إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الامام المهدي عليه السلام القائد والمصلح للعالم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الامام المهدي عليه السلام القائد والمصلح للعالم

    بينما يتردّى الوضع العالمي إلى الحضيض، مشيراً إلى فراغ الأنظمة، واستهلاك الطاقات بشكل مخيف، وتقهقر الجهود والإجراءات للتلافي والتدارك، قبل أن يكون السيف قد سبق العذل.

    من هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى شخصية عالمية مؤهَّلة، وقيادة ربانية رشيدة ملهمة، لاستقطاب الإسلام، وإدارة الحركة الإسلامية التاريخية وتقديم المنهج الإسلامي الإلهي، بالمسؤولية المتخصّصة، والشمولية المتكاملة، بحيث تكون هذه الشخصية مرجعاً حقاً، لما اختُلف فيه من الحق والأمر، وملاذاً واعياً، وإمامةً هادية، وأسوةً جامعة وفاصلة.

    إذاً البشرى بالمهدي هي أعظم ما يتمّ الإفصاح عنه في عالم اليوم، وأحق القضايا بالتهيُّؤ والترقب، حيث إن المهدي أصبح حقيقةً وليست موضع شك وارتياب، وإن طلوع الشمس أعظم برهان على وجودها، ومؤشر على ضوئها ودفئها.

    فالمهدي (عليه السلام) حين يظهر إلى دنيا الواقع، يجد الإسلام خامات وطاقات، ويجد مؤهلات الترقب والانتظار وتمحّصات المعاناة والمخاض العسير، ويجد في العالم فراغاً وإحباطاً وظلماً صارخاً، وتدهوراً مريعاً في الإجراءات والمواقف، ومن خلال كل زاوية وموقع مما يتيح للإمام المهدي سبيل ظهور مبارك ومحبّب ومعالجة أيسر وأقرب لرتق ما انفتق من السلوك الإنساني.

    إن مخزون الشوق والحب والتقديس الذي يملكه الإمام المهدي (عليه السلام) في قلوب المسلمين، بل في قلوب الإنسانية، لا تملكه اليوم شخصية على وجه الأرض، وسوف تزداد هذه الشعبية والاهتمام بأمره، حتى ينجز الله تعالى وعده، ويظهر به دينه على الدين كله.

    فالمهدي (عليه السلام) لم يعد فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلَّع إلى مصداقها، بل واقع قائمٌ ننتظر فاعليته وإنسان معيّن يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا.

    كما أن الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمت الخطوب وتعملق الظلم، وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده، تضع الأمل كبيراً أمام كل فرد مظلوم وكل أمة مظلومة في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء.

    إذاً علينا أن نهيّئ أنفسنا جميعاً لاستقبال الإمام المهدي (عليه السلام) كأنه سيقوم غداً، وذلك من خلال إعداد أنفسنا إيمانياً وعقائدياً وفكرياً وثقافياً وروحياً وسلوكياً وسياسياً وجهادياً ورسالياً، وعليه يجب أن يكون إحساسنا بقضية الإمام المهدي (عليه السلام) عالي المستوى في الفكر والممارسة، فنركّز ذلك في وعينا وسلوكنا من خلال الارتباط الفعال بالقيادات التي تجسّد خط الإمام (عجل الله فرجه) في الساحة، والتي تُعدّ امتداداً رسالياً بقيادته (عليه السلام

  • #2
    الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)



    • اسمه: محمد.

    • أبوه: الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

    • أمه: نرجس أو مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وهي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون.

    • كنيته: أبو القاسم، كنية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

    • ألقابه: المهدي، القائم، المنتظر، صاحب الزمان، الحجة، الخاتم، صاحب الدار.

    • ولادته: ولد (عليه السلام) في ليلة النصف من شعبان سنة 255 هـ في سر من رآى (سامراء).

    • صفته: ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقنى الأنف، أشم أروع، كأنه غصن بان، وكأن صفحة غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال كأنه فاتة مسك على بياض الفضة، برأسه وفرة، سمحاء سبطة تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه، ولا أعرف حسناً وحياءً.

    • غيبته الأولى: وتسمى الصغرى مدتها تسع وستون سنة، نصب فيها سفراء بينه وبين شيعته، فكان (عليه السلام) يتصل بهم، وتخرج توقيعاته إليهم، وهم:

    - الأول: أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري الأسدي وكيل الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام).

    - الثاني: ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد المتوفي سنة 304 هـ.

    - الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي المتوفي سنة 326هـ.

    - الرابع: أبو الحسن بن علي محمد السمري المتوفي سنة 329هـ.

    • غيبته الثانية: وتسمى الكبرى، بدأت بعد موت علي بن محمد السمري سنة 329 هـ وحتى يأذن الله له بالخروج.

    • نقش خاتمه: أنا حجته وخاصته.

    • رايته: مكتوب عليها (البيعة لله).

    • أنصاره: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ـ عدد أهل بدر ـ وهم خواص أصحابه، وأصحاب الألوية، وعماله فيما بعد على الأمصار.

    • محل ظهوره: مكة المكرمة.

    • محل بيعته: بين الركن والمقام.

    • جيشه: عشرة آلاف.

    • دولته: تشمل العالم بأسره، وقد تواتر الحديث الشريف عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنه (عليه السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

    • مدة ملكه: أكثر الروايات تصحر أن مدة ملكه (عليه السلام) أقل من عشر سنين.

    تعليق


    • #3
      من رآه في زمان والده (عليهما السلام)

      بينما كان الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) يستر المهدي من أعين الناس حفظاً له، كان يحرص على أن يريه لبعض الخواص من شيعته ليثبت وجوده لكيلا يقع الشيعة بعد وفاته في الشك بوجود الحجة (عليه السلام) وقد رآه بعض خواصه في زمان أبيه العسكري (عليهما السلام)، وهنا نذكر بعض الروايات الدالة على رؤية الخواص إياه في زمان أبيه:

      • روى الصدوق بإسناده عن العبدي عن ضوء بن علي العجلي عن رجل من أهل فارس سماه قال: أتيت سر من رأى فلزمت باب أبي محمد (عليه السلام) فدعاني من غير أن أستأذن فلما دخلت وسلمت قال لي: يا أبا فلان كيف حالك؟ ثم قال لي: اقعد يا فلان ثم سألني عن رجال ونساء من أهلي ثم قال لي: ما الذي أقدمك علي؟ قلت: رغبة في خدمتك، قال لي: فقال: الزم الدار، قال: فكنت في الدار مع الخدم ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال، فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح فلم أجسر أخرج ولا أدخل فخرجت علي جارية ومعها شيء مغطى ثم ناداني ادخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها: اكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من بنته إلى سرته، أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد (عليه السلام)، قال ضوء بن علي: فقلت للفارسي: كم كنت تقدر له من السنين؟ فقال: سنتين قال العبدي: فقلت لضوء: كم تقدر له الآن في وقتنا؟ قال: أربع عشرة سنة. قال أبو علي وأبو عبد الله(1) ونحن نقدر له الآن إحدى وعشرين سنة(2). وروى في ينابيع المودة عن الخادم الفارسي هذا الخبر باختصار (ص461).

      وعنه أيضاً مسنداً إلى رجاله إلى قوله قدس سره:

      • عن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري (رضي الله عنهم) قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام (يعني ولده) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما أنكم لا ترونه بعد يومكم هذا(3). قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد(عليه السلام)(4). ورواه في ينابيع المودة (ص 460) إلى قوله بعد يومكم هذا، وعنه أيضاً (قدس سره) عن علي بن الحسن بن الفرج المؤذن عن محمد بن الحسن الكرخي قال: سمعت أبا هارون رجلاً من أصحابنا يقول: رأيت صاحب الزمان ووجه يضئ كأنه القمر ليلة البدر ورأيت على سرته شعراً يجري كالخط وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً فسألت أبا محمد (عليه السلام) عن ذلك فقال: هكذا ولد وهكذا ولدنا ولكنا سنمر الموسى عليه لإصابة السنة (5).

      • وعنه أيضاُ (قدس سره) بإسناده عن يعقوب بن منقوش(5) قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو جالس على دكان في الدار وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل فقلت: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض دري المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد ثم قال لي: هذا هو صاحبكم ثم ثوب فقال له: يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم فدخل البيت وأنا انظر إليه ثم قال لي: يا يعقوب انظر إلى من في البيت فدخلت فما رأيت أحدا(6). ورواه في الينابيع عن يعقوب بن منفوس (في الباب الثاني والثمانين ص 461) باختلاف يسير. وعن المفيد (قدس سره) بإسناده عن جعفر بن محمد المكفوف عن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد (عليه السلام) ابنه قال: هذا صاحبكم بعدي(7).

      • ورواه في ينابيع المودة (الباب الثاني والثمانون ص 461) عن عمرو الأهوازي مثله. ورواه الشيخ (قدس سره) في غيبته (فصل ولادته (عليه السلام) ص 140) والكليني (قدس سره) في أصول الكافي (ج2، كتاب الحجة باب الإشارة والنص إلى صاحب الدر (عليه السلام)، ص118) مثله.

      • وعن كامل بن إبراهيم قال: دخلت على أبي محمد الحسن وعلى باب بيته ستر فجاءت الريح فكشفت طرف الستر فإذا غلام كأنه القمر فقال أبو محمد: يا كامل قد أنبأك بحاجتك، هذا الحجة من بعدي(8). وعن كتاب الغيبة عن أبي غانم الخادم قال: ود لأبي محمد الحسن (عليه السلام) مولود فسماه محمداً فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد عليه الأعناق بالانتظار فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فيملأها قسطاً وعدلاً(9) وعن محمد بن إسماعيل بن موسى الكاظم (رضي الله عنهم) قال: رأيت ولد أبي محمد ولد قدر جليل (10) وعن إبراهيم بن إدريس قال: رأيت المهدي بعد أن مضى أبو محمد (رضي الله عنهما) حين كان غلاماً أيفع وقبلت يديه ورأسه الشريف(11).


      • روى القندوزي الحنفي عن أبي غانم الخادم قال: (ولد لأبي محمد الحسن مولود فسمّاه محمّداً فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتدّ عليه الأعناق بالانتظار فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً) (ينابيع المودة: ص 460).

      • وأخرج عن عمر الأهوازي قال: (أراني أبو محمد ابنه رضي الله عنهما وقال: هذا إمامكم من بعدي)(ينابيع المودة: ص 460)..


      • وأخرج عن الخادم الفارسي قال: (كنت بباب الدّار خرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطّى، فقال لها أبو محمد: اكشفي عما معك فكشفت فإذا غلام أبيض حسن الوجه فقال: هذا إمامكم من بعدي، قال: فما رأيته بعد ذلك)(ينابيع المودة: ص 460)..
      • وأخرج عن يعقوب بن منفوس قال: (دخلت على أبي محمد الحسن العسكري وعلى باب البيت سترمُسبَل فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعدك؟ فقال: ارفع الستر فرفعته فخرج غلام فجلس على فخذ أبي محمد (رضي الله عنهما) وقال لي أبو محمد: هذا إمامكم من بعدي، ثمّ قال: يا بنيّ ادخل البيت فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال: يا يعقوب انظر في البيت فدخلته فما رأيت أحداً)(ينابيع المودة: ص 460)..

      1- يعني بأبي علي: محمد بن علي بن إبراهيم، وبأبي عبد الله: الحسن بن علي بن إبراهيم الهمداني الواقعان في السند.

      2- إكمال الدين الباب الثالث والأربعون الحديث الرابع.

      3- الظاهر أن المراد عدم رؤية أكثرهم وإلا فمحمد بن عثمان كان يصل بخدمته في زمن سفارته.

      4- إكمال الدين الباب الثالث والأربعون الحديث الثاني.

      5- في البحار (يعقوب بن منفوس).

      6- إكمال الدين الباب الثالث والأربعون، حديث 5 ص 437.

      7- الإرشاد: باب ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) ص 349

      8- ينابيع المودة: الباب الثاني والثمانون ص 461.

      9- ينابيع المودة: الباب 82 في بيان أن الإمام أبا محمد الحسن العسكري أرى ولد القائم المهدي بخواص مواليه وأعلمهم أن الإمام من بعده ولده (عليهما السلام) ص 460.

      10- المصدر السابق ص 461.

      11- نفس المصدر السابق.

      تعليق


      • #4
        بشائر الأئمة الطاهرين بالمهدي

        تجد في موسوعات الأحاديث (كالكافي والبحار وغيرهما) طائفة كثيرة من البشائر التي رُويت عن أئمة أهل البيت بالإمام المهدي (سلام الله عليهم أجمعين) في شتى المناسبات مما يدل على اهتمام الأئمة (عليهم السلام) بهذا الموضوع، بل على أهمية الموضوع.

        ولا عجب إذا كانت كميات الأحاديث الواردة عن الأئمة تختلف من حيث القلة والكثرة، والإجمال والتفصيل، فالظروف كانت تختلف، والحريات كانت تتفاوت حسب تبدل الظروف السياسية التي كانت لا تسمح لنشر هذه الحقيقة بصورة مكشوفة، أو التحدث عنها بصورة مفصلة، وإليك نبذة من تلك الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):

        روى الشيخ الصدوق في (إكمال الدين) بسنده عن أبي جعفر الثاني (الإمام محمد الجواد) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: للقائم منا غيبة، أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه؛ ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة، ثم قال: إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفي ولادته ويغيب شخصه.

        وروى الصدوق أيضاً عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال –للحسين (عليه السلام): التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، الباسط للعدل، قال الحسين (عليه السلام): فقلت يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟.. فقال: إي والذي بعث محمداُ بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.

        وفي كتاب نهج البلاغة: قال (عليه السلام): فانظروا أهل بيت نبيكم فلئن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم. فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت، يأتي ابن خير الإماء، لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً موضوعاً على عاقته ثمانية أشهر، حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا؛ يغريه الله ببني أميه –أي يسلطه الله عليهم- حتى يجعلهم حطاماً و رفاتاً، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

        وفي (ينابيع المودة) ص467 عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: سيأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونه، ويملك من هو بينهم غريب، فهو المهدي، أحمر الوجه، بشعره صهوبة يملأ الأرض عدلاً بلا صعوبة، يعتزل في صغره عن أمه وأبيه، ويكون عزيزاً في مرباه، فيملك بلاد المسلمين بأمان، ويصفو له الزمان، ويسمع كلامه، ويطيع الشيوخ والفتيان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فعند ذلك كملت إمامته وتقررت خلافته، والله يبعث من في القبور فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، وتعمر الأرض وتصفو تزهو بمهديها، وتجري به أنهارها، وتعدم الفتن والغارات، ويكثر الخير والبركات.

        وفي كتاب (منتخب الأثر) عن كتاب تذكرة الخواص، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة في مدح النبي والأئمة (عليهم السلام) قال: فنحن أنوار السماوات والأرض، وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة، ومنتهى النور، وغامض السر، فليهنأ من استمسك بعروتنا وحشر على محبتنا.

        وأيضاً في كتاب (منتخب الأثر) عن (ينابيع المودة) للقندوزوي الحنفي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): يظهر صاحب الراية المحمدية، والدولة الأحمدية، القائم بالسيف والحال الصادق في المقال، يمهد الأرض، ويحيي السنة والفرض.

        وفي كتاب عقد الدرر: قال علي بن أبي طالب: إذا نادى مناد من السماء: إن الحق في آل محمد. فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس يشربون ذكره، فلا يكون لهم ذكر غيره.

        في كتاب (إكمال الدين) للشيخ الصدوق بإسناده عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) –وهو على المنبر-. يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشرب بالحمرة مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله) له اسمان: اسم يخفي واسم يعلن: فأما الذي يخفي فأحمد، وأما الذي يعلن: محمد. فإذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ويضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت من المؤمنين إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، يتباشرون بقيام القائم (عليه السلام).

        وروى القندوزي في (ينابيعه) هذه الأبيات لأمير المؤمنين (عليه السلام):

        حسين إذا كنت في بلدة*** غريباً فعاشر بآدابها

        إلى أن يقول:

        سقى الله قــــــائمنا صاحـــــب*** القيامــــــة، والناس في دابها

        هو المدرك الثار لي يا حســــ*** ين بل لــــــك، فاصبر لأتعابها

        وفي أواخر لحظات حياته المشرقة وأثناء وصيته لابنه يقول الإمام علي(عليه السلام): يا بني يا حسن –وكبر علي سبعاً- واعلم أنه لا يحل ذلك على أحد غيري إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه: القائم المهدي، من ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق.

        والأحاديث المروية عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حول الإمام المهدي كثيرة جدا.


        ولم يهمل الإمام الحسن (عليه السلام) التنويه والإشادة بالإمام المهدي (عليه السلام).

        فحينما كان يتحدث عن ظروفه الصعبة انتهز الفرصة ليقول:

        .... أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذاك التاسع من ولد الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شابٍ ابن دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير.


        كما لم يترك الإمام الحسين (عليه السلام) الفرصة أن تفوته، بل كان ينتهزها بالإخبار عن الإمام المهدي (عليه السلام) والإشادة به والتحدث عنه، فمثلاً: يقول (عليه السلام) لعبد الله بن عمر:

        لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله (عز وجل) ذلك اليوم حتى يخرج رج من ولدي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول.

        ويقول (عليه السلام) –لرجل من همدان-: قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي.

        وفي كتاب (عقد الدرر) بسنده عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: لو قام المهدي لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً.

        وروى الشيخ الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام، ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).

        أما إن الصابر –في غيبته- على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

        وروى الصدوق أيضاً عن عيسى الخشاب قال: قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟.

        قال: لا.. ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى بعمه يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.


        ومن المبشرين بالمهدي أيضا، زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن حسين (عليهما السلام)، ومما يجدر الانتباه إليه هو أن الإمام أشار إلى هذه الحقيقة في ساعة يعجز القلم عن وصفها، فلقد عاش الإمام زين العابدين (عليه السلام) واقعة كربلاء الدامية، وفقد في يوم كربلاء (عاشوراء) أباه الإمام الحسين (عليه السلام) وعشيرته وأغصان الشجرة الطيبة في غضون يوم واحد، وانصبت عليه الفجائع، الواحدة تلو الأخرى في خلال ساعات، وحكموا عليه بالإعدام ثلاث مرات:

        الأولى: في كربلاء بعد شهادة أبيه سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).

        الثانية: في الكوفة، وفي مجلس عبيد الله بن زياد، حيث أمر ابن زياد بقتل الإمام.

        الثالثة: في الشام، لما عزم يزيد على قتله، وحتى أنه أمر أن يحفر قبرٌ للإمام ليدفنه فيه بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه.

        ولكن الله تعالى كفاه شرهم، ودفع عنه السوء، وحفظه من القتل، وفي ويوم جمعة من تلك الأيام حضر يزيد بن معاوية ليؤم الناس في أداء الصلاة الجمعة في الجامع الأموي بدمشق، وأمر يزيد خطيباً أن يتولى خطبة صلاة الجمعة، إذ أنه كان عارياً عن الثقافة الدينية وبمعزل عن وعظ الناس وإرشادهم، ولكنه أعطى للخطيب رؤوس الأقلام التي تدور عليها الخطبة.

