هذا نص المناظرة التي جرت بين يوحنا كبير رجال الكنيسة وبين كبار علماء المذاهب الاربعةحول عقيدة الشيعة الامامية (الرافضة)(الجزء الاول)
قال العلمأ : يا يوحنّا إنّهم أبدعوا في الدين بدعا فمنها: أنّهم
يدّعون أنّ عليّا ـ عليه السلام ـ أفضل الناس بعد رسول اللّه ـ صلّى اللّه
عليه وآله ـ ويفضّلونه على الخلفأ الثلاثة(65) ، والصدر الاوّل أجمعوا
على أنّ أفضل الخلفأ كبير تيم(66) قال يوحنّا : أفترى إذا قال أحد: إنّ
عليّا يكون خيرا من أبي بكر وأفضل منه تكفّرونه ؟
قالوا : نعم لانّه خالف الاجماع .
قال يوحنّا : فما تقولون في محدّثكم الحافظ أبي بكر أحمد بن
موسى بن مردويه ؟
قال العلمأ : هو ثقة مقبول الرواية صحيح المثل .
قال يوحنّا : هذا كتابه المسمّى بكتاب المناقب روى فيه أنّ
رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وآله ـ قال : (( علي خير البشر ، ومن أبى فقد
كفر ))(67) .
وفي كتابه أيضا يسأل حذيفة عن علي ـ عليه السلام ـ قال : (( أنا
خير هذه الاُمّة بعد نبيّها ، ولا يشكّ في ذلك إلاّ منافق ))(68) .
وفي كتابه أيضا عن سلمان ، عن النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ أنّه قال :
(( علي ابن أبي طالب خير من أُخلّفه بعدي ))(69) .
وفي كتابه أيضا عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ قال : (( أخي ووزيري وخير من أُخلّفه بعـدي علـي بـن أبـي
طالب ))(70).
وعن إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أنّ النبي ـ صلّى اللّه
عليه وآله ـ قال لفاطمة : (( أما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلما ،
وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلماً ))(71) .
وروي في مسند أحمد بن حنبل أيضا أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ قال : (( اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ))(72) فجأ علي بن أبي
طالب في حديث الطائر ، وذكر هذا الحديث النسائي والترمذي في
صحيحهما(73) وهما من علمائكم .
وروى أخطب خوارزم في كتاب المناقب وهو من علمائكم عن
معاذ بن جبل قال : قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( يا علي
أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي ، وتخصم الناس بسبع فلا يحاجّك
أحد من قريش : أنت أوّلهم إيمانا باللّه وأوفاهم بأمر اللّه وبعهده ،
وأقسمهم بالسوّية ، وأعدلهم بالرعيّة ، وأبصرهم بالقضيّة ، وأعظمهم
يوم القيامة عند اللّه عزّ وجلّ في المزيّة ))(74) .
وقال صاحب كفاية الطالب من علمائكم : هذا حديث حسن عال
رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الاوليأ(75) .
قال يوحنّا : فيا أئمّة الاسلام فهذه أحاديث صحاح روتها
أئمّتكم وهي مصرّحة بأفضليّة علي وخيرته على جميع الناس ، فما
ذنب الرافضة ؟ وإنّما الذنب لعلمائكم والذين يروون ما ليس بحقّ ،
ويفترون الكذب على اللّه ورسوله .
قالوا : يا يوحنّا ، إنّهم لم يرووا غير الحقّ ، ولم يفتروا بل
الاحاديث لها تأويلات ومعارضات .
قال يوحنّا : فأيّ تأويل تقبل هذه الاحاديث بالتخصيص على
البشر ، فإنّه نصّ في أنّه خير من أبي بكر إلاّ أن تخرجوا أبا بكر من البشر .
سلّمنا أنّ الاحاديث لا تدلّ ذلك فأخبروني أيّهم أكثر جهادا ؟
فقالوا : علي .
