدّ لها من أن تبني قوّتها الذّاتيّة لتدفع عن نفسها العدوان والبغي، ولا بدّ لها من مراجعة شاملة لمسيرتها في الحياة تنقب فيها عن إشعاعها الحضاري الذي أعطته للعالم, وفكرها الذي أنار الدُّنيا والإنسانية جميعاً, ولا بدّ لهذه الأمة أن تثق بعقيدتها ودينها وقدراتها وتؤمن إيماناً مطلقاً بأنّ الله وحده هو القوّة القادرة المتصرفة في هذا الكون, وغيرها لا قوّة للبشر في أن تتحكّم بمصائر المؤمنين.

          .................................................. ............................

          - ينشر مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين على استشهاد المفكر السيد حسن الشيرازي قدس سره الشريف، الذي اغتالته زمرة نظام صدام البائد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1980.

          .................................................. ...........................


          الهوامش:

          ([1]) العمل الأدبي: السيد حسن الشيرازي، دار الصادق - بيروت -لبنان ص12.

          ([2]) العمل الأدبي: مصدر سابق ص13.

          ([3]) المصدر السابق ص15.

          ([4]) العمل الأدبي: مصدر سابق ص24.

          ([5]) العلم الأدبي: مصدر سابق ص27.

          ([6]) سورة البقرة: الآية 31.

          ([7]) العمل الأدبي مصدر سابق ص28.

          ([8]) العمل الأدبي: مصدر سابق ص30.

          ([9]) المصدر السابق.

          ([10]) سورة البقرة: الآية 196.

          ([11]) المصدر السابق ص30.

          ([12]) سورة الإسراء: الآية 70.

          ([13]) العلم الأدبي مصدر سابق ص176.

          ([14]) سورة طه: الآية 50.

          ([15]) سورة الإسراء: الآية 44.

          ([16]) العمل الأدبي مصدر سابق, ص 178.

          ([17]) أين الإنسان؟: السيد حسن الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت - لبنان , ط 1/2002, ص13-14 .

          ([18]) المصدر السابق: ص15.

          ([19]) العمل الأدبي مصدر سابق ص 15

          ([20]) السيد حسن الشيرازي جذور الشرق, مؤسسة الوفاء, بيروت/ لبنان , ط/ 1985 ص 41.


          http://www.shrsc.com/studies/003.htm

          تعليق


          • #6
            الله يرحمه سماحه السيد

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
            استجابة 1
            9 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
            ردود 2
            12 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            يعمل...
            X