إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

على رصيف السياسة- بقلم الرئيس سليم الحص (للقراءة)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على رصيف السياسة- بقلم الرئيس سليم الحص (للقراءة)

    على رصيف السياسة

    بقلم الرئيس سليم الحص




    أغمضت عينيّ فلم تعد الناس من حولي تراني.
    الناس تراك بعينيك أنت.
    إن كنت ترنو إلى جاه فالجاه يصدع لك.
    وإن كنت ترنو إلى مال فالمال يسعى إليك.
    وإن كنت ترنو إلى منصب فالمنصب يرخص لك.
    وإن أنت أغمضت عينيك فأنت لا ترنو، فلا جاه ولا مال ولا سلطة. ومن دون ذلك كله فأنت لست من المرئيات، الناس لا تراك.
    والناس لا تتطلع وراءها، بل تتطلع أمامها. فهي لا ترى ما خلّفت، وما بذلت، وما أنجزت، أو كيف كان صراطك. كل هذا لك وليس لهم. كل هذا بات وراءهم وهم ينظرون أمامهم.
    إنك لا تفتر عن استذكار وجوه ووجوه. هذا من كان يوماً من أقرب الناس إليك، وذاك كان من أخلص الأنام إليك، وذاك كان من أعز خلق الباري عليك. فأين هم اليوم، ماذا حل بهم، ما لهم نأوا
    أو تواروا فلم تعد تلمح منهم نظرة، ولم تعد تسمع منهم كلمة، ولم تعد تأنس منهم التفاتة؟
    الجواب عندك. ليس هناك من يفيء إلى من ليس له ظل، وليس هناك من يطرب إلى من ليس له صوت، وليس هناك من يمد يده إلى من ليس في يده ما يعطي، حتى البعوض يتفرّق عن قنديل انطفأ ضوؤه.
    الظل في الحياة سطوة، والسطوة هي الجاه وهي السلطة، وكلاهما ذروة مسار صاعد في حياة المرء، لحمته وسداه المال.
    إن من يرى في المال سبيل كفاية، سبيل اجتناب بؤرة عوز او فاقة او ذل، سبيل عيش رغيد له ولعائلته، سبيل فرصة تنفتح أمام وُلدِه لتحقيق ذاتهم بجدارتهم، إن من يرى هذا فقد رأى طريق الحياة وسط مفازة المجتمع. والمجتمع يبدو عند ذاك أقرب ما يكون الى مفازة، مساحة واسعة مسطّحة والماء فيها سراب.
    أنت قطرة في هذا اليم الغامر. أنت واحد من هذا المجتمع، سرّاؤك من سرّائه وضرّاؤك من ضرّائه. أنت لا تقدم ولا تؤخر في مده وجزره. هذا حكم من يرى في القناعة، في الاحتساب، في التواضع فضيلة.
    ومَن يرى في المال مطيّة لمجد، لجاه ونفوذ ومركز، مَن يرى الثروة غاية سقفها السماء، مَن إذا جنى ما اغتنى، إنما يجعل لوجوده ظلا ولصوته صدى لا بل لطلته إشعاعاً. فالمجد لا يرى إلا من فوق شرفة يعتليها المرء ليطلّ على المجتمع. فالمجتمع ميدان المجد، على ساحته يرتسم ظله ويرتد صداه وينعكس بريقه.
    أما من يلامس أفق السلطة في صدفة تاريخية فمجده آفل. هو قطرة طارت من اليم على جناح هبة ريح، فإذا هي سحابة صيف في سماء المجتمع، تعبر من غير ان تخلّف وراءها أثراً، وإذا انهمرت عادت كما نشأت، قطرة في يم.
    هو من هذا المجتمع وإليه يعود، يتلقى ما يتلقى من ظلال الأفذاذ وأصدائهم وبريقهم.
    طريق المجد لها خريطة، تسمى خارطة الطريق. هذه الطريق معبّدة بالمال والعصبية، وأنت الذي تعبّدها. فهي عصيّة، لا توصلك إن لم تعبّدها بيدك.
    المال والعصبية وجهان لظاهرة واحدة هي الفساد. فإذا كان المال مبعثاً للفساد فالعصبية الفئوية درع له. فتجّار العصبية يحتمون بها من سهام المساءلة والمحاسبة.
    أما في كنف ديموقراطية حقيقية فالمجد ساحة لها بوابتها: هي مسمع المجتمع وبصره ووعيه. خارطة الطريق إليها معبّدة بالخطاب والرؤية والجهد والصدقية. وكلها في منزلة النضال.
    وبين واقع كواقعنا، تتجاذبه شواغل اللحظة وشجونها، وبين واقع تسوده القيم الديموقراطية، مسافة على طول طريق معبّدة بالحريات العامة، بنظام سياسي صالح، بقيم إنسانية حضارية محصّنة بتربية الشعب وثقافته وتراثه.
    وسلوك هذا الطريق الفاصل يتطلّب هداة ومرشدين لا بل وقادة زادهم الرأي. هؤلاء قدرهم ان يعاندوا ويقاوموا ويتحدّوا متاريس ذوي المصلحة في استمرار الواقع السائد، وهؤلاء من المتسلحين بالمال او بالسلطة او كليهما معاً. هذه مناجزة، لا بل حرب ضارية تبقى غير متكافئة إلى حين، ولكنها مع الصبر والمثابرة والعزيمة، مهما طال الزمن، لن تكون حصيلتها إلا انتصاراً مبيناً للإرادة الحرة، للديموقراطية.
    في مراحل من هذه الحرب كثيراً ما يجد دعاة الديموقراطية أنفسهم على رصيف السياسة، ربما تحت لافتة العمل الوطني المجرد من المآرب الآنية.
      
