يصادف في هذا الشهر مولد أمير المؤمنين و إمام الموحدين ويعسوب المسلمين ، وقائد الغر المحجلين (ع) .. و ولادته حدث عظيم لا يمكن أن ينهض بمسؤولية تحليله بيان الباحث ، فضلاً عن بيان المتعبد ! أي حادثة حدثت في مثل هذا الشهر ؟؟
ونحن نكتفي بالاشارة الى هذا الحديث من الصحاح التي يجب أن يتعمق الفقهاء في دلالتها و أبعادها. قال رسول الله (ص): من أطاعني فقد أطاع الله، و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياُ فقد أطاعني، و من عصا علياُ فقد عصاني) ومن ميزات هذا الحديث أن الذهبي الذي هو إمام النقد و لبتجريح عندهم، والذي عمل كل نا استطاع لإسقاط عمدة أحاديث فضائل أمير المؤمنين (ع)، قد صحح هذا الحديث و وصف أبا ذر الذي ينتهي إليه بأنه : رأس في العلم و الزهد و الإخلاص و الجهاد وصدق اللهجة .
لعل هذا الكلام يصل الى بعض أصحاب الفكر السنيين، فعندما نقول يجب أن يتعمق الفقهاء في هذا الحديث ، ، لا نقصد التعمق بالفقه الابتدائي بل بالفقه النهائي. فينبغي أن يعرف هؤلاء حتى لا يقعوا في الغرور بعملهم الحديثي، انهم بلغوا الغاية في رواية الحديث و الأسانيد ، والشاهد على ذلك ما فعله محققوهم في قلب المتون من قبيل قلب الحديث المرفوع عن أنيسة في أذان بلال و ابن أم مكتوم ، قلب روايتها وفقهها ! وكذلك قلبهم طبقة الإسناد ، كالذي ارتكبه الرواة الحمقى من قلب مئات الأسانيد على المتون و المتون على الأسانيد ، في البخاري وغيره.
نعم إنهم قاموا بأعمالهم هذه بكل دقة ! و ارتكبوا بكامل ذكائهم أنواعاً من القلب و الرفع و التدليس ، وبقية أنواع تحريف السنة الثمانية و العشرين مما لا يخفى على الخاصة.
لكن الذي تركوه و أعرضوا عنه هو فقه الحديث ! و عليهم أن يعترفوا بذلك .
و من الواضح أن نسبة فقه الحديث الى عملهم الواسع في روايته نسبة اللب إلى القشر ، فأين هم عن فقه السنة ؟!
ماذا فعلوا في فقه هذا الحديث الذي هو باعتراف كبير نقادهم الذهبي صحيح لا ريب فيه ، و أن رسول اله (ص) قال : من أطاعني فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني !
و ما هي النتيجة التي أخذوها منه ؟!
هذا الحديث الذي صح عن الصحابي الجليل أبي ذر الذي يقول عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ إن النبي وصفه بأنه ليس تحت ظل السماء أصدق لهجة منه .. فكيف تجاوزوا قوله و أعرضوا عن حديث نبيهم (ص) و لم يتفكوا فيه ؟!
لا يمكننا في هذه العجالة أن نستوفي فقه هذا الحيث الشريف ، لكنا نعمل بقاعدة الميسور ، ففي هذا القول النبوي الكريم أصل و فرع ، و شجرة و ثمرة ، و علة ومعلول .. أما البحث في المعلول و النتيجة الظاهرة المترتبة عليه ، فأولها عصمة علي بن أبي طالب (ع) .. فكيف غفلوا عن هذه الحقيقة ، وحصروا العصمة برسول الله (ص) مع أن قوله هذا نص في عصمة علي (ع)؟؟
وبرهانه أن قوله
من أطاعني فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني ) يدل على أن إرادة علي لا يمكن أن تتخلف عن إرادة الله تعالى ، ولا أن تتخلف كراهته عن كراهة الله تعالى ، ولو أمكن أن تتخلف لكان قوله : من أطاعه فقد أطاع الله ، ولكان قوله : من عصاه فقد عصى الله ، باطلا ً ، معاذ الله !
و ما دام شق هذه القضية حقاً ، فإنكار عصمة علي باطل !