        أمر يزيد الخطيب أن يمدح بني أمية وعلى رأسهم معاوية ويزيد، وأن يذكر آل رسول الله (عليهم السلام) بكل سوء، ونفذ الخطيب المأجور هذه الخطة القذرة.

        فنهض الإمام ليكسر أقفال الصمت، وليصرخ في وجه الخطيب صرخة يدوي صداها على مسامع الجماهير المتجمهرة في الجامع الأموي لأداء صلاة الجمعة قائلاًويلك أيها الخاطب!! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار) ثم يستأذن الإمام زين العابدين (عليه السلام) من يزيد ليأذن له ليرقى المنبر، وبعد محاولات كثير وإلحاح من الحاضرين إذِنَ له يزيد مكرهاً، وصعد الإمام المنبر، وبعد مقدمات وكلمات في المواعظ جلب انتباه الحاضرين وملك قلوبهم ومشاعرهم، فقال: -في ضمن خطبته-:

        (أيها الناس: أعطينا ستاً، وفضلنا بسبع: أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضلنا: بأن منا النبي المختار ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة، ومنا مهدي هذه الأمة.. إلى آخر الخطبة).

        وفي كتاب (إكمال الدين): قال الإمام علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام): القائم منا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة.

        وأيضاً في (إكمال الدين) عن أبي خالد الكابلي –وهو من أصحاب الإمام زين العابدين (عليه السلام)- :.. قال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول الله إن ذلك لكائن؟.

        فقال: أي وربي، إن ذلك لمكتوب عنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

        قال أبو خالد: فقلت يا بن رسول الله ثم يكون ماذا؟.

        قال (عليه السلام): ثم تمتد الغيبة بولي الله (عز وجل) الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده.

        يا أبا خالد: إن أهل زمان غيبته، القائلين بإمامته، والمنتظرين ظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى الله (عز وجل) سراً وجهراً.

        وفي كتاب (إكمال الدين) بإسناده عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقول:

        في القائم منا سنن من الأنبياء، سنة من أبينا آدم (عليه السلام) وسنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله).

        فأما من آدم ونوح: فطول العمر.

        وأما من إبراهيم: فخفاء الولادة واعتزال الناس.

        وأما من موسى: فالخوف والتقية.

        وأما من عيسى: فاختلاف الناس فيه.

        وأما من أيوب: فالفرج بعد البلوى.

        وأما من محمد (صلى الله عليه وآله): فالخروج بالسيف.


        ومن البديهي أن تكون الأحاديث المروية عن الإمام الباقر (عليه السلام) حول الإمام المهدي (عليه السلام) غزيرة المادة، كثيرة العدد، قد سجلتها أقلام الفقهاء الذين تلمذوا على الإمام الباقر، ولكن لا يسعنا هنا استيعاب تلك الأحاديث بأجمعها، بل نكتفي ببعضها:

        في كتاب (بحار الأنوار) نقلاً عن كتاب الغيبة للنعماني بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلما تفرق من كان عنده قال لي:يا أبا حمزة من المحتوم الذي حتمه الله قيام قائمنا، فمن شك فيما أقول لقى الله وهو به كافر، ثم قال: بأبي وأمي المسمى باسمي، والمكنى بكنيتي، السابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً وجوراً، يا أبا حمزة من أدركه فيسلم له ما سلم لمحمد وعلي فقد وجبت له الجنة، ومن لم يسلم فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وبئس مثوى الظالمين.

        وفي (إكمال الدين) للشيخ الصدوق (عليه الرحمة) بإسناده عن أم هانيء الثقفية قالت: غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر (عليه السلام) فقلت له: يا سيدي! آية في كتاب الله عز وجل عرضت بقلبي فأقلقتني وأسهرتني. قال: فأسألي يا أم هانيء... قالت: قلت: قول الله عز وجل: (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) قال: نعم المسألة سألتيني يا أم هانيء هذا مولودٌ في آخر الزمان، هو المهدي من هذه العترة تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها أقوام، فيا طوبى لك إن أدركتيه، ويا طوبى لمن أدركه.

        وأيضاً في (إكمال الدين) عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا الجارود إذا دار الفلك وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأي واد سلك وقال الطالب: أنى يكون ذلك وقد بليت عظامه فعند ذلك فأرجوه، فإذا سمعتم به فاتوه ولو حبواً على الثلج.


        ولم يروعن إمامٍ من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حول الإمام المهدي بمقدار ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وذلك لمساعدة الظروف المواتية للإمام الصادق (عليه السلام).

        ومن الواضح أننا لا نستطع أن نذكر –هنا- جميع الأحاديث المروية عن الإمام الصادق حول الإمام المهدي (عليه السلام) بسبب غزارة المادة، وارتفاع النسبة،ولكن نكتفي بما هو آت:

        في كتاب (بحار الأنوار) نقلاً عن كتاب (أمالي الصدوق) بإسناده عن ابن أبي عُمير عمن سمع أبا عبد الله –الصادق- (عليه السلام) يقول:

        لكل أُناس دولة يرقبونها*** ودولتنا في آخر الدهر تظهر

        في كتاب (إكمال الدين) بإسناده عن صفوان بن مهران عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال:من أقر بجميع الأئمة (عليهم السلام) وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلى الله عليه وآله) نبوته، فقيل له: يا بن رسول الله فمن المهدي؟ من ولدك؟.

        قال (عليه السلام): الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لك تسميته.

        وأيضاً في (إكمال الدين) عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله –الصادق- (عليه السلام) يقول: (إن سنن الأنبياء (عليهم السلام) وما وقع عليهم من الغيبات جارية –وفي نسخة: حادثة- في القائم منا أهل البيت، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

        قال أبو بصير: فقلت له: يا بن رسول الله! ومن القائم منكم أهل البيت؟.

        فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره اله عز وجل، فيفتح على يديه مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الأرض بقعةٌ عُبدَ فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها، ويكون اليد كله لله ولو كره المشركون.


        ولم تخل موسوعات الأحاديث عن كلمات الإمام الكاظم (عليه السلام) حول الإمام المهدي (عليه السلام) وفيما يلي نذكر بعضها:

        في كتاب (إكمال الدين) بإسناده عن محمد بن زياد الأزدي، قال: سألت سيدي موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: (وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة)؟ قال: النعمة الظاهرة: الإمام الظاهر، والباطنة: الإمام الغائب.

        فقلت: ويكون في الأئمة من يغيب؟.

        قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصهن ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرب له كل بعيد ويبير –أي يهلك- به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد.

        ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله (عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

        وأيضاً في إكمال الدين بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟.

        فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدين له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.

        ثم قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا المستمسكين بحبلنا –وفي نسخة: بحبنا- في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، وطوبى لهم هم- والله- معنا في درجتنا يوم القيامة.


        وينتهز الإمام الرضا (عليه السلام) الفرص للتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام) فمثلاُ: عندما دخل عليه دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت وأنشده قصيدته التائية المعروفة، ووصل إلى هذين البيتين:

        خــــــروج إمام لا محالة خارج*** يقــــوم على اسم الله والبركات

        يميـــــــز فيـــــنا كل حق وباطل*** ويجزي على النعماء والنقمات

        بكى الإمام الرضا (عليه السلام) بكاءاً شديداً ثم رفع رأسه إلى دعبل، وقال له: يا خزاعي... نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين... فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟

        فقال: لا يا مولاي.. إلا أني سمعت بخروج إمامٍ منكم يطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً.

        فقال الإمام: يا دعبل.. الإمام بعدي: محمد ابني، وبعد محمد: ابنه علي، وبعد علي: ابنه الحسن، وبعد الحسن: ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملأت جوراً.

        وأضاف (عليه السلام) قائلاً:

        وأما متى.. فإخبارعن الوقت، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام): أن النبي (صلى الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟.

        فقال: مثله مثل الساعة (القيامة) لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات والأرض، لا يأتيكم إلا بغتة.

        وفي إكمال الدين عن أبي الصلت الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامة القائم منكم إذا خرج؟.

        فقال: علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر، حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وأن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتي أجله.


        وبالرغم من كثرة العقبات والمشاكل التي اعترضت طريق الإمام الجواد (عليه السلام) فإن موسوعات الأحاديث لا تخلو عن البشائر المروية عنه (عليه السلام) بالإمام المهدي (عليه السلام) وإليك بعضها:

        في كتاب (بحار الأنوار) ج51 نقلاً عن (إكمال الدين) بسنده عن السيد عبد العظيم الحسني قال: دخلت على سيدي محمد بن علي الجواد(عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أم غيره؟.

        فابتدأني (عليه السلام) فقال: يا أبا القاسم إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن يُنتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، وخصنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلى يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلماً، وإن الله تبارك وتعالى يصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبيٌ:

        ثم قال (عليه السلام) أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.

        وفي (بحار الأنوار) أيضاً عن عبد العظيم الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليهم السلام): إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلماً.

        فقال (عليه السلام): ما منا إلا وهو قائم بأمر الله، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذين يطهر الله (عز وجل) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً: هو الذي تخفي عن الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله وكنيته، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب... إلى آخر الحديث.


        ويروى عن الإمام الهادي جملة من الأحاديث المبشرة بالإمام المهدي، منها:

        روى الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في كتاب (إكمال الدين) بإسناده عن أبي دلف قال: سمعت علي بن محمد الهادي(عليه السلام) يقول: إن الإمام بعدي: الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.


        ومن الطبيعي أن أكبر عدد من البشائر يتحقق على يدي الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، وينطلق على لسانه، فقد اقترب موعد ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وينبغي أن يكون الإعلام بولادته على أوسع نطاق، ولكن.. هل يمكن ذلك؟!

        وكيف يمكن؟ وهناك الموانع والحواجز والعقبات التي تحول دون ذلك، فالاعتقاد بظهور الإمام المهدي كان سائداً في الأمة الإسلامية في تلك العصور، ومشهوراً عند المسلمين مع اختلاف بعض الطوائف الإسلامية في شخصية ذلك الإنسان المسمى بالمهدي الذي بشر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) حتى أن الذين ادعوا المهدوية كذباً وزوراً إنما كانوا يعتمدون على الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي، وكانوا يطبقون تلك الأحاديث على أنفسهم افتراءا وخداعاً.

        إذن... فالاعتقاد والقول بظهور الإمام المهدي كان من الأمور القطعية عند المسلمين في ذلك الزمان، وخاصة بعد التركيز على أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنه يقضي على الطواغيت والجبابرة الظالمين، ومن الواضح أن الحكام العباسيين كانوا في طليعة المعادين والمناوئين لهذه الشخصية المبشر بها، لأنهم يظنون أن حكوماتهم سوف تنهار على يديه ودماؤهم تسفك بسيفه.

        بعد الانتباه إلى هذه الظروف والملابسات... هل يستطيع الإمام العسكري (عليه السلام) أن يعلن عن ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بصورة واسعة؟.

        أليس معنى ذلك أن الإمام العسكري يسبب قتل ولده الإمام المهدي جرياً على العادة؟ فما الذي يمنع الأعداء من أن يهجموا عليه الدار ويقتلوا أهل الدار كلهم؟ وما المانع من ذلك؟.

        ثم... هل يسكت الإمام العسكري (عليه السلام) ويخفي ولادة ولده المهدي عن كل أحد؛ فلا يدع أحداً يعرف ذلك أبداً؟ فيكف يعلم الشيعة بولادة إمامهم، وخاصة وأن الإمام العسكري كان يرى أن حياته شخصياً في معرض الخطر، ويعلم –بعلم الإمامة- أنه سوف يقتل مسوماً وهو ابن ثمان وعشرين سنة؟ والأوامر الإلهية تفرض عليه أن يعرف الإمام الذي بعده وينص عليه، حفظاً للأمة الإسلامية من الضياع والضلال، فقد ورد في الحديث الصحيح –المتفق عليه بين المسلمين- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية).

        مشكلةٌ وأية مشكلة، لا يحلها إلا عقل الإمام، ذلك العقل الذي تتجلى فيه الحكمة بأجمل الصور، وتظهر فيه الحنكة بأبهى منظر، وتبرز حقيقة علم الإمام ومدى تدبيره للإمام وكيفية تصرفاته في تحقيق الأهداف مع رعاية جميع الجوانب والأطراف.

        الحل الذي اختاره الإمام العسكري (عليه السلام) في هذا المجال:

        هو الحد الوسط، فلا إعلام عام، ولا كتمان وإخفاء مطلق، ففي كتاب (بحار الأنوار) نقلاً عن كتاب (الخرائج) بسنده عن عيسى بن صبيح قال: دخل الحسن العسكري (عليه السلام) الحبس، وكنت به عارفاً، فقال لي: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان. وكان معي كتابُ دعاء عليه تاريخ مولدي، وإني نظرت فيه فكان كما قال.

        وقال (عليه السلام): هل رزقت ولداً؟.

        فقلت: لا... فقال: اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد. ثم تمثل (عليه السلام):

        من كان ذا ولدٍ يدرك ظلامته*** إن الذليل الذي ليست له عضد

        قلت: ألك ولد؟ قال (عليه السلام): أي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاًـ فأما الآن فلا –أي فليس لي ولد- ثم تمثل:

        لعـــلــــك يــوماً أن تراني كأنما*** بني حــــوالي الأســــود اللوابد

        فـــــإن تميـــاً قبل أن يلد الحصا***أقام زماناً وهو في الناس واحد

        عن كتاب (إكمال الدين): بسنده عن أحمد بن إسحاق قال:

        سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً.

        تعليق


        • #5
          الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)


          البشارة في التوراة والإنجيل


          بالرغم من تطاول يد التحريف على الكتب السماوية الموجودة حالياً فإنه يوجد فيها بعض الحقائق ان لم تكن لتفيد إثبات الواقع بذاتها، فإنها تفيد للاحتجاج على من يعتقد بها، وفيما يلي نذكر نصوصاً من كتب الأديان عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه).


          1- (الصديقون يرثون الأرض إلى الأبد). المزمور السابع والثلاثون - كتاب المزامير.

          كما قد تضمن أيضاً تفاصيل كثيرة عن الأوضاع في آخر الزمان مما يؤيد ما في أحاديث المسلمين، ثم يقول: (أما الأشرار فيبادون جميعاً - عقب الأشرار ينقطع -).


          2- (ويل للأمة الخاطئة - الشعب الثقيل الآثم - نسل فاعلي الشر أولاد المفسدين تركوا الرب..).

          (.. أرضكم تأكلها غرباً قدامكم وهي خربة كانقلاب الغرباء، وبعد ذلك تدعين مدينة العدل، القرية الأمينة). كتاب أشعيا - الإصحاح الأول.


          3- (فيرفع راية الأمم من بعيد، ويصفر لهم من أقصى الأرض. فإذا هم بالعجلة يأتون ليس فيهم رازح ولا عاثر). الإصحاح الخامس.


          4- (إلى أن تصير المدن خربة بلا ساكن، والبيوت، بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر ويبعد الأرض الإنسان، ويكثر الخراب في وسط الأرض، وأن يبقى فيهما عشر بعد، فيعود ويصير للخراب، ولكن كالبطمة والبلوطة التي - وإن قطعت - فلها ساق يكون ساقه زرعاً مقدساً). الإصحاح السادس - من كتاب أشعيا.


          5- (يقيم إله السماء مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، تسحق وتفني كلّ هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد).

          ثم يقول: (.. طوبى لمن انتظر). كتاب حجار - الإصحاح الثاني.


          6- (قال رب الجنود. هي مرة بعد قليل أزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأزلزل كل الأمم، ويأتي بعدها كل الأمم تملأ هذا البيت). كتاب حجار - الإصحاح الثاني


          7- (ويكون في كل الأرض يقول الرب: إن ثلثين يقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها، وأدخل الثالث في النار، وأمحصهم كمحص الفضة، وأمتحنهم امتحان الذهب، هو يدعو باسمي وأنا أجيبه أقول هو شعبي وهو يقول الرب إلهي)(1). كتاب زكريا - الإصحاح الثالث عشر.


          8- (إن يسوع - هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي إليكم كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء)(2). كتاب أعمال الرسل - العهد الجديد - الإصحاح الأول.


          9- (وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً). إنجيل يوحنا - الإصحاح الرابع عشر.


          10- (لأنه بعد قليل جداً سيأتي الآتي ولا يبطئ). الإصحاح العاشر من الرسالة التي كانت إلى العبرانيين.


          11- (ثبت للقضاء على كرسيه وهو يقتضي للمسكونة بالعدل ليالي الشعوب بالاستقامة). المزمور التاسع من مزامير داود.

          ثم يقول: (وإنما الذي عندكم تمسكوا به إلى أن يأتي من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية، فسأعطيه سلطاناً على الأمم فيرعاها بقضيب من حديد، كما تكسر آنية من خزف، وأعطيه كوكب الصبح من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس).


          12- (أما ذلك اليوم، وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد). إنجيل متّى - الإصحاح الرابع والعشرون.

          ولا أعلق على هذه المقتطفات من كتب العهدين لأنها تطابق بشيء من الاختلاف ما جاء في الأحاديث الصحيحة من علامات الظهور وسمات دولة الحق.

          وأما المجوس فإنهم أيضاً يعتقدون برجوع إنسان باسم (بهرام) الذي لا يختلف معناه عن المهدي شيئاً.

          والبراهمة أيضاً يعتقدون بظهور (كرشنا) على ما يدعون. إلاّ أن هناك أدلة كثيرة على بعث أنبياء وصلحاء مع الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ليروا الحق ظاهراً على الأرض كلها. ولعل بهرام وكرشنا كانا صالحين ممن لا نعرف اسمهم.

          إن ظهور الإمام يعتبر عند الأئمة الطاهرين (عليه السلام) القيامة الصغرى، حيث يبعث من كل أمة شهيداً.

          الهوامش

          1 - لقد جاء في كثير من أحاديث آل البيت (عليهم السلام) إن ثلثي أهل الأرض يموتون ويبقى الثلث الآخر فيمحص تمحيصاً.

          2 - لقد استفاضت أخبارنا الدينية - برجوع عيسى (عليه السلام) معه - تماماً كما يذكره هذا الكتاب.

          تعليق


          • #6
            الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)


            ولادته

            والدة المهدي (عليه السلام)


            • روى الشيخ الصدوق بسنده عن بشر بن سليمان النخاس قال: (كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) فقهني في أمر الرقيق فكنت لا ابتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام.

            فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى وقد مضى هويّ من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) يدعوني إليه فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، أنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها: بسرّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين عليّ بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتول بالعربية: لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك فيقول النخاس: فما الحيلة ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.


            • قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وأبرز من بهو ملكه عرشا مسوّغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيّر جدي من ذلك تطيراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول، وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً ودخل قصره وأرخيت الستور فأريت في تلك الليلة كأن المسيح والشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول: يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجني وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد بنو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والحواريون، فلما استيقظت من نومي اشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أراها في نفسي ولا أبديها لهم وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأوّزدكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدي وأقبل على إكرام الأسارى إعزازهم، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النساء أم زوجك أأبي محمد عن (عليه السلام) فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع بي محمد زيارتي، فقالت لي سيدة النساء (عليها السلام): إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك فإني ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمد إياك فتقولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن أبي محمداً رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفس، وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك فإني منفذته إليك، فانتبهت وأنا أقول: واشوقاه إلى لقاء أبي محمد فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عليه السلام) في منامي فرأيته كإني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟ قال ما كان تأخيري عنك إلا لشركك وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

            قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر فقالت: أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي: إن جدك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك بإطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت: نرجس، فقال اسم الجواري، فقلت: العجب أنك رومية ولسانك عربي؟ قالت: بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية حتى استمر عليها لساني واستقام، قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لها: كيف أراك الله عز الاسلام وذل النصرانية، وشرف أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به مني؟ قال: فإني أريد أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت بل البشرى قال (عليه السلام): فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، قالت: ممن؟ قال: (عليه السلام): ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية قالت: من المسيح ووصيه؟ قال فممن زوجك المسيح ووصيه، قالت: من ابنك أبي محمد؟ قال: فهل تعرفينه؟ قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه، فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا كافور أدع لي أختي حكيمة، فلما دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: ها هية فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزل وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم (عليه السلام)(1).


            • وروى الشيخ الطوسي بسند آخر عن بشر بن سليمان النخاس نظير ما تقدم مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ(2).


            • وروى ابن شهر آشوب شطراً من هذه الرواية في (مناقب آل أبي طالب ج3 ص 538)(3).

            كيفية ولادته (عجل الله تعالى فرجه الشريف)


            • روي عن حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام قالت: بعث لي أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال: يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه، قالت فقلت له: ومن أمه؟ قال لي؟ نرجس، قلت له: والله جعلني الله فداك ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت فلما سلمت وجلست، جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي كيف أمسيت؟ بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة؟

            فقلت لها: يا بنية إن الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا الآخرة، قالت: فجلست واستحت.

            فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة افطرت وأخذت مضجعي، فرقدت، فلما أن كان جوف الليل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت فصلت.

            قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمد عليه السلام من المجلس، فقال: لا تعجلي يا عمة فإن الأمر قد قرب، قالت فقرأت آلم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمة، فقلت لها، اجمعي نفسك واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

            قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فتنبهت بحس سيدي، فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به عليه السلام ساجداً على الأرض بمساجده، فضممته إلي فإذا أنا به نظيفاً منظفاً، فصاح بي أبو محمد عليه السلام: هلمي إلي ابني يا عمة، فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهرهّ ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، ثم صلى على أمير المؤمنين عليه السلام وعلى الأئمة إلى ان وقف على أبيه ثم أحجم، قال أبو محمد عليه السلام: يا عمة، اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها، وائتني به.

            فذهبت به، فسلم عليها ورددته ووضعته في المجلس، ثم قال يا عمة، إذا كان اليوم السابع فأتينا.

            قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد عليه السلام فكشفت الستر لأرى سيدي، فلم أره، فقلت له: جعلت فداك، ما فعل سيدي؟ فقال: يا عمة، استودعناه الذي استودعه أم موسى عليه السلام.

            قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع، جئت وسلمت وجلست، فقال: هلمي إلي ابني، فجئت بسيدي في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجميعن حتى وقف على أبيه عليه السلام ثم تلا هذه الآية، بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).


            • وفي رواية أخرى، فلما كان بعد أربعين يوماً دخلت على أبي محمد عليه السلام فإذا مولانا المهدي يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمد عليه السلام: هذا المولود الكريم على الله عز وجل، فقلت: سيدي، أرى من أمره ما أرى وله أربعين يوماً؟! فتبسم وقال: يا عمتي، أما علمت أنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة، فقمت فقبلت رأسه وانصرفت، ثم عدت تفقدته فلم أره، فقلت لأبي محمد عليه السلام: ما فعل مولانا؟! فقال: يا عمة، استودعناه الذي استودعته أم موسى عليه السلام(4).

            في عيون المعجزات: كان لحكيمة بنت أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام جارية ولدت في بيتها وربتا، كانت تسمى نرجس، فلما كبرت، دخل أبو محمد عليه السلام فنظر إليها فقالت له عمته حكيمة: أراك يا سيدي تنظر إليها؟! فقال عليه السلام: إني ما نظرت إليها متعجباً، أما أن المولود الكريم على الله يكون منها، ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن أباه عليه السلام في دفعها إليه، ففعلت، فأمرها بذلك(5).


            • ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه الأنوار البهية أن الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه ما توالت الأزمان، هي مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمها من ولد الحواريين، تنسب إلى شمعون وصي المسيح عليه السلام، ولما أسرت، سمت نفسها نرجس، لئلا يعرفها الشيخ الذي وقعت إليه، ولما إعتراها من النور والجلاء بسبب الحمل المنور سميت صقيلاً.


            • وفي بحار الأنوار قال:

            قال الحسين بن حمدان: وحدثني من أثق إليه من المشايخ عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليه السلام قال: كانت تدخل على أبي محمد عليه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولداً.

            وأنها قالت: دخلت عليه فقلت له كما أقول ودعوت له كما أدعو، فقال: يا عمة، أما إن الذي تدعين الله أن يرزقنيه في هذه الليلة، وكانت ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان سنة سبعة وسبعين وخمسين ومائتين، فاجعلي إفطارك معنا، فقلت: يا سيدي، ممن يكون هذا الولد العظيم؟.

            فقال لي عليه السلام: من نرجس يا عمة، قال: فقلت له(6): يا سيدي ما في جواريك أحب إلى منها، وقمت دخلت إليها، وكنت إذا دخلت فعلت بي كما تفعل فانكببت على يديها فقبلتهما ومنعتها مما كانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها فقالت لي: فديتك، فقلت لها: أنا فداك وجميع العالمين، فأنكرت ذلك، فقلت لها: لا تنكري ما فعلت، فإن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة، وفرج المؤمنين، فاستحيت.

            فتأملتها، فلم أر فيها أثر الحمل فقلت لسيدي أبي محمد عليه السلام: ما أرى بها حملاً، فتبسم عليه السلام ثم قال: إنا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون وإنما نحمل في الجنوب ولا نخرج من الأرحام وإنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات.

            فقلت له: يا سيدي، لقد أخبرتني أنه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها؟ قال لي: في طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله.

            وذكر الحديث تقريباً بمثل نص الأحاديث السابقة(7).


            • قال أبو محمد عليه السلام: دخلت على عمّامتي فرأيت جارية من جواريهن قد زيّنت تسمى نرجس، فنظرت إليها نظراً أطلته، فقالت لي: عمتي حكيمة: أراك يا سيدي تنظر إلى هذه الجارية نظراً شديداً؟

            فقلت: يا عمة، ما نظري إليها إلا نظر التعجب مما الله فيه من إرادته وخيرته، فقالت لي: أحسبك يا سيدي تريدها، فأمرتها أن تستأذن أبي علي بن محمد عليه السلام في تسليمها إلي، ففعلت فأمرها عليه السلام بذلك فجائتني بها(8).


            • عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه أنه قال: ولد المهدي عليه السلام مختوناً، وسمعت حكيمة تقول: لم ير بأمه دم في نفاسها، وهذا سبيل أمهات الأئمة صلوات الله عليهم.


            • وفي بحار الأنوار أيضاً:

            عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليه السلام، قالت: بعث أبو محمد عليه السلام سنة وخمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان قال: يا عمة إجعلي الليلة إفطارك عندي فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى إنتهيت إلى أبي محمد عليه السلام وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله فقلت: جعلت فداك يا سيدي، الخلف ممن هو؟ قال: من سوسن، فادرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلما أن صلين المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتها في بيت واحد.

            فغفوت غفوة، ثم استيقظت، فلم أزل نفكرة فيما وعدني أبو محمد عليه السلام من أمر ولي الله عليه السلام، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة، وخرجت فزعة، واسبغت الضوء ثم عادت، فصلت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد عليه السلام فناداني من حجرته لا تشكي وكأنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى.

            قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد عليه السلام ومما وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسين شيئاً؟

            قالت: نعم يا عمة، إني لأجد أمراً شديداً، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالى، وأخذت سادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة في الولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزة شديدة ثم أنت أنة وتشهدت ونهظرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقياً الأرض بمساجده فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف نفروغ منه، فناداني أبو محمد عليه السلام: يا عمة، هلمي فاتيني بابني، فأتيته بع فتناوله وأخرج لسانه فمسح عينيه ففتحها ثم أدخله في فيه فحنكه ثم أدخله في أذنيه وأجلسه في راحته اليسرى فاستوى ولي الله جالساً فمسح يده على رأسه وقال له: يا بني انطق بقدرة الله، فاستعاذ لي الله عليه السلام من الشيطان الرجيم واستفتح:

            بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على اللذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرن) وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمد عليه السلام، وقال: يا عمة، رديه إلى أمه حتى (تقر عينيها ولا تحزن ولتلعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

            فرددته إلى أمه وقد انفجر الفجر الثاني فصليت الفريضة وعقبت إلى أن طلعت الشمس، ثم وعدت أبا محمد عليه السلام وانصرفت إلى منزلي فلما كان بعد ثلاث أشتقت إلى ولي الله فصرت إليهم فيدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أر أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل.

            فدخلت على أبي محمد عليه السلام فاستحييت أن أبدأ بالسؤال فبدأني فقال: هو يا عمة في كنف الله وحرزه وستره وغيبة حتى يأذن الله له، فإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فاخبري الثقات منهم وليكن عندك وعندهم مكتوماً، فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه، ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتى يقدم له جبرئيل عليه السلام فرسه (ليقضي الله أمراً كان مفعولا)(9).


            • (وبهذا الإسناد) عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حموية الرازي، عن الحسين بن رزق الله، عن موسى بن محمد بن جعفر (قال) حدثتني حكيمة بنت محمد عليه السلام بمثل معنى الحديث السابق إلا أنها قالت: فقال لي أبو محمد عليه السلام: يا عمة إذا كان اليوم السابع فأتينا، فلما أصبحت حئت لأسلم على أبي محمد عليه السلام وكشفت عنه الستر لأتفقد سيدي فلم أره فقلت له: جعلت فداك، مافعل سيدي؟ فقال: يا عمة استودعناه الذي استودعت أم موسى عليه السلام.

            فلما كان اليوم السابع، جئت فسلمت وجلست فقال: علموا بابني، فجيء بسيدي وهو فر خرق صفر، ففعل به كفعله الأول ثم أدلى لسانه في فيه كأنما يغذيه لبناً وعسلاً: ثم قال: تكلم يا بني فقال: أشهد أم لا إله إلا الله وثنى بالصلاة على محمد وعلى الأئمة عليهم السلام حتى وقف على أبيه، ثم قرأ:

            بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) إلى قوله (ما كانوا يحذرون)(10).


            • وعن (أحمد بن علي الرازي) عن محمد بن علي، عن علي بن سميع بن بنان، عن محمد بن علي بن أبي الداري، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن عبد الله، عن أحمد بن روح الأهوازي، عن محمد بن إبراهيم، عن حكيمة بمثل معنى الحديث الأول إلا أنه قال:

            قالت: بعث إلي أبو محمد عليه السلام ليلة النصف من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وقد قلت له: يابن رسول الله من أمه؟ قال: نرجس، قالت: فلما كان في اليوم الثالث، إشتد شوقي إلى ولي الله فأتيتهم عائد، فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية، فإذا أنا بها جالسة في مجلس المرأة النفساء وعليها أثواب صفر وهي معصبة الرأس فسلمت عليها والتفت إلى جانب البيت، وإذا بمهد عليه أثواب خضر، فعدلت إلى المهد ورفعت عنه الأثواب، فإذا أنا بولي الله نائم على قفاه غير نخزوم ولا مقموط، ففتح عينيه وجعل يضحك ويناجيني بإصبعه، فتناولته وأدنيته إلى فمي لأقبله فشممت منه رائحة ما شممت قط أطيب منها، وناداني أبو محمد عليه السلام: يا عمتي هلمي فتاي إلي، فتناوله وقال: يا بني أنطق الذي استودعته أم موسى عليه السلام، كن في دعة الله وستره ومنفه وجواره، وقال: رديه إلى أمه يا عمة واكتمي خبر هذا المولود علينا ولا تخبري به أحداً حتى يبلغ الكتاب أجله، فأتيت به أمه وودعتهم (ذكر الحديث إلى آخره)(11).


            • وهذه رواية أخرى أنقلها من كتاب نور الأبصار للمحدث الكبير الشيخ المازندراني ص 366 إلى 368، قال: قالت حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام: دخلت على ابن أخي الحسن العسكري عليه السلام في اليوم الرابع عشر من شهر شعبان وجلست عنده إلى وقت المغرب، فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال عليه السلام: عمتي، بل تبيتين الليلة عندنا فإنه سيلد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها، فقلت ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحمل، فقال: منها لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقبلتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر الحمل، وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً، فأخبرت الإمام فتببسم وقال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر الحمل، لأن مثلها مثل أم موسى، وهذا المولود نظير موسى عليه السلام.

            قالت حكيمة: فبت عندها ولم أزل أراقبها وهي نائمة، فلما كان في جوف الليل قمت للصلاة فصليت النوافل وجلست معقبى ثم خرجت أتفقد الوقت، فإذا أنا بالفجر الأول قد ظهر فدخلني الشك، فصاح بي أبو محمد عليه السلام من مكانه: لا تشكي عمة، قد قرب وقته، عند ذلك انتبهت نرجس فزعة مرعوبة، فقلت لها، أتحسين شيئاً؟! قالت: نعم:فضممتها إلى صدري وسميت عليها، فصاح الإمام وقال: إقرأي سورة القدر، فقرأت وسمعت الجنين من بطنها يقرأ وسلم علي ففزعت وتعجبت، فقال الإمام: لا تعجبي من أمر الله، ينطقنا صغاراً ويجعلنا حجة كباراً، فغيبت نرجس عني وكأن حجاباً ضرب بيني وبينها.

            فعدوت إلى أبي محمد وقلت: ما أرى نرجس في مكانها، قال: ارجعي يا عمة ستجدينها في مكانها، قالت: فرجعت فلم ألبث أن أكشف الغطاء بيني وبينها، وغذا عليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بسيدي ومولاي الحجة بن الحسن عليه السلام ساجداً لوجهه جاثياً على كربتيه رافعاً سبابتيه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدي محمداً رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عد إماماً إماماً إلى أن بلغ نفسه فقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتم لي أمري وثبت مكاني واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً.ثم عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين وصلي على محمد وآله، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة لو أذن لنا في الكلام لزال الشك، قالت: رأيت منه نوراً ساطعاً قد بلغ السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير، قالت: فأخبرنا أبا محمد العسكري فضحك وقال تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج، ثم صاح بي أبو محمد وقال: يا عمتاه، هاتيه، فتناولته فرأيته طارهراً مطهراً مختوناً يسطع النور من رأسه ورائحة المسك من جسده، مكتوب على عضده الأيمنن} جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا{ ، قالت حكيمة: فأتيت به إلى والده، فلما مثل بين يدي أبيه سلم الصبي على والده فأخذه العسكري مني ووضع يديه تحت إليته وظهره ووضع قدميه في صدره ثم أدلى لسانه فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال: تكلم يا بني فأخذ يتكلم ويشهد الشهادتين يصلي على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم سكت، قال أبو محمد عليه السلام: يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها واتيني به فذهبت به فسلم عليها فرددته ووضعته في المهد.

            قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد، فسلمت ثم كشفت الستر لأتفقد سيدي، فلم أره، فقلت: جعلت فداك، ما فعل سيدي عليه السلام؟! فقال: يا عمة، استودعناه الذي استودعته أم موسى ابنها موسى، فبكت نرجس، فقال عليه السلام:اسكتي، فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه وذلك قوله عز وجل (فرددناه إلى أمه كي تقر عينيها ولا تحزن) نعم الرضيعان موسى والحجة عليهما السلام قد ردهما الله إلى أمهما سالمين صحيحين ولكن الأسف كل الأسف على رضيع الحسين إذ فارق أمه ولم يلبث إلا ساعة رجع وهو مذبوح لما قالت سكينة: أبتاه لعلك سقيت أخي الماء؟ قال عليه السلام: هاك أخاك مذبوحاً.


            • يقول السيد صالح القزويني (رحمه الله) في ولادة الحجة عجل الله تعالى فرجه:

            كانت الأرض على فرض الولاء شهودا

            يــــا ابــــن الأئــــمــة كــم رأيت معاجزاً

            أعــــربـــت عن عـــــلم الغـــيـوب وليدا

            كلـــمــت حـــمـــــلاً أمــــــك الحورا كما

            نطـــق المسـيـــــح مــــــوحـــــداً مولـدا

            ونــــطــقـت بــالـــتوحيد مـــولوداً كـــما

            لجلال عـــــــزته أطــــلـــــت ســـــجودا

            وســجــــدت طــــفلاً للـــجـــليل وطــالما

            قــــد كــنـــت يـــوم نـــزوله مـــوجــوداً

            وتـــــلوث مـــحكمه المجيـــــد كـــأنـــما


            عن محمد بن يعقوب بإسناده عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس ـ سماه ـ قال: أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد عليه السلام، فدعاني من غير أن أستأذنت، فلما دخلت فسلمت قال لي: يا فلان، كيف حالك؟ ثم قال: أقعد يا فلان، ثم سألني عن جماعة من رجال ونساء من أهلي. ثم قال لي: مالذي أقدمك؟ قلت: رغبة في خدمتك، قال: فالزم الدار، قل: فكنت في دار مع الخدم ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليه بغير إذن إذا كان في دار الرجال،فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت، وناداني: مكانك، لا تبرح،فلم أسر أن أخرج ولا أدخل، فخرجت علي جارية معها شيء مغطى،ثم ناداني: أدخل،فدخلت، ثم نادى الجارية فرجعت، فقال لها: اكشفقي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه فكشف عن بطنه فإذا بشعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد عليه السلام، فقال ضوء بن علي: قلت للفارسي: كم كنت تقدر له من السنين؟ قال: سنتين.


            • قال العبدي(12): فقلت لضوء: كم تقدر أنت؟ فقال: أربع عشر سنة، قال أبو علي وأبو عبد الله: ونحن نقدر إحدى وعشرين سنة(13).


            • (وفي رواية أخرى) عن جماعة من الشيوخ، أن حكيمة حدثت بهذا الحديث وذكرت أنه كان ليلة النصف من شعبان وأن أمه نرجس (وساقت الحديث إلى قولها) فإذا أنا بحس وبصوت أبي محمد عليه السلام وهو يقول: يا عمتي هاتي إبني إلي فكشفت عن سيدي فإذا هو ساجد متلقياً الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فضممته إليّ فوجدته مفروغاً منه فلفقته في ثوب وحملته إلى أبي محمد عليه السلام (وذكروا في الحديث إلى قوله) أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن علياً أمير المؤمنين حقاً، ثم لم يزل يعد السادة والأوصياء إلى أن بلغ إلى نفسه ودعا إلى أوليائه بالفرج على يديه ثم أحجم، وقالت: ثم رفع بيني وبين أبي محمد عليه السلام كالحجاب، فلم أر سيدي فقلت لأبي محمد: يا سيدي أين مولاي؟ فقال: أخذه من هو أحق منك زمنا (ثم ذكروا الحديث بتمامه وزادو فيه)(14).