    السياسة قصة حياة شعب أو أمة. وهي قصة بلا خاتمة، فلا نهاية لحياة شعب أو أمة.
    قد يكون في حياة الأمم نهضات وسقطات. ولكن الأمم لا تموت، لذا لا نهاية لحياة أمة، ولا نهاية فيها للسياسة.
    صحيح أن في منطق تأريخ الأمم العزّة حياة والذل موت. بهذا المعنى الأمم معرّضة للذل، إذاً للموت. ولكن الأمم الحيّة هي التي تستعيد عزاً بعد ذل، فهي التي تسترد حياة بعد موت، مهما طال الزمن ومهما بلغ العناء.
    السياسي هو الذي يواكب حياة أمته فكراً ووجداناً ومعايشة، والسياسي الناجح هو الذي ترتسم آثار قدميه على الطريق، وحياة الأمم طريق لا نهاية لها.
    من السياسيين من يخلّفون أثراً أو ذكراً بدور يؤدونه في مسيرة حياة أمتهم، في صعودها، في تحليقها، ومنهم من يخلّفون هذا الأثر أو الذكر بدور يقومون به في حركة انحدار أمتهم أو تقهقرها، في كلتا الحالتين يدخل إسم السياسي في تاريخ أمته بأحرف ناتئة، وهذا في ذاته، في منطق السياسة، هو معيار النجاح والفلاح. هكذا، نجاح السياسي وبالتالي مجده ليس بالضرورة قريناً لصعود أمته أو ازدهارها أو مجدها.
    في منتصف العمر، وجدتني فجأة، في صدفة تاريخية، على الطريق أُواكب حياة شعبي وأمتي. كانت حقبة شدة ومعاناة وتحديات، ولكنها كانت أيضاً صفحة تشبّث بالحياة ومقاومة لقوى الشر والتقهقهر وتصميم على النهوض.
    قد يكون عملي السياسي أثراً بعد عين، بمعنى أن نظرة العين كما صيحة الفم لا تخلّف وراءها أثراً، بخلاف خفق القدمين.
    سطّرت نتاج رحلتي في السياسة، تجارب وآراء ومواقف، عسى أن يكون في الكتابة على جدران الطريق عوض، أو ربما بعض عوض، عن أثر لقدم على الطريق.
    صحيح أن لا خاتمة لحياة الأمم، ولا نهاية للسياسة فيها، ولكن حياة السياسي، وهو من بني الإنسان، قصيرة، لها نهاية ولو أن السياسي لا يراها، فهي بالضرورة طريق مسدود، طالت أم قصرت.
    هذه كلمات، على جدران الطريق، طريق لاحت نهايتها.
    قدر من يسطّر كلمات على جدران الطريق أن يمشي على رصيفها. وقد شعرت، وأنا أسطر آخر الكلمات، أنني واقف على رصيف السياسة، وليس لهذه الكلمات صدى على قارعة الطريق. قارعة الطريق حكر على أناس أنت لست منهم.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X