بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد
في هذه الصفحة أبدأ في نقد كتاب من كتب التي تدعوا إلى التطرّف الفكري وإخراج الخوارج من أوكارها ومن مراقدها ونبين ونظهر الشبهات والبليات في هذا الكتاب وذلك لتعميم الفائدة لرواد هذا المنتدى المبارك.
فتابعونا
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما من الأئمة الحفاظ والمحدثين عن عقبة بن عامر الجهني – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : (( ... إني لستُ أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها، فتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم)).
ورسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أحرص على هذه الأمة من أي رجل كان، كما جاء قول الله تعالى في كتابه الكريم { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} سورة التوبه.
وعلى الرغم من ذلك قد خرج من بيننا من يتهم الأمة ويرميها بالشرك جزافا، وقاتل المسلمين، ورماهم بالشرك، بسبب خلاف يخالفهم فيه، وإذا دققنا في حقيقة هذا الخلاف الذي يخالفهم به نجد أن جلّه عبارة عن خلاف فقهي فقط، لا علاقة له فيما يرميهم به من الشرك واتخاذ الأنداد من دون الله تبارك وتعالى!!
بل ونجد أن نهجهم يشبه نهج الخوارج في تكفير المسلمين حيث أنهم يجعلون الآيات التي نزلت على المشركين يحملونها على المسلمين الموحدين من هذه الأمة.
وأغلب الكتب التي تتكلم عن التوحيد وكشف الشبهات حولها من قبل أتباع محمد عبد الوهاب في أفكاره واجتهاداته مما أدى إلى تكفيره للمسلمين، وسوف يمر معنا إن شاء الله كيفية تشبه هذا الرجل بالفرق المخالفة ومن الفرق التي يرى أنهم ضالون منحرفون عن جادة الحق والصواب مع تبنيه أفكارهم ومعتقداتهم.
وقد قال الإمام العلامة الشيخ محمد أحمد رضا خان الأفغاني القادري البريلوي(1) – رحمه الله – في كتابه " الدولة المكية بالمادة الغيبية" يقول ما نصه :
" اعلم أن ملاك الأمر مناط النجاة الإيمان بالكتاب كله وما ضل أكثر من ضل إلا أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ..."اهـ
وسوف نشرع في عرض كلمات محمد عبد الوهاب النجدي والتي تكلم عن الشبهات في التوحيد – على حد زعمه – وإظهار ما إذا كانت فعلا شبهات في التوحيد أم هي خطأه في فهم التوحيد وتوهم منه.
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
يقول محمد عبد الوهاب النجدي:
بسم الله الرحمن الرحيم ، أعلم يرحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة . وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده فأوّلهم نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين " ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر" وآخر الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين
هذا هو نص كلامه وإليكم نقدي لكلماته:
التوحيد هو التوحيد أن يؤمن الرجل بالله عز وجل بيقين راسخ لا يقبل فيه الشك بأن الله تعالى موجود خالق رازق محيي ومميت بيده ملكوت كل شيء عندها عليه أن يجعل عبادته لله تعالى خالصة لوجهه لا لصنم أو لشجر أو لشمس أو لقمر بل لله وحده لا شريك له.
فالتوحيد : هو علم تعرف به ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حق الله تبارك وتعالى ، وكذلك في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما يجب وما يجوز وما يستحيل، وبه يتم معرفة السمعيات والإيمان بها على الوجه المطلوب شرعًا.
وكل ذلك بعد معرفة وجود الله تعالى والإذعان والخضوع له.
وكل الرسل قد جاءوا لهذا التوحيد بهذا المعنى من زمن سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام إلى زمن سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وليس كما قال محمد عبد الوهاب النجدي في كشف شبهاته فلقد اختلطت عليه الأمور.
وأما ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر كانوا عباد الله صالحين وقد ماتوا فصور أقوامهم صورا لهم على شكل تماثيل نصبوها عندهم فمع مرور السنين قاموا يعبدونهم من دون الله تعالى فبعث الله إليهم سيدنا نوح – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – ليرشدهم إلى عبادة الله الواحد القهار.
وأما القول بأن هؤلاء التماثيل التي يعبدها الناس هم رجال صالحون مثل لهم أقوامهم تماثيل عبدوها من دون الله ، فهذا قول ليس فيه من الصحة ، فليس كل قوم مثل قوم نوح – عليه الصلاة والسلام – هناك من كان يعبد الشمس وهناك من كان يعبد القمر وهناك من كان يعبد النار ومن قوم سيدنا موسى – عليه الصلاة والسلام – قد عبدوا العجل ، فهل كل هؤلاء كانوا رجالا صالحون مَثَّل لهم أقوامهم تماثيل ثم عبدوها؟! فتأمل!
وهذا الفعل منفي عن هذه الأمة أن تمثل تمثالا ثم تعبده من دون الله تعالى للأحاديث الدالة على ذلك.
ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كسر هذه الأصنام وتلك الأوثان في فتح مكة عام الثامن من الهجرة ، منها آلة قريش ، فليست كلها عباد صالحون مثلوا لهم تماثيل مثل هبل واللات والعزى ومناة وإيساف ونائلة، فهؤلاء ليسوا عبادا صالحون.
ويقولون إن إيساف ونائلة كانا آدميين مسخهم الله على شكل تمثالين وذلك أن إيساف كان يعشق نائلة فلما رآها في الحج فجر بها وارتكب الزنا وعمل الفاحشة معها وهما داخل الحرم ، وبعد مرور الأزمان أخذ الناس يعبدونهما مع الأوثان هناك.
فمن الخطأ أن يُقال بأن الناس جميعا مثل قوم نوح – عليه الصلاة والسلام – بل إن هناك من كان يعبد الشياطين وهناك من كان يعبد النور إلى غير ذلك.
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ثم يقول محمد عبد الوهاب النجدي:
أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا . ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله . ويقولون نريد منهم التقرّب إلى الله . نريد شفاعتهم عنده . مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين . فبعث الله محمدًا – صلى الله عليه وسلم – يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ويخبرهم أن هذا التقريب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما.
هذا نص كلامه والآن إليكم نقدي لكلماته:
إن مشركي مكة ماكانوا يتعبدون الله تعالى لا في الحج ولا في الصدقات ولا يذكرون الله كثيرًا ، فإن كانوا يتعبدون الله تعالى كما يقول محمد عبد الوهاب النجدي إذن فالمشركون موحدون فلا داعٍ لإرسال الرسل إليهم ماداموا متصفين بصفات المؤمنين وهي:-
1) يتعبدون الله تعالى من حج وصدقات.
2) يذكرون الله كثيرا .
فهذه صفات المؤمنين ، ومع كل أسف أن هذا الكتاب كان مفتاحا للتطرّف الفكري الداشر بين الأمة.
أما وصف المشركين بصفات المؤمنين ، فهذا من الخطأ الفاضح الواضح لمن يحمل فكر الخوارج والفرق الضالة المارقة عن الدين الحنيف وهو تكفير المسلمين والآيات التي نزلت على المشركين يحملونها على المؤمنين ، أما ترى تلك الفئة الشاذة عن الحق كيف كانت نظرتهم للمسلمين؟ وكيف تم التفجير بالقنابل القاتلة على الأبرياء والآمنين وعلى المسلمين من أبناء جلدتهم؟! فلم يسلم من شرهم أحدٌ .