            • وعن _أحمد بن علي الرازي)، عن محمد بن علي، عن حنظلة بن زكريا (قال) حدثني أحمد بن داود الكاتب، وكان عامياً بمحل من النصب لأهل البيت عليهم السلام يظهر ذلك ولا يكتمه، وكان صديقاً لي يظهر مودة بما فيه من طبع أهل العراق، فيقول، كلما لقيني لك عندي خبر تفرح به أخبرك به، فاتغافل عنه إلى أن جمعني وإياه موضع خلوة فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به فقال:

            كان دورنا بسر من رأي مقابل دار إبن الرضا ـ يعني أبا محمد الحسن بن علي عليهما السلام فغبت عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها، ثم قضي لي بالرجوع إليها، فلما وفيتها وكنت قد فقدت جميع من خلفته من أهلي وأقربائي إلا عجوزاً كانت ربتني ولها بنت معها، وكانت من طبع الأول(15) مستورة صائنة لا تحسن الكذب، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهن أياماً ثم عزمت الخروج، فقالت العجوزة: كيف تستعجل الإنصراف وقد غبت زماناً؟ فأقم عندنا لنفرج بمكانك، فقلت لها على وجه الهزؤ: أريد ان أصير بكربلا وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة، فقالت: يا بني أعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله على وجه الهزؤ فإني أحدثك بما رأيته ـ يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين ـ كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي إبنتي وأنا بين النائمة واليقظانة، إذ دخل رجل حسن الوجه، نظيف الثياب، طيب الرائحة، فقال: يا فلانة، يجيئك الساعة من يدعوك من الجيران فلا تنتنعي من الذهاب معه ولا تخافي، ففزعت فناديت إبنتي وقلت لها:/ هل شعرت بأحد دخل البيت؟ فقالت: لا، فذكرت الله وقرأت ونمت.

            فجاء الرجل بعينه وقال لي مثل قوله، ففزعت وصحت بابنتي فقالت: لم يدخل البيت فاذكري الله ولا تفزعي، فقرأت ونمت.

            فلما كان في الثالثة، جاء الرجل وقال: يا فلانة، قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه، فسمعت دق الباب، فقمت وراء الباب وقلت: من هذا؟ فقال: افتحي الباب ولا تخافي، فعرفت كلامه وفتحت الباب فإذا خادم معه أزار قال: يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمة فادخلني ولف رأسي بالملاءة وأدخلني الدار وأنا أعرفها فإذا بشقاق(16) مشدودة وسط الدار ورجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت وإذا إمرأة قد أخذها الطلق وإمرأة قاعدة خلفها وكأنها تقبلهلا، فقالت المرأة: تعينينا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كان إلا قليلاً حتى سقط غلام فأخذته على كفي وصحت غلام غلام وأخرجت رأسي من طرق الشقاق أبشر الرجل القاعد، فقيل لي لا تصيحي، فلما رددت وجهي إلى الغلام كنت قد فقدته من كفي، فقالت لي المرأة القاعدجة: لا تصيحي، وأخذ الخادم بيدي ولف رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار وردني إلى داري وناولني صرة وقال: لا تخبري بما رأيت أحداً.

            فدخلت الدار ورجعت إلى فراشي في هذا البيت وابنتي نائمة فانهتها وسألتها: هل علمت بخروجي وروعي؟ فقالت: لا، وفتحت الصرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً وما أخبرت بهذا أحداً في هذا الوقت لما تكلمت بهذا الكلام على وجه الهزؤ فحدثتك إشفاقاً عليك، فإن لهؤلاء القوم عند الله عز وجل شأناً ومنزلة وكل ما يدعونه حق، قال: فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزؤ ولم أسألها عن الوقت، غير أني أعلم أني غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين، ورجعت إلى سر من رأى وقت في أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين في وزارة عبد الله بن سليمان لما قصدته، قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفر بن أحمد حتى سمع معي هذا الخبر)(17).


            • وروي في كتاب الغيبة: أن بعض أخوات الحسن عليه السلام كانت لها جاريه ربتها تسمى نرجس، فلما كبرت دخل أبو محمد عليه السلام فنظر إليها، فقالت له: أراك يا سيدي تنظر إليها، فقال: إني ما نظرت إليها متعجباً أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها، ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن عليه السلام في دفعها إليه، ففعلت، فأمرها بذلك(18).

            (نرجس خاتون) هي أم القائم الحجة عجل الله تعالى فرجه، ويقال لها ريحانة وسوسن وصيقل ومليكة، وهي زوج الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام(19).

            قال الشيخ خواجه محمد بارسا في (فصل الخطاب): (وأبو محمد الحسن العسكري ولده محمد المنتظر المهدي (رضي الله عنهما) معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله ويروى أن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد التّقي عمّة أبي محمد الحسن العسكري كانت تحبّه وتدعو له وتتضرّع إلى الله تعالى أن يرى ولده فلما كانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة عند الحسن العسكري فقال لها يا عمّة كوني الليلة عندنا لأمر فأقامت. فلمّا كان وقت الفجر اضطربت نرجس فقامت إليها حكيمة فوضعت نرجس المولود المبارك فلما رأته حكيمة أتت به أبا محمد الحسن العسكري (رضي الله عنهم) وهو مختون فأخذه ومسح بيده على ظهره وعينيه وادخل لسانه في فيه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في الأخرى ثمّ قال يا عمّة اذهبي به إلى أمّه فذهبت به ورددته إلى أمّه قالت حكيمة ثم جئت من بيتي إلى أبي محمد الحسن فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنّور أخذ بمجامع قلبي فقلت يا سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فقال يا عمة هذا المنتظر الذي بشرنا به قالت حكيمة فخررت لله ساجدة شكراً على ذلك ثمّ كنت أتردد إلى أبي محمد الحسن فلا أرى المولود فقلت يا مولاي ما فعل سيّدنا ومنتظرنا قال استودعناه الله الذي استودعته أمّ موسى (عليهما السلام) ابنها، وقالوا أتاه الله تبارك وتعالى الحكمة وفصل الخطاب في طفولته وجعله آية للعالمين كما قال تعالى يا يحيى خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً وقال تعالى: (قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً؟ قال انّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً) وطول الله تبارك وتعالى عمره، كما طوّل عمر الخضر (عليه السلام)(20).

            الهوامش

            1 - كمال الدين ص418.

            2 - الغيبة ص124.

            3 - وقال الشيخ كامل سليمان: (ولدته نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، التي أمها من ولد الحواريين، تنسب إلى شمعون وصي المسيح (عليه السلام)، سارت مع جيش أبيها متنكرة في زي الخدم مع عدة من وصائفها، ليداوين الجرحى في حرب من حروب المسلمين في جنوبي شرقي أوروبا، فصادفتهن طلائع جيش المسلمين بعد هزيمة جيش العدو، فأخذتهن أسيرات وما أحس أحد بأنها بنت قيصر.

            وعندما عرضت للبيع مع السبايا غيرت اسمها وقالت: اسمي نرجس، لأنه اسم تسمى به الجواري، كان والدها قد علمها لغات مختلفة من جملتها اللغة العربية التي استمر لسانها عليها وألفها واستقام لها جيداً. وكان ذلك أيام الإمام الهادي (عليه السلام)، فكلف أحد أصحابه (بشر بن سليمان النخاس) بشرائها حين وصلت إليه قصتها وعرف بإبائها أن تباع لمن عرضوا عليها، لأنه كان يعلم أنها مرصودة لولده فتم ذلك واشتراها صاحبه وأحضرها إليه فكلف خادمه كافوراً أن يستدعي له أخته السيدة الجليلة حكيمة، فجاءت فقال لها: ها هية، فخذيها وعلميها الفرائض فإنها زوجة ابني أبي محمد، وأم القائم (عليه السلام). (يوم الخلاص ص61).

            4 ـ الأنوار البهية ص 276-277

            5 ـ عيون المعجزات ص 131.

            6 ـ كذا، والظاهر: قالت فقلت له

            7 ـ بحار الأنوار ج51 ص25-26.

            8 ـ نفس المصدر ص 25.

            9 ـ بحار الأنوار ج51 ص17-18.

            10 ـ كتاب الغيبة ص 143.

            11 ـ كتاب الغيبة ص 143، بحار الأنوار ج 51 ص 19.

            12 ـ العبدي: هو علي بن عبد الرحمن العبدي، راوي الخبر عن ضوء بن علي وأبو علي وأبو عبد الله هما محمد والحسن ابنا علي بن إبراهيم روياه عن العبدي، على ما في سند الخبر في كتاب الكافي وغيره.

            13 ـ كتاب الغيبة ص 139-140.

            14 ـ كتاب الغيبة ص 143-144.

            15 ـ قوله: من طبع الأول: أي كانت من طبع الخلق الأول هكذا، أي كانت مطبوعة على تلك الخصال في أول أمرها (قاله في البحار).

            16 ـ الشقاق: جمع الشقة بالكسر، وهي ما شق من الثوب مستطيلاً (بحار الأنوار ).

            17 ـ كتاب الغيبة ص 145-146.

            18 ـ كتاب الغيبة ص 147، بحار الأنوار ج 51 ص 22.

            19 ـ تراجم أعلام النساء ج 2 ص 412.

            20 ـ ينابيع المودة: ص 451.

            تعليق


            • #7
              أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي


              ماهر آل شبر


              أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وبقائه

              كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ) يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم( (1).

              كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء، كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.

              لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله وولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت الإمام العسكري (عليه السلام) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.

              فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (عليه السلام) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليهم السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.

              فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله، قال: يخاف القتل)(2).

              وفي البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: (إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال ) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً( (3)، أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(4).

              وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(5).

              وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره باسمه: (فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(6).

              - ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال…؟

              بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.


              ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام)

              كان المؤمنون في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال, واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ، عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (عليه السلام) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.

              ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه (عليه السلام).

              لذلك كان من شأن الإمام المهدي (عليه السلام) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس،كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.

              ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار الإمام المهدي (عليه السلام) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(7)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.

              ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: (وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام)، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(8).


              ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإبطال شبهات المشككين

              بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ، وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده (عليه السلام) خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته ـ أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته ـ هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته (عليه السلام) على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.

              فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: (فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام))(9).

              والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة.

              ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (عليه السلام) وتحدثهم عنها بإسهاب.

              فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي ـ غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(10).

              وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين( (11)، فقال (عليه السلام): (إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(12).

              وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة( (13)، فقال (عليه السلام): (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(14).

              ولقد قام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(15).

              كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقة عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.

              كما قام الإمام العسكري (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ـ أي العمري ـ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(16).

              - ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟


              أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:

              يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية(17):

              1- استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).

              2- ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر، ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.

              3- عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).

              بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).

              فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: (انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له ـ أي الإمام ـ وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر ـ أي من صاحب الزمان ـ أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(18).

              ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.


              الهوامش:

              1- سورة القصص الآية 4.

              2- علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج 1 ص 184.

              3- سورة الشعراء الآية 21.

              4- بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.

              5- كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.

              6- غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.

              7- إعلام الورى ص 376، بحار الأنوار ج 52 ص 93.

              8- الفجر المقدس ص 48.

              9- كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.

              10- الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.

              11- سورة الملك الآية 30.

              12- كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.

              13- سورة لقمان الآية 20.

              14- بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.

              15- منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.

              16- غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.

              17- تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.

              18- أعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج 1 ص 440 ح 30.

              تعليق


              • #8
                أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي


                ماهر آل شبر


                أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وبقائه

                كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ) يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم( (1).

                كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء، كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.

                لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله وولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت الإمام العسكري (عليه السلام) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.

                فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (عليه السلام) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليهم السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.

                فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله، قال: يخاف القتل)(2).

                وفي البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: (إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال ) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً( (3)، أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(4).

                وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(5).

                وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره باسمه: (فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(6).

                - ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال…؟

                بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.


                ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام)

                كان المؤمنون في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال, واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ، عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (عليه السلام) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.

                ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه (عليه السلام).

                لذلك كان من شأن الإمام المهدي (عليه السلام) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس،كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.

                ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار الإمام المهدي (عليه السلام) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(7)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.

                ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: (وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام)، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(8).


                ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإبطال شبهات المشككين

                بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ، وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده (عليه السلام) خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته ـ أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته ـ هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته (عليه السلام) على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.

                فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: (فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام))(9).

                والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة.

                ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (عليه السلام) وتحدثهم عنها بإسهاب.

                فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي ـ غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(10).

                وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين( (11)، فقال (عليه السلام): (إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(12).

                وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة( (13)، فقال (عليه السلام): (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(14).

                ولقد قام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(15).

                كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقة عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.

                كما قام الإمام العسكري (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ـ أي العمري ـ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(16).

                - ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟


                أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:

                يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية(17):

                1- استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).

                2- ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر، ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.

                3- عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).

                بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).

                فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: (انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له ـ أي الإمام ـ وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر ـ أي من صاحب الزمان ـ أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(18).

                ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.


                الهوامش:

                1- سورة القصص الآية 4.

                2- علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج 1 ص 184.

                3- سورة الشعراء الآية 21.

                4- بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.

                5- كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.

                6- غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.

                7- إعلام الورى ص 376، بحار الأنوار ج 52 ص 93.

                8- الفجر المقدس ص 48.

                9- كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.

                10- الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.

                11- سورة الملك الآية 30.

                12- كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.

                13- سورة لقمان الآية 20.

                14- بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.

                15- منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.

                16- غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.

                17- تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.

                18- أعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج 1 ص 440 ح 30.




                أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي


                ماهر آل شبر


                أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وبقائه

                كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ) يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم( (1).

                كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء، كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.

                لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله وولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت الإمام العسكري (عليه السلام) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.

                فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (عليه السلام) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليهم السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.

                فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله، قال: يخاف القتل)(2).

                وفي البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: (إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال ) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً( (3)، أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(4).

                وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(5).

                وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره باسمه: (فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(6).

                - ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال…؟

                بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.


                ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام)

                كان المؤمنون في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال, واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ، عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (عليه السلام) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.

                ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه (عليه السلام).

                لذلك كان من شأن الإمام المهدي (عليه السلام) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس،كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.

                ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار الإمام المهدي (عليه السلام) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(7)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.

                ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: (وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام)، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(8).


                ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإبطال شبهات المشككين

                بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ، وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده (عليه السلام) خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته ـ أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته ـ هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته (عليه السلام) على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.

                فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: (فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام))(9).

                والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة.

                ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (عليه السلام) وتحدثهم عنها بإسهاب.

                فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي ـ غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(10).

                وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين( (11)، فقال (عليه السلام): (إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(12).

                وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة( (13)، فقال (عليه السلام): (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(14).

                ولقد قام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(15).

                كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقة عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.

                كما قام الإمام العسكري (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ـ أي العمري ـ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(16).

                - ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟


                أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:

                يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية(17):

                1- استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).

                2- ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر، ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.

                3- عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).

                بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).

                فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: (انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له ـ أي الإمام ـ وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر ـ أي من صاحب الزمان ـ أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(18).

                ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.


                الهوامش:

                1- سورة القصص الآية 4.

                2- علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج 1 ص 184.

                3- سورة الشعراء الآية 21.

                4- بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.

                5- كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.

                6- غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.

                7- إعلام الورى ص 376، بحار الأنوار ج 52 ص 93.

                8- الفجر المقدس ص 48.

                9- كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.

                10- الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.

                11- سورة الملك الآية 30.

                12- كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.

                13- سورة لقمان الآية 20.

                14- بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.

                15- منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.

                16- غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.

                17- تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.

                18- أعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج 1 ص 440 ح 30.

                تعليق


                • #9
                  أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض


                  ماهر آل شبر


                  أولاً: استيعاب النظرية الإلهية:

                  لأن البشرية في ذلك الوقت لم تستوعب بعد النظرية الإلهية المتكاملة للعدل، ولم تحدث فيها المفاسد وسفك الدماء وأشكال الظلم والمشاكل والفظائع التي حدثت في التاريخ فيما بعد على مر الدهور والأزمان، فكيف تُطالب البشرية بتطبيق العدل وهي لا تعرف له معنى، فهي لم تر الظلم لتعرف الأمر المعاكس له.

                  فلو قلنا لأحد ما مثلاً لا يجوز لك شرب الخمر وهو لم يرى خمراً أبداً في حياته ولا يعرف له معنى لكان طلبنا هذا غير منطقي.

                  ولهذا السبب أيضاً تم إدخال آدم (عليه السلام) الجنة فترة من الزمن ثم أُخرج منها فكان إدخاله فقط ليتعلم طريقة إغواء الشيطان ويتعرف على تلبيس إبليس عليه اللعنة، إي فترة تعليمية قبل بدء مرحلة التكليف والمحاسبة على الأعمال.

                  ولذلك يعتقد الشيعة بعصمة آدم (عليه السلام) وأن مخالفته للأمر الإرشادي لم تكن معصية حيث لم يدخل بعد المرحلة العملية، وإنما قال الله له ) فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى( (1)، أي بالكد في الدنيا والتعب في العمل لتحصيل الرزق كما نصت على ذلك أكثر التفاسير بدليل قوله تعالى ) فتشقى( ولم يقل سبحانه فتشقيا لأن الرجل هو الذي تجب عليه النفقة على زوجته وهو الذي يكد على عياله في العادة، ثم أنه من الواضح من الآيات السابقة في سورة البقرة التي تتحدث عن إخبار الله سبحانه وتعالى الملائكة ) إني جاعل في الأرض خليفة( أن الله عز وجل خلق آدم من البداية ليعيش في الأرض لا في الجنة.


                  ثانياً: ابتلاء البشر واختبارهم:

                  لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار للإنسان وأعطاه حرية الاختيار للطريق الذي يريد أن يسلكه في الحياة وفي الآخرة يثاب المحسن ويعاقب المسيء، فلو أجبر سبحانه العباد منذ البداية على الطاعة والإيمان لانتفت الحكمة من هذا الاختبار، ففي دولة المهدي (عليه السلام) تقل فرص الاختيار وتضيق الطرق على الملحدين والمنحرفين، فإما أن يهتدي الشخص بمحض إرادته - خصوصاً بعد أن يرى دلائل صدق الإمام وعدله - أو يُجبر على الإسلام والطاعة رغماً عن أنفه، أو عليه أن يختار الموت بسيف الإمام إذا ما أصر على عناده واستكباره، كما قال سبحانه وتعالى: ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون( (2 ).

                  وقوله تعالى: ) وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون( (3 ).

                  فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)(4).

                  وعن حذيفة بن اليمان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله)(5).

                  كما أن الله سبحانه جعل الحياة الدنيا مجال للصراع بين الخير والشر فكان لهذا جولة وللثاني جولة أخرى وهكذا، وحتى الفترات التي انتصر فيها الحق بقيادة بعض الأنبياء (عليهم السلام) لم تستمر طويلاً إذ أعقبها عصور من الظلم والإفساد، فكان لابد إذاً أن تكون الخاتمة للحق والعدل والانتصار للخير في نهاية الصراع فلا يقوم بعده للشر قائمه، فلو كانت دولة الحق في منتصف الطريق ثم انتهت وجاءت بعدها دول الظلم فلا معنى لدولة العدل هذه وحينئذٍ ستكون جولة فقط في هذا الصراع الدائر بين الحق والباطل.

