هذا نص المناظرة التي جرت بين يوحنا كبير رجال الكنيسة وبين كبار علماء المذاهب الاربعةحول عقيدة الشيعة الامامية (الرافضة)(الجزء الثاني)
ويكمل يو حنا سرد فضائل الامام علي (ع) فيقول
وأمّا الشجاعة فهو ابن جلاها وطلاّ ع ثناياها ، نسى الناس فيها ذكر
من قبله ، ومحى اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحروب مشهورة
تُضرب بها الامثال إلى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فرقط ولا ارتاع
من كتيبة ، ولا بارز أحدا إلاّ قتله ، ولا ضرب ضربة قطّ فاحتاجت إلى
ثانية .
وجأ في الحديث إذا ضرب واعتلا قدّ ، وإذا ضرب واعترض
قطّ ، وفي الحديث : كانت ضرباته وترا(101) ، وكان المشركون إذا أبصروه
في الحرب عهد بعضهم إلى بعض ، وبسيفه شيّدت مباني الدين ، وثبتت
دعائمه ، وتعجّبت الملائكة من شدّة ضرباته وحملاته .
وفي غزوة بدر الداهية العظمى على المسلمين قتل فيها صناديد
قريش كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد ونوفل بن خويلد الذي قرن
أبا بكر وطلحة قبل الهجرة وعذّبهما ، وقال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ : (( الحمد للّه الذي أجاب دعوتي فيه ))(102) ولم يزل في ذلك يصرع
صنديدا بعد صنديد حتى قتل نصف المقتولين فكان سبعين ، وقتل
المسلمون كافّة مع ثلاثة الاف من الملائكة مسوّمين النصف الاخر(103) ،
وفيه نادى جبرئيل :
(( لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ علي ))(104)
ويوم أُحد لما انهزم المسلمون عن النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ
ورُمي رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ إلى الارض وضربه المشركون
بالسيوف والرماح وعلي ـ عليه السلام ـ مصلت سيفه قدّامه ، ونظر النبي
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ بعد إفاقته من غشوته فقال : يا علي ما فعل
المسلمون ؟
فقال : نقضوا العهود وولّوا الدبر .
فقال : اكفني هؤلا ، فكشفهم عنه ولم يزل يصادم كتيبة بعد كتيبة
وهو ينادي المسلمين حتى تجمّعوا وقال جبرئيل ـ عليه السلام ـ : إنّ
هذه لهي المواساة ، لقد عجبت الملائكة من حسن موالاة علي لك
بنفسه .
فقال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : وما يمنعه من ذلك وهو
منّي وأنا منه(105) . ولثبات علي ـ عليه السلام ـ رجع بعض المسلمين
ورجع عثمان بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : فقد
ذهبت بها عريضة(106) .
وفي غزاة الخندق إذ أحدق المشركون بالمدينة كما قال اللّه
تعالى : ( إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار
وبلغت القلوب الحناجر )(107) ، ودخل عمرو بن عبدودّ الخندق على
المسلمين ونادى بالبراز فأحجم عنه المسلمون وبرز علي ـ عليه
السلام ـ متعمّما بعمامة رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ وبيده سيف
فضربه ضربة كانت توازن عمل الثقلين إلى يوم القيامة(108) ، وأين هناك
أبو بكر وعمر وعثمان .
ومن نظر غزوات الواقدي وتاريخ البلاذري علم محلّه من رسول
اللّه من الجهاد وبلاه يوم الاحزاب ، وهو يوم بني المصطلق ، ويوم قلع
باب خيبر ، وفي غزاة خيبر ، وهذا باب لا يغني الاطناب فيه لشهرته .
وروى أبو بكر الانباري في أماليه أنّ عليا ـ عليه السلام ـ جلس
إلى عمر في المسجد وعنده أُناس ، فلمّا قام عرّض واحد بذكره ونسبه
إلى التيه والعجب .
فقال عمر : لمثله أن يتيه واللّه لولا سيفه لما قام عمود الدين ، وهو
بعد أقضى الاُمّة وذو سابقتها ، وذو شأنها .
فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين منه ؟
فقال : ما كرهناه إلاّ على حداثة سنّه ، وحبّه لبني عبد المطّلب ،
وحمله سورة برأة إلى مكّة .
ولما دعا معاوية إلى البراز لتسريح الناس من الحرب بقتل
أحدهما فقال له عمرو : قد أنصفك الرجل .