ثم إذا كان هؤلاء المشركين قبل الإسلام في مكة وبعد مبعث رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يتعبدون الله من حجٍ وصدقات كما يقول محمد عبد الوهاب النجدي دعونا نرى حقيقة هذا التعبد المزعوم لله تعالى في حجهم وصدقاتهم.
فإن هذا الحج وتلك العبادة لم تكن لله سبحانه وتعالى بل هي للأصنام التي يعبدونها ، وقد أخبر الله جل وعلا عنهم فقال : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية } سورة الأنفال:35.
ونستشف من كلمات ابن عبد الوهاب النجدي عندما قال :
وآخر الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم- ..... أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا . ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله .
نكمل الرد تابعونا
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ونستشف من كلمات ابن عبد الوهاب النجدي عندما قال :
وآخر الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم- ..... أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا . ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله .
فهل هذا مسوغ يسوّغ له أو مجوز يجوّز له أن يقاتل المؤمنين الذين يتعبدون الله تعالى في عصره؟! ونجد ابن عبد الوهاب في التاريخ قد شنّ الهجمات على المؤمنين في بلاد متفرقة ، بل إن من تأثر بأفكاره قام بتكفير المسلمين وعمل العمليات الإرهابية ، فكانت كلمات ابن عبد الوهاب خير معين للمتطرفين فكريا في ذلك .
أما كون هؤلاء الكفار يتقربون إلى الله تعالى ويجعلون بينه وبين الله وسائط ، ويريدون شفاعتهم مثل الملائكة وعيسى وأمه مريم عليهما الصلاة السلام وغيرهم ، فهذه حجة واهية سذاجة واضحة.
وقول محمد عبد الوهاب النجدي بأن المشركين يريدون التقرب إلى الله زلفى فهذا حسب ما فهمه من الآية الكريمة في سورة الزمر من غير فهم واضح وذلك عند قوله تعالى:
{ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } سورة الزمر: 3.
فالآية تؤكد على كذب هؤلاء الكفار في ادعائهم التقرب إليه كما يقولون انظر آخر هذه الآية يقول الله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ }
فالكذب هو سبيلهم ، والمراوغة في الكلام طريقتهم ، فهم مخادعون لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في قولهم التقرّب إلى الله زلفى ، وإذا كانوا يريدون التقرب إلى الله كما يدعون ، نفهم من ذلك أن الله تعالى معظم في قلوبهم فهم يحرصون على التقرب إليه جل جلاله .
إذن لماذا تشمئز قلوبهم عند ذكر الله تعالى؟!
لماذا يريدون شتم الله تعالى عندما يقول الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لهم بأن آلهتهم لا تضر ولا تنفع؟!
لماذا يأبون أن يسجدوا لله تعالى وذلك لما أمروا بالسجود له تبارك وتعالى؟!
لماذا يستصغرون الله تعالى ويفضلون تلك الأنداد عليه بتعظيم وتقديس؟!
كل ذلك يؤدي إلى أن ادعاءهم بالتقرب إلى الله ادعاء كاذب. وقد أكدت عليه الآية الكريمة في القرآن الكريم.
وأليكم تلك الآيات البينات ومنها:
في سورة الأنعام الآية 108 قال تعالى : {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
والدليل على انتقاص المشركين لله تبارك وتعالى موجود في سورة الأنعام الآية 136حيث قال:
{وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ}
يقول ابن كثير في تفسيره على هذه الآية:
"وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسيره: كل شيء جعلوه لله من ذبح يذبحونه لا يأكلونه أبداً حتى يذكروا معه أسماء الآلهة وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه، وقرأ الآية حتى بلغ {ساء ما يحكمون} أي ساء ما يقسمون، فإنهم أخطئوا أولاً في القسمة، فإن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وخالقه، وله الملك وكل شيء له وفي تصرفه وتحت قدرته ومشيئته، لا إله غيره ولا رب سواه، ثم لما قسموا فيما زعموا لم يحفظوا القسمة التي هي فاسدة بل جاروا فيها، كقوله جل وعلا: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} وقال تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين}" اهـ أكتفي إلى هنا.
وقوله تعالى في بيان عدم عبادتهم الله ورفضهم السجود له:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً }سورة الفرقان:60
هذا المشرك الذي يدعو من دون الله ويعبد شيئا غير الله تعالى - الذي يقول إنني أتعبد الأصنام أو الشجر أو الحجر أو الشمس أو القمر أو النجوم تقربا إلى الله زلفى – على استعداد أن يسب الله تعالى نصرة لتلك الأشياء التي يعبدها ، هذا إن قيل له أن تلك الأشياء التي تعبدها لا تضر ولا تنفع بل الضار والنافع هو الله تعالى لا شريك له، تجده قد عبس واكفهر وجهه وهمّ في شتم الله عز وجل نصرة لهذه الإلهة التي يعبدها وغيرة عليها.
وعن ابن عباس، قوله: {وَلا تَسُبوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون الله فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بغيرِ عِلْمٍ} قال: قالوا: يا محمد لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ ربك! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عَدْواً بغير علم.
ثم إن هؤلاء الكفار لم يثبت لهم التقرّب إلى الأنبياء ولا إلى الأولياء ولا إلى الله جل وعلا ، فهم يتقربون إلى الأصنام يرجون خيرها ويخافون شرها ، كما هو واضح بأن المشركين يعتقدون النفع والضر في تلك الأنداد ، وخير دليل وأوضح برهان وفد بني ثقيف وخبرهم مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كيف أمرهم - صلى الله عليه وآله وسلم – بهدم الربة فأبوا أن يهدموها خوفا منها وهذا بعد إسلامهم وخبرهم مبسوط في كتب السيرة المتعددة .
وقد كلمني ممن تأثروا بكلمات ابن عبد الوهاب في كشف الشبهات وغيره من كتبه بأن كفار مكة كانوا أشد قوة وبأسا ، فلماذا يخادعون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويكذبون؟! وهل يخافون منه بل آذوه وعذبوا أتباعه ونال أتباعه من أذى قريش الكثير؟!!
أقول سؤال وجيه وجيد وأجيب على ذلك. بأن بداية الدعوة كانت بالمحاورة والمناظرة بين كبار قريش مثل الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة والنضر بن الحارث من جهة وسيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – من جهة أخرى ، فكان يناقشهم في دينهم وعقيدتهم في تلك الأصنام ، فكان دائما يظفر عليهم ويغلبهم بالحجة والبرهان الساطع تنفيذا بما أمره الله تعالى أن يجادلهم ويناقشهم كما قال جل وعلا:
{أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } سورة النحل : 125
فكان – صلى الله عليه وآله وسلم – يثبت لهم وحدانية الله تعالى وقدرته دون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، لا تخلق ولا ترزق ولا تضر ولا تنفع ، ويأمرهم بالإيمان بالله وحده وعبادته ، وترك الأصنام يقولون بأن عبادتهم للأصنام إنما هي تقربا إلى الله تعالى ، وهذا الأمر كذب منهم واضح.