و لنرجع الى العلة و جذر هذا الحديث ، لنرى أن قائله هو أول عالم الوجود (ص) ، وكلامه ليس فقط للرواية و التسجيل في الكتب كما يتخيلون ، فالعلم مخزون عند أهله فاقتبسوه في مظانه .
لقد بدأ النبي (ص) عن طريق عقلي ، و أنهى القضية الى إرشاد عقلي ، و هذا من شأن مقامه العلمي (ص) !
بدأ أولاً بكلمة من أطاعني ، وشرع من إطاعة الله تعالى لا من علي (ع) و في ذلك نكتة عميقة ليس هذا مجالها . و إن أحدا ً لا يستثنى من الدخول في دائرة (من) ، فكل الناس عليهم أن يطيعوا الله تعالى ، و يدخلوا في دائرة (من) هذه ، وذلك بالدليل العقلي و النقلي ، الإستقلالي أو الإرشادي . وكل من دخل في هذه الدائرة التي هي إطاعة الله تعالى ، يجب عليه أن يدخل بنفس الدليل في طاعر الرسول (ص) لأنه لا بنطق عن الهوى !
ثم قال (ص) بعد ذلك : ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني فدل على أن كل من دخل في تلك الدائرة فعليه أن يدخل في هذه الدائرة ، فلا يمكن التخلف بين دائرة (من)
هنا و دائر (من) هناك !
فكيف لم يفكروا في ذلك ؟ّ إن مسؤلية العالم غير مسؤلية الجاهل !
و المهم هنا أن يفهم الفقيه السني أننا عندما نقول : علي وجه الله تعالى ، فإنا لا نغالي بل نقولها بالدليل و البرهان ، ونعتمد فيها على رواية السنيين التي لا تقبل الإنكار عند علماء الجرح و التعديل و علماء اللغة والبيان !
و توضيح المطلب : إن الأمر أو النهي له مبدأ و منتهى ، فمنتهاه الإطاعة أو المعصية ، ومبدؤه الإرادة ، و حدّه الوسط الكراهة .
فالأمر و النهي معلولان للإرادة لا محالة ، فيستحيل إطاعة الله تعالى و معصيته بدون وجود إرادة و أمر أو نهي ربانيين صادرين عنها ، و قد أراد النبي (ص) بقوله : ومن أطاع علياً فقد أطاعني .. أن يفهم المسلمين أن إرادة علي إرادة الله تعالى و كراعته كراهة الله تعالى !
" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد "(سورة ق :37)
تأمل في تسلسل قوله صلى الله عليه و آله : من أطاعني فقد أطاع الله، و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياُ فقد أطاعني، و من عصا علياُ فقد عصاني) فإنها لمن يفهمها قضية خطيرة تقشعر لها الجلود ، ويضطرب لها الإنسان فيخرس عن الكلام ! قضية خطيرة و حق كبير ، لا يمكننا أن نتنازل عنه !
من أطاعني فقد أطاع الله .. فقد استعمل النبي (ص) في حكمه الذي أصدره لفظ (من) للتعميم ، و حرف الفاء للتفريع ، وحرف (قد) للتحقيق !
و نتيجة ذلك و معناه : أنه إذا تغير وجه علي غضباً ، فدليل ارتباط البدن بالروح وفناء إرادة علي (ع) في إراداة الله تعالى ، وفناء غضبه في غضب الله تعالى ، فإن هذا ليس تغير وجه علي (ع) بل هو مرآة لوجه الله تعالى !
و إذا تبسمت شفتا علي عليه السلام فهذا ليس تبسم علي بل هو مرآة لرضا الله تعالى !
ذلك أن هذه الإرادة فانية في تلك ، فهي انعكاس لها و كراهته فانية في تلك فهي إنعكاس لها ، و ذلك بقانون انعكاس الروح على البدن !
فعلي عليه السلام لا محالة وجه الله تعالى و مظهر أمره و نهيه و إرادته !
لا يصح أيها الفضلاء أن تقدموا الروا يات الشريف الواردة في تفاسيرنا في مثل هذا الموضوع ، بشكل بسيط بدون تحليل ، أمام المخالفين السذج الذين لا علم لهم ، بل ينبغي أن تتبينوا جذرها العقلي و النقلي من المصادر .. فعندما تقولون لهم إن عليا ً (ع) يد الله و عين الله ، يتصور هؤلاء العوام أنها غلو !!