فقال له معاوية : ما غششتني كلّما نصحتني إلاّ اليوم ، أتأمرني
بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنّه الشجاع المطوق ؟ أراك طمعت في
إمارة الشام بعدي(109) .
وكانت العرب تفتخر لوقوعها في الحرب في مقابلته ، فأمّا قتلاه
فافتخر رهطهم لانّه ـ عليه السلام ـ قتلهم وأظهر وأكثر من أن يحصى
وقالت(110) في عمرو بن عبدود ترثيه :
لو كان قاتل عمرو غير قاتلهبكيته أبدا ما عشت في الابد
لكن قاتله من لا نظير لهقد كان يدعى أبوه بيضة البلد(111)
وجملة الامر أنّ كلّ شجاع في الدنيا إليه ينتمي ، وباسمه من
مشارق الارض ومغاربها .
وأمّا كرمه وسخاؤه فهو الذي كان يطوي في صيامه حتى صام
طاويا ثلاثة أيام يؤثر السّؤال كلّ ليلة بطعامه حتى أنزل اللّه فيه : ( هل
أتى على الانسان )(112) وتصدّق بخاتمـه فـي الركـوع فنزلـت الايـة :
(إنّما وليّكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون )(113) ، وتصدّق بأربعـة دراهم فأنـزل اللّه فيـه الاية :
(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّا وعلانية )(114) وتصدّق
بعشرة دراهم يوم النجوى(115) فخفّف اللّه سبحانه عن سائر الاُمّة بها ،
وهو الذي كان يستسقي للنخل بيده ويتصدّق بأجرته ، وفيه قال معاوية
بن أبي سفيان الذي كان عدوّه لمحفن الضبي لما قال له : جئتك من عند
أبخل الناس ، فقال : ويحك كيف قلت ؟ تقول له أبخل الناس ولو ملك
بيتا من تبر وبيتا من تبن لانفق تبره قبل تبنه(116) ، وهو الذي يقول : يا
صفرأ ويا بيضأ غرّي غيري ، بى تعرّضت أم لي تشوّقت ، هيهات
هيهات قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها(117) ، وهو الذي جاد بنفسه ليلة
الفراش وفدى النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ حتى نزل في حقّه : ( ومن
الناس من يشري نفسه ابتغأ مرضاة اللّه )(118) .
قال يوحنّا : فلمّا سمعوا هذا الكلام لم ينكره أحد منهم ، وقالوا :
صدقت إنّ هذا الذي قلت قرأناه من كتبنا ونقلناه عن أئمتنا لكن محبّة
اللّه ورسوله وعنايتهما أمر ورأ هذا كلّه ، فعسى اللّه أن يكون له عناية
بأبي بكر أكثر من علي فيفضّله عليه .
قال يوحنّا : إنّا لا نعلم الغيب ، ولا يعلم الغيب إلاّ اللّه تعالى ، وهذا
الذي قلتموه تخرص ، وقال اللّه تعالى : ( قتل الخرّاصون )(119) ونحن
إنّما نحكم بالشواهد التي لعلي ـ عليه السلام ـ على أفضليته فذكرناها .
وأمّا عناية اللّه به فتحصل من هذه الكمالات دليل قاطع عليها ،
فأيّ عناية خير من أن يجعل بعد نبيّه أشرف الناس نسبا ، وأعظمهم
حلما ، وأشجعهم قلبا ، وأكثرهم جهادا وزهدا وعبادة وكرما وورعا ،
وغير ذلك من الكمالات القديمة ، هذا هو العناية .
وأمّا محبّة اللّه ورسوله فقد شهد بها رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ في مواضع ؛ منها: الموقف الذي لم ينكر وهو يوم خيبر ، إذ قال
النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( لاعطينّ الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه
ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ))(120) فأعطاها عليا .
وروى عالمكم أخطب خوارزم في كتاب المناقب أنّ النبي
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ قال : (( يا علي لو أنّ عبدا عبد اللّه عزّ وجلّ مثلما
قام نوح في قومه ، وكان له مثل جبل أُحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللّه ،
ومدّ في عمره حتى حجّ ألف حجّة على قدميه ، ثمّ قتل ما بين الصفا
والمروة مظلوما ثمّ لم يوالك يا علي لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها
))(121) .
