الانتخابات الرئاسية والتحولات الاجتماعية في إيران
يوسف عزيزي
ماذا حدث في ايران في الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران المنصرم؟ هل عاد التاريخ مرة اخرى الى الوراء؟ ولماذا صار الفوز من نصيب مرشح شاب لم يتوقع احد فوزه في السابع عشر من الشهر الماضي اي في المرحلة الاولى للانتخابات الرئاسية في ايران؟ هذه الاسئلة وقضايا اخرى لا تزال تشغل بال المجتمع الايراني والمتابعين لشؤونه وذلك بسبب اهمية هذه الانتخابات ونتائجها على مصير ايران والمنطقة، بل وعلى العالم.
تشهد ايران منذ قرن تقريبا تطورات سياسية مهمة بدءا بثورة الدستور ومرورا بنهوض الحركة الوطنية وحتى قيام الثورة الاسلامية التي انهت الاستبداد الشاهنشاهي. ويمكن القول بان الثورة الاسلامية في ايران لم تولد في العام 1979 الا بعملية قيصرية، اي ان انبثاقها لم يكن نتيجة لقيادة حزب او جبهة بل قامت بفعل شخصية آية الله الخميني الكاريزمية. اذ واجهت منذ ولادتها انقسامات وتناقضات وازدواجية في صفوف اصحاب الحكم لم تنته حتى يومنا هذا. فخلافا لما نشاهده في الغرب من ثبات في التركيبة الطبقية للمجتمع والحكم، شهدت السلطة الايرانية نوعا من الخلخلة او نوعا من التبدل والتغير في المواقع الطبقية للفئات الاجتماعية الحاكمة. ويستبعد المراقبون هنا رغم هزيمة الاصلاحيين وفوز احمدي نجاد المحافظ ان تنتهي الازدواجية في الحكم وتصبح السلطة الايرانية متماسكة بعد سيطرة المحافظين على جميع اركانها وسلطاتها، وذلك بسبب الطبيعة المزدوجة للطبقة الحاكمة.
وقد قادت ثنائية <<البازار رجال الدين>> الثورة الاسلامية مستخدمة فقراء المدن وقودا لها لهزيمة نظام الشاه المعتمد اساسا على البورجوازية الكبرى بنوعيها التابع (الكمبرادور) والبيروقراطي. والبازار هنا مصطلح يستخدم في ايران للدلالة على فئة التجار والكسبة في الاسواق الايرانية وخاصة في العاصمة والمدن الكبرى. وقد اصبحت الهيمنة في السلطة الايرانية في الثمانينيات من القرن المنصرم للبورجوازية الصغيرة التقليدية في المدن.
وبانتهاء الحرب العراقية الايرانية (19881980) اخذت فئة التكنوقراط والبورجوازية البيروقراطية تهيمن على مصائر البلاد وهذا ما شاهدناه في عهد رفسنجاني الذي استمر لولايتين متتاليتين (19971989). وقد ركزت حكومة هاشمي رفسنجاني على التنمية الاقتصادية الرأسمالية الطابع من دون الانتباه الى تداعياتها الاقتصادية المدمرة على الطبقات الدنيا من المجتمع الايراني.
وقد شهدت السلطة الايرانية اثر انتخاب محمد خاتمي رئيسا للجمهورية (20051997) حضورا لممثلي الطبقة الوسطى التحديثية المطالبة بالاصلاحات والتنمية السياسية في البلاد. ولم تتغير كثيرا السياسات الاقتصادية الخاصة في عهد رفسنجاني وذلك بسبب حضور بعض الشخصيات الموالية له في حكومة خاتمي. ورغم النسبة المرتفعة للتنمية الاقتصادية التي شهدناها في عهد خاتمي غير ان هذا التطور لم يكن تطورا متكافئا ليشمل كل الفئات والطبقات بما فيها الطبقات الشعبية في المجتمع الايراني حيث بلغ الامر حدا بان اصبح هناك وفقا للاحصاءات الرسمية نحو ثمانية ملايين من اصل 60 مليون ايراني يعيشون تحت خط الفقر. كما تحولت الظروف المعيشية لنصف سكان البلاد الى ظروف صعبة جدا.