إن هؤلاء الذين لم يشموا رائحة العلم و الحكمة و لم يفهموا الكتاب و السنة ، كيف يفهمون أن يصل إنسان إلى أن يكون وجه إراداة الله تعالى و نهيه ، ومظهر سر اسمه الأعظم وغيبه ؟!
إن هذا الظهور لإسم الله تعالى على روح علي (ع9 هو الذي يعطيه مقام قدرة يد الله تعالى ، مقم : وما رميت إذ رميت و لكن الله رمى ! هذا المقام العظيم الذي يجعله يقول : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولكن بقوة ربانية ، ونفس بنور بارئها مضيّة.
إن هذا البشر ، هذا الأنسان ، هذا الموجود ، فوق مستوى العقل البشري .. فها أنتم ترون أنّا لم نستطع أن نستوفي حديثاً نبوياً واحداً في حقه ، ولا نستوعب ما قاله النبي (ص) في مقامه عليه السلام .فأيّ ظلم في العالم كهذا الظلم الذي وقع عليه ؟! و كيف يمكن لعاقل أن يغض النظر عن ظلامته و يتحمل أن يؤخر إنسان مثل علي (ع) و يقدم عليه أشخاص تعرفون مستواهم !
لله أيّ إنسان أخروا ، وأيّ أشخاص قدموهم عليه!
إذا كنت فقيهاً سنياً ، فهل فكرت في هذه القصة التي يرويها ابن حجر في شرح البخاري ، قال في فتح البخاري :9|323 : (قوله : و قال علي: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة عن المجنون و عن الصبي حتى يدرك و عن النائم حتى يستيقظ . وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد ، عن شعبة، عن الأعمش عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، أن عمر أتي بمجنون قد زنت و هي حبلى .. فأراد أن يرجمها ! فقال له علي : أما بلغك أن القلم رفع عن ثلالثة ..فذكره ،و تابعه بن نمير ، و وكيع و غير واحد ، عن الأعمش ، ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع . أخرجه أبو داود و ابن حبان من طريقه ، واخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان عن علي، ورجح الموقوف على المرفوع . و أخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور )!
فالشخص الذي لا يعرف حكم العاقل من حكم المجنون ، ولو لم ينبهه أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم ، لقتل تلك المرأة بدون حق ، ولقتل جنينعا أيضاً ، و لنبت هذه الجريمة إلى الاسلام!
إنه لا مجال لإنكار هذه الرواية ، إلا بانكار الفقه السني الذي تسالم عليها ! ترى، كيف يقدم مثل هذا الشخص على علي (ع) الذي يقول فيه النبي (ص) : من أطاع علياً فقد أطاعني و من أطاعني فقد أطاع الله ؟! كيف يجوز أن يقدم أحد على إنسان طاعته طاعة الله و معصيته معصية الله ، ورأيه حكم الله ، وعلمه من علم الله تعالى ؟!على شخص قال فيه الرسول (ص) : أقضاكم علي .. علي مع القرآن و القرآن مع علي ..الخ.. فهل هذه النصوص النبوية الجازمة من مصادرنا حتي ينكروها ؟
و هل حديث : أنا مدينة العلم و علي بابها .. من مصادرنا أو مصادرهم ؟
إن علياً قمة العلم في هذه الأمة ، معدنه ، والذي عنده علم الكتاب ، والشاهد على الأمة بعد رسول الله (ص): " قل كفى بالله شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب " .(سورة الرعد:43)، الكتاب الذي وصفه الله تعالى فقال : " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين " (سورة النحل :89)
فهل يجوز أن يؤخر إنسان بهذا المستوى العظيم ، ويقدم عليه من لا يعرف حكم الحبلى المجنونة؟
أم هل يجوز أن يقدم عليه أبو بكر ابن أبي قحافة الذي لم يكن يعرف حكم إرث الجدة ، فإعترف أنه لا ترث أم لا ، ولا يعرف سهمها ؟!!