وفي الكتاب المذكور قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( لو
اجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب لم يخلق اللّه النار ))(122) وفي
كتاب الفردوس : حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيئة لا
تنفع معها حسنة(123) .
وفي كتاب ابن خالويه عن حذيفة بن اليمان قال ، قال رسول اللّه
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( من أراد أن يتصدّق بفصّه الياقوت التي خلق اللّه
بيده ثمّ قال لها: كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب بعدي )) .
وفي مسند أحمد بن حنبل في المجلّد الاوّل : أنّ رسول اللّه
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ أخذ بيد حسن وحسين وقال : (( من أحبّني وأحبّ
هذين وأحبّ أباهما كان معي في درجتي يوم القيامة ))(124) .
قال يوحنّا : يا أئمة الاسلام هل بعد هذا كلام في قول اللّه تعالى
ورسوله في محبّته وفي تفضيله على من هو عاطل عن هذه الفضائل ؟
قالت الائمّة : يا يوحنّا ، الرافضة يزعمون أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ أوصى بالخلافة إلى علي ـ عليه السلام ـ ونصّ عليه بها ، وعندنا
أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ لم يوص إلى أحد بالخلافة .
قال يوحنّا : هذا كتابكم فيه : ( كُتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموتُ إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والاقربين )(125) .
وفي بخاريّكم يقول : قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( ما من
حق امرئ مسلم أن يبيت إلاّ وصيته تحت رأسه ))(126) أفتصدقون أنّ
نبيّكم يأمر بما لا يفعل مع أنّ في كتابكم تقريعاً للذي يأمر بما لا يفعل
من قوله : ( أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب
أفلا تعقلون )(127) فواللّه إن كان نبيّكم قد مات بغير وصيّة فقد خالف أمر
ربّه ، وناقض قول نفسه ، ولم يقتد بالانبيأ الماضية من إيصائهم إلى مـن
يقـوم بالامـر من بعـدهم ، علـى أنّ اللّه تعالى يقول : ( فبهداهم اقتده
)(128) لكنّه حاشاه من ذلك وإنّما تقولون هذا لعدم علم منكم وعناد ، فإنّ
إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أنّ سلمان قال : يا رسول اللّه
فمن وصيّك ؟
قال : يا سلمان مَنْ كان وصيّ أخي موسى ـ عليه السلام ـ ؟
قال : يوشع بن نون ! قال : فإنّ وصيّي ووارثي علي بن أبي طالب .
وفي كتاب ابن المغازليّ الشافعي بإسناده عن رسول اللّه ـ صلّى اللّه
عليه وآله ـ قال : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وأنا وصيّي ووارثي علي بن
أبي طالب(129) .
وهذا الامام البغوي محيي سنّة الدين ، وهو من أعاظم محدّثيكم
ومفسّريكم ، وقد روى في تفسيره المسمّى بمعالم التنزيل عند قوله
تعالى : ( وأنذر عشيرتك الاقربين )(130) ، عن علي ـ عليه السلام ـ أنّه
قال : لمّا نزلت هذه الاية أمرني رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ
أن أجمع له بني عبد المطّلب فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلاً
يزيدون رجلاً أو ينقصون ، فقال لهم بعد أن أضافهم برجل شاة وعسّ
من لبن شبعا وريّا وإنّه كان أحدهم ليأكله ويشربه : يا بني عبد المطّلب
إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة ، وقد أمرني ربّي أن أدعوكم إليه
فأيّكم يؤازرني عليه ، ويكون أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي ؟ فلم
يجبه أحد .
قال علي : فقمت إليه ، وقلت : أنا أُجيبك يا رسول اللّه .
فقال لي : أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي ، فاسمعوا له
وأطيعوا ، فقاموا يضحكون ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع
لابنك وتطيع(131) .
وهذه الرواية قد رواها أيضا إمامكم أحمد بن حنبل في
مسنده(132) ومحمد بن إسحاق الطبري في تاريخه(133) والخركوشي أيضا
رواها ، فإن كانت كذبا فقد شهدتم على أئمتكم بأنّهم يروون الكذب
على اللّه ورسوله ، واللّه تعالى يقول : ( ألا لعنة اللّه على الظالمين )(134)
(الذين يفترون على اللّه الكذب )(135) ، وقال اللّه تعالى في كتابه : (
فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين )(136) وإن كان لم يكذبوا وكان الامر على
ذلك فما ذنب الرافضة ؟ إذن فاتّقوا اللّه يا أئمة الاسلام ،
ويكمل يو حنا سرد فضائل الامام علي (ع) فيقول
وأمّا الشجاعة فهو ابن جلاها وطلاّ ع ثناياها ، نسى الناس فيها ذكر
من قبله ، ومحى اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحروب مشهورة
تُضرب بها الامثال إلى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فرقط ولا ارتاع
من كتيبة ، ولا بارز أحدا إلاّ قتله ، ولا ضرب ضربة قطّ فاحتاجت إلى
ثانية .