قال يوحنّا : قال اللّه تعالى : ( وفضّل اللّه المجاهدين على
القاعدين أجرا عظيماً )(76) وهذا نصّ صريح .
قالوا : أبو بكر أيضا مجاهد فلا يلزم تفضيله عليه .
قال يوحنّا : الجهاد الاقلّ إذا نسب إلى الجهاد الاكثر بالنسبة إليه
قعود ، وهب أنّه كذلك فما مراد كم بالافضل ؟
قالوا : الذي تجتمع فيه الكمالات والفضائل الجبلّيّة والكسبية
كشرف الاصل والعلم والزهد والشجاعة والكرم وما يتفرّع عليها .
قال يوحنّا : فهذه الفضائل كلّها لعلي ـ عليه السلام ـ بوجه هو أبلغ
من حصولها لغيره .
قال يوحنّا : أمّا شرف الاصل فهو ابن عمّ النبىّ ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ ، وزوج ابنته ، وأبو سبطيه .
وأمّا العلم فقال النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( أنا مدينة العلم
وعلي بابها ))(77) وقد تقرّر في العقل أن أحدا لا يستفيد من المدينة شيئا
إلاّ إذا أخذ من الباب ، فانحصر طريق الاستفادة من النبيّ ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ في علي ـ عليه السلام ـ ، وهذه مرتبة عالية ، وقال ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ (( أقضاكم عليّ ))(78) وإليه تُعزى كلّ قضيّة ، وتنتهي كلّ فرقة ،
وتنحاد إليه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ،
وسابق مضمارها ، ومجلّي حلبتها ، كلّ من برع فيها فمنه أخذ ، وبه
اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ، وقد عرفتم أنّ أشرف العلوم العلم الالهي ،
ومن كلامه اقتبس ، وعنه نقل ، ومنه ابتدأ .
فإنّ المعتزلة الذين هم أهل النظر ومنهم تعلّم الناس هذا الفنّ هم
تلامذته ، فإنّ كبيرهم واصل بن عطأ تلميذ أبي هاشم عبد اللّه بن محمد
ابن الحنفيّة(79) ، وأبو هاشم عبد اللّه تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذ علي بن أبى
طالب ـ عليه السلام ـ .
وأمّا الاشعريوّن فإنّهم ينتهون إلى أبي الحسن الاشعري وهو
تلميذ أبي علي الجبائي ، وهو تلميذ واصل بن عطأ(80) .
وأمّا الامامية والزيدية فانتهاؤهم إليه ظاهر .
وأمّاعلمالفقهفهوأصلهوأساسه،وكلّفقيهفيالاسلام فإليهيعزينفسه.
أمّا مالك فأخذ الفقه عن ربيعة الرأي ، وهو أخذ عن عكرمة ، وهو
أخذ عن عبد اللّه ، وهو أخذ عن علي .
وأمّا أبو حنيفة فعن الصادق ـ عليه السلام ـ .
وأمّا الشافعي فهو تلميذ مالك ، والحنبلي تلميذ الشافعي(81) ،
وأمّا فقهأ الشيعة فرجوعهم إليه ظاهر ، وأمّا فقهأ الصحابة فرجوعهم
إليه ظاهر كابن عبّاس وغيره ، وناهيكم قول عمر غير مرّة : (( لا يفتين
أحد في المسجد وعلي حاضر )) وقوله : (( لا بقيـت لمعضلـة ليس لهـا
أبو الحسن ))(82) ، وقوله : (( لو لا علي لهلك عمر ))(83) .
وقال الترمذي في صحيحه والبغوي عن أبى بكر قال : قال رسول
اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى
نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران
في بطشه فلينظر إلى علي بن أبى طالب ))(84) .