لقد حاول الذهبي أن يغطي على جهل أبي بكر في تذكرة الحفاظ و سير الأعلام ، و بقلب جهله بإرث الجدة الى افتخار ، و أنه كان يسأل عما لا يعرفه ! ولكنه بذلك كشف مستواه !..
إن الجاهل بأحكام الإسلام الذي يفتي في أمور الدين إستنادا إلى أمثال المغية بن شعبة ، والمغيرة معروف أنه رأس المكر و الكذب ، والفاسق الذي عزله عمر بن الحطاب ! كيف يكون خليف النبي (ص) و يجلس مجلسه ، و يقدم على علي بن أبي طالب (ع) ، الذي من أطاعه فقد أطاع الله، و الذي هم مع القرآن و مع الحق ، الى آخر الصفات التي قالها فيه النبي (ص) ؟!
فهل هذا من العقل ، أو من الكتاب أو السنة ؟! " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " (سورة يونس :35)
ألا يفكر هؤلاء أنهم مسؤلون يوم القيامة : " وقفوهم إنهم مسؤلون" !
الم تفكروا أن النبي (ص) عندما قال : من أطاعه أطاعني هل كان أبو بكر و عمر داخلين في دائرة الإطاعة هذه ، أم خارجين عنها ؟!
إن من خرج عن دائرة هذه الطاعة فقد خرج عن دائرة طاعة الله تعالى ، ومن دخل في دائرة طاعة الله ، فلا بدّ أن يدخل في دائرة طاعة علي، لأن أمره أمر الله ونهيه نهي الله تعالى ! و عليه فإن طاعة علي (ع) بنص صحاحهم فريضة ! و أصل خلافة أبي بكر وعمر بنص صحاحهم باطلة ! " أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " ؟! كيف تحكمون ؟!!
إنها حقائق لا يمكننا الإغماض عنها و السكوت عليها .. فقد تقع ظلامة من نوعها على مثلي أو مثلك ، بأن يعزل الإنسان عن الحكم و يقصى عن منصب القيادة و يجلس بدله شخص جاهل! فتكون ظلامة خفيفة أو قابلة للإصلاح ، لكنها في مثل خلافة النبي (ص) على مثل علي (ع) مصيبة مؤلمة ، وقد وصفها هم عليه السلام أحد من حزّ الشفار ، وبأن ألمها يذيب البدن ، لأنه يعرف ماذا خسرت الأمة و البشرية بها ! فهو يعرف بما آتاه الله من علم و بعد نظر حقيقة ما حصل بعد النبي (ص)، وأنهم أضاعوا الثمرة المطلوب نضجها على يده من بعثة جميع الأنبياء(ع) ، ثمرة قوله تعالى : " لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (سورة عمران :164)
أجل ، لم يكن كسر ضلع الصديقة الزهراء عليها سلام الله مصيبة قاتلة لعلي (ع) ، ولا كان غصب فدك مصيبة غير محتملة ، لكن كان يحزّ في قلبه و يؤرقه أنه يرى المجلس الذي كان يجلس فيه رسول الله (ص) و المنبر الذي كان يجلس عليه من قال الله له : و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم و كان فضل الله عليك عظيما " ( سورة النساء:113) يراه يجلس فيه من يقول عن نفسه : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال !!
المصيبة التي كانت تحز في قلبه أنه رأى الزهراء (ع) عندما ذهبت من الدنيا و غسل جثمانها ، رآها قد ذاب جسمه من الأذى (حتى صارت كالخيال )!
لقد بقي منها شبه البدن ، وذاب بدنها من اضطهادهم أذاهم !!و الأمر المهم بالنسبة إليكم .. أن تعرفوا تكليفكم اليوم . فلو كان أحدنا عالما سنيا ، وفهم ما يدل عليه هذا الحديث الصحيح بمقاييسهم لقام بواجبه في الدفاع عن ظلامة علي (ع)، فكيف بكم أتنم علماء الشيعة ؟!
إن الواجب المهم أمران : الأول ، أن تبذروا بذور حب علي (ع) في القلوب . والثاني : أن تبذروا بذور البغض لغاصبي حقه بنفس المقياس و المستوى ، و لا تنقصوا منه ذرة واحدة، فإن الأمة إذا تراجعت يوماً عن البراءة مقدار ذرة ، فستبتلى في ذلك جميعها بلعنة لا يعلم ما سوف تجره عليها!