                  فلابد إذاً أن تكون دولة العدل الإلهي هذه في نهاية المطاف وخاتمة للصراع وقبل قيام الساعة كما قال تعالى ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين( (6).

                  وعن مقاتـل بن سليمان في تفسير قوله تعالى ) وإنه لعلمٌ للساعة( (7)، قال: (هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون إمارات ودلالات الساعة وقيامها)(8)، وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة قالوا: (هو عيسى بن مريم حينما ينزل من السماء في آخر الزمان ويصلي خلف المهدي، لأن ظهوره (عليه السلام) يُعلم به مجيء الساعة لأنه من أشرا طها)(9).

                  ولقد حرصت أكثر الأحاديث التي تكلمت عن الإمام المهدي (عليه السلام) على التأكيد بأنه لا يكون إلا في آخر الزمان وبعضها بالقول لو لم يبقى إلا آخر يوم من الدنيا وبعضها بالقول قبل قيام الساعة.

                  فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (ابشروا بالمهدي فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً)(10).

                  وعن جابر بن عبد الله الأنصاري عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: (المهدي يخرج في آخر الزمان)(11).

                  وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله) قال: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي)(12).

                  وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً يكون سبع سنين)(13).


                  ثالثاً: النضج الفكري:

                  لأن البشرية في ذلك الوقت لم تصل بعد لمرحلة النضج الفكري وكانت تسير نحو التكامل الإنساني في تطور مستمر في الفكر والثقافة وتحصيل العلوم وحصول التجارب وغير ذلك من التطور البشري.

                  ولذلك كانت رسالة كل نبي من الأنبياء أو الرسل أكثر شمولاً لمتطلبات الحياة ومتطلبات العصر من الرسول السابق له ومكملة لرسالته، إلى أن جاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حينما وصلت البشرية لمرحلة من التطور الفكري بحيث تستطيع أن تستوعب هذا المشروع الإلهي الكبير فوضع الدستور المتكامل للحياة والذي يمثل أيضاً دستور الدولة الإلهية الموعودة، ونزلت هذه الآية ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (14).

                  وبذلك أُكملت الرسالات السماوية ووضعت النظرية المتكاملة لأهل الأرض وجاءت رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) خاتمة لجميع الرسالات وناسخة لها جميعاً.

                  ولعل هناك من يتساءل مادام الدين قد اكتمل، والبشرية وصلت لمرحلة النضج الفكري عندما جاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فلماذا لم تطبق هذه الحكومة الإلهية في حينها على كل الأرض؟ ومادام قد وُضع الدستور المتكامل لكل البشر فلماذا لم يوضع موضع التنفيذ الفعلي في جميع المعمورة؟ ولماذا يبشر النبي بالمهدي من ولده في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً ؟ ولماذا لا يكون النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو المنفذ لهذه الحكومة الموعودة ؟

                  والجواب أن البشرية في ذلك الوقت واقعاً وصلت لمرحلة النضج الفكري بحيث تستطيع فهم هذا المشروع الإلهي الكبير، إلا أنها لم تصل بعد لإمكانية التطبيق العملي لهذا الدستور الكامل في جميع الكرة الأرضية ولم تصل بعد لمرحلة الاستعداد الحقيقي للتطبيق الفعلي لهذا المشروع.

                  فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا راجعنا الروايات التالية نفهم أنه في زمن المهدي (عليه السلام) لن يكون هناك غني وفقير...! فحينما يطبق العدل على الجميع سيكون الكل غنياً ولا وجود للمحتاجين في ذلك المجتمع المثالي.

                  فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يخرج المهدي حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويطاف بالمال في أهل الحواء ـ أي أهل الحي ـ فلا يوجد أحد يقبله)(15).

                  وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: (أبشركم بالمهدي يقسم المال صحاحاً بالسوية ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي: من له في مال حاجة)(16).

                  وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (فحينئذٍ تُظهر الأرض كنوزها وتُبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين)(17).

                  إذاً فلنا أن نسأل من الذي سوف يعمل في الأعمال الشاقة والمتعبة في ذلك الزمان، ومن الذي سيعمل في بعض الأعمال الدنيئة كمهنة الزبال مثلاً أو خلافه مادام الكل غنياً ولديه المال الكافي...؟

                  والجواب أنه بعد أن ترى البشرية من الظلم والفجائع مالا تطيقه، وبعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، وبعد تجربة جميع الأطروحات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وبعد فشلها جميعاً، ستصل البشرية لحالة من اليأس بحيث تطلب فيها إقامة دولة العدل الإلهي الموعودة.

                  وستطالب البشرية بتطبيق هذا المشروع الإلهي الكبير في الأرض مهما كلفها الأمر، وسيعمل الجميع حينئذٍ لإنجاح هذه الحكومة العادلة وحتى إذا استدعى الأمر للعمل في الأعمال الشاقة طلباً للأجر والثواب من الله فقط.

                  ولقد جاء في بعض الأخبار أنه في زمان الإمام المهدي (عليه السلام) لن يكون هناك أجر مالي للبضائع في أثناء البيع وإنما الصلاة على محمد وآل محمد فقط...!

                  وحتى إذا قلنا بعدم صحة هذه الأخبار إلا أنه لن يكون هناك مانع عند أحد ما من العمل في الأعمال الشاقة والدنيئة مادام في ذلك قيام الدولة الإسلامية وبقاؤها وديمومتها.

                  ولذلك كان بعض من مهام الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هو إيصال الأمة إلى هذه المرحلة من الاستعداد والجاهزية.

                  فعن بريد العجلي قال: (قيل لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) إن أصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة فلو أمرتهم لأطاعوك واتبعوك، فقال (عليه السلام): يجيء أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته ؟ فقال: لا، فقال(عليه السلام): فهم بدمائهم أبخل، ثم قال: إن الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي أماناتهم حتى إذا قام القائم جاءت المزاملة ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه)(18).

                  وكان كل إمام من الأئمة (عليهم السلام) يقوم بمهام تتناسب مع مرحلة التطور في الأمة والوضع الاجتماعي الذي يعاصره، فنرى الإمام الحسين (عليه السلام) يقوم بثورة ضد يزيد، بينما الإمام زين العابدين يركز على جانب التربية بالدعاء والعبادة، بينما نرى الإمامين الباقر والصادق يركزان على المجال العلمي والفقهي.

                  وحينما وصلت الأمة في زمان الإمام العسكري (عليه السلام) لمرحلة من التطور بحيث تستطيع تحمل أعباء غيبة الإمام عنها حدثت الغيبة الصغرى ومن بعدها الغيبة الكبرى بالتدريج حيث سبق ذلك انقطاع الأئمة السابقين للمهدي (من بعد الإمام الرضا) عن الاتصال المباشر بالأوساط الاجتماعية لوضعهم تحت الإقامة الجبرية في دورهم وتحت الملاحظة الدائمة من قِبل السلطات الحاكمة آنذاك، وكذلك اتخاذ الأئمة نظام الوكلاء بينهم وبين عامة شيعتهم ومواليهم تمهيداً لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).


                  الهوامش:

                  1- سورة طه الآية 117.

                  2- سورة التوبة الآية 33.

                  3- سورة آل عمران الآية 83.

                  4- تفسير العياشي مجلد 1 ص 182 ، المهدي في القرآن ص 15.

                  5- المنار المنيف ص 148، الحاوي للسيوطي ج 2 ص 63.

                  6- سورة القصص الآية 5.

                  7- سورة الزخرف الآية 61.

                  8- البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528، كشف الغمة ج 3 ص 280، ينابيع المودة ص 301.

                  9- تفسير التبيان مجلد 9 ص 211، مسند أحمد ج 1 ص 317، الدر المنثور ج 6 ص20.

                  10- دلائل الإمامة ص 467، إثبات الهداة ج 7 ص 147.

                  11- غيبة الطوسي ص 178، منتخب الأثر ص 168، إثبات الهداة ج 3 ص 502.

                  12- تذكرة الخواص ص 363، منتخب الأثر ص 182 ح 1، إثبات الهداة ج 3 ص 607.

                  13- فرائد السمطين ج 2 ص 324، دلائل الإمامة ص 251، كشف الغمة ج 3 ص 258.

                  14- سورة المائدة الآية 3.

                  15- عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 241 ح 276.

                  16- معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 92.

                  17- الإرشاد للمفيد ج 2 ص 384، كشف الغمة ج 3 ص 265.

                  18- بحار الأنوار ج 52 ص 372 ح 164، درر الأخبار ص 404 ح 17.

                  تعليق


                  • #10
                    استعراض عام لأمر الإمامة


                    ماهر آل شبر

                    قال تعالى: ) وإذ قال ربك للملآئكة إني جاعـل في الأرض خليفة، قالوا أتجعـل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعـلم مالا تعـلمون وعـلم آدم الأسماء كلها ثم عـرضهم عـلى الملآئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين( (1).

                    نحن لا نستطيع أن نفهم قضية دولة الإمام المهدي (عليه السلام) المنتظرة إلا إذا استعرضنا الأمر منذ البداية, منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وأراد أن تكون هناك خلافة إلهية على هذه الأرض وحكومة عدل إلهي فيها, فما كان من الملائكة إلا أنهم ظنوا أن هذه الخلافة ستكون منهم, فهم المعصومون من الزلل والخطأ ـ ومن هنا نفهم عظم معنى الخلافة الإلهية وأن مقامها عال جدا ـ وحينما أخبرهم سبحانه أنها ستكون من الجنس البشري كان استغراب الملائكة, لأن هذا المخلوق وحسب طبيعة تركيبه الخلقي وما فيه من غرائز وشهوات لا يمكنه أن يطبق العدل الإلهي ويقوم بأعباء الخلافة ورسالة السماء، وهنا أطلع سبحانه وتعالى الملائكة على أسماء علمها لآدم، فما هذه الأسماء وما قصتها؟!

                    حسب ما نفهمه من الآيات القرآنية في سورة البقرة بأن الملائكة - بعد عرض آدم (عليه السلام) للأسماء - اعترفوا بأحقيته للخلافة على الأرض وأنه أهل لذلك، وأن هذا المخلوق باستطاعته أن يطبق خلافة الله كما ينبغي لها، وأنه من الممكن أن يكون أفضل من الملائكة في هذا الجانب.

                    وحسب ما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآيات السابقة (أنه عرض الخلق) وعن مجاهد قال: (عرض أصحاب الأسماء), وفي تفسير الجلالين: (أن الملائكة قالوا في أنفسهم لم يخلق الله خلقا أكرم منا ولا أعلم, فخلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها أي أسماء المسميات, وجاءت كلمة ) هؤلاء( ـ وهي تخص العقلاء فقط ـ لتغليب العقلاء في هذه المسميات, وأن في ذرية آدم المطيعين لله فيظهر العدل بينهم).

                    وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله تبارك وتعالى علم آدم أسماء حجج الله كلها ثم عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة ) فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين( بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم (عليه السلام)، قالوا ) سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم( ، قال الله تبارك وتعالى ) يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم( وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته)(2).

                    وعن الإمام العسكري (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ) وعلم آدم الأسماء كلها( قال: (أسماء أنبياء الله وأسماء محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهما، وأسماء خيار شيعتهم وعتاة أعدائهم ) ثم عرضهم( عرض محمد وعلي والأئمة على الملائكة ـ أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة ـ )(3).

                    وهناك أحاديث تحمل دلالات أخرى فعـن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله ) وعلم آدم الأسماء كلها( ماذا علمه؟ قال (عليه السلام): (الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال وهذا البساط مما علمه)(4).

                    إذن نفهم من هذه التفاسير والروايات أن الله سبحانه وتعالى أخبر الملائكة أن هذا المخلوق لديه من القدرات والعلم بخواص جميع الأشياء والمواد وماهيتها واستخداماتها مما يساعده في العيش على الأرض, وأنفي ذريته أشخاصاً هم أهل للخلافة وبإمكانهم تطبيق العدل الإلهي في الأرض والتضحية في سبيل الله والعمل لأجله بحيث يصبحوا أفضل من الملائكة.

                    بل إن بعض المفسرين قالوا بأن كلمة ) هؤلاء( إنما تدل على العقلاء فقط، وفي بعض الروايات أنها تخص محمد وآل محمد فقط، وأن الله أخذ على آدم وجميع الأنبياء عليهم السلام الإيمان بمحمد وآل محمد والتبشير بالرسالة الخاتمة وان هذا العهد أو الإيمان هو شرط الخلافة في الأرض, لذلك نجد أن جميع الأنبياء يبشرون بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وبالمهدي من ولده وهناك الكثير من الروايات الدالة على ذلك.

                    فعن الجارود بن المنذر العبدي قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله عز وجل إلي أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت لهم: على ما بعثتم؟ فقالوا: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة منكما)(5).

                    عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (سألته عن قول الله عز وجل: ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماماً، قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين( (6) ما هذه الكلمات؟

                    قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي, فتاب الله عليه أنه هو التواب الرحيم. فقلت يا بن رسول الله: فما يعني عز وجل بقوله ) فاتمهن( قال: يعني فاتمهن إلى القائم اثنا عشرة إماما, تسعة من ولد الحسين)(7).

                    فينبغي أن نلاحظ هنا أن قوله تعالى ) قال إني جاعلك للناس إماما( جاء مباشرة بعد قوله تبارك وتعالى ) بكلمات فأتمهن( فإمامة نبي الله إبراهيم إنما كانت بعد اعترافه وتسليمه بالمعصومين من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم قال سبحانه بعد ذلك ) لا ينال عهدي الظالمين( فهذا العهد والميثاق والخلافة لا تكون إلا للمعصومين فقط.

                    وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ) الذين يتبعون الرسول النبيّّّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون( (8)، قال: (يعني النبي والوصي والقائم (عليهم السلام)، يأمرهم بالمعروف إذا قام وينهاهم عن المنكر)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ) النور( في هذا الموضع هو أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام))(9).

                    وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أيضاً في تفسير قوله تعالى: ) وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا( (10).

                    قال(صلى الله عليه وآله): (أخذ الميثاق على النبيين فقال ألست بربكم؟ ثم قال وإن هذا محمد رسولي وإن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وإن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبد به طوعاً وكرها، قالوا أقررنا وشهدنا يا رب، ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله عز وجل: ) ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما( (11))(12).

                    وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تأويل قوله تعالى: ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين( (13).

                    قال (صلى الله عليه وآله): (ما بعث الله نبي من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين - أي في الرجعة - وهو قوله تعالى ) لتؤمنن به( يعني رسول الله ) ولتنصرنه( يعني أمير المؤمنين، ثم قال لهم في الذر ) أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري( أي عهدي ) قالوا أأقررنا( قال الله للملائكة ) فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين( )(14).

                    وعن كعب الأحبار قال (إني لأجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء ما في حكمه ظلم ولا عنت)(15).

                    فمن هذه الروايات وهناك من أمثالها الكثير جداً، نفهم أن الله سبحانه وتعالى أعد مشروعًا إلهيًا متكاملا يكون في نهاية المطاف في هذه الأرض ينتصر فيه الحق والعدل بحيث يبشر به جميع الأنبياء والرسل..!

                    ويقول آية الله السيد محمد صادق الصدر (قدس) في هذا المعنى: (إن إنكار المهدي (عليه السلام) في الحقيقة إنكاراً للغرض الأساسي من خلق البشرية والحكمة الإلهية من وراء ذلك، مما قد يؤدي إلى التعطيل الباطل في الإسلام.

                    إذ أن الغرض من خلق البشرية هو إيجاد العبادة الكاملة في ربوع المجتمع البشري بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام) في اليوم الموعود، كما قال تعالى: ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون( (16)، ونستنتج من هذه الآية أن الغرض والهدف الوحيد من الخليقة هو الحصول على الكمال العظيم المتمثل في إيجاد الفرد الكامل والمجتمع الكامل والدولة العادلة التي تحكم المجتمع بالحق والعدل، وذلك بقرينة وجود التعليل في قوله تعالى ) ليعبدون( )(17).

                    ولنعد هنا إلى بداية الخليقة ونكمل استعراضنا للأحداث، حيث أُهبط آدم إلى الأرض وكان هو خليفة الله في الأرض وحجته على خلقه واستمرت مسيرة الإنسانية والخلافة على الأرض، وبدأ الصراع بين قوى الخير ورموزه المتمثلة في الأنبياء والأوصياء وقوى الشر ورموزه المتمثلة في الشيطان وجنوده، وكان هناك الكثير من القتل والقتال والإفساد في الأرض وذلك منذ أن اقتتل ولدا آدم.

                    وفي كل زمان كان لابد من وجود خليفة وحجة لله على خلقه، يمثل جانب الحق من الصراع وامتداداً لرسالة السماء، وكلهم كانوا يبشرون بالشريعة الخاتمة وبدولة العدل الإلهي الموعودة التي سوف تطبق على الأرض في نهاية المطاف.

                    وكان الأنبياء والرسل يبشرون أصحابهم بأن نهاية الصراع سوف تكون للحق وللمؤمنين، وأن وراثة الأرض هي لهم لا لغيرهم، فلقد جاء في العهد القديم في فصل مزامير داوود: (وسينقرض الأشرار وسيرث الأرض المتوكلون على الله تعالى)، وفيه أيضاً: (ويرث الصديقون الأرض ويسكنون فيها إلى الأبد)(18).

                    ومما جاء في الكتب السماوية السابقة أيضاً: (يقيم إله السماء مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب لآخر، تسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد... طوبى لمن انتظر)(19).

                    وكما قال تعالى في القرآن الكريم: ) ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون( (20).

                    وقال تعالى: ) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً( (21).

                    وعن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(22).


                    الهوامش:

                    1- سورة البقرة (30- 31).

                    2- كمال الدين وتمام النعمة ص 14، بحار الأنوار ج 26 ص 283 ح38.

                    3- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ص 217.

                    4- بحار الأنوار ج 11 ص 147 ح 18، مجمع البيان ج 1 ص 152.

                    5- كنز الفوائد ص 256 ,مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 287.

                    6- سورة البقرة ( 124).

                    7- الخصال ص 340 ح 84 ، المهدي في القرآن ص6، إلزام الناصب ج1 ص 179.

                    8- سورة الأعراف ( 157).

                    9- تفسير البرهان مجلد 2 ص 593، أصول الكافيج 1 ص 194.

                    10- سورة الأعراف ( 172 ) .

                    11- سورة طه ( 115).

                    12- الكافي ج 2 ص 8 ح 1، بصائر الدرجات ص 70 ح 2، بحار الأنوار ج 26 ص 279 ح 22.

                    13- سورة آل عمران ( 81 ).

                    14- بحار الأنوار ج 11 ص 25 ، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 5 ص 58.

                    15- عقـد الدرر في أخبار المنتظر ص 108.

                    16- سورة الذاريات (56).

                    17- تاريخ الغيبة الكبرى ص 203 , 289.

                    18- المزمور السابع والثلاثين- كتاب المزامير، أصول العقائد للشباب ص 179.

