إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من فكر السيد محمد فضل الله حول الوحدة الاسلا مية (2)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من فكر السيد محمد فضل الله حول الوحدة الاسلا مية (2)

    الحواجز التي تعمّق الفواصل بين المسلمين‏

    إنَّنا نحاول هنا الإشارة إلى بعض العوامل والمؤثرات الطبيعية التي أسهمت في تمزّق المسلمين، وخلقت في داخلهم الحواجز النفسية والفكرية التي تعمّق الفواصل بينهم، ذلك أنّ‏َ المسلمين قد ورثوا من التاريخ الكثير من الخلافات المذهبية المتمحورة حول عناوين وقضايا عدّة ، لعلّ أبرزها ما له صلة بشؤون الخلافة والإمامة، وبشؤون الفقه والشريعة، وبقضايا الفلسفة والكلام، وبجوانب الحكم والسياسة العامة. وقد كان لهذه الخلافات التاريخية دور كبير في إثارة الحقد والبغضاء والعداوة، وفي تفجير الحروب، وفي إهراق الدماء البريئة الطاهرة. وربَّما كان البعض من هؤلاء الذين يعيشون هذه الخلافات، ممّن يدفعه الإخلاص للفكرة الخطأ إلى القتال باسم القداسة والتديُّن لغفلته عن طبيعة الخطأ في فكرته، وربَّما كان البعض منهم يقاتل باسم المنافع والمغانم بعيداً عن أيّ‏ِ ارتباط بالحقّ أو بالإسلام، ولكنَّه يستلّهما من أجل مآربه، كما روي عن الإمام عليّ (ع) وهو يشير إلى الموقف من الخوارج في جانب، وإلى الموقف من معاوية في جانب آخر أنَّه قال:

    "لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه، كَمَنْ طلب الباطل فأدركه"(1).

    وفي كلتا الحالتين، كانت الخلافات تتّجه إلى العنف الجسدي والفكري والكلامي انطلاقاً من المواقف المخلصة للخطأ ظناً أنَّه الحقّ، أو من المواقف المشدودة للأطماع والنزوات الشخصية السائرة في اتجاه الباطل.

    وقد أدى الفهم الخاطى‏ء للحديث النبوي دوره الكبير عندما تمّ توظيفه في إضفاء صيغة القداسة على ما يختلفون فيه، فقد شعر الحاكمون وأتباعهم والنافذون من الشخصيات الذين يرعون هذا الخلاف، أنّ‏َ قدسية الخلاف تفرض وجود شرعية دينية لما يختلفون حوله من أشخاص، وما يفيضون فيه من قضايا، لذا كان لا بُدَّ من وضع الأحاديث على لسان محمَّد (ص) في مختلف هذه الأمور، ما أوجد في نفوس الساذجين والبسطاء من المسلمين بعداً جديداً للقضية، يجعل الاندفاع في هذا السبيل- الذي يسّروا طريقه - شأناً دينياً مقدَّساً، ويجعل من التضحية في هذا الاتجاه هدفاً شرعياً عظيماً، ولا بُدَّ لهذا كلّه من أن يثير الحماس في نفوس هؤلاء وأولئك، حتى يدفعهم إلى السير في الخطوات والمواقف الحادّة التي تغري بالقتل والقتال.

    وسارت الحياة الإسلامية شوطاً بعيداً في هذا المجال، وساعدت على خلق الحواجز وتعميق الفواصل بين المسلمين، بالمستوى الذي تبتعد بهم عن الشعور بالوحدة الفكرية والعملية في المجالات العامة. وتطوّر الأمر إلى أبعد من ذلك، فكانت فتاوى التكفير، التي يكفّرون بها بعضهم بعضاً بمختلف التحليلات والتأويلات القريبة والبعيدة، حيث يتحوّل المسلم إلى كافر نتيجة فكرة فرعية، أو فكرة خلافية لا تمسّ الجذور في العمق. ومن هنا، كان من الطبيعي أن تتوتّر المشاعر الدينية في مثل هذا الجوّ المشحون، في الاتجاه المضادّ للعلاقات الطبيعية التي يجب أن تشمل المسلمين في واقعهم الاجتماعي والسياسي والنفسي.
    وما زالت هذه الأجواء التاريخية تفرض نفسها على الساحة، وتترسّخ بفعل ذلك التراث الضخم من الكتب الإسلامية في قضايا الكلام والفلسفة والشريعة والتاريخ، ما جعل للقضية عمقاً ثقافياً وفكرياً يتوارث المسلمون أفكاره كما يتوارثون مشاعره وأحاسيسه، في أجواء متنوعة قد تفرض عليهم اللقاء والتعاون، ولكنَّه يبقى في حدود المجاملة والتقيّة والمداراة التي لا تنفتح فيها النفوس على الحقيقة بتجرّد وموضوعية وحيادية، بل يظل للحقيقة المزعومة في نفوس أصحابها، المعنى الجامد الذي لا يمكن أن يتحوّل إلى أيّ‏ِ شي‏ء يثير الحركة في اتجاه اللقاء، لأنّ‏َ القضية المفروضة من خلال ذلك كلّه، هي أنّ‏َ الصفة الطارئة تحوّلت إلى ما يشبه الصفات الذاتية التي لا تنفصل عن الشخص مهما اختلفت الظروف والأفكار.

    وبهذا، أصبح للمجموعات التي تمثل هذا الفريق أو ذاك مصالح مستقلّة، تختلف عن مصالح الفريق الآخر، تماماً كما هي الدول المستقلّة، وربَّما ينتج الموقف لكلّ منهما تحالفات مع أعداء الإسلام للاستعانة بهم على الجانب الآخر.

    المصادر
    (1) نهج البلاغة والمعجم المفهرس لألفاظه الخطبة:61، ص:53، دار التعارف للمطبوعات، ط1 :1410هـ 1990م.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X