وجأ في الحديث إذا ضرب واعتلا قدّ ، وإذا ضرب واعترض
قطّ ، وفي الحديث : كانت ضرباته وترا(101) ، وكان المشركون إذا أبصروه
في الحرب عهد بعضهم إلى بعض ، وبسيفه شيّدت مباني الدين ، وثبتت
دعائمه ، وتعجّبت الملائكة من شدّة ضرباته وحملاته .
وفي غزوة بدر الداهية العظمى على المسلمين قتل فيها صناديد
قريش كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد ونوفل بن خويلد الذي قرن
أبا بكر وطلحة قبل الهجرة وعذّبهما ، وقال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ : (( الحمد للّه الذي أجاب دعوتي فيه ))(102) ولم يزل في ذلك يصرع
صنديدا بعد صنديد حتى قتل نصف المقتولين فكان سبعين ، وقتل
المسلمون كافّة مع ثلاثة الاف من الملائكة مسوّمين النصف الاخر(103) ،
وفيه نادى جبرئيل :
(( لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ علي ))(104)
ويوم أُحد لما انهزم المسلمون عن النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ
ورُمي رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ إلى الارض وضربه المشركون
بالسيوف والرماح وعلي ـ عليه السلام ـ مصلت سيفه قدّامه ، ونظر النبي
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ بعد إفاقته من غشوته فقال : يا علي ما فعل
المسلمون ؟
فقال : نقضوا العهود وولّوا الدبر .
فقال : اكفني هؤلا ، فكشفهم عنه ولم يزل يصادم كتيبة بعد كتيبة
وهو ينادي المسلمين حتى تجمّعوا وقال جبرئيل ـ عليه السلام ـ : إنّ
هذه لهي المواساة ، لقد عجبت الملائكة من حسن موالاة علي لك
بنفسه .
فقال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : وما يمنعه من ذلك وهو
منّي وأنا منه(105) . ولثبات علي ـ عليه السلام ـ رجع بعض المسلمين
ورجع عثمان بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : فقد
ذهبت بها عريضة(106) .
وفي غزاة الخندق إذ أحدق المشركون بالمدينة كما قال اللّه
تعالى : ( إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار
وبلغت القلوب الحناجر )(107) ، ودخل عمرو بن عبدودّ الخندق على
المسلمين ونادى بالبراز فأحجم عنه المسلمون وبرز علي ـ عليه
السلام ـ متعمّما بعمامة رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ وبيده سيف
فضربه ضربة كانت توازن عمل الثقلين إلى يوم القيامة(108) ، وأين هناك
أبو بكر وعمر وعثمان .
ومن نظر غزوات الواقدي وتاريخ البلاذري علم محلّه من رسول
اللّه من الجهاد وبلاه يوم الاحزاب ، وهو يوم بني المصطلق ، ويوم قلع
باب خيبر ، وفي غزاة خيبر ، وهذا باب لا يغني الاطناب فيه لشهرته .
وروى أبو بكر الانباري في أماليه أنّ عليا ـ عليه السلام ـ جلس
إلى عمر في المسجد وعنده أُناس ، فلمّا قام عرّض واحد بذكره ونسبه
إلى التيه والعجب .
فقال عمر : لمثله أن يتيه واللّه لولا سيفه لما قام عمود الدين ، وهو
بعد أقضى الاُمّة وذو سابقتها ، وذو شأنها .
فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين منه ؟
فقال : ما كرهناه إلاّ على حداثة سنّه ، وحبّه لبني عبد المطّلب ،
وحمله سورة برأة إلى مكّة .
ولما دعا معاوية إلى البراز لتسريح الناس من الحرب بقتل
أحدهما فقال له عمرو : قد أنصفك الرجل .