                    19- كتاب حجار – الإصحاح الثاني.

                    20- سورة الأنبياء (105).

                    21- سورة النور ( 55).

                    22- ينابيع المودة ج 3 ص 245، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 5 ص 281.

                    تعليق


                    • #11
                      غدا ان شاء الله تعالى
                      وقفة مع البخاري في صحيحه

                      تعليق


                      • #12
                        وقفة مع البخاري في صحيحه


                        أسعد وحيد القاسم

                        لقد أصبح من الضروري إلقاء ولو نظرة سريعة على صحيح البخاري بوصفه أصح كتب الحديث عند أهل السنة الذين يعتقدون بصحة جميع ما روي فيه من جهة، وبوصفه الحاوي للكثير من روايات أبي هريرة وذلك الكم الهائل من الروايات التي تطعن بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وغيرها من جهة أخرى.

                        فقد أخرج البخاري أحاديثه (الصحيحة برأيه) من 600 ألف حديث، وكما روي عنه إذ قال: (لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر)(1).

                        ومأخذنا الأول على الشيخ البخاري هو اعتماده على عدالة سلسلة رواة الحديث كشرطه الوحيد لإثبات صحة الحديث المروي وبدون النظر إلى متنه وما احتواه من معنى الأمر الذي يفسر وجود الاضطراب والفساد والتناقض في كثير من الروايات التي أخرجها.

                        فحتى لو كان الراوي عدلا، فإن ذلك لا يمنع نسيانه جزءا من الحديث الذي سمعه فضلا عن احتمالية روايته للحديث بالمعنى لا بعين اللفظ الذي سمعه الأمر الذي يفقد الحديث جزءا من ألفاظه الأصلية والتي يحتمل أن يكون لها معنى آخر لم يتنبه له الراوي وخصوصا مع طول سلسلة الرواة التي قد تتضمن في بعض الأحيان لسبعة أو ثمانية أفراد.

                        وإذا أضفنا صعوبة الوقوف على عدالة الرجال وخصوصا المنافقين منهم والذين لا يعلم سرائرهم سوى رب العباد، يتضح لنا العيب الأكبر في منهج البخاري في إخراجه لأحاديثه.

                        وقد قال أحمد أمين تأكيدا لذلك: (إن بعض الرجال الذي روى لهم غير ثقات، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين)(2).

                        وفيما يلي مزيدا من الروايات التي عدها البخاري صحيحة وألزم بها أهل السنة أنفسهم على مر العصور.

                        فعن أبي سعيد الخدري، أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال بشأن يوم الحساب: (... فيتساقطون حق يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن)(3).

                        وعن جرير بن عبد الله قال: (كنا جلوسا ليلة مع النبي (صلى الله عليه وآله) فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته)(4).

                        ويكفي لرد الروايتين الأخيرتين، بما أخرج البخاري بسنده عن مسروق قال: (قلت لعائشة: يا أمتاه هل رأى محمد (صلى الله عليه وآله) ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب؟ من حدثك أن محمدا (صلى الله عليه وآله) رأى ربه فقد كذب.

                        ثم قرأت - (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) - (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب))(5).

                        ويقول العلامة العسكري: (إن قول الله - (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) - أي إلى أمر ربها ناظرة، أي منتظرة وذلك مثل قوله تعالى في حكاية قول أولاد يعقوب لأبيهم، (واسأل القرية التي كنا فيها) أي واسأل أهل القرية.

                        قد (أمر) في تلك الآية، وفي هذه الآية (أهل)، وهكذا تؤول سائر الآيات التي ظاهرها يدل على أن الله تبارك وتعالى جسم(6).

                        ومن الإسرائيليات الأخرى التي وجدت في كتاب البخاري ما روي عن عبد الله قال: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع، والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلائق على أصبع. فيقول: أنا الملك. فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر. ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وما قدروا الله حق قدره)(7).

                        وعن ابن عمر قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حق تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حق تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، أو الشيطان، لا أدري أي ذلك)(8).

                        وأنا لا أدري كيف يمكننا التصديق بمثل هذه الخرافات؟

                        وهذه أخرى عن أبي ذر الغفاري قال: (قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر حين غربت الشمس: تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، وتوشك أن - تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، وتوشك أن تسجد فلا يقبل منها. وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها. فذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم)(9).

                        وعن عمر بن الخطاب قال: (أما علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي)(10) بالرغم من أن الله تعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(11)؟

                        وروي عن عبد الله قال: (ذكر عند النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقيل: ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة. فقال: بال الشيطان في أذنه)(12).

                        وعن جابر بن عبد الله رفعه قال: (خمروا الآنية واكثوا؟! الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند العشاء، فإن للجن انتشارا وخطفة، واطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت)(13).

                        ونكتفي بهذا القدر من الروايات والتي يوجد غيرها الكثير مما يضع علامة استفهام كبيرة أمام البخاري وصحيحه، وأول ما يترتب على إثباتنا خطأ المقولة الشائعة بصحة جميع ما أخرج في هذا الصحيح هو عدم صلاحية أي حديث فيه ليكون حجة لمجرد إعطاء الشيخ البخاري له صفة الصحة.

                        ولذلك فإنه يلزمنا إعادة النظر في العقائد التي أخذت بناء على بعض أحاديثه مثل إمكانية رؤية الله تعالى ووضع قدمه في جهنم، وعدم اكتمال عصمة النبي وعدم حفظه جميع القرآن، وفقأ موسى لعين ملك الموت وغيرها الكثير الكثير، مما أخذ مكان الاعتبار والتصديق بالرغم مما فيها من شبهات وخرافات تتخذ مطاعن على دين الإسلام، وهكذا بالنسبة لكتب الحديث الأخرى.

                        ونتيجة لذلك أيضا، فإنه يلزمنا مراجعة تاريخنا الإسلامي وإعادة النظر في كثير مما رواه البخاري وغيره من رجال الحديث حول مكانة الصحابي هذا أو ذاك، وخصوصا مع وجود تلك المنازعات التي حصلت بينهم والتي لا زالت آثارها واضحة لأيامنا هذه بوجود مذاهب مختلفة فرقت المسلمين وأضعفتهم.


                        الهوامش:

                        1- ابن حجر في مقدمة شرح الباري على صحيح البخاري ص 5، ط دار إحياء التراث العربي.

                        2- ضحى الإسلام لأحمد أمين ج 2 ص 117، ص 118.

                        3- صحيح البخاري ج 9 ص 396 كتاب التوحيد باب وجوه يومئذ ناضرة.

                        4- صحيح البخاري ج 6 ص 355 كتاب التفسير باب قوله - فسبح بحمد ربك.

                        5- صحيح البخاري ج 6 ص 359 كتاب التفسير باب سورة النجم.

                        6- معالم المدرستين ج 1 ص 31 الطبعة الثانية.

                        7- صحيح البخاري ج 6 ص 317 كتاب التفسير باب - وما قدروا الله حق قدره -.

                        8- صحيح البخاري ج 4 ص 319 كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده.

                        9- صحيح البخاري ج 4 ص 283 كتاب بدء الخلق باب صفة الشمس والقمر بحسبان.

                        10- صحيح البخاري ج 2 ص 212 كتاب الجنائز.

                        11- الإسراء: 15.

                        12- صحيح البخاري ج 2 ص 135 كتاب التهجد.

                        13- صحيح البخاري ج 4 ص 336 كتاب بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه.

                        تعليق


                        • #13
                          أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي


                          ماهر آل شبر


                          أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وبقائه

                          كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ) يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم( (1).

                          كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء، كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.

                          لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله وولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت الإمام العسكري (عليه السلام) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.

                          فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (عليه السلام) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليهم السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.

                          فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله، قال: يخاف القتل)(2).

                          وفي البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: (إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال ) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً( (3)، أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(4).

                          وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(5).

                          وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره باسمه: (فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(6).

                          - ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال…؟

                          بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.


                          ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام)

                          كان المؤمنون في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال, واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ، عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (عليه السلام) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.

                          ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه (عليه السلام).

                          لذلك كان من شأن الإمام المهدي (عليه السلام) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس،كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.

                          ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار الإمام المهدي (عليه السلام) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(7)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.

                          ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: (وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام)، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(8).


                          ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإبطال شبهات المشككين

                          بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ، وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده (عليه السلام) خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته ـ أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته ـ هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته (عليه السلام) على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.

                          فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: (فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام))(9).

                          والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة.

                          ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (عليه السلام) وتحدثهم عنها بإسهاب.

                          فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي ـ غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(10).

                          وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين( (11)، فقال (عليه السلام): (إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(12).

                          وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة( (13)، فقال (عليه السلام): (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(14).

                          ولقد قام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(15).

                          كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقة عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.

                          كما قام الإمام العسكري (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ـ أي العمري ـ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(16).

                          - ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟


                          أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:

                          يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية(17):

                          1- استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).

                          2- ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر، ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.

                          3- عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).

                          بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).

                          فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: (انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له ـ أي الإمام ـ وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر ـ أي من صاحب الزمان ـ أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(18).

                          ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.


                          الهوامش:

                          1- سورة القصص الآية 4.

                          2- علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج 1 ص 184.

                          3- سورة الشعراء الآية 21.

                          4- بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.

                          5- كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.

                          6- غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.

                          7- إعلام الورى ص 376، بحار الأنوار ج 52 ص 93.

                          8- الفجر المقدس ص 48.

                          9- كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.

                          10- الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.

                          11- سورة الملك الآية 30.

                          12- كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.

                          13- سورة لقمان الآية 20.

                          14- بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.

                          15- منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.

                          16- غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.

                          17- تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.

                          18- أعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج 1 ص 440 ح 30.

                          تعليق


                          • #14
                            الامام المهدي عليه السلام القائد والمصلح للعالم

                            توقيت الظهور

                            إن توقيت ظهوره توقيت أكثر من دقيق وأكثر من حكيم، ومن نوع ربما لم يتفق في عمر البشرية كلها بهذا الشكل الحاسم، ولهذا يكون توقيت ظهوره وحده نصف خطته، ولهذا التوقيت أهمية فرضت انتظارها مئات السنين.

                            ذلك أن الناس في تأرجحهم بين الأديان والمذاهب بحثاً عن الأفضل ﻻ يعتمدون على الآخرين بمقدار ما يعتمدون على أنفسهم، ولا يعتمدون حتى على الغيب بمقدار ما يعتمدون على أنفسهم - وخاصة من أقنعتهم الديالكتيك بسقوط كل المعادلات، وأوصلتهم القيادات المصلحية والانتهازية إلى حافة اليأس من إخلاص الغير، وإلى التشكيك حتى في الشعارات المخلصة - فإذا قيل لأي فرد: إن الإسلام هو المسلك الوحيد إلى السعادة الفاضلة في الدنيا والآخرة، قد يعترف به لياقة للمجتمع الذي يتظاهر مثله بالإسلام، أو مجاملةً للقائل: أو تقليداً ورثه مع ما ورثه من آبائه من التقاليد وبنى عليها تشريفاته الاجتماعية.

                            ولكنه ﻻ يؤمن به، إيمانه بالضوء الأحمر الذي يوقف سيارته على مفترق الطريق، أو إيمانه بختم موظف الجمرك الذي يسمح له بتجاوز الحدود، أو إيمانه بالأوراق النقدية التي يتعامل بها على ما يختار من بضائع وخدمات. فهو يؤمن بالإسلام بمقدار ما دخل في القانون والسياسة والاجتماعيات والكماليات، ولا يؤمن به كقانون يفرض نفسه بقوة البوليس، ولا يؤمن به كسياسة تضمن له مستقبلاً لامعاً.

                            كنتيجة طبيعية لهذه الازدواجية الناتجة من الاسترخاء الإيماني، تزعجه الحدود الإسلامية التي تمنعه من الاقتحام في بعض المغريات، ولا يجد إيجابيات الإسلام، فلا يشعر بالطمأنينة التي تركّز نزاوته وهواجسه على مطامح مشروعة، ولا يلمس السعادة التي يشيعها الإيمان حول المؤمن، ولا يتضح أمامه الخط الأفضل الذي يهدي إليه الإسلام، لأن البناء الناقص أطلال ومواد تثقل ولا تنتج.

                            ولهذا فالمسلم الناقص الإسلام - وأكثر المسلمين اليوم ناقصو الإسلام - يقبل الإسلام على تذمر، وهذا التذمر يأخذ أبعاده من خلال تساؤلات مصدرها معاناة، ومن خلال شبهات قواعدها محاولات للبحث عن أعذار تصونه عن لوم المجتمع إذا تحلل من مظهر الإسلام، ومن خلال انتقادات يوجهها إلى أبيه وأمه وسائر المؤمنين الملتزمين الذين يصمهم بالقشريين والمتزمتين والمتطرفين. وقد يعلن هذا التذمر، إذا التقفته كتلة تشجعه أو بديل يعتمد عليه.

                            ولكنه على العموم، يجب أن يحافظ على الإسلام، كمظهر من المظاهر الاجتماعية، طالما ﻻ يكلفه عناءً، فإذا اصطدم بشيء من مصالحه، أو رفع إلى أزمة عاصفة، بادر إلى التحلل منه بلا تردد، وكأنه ﻻ عهد له به.

                            ويبدو أن هذه الظاهرة كانت تمسح المجتمع في عهد الحسين (عليه السلام)، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون).

                            وبما أن البدائل التي طرحت مقابل الإسلام كثيرة من داخل الأمة الإسلامية وخارجها، ابتداءً من عهد الفتوحات الإسلامية التي اعتمدت السيف - ﻻ الإيمان - مدخلاً إلى الإسلام، حيث تقمصت الفلسفة اليونانية أزيائها المناسبة للتغلغل والدس في الأمة، ومروراً بعهودنا التي تسترت فيها الديالكتيك ببراقعها المتنوعة لأداء ذات الدور، وانتهاءً بعهد - ما قبل الظهور - الذي تأخذ فيه المؤسسات البشرية أقنعتها وواجهاتها المشكلة للقيام بمهمة تمزيق الأمة من داخلها، وبالفعل أدت إلى انشقاق الأمة طوائف وفرقاً تنبأ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بأمهاتها يوم قال: (... وستفترق أمتي بعدي ثلاثاً وسبعين فرقة...)... وأما البدائل التي من خارج الأمة في صيغ أديان وفلسفات سابقاً. وفي صيغ أحزاب ومبادئ حالياً، فإحصاؤها يحتاج إلى قاموس يسع مجلدات.


                            البشر في كل الاتجاهات:

                            - وبما أن البشر يعتمد على تجربته الشخصية أكثر مما يعتمد على تجربة غيره، وحتى أكثر مما يعتمد على الغيب - إذا كان مؤمناً به -.

                            - وبما أن لكل جديد وهجاً يغري، وكيل الوعود جزافاً سهل، والغريق يبحث عن أي يد تمد إليه.

                            - وبما أن البشر - ﻻ زال - يعتقد بأنه قادر على استيعاب الحياة، وعلى وضع أفضل الخطط التي تسعده عبر الحياة وتستنفد أهدافه فيها، وعلى قيادة نفسه بنفسه في معزل عن السماء.

                            بذلك كله، اندفع في كل اتجاه من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، يلبي كل نداء، ويتحرك مع أية ريح كما أتقن وصفه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (... وهمج رعاع. أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، ﻻ يلجئون إلى ركن وثيق، ولا يستضيئون بنور العلم..). فكانت حصيلته تناقضات عشوائية، الناجح فيها هو الأقوى في النطاح، والفاشل فيها من له أدنى تروٍّ وأناة، وضياع في خطوط متحركة ودوامات تدوخ وتبتلع، وتضحيات هائلة في الأرواح والأعصاب والأفكار، يتبعها تخلف وقنوط.

                            وهذه الرحلة: رحلة التجربة التي بدأتها الأمة - بعد فترة وجيزة من تكوّنها - عبر الأديان والفلسفات والأحزاب والمبادئ، بحثاً عن الأفضل، بعد انحرافها عن دينها الحق، على إثر عوامل كثيرة أهمها:

                            - اتجاهها إلى قيادة مفروضة عليها، ومحسوبة عليها، واضطهادها قادتها السماويين.

                            - وعدم استيعابها دينها الحق، نتيجة لانجراف عديد من الرواة والمحدثين الذين ائتمنوا على سنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تيار تلك القيادة المفروضة المحسوسة على الأمة.

                            على أثر ذلك أصيبت الأمة، وأصيب البشرية. أصيبت الأمة بإصابتين:

                            - أصيبت الأمة في ذاتها كخير أمة أخرجت للناس، يفترض فيها أن تكون أكثر الأمم مناعة وسعادة، فكانت أكثر الأمم تمزقاً وشقاءً، كما تنبأ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) حين قال: (تتداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها...)، (... تأتيكم الفتن كقطع الليل المظلم... تدع الحليم حيران...) (... قالوا: أوَ عن قلة فينا يا رسول الله؟ قال: كلا، ولكن غثاء كغثاء السيل).

                            - وأصيبت الأمة في مركزها، كأمة مرشحة لقيادة البشرية جمعاء، فلم تكن أمة قائدة لبقية الأمم، ولم تكن أمة قائدة لأمة أخرى تقودها إلى الخير أو إلى ما يمكن أن يسمى خيراً، وإنما كبقرة حلوب تحلب ولا تسمن، أو كما في بعض الحديث: (.. غرضاً يرمى...).


                            وأصيبت البشرية بإصابة واحدة:

                            أصيبت البشرية في قيادتها الروحية، فخسرت القيادة التي تبشرها بحضارة الروح، وتضمها إلى حضارة المادة، ووجد في ظل تفاعل هاتين الحضارتين مجتمعاً إنسانياً غنياً بمعطيات تلبي كل نداءات الإنسان، وتدفع عجلة التطور إلى الأمام بمحركين. فبقيت البشرية - بما فيها الأمة الإسلامية - تعاني صراعاً داخلياً حاداً بين العقل والضمير الأخلاقي من جهة، وبين الغرائز من جهة. والعقل معصوم ﻻ يتلوث بالشذوذ، فهو رسول من رسولي الله إلى الإنسان كما في الحديث: (إن لله على الناس حجتين: رسول باطن هو العقل، وعقل ظاهر هو الرسول). والضمير الأخلاقي حرّ شجاع ﻻ يصمت ولا يتلعثم، فهو محكمة الله في داخل الإنسان، المعبّر عنه في منطق القرآن (بالنفس اللوّامة) [سورة القيامة: الآية 2]. (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) [سورة القيامة: الآية 15]. إلا أن العقل والضمير ﻻ يكفيان لقيادة الإنسان فالعقل، وإن كان قوي الحجة، واضح الصوت، إلا أنه يشبه رجل الدين الحصيف الجليل، الذي يعترف به الجميع. ولا ينفذون كلمته. لأنه غير مسلح بالإرهاب والإغراء.

                            والضمير الأخلاقي، وإن كانت محكمته مستمرة طول العمر، وصوته جهوري يعكره سعادة من يخالفه نهاراً ويؤرقه ليلاً، إلا أنها تشبه المحاكم العائلية، التي تصدر أحكاماً خلقية للتنبيه، أو تصدر أحكاماً قضائية مع وقف التنفيذ. والإنسان ﻻ يخضع إلا للقوة المنفّذة.