وقال البيهقي بإسناده إلى رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ (( من
أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في
حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي
بن أبي طالب ))(85) وهو الذي بيّن حدّ الشرب(86) ، وهو الذي أفتى في
المرأة التي وضعت لستّة أشهر(87) ، وبقسمة الدراهم على صاحب
الارغفة(88) والامر بشقّ الولد نصفى(89) ، والامر بضرب عنق العبد ،
والحاكم في ذي الرأسيـن(90) مبيـن أحكـام البغـاة(91) ، وهـو الـذي
أفتـى في الحامل الزانية(92) .
ومن العلوم علم التفسير ، وقد علم الناس حال ابن عبّاس فيه
وكان تلميذ علي ـ عليه السلام ـ . وسئل فقيل له : أين علمك من علم ابن
عمّك ؟
فقال : كبشة مطرفي البحر المحيط(93) .
ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة ، وعلم التصوّف ، وقد علمتم
أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الاسلام إليه ينتهون ، وعنده يقفون ،
وقد صرّح بذلك الشبلي والحنبلي وسرى السقطي وأبو زيد البسطامي
وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم ، ويكفيكم دلالة على ذلك
الخرقة التي هي شعارهم وكونهم يسندونها بإسناد معنعن إليه أنّه
واضعها(94) .
ومن العلوم علم النحو والعربية ، وقد علم الناس كافّة أنّه هو الذي
ابتدعه وأنشأه ، وأملى على أبي الاسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق
بالمعجزات ، لانّ القوّة البشريّة لا تفي بمثل هذا الاستنباط .
فأين من هو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنا ( أبّا ) فيقول : لا
أقول في كتاب اللّه برأيي ، ويقضي في ميراث الجدّ بمائة قضية يغاير
بعضها بعضا ، ويقول : إن زغت فقوّموني وإن استقمت فاتّبعوني(95) .
وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال : سلونى قبل أن تفقدوني(96) ،
سلوني عن طرق السمأ فواللّه اني لاعلم بها منكم من طرق الارض ؟
وقال : إنّ هاهنا لعلما جما ، وضرب بيده على صدره ، وقال : لو كشف
الغطأ ما ازددت يقينا فقد ظهر أنّه أعلم(97) .
وأمّا الزهد فإنّه سيّد الزهّاد ، وبدل الابدال ، وإليه تُشدّ الرحال ،
وتنقص الاحلاس ، وما شبع من طعام قطّ ، وكان أخشن الناس لبسا
ومأكلاً .
قال عبد اللّه بن أبي رافع : دخلت على علي ـ عليه السلام ـ يوم
عيد فقدم جرابا مختوما فوجد فيه خبزا شعيرا يابسا مرضوضا فتقدّم
فأكل .
فقلت : يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وإنّما هو خبز شعير ؟
فقال : خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن(98) . وكان ثوبه
مرقوعا بجلد تارة وبليف أُخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس
الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلاً قطعه بشفرة ولم يخيطه ، وكان لا
يزال ساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى بلا لحمة ، وكان يأتدم إذا
ائتدم بالخلّ والملح فإن ترقّى عن ذلك فبعض نبات الارض ، فإن ارتفع
عن ذلك فبقليل من ألبان الابل ، ولا يأكل اللحم إلاّ قليلاً ويقول : لا
تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات ، وكان مع ذلك أشدّ الناس قوّة ،
وأعظمهم يدا(99) .
وأمّا العبادة فمنه تعلّم الناس صلاة الليل ، وملازمة الاوراد ،
وقيام النافلة ، وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير ، ومن محافظته
على ورده أن بسط له نطع بين الصفّين ليلة الهـرير فيصلّي عليه والسهام
تقع عليه وتمرّ على صماخيه يمينا وشمالاً فلا يرتاع لذلك ولا يقوم
حتى يفرغ من وظيفته .
فأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم
اللّه سبحانه وتعالى وإجلاله وما تضمّنته من الخضوع لهيبته والخشوع
لعزّته عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص .
وكان زين العابدين ـ عليه السلام ـ يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة
ويقول : أنّى لي بعبادة علي ـ عليه السلام ـ(100) .