وعند قول الله تعالى في سورة الأنبياء الآية 101:
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}
ففي تفسير هذه الآية لابن جرير الطبري قال:
"حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما بلغنـي يوما مع الولـيد بن الـمغيرة، فجاء النضر بن الـحارث حتـى جلس معهم وفـي الـمـجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلـم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له النضر بن الـحارث، وكلَّـمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى أفحمه، ثم تلا علـيه وعلـيهم:
{إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ أنْتُـمْ لَهاَ وَارِدُونَ لَوْ كان هَؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وكُلّ فِـيها خالِدُونَ ....} إلى قوله : {وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ} .
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزِّبَعْرَي بن قـيس بن عدي السهميّ حتـى جلس، فقال الولـيد بن الـمغيرة لعبد الله بن الزّبَعْري:
والله ما قام النضر بن الـحارث لابن عبد الـمطلب آنفـا وما قعد، وقد زعم أنَّا وما نعبد من آلهتنا هذه حَصَب جهنـم .
فقال عبد الله بن الزِّبَعْري: أما والله لو وجدته لـخصَمته فسلوا مـحمدا: أكلّ من عبد من دون الله فـي جهنـم مع من عَبده؟ فنـحن نعبد الـملائكة، والـيهود تعبد عُزَيرا، والنصارى تعبد الـمسيح عيسى ابن مريـم. فعجب الولـيد بن الـمغيرة ومن كان فـي الـمـجلس من قول عبد الله بن الزِّبَعْري (ورأوا أنّه قد احتـجّ وخاصم. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعري، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ كُلُّ مَنْ أحَبَّ أنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إنَّـمَا يَعْبَدُونَ الشَّياطِينَ وَمَنْ أمَرَهُمْ بعِبـادَتهِ)). فأنزل الله علـيه:
{إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ }.... إلى: {خالِدُونَ }
أي عيسى ابن مريـم، وعُزير، ومن عَبدوا من الأحبـار والرهبـان الذين مضَوا علـى طاعة الله، فـاتـخذهم مَنْ بعدهم من أهل الضلالة أربـابـا من دون الله. ... " اهـ
وفي تفسير ابن كثير لهذه الآية كذلك قال:
" ... عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }
فقال ابن الزبعري: قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا ؟ فنزلت {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }
ثم نزلت {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }
رواه الحافظ أبو عبد الله في كتابه الأحاديث المختارة ." اهـ
ثم ذكر ابن كثير كلاما مثل كلمات ابن جرير الطبري ونجو قوله أيضا ، وكيف كان الوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث قد أعجبوا من قول عبد الله بن الزبعري وخصومته وحجته.
وأقول معقبا على هذه القصة وما أستشف منها بأن قول عبد الله بن الزبعري بأنهم يعبدون عزيرا وعيسى بن مريم وأمه وكذلك الملائكة إنما هو قول كذب وذلك يريدون أن يفحموا سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – فهم لا يعبدون إلا الأصنام فقط ويعظمونها ويقدسونها أيما تقديس ، إذ أنهم لا يريدون ذكر الله وحده ، وإذا ذكر وحده اشمأزت قلوبهم بل يريدون ذكر الأنداد ممن يعبدونها حقا وصدقا وليس فيما يدعونه عندما يناظرون ويناقشون ما واجههم به سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم .
فمن ظن أنهم يعبدون عزيرا وعيسى بن مريم وأمه والملائكة فقد وهم في الأمر ، فهؤلاء لا يعبدونهم بل ذكروهم ليخاصموا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – الظاهر بالحجة والبيان ، فلما باءت مساعيهم بالفشل ، سارعوا إلى عمه أبا طالب طالبين منه أن يكف ابن أخيه عنهم وعن دعوته للناس للدخول إلى الإسلام ، فقد ضاق بهم ذرعا من دعوته ، فقاموا يعرضون عليه من الأمور المغريات من الملك إن أراد أن يكون ملكا أو جاها أن يسودوه عليهم ولا يقطعون أمرا دونه ، أو يجمعون له مالا حتى يكون أكثرهم مالا أو يزوجوه أجمل امرأة إلى غير ذلك من المغريات على شرط وهو أن يترك دعوته إلى الإسلام ، فرفض رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كل ذلك حتى لو أنهم وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره أيضًا لا يترك هذا الأمر ولو أدى ذلك إلى حياته ومات من أجله صلى الله عليه وآله وسلم .
فلما رأوا رفض النبي لمغرياتهم وإصراره على المضي في دعوته ، وأن أبا طالب لا يسلمه لأي أمر أبدا وأن بنو هاشم يدافعون عنه ، قاموا بمقاطعة وهجر بني هاشم استمرت سنتين حتى فرّج الله عنهم كربتهم.
ولم يكتفوا بذلك بل أخذ كل واحد منهم يشد على من اتبع ودخل الإسلام من الضعفاء مثل آل ياسر وبلال بن رباح الحبشي وصهيب بن سنان الرومي و عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون – رضي الله عنهم – تعذيبا وتنكيلا عليهم حتى يصدوهم عن الدين الحنيف .
ولم يقفوا إلى هذا الحد ، بل لمّا رأوا إصرار النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في دعوته للناس ، قاموا في التشهير به وخلق الأقاويل الكاذبة والدعايات الإعلامية حسب وسائل الإعلام عندهم في ذلك والوقت وهو أن يبعثوا إلى كل وفود الحجيج من يخطب فيهم ويحذرهم من الجلوس إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – والسماع إلى كلماته خشية كما هو قد حدث مع الصحابي الجليل طفيل بن عمرو الدوسي وكان سيد قومه قدم مكة حاجا فقابله نفر من قريش يحذرونه من رسول الله والسماع لأقواله، وقصته مبسوطة في كتب السيرة .
وكانوا يقولون عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه كذاب ، وتارة بأنه شاعر ، وتارة بأنه مجنون ، وتارة بأنه ساحر ، ثم أجمعوا واستقر رأيهم على أن يلقبوا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بالساحر .
وما نالت قريش من سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – إلا بعد أن مات كل من عمه أبو طالب وزوجه السيدة خديجة بنت خويلد ، فكانا خير معين ومدافع عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – حتى خرج إلى الطائف يطلب نصرتهم فقابلوه بالإسادة وسلطوا عليه سفهاءهم يعيبون عليه ويرمونه بالحجارة حتى دمت قدماه الشريفتان .
وبعد كل ما تقدم نعلم أن قريشًا عندما فشلت في الحوار معه – صلى الله عليه وآله وسلم – استخدمت اسلوب الترغيب ثم بعد ذلك تدرجت في السب والتعيير والتعذيب والشتم واستخدام القوة وذلك كله حجة العاجز الفاشل ، فقد قيل إذا رأيت مناظرًا يشتم مناظره فاعلم أنه قد خسر القضية
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
ثم يقول محمد عبد الوهاب النجدي ما نصه:
فهؤلاء المشركون مقرون يشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له ، وأنه لا يرزق إلا هو ولا يحيي إلا هو ولا يميت إلا هو ولا يدبّر الأمر إلا هو وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره .
هذا نص كلامه وإليكم النقد لكلماته:
إن المشركين لا يقرون ولا يشهدون أن الله تعالى الخالق الرازق محيي المميت الذي يدبّر الأمر كله ، وإن أدعوا بذلك فهم يكذبون ، وما قالوا بهذا إلا بعد المحاججة وتبيين حقيقة تلك الأنداد التي عبدوها من دون الله بأنها لا تضر ولا تنفع .
والمشركون لا يطلبون الرزق من عند الله تبارك وتعالى ، ولذلك قال جل وعلا في كتابه الكريم
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لايَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. سورة العنكبوت : 17
في هذه الآية نرى أن المشركين يعتقدون أن الأصنام ترزق وتنفع من دون الله تعالى فأمرهم الله تعالى أن يبتغوا الزرق من عنده وحده، وذلك لأن الكفار يطلبون ذلك من آلهتهم لاعتقادهم أنها ترزق ولها قدرة على الرزق من دون الله تعالى، فهذا دليل على أنهم لا يعتقدون بأن الله تعالى هو الرزّاق جل جلاله.
وبالنسبة بأن الله تعالى يحيي ويميت ، فإن المشركون لا يعتقدون أن الله تعالى يحي الميت بعد موته والدليل على ذلك عند قوله تعالى في سورة يـس:
{أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُل خَلْقٍ عَلِيمٌ} الآية : 77 -80
ففي تفسير ابن كثير يقول:
" قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة: جاء أبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتنه ويذريه في الهواء، وهو يقول: يامحمد أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم:
«نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار»
ونزلت هذه الآيات من آخر يس {أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } إلى آخرهن." اهـ
وفي هذه الآية أختلف المفسرون على من أنزلت هناك من أتى برواية بأنه أبي بن خلف وهناك من قال إنما هو العاص بن وائل و هناك من قال أنه عبد الله بن أبي بن سلول ، وعلى كل حال هذا دليل على أن المشركين لا يعتقدون في الله تعالى أنه يحيهم.
بل إن هناك إقرار من قبل من تأثروا بكلمات ابن عبد الوهاب وابن تيمية من المثلثة في التوحيد التي يدعوا إليها محمد عبد الوهاب وكذا ابن تيمية التي يتأسى به ، منهم عبد الرحمن عبد الخالق و عبد الرزاق العبّاد ، فأما عبد الرحمن عبد الخالق ففي كتابه "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة" نشرتها جمعية إحياء التراث الإسلامي الكويتية، وقد أثنى على كتابه صالح الفوزان، يقول عبد الرحمن في ص15:[/size]
" أ- فالعرب يعتقدون في وجود الله، وأنه خالق الكون، منزل المطر، ولكن هذا الإله في نظرهم لا يستطيع إحياءهم بعد الموت، وليست له غاية من خلق الناس غير هذه الدنيا التي خلقهم فيها، فليس هناك قيامة ولا حساب ......"
اهـ
[SIZE=20px]فهذا دليل على خطأ محمد عبد الوهاب فيما اعتقد أن المشركين يعتقدون أنه الله تعالى يحيي ويميت.
وأما عبد الرزاق العبّاد فقد قال في كتابه كتاب " القول السديد في الردِّ على من أنكر تقسيم التوحيد" له وقد أثنى عليه صالح الفوزان في مقدمته.
قال عبد الرزاق العبّاد في صفحة ص87 ما نصه:
" ثم هنا أمر لابدّ من تقريره وإيضاحه وهو أن قول أهل العلم عن المشركين بأنهم يعترفون بتوحيد الربوبية ليس المراد به أنّهم اعترفوا بهذا القسم من التوحيد على التمام، والكمال، فهذا لا يقول به أحدٌ من أهل العلم، وإنّما مرادهم تقرير ما ثبت في القرآن عن المشركين من اعترافهم بالخالق الرازق المدبر لشئون الخلق، فهذا من صفات الربوبية وخصائصها وقد آمن واعترف به المشركون، ثم هذا أيضًا ليس حكمًا عامًا مطردًا على جميع المشركين إذ منهم من وجد عنده حتى الشرك في الربوبية، ومنهم من آمن ببعض خصائص الربوبية دون بعض" اهـ
فإن كان الأمر كذلك فلا نصفهم بأوصاف المؤمنين أو نشبههم بالمؤمنين ، وقد دللت على ذلك وبينته واضحا في أحد مؤلفاتي أرد على مسألة تقسيم التوحيد ، في رسالة سميتها " الرد المحكم السديد على من أثبت تقسيم التوحيد "
وأما بالنسبة أن المشركين يكذبون في قولهم بأن الخالق الرازق هو الله جل جلاله ، فهناك آيات كثيرة تؤكد ذلك وهي قوله تعالى.
{ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ}. سورة غافر الآية: 62
وكذلك قوله تعالى:
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } سورة العنكبوت : 60.
وقال تعالى:{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون }سورة الزخرف الآية 87.
أنظر إلى قوله تعالى { فأنى يؤفكون } والإفك أشد الكذب وهذا دليل بأنهم يكذبون عندما يسألون بهذا السؤال من قبل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لأنه يجادلهم ويفحمهم ويسكتهم من خلال كلامه وحججه لهم، وأن هذه الأصنام لا تضر ولا تنفع لا تمشي ولا تتحرك ولا تبطش بيدها وليس لها عين ترى به وليسوا بأحياء ما هي إلا تماثيل نصبت.
ورسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يناقشهم في عقائدهم الفاسدة وما يعتقدونه في آلهتهم وذلك لقول الله تعالى في كتابه الكريم { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } سورة النحل: 125.
وكذلك سورة يونس قوله تعالى:
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ} . الآية 33 -
أنظر قوله تعالى فأنى يؤفكون والإفك هو الكذب وتجد تفسير ذلك عند قول الله تعالى في سورة المؤمنون الآيه 84 – 90 يقول الله تعالى:
{قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
وقد نقل محمد عبد الوهاب تلك الآيات دون أن يذكر الآيات التي تؤكد على كذب دعواهم.
وهناك من أخطأ فهم مقصدي في ذلك حيث قال بأن الله تعالى كذب قولهم بأنه خالق الكون وأنه له ملكوت كل شيء ، والرد على هذا الأمر بأن فعل الكفار كمثل فعل المنافقين الذين يقولون لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نشهد إنك لرسول الله ، والله تعالى كذب قولهم ليس معنى ذلك أن الله تعالى كذب قولهم بأن رسول الله ليس برسوله ، بل إن المنافقين يكذبون في قولهم هذا لأنهم لا يعتقدون فيه بأنه رسول الله ، وشهادتهم هذه كذب فقد آمنت أفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ونطق به اللسان.