وتتناقض هذه الحقائق مع ما بشرت به الثورة الايرانية التي نادت بالاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية حيث كان شعار <<استقلال، حرية، جمهورية اسلامية>> يشير الى ما كانت ترمي اليه الجماهير في ثورتها العارمة ضد حكم الشاه.
وحاولت مجموعة <<آباد كران>> اي كوادر الاعمار التي تمثل سياسيا الشباب والفئات الطامحة للتطور في صفوف المحافظين، حاولت استغلال الاستياء المتزايد في صفوف الفقراء والمهمشين واصحاب الدخول المتدنية في المجتمع الايراني كسكان الصفيح والعمال والفلاحين وصغار الموظفين لتبرز كمجموعة مناهضة لسياسات حكومتي رفسنجاني وخاتمي. وقد شن محمود احمدي نجاد مهندس سياسات هذه المجموعة ومرشحها الى الانتخابات الرئاسية هجوما لاذعا على ما وصفه بالفساد الاداري والاقتصادي في جهاز الدولة. واظهر نفسه كشخص <<من فصيلة الجماهير الشعبية>>. صحيح انه لم يحظ بمساندة الاحزاب السياسية ان كانت محافظة تقليدية او اصلاحية غير انه تمتع بمساندة قوى اكثر تنظيما في المجتمع الايراني من الاحزاب والقوى السياسية الحالية والهزيلة اساسا؛ واعني بذلك منظمة الباسيج (التعبئة التابعة لقوات الحرس الثوري) التي قامت بدور اساسي وشامل لصالح احمدي نجاد في كل انحاء ايران. ومن الآن فصاعدا ستكون اليد العليا في السلطة الايرانية للبورجوازية البيروقراطية وخاصة العسكرية منها والبورجوازية الصغيرة التقليدية.
ويبدو من الصعب القيام بتحولات اساسية في السياسات الاقتصادية لصالح الطبقات الدنيا في المجتمع الايراني كما نادى بها احمدي نجاد دون المساس بمصالح الفئات الحاكمة، لان الامر بحاجة الى تغير بنيوي في النظام الاقتصادي القائم وهو الامر الذي سيواجه مقاومة شرسة من اصحاب المصالح بمن فيهم الذين ساندوا احمدي نجاد في حملته الانتخابية ضد منافسيه الليبراليين كما يصفونهم.
ويرى بعض المحللين في نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران علائم عن تراجع العملية الديموقراطية في ايران التي بدأت منذ الثورة الدستورية في العام 1906 وتطورت حتى عصرنا هذا، فيما يرى البعض الآخر في هذه الانتخابات نوعا من الديموقراطية اجبرت المحافظين المهيمنين على القوات المسلحة والمؤسسات النافذة الاخرى ان يذعنوا لقواعد اللعبة في السلطة. ويعد هؤلاء المحللون، الامر نصرا للاصلاحيين حيث بذل الرئيس خاتمي خلال عهده جهودا كبيرة لتثبيت مفاهيم الديموقراطية واستطاع ان يغير من عقلية المجتمع الايراني قياسا لما كان سائدا قبل 8 سنوات.
ويعتقد هذا النمط من المحللين ان اهمية الانتخابات تكمن في اتخاذ التيار المتشدد، الاساليب الديموقراطية للوصول الى السلطة، وهذا يعني ان هناك تحولا نوعيا قد حدث في نظرته الى السلطة وكيفية الوصول اليها. يبدو ان كلام هؤلاء المحللين لم يكن مكتملا، الا اذا تمسك التيار الذي احتل منصب رئاسة الجمهورية بالاساليب الديموقراطية والسلمية واذا اتخذها منهجا للحكم وحافظ على المعايير التي ادت الى انتخاب مرشحه للرئاسة. فاذا قام المحافظون وخاصة المتشددين منهم بتضييق الخناق على المؤسسات المدنية والسياسية التي ترعرعت خلال الاعوام الثمانية الماضية، واذا قاموا بتقييد الشباب والنساء والقوميات اكثر مما هو قائم، فهذا يعني ان هؤلاء لم يكونوا مؤمنين بالديموقراطية بل كانوا ينوون استخدام الانتخابات كأداة للوصول الى مآربهم السياسية.