يليه الجزء الثاني
زاهد
قال العلمأ : يا يوحنّا إنّهم أبدعوا في الدين بدعا فمنها: أنّهم
يدّعون أنّ عليّا ـ عليه السلام ـ أفضل الناس بعد رسول اللّه ـ صلّى اللّه
عليه وآله ـ ويفضّلونه على الخلفأ الثلاثة(65) ، والصدر الاوّل أجمعوا
على أنّ أفضل الخلفأ كبير تيم(66) قال يوحنّا : أفترى إذا قال أحد: إنّ
عليّا يكون خيرا من أبي بكر وأفضل منه تكفّرونه ؟
قالوا : نعم لانّه خالف الاجماع .
قال يوحنّا : فما تقولون في محدّثكم الحافظ أبي بكر أحمد بن
موسى بن مردويه ؟
قال العلمأ : هو ثقة مقبول الرواية صحيح المثل .
قال يوحنّا : هذا كتابه المسمّى بكتاب المناقب روى فيه أنّ
رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وآله ـ قال : (( علي خير البشر ، ومن أبى فقد
كفر ))(67) .
وفي كتابه أيضا يسأل حذيفة عن علي ـ عليه السلام ـ قال : (( أنا
خير هذه الاُمّة بعد نبيّها ، ولا يشكّ في ذلك إلاّ منافق ))(68) .
وفي كتابه أيضا عن سلمان ، عن النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ أنّه قال :
(( علي ابن أبي طالب خير من أُخلّفه بعدي ))(69) .
وفي كتابه أيضا عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ قال : (( أخي ووزيري وخير من أُخلّفه بعـدي علـي بـن أبـي
طالب ))(70).
وعن إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أنّ النبي ـ صلّى اللّه
عليه وآله ـ قال لفاطمة : (( أما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلما ،
وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلماً ))(71) .
وروي في مسند أحمد بن حنبل أيضا أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ قال : (( اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ))(72) فجأ علي بن أبي
طالب في حديث الطائر ، وذكر هذا الحديث النسائي والترمذي في
صحيحهما(73) وهما من علمائكم .
وروى أخطب خوارزم في كتاب المناقب وهو من علمائكم عن
معاذ بن جبل قال : قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( يا علي
أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي ، وتخصم الناس بسبع فلا يحاجّك
أحد من قريش : أنت أوّلهم إيمانا باللّه وأوفاهم بأمر اللّه وبعهده ،
وأقسمهم بالسوّية ، وأعدلهم بالرعيّة ، وأبصرهم بالقضيّة ، وأعظمهم
يوم القيامة عند اللّه عزّ وجلّ في المزيّة ))(74) .
وقال صاحب كفاية الطالب من علمائكم : هذا حديث حسن عال
رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الاوليأ(75) .
قال يوحنّا : فيا أئمّة الاسلام فهذه أحاديث صحاح روتها
أئمّتكم وهي مصرّحة بأفضليّة علي وخيرته على جميع الناس ، فما
ذنب الرافضة ؟ وإنّما الذنب لعلمائكم والذين يروون ما ليس بحقّ ،
ويفترون الكذب على اللّه ورسوله .
قالوا : يا يوحنّا ، إنّهم لم يرووا غير الحقّ ، ولم يفتروا بل
الاحاديث لها تأويلات ومعارضات .
قال يوحنّا : فأيّ تأويل تقبل هذه الاحاديث بالتخصيص على
البشر ، فإنّه نصّ في أنّه خير من أبي بكر إلاّ أن تخرجوا أبا بكر من البشر .
سلّمنا أنّ الاحاديث لا تدلّ ذلك فأخبروني أيّهم أكثر جهادا ؟
فقالوا : علي .
قال يوحنّا : قال اللّه تعالى : ( وفضّل اللّه المجاهدين على
القاعدين أجرا عظيماً )(76) وهذا نصّ صريح .