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ــــــــــــــــــــــ
للموضوع بقيه
وبعد
في هذه الصفحة أبدأ في نقد كتاب من كتب التي تدعوا إلى التطرّف الفكري وإخراج الخوارج من أوكارها ومن مراقدها ونبين ونظهر الشبهات والبليات في هذا الكتاب وذلك لتعميم الفائدة لرواد هذا المنتدى المبارك.
فتابعونا
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما من الأئمة الحفاظ والمحدثين عن عقبة بن عامر الجهني – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : (( ... إني لستُ أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها، فتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم)).
ورسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أحرص على هذه الأمة من أي رجل كان، كما جاء قول الله تعالى في كتابه الكريم { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} سورة التوبه.
وعلى الرغم من ذلك قد خرج من بيننا من يتهم الأمة ويرميها بالشرك جزافا، وقاتل المسلمين، ورماهم بالشرك، بسبب خلاف يخالفهم فيه، وإذا دققنا في حقيقة هذا الخلاف الذي يخالفهم به نجد أن جلّه عبارة عن خلاف فقهي فقط، لا علاقة له فيما يرميهم به من الشرك واتخاذ الأنداد من دون الله تبارك وتعالى!!
بل ونجد أن نهجهم يشبه نهج الخوارج في تكفير المسلمين حيث أنهم يجعلون الآيات التي نزلت على المشركين يحملونها على المسلمين الموحدين من هذه الأمة.
وأغلب الكتب التي تتكلم عن التوحيد وكشف الشبهات حولها من قبل أتباع محمد عبد الوهاب في أفكاره واجتهاداته مما أدى إلى تكفيره للمسلمين، وسوف يمر معنا إن شاء الله كيفية تشبه هذا الرجل بالفرق المخالفة ومن الفرق التي يرى أنهم ضالون منحرفون عن جادة الحق والصواب مع تبنيه أفكارهم ومعتقداتهم.
وقد قال الإمام العلامة الشيخ محمد أحمد رضا خان الأفغاني القادري البريلوي(1) – رحمه الله – في كتابه " الدولة المكية بالمادة الغيبية" يقول ما نصه :
" اعلم أن ملاك الأمر مناط النجاة الإيمان بالكتاب كله وما ضل أكثر من ضل إلا أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ..."اهـ
وسوف نشرع في عرض كلمات محمد عبد الوهاب النجدي والتي تكلم عن الشبهات في التوحيد – على حد زعمه – وإظهار ما إذا كانت فعلا شبهات في التوحيد أم هي خطأه في فهم التوحيد وتوهم منه.
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
يقول محمد عبد الوهاب النجدي:
بسم الله الرحمن الرحيم ، أعلم يرحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة . وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده فأوّلهم نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين " ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر" وآخر الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين
هذا هو نص كلامه وإليكم نقدي لكلماته:
التوحيد هو التوحيد أن يؤمن الرجل بالله عز وجل بيقين راسخ لا يقبل فيه الشك بأن الله تعالى موجود خالق رازق محيي ومميت بيده ملكوت كل شيء عندها عليه أن يجعل عبادته لله تعالى خالصة لوجهه لا لصنم أو لشجر أو لشمس أو لقمر بل لله وحده لا شريك له.
فالتوحيد : هو علم تعرف به ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حق الله تبارك وتعالى ، وكذلك في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما يجب وما يجوز وما يستحيل، وبه يتم معرفة السمعيات والإيمان بها على الوجه المطلوب شرعًا.
وكل ذلك بعد معرفة وجود الله تعالى والإذعان والخضوع له.
وكل الرسل قد جاءوا لهذا التوحيد بهذا المعنى من زمن سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام إلى زمن سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وليس كما قال محمد عبد الوهاب النجدي في كشف شبهاته فلقد اختلطت عليه الأمور.
وأما ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر كانوا عباد الله صالحين وقد ماتوا فصور أقوامهم صورا لهم على شكل تماثيل نصبوها عندهم فمع مرور السنين قاموا يعبدونهم من دون الله تعالى فبعث الله إليهم سيدنا نوح – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – ليرشدهم إلى عبادة الله الواحد القهار.
وأما القول بأن هؤلاء التماثيل التي يعبدها الناس هم رجال صالحون مثل لهم أقوامهم تماثيل عبدوها من دون الله ، فهذا قول ليس فيه من الصحة ، فليس كل قوم مثل قوم نوح – عليه الصلاة والسلام – هناك من كان يعبد الشمس وهناك من كان يعبد القمر وهناك من كان يعبد النار ومن قوم سيدنا موسى – عليه الصلاة والسلام – قد عبدوا العجل ، فهل كل هؤلاء كانوا رجالا صالحون مَثَّل لهم أقوامهم تماثيل ثم عبدوها؟! فتأمل!
وهذا الفعل منفي عن هذه الأمة أن تمثل تمثالا ثم تعبده من دون الله تعالى للأحاديث الدالة على ذلك.
ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كسر هذه الأصنام وتلك الأوثان في فتح مكة عام الثامن من الهجرة ، منها آلة قريش ، فليست كلها عباد صالحون مثلوا لهم تماثيل مثل هبل واللات والعزى ومناة وإيساف ونائلة، فهؤلاء ليسوا عبادا صالحون.
ويقولون إن إيساف ونائلة كانا آدميين مسخهم الله على شكل تمثالين وذلك أن إيساف كان يعشق نائلة فلما رآها في الحج فجر بها وارتكب الزنا وعمل الفاحشة معها وهما داخل الحرم ، وبعد مرور الأزمان أخذ الناس يعبدونهما مع الأوثان هناك.
فمن الخطأ أن يُقال بأن الناس جميعا مثل قوم نوح – عليه الصلاة والسلام – بل إن هناك من كان يعبد الشياطين وهناك من كان يعبد النور إلى غير ذلك.
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ثم يقول محمد عبد الوهاب النجدي:
أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا . ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله . ويقولون نريد منهم التقرّب إلى الله . نريد شفاعتهم عنده . مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين . فبعث الله محمدًا – صلى الله عليه وسلم – يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ويخبرهم أن هذا التقريب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما.
هذا نص كلامه والآن إليكم نقدي لكلماته:
إن مشركي مكة ماكانوا يتعبدون الله تعالى لا في الحج ولا في الصدقات ولا يذكرون الله كثيرًا ، فإن كانوا يتعبدون الله تعالى كما يقول محمد عبد الوهاب النجدي إذن فالمشركون موحدون فلا داعٍ لإرسال الرسل إليهم ماداموا متصفين بصفات المؤمنين وهي:-
1) يتعبدون الله تعالى من حج وصدقات.
2) يذكرون الله كثيرا .
فهذه صفات المؤمنين ، ومع كل أسف أن هذا الكتاب كان مفتاحا للتطرّف الفكري الداشر بين الأمة.
أما وصف المشركين بصفات المؤمنين ، فهذا من الخطأ الفاضح الواضح لمن يحمل فكر الخوارج والفرق الضالة المارقة عن الدين الحنيف وهو تكفير المسلمين والآيات التي نزلت على المشركين يحملونها على المؤمنين ، أما ترى تلك الفئة الشاذة عن الحق كيف كانت نظرتهم للمسلمين؟ وكيف تم التفجير بالقنابل القاتلة على الأبرياء والآمنين وعلى المسلمين من أبناء جلدتهم؟! فلم يسلم من شرهم أحدٌ .