                            بينما الغرائز تشبه عصابة مغامرة من الشباب الأقوياء، التي ﻻ تتورع عن شيء في سبيل مآربها، فيجتاح منطق العقل والضمير الأخلاقي، بغرورها العنيف. وربما تسخر العقل من أجل التخطيط لمآربها بالعنف، كما قد تسخر العصابات الشريرة، الخبرات الخيرة لجرائمها تحت التهديد بالقوة.

                            إذن فالعقل والضمير الأخلاقي ﻻ يكفيان لتوجيه الإنسان وقيادة غرائزه، ولذلك كان العقل والضمير الأخلاقي يستغيثان السماء دائماً، لإمدادهما بالرسل.



                            في سنة خروجه ويومه وشهره

                            من الأمور التي ورد التأكيد عليه في كثير من الأخبار ومنها الأخبار التي ذكرناها من العلائم عدم تعيين وقت ظهوره وإحالته إليه تعالى ويستفاد من بعض الأخبار أن من وقّت له (عليه السلام) وقتاً فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى أنه ظهر على سره وما لله من سر.

                            وفي بعض الأخبار (وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون وهلك المستعجلون ونجى المسلمون وإلينا يصيرون).

                            وفي بعضها (كذب الموقتون ما وقتنا فيما مضى ولا نوقت فيما يستقبل) وغير ذلك من الأخبار، فيكون أمره كالساعة التي قال تعالى: ( ويسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض).

                            ولا بد من ترك التوقيت وانتظار ظهوره في كل زمان بل في كل عام بل في كل شهر بل في كل جمعة بل في كل يوم، وترك التوقيت واحتمال الظهور في كل وقت لا يخلو من الحكمة.

                            فإنه يوجب الانتظار دائماً وانتظار الفرج فرج بل من أعظم الفرج كما في حديث أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السلام).

                            نعم ورد في بعض الأخبار أنه (عليه السلام) يظهر في يوم عاشوراء يوم السبت.

                            عن علي بن مهران قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) :كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام بين يديه جبرئيل (عليه السلام) ينادي (البيعة لله) فيملأها عدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً.

                            وفي بعض الأخبار يخرج في وتر من السنين .

                            وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع . وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله: أن القائم (عليه السلام) ينادي اسمه ليلة ثلاث وعشرين ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام).

                            وفي بعضها يظهر (عليه السلام) في يوم النيروز ويظفره الله تعالى بالدجال.

                            عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا، حفظته الفرس وضيعتموه.



                            في كيفية عيشه ومأكله وملبسه

                            عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال: إذا خرج القائم (عليه السلام) لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف وما يستعجلون بخروج المهدي (عليه السلام) والله ما لباسه إلا الغليظ ولا طعامه إلا الشعير وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف.

                            وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.

                            وعن معمر بن خلاد قال: ذكر القائم عند الرضا (عليه السلام) فقال: أنتم (اليوم) أرضى بالاً منكم يومئذٍ. قال: وكيف؟ قال: لو قد خرج قائمنا (عليه السلام) لم يكن إلا العلق والعرق (و) القوم على السروج وما لباس القائم (عليه السلام) إلا الغليظ وما طعامه إلا الجشب.

                            وهذا ما يلزمه نفسه من خشونة الملبس وجشوبة المطعم وإتعاب النفس والبدن في طاعة الله تبارك وتعالى والجهاد في سبيله ومحو الظلم والجور والطغيان.



                            محل ظهوره وبيعته وصفة ظهوره

                            وأما محل ظهوره (عليه السلام) ومبايعته فهو البلد الأمين مكة المكرمة، فيصلي عند المقام أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود فيحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي ويصلي علي فيبايعه من يبايعه.

                            وبالإسناد عن الفضل عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا خسف بجيش السفياني... إلى أن قال والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول: أنا ولي الله أنا أولى بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله) فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، إن الله تعالى يقول: (إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).

                            فأنا بقية آدم وخيرة نوح ومصطفى إبراهيم وصفوة محمد، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته وأنشد الله من سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب.

                            فيجمع الله له أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيجمعهم الله على غير ميعاد قزع كقزع الخريف... ثم تلا هذه الآية (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً أن الله على كل شيء قدير). فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تواترت عليه الآباء، فإن أشكل عليهم من ذلك شيء فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إّذا نودي باسمه واسم أبيه.

                            وعن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل إلى أن قال: يقول القائم لأصحابه: يا قوم أن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم،فيدعو رجلا من أصحابه فيقول له:إمض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم أنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلاسة النبيين، وإنا قد ظُلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا فنحن نستنصركم فانصرونا.

                            فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه:

                            ألا أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا؟ فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات وينسد ظهره إلى الحجر الأسود ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي (صلى الله عليه وآله) ويصلي عليه ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل... .

                            وفي خبر آخر: يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء، ثم يخرج إلى الكوفة ويستعمل عليها رجلاً من أصحابه، فإذا نزل الشفرة جاءهم كتاب السفياني (إن لم تقتلوه لأقتلن مقاتليكم ولأسبين ذراريكم) فيقبلون على عامله فيقتلونه فيأتيه الخبر فيرجع إليهم فيقتلهم ويقتل قريشاً حتى لا يبقى منهم إلى أكلة كبش ثم يخرج إلى الكوفة ويستعمل رجلاً من أًصحابه فيقبل وينزل النجف .

                            (إسعاف الراغبين ص135 في حاشية نور الأبصار) قال: وضح أنه (صلى الله عليه وآله) قال: يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هارباُ إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة... الحديث.

                            ينابيع المودة ص431 عن جواهر العقدين عن أبي داود والإمام والحافظ البيهقي مثله.

                            ينابيع المودة ص448 عن فرائد السمطين عن الحسن بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا في حديث ذكر فيه المهدي وغيبته وأنه الرابع من ولده إلى أن قال: وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق فيه ومعه... الحديث.

                            وعن أبي داود في سننه ص107 والترمذي في جامعه وأحمد في مسنده وابن ماجة في سننه والحافظ أبي عبد الرحمن النسائي في سننه والبيهقي في البعث والنشور وغيرهم عن أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه أناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام الحديث.

                            وعن أبي عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن عبد الله بن مسعود في خبر طويل يذكر فيه خروج السفياني وخروج المهدي من المدينة إلى مكة وطلب مبايعته وآبائه (عليهم السلام)... إلى أن قال: فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس فيسير مع قوم أسد بالنهار ورهبان بالليل.

                            وقد ورد بطرق متعددة عن عبد الله بن عمر وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج المهدي (عليه السلام) من قرية يقال لها كرعة (وهي قرية من اليمن).

                            وفي النجم الثاقب (حكاية رقم 62) عن العالم الجليل أفضل عصره الشيخ أبي الحسن شريف العاملي في كتاب ضياء العالمين نقلاً عن جماعة عن محمد بن أحمد أن شيخاً تاجراً حكى لنا وصوله إلى هذه القرية وتشرفه بزيارة الحجة (عليه السلام) وقال: لا منافاة بين هذا الخبر والأحاديث الواردة في أنه يظهر بمكة لأنه (عليه السلام) يخرج من المحل الذي هو فيه فيأتي مكة ويظهر أمره فيها.



                            المهدي وكيفية البيعة

                            عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً خمسة وعشرين من قوم موسى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون (إشارة إلى قوله في سورة الأعراف آية (158) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر.

                            وفي حديث آخر عن أبي جعفر (عليه السلام): لو قد خرج قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين يكون جبرائيل أمامه وميكائيل عن يمينه واسرافيل عن يساره الحديث.

                            وفي عقد الدرر في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه (عليه السلام) يأخذ البيعة عن أصحابه على ثلاثين خصلة يلتزمون بها ولا يغيرون منها شيئاً، فيخرجون معه إلى الصفا فيقول: أنا معكم على أن لا تولوا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا محرماً ولا تأتوا فاحشة ولا تضربوا أحداً إلا بحقه.. إلى أن قال (عليه السلام): فإذا فعلتم ذلك فعلي أن لا اتخذ حاجباً ولا ألبس إلا كما تلبسون ولا أركب إلا كما تركبون الحديث.

                            وعن إسعاف الراغبين قال: وجاء في روايات أن الله تعالى يمد المهدي بثلاثة آلاف من الملائكة وأن أهل الكهف من أعوانه. وذكر الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسير القرآن العزيز في قصة أصحاب الكهف قال: وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي (عليه السلام) يقال أن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله عز وجل ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة.

                            وعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أن القائم ينتظر من يومه ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً حتى يسند ظهره إلى الحجر ويهز الراية المغلبة (المعلقة) الحديث.

                            وعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل إلى أن قال: يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم أن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم.

                            فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: أمض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقُهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا فنحن نستنصركم فانصرونا.

                            فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه:

                            ألا أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا. فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي (صلى الله عليه وآله) ويصلي عليه ويتكلم بكلام لم يتلكم به أحد من الناس.

                            فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرائيل وميكائيل ويقوم معهما رسول الله وأمير المؤمنين فيدفعان إليه كتاباً جديداً هو على العرب شديد بخاتم رطب فيقولون له: اعمل بما فيه ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكة.

                            ثم يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت: وما الحلقة؟ قال: عشرة آلاف رجل جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ثم يهز الراية الجلية وينشرها وهي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) السحّابة، ودرع رسول الله (صلى الله عليه وآله) السابغة، ويتقلد بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذي الفقار.

                            وفي خبر آخر: ما من بلدة إلا يخرج معه منهم طائفة إلا أهل البصرة فإنه لا يخرج معه منها أحد.



                            المهدي (عليه السلام) يومئذ ينصر الله

                            محمد بن إبراهيم النعماني بأسانيده عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله: إذا قام القائم (عليه السلام) نزلت ملائكة بدر وهم خمسة آلاف الحديث.

                            محمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب عن الرضا (عليه السلام) (في حديث طويل) قال: يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم يالثارات الحسين (عليه السلام) الحديث.

                            روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الله تعالى أهبط إلى الحسين أربعة آلاف ملك هم الذين هبطوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر وخير بين النصر على أعدائه ولقاء جده فاختار لقاه، فأمر الله تعالى الملائكة بالمقام عند قبره فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم (عليه السلام) من ولده صاحب الزمان (عليه السلام).

                            وفي حديث أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... إلى أن قال: فيحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً... قلت: كل هؤلاء الملائكة؟

                            قال: نعم، الذي كانوا مع نوح في السفينة والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقى في النار والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه وأربعة آلاف ملك مع النبي (صلى الله عليه وآله) مسومين وألف مردفين وثلاثمائة وثلاث عشر ملائكة بدريين وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين (عليه السلام) فلم يؤذن لهم في القتال فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ولا يمرض مريض إلا عادوه ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته واسغفروا له بعد موته، وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم (عليه السلام) إلى وقت خروجه (عليه السلام).

                            عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد .

                            عن الشيخ المفيد بأسانيده عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليه السلام): يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة، كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل إمامه، معه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم الله عز وجل.

                            وأخرج نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) واسمه اسم نبي ومُهَاجَرُه بيت المقدس، كث اللحية، أكحل العينين، براق الثنايا، في وجهه خال، في كتفه علامة النبي، يخرج براية النبي (صلى الله عليه وآله)، من مرط معلمة سوادء مربعة فيها حجر لم تنشر منذ توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تنشر حتى يخرج المهدي يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.

                            وعن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) قال: هو أمرنا أمر الله عز وجل أن لا تستعجل به حتى يؤيده (الله) بثلاثة (أجناد) الملائكة والمؤمنين والرعب وخروجه (عليه السلام) كخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق).



                            نزول عيسى بن مريم والصلاة خلفه

                            عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

                            عقد الدرر في الباب العاشر ص229 عن صحيح مسلم مثله وعقد الدرر في الباب الأول ص 25 عن أبي نعيم في مناقب المهدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه.

                            والأخبار في ذلك مستفيضة وهو القول الصحيح الذي ذهب إليه المشهور وقال به الجمهور، وما في بعض الأخبار أو في بعض الكتب من أن المهدي يأتم بعيسى فهو شاذ.

                            قال أبو الحسن الأبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وآله) بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه.

                            عن أبي إمامة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): وذكر الدجال إلى أن قال: وإمامهم المهدي رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم.



                            في حالات أصحابه وقوتهم وشدتهم

                            وقد ورد في وصف أصحاب المهدي أنهم الصلحاء والنجباء والفقهاء، ومطيعون لأمره (عليه السلام)، ويشتاقون إلى الشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله.

                            وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة وراية لم تنشر منذ طويت ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، يحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم.

                            رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار وهم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم (يا لثارت الحسين) إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحق.

                            وعن عاصم بن حمزة عن علي (عليه السلام) أنه قال: لتملأن الأرض ظلماً وجوراً حتى لا يقول أحد الله إلا مستخفياً ثم يأتي الله بقوم صالحين يملؤونها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

                            وفي حديث آخر طويل عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) يذكر فيه عدتهم وبلادهم إلى أن قال (عليه السلام): وهم النجباء والقضاء والحكام والفقهاء في الدين يمسح الله بطونهم فلا يشتبه عليهم حكم. وروي بهذا الإسناد في حديث عدتهم وأسماؤهم وأسماء بلادهم.

                            وعن أبي عبد الله الحاكم من مستدركه عن محمد بن حنفية قال: كنا عند علي (عليه السلام) وقد سأله رجل عن المهدي فقال: هيهات _عقد بيده سبعاً_ فقال: ذلك يخرج في آخر الزمان إّذا قال الرجل الله الله قتل، فيجمع الله له قوماً قزعاً كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد دخل فيهم، على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر...

                            الحديث قال: قال الحاكم: وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.

                            وعن أبي عمرو عثمان بن سعيد المقري في سننه عن حذيفة بن اليماني قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة المهدي ومبايعته بين الركن والمقام وخروجه متوجهاً إلى الشام قال: وجبرائيل على مقدمته وميكائيل على ساقته الحديث.

                            وبهذا المضمون أحاديث أخرى في المصدر المذكور وإسعاف الراغبين والصواعق.

                            وفي ينابيع المودة عن كتاب الدرر المنظم قال: ومن إمارات خروج الإمام المهدي (عليه السلام) إلى أن قال: ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من الأخيار كلهم شبان لا كهل فيهم... الخ.

                            وعن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام) عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: كيف لنا بعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب (طاعة معروفة).

                            وروى أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام) (البيعة لله عز وجل).

                            وعن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) نزلت سيوف القتال، على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه.

                            وعن حذيفة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان عند خروج القائم (عليه السلام) ينادي مناد من السماء (أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين وولى الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة) فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد يبايعونه بين الركن والمقام.

                            ويأتي في باب استقرار حكومته ما يدل على أن قلوب جيوشه المؤمنين وشيعته تكون كزبر الحديد.

                            قال الصادق (عليه السلام): إنما سمي (قم) لأن أهلها يجتمعون مع قائم آل محمد (عليه السلام)، ويقيمون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه.

                            وفي السيرة الحلبية (ج1/ص22) قال: وقد ذكر بعضهم أن أهل الكهف كلهم أعجام ولا يتكلمون إلا بالعربية وأنهم يكونون وزراء المهدي (عليه السلام).

                            نزول عيسى بن مريم ( عليه السلام) والصلاة خلفه (عليه السلام):

                            عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

                            عقد الدرر في الباب العاشر ص229 عن صحيح مسلم مثله وعقد الدرر في الباب الأول ص 25 عن أبي نعيم في مناقب المهدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه.

                            والأخبار في ذلك مستفيضة وهو القول الصحيح الذي ذهب إليه المشهور وقال به الجمهور، وما في بعض الأخبار أو في بعض الكتب من أن المهدي يأتم بعيسى فهو شاذ.

                            قال أبو الحسن الأبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وآله) بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه.

                            عن أبي إمامة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): وذكر الدجال إلى أن قال: وإمامهم المهدي رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمام.



                            المهدي (عليه السلام) وانتقامه من أعداء الله

                            إذا ظهر (عليه السلام) فإنه ينتقم من أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) أجمعين كما ورد بذلك بعض الروايات.

                            عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي في حديث أنه سأل أبا جعفر محمد الباقر (عليه السلام) يا ابن رسول الله ألستم كلكم قائمين بالحق؟ قال: لما قتل جدي الحسين ضجت الملائكة بالبكاء والنجيب، وقالوا: (إلهنا وسيدنا تصفح عمن قتل صفوتك وخيرتك من خلقك)؟ فأوحى الله إليهم: قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله عز وجل لهم عن الأئمة من ولد الحسين فسرت الملائكة بذلك ورأوا أحدهم قائماً يصلي فقال سبحانه: بهذا القائم أنتقم منهم.

                            وعن محمد بن حمران قال: قال أبو عبد الله: لما كان من أمر الحسين بن علي (عليهما السلام) ما كان ضجت الملائكة إلى الله تعالى وقالت: (يا رب يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك) قال: فأقام لهم ظل القائم وقال بهذا انتقم له من ظالميه.

                            وعن فرات بن أحنف عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: زاد الفرات (ماء الفرات) على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فركب هو وأبناه الحسن والحسين (عليهم السلام) فمر بثقيف فقالوا: قد جاء علي يرد الماء، فقال علي (عليه السلام): أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة.

                            ويستفاد من بعض الأحاديث أنه (عليه السلام) إذا ظهر قتل أولاد قاتلي الحسين (عليه السلام) لأنهم رضوا بصنع آبائهم ومن رضي بفعل قبيح كان كمن أتاه.

                            ويدل عليه ما عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لعلي الرضا ابن موسى الكاظم (عليهما السلام): يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن جدك جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا قام قائمنا المهدي قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم؟ فقال: هو ذلك، قلت: فقول الله عز وجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ما معناه؟ فقال: صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون ويفتخرون بفعال آبائهم، ومن رضي شيئاً كمن فعله، ولو أن رجلاً قتل في المشرق فرضي لقتله رجل في المغرب لكان شريك القاتل فقوله تعالى: (ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا) نزل في الحسين والمهدي (عليهما السلام).

                            ويستفاد من بعض الأحاديث أن المهدي (عليه السلام) أول من يظهر يقطع أيدي بني شيبة الذين معهم مفاتيح الكعبة ويعلقها على الكعبة وينادي عليهم: هؤلاء بنو شيبة سراق الكعبة.