قالوا : أبو بكر أيضا مجاهد فلا يلزم تفضيله عليه .
قال يوحنّا : الجهاد الاقلّ إذا نسب إلى الجهاد الاكثر بالنسبة إليه
قعود ، وهب أنّه كذلك فما مراد كم بالافضل ؟
قالوا : الذي تجتمع فيه الكمالات والفضائل الجبلّيّة والكسبية
كشرف الاصل والعلم والزهد والشجاعة والكرم وما يتفرّع عليها .
قال يوحنّا : فهذه الفضائل كلّها لعلي ـ عليه السلام ـ بوجه هو أبلغ
من حصولها لغيره .
قال يوحنّا : أمّا شرف الاصل فهو ابن عمّ النبىّ ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ ، وزوج ابنته ، وأبو سبطيه .
وأمّا العلم فقال النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( أنا مدينة العلم
وعلي بابها ))(77) وقد تقرّر في العقل أن أحدا لا يستفيد من المدينة شيئا
إلاّ إذا أخذ من الباب ، فانحصر طريق الاستفادة من النبيّ ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ في علي ـ عليه السلام ـ ، وهذه مرتبة عالية ، وقال ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ (( أقضاكم عليّ ))(78) وإليه تُعزى كلّ قضيّة ، وتنتهي كلّ فرقة ،
وتنحاد إليه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ،
وسابق مضمارها ، ومجلّي حلبتها ، كلّ من برع فيها فمنه أخذ ، وبه
اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ، وقد عرفتم أنّ أشرف العلوم العلم الالهي ،
ومن كلامه اقتبس ، وعنه نقل ، ومنه ابتدأ .
فإنّ المعتزلة الذين هم أهل النظر ومنهم تعلّم الناس هذا الفنّ هم
تلامذته ، فإنّ كبيرهم واصل بن عطأ تلميذ أبي هاشم عبد اللّه بن محمد
ابن الحنفيّة(79) ، وأبو هاشم عبد اللّه تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذ علي بن أبى
طالب ـ عليه السلام ـ .
وأمّا الاشعريوّن فإنّهم ينتهون إلى أبي الحسن الاشعري وهو
تلميذ أبي علي الجبائي ، وهو تلميذ واصل بن عطأ(80) .
وأمّا الامامية والزيدية فانتهاؤهم إليه ظاهر .
وأمّاعلمالفقهفهوأصلهوأساسه،وكلّفقيهفيالاسلام فإليهيعزينفسه.
أمّا مالك فأخذ الفقه عن ربيعة الرأي ، وهو أخذ عن عكرمة ، وهو
أخذ عن عبد اللّه ، وهو أخذ عن علي .
وأمّا أبو حنيفة فعن الصادق ـ عليه السلام ـ .
وأمّا الشافعي فهو تلميذ مالك ، والحنبلي تلميذ الشافعي(81) ،
وأمّا فقهأ الشيعة فرجوعهم إليه ظاهر ، وأمّا فقهأ الصحابة فرجوعهم
إليه ظاهر كابن عبّاس وغيره ، وناهيكم قول عمر غير مرّة : (( لا يفتين
أحد في المسجد وعلي حاضر )) وقوله : (( لا بقيـت لمعضلـة ليس لهـا
أبو الحسن ))(82) ، وقوله : (( لو لا علي لهلك عمر ))(83) .
وقال الترمذي في صحيحه والبغوي عن أبى بكر قال : قال رسول
اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى
نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران
في بطشه فلينظر إلى علي بن أبى طالب ))(84) .
وقال البيهقي بإسناده إلى رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ (( من
أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في
حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي
بن أبي طالب ))(85) وهو الذي بيّن حدّ الشرب(86) ، وهو الذي أفتى في
المرأة التي وضعت لستّة أشهر(87) ، وبقسمة الدراهم على صاحب
الارغفة(88) والامر بشقّ الولد نصفى(89) ، والامر بضرب عنق العبد ،
والحاكم في ذي الرأسيـن(90) مبيـن أحكـام البغـاة(91) ، وهـو الـذي
أفتـى في الحامل الزانية(92) .