فقال له معاوية : ما غششتني كلّما نصحتني إلاّ اليوم ، أتأمرني
بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنّه الشجاع المطوق ؟ أراك طمعت في
إمارة الشام بعدي(109) .
وكانت العرب تفتخر لوقوعها في الحرب في مقابلته ، فأمّا قتلاه
فافتخر رهطهم لانّه ـ عليه السلام ـ قتلهم وأظهر وأكثر من أن يحصى
وقالت(110) في عمرو بن عبدود ترثيه :
لو كان قاتل عمرو غير قاتلهبكيته أبدا ما عشت في الابد
لكن قاتله من لا نظير لهقد كان يدعى أبوه بيضة البلد(111)
وجملة الامر أنّ كلّ شجاع في الدنيا إليه ينتمي ، وباسمه من
مشارق الارض ومغاربها .
وأمّا كرمه وسخاؤه فهو الذي كان يطوي في صيامه حتى صام
طاويا ثلاثة أيام يؤثر السّؤال كلّ ليلة بطعامه حتى أنزل اللّه فيه : ( هل
أتى على الانسان )(112) وتصدّق بخاتمـه فـي الركـوع فنزلـت الايـة :
(إنّما وليّكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون )(113) ، وتصدّق بأربعـة دراهم فأنـزل اللّه فيـه الاية :
(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّا وعلانية )(114) وتصدّق
بعشرة دراهم يوم النجوى(115) فخفّف اللّه سبحانه عن سائر الاُمّة بها ،
وهو الذي كان يستسقي للنخل بيده ويتصدّق بأجرته ، وفيه قال معاوية
بن أبي سفيان الذي كان عدوّه لمحفن الضبي لما قال له : جئتك من عند
أبخل الناس ، فقال : ويحك كيف قلت ؟ تقول له أبخل الناس ولو ملك
بيتا من تبر وبيتا من تبن لانفق تبره قبل تبنه(116) ، وهو الذي يقول : يا
صفرأ ويا بيضأ غرّي غيري ، بى تعرّضت أم لي تشوّقت ، هيهات
هيهات قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها(117) ، وهو الذي جاد بنفسه ليلة
الفراش وفدى النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ حتى نزل في حقّه : ( ومن
الناس من يشري نفسه ابتغأ مرضاة اللّه )(118) .
قال يوحنّا : فلمّا سمعوا هذا الكلام لم ينكره أحد منهم ، وقالوا :
صدقت إنّ هذا الذي قلت قرأناه من كتبنا ونقلناه عن أئمتنا لكن محبّة
اللّه ورسوله وعنايتهما أمر ورأ هذا كلّه ، فعسى اللّه أن يكون له عناية
بأبي بكر أكثر من علي فيفضّله عليه .
قال يوحنّا : إنّا لا نعلم الغيب ، ولا يعلم الغيب إلاّ اللّه تعالى ، وهذا
الذي قلتموه تخرص ، وقال اللّه تعالى : ( قتل الخرّاصون )(119) ونحن
إنّما نحكم بالشواهد التي لعلي ـ عليه السلام ـ على أفضليته فذكرناها .
وأمّا عناية اللّه به فتحصل من هذه الكمالات دليل قاطع عليها ،
فأيّ عناية خير من أن يجعل بعد نبيّه أشرف الناس نسبا ، وأعظمهم
حلما ، وأشجعهم قلبا ، وأكثرهم جهادا وزهدا وعبادة وكرما وورعا ،
وغير ذلك من الكمالات القديمة ، هذا هو العناية .
وأمّا محبّة اللّه ورسوله فقد شهد بها رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ في مواضع ؛ منها: الموقف الذي لم ينكر وهو يوم خيبر ، إذ قال
النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( لاعطينّ الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه
ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ))(120) فأعطاها عليا .
وروى عالمكم أخطب خوارزم في كتاب المناقب أنّ النبي
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ قال : (( يا علي لو أنّ عبدا عبد اللّه عزّ وجلّ مثلما
قام نوح في قومه ، وكان له مثل جبل أُحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللّه ،
ومدّ في عمره حتى حجّ ألف حجّة على قدميه ، ثمّ قتل ما بين الصفا
والمروة مظلوما ثمّ لم يوالك يا علي لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها
))(121) .
وفي الكتاب المذكور قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( لو
اجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب لم يخلق اللّه النار ))(122) وفي
كتاب الفردوس : حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيئة لا
تنفع معها حسنة(123) .