ذلك أن كل الجهود التي بذلت من صدر الاسلام إلى اليوم إنما هي :
أولاً إحقاق الحق ، وثانياً إبطال الباطل.
ونحن نكتفي بالاشارة الى هذا الحديث من الصحاح التي يجب أن يتعمق الفقهاء في دلالتها و أبعادها. قال رسول الله (ص): من أطاعني فقد أطاع الله، و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياُ فقد أطاعني، و من عصا علياُ فقد عصاني) ومن ميزات هذا الحديث أن الذهبي الذي هو إمام النقد و لبتجريح عندهم، والذي عمل كل نا استطاع لإسقاط عمدة أحاديث فضائل أمير المؤمنين (ع)، قد صحح هذا الحديث و وصف أبا ذر الذي ينتهي إليه بأنه : رأس في العلم و الزهد و الإخلاص و الجهاد وصدق اللهجة .
لعل هذا الكلام يصل الى بعض أصحاب الفكر السنيين، فعندما نقول يجب أن يتعمق الفقهاء في هذا الحديث ، ، لا نقصد التعمق بالفقه الابتدائي بل بالفقه النهائي. فينبغي أن يعرف هؤلاء حتى لا يقعوا في الغرور بعملهم الحديثي، انهم بلغوا الغاية في رواية الحديث و الأسانيد ، والشاهد على ذلك ما فعله محققوهم في قلب المتون من قبيل قلب الحديث المرفوع عن أنيسة في أذان بلال و ابن أم مكتوم ، قلب روايتها وفقهها ! وكذلك قلبهم طبقة الإسناد ، كالذي ارتكبه الرواة الحمقى من قلب مئات الأسانيد على المتون و المتون على الأسانيد ، في البخاري وغيره.
نعم إنهم قاموا بأعمالهم هذه بكل دقة ! و ارتكبوا بكامل ذكائهم أنواعاً من القلب و الرفع و التدليس ، وبقية أنواع تحريف السنة الثمانية و العشرين مما لا يخفى على الخاصة.
لكن الذي تركوه و أعرضوا عنه هو فقه الحديث ! و عليهم أن يعترفوا بذلك .
و من الواضح أن نسبة فقه الحديث الى عملهم الواسع في روايته نسبة اللب إلى القشر ، فأين هم عن فقه السنة ؟!
ماذا فعلوا في فقه هذا الحديث الذي هو باعتراف كبير نقادهم الذهبي صحيح لا ريب فيه ، و أن رسول اله (ص) قال : من أطاعني فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني !
و ما هي النتيجة التي أخذوها منه ؟!
هذا الحديث الذي صح عن الصحابي الجليل أبي ذر الذي يقول عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ إن النبي وصفه بأنه ليس تحت ظل السماء أصدق لهجة منه .. فكيف تجاوزوا قوله و أعرضوا عن حديث نبيهم (ص) و لم يتفكوا فيه ؟!
لا يمكننا في هذه العجالة أن نستوفي فقه هذا الحيث الشريف ، لكنا نعمل بقاعدة الميسور ، ففي هذا القول النبوي الكريم أصل و فرع ، و شجرة و ثمرة ، و علة ومعلول .. أما البحث في المعلول و النتيجة الظاهرة المترتبة عليه ، فأولها عصمة علي بن أبي طالب (ع) .. فكيف غفلوا عن هذه الحقيقة ، وحصروا العصمة برسول الله (ص) مع أن قوله هذا نص في عصمة علي (ع)؟؟
وبرهانه أن قوله

و ما دام شق هذه القضية حقاً ، فإنكار عصمة علي باطل !
و لنرجع الى العلة و جذر هذا الحديث ، لنرى أن قائله هو أول عالم الوجود (ص) ، وكلامه ليس فقط للرواية و التسجيل في الكتب كما يتخيلون ، فالعلم مخزون عند أهله فاقتبسوه في مظانه .
لقد بدأ النبي (ص) عن طريق عقلي ، و أنهى القضية الى إرشاد عقلي ، و هذا من شأن مقامه العلمي (ص) !