ثم إذا كان هؤلاء المشركين قبل الإسلام في مكة وبعد مبعث رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يتعبدون الله من حجٍ وصدقات كما يقول محمد عبد الوهاب النجدي دعونا نرى حقيقة هذا التعبد المزعوم لله تعالى في حجهم وصدقاتهم.
فإن هذا الحج وتلك العبادة لم تكن لله سبحانه وتعالى بل هي للأصنام التي يعبدونها ، وقد أخبر الله جل وعلا عنهم فقال : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية } سورة الأنفال:35.
ونستشف من كلمات ابن عبد الوهاب النجدي عندما قال :
وآخر الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم- ..... أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا . ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله .
نكمل الرد تابعونا
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ونستشف من كلمات ابن عبد الوهاب النجدي عندما قال :
وآخر الرسل محمد – صلى الله عليه وسلم- ..... أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا . ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله .
فهل هذا مسوغ يسوّغ له أو مجوز يجوّز له أن يقاتل المؤمنين الذين يتعبدون الله تعالى في عصره؟! ونجد ابن عبد الوهاب في التاريخ قد شنّ الهجمات على المؤمنين في بلاد متفرقة ، بل إن من تأثر بأفكاره قام بتكفير المسلمين وعمل العمليات الإرهابية ، فكانت كلمات ابن عبد الوهاب خير معين للمتطرفين فكريا في ذلك .
أما كون هؤلاء الكفار يتقربون إلى الله تعالى ويجعلون بينه وبين الله وسائط ، ويريدون شفاعتهم مثل الملائكة وعيسى وأمه مريم عليهما الصلاة السلام وغيرهم ، فهذه حجة واهية سذاجة واضحة.
وقول محمد عبد الوهاب النجدي بأن المشركين يريدون التقرب إلى الله زلفى فهذا حسب ما فهمه من الآية الكريمة في سورة الزمر من غير فهم واضح وذلك عند قوله تعالى:
{ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } سورة الزمر: 3.
فالآية تؤكد على كذب هؤلاء الكفار في ادعائهم التقرب إليه كما يقولون انظر آخر هذه الآية يقول الله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ }
فالكذب هو سبيلهم ، والمراوغة في الكلام طريقتهم ، فهم مخادعون لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في قولهم التقرّب إلى الله زلفى ، وإذا كانوا يريدون التقرب إلى الله كما يدعون ، نفهم من ذلك أن الله تعالى معظم في قلوبهم فهم يحرصون على التقرب إليه جل جلاله .
إذن لماذا تشمئز قلوبهم عند ذكر الله تعالى؟!
لماذا يريدون شتم الله تعالى عندما يقول الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لهم بأن آلهتهم لا تضر ولا تنفع؟!
لماذا يأبون أن يسجدوا لله تعالى وذلك لما أمروا بالسجود له تبارك وتعالى؟!
لماذا يستصغرون الله تعالى ويفضلون تلك الأنداد عليه بتعظيم وتقديس؟!
كل ذلك يؤدي إلى أن ادعاءهم بالتقرب إلى الله ادعاء كاذب. وقد أكدت عليه الآية الكريمة في القرآن الكريم.
وأليكم تلك الآيات البينات ومنها:
في سورة الأنعام الآية 108 قال تعالى : {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
والدليل على انتقاص المشركين لله تبارك وتعالى موجود في سورة الأنعام الآية 136حيث قال:
{وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ}
يقول ابن كثير في تفسيره على هذه الآية:
"وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسيره: كل شيء جعلوه لله من ذبح يذبحونه لا يأكلونه أبداً حتى يذكروا معه أسماء الآلهة وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه، وقرأ الآية حتى بلغ {ساء ما يحكمون} أي ساء ما يقسمون، فإنهم أخطئوا أولاً في القسمة، فإن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وخالقه، وله الملك وكل شيء له وفي تصرفه وتحت قدرته ومشيئته، لا إله غيره ولا رب سواه، ثم لما قسموا فيما زعموا لم يحفظوا القسمة التي هي فاسدة بل جاروا فيها، كقوله جل وعلا: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} وقال تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين}" اهـ أكتفي إلى هنا.
وقوله تعالى في بيان عدم عبادتهم الله ورفضهم السجود له:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً }سورة الفرقان:60
هذا المشرك الذي يدعو من دون الله ويعبد شيئا غير الله تعالى - الذي يقول إنني أتعبد الأصنام أو الشجر أو الحجر أو الشمس أو القمر أو النجوم تقربا إلى الله زلفى – على استعداد أن يسب الله تعالى نصرة لتلك الأشياء التي يعبدها ، هذا إن قيل له أن تلك الأشياء التي تعبدها لا تضر ولا تنفع بل الضار والنافع هو الله تعالى لا شريك له، تجده قد عبس واكفهر وجهه وهمّ في شتم الله عز وجل نصرة لهذه الإلهة التي يعبدها وغيرة عليها.
وعن ابن عباس، قوله: {وَلا تَسُبوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون الله فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بغيرِ عِلْمٍ} قال: قالوا: يا محمد لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ ربك! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عَدْواً بغير علم.
ثم إن هؤلاء الكفار لم يثبت لهم التقرّب إلى الأنبياء ولا إلى الأولياء ولا إلى الله جل وعلا ، فهم يتقربون إلى الأصنام يرجون خيرها ويخافون شرها ، كما هو واضح بأن المشركين يعتقدون النفع والضر في تلك الأنداد ، وخير دليل وأوضح برهان وفد بني ثقيف وخبرهم مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كيف أمرهم - صلى الله عليه وآله وسلم – بهدم الربة فأبوا أن يهدموها خوفا منها وهذا بعد إسلامهم وخبرهم مبسوط في كتب السيرة المتعددة .
وقد كلمني ممن تأثروا بكلمات ابن عبد الوهاب في كشف الشبهات وغيره من كتبه بأن كفار مكة كانوا أشد قوة وبأسا ، فلماذا يخادعون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويكذبون؟! وهل يخافون منه بل آذوه وعذبوا أتباعه ونال أتباعه من أذى قريش الكثير؟!!
أقول سؤال وجيه وجيد وأجيب على ذلك. بأن بداية الدعوة كانت بالمحاورة والمناظرة بين كبار قريش مثل الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة والنضر بن الحارث من جهة وسيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – من جهة أخرى ، فكان يناقشهم في دينهم وعقيدتهم في تلك الأصنام ، فكان دائما يظفر عليهم ويغلبهم بالحجة والبرهان الساطع تنفيذا بما أمره الله تعالى أن يجادلهم ويناقشهم كما قال جل وعلا:
{أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } سورة النحل : 125
فكان – صلى الله عليه وآله وسلم – يثبت لهم وحدانية الله تعالى وقدرته دون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، لا تخلق ولا ترزق ولا تضر ولا تنفع ، ويأمرهم بالإيمان بالله وحده وعبادته ، وترك الأصنام يقولون بأن عبادتهم للأصنام إنما هي تقربا إلى الله تعالى ، وهذا الأمر كذب منهم واضح.