                            ويدل على ذلك ما عن أبي عبد الله في حديث قال: أما أن قائمنا لو قد قام أخذهم وقطع أيديهم وطاف بهم وقال: هؤلاء سراق الله (أي بني شيبة). وجاء بهذا المضمون في البحار ج 52 عن الكافي ورواه الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد والشيخ الصدوق (قدس سره) في عيون أخبار الرضا ج1 الباب 28 الحديث 5. ورواه الشيخ في التهذيب وفي حديث سدير الصيرفي عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية، وجاء بها إلى مكة قال: فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلا قال لي: جئني بها وقد وفي الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أًصحابنا من أهل مكة فقال لي: تأخذ عني؟

                            فقلت: نعم: فقال: انظر الرجل الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) فأته فأخبره بهذا الأمر فانظر ما يقول لك فاعمل به! قال: فأتيته فقلت: رحمك الله إني رجل من أهل الجزيرة ومعي جارية جعلتها علي نذراً لبيت الله في يمين كانت علي، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة وأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلا قال جئني بها وقد وفى الله نذرك فدخلني من ذلك وحشة شديدة.. فقال: يا عبد الله إن البيت لا يأكل ولا يشرب فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم، ففعلت ذلك ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة إلا قال ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر (عليه السلام) فيقولون: هو كذاب جاهل لا يدري ما يقول فذكرت مقالتهم لأبي جعفر (عليه السلام) فقال: قد بلغتني تبلغ عني؟ فقلت: نعم، فقال: قل لهم قال لكم أبو جعفر: كيف بكم لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة ثم يقال لكم نادوا نحن سراق الكعبة؟ فلما ذهبت لأقوم قال: أنني لست أنا أفعل ذلك وإنما يفعل رجل مني.

                            فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً. فإن قلت: قد روى الصدوق طال ثراه هذا المضمون بأسانيد متعددة من أنه في زمن المهدي (عليه السلام) لا تقبل توبة من لم يتب قبل ظهوره.

                            وهذا بظاهره ينافي ما روي في الأخبار المستفيضة من أنه (عليه السلام) إذا ظهر ضرب الناس بسيفه وبسوطه حتى يدخلوا في دينه طائعين أو كارهين فيجئ تأويل قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فإن ظهور دينه على جميع الأديان إنما يكون في زمان المهدي (عليه السلام) على ما نطقت به الأخبار.

                            قلت: يمكن أن يكون وجه الجمع بينهما أن هناك أخباراً تدل على أن المهدي (عليه السلام) إذا خرج أحيا الله سبحانه له جماعة ممن محض الكفر محضاً، فهؤلاء الأحياء الذين تقدم موتهم ورأوا العذاب عيناً وعذبوا به واضطروا إلى الإيمان لا يقبل المهدي (عليه السلام) منهم توبة لأن توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون لما أدركه الغرق فقال عز وجل في جوابه (الآن وقد عصيت قبل) فلم يقبل له توبة ومثل توبة من بلغت روحه إلى حلقه وتغرغرت في صدره ورأى مكانه من النار وعاينه فإنه إذا تاب لا يقبل له توبة أيضاً. فالمراد بالنفس التي لا ينفعها إيمانها هذه النفس، وإما الأحياء الذين يكونون في زمن ظهوره (عليه السلام) ولم يسبق عليهم الموت فلا يقبل (عليه السلام) منهم إلا القتل أو الإيمان.

                            ويؤيد ذلك ما في بعض الأحاديث من أنه في قيام دولته (عليه السلام) ليس لمن نصب لهم العداوة إلا القتل كما في حديث أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) يذكر فيه نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة إلى أن قال أبو بصير قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده؟ قال (عليه السلام): يسالمهم كما سالمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون قلت: فمن نصب لكم عداوة؟ فقال: لا يا أبا محمد ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل لنا دمائهم عند قيام قائمنا فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك فلا يغرنك أحد إذا قام قائمنا انتقم لله ورسوله ولنا أجمعين (البحار: ج52/ص381) عن مزار الكبير.



                            المهدي وطريقته وسلوكه وعجائب آياته في حكومته بعد ظهوره واستقراره (عليه لسلام)

                            لا يخفي أن تعريف كيفية سلوكه (عليه السلام) في دولته (عليه السلام) عجل الله فرجه الشريف كما هو حقه غير ممكن لنا كما هو المستفاد من الأخبار، إلا أن يرزقنا الله ذلك ونراه بأعيننا، وعن كتاب معاني الأخبار عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: أقسم بالله أن معرفة كيفية دولة القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كما هو حقه غير ممكن لكم إلى أن يأتي زمان ترونه فيه. نعم لا بد لنا أن نشير إلى جملة منها مستفادة من الأخبار:

                            فمنها: أن طريقة معاملته (عليه السلام) مع الناس في بداية ظهوره كطريقة معاملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرته، فهو لا يتعرض على من كان قد ارتكب المحرمات والقبائح والأفعال الشنيعة قبل زمانه ولا يؤاخذهم على ذلك بل كل من آمن بالله ورسوله وصدقه (عليه السلام) من صميم القلب والواقع سيكون في نعمة وراحة تحت ظل دولته، وكل من كان فاجراً ومنافقاً وماكراً ومخادعاً. فسوف يبتلى بغضب حجة الله (عليه السلام) وسيفه كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان كذلك لم يؤاخذ حين بعثته (صلى الله عليه وآله) على ما صدر من الناس قبل الإسلام من القبائح.

                            وفي الحديث إذا قام سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديث.

                            روى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا أذن الله عز وجل للقائم (عليه السلام) في الخروج صعد المنبر فدعى الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه وأن يسير فيهم بنسبة رسول الله ويعمل فيه بعمله الحديث.

                            وعن عبد الله بن عطا قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) فقلت: إذا قام القائم (عليه السلام) بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويستأنف الإسلام جديداً.

                            وفي عقد الدرر في الفصل الثالث من الباب التاسع (ص 227) مثله.

                            وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الإسلام بدأ غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء.

                            وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله! فقال: (مما) يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً كما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله).

                            ومنها: أنه (عليه السلام) يحكم مثل حكم داود وسليمان (عليهما السلام). فإنه (عليه السلام) وإن لم يؤاخذ المذنبين على ما اقترفوه قبل ظهوره (عليه السلام) كما عرفت ذلك ولكنه في دولته يحكم بمثل حكم داود وسليمان لا يطالب بالبينة بل يحكم على ما هو الواقع وكل أمر يكون عنده واضح وجلياً والأمور المخفية معلومة عنده بالعيان ولا يستطيع المنافقون أن يتقربوا منه تحت لباس الورع وستار التقدس.

                            روى عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه بالتوسم قال تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم).

                            عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً (يعني مسجد الكوفة) يعلم أهل مكة أنه لم يلد (هم) آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكل واد هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان لا يريد عليه بينه.

                            وعن حريز قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت يحكم بحكم داود وآل داود لا يسأل الناس بينة.

                            وعن الحسن بن طريف قال: كتبت إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) أسأله عن القائم (عليه السلام) إذا قام بم يقضي بين الناس وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى، فجاء الجواب: سألت عن الإمام فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه السلام) لا يسأل البينة الخبر.

                            عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بطائر أبيض فوفق الحجر فيخرج من تحته رجل يحكم بين الناس بحكم آل داود وسليمان لا يبتغي بينة.

                            وعن سعدان مسلم عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه.

                            ومنها: أن تلك الآية الكبرى والحجة العظمى سيركب السحاب ويتجول في جميع أنحاء الأرض مثل ذي القرنين ويظهر دين الإسلام في كل مكان، ويطبق أحكام الله على الخلق كله في مشارق الأرض ومغاربها.

                            عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أما أن ذا القرنين قد خير السحابين فاختار الذلول وذخر لصحابكم الصعب قال: قلت: وما الصعب؟ قال: ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أما أنه سيركب السحاب ويرقي في الأسباب أسباب السموات السبع والأرضين السبع خمس عوامر واثنتان خرابان.

                            عن سهل بن زياد أبي يحيى قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول والصعب، فاختار الذلول وما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره للقائم (عليه السلام).

                            وفي حديث جابر الجعفي عن جابر الأنصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجة على عباده، فدعا قومه إلى الله عز وجل وأمرهم بتقواه فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك بأي واد سلك، ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه، ألا وفيكم من هو على سنته، وأن الله عز وجل مكن له في الأرض (أي لذي القرنين) وآتاه من كل شيء سبباً، وبلغ المشرق والمغرب،وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغ شرق الأرض وغربها حتي لا يبقى سهل ولا موضع من سهل ولا جبل وطأه ذو القرنين إلا وطأه، ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً.

                            وروى علي بن عقبة عن أبيه قال: إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل كل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون). وحكم بن الناس بحكم داود وحكم محمد (صلى الله عليه وآله) الحديث.

                            ومنها: أنه تظهر بركات الأرض والسماء بواسطة وجوده الشريف (عليه السلام)، وتخرج الأرض ما في بطونها وحواياها من الكنوز والمعادن من الذهب والفضة والجواهر وغيرها.

                            وفي حديث جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ويظهر الله له الكنوز الأرض ومعادنها.. الخ).

                            وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لمن ينعموا مثلها قط، يرسل السماء عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلا أخرجته، والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني! فيقول: خذ.

                            وفي خبر آخر عنه قال مكان (خذ): فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.

                            وفي الحديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها... إلى أن قال حتى تشمي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قديمها إلا على نبات.. الخ).

                            وفي عقد الدرر: ويزرع الإنسان مداً يخرج له سبعمائة مدٍ كما قال الله تعالى: (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) الحديث.

                            وأخرج أبو نعيم عن أبي إمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بينكم وبين الروم أربع هدن يوم الرابعة على يدي رجل من أهل هرقل يدوم سبع سنين، فقال له رجل: يا رسول الله من إمام المسلمين يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي ابن أربعين سنة، كان وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الحديث.

                            وفي الحديث عن أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة). فقال (عليه السلام): النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والبطانة الإمام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال (عليه السلام): نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا يسهل الله له كل عسير ويذلل له كل صعب ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد. ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عزوجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً.

                            وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً (يعني حجباً).

                            عن الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري قال: قال نبي الله (صلى الله عليه وآله): ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشد منه حتى تضيق بهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً ولا يجد المؤمن ملجأ يلجأ إليه من الظلم، يرضى عن ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلا أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً، يعيش فيهم سبع سنين أو ثماني أو تسعاً، يتمنى الأحياء الأموات بما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره، قال الحاكم وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووردت بهذا المضمون أخبار أخرى من الخاصة والعامة.

                            ومنها: أن من بركات وجوده الشريف أنه ينشر في الأرض الأمن والأمان حتى أنه يقع الصلح الكلي بين جميع ذوات الأرواح المتضادة من الإنسان والحيوان والوحوش حتى أنه يزول النفاق والعداوة من بين الجميع، وتعيش الوحوش والأفاعي والحيات والحيوانات مختلطين وممتزجين مع بني الإنسان ولا يتضرر واحد منها من الآخر ولا يضره.

                            وفي الحديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف زمان القائم (عليه السلام): (ولذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلى على نبات وعلى رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه).

                            وعن جابر أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين، ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم (في) كل شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام). وفي حديث عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال في آخره: وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه برٌّ حتى تطحنه بكربلاء.

                            وعن السيد ابن طاووس (قدس سره) في كتاب سعد السعود نقلاً عن صحف أدريس النبي قال: وألقي في تلك الزمان الأمان على الأرض فلا يضر شيء شيئاً ولا يخاف شيء من شيء، ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضاً، وانزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها، واذهب سم كل ما يلدغ وانزل بركات من السماء والأرض، وتزهر الأرض بحسن نابتها وتخرج كل ثمارها وأنواع طيبها، وألقي الرأفة والرحمة بينهم، فيتواسون ويقتسمون بالسوية فيستغني الفقير ولا يعلو بعضهم بعضاً ويرحم الكبير الصغير ويوقر الصغير الكبير ويدينون بالحق وبه يعدلون ويحكمون.

                            قال المجلسي رضوان الله عليه في ذيل هذا الخبر: أن هذه الآثار المذكورة مع إبادة الشيطان وخيله ورجله لم تكن في مجموع أيام النبي وأمته بل يكفي أن يكون في بعض الأوقات بعد بعثته وما ذلك إلى في زمان القائم (عليه السلام) كما هو مذكور في الأخبار.

                            وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قصة المهدي وفتحه لمدينة القاطع قال: فيبعث المهدي (عليه السلام) إلى امرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس، وترعى الشاة والذئب في مكان واحد، وتعلب الصبيان بالحيات والعقارب لا يضرهم شيء ويذهب الشر ويبقى الخير الحديث.

                            ومنها: أنه بسبب وجوده المبارك تزول جميع الأمراض والآفات الظاهرة عن أبدان الناس مثل العمى والبرص ونحوهما من العاهات المزمنة، ويصفي ظاهر الخلق من جميع العيوب.

                            عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ ومن ذي ضعف قوي.

                            عن النعماني بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة ورد إليه قوته.

                            ومنها: أنه (عليه السلام) مع زيادة عمره الشريف وطول حياته في الدنيا من ابتداء ولادته إلى زمان ظهوره وطول غيبته لا تؤثر فيه تلك الأزمنة والسنون التي عاشها (عليه السلام) شيئاً، ولا يصيبه شيء من الضعف والوهن في مزاجه الشريف وجوارحه وأعضائه المباركة، وعندها يظهر في منظر شاب له أربعون سنة حيث يكون في نهاية القوة والكمال الظاهري والباطني، ويظهر على هيئة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصورته فيكون درعه (صلى الله عليه وآله) مناسباً وموافقاً لقامته (عليه السلام).

                            عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لو خرج القائم (عليه السلام) لقد أنكره الناس يرجع إليهم شاباً موفقاً فلا يلبث عليه إلا كل مؤمن أخذ الله ميثاقه في الذر الأول.

                            وعنه (عليه السلام) أنه قال: وأن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبكم شاباً وهو يحسبونه شيخاً كبيراً

                            وعن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملأت جوراً، وكيف أكون ذاك على ما ترى من ضعف بدني، وأن القائم (عليه السلام) هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصى موسى وخاتم سليمان، ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلماً.

                            وعن الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامة القائم (عليه السلام) منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها وأن من علامته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يأتي أجله.

                            وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إني أريد أن أمس صدرك فقال: افعل! فمسست صدره ومناكبه فقال: ولم يا أبا محمد؟ فقلت: جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول أن القائم (عليه السلام) واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما فقال: يا أبا محمد أن أبي لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت تسحب على الأرض وإني لبستها فكانت وكانت وأنها تكون من القائم كما كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشمرة كأنه ترفع نطاقها بحلقتين وليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين.

                            ومنها: أنه يوجد عنده (عليه السلام) مواريث جميع الأنبياء والأولياء والأصفياء من ثوب إبراهيم وعصى موسى وخاتم سليمان (عليهم السلام) ودرع الرسول (صلى الله عليه وآله) وعمامته ونعله وسائر ملابسه (صلى الله عليه وآله) ويوجد عنده ذو الفقار سيف حيدر الكرار، وأن السيد الحسني كما عرفنا سابقاً، يطالب الحجة (عليه السلام) بمواريث الأنبياء وما عنده من مواريث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيأمر الحجة (عليه السلام) باحضارها.

                            وفي حديث يعقوب السراج عن أبي عبد الله (عليه السلام): (وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: ما تراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودرعه وعمامته وبرده وقضيه ورايته ولأمته وسرجه حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ويلبس الدرع وينشر الراية والبردة والعمامة ويتناول القضيب بيده ويستأذن الله في ظهوره... الحديث).

                            وعن محمد بن الفيض عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: كان عصا موسى لآدم (عليه السلام) فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران (عليه السلام) وإنها لعندنا، وإن عهدي بها آنفاً وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وإنها لتنطق إذا استنطقت أعدت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف ما يأكفون وتصنع كما تؤمر وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأكفون تفتح لها شفتان إحداهما في الأرض والأخرى في السققف وبينهما أربعون ذراعاً وتلقف ما يأكفون.

                            وفي حديث الريان بن الصلت عن الرضا (عليه السلام): (يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان).

                            وفي حديث أبي جعفر بن علي الباقر (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله): (تكون له (عليه السلام) غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً).

                            وفي حديث عن النعماني بإسناده عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ألا أريك قميص القائم الذي يقوم عليه؟ فقلت: بلى قال: فدعا بمقطر ففتحه وأخرج منه قميص كرابيس فنشره فإذا في كمه الأيسر دم قال: هذا قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي عليه يوم ضربت رباعية وفيه يقوم القائم (عليه السلام)، فقبلت الدم ووضعته على وجهي ثم طواه أبو عبد الله (عليه السلام) ورفعه.

                            عن محمد بن إبراهيم النعماني بأسانيده عن أبي الجارود قال: أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام): إذا ظهر القائم ظهر براية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاتم سليمان وحجر موسى وعصاه، ثم يأمر مناديه فينادي: ألا لا يحملن رجل منكم طعاماً ولا شراباً ولا علفاً، فيقول أصحابه: أنه يريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش، فيسير ويسيرون معه، فأول منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام وشراب وعلف فيأكلون ويشربون ودوابهم حتى ينزلوا النجف بظهر الكوفة.

                            وعنه عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إذا خرج القائم من مكة ينادي مناديه ألا لا يحملن أحد طعاماً ولا شراباً ويحمل معه حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلاً إلا نبع منه عيون، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآناً روى (ورويت) دوابهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.

                            عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام)؟ قال: قلت: لا قال: أن إبراهيم (عليه السلام) لما أوقدت له النار نزل إليه جبرئيل بالقميص وألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد، فلما حضرته الوفاة جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله عز وجل: (إني لأجد ريح يوسف لو لا أن تفندون) فهو ذلك القميص الذي من الجنة، قلت: جعلت فداك فإلى من صار هذا القميص؟ قال: إلى أهله وهو مع قائمنا إذا خرج ثم قال: كل نبي ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمد (صلى الله عليه وآله).

                            وفي حديث عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا محمد إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان عليه يوم أحد وعمامته السحاب ودرع رسول الله (صلى الله عليه وآله) السابغة وسيف رسول الله ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً الحديث .

                            وأخرج نعيم بن حماد عن عبد الله بن شريك قال: مع المهدي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعلمة.

                            ومنها: أنه (عليه السلام) يسير في الشمس ولا يكون له ظل كما كان جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذلك لأن نوره الإلهي (عليه السلام) يغلب على جميع الأنوار، ويستفاد هذا من الأخبار المنقولة عن طرق الخاصة والعامة.

                            وفي رواية الحسين بن خالج عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (هو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل وهو الذي ينادي مناد من السماء باسمه الحديث.

                            ومنها: أن الأرض تضيء وتتلألأ بنور ذلك الإلهي بحيث يكون الناس في غنى عن نور الشمس والقمر، وإذا لم يطلع الشمس والقمر يكتفي جميع من على وجه الأرض بنور جماله وإشراقه (عليه السلام). وقد حمل البعض تفسير: (وأشرقت الأرض بنور ربها) على هذا الوجه.

                            روى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة الحديث. وفي البحار نقلاً عن غيبة الشيخ الطوسي ما يدل عل ذلك ويأتي الحديث في عنوان (تكثر جمعية الناس في الكوفة).

                            ومنها: أن جميع الدنيا تكون عنده (عليه السلام) بمنزلة كفه فيسطح ًله جميع أعالي الأرض وأدانيها وبحارها وجزرها، فيكون باستطاعته (عليه السلام) أن يرى جميعها دون ستر وحجاب.

                            عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: القائم منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه ولو كره المشركون الحديث.

                            تعليق


                            • #15
                              لاسلام يشكل خمس العالم من الذي ينشر دين الحق على كل ارجاء المعموره؟

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X