بدأ أولاً بكلمة من أطاعني ، وشرع من إطاعة الله تعالى لا من علي (ع) و في ذلك نكتة عميقة ليس هذا مجالها . و إن أحدا ً لا يستثنى من الدخول في دائرة (من) ، فكل الناس عليهم أن يطيعوا الله تعالى ، و يدخلوا في دائرة (من) هذه ، وذلك بالدليل العقلي و النقلي ، الإستقلالي أو الإرشادي . وكل من دخل في هذه الدائرة التي هي إطاعة الله تعالى ، يجب عليه أن يدخل بنفس الدليل في طاعر الرسول (ص) لأنه لا بنطق عن الهوى !
ثم قال (ص) بعد ذلك : ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني فدل على أن كل من دخل في تلك الدائرة فعليه أن يدخل في هذه الدائرة ، فلا يمكن التخلف بين دائرة (من)
هنا و دائر (من) هناك !
فكيف لم يفكروا في ذلك ؟ّ إن مسؤلية العالم غير مسؤلية الجاهل !
و المهم هنا أن يفهم الفقيه السني أننا عندما نقول : علي وجه الله تعالى ، فإنا لا نغالي بل نقولها بالدليل و البرهان ، ونعتمد فيها على رواية السنيين التي لا تقبل الإنكار عند علماء الجرح و التعديل و علماء اللغة والبيان !
و توضيح المطلب : إن الأمر أو النهي له مبدأ و منتهى ، فمنتهاه الإطاعة أو المعصية ، ومبدؤه الإرادة ، و حدّه الوسط الكراهة .
فالأمر و النهي معلولان للإرادة لا محالة ، فيستحيل إطاعة الله تعالى و معصيته بدون وجود إرادة و أمر أو نهي ربانيين صادرين عنها ، و قد أراد النبي (ص) بقوله : ومن أطاع علياً فقد أطاعني .. أن يفهم المسلمين أن إرادة علي إرادة الله تعالى و كراعته كراهة الله تعالى !
" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد "(سورة ق :37)
تأمل في تسلسل قوله صلى الله عليه و آله : من أطاعني فقد أطاع الله، و من عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياُ فقد أطاعني، و من عصا علياُ فقد عصاني) فإنها لمن يفهمها قضية خطيرة تقشعر لها الجلود ، ويضطرب لها الإنسان فيخرس عن الكلام ! قضية خطيرة و حق كبير ، لا يمكننا أن نتنازل عنه !
من أطاعني فقد أطاع الله .. فقد استعمل النبي (ص) في حكمه الذي أصدره لفظ (من) للتعميم ، و حرف الفاء للتفريع ، وحرف (قد) للتحقيق !
و نتيجة ذلك و معناه : أنه إذا تغير وجه علي غضباً ، فدليل ارتباط البدن بالروح وفناء إرادة علي (ع) في إراداة الله تعالى ، وفناء غضبه في غضب الله تعالى ، فإن هذا ليس تغير وجه علي (ع) بل هو مرآة لوجه الله تعالى !
و إذا تبسمت شفتا علي عليه السلام فهذا ليس تبسم علي بل هو مرآة لرضا الله تعالى !
ذلك أن هذه الإرادة فانية في تلك ، فهي انعكاس لها و كراهته فانية في تلك فهي إنعكاس لها ، و ذلك بقانون انعكاس الروح على البدن !
فعلي عليه السلام لا محالة وجه الله تعالى و مظهر أمره و نهيه و إرادته !
لا يصح أيها الفضلاء أن تقدموا الروا يات الشريف الواردة في تفاسيرنا في مثل هذا الموضوع ، بشكل بسيط بدون تحليل ، أمام المخالفين السذج الذين لا علم لهم ، بل ينبغي أن تتبينوا جذرها العقلي و النقلي من المصادر .. فعندما تقولون لهم إن عليا ً (ع) يد الله و عين الله ، يتصور هؤلاء العوام أنها غلو !!
إن هؤلاء الذين لم يشموا رائحة العلم و الحكمة و لم يفهموا الكتاب و السنة ، كيف يفهمون أن يصل إنسان إلى أن يكون وجه إراداة الله تعالى و نهيه ، ومظهر سر اسمه الأعظم وغيبه ؟!