تشهد ايران منذ قرن تقريبا تطورات سياسية مهمة بدءا بثورة الدستور ومرورا بنهوض الحركة الوطنية وحتى قيام الثورة الاسلامية التي انهت الاستبداد الشاهنشاهي. ويمكن القول بان الثورة الاسلامية في ايران لم تولد في العام 1979 الا بعملية قيصرية، اي ان انبثاقها لم يكن نتيجة لقيادة حزب او جبهة بل قامت بفعل شخصية آية الله الخميني الكاريزمية. اذ واجهت منذ ولادتها انقسامات وتناقضات وازدواجية في صفوف اصحاب الحكم لم تنته حتى يومنا هذا. فخلافا لما نشاهده في الغرب من ثبات في التركيبة الطبقية للمجتمع والحكم، شهدت السلطة الايرانية نوعا من الخلخلة او نوعا من التبدل والتغير في المواقع الطبقية للفئات الاجتماعية الحاكمة. ويستبعد المراقبون هنا رغم هزيمة الاصلاحيين وفوز احمدي نجاد المحافظ ان تنتهي الازدواجية في الحكم وتصبح السلطة الايرانية متماسكة بعد سيطرة المحافظين على جميع اركانها وسلطاتها، وذلك بسبب الطبيعة المزدوجة للطبقة الحاكمة.
وقد قادت ثنائية <<البازار رجال الدين>> الثورة الاسلامية مستخدمة فقراء المدن وقودا لها لهزيمة نظام الشاه المعتمد اساسا على البورجوازية الكبرى بنوعيها التابع (الكمبرادور) والبيروقراطي. والبازار هنا مصطلح يستخدم في ايران للدلالة على فئة التجار والكسبة في الاسواق الايرانية وخاصة في العاصمة والمدن الكبرى. وقد اصبحت الهيمنة في السلطة الايرانية في الثمانينيات من القرن المنصرم للبورجوازية الصغيرة التقليدية في المدن.
وبانتهاء الحرب العراقية الايرانية (19881980) اخذت فئة التكنوقراط والبورجوازية البيروقراطية تهيمن على مصائر البلاد وهذا ما شاهدناه في عهد رفسنجاني الذي استمر لولايتين متتاليتين (19971989). وقد ركزت حكومة هاشمي رفسنجاني على التنمية الاقتصادية الرأسمالية الطابع من دون الانتباه الى تداعياتها الاقتصادية المدمرة على الطبقات الدنيا من المجتمع الايراني.
وقد شهدت السلطة الايرانية اثر انتخاب محمد خاتمي رئيسا للجمهورية (20051997) حضورا لممثلي الطبقة الوسطى التحديثية المطالبة بالاصلاحات والتنمية السياسية في البلاد. ولم تتغير كثيرا السياسات الاقتصادية الخاصة في عهد رفسنجاني وذلك بسبب حضور بعض الشخصيات الموالية له في حكومة خاتمي. ورغم النسبة المرتفعة للتنمية الاقتصادية التي شهدناها في عهد خاتمي غير ان هذا التطور لم يكن تطورا متكافئا ليشمل كل الفئات والطبقات بما فيها الطبقات الشعبية في المجتمع الايراني حيث بلغ الامر حدا بان اصبح هناك وفقا للاحصاءات الرسمية نحو ثمانية ملايين من اصل 60 مليون ايراني يعيشون تحت خط الفقر. كما تحولت الظروف المعيشية لنصف سكان البلاد الى ظروف صعبة جدا.
وتتناقض هذه الحقائق مع ما بشرت به الثورة الايرانية التي نادت بالاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية حيث كان شعار <<استقلال، حرية، جمهورية اسلامية>> يشير الى ما كانت ترمي اليه الجماهير في ثورتها العارمة ضد حكم الشاه.