وعند قول الله تعالى في سورة الأنبياء الآية 101:
{إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}
ففي تفسير هذه الآية لابن جرير الطبري قال:
"حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما بلغنـي يوما مع الولـيد بن الـمغيرة، فجاء النضر بن الـحارث حتـى جلس معهم وفـي الـمـجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلـم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له النضر بن الـحارث، وكلَّـمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى أفحمه، ثم تلا علـيه وعلـيهم:
{إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ أنْتُـمْ لَهاَ وَارِدُونَ لَوْ كان هَؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وكُلّ فِـيها خالِدُونَ ....} إلى قوله : {وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ} .
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزِّبَعْرَي بن قـيس بن عدي السهميّ حتـى جلس، فقال الولـيد بن الـمغيرة لعبد الله بن الزّبَعْري:
والله ما قام النضر بن الـحارث لابن عبد الـمطلب آنفـا وما قعد، وقد زعم أنَّا وما نعبد من آلهتنا هذه حَصَب جهنـم .
فقال عبد الله بن الزِّبَعْري: أما والله لو وجدته لـخصَمته فسلوا مـحمدا: أكلّ من عبد من دون الله فـي جهنـم مع من عَبده؟ فنـحن نعبد الـملائكة، والـيهود تعبد عُزَيرا، والنصارى تعبد الـمسيح عيسى ابن مريـم. فعجب الولـيد بن الـمغيرة ومن كان فـي الـمـجلس من قول عبد الله بن الزِّبَعْري (ورأوا أنّه قد احتـجّ وخاصم. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعري، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ كُلُّ مَنْ أحَبَّ أنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إنَّـمَا يَعْبَدُونَ الشَّياطِينَ وَمَنْ أمَرَهُمْ بعِبـادَتهِ)). فأنزل الله علـيه:
{إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ }.... إلى: {خالِدُونَ }
أي عيسى ابن مريـم، وعُزير، ومن عَبدوا من الأحبـار والرهبـان الذين مضَوا علـى طاعة الله، فـاتـخذهم مَنْ بعدهم من أهل الضلالة أربـابـا من دون الله. ... " اهـ
وفي تفسير ابن كثير لهذه الآية كذلك قال:
" ... عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }
فقال ابن الزبعري: قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا ؟ فنزلت {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }
ثم نزلت {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }
رواه الحافظ أبو عبد الله في كتابه الأحاديث المختارة ." اهـ
ثم ذكر ابن كثير كلاما مثل كلمات ابن جرير الطبري ونجو قوله أيضا ، وكيف كان الوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث قد أعجبوا من قول عبد الله بن الزبعري وخصومته وحجته.
وأقول معقبا على هذه القصة وما أستشف منها بأن قول عبد الله بن الزبعري بأنهم يعبدون عزيرا وعيسى بن مريم وأمه وكذلك الملائكة إنما هو قول كذب وذلك يريدون أن يفحموا سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – فهم لا يعبدون إلا الأصنام فقط ويعظمونها ويقدسونها أيما تقديس ، إذ أنهم لا يريدون ذكر الله وحده ، وإذا ذكر وحده اشمأزت قلوبهم بل يريدون ذكر الأنداد ممن يعبدونها حقا وصدقا وليس فيما يدعونه عندما يناظرون ويناقشون ما واجههم به سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم .
فمن ظن أنهم يعبدون عزيرا وعيسى بن مريم وأمه والملائكة فقد وهم في الأمر ، فهؤلاء لا يعبدونهم بل ذكروهم ليخاصموا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – الظاهر بالحجة والبيان ، فلما باءت مساعيهم بالفشل ، سارعوا إلى عمه أبا طالب طالبين منه أن يكف ابن أخيه عنهم وعن دعوته للناس للدخول إلى الإسلام ، فقد ضاق بهم ذرعا من دعوته ، فقاموا يعرضون عليه من الأمور المغريات من الملك إن أراد أن يكون ملكا أو جاها أن يسودوه عليهم ولا يقطعون أمرا دونه ، أو يجمعون له مالا حتى يكون أكثرهم مالا أو يزوجوه أجمل امرأة إلى غير ذلك من المغريات على شرط وهو أن يترك دعوته إلى الإسلام ، فرفض رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كل ذلك حتى لو أنهم وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره أيضًا لا يترك هذا الأمر ولو أدى ذلك إلى حياته ومات من أجله صلى الله عليه وآله وسلم .
فلما رأوا رفض النبي لمغرياتهم وإصراره على المضي في دعوته ، وأن أبا طالب لا يسلمه لأي أمر أبدا وأن بنو هاشم يدافعون عنه ، قاموا بمقاطعة وهجر بني هاشم استمرت سنتين حتى فرّج الله عنهم كربتهم.
ولم يكتفوا بذلك بل أخذ كل واحد منهم يشد على من اتبع ودخل الإسلام من الضعفاء مثل آل ياسر وبلال بن رباح الحبشي وصهيب بن سنان الرومي و عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون – رضي الله عنهم – تعذيبا وتنكيلا عليهم حتى يصدوهم عن الدين الحنيف .
ولم يقفوا إلى هذا الحد ، بل لمّا رأوا إصرار النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في دعوته للناس ، قاموا في التشهير به وخلق الأقاويل الكاذبة والدعايات الإعلامية حسب وسائل الإعلام عندهم في ذلك والوقت وهو أن يبعثوا إلى كل وفود الحجيج من يخطب فيهم ويحذرهم من الجلوس إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – والسماع إلى كلماته خشية كما هو قد حدث مع الصحابي الجليل طفيل بن عمرو الدوسي وكان سيد قومه قدم مكة حاجا فقابله نفر من قريش يحذرونه من رسول الله والسماع لأقواله، وقصته مبسوطة في كتب السيرة .
وكانوا يقولون عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه كذاب ، وتارة بأنه شاعر ، وتارة بأنه مجنون ، وتارة بأنه ساحر ، ثم أجمعوا واستقر رأيهم على أن يلقبوا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بالساحر .
وما نالت قريش من سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – إلا بعد أن مات كل من عمه أبو طالب وزوجه السيدة خديجة بنت خويلد ، فكانا خير معين ومدافع عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – حتى خرج إلى الطائف يطلب نصرتهم فقابلوه بالإسادة وسلطوا عليه سفهاءهم يعيبون عليه ويرمونه بالحجارة حتى دمت قدماه الشريفتان .
وبعد كل ما تقدم نعلم أن قريشًا عندما فشلت في الحوار معه – صلى الله عليه وآله وسلم – استخدمت اسلوب الترغيب ثم بعد ذلك تدرجت في السب والتعيير والتعذيب والشتم واستخدام القوة وذلك كله حجة العاجز الفاشل ، فقد قيل إذا رأيت مناظرًا يشتم مناظره فاعلم أنه قد خسر القضية
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
ثم يقول محمد عبد الوهاب النجدي ما نصه:
فهؤلاء المشركون مقرون يشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له ، وأنه لا يرزق إلا هو ولا يحيي إلا هو ولا يميت إلا هو ولا يدبّر الأمر إلا هو وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره .
هذا نص كلامه وإليكم النقد لكلماته:
إن المشركين لا يقرون ولا يشهدون أن الله تعالى الخالق الرازق محيي المميت الذي يدبّر الأمر كله ، وإن أدعوا بذلك فهم يكذبون ، وما قالوا بهذا إلا بعد المحاججة وتبيين حقيقة تلك الأنداد التي عبدوها من دون الله بأنها لا تضر ولا تنفع .
والمشركون لا يطلبون الرزق من عند الله تبارك وتعالى ، ولذلك قال جل وعلا في كتابه الكريم
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لايَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. سورة العنكبوت : 17
في هذه الآية نرى أن المشركين يعتقدون أن الأصنام ترزق وتنفع من دون الله تعالى فأمرهم الله تعالى أن يبتغوا الزرق من عنده وحده، وذلك لأن الكفار يطلبون ذلك من آلهتهم لاعتقادهم أنها ترزق ولها قدرة على الرزق من دون الله تعالى، فهذا دليل على أنهم لا يعتقدون بأن الله تعالى هو الرزّاق جل جلاله.
وبالنسبة بأن الله تعالى يحيي ويميت ، فإن المشركون لا يعتقدون أن الله تعالى يحي الميت بعد موته والدليل على ذلك عند قوله تعالى في سورة يـس:
{أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُل خَلْقٍ عَلِيمٌ} الآية : 77 -80
ففي تفسير ابن كثير يقول:
" قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة: جاء أبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتنه ويذريه في الهواء، وهو يقول: يامحمد أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم:
«نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار»
ونزلت هذه الآيات من آخر يس {أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } إلى آخرهن." اهـ
وفي هذه الآية أختلف المفسرون على من أنزلت هناك من أتى برواية بأنه أبي بن خلف وهناك من قال إنما هو العاص بن وائل و هناك من قال أنه عبد الله بن أبي بن سلول ، وعلى كل حال هذا دليل على أن المشركين لا يعتقدون في الله تعالى أنه يحيهم.
بل إن هناك إقرار من قبل من تأثروا بكلمات ابن عبد الوهاب وابن تيمية من المثلثة في التوحيد التي يدعوا إليها محمد عبد الوهاب وكذا ابن تيمية التي يتأسى به ، منهم عبد الرحمن عبد الخالق و عبد الرزاق العبّاد ، فأما عبد الرحمن عبد الخالق ففي كتابه "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة" نشرتها جمعية إحياء التراث الإسلامي الكويتية، وقد أثنى على كتابه صالح الفوزان، يقول عبد الرحمن في ص15:[/size]
" أ- فالعرب يعتقدون في وجود الله، وأنه خالق الكون، منزل المطر، ولكن هذا الإله في نظرهم لا يستطيع إحياءهم بعد الموت، وليست له غاية من خلق الناس غير هذه الدنيا التي خلقهم فيها، فليس هناك قيامة ولا حساب ......"
اهـ
[SIZE=20px]فهذا دليل على خطأ محمد عبد الوهاب فيما اعتقد أن المشركين يعتقدون أنه الله تعالى يحيي ويميت.
وأما عبد الرزاق العبّاد فقد قال في كتابه كتاب " القول السديد في الردِّ على من أنكر تقسيم التوحيد" له وقد أثنى عليه صالح الفوزان في مقدمته.
قال عبد الرزاق العبّاد في صفحة ص87 ما نصه:
" ثم هنا أمر لابدّ من تقريره وإيضاحه وهو أن قول أهل العلم عن المشركين بأنهم يعترفون بتوحيد الربوبية ليس المراد به أنّهم اعترفوا بهذا القسم من التوحيد على التمام، والكمال، فهذا لا يقول به أحدٌ من أهل العلم، وإنّما مرادهم تقرير ما ثبت في القرآن عن المشركين من اعترافهم بالخالق الرازق المدبر لشئون الخلق، فهذا من صفات الربوبية وخصائصها وقد آمن واعترف به المشركون، ثم هذا أيضًا ليس حكمًا عامًا مطردًا على جميع المشركين إذ منهم من وجد عنده حتى الشرك في الربوبية، ومنهم من آمن ببعض خصائص الربوبية دون بعض" اهـ
فإن كان الأمر كذلك فلا نصفهم بأوصاف المؤمنين أو نشبههم بالمؤمنين ، وقد دللت على ذلك وبينته واضحا في أحد مؤلفاتي أرد على مسألة تقسيم التوحيد ، في رسالة سميتها " الرد المحكم السديد على من أثبت تقسيم التوحيد "
وأما بالنسبة أن المشركين يكذبون في قولهم بأن الخالق الرازق هو الله جل جلاله ، فهناك آيات كثيرة تؤكد ذلك وهي قوله تعالى.
{ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ}. سورة غافر الآية: 62
وكذلك قوله تعالى:
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } سورة العنكبوت : 60.
وقال تعالى:{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون }سورة الزخرف الآية 87.
أنظر إلى قوله تعالى { فأنى يؤفكون } والإفك أشد الكذب وهذا دليل بأنهم يكذبون عندما يسألون بهذا السؤال من قبل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لأنه يجادلهم ويفحمهم ويسكتهم من خلال كلامه وحججه لهم، وأن هذه الأصنام لا تضر ولا تنفع لا تمشي ولا تتحرك ولا تبطش بيدها وليس لها عين ترى به وليسوا بأحياء ما هي إلا تماثيل نصبت.
ورسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يناقشهم في عقائدهم الفاسدة وما يعتقدونه في آلهتهم وذلك لقول الله تعالى في كتابه الكريم { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } سورة النحل: 125.
وكذلك سورة يونس قوله تعالى:
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ} . الآية 33 -
أنظر قوله تعالى فأنى يؤفكون والإفك هو الكذب وتجد تفسير ذلك عند قول الله تعالى في سورة المؤمنون الآيه 84 – 90 يقول الله تعالى:
{قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
وقد نقل محمد عبد الوهاب تلك الآيات دون أن يذكر الآيات التي تؤكد على كذب دعواهم.
وهناك من أخطأ فهم مقصدي في ذلك حيث قال بأن الله تعالى كذب قولهم بأنه خالق الكون وأنه له ملكوت كل شيء ، والرد على هذا الأمر بأن فعل الكفار كمثل فعل المنافقين الذين يقولون لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نشهد إنك لرسول الله ، والله تعالى كذب قولهم ليس معنى ذلك أن الله تعالى كذب قولهم بأن رسول الله ليس برسوله ، بل إن المنافقين يكذبون في قولهم هذا لأنهم لا يعتقدون فيه بأنه رسول الله ، وشهادتهم هذه كذب فقد آمنت أفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ونطق به اللسان.
__________________
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
ــــــــــــــــــــــ
للموضوع بقيه
تعليق