إن هذا الظهور لإسم الله تعالى على روح علي (ع9 هو الذي يعطيه مقام قدرة يد الله تعالى ، مقم : وما رميت إذ رميت و لكن الله رمى ! هذا المقام العظيم الذي يجعله يقول : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولكن بقوة ربانية ، ونفس بنور بارئها مضيّة.
إن هذا البشر ، هذا الأنسان ، هذا الموجود ، فوق مستوى العقل البشري .. فها أنتم ترون أنّا لم نستطع أن نستوفي حديثاً نبوياً واحداً في حقه ، ولا نستوعب ما قاله النبي (ص) في مقامه عليه السلام .فأيّ ظلم في العالم كهذا الظلم الذي وقع عليه ؟! و كيف يمكن لعاقل أن يغض النظر عن ظلامته و يتحمل أن يؤخر إنسان مثل علي (ع) و يقدم عليه أشخاص تعرفون مستواهم !
لله أيّ إنسان أخروا ، وأيّ أشخاص قدموهم عليه!
إذا كنت فقيهاً سنياً ، فهل فكرت في هذه القصة التي يرويها ابن حجر في شرح البخاري ، قال في فتح البخاري :9|323 : (قوله : و قال علي: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة عن المجنون و عن الصبي حتى يدرك و عن النائم حتى يستيقظ . وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد ، عن شعبة، عن الأعمش عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، أن عمر أتي بمجنون قد زنت و هي حبلى .. فأراد أن يرجمها ! فقال له علي : أما بلغك أن القلم رفع عن ثلالثة ..فذكره ،و تابعه بن نمير ، و وكيع و غير واحد ، عن الأعمش ، ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع . أخرجه أبو داود و ابن حبان من طريقه ، واخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان عن علي، ورجح الموقوف على المرفوع . و أخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور )!
فالشخص الذي لا يعرف حكم العاقل من حكم المجنون ، ولو لم ينبهه أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم ، لقتل تلك المرأة بدون حق ، ولقتل جنينعا أيضاً ، و لنبت هذه الجريمة إلى الاسلام!
إنه لا مجال لإنكار هذه الرواية ، إلا بانكار الفقه السني الذي تسالم عليها ! ترى، كيف يقدم مثل هذا الشخص على علي (ع) الذي يقول فيه النبي (ص) : من أطاع علياً فقد أطاعني و من أطاعني فقد أطاع الله ؟! كيف يجوز أن يقدم أحد على إنسان طاعته طاعة الله و معصيته معصية الله ، ورأيه حكم الله ، وعلمه من علم الله تعالى ؟!على شخص قال فيه الرسول (ص) : أقضاكم علي .. علي مع القرآن و القرآن مع علي ..الخ.. فهل هذه النصوص النبوية الجازمة من مصادرنا حتي ينكروها ؟
و هل حديث : أنا مدينة العلم و علي بابها .. من مصادرنا أو مصادرهم ؟
إن علياً قمة العلم في هذه الأمة ، معدنه ، والذي عنده علم الكتاب ، والشاهد على الأمة بعد رسول الله (ص): " قل كفى بالله شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب " .(سورة الرعد:43)، الكتاب الذي وصفه الله تعالى فقال : " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين " (سورة النحل :89)
فهل يجوز أن يؤخر إنسان بهذا المستوى العظيم ، ويقدم عليه من لا يعرف حكم الحبلى المجنونة؟
أم هل يجوز أن يقدم عليه أبو بكر ابن أبي قحافة الذي لم يكن يعرف حكم إرث الجدة ، فإعترف أنه لا ترث أم لا ، ولا يعرف سهمها ؟!!
لقد حاول الذهبي أن يغطي على جهل أبي بكر في تذكرة الحفاظ و سير الأعلام ، و بقلب جهله بإرث الجدة الى افتخار ، و أنه كان يسأل عما لا يعرفه ! ولكنه بذلك كشف مستواه !..