ومن العلوم علم التفسير ، وقد علم الناس حال ابن عبّاس فيه
وكان تلميذ علي ـ عليه السلام ـ . وسئل فقيل له : أين علمك من علم ابن
عمّك ؟
فقال : كبشة مطرفي البحر المحيط(93) .
ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة ، وعلم التصوّف ، وقد علمتم
أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الاسلام إليه ينتهون ، وعنده يقفون ،
وقد صرّح بذلك الشبلي والحنبلي وسرى السقطي وأبو زيد البسطامي
وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم ، ويكفيكم دلالة على ذلك
الخرقة التي هي شعارهم وكونهم يسندونها بإسناد معنعن إليه أنّه
واضعها(94) .
ومن العلوم علم النحو والعربية ، وقد علم الناس كافّة أنّه هو الذي
ابتدعه وأنشأه ، وأملى على أبي الاسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق
بالمعجزات ، لانّ القوّة البشريّة لا تفي بمثل هذا الاستنباط .
فأين من هو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنا ( أبّا ) فيقول : لا
أقول في كتاب اللّه برأيي ، ويقضي في ميراث الجدّ بمائة قضية يغاير
بعضها بعضا ، ويقول : إن زغت فقوّموني وإن استقمت فاتّبعوني(95) .
وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال : سلونى قبل أن تفقدوني(96) ،
سلوني عن طرق السمأ فواللّه اني لاعلم بها منكم من طرق الارض ؟
وقال : إنّ هاهنا لعلما جما ، وضرب بيده على صدره ، وقال : لو كشف
الغطأ ما ازددت يقينا فقد ظهر أنّه أعلم(97) .
وأمّا الزهد فإنّه سيّد الزهّاد ، وبدل الابدال ، وإليه تُشدّ الرحال ،
وتنقص الاحلاس ، وما شبع من طعام قطّ ، وكان أخشن الناس لبسا
ومأكلاً .
قال عبد اللّه بن أبي رافع : دخلت على علي ـ عليه السلام ـ يوم
عيد فقدم جرابا مختوما فوجد فيه خبزا شعيرا يابسا مرضوضا فتقدّم
فأكل .
فقلت : يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وإنّما هو خبز شعير ؟
فقال : خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن(98) . وكان ثوبه
مرقوعا بجلد تارة وبليف أُخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس
الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلاً قطعه بشفرة ولم يخيطه ، وكان لا
يزال ساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى بلا لحمة ، وكان يأتدم إذا
ائتدم بالخلّ والملح فإن ترقّى عن ذلك فبعض نبات الارض ، فإن ارتفع
عن ذلك فبقليل من ألبان الابل ، ولا يأكل اللحم إلاّ قليلاً ويقول : لا
تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات ، وكان مع ذلك أشدّ الناس قوّة ،
وأعظمهم يدا(99) .
وأمّا العبادة فمنه تعلّم الناس صلاة الليل ، وملازمة الاوراد ،
وقيام النافلة ، وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير ، ومن محافظته
على ورده أن بسط له نطع بين الصفّين ليلة الهـرير فيصلّي عليه والسهام
تقع عليه وتمرّ على صماخيه يمينا وشمالاً فلا يرتاع لذلك ولا يقوم
حتى يفرغ من وظيفته .
فأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم
اللّه سبحانه وتعالى وإجلاله وما تضمّنته من الخضوع لهيبته والخشوع
لعزّته عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص .
وكان زين العابدين ـ عليه السلام ـ يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة
ويقول : أنّى لي بعبادة علي ـ عليه السلام ـ(100) .
يليه الجزء الثاني
زاهد