وحاولت مجموعة <<آباد كران>> اي كوادر الاعمار التي تمثل سياسيا الشباب والفئات الطامحة للتطور في صفوف المحافظين، حاولت استغلال الاستياء المتزايد في صفوف الفقراء والمهمشين واصحاب الدخول المتدنية في المجتمع الايراني كسكان الصفيح والعمال والفلاحين وصغار الموظفين لتبرز كمجموعة مناهضة لسياسات حكومتي رفسنجاني وخاتمي. وقد شن محمود احمدي نجاد مهندس سياسات هذه المجموعة ومرشحها الى الانتخابات الرئاسية هجوما لاذعا على ما وصفه بالفساد الاداري والاقتصادي في جهاز الدولة. واظهر نفسه كشخص <<من فصيلة الجماهير الشعبية>>. صحيح انه لم يحظ بمساندة الاحزاب السياسية ان كانت محافظة تقليدية او اصلاحية غير انه تمتع بمساندة قوى اكثر تنظيما في المجتمع الايراني من الاحزاب والقوى السياسية الحالية والهزيلة اساسا؛ واعني بذلك منظمة الباسيج (التعبئة التابعة لقوات الحرس الثوري) التي قامت بدور اساسي وشامل لصالح احمدي نجاد في كل انحاء ايران. ومن الآن فصاعدا ستكون اليد العليا في السلطة الايرانية للبورجوازية البيروقراطية وخاصة العسكرية منها والبورجوازية الصغيرة التقليدية.
ويبدو من الصعب القيام بتحولات اساسية في السياسات الاقتصادية لصالح الطبقات الدنيا في المجتمع الايراني كما نادى بها احمدي نجاد دون المساس بمصالح الفئات الحاكمة، لان الامر بحاجة الى تغير بنيوي في النظام الاقتصادي القائم وهو الامر الذي سيواجه مقاومة شرسة من اصحاب المصالح بمن فيهم الذين ساندوا احمدي نجاد في حملته الانتخابية ضد منافسيه الليبراليين كما يصفونهم.
ويرى بعض المحللين في نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران علائم عن تراجع العملية الديموقراطية في ايران التي بدأت منذ الثورة الدستورية في العام 1906 وتطورت حتى عصرنا هذا، فيما يرى البعض الآخر في هذه الانتخابات نوعا من الديموقراطية اجبرت المحافظين المهيمنين على القوات المسلحة والمؤسسات النافذة الاخرى ان يذعنوا لقواعد اللعبة في السلطة. ويعد هؤلاء المحللون، الامر نصرا للاصلاحيين حيث بذل الرئيس خاتمي خلال عهده جهودا كبيرة لتثبيت مفاهيم الديموقراطية واستطاع ان يغير من عقلية المجتمع الايراني قياسا لما كان سائدا قبل 8 سنوات.
ويعتقد هذا النمط من المحللين ان اهمية الانتخابات تكمن في اتخاذ التيار المتشدد، الاساليب الديموقراطية للوصول الى السلطة، وهذا يعني ان هناك تحولا نوعيا قد حدث في نظرته الى السلطة وكيفية الوصول اليها. يبدو ان كلام هؤلاء المحللين لم يكن مكتملا، الا اذا تمسك التيار الذي احتل منصب رئاسة الجمهورية بالاساليب الديموقراطية والسلمية واذا اتخذها منهجا للحكم وحافظ على المعايير التي ادت الى انتخاب مرشحه للرئاسة. فاذا قام المحافظون وخاصة المتشددين منهم بتضييق الخناق على المؤسسات المدنية والسياسية التي ترعرعت خلال الاعوام الثمانية الماضية، واذا قاموا بتقييد الشباب والنساء والقوميات اكثر مما هو قائم، فهذا يعني ان هؤلاء لم يكونوا مؤمنين بالديموقراطية بل كانوا ينوون استخدام الانتخابات كأداة للوصول الى مآربهم السياسية.
كاتب ايراني
طهران
تعليق