إن الجاهل بأحكام الإسلام الذي يفتي في أمور الدين إستنادا إلى أمثال المغية بن شعبة ، والمغيرة معروف أنه رأس المكر و الكذب ، والفاسق الذي عزله عمر بن الحطاب ! كيف يكون خليف النبي (ص) و يجلس مجلسه ، و يقدم على علي بن أبي طالب (ع) ، الذي من أطاعه فقد أطاع الله، و الذي هم مع القرآن و مع الحق ، الى آخر الصفات التي قالها فيه النبي (ص) ؟!
فهل هذا من العقل ، أو من الكتاب أو السنة ؟! " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " (سورة يونس :35)
ألا يفكر هؤلاء أنهم مسؤلون يوم القيامة : " وقفوهم إنهم مسؤلون" !
الم تفكروا أن النبي (ص) عندما قال : من أطاعه أطاعني هل كان أبو بكر و عمر داخلين في دائرة الإطاعة هذه ، أم خارجين عنها ؟!
إن من خرج عن دائرة هذه الطاعة فقد خرج عن دائرة طاعة الله تعالى ، ومن دخل في دائرة طاعة الله ، فلا بدّ أن يدخل في دائرة طاعة علي، لأن أمره أمر الله ونهيه نهي الله تعالى ! و عليه فإن طاعة علي (ع) بنص صحاحهم فريضة ! و أصل خلافة أبي بكر وعمر بنص صحاحهم باطلة ! " أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " ؟! كيف تحكمون ؟!!
إنها حقائق لا يمكننا الإغماض عنها و السكوت عليها .. فقد تقع ظلامة من نوعها على مثلي أو مثلك ، بأن يعزل الإنسان عن الحكم و يقصى عن منصب القيادة و يجلس بدله شخص جاهل! فتكون ظلامة خفيفة أو قابلة للإصلاح ، لكنها في مثل خلافة النبي (ص) على مثل علي (ع) مصيبة مؤلمة ، وقد وصفها هم عليه السلام أحد من حزّ الشفار ، وبأن ألمها يذيب البدن ، لأنه يعرف ماذا خسرت الأمة و البشرية بها ! فهو يعرف بما آتاه الله من علم و بعد نظر حقيقة ما حصل بعد النبي (ص)، وأنهم أضاعوا الثمرة المطلوب نضجها على يده من بعثة جميع الأنبياء(ع) ، ثمرة قوله تعالى : " لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (سورة عمران :164)
أجل ، لم يكن كسر ضلع الصديقة الزهراء عليها سلام الله مصيبة قاتلة لعلي (ع) ، ولا كان غصب فدك مصيبة غير محتملة ، لكن كان يحزّ في قلبه و يؤرقه أنه يرى المجلس الذي كان يجلس فيه رسول الله (ص) و المنبر الذي كان يجلس عليه من قال الله له : و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم و كان فضل الله عليك عظيما " ( سورة النساء:113) يراه يجلس فيه من يقول عن نفسه : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال !!
المصيبة التي كانت تحز في قلبه أنه رأى الزهراء (ع) عندما ذهبت من الدنيا و غسل جثمانها ، رآها قد ذاب جسمه من الأذى (حتى صارت كالخيال )!
لقد بقي منها شبه البدن ، وذاب بدنها من اضطهادهم أذاهم !!و الأمر المهم بالنسبة إليكم .. أن تعرفوا تكليفكم اليوم . فلو كان أحدنا عالما سنيا ، وفهم ما يدل عليه هذا الحديث الصحيح بمقاييسهم لقام بواجبه في الدفاع عن ظلامة علي (ع)، فكيف بكم أتنم علماء الشيعة ؟!
إن الواجب المهم أمران : الأول ، أن تبذروا بذور حب علي (ع) في القلوب . والثاني : أن تبذروا بذور البغض لغاصبي حقه بنفس المقياس و المستوى ، و لا تنقصوا منه ذرة واحدة، فإن الأمة إذا تراجعت يوماً عن البراءة مقدار ذرة ، فستبتلى في ذلك جميعها بلعنة لا يعلم ما سوف تجره عليها!
ذلك أن كل الجهود التي بذلت من صدر الاسلام إلى اليوم إنما هي :
أولاً إحقاق الحق ، وثانياً إبطال الباطل.
تعليق