وفي كتاب ابن خالويه عن حذيفة بن اليمان قال ، قال رسول اللّه
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( من أراد أن يتصدّق بفصّه الياقوت التي خلق اللّه
بيده ثمّ قال لها: كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب بعدي )) .
وفي مسند أحمد بن حنبل في المجلّد الاوّل : أنّ رسول اللّه
ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ أخذ بيد حسن وحسين وقال : (( من أحبّني وأحبّ
هذين وأحبّ أباهما كان معي في درجتي يوم القيامة ))(124) .
قال يوحنّا : يا أئمة الاسلام هل بعد هذا كلام في قول اللّه تعالى
ورسوله في محبّته وفي تفضيله على من هو عاطل عن هذه الفضائل ؟
قالت الائمّة : يا يوحنّا ، الرافضة يزعمون أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه
وآله ـ أوصى بالخلافة إلى علي ـ عليه السلام ـ ونصّ عليه بها ، وعندنا
أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ لم يوص إلى أحد بالخلافة .
قال يوحنّا : هذا كتابكم فيه : ( كُتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموتُ إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والاقربين )(125) .
وفي بخاريّكم يقول : قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ : (( ما من
حق امرئ مسلم أن يبيت إلاّ وصيته تحت رأسه ))(126) أفتصدقون أنّ
نبيّكم يأمر بما لا يفعل مع أنّ في كتابكم تقريعاً للذي يأمر بما لا يفعل
من قوله : ( أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب
أفلا تعقلون )(127) فواللّه إن كان نبيّكم قد مات بغير وصيّة فقد خالف أمر
ربّه ، وناقض قول نفسه ، ولم يقتد بالانبيأ الماضية من إيصائهم إلى مـن
يقـوم بالامـر من بعـدهم ، علـى أنّ اللّه تعالى يقول : ( فبهداهم اقتده
)(128) لكنّه حاشاه من ذلك وإنّما تقولون هذا لعدم علم منكم وعناد ، فإنّ
إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أنّ سلمان قال : يا رسول اللّه
فمن وصيّك ؟
قال : يا سلمان مَنْ كان وصيّ أخي موسى ـ عليه السلام ـ ؟
قال : يوشع بن نون ! قال : فإنّ وصيّي ووارثي علي بن أبي طالب .
وفي كتاب ابن المغازليّ الشافعي بإسناده عن رسول اللّه ـ صلّى اللّه
عليه وآله ـ قال : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وأنا وصيّي ووارثي علي بن
أبي طالب(129) .
وهذا الامام البغوي محيي سنّة الدين ، وهو من أعاظم محدّثيكم
ومفسّريكم ، وقد روى في تفسيره المسمّى بمعالم التنزيل عند قوله
تعالى : ( وأنذر عشيرتك الاقربين )(130) ، عن علي ـ عليه السلام ـ أنّه
قال : لمّا نزلت هذه الاية أمرني رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ
أن أجمع له بني عبد المطّلب فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلاً
يزيدون رجلاً أو ينقصون ، فقال لهم بعد أن أضافهم برجل شاة وعسّ
من لبن شبعا وريّا وإنّه كان أحدهم ليأكله ويشربه : يا بني عبد المطّلب
إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة ، وقد أمرني ربّي أن أدعوكم إليه
فأيّكم يؤازرني عليه ، ويكون أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي ؟ فلم
يجبه أحد .
قال علي : فقمت إليه ، وقلت : أنا أُجيبك يا رسول اللّه .
فقال لي : أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي ، فاسمعوا له
وأطيعوا ، فقاموا يضحكون ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع
لابنك وتطيع(131) .
وهذه الرواية قد رواها أيضا إمامكم أحمد بن حنبل في
مسنده(132) ومحمد بن إسحاق الطبري في تاريخه(133) والخركوشي أيضا
رواها ، فإن كانت كذبا فقد شهدتم على أئمتكم بأنّهم يروون الكذب
على اللّه ورسوله ، واللّه تعالى يقول : ( ألا لعنة اللّه على الظالمين )(134)
(الذين يفترون على اللّه الكذب )(135) ، وقال اللّه تعالى في كتابه : (
فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين )(136) وإن كان لم يكذبوا وكان الامر على
ذلك فما ذنب الرافضة ؟ إذن فاتّقوا اللّه يا أئمة الاسلام ،