كتاب كيف تكون أعراسنا شرعية
مع ملحق في أحكام العقيقة
تأليف : السيد سامي خضرا
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
"لا يكون الفرح إلا بالرقص والغناء والطرب والموسيقى والتصفيق..." وما نراه عادة في حفلات ومجالس أهل "الفن"!!!
* * *
هذا ما ارتكز في ذهننا على الأقل، لذا أصبحنا إذا أردنا التعبير عن فرحتنا في الأعراس وما شاكلها من مناسبات، استعنا بما تقدم آنفاً، بل ذهب البعض إلى حصر الفرح والسرور، بهذه الأمور، بل لولاها، لا تتم البهجة!
ولا شك أن البث الإذاعي والتلفزيوني لما تقدم، إلى درجة تغليب المدة المكرسة له على سائر البرامج الأخرى... لا شك أنه ساهم في الاستئناس به، واستسهاله، ثم إضفاء الطابع الشرعي عليه تحت عناوين و"اجتهادات" مختلفة... وسيصبح ذلك عادة مستساغة مع فترة وجيزة، وإنكاره معيباً!
وبذلك تتحقق بعض علامات آخر الزمان في انتشار المعازف والغناء.
ومن الآن، وحتى يأتي صاحب الأمر لإحقاق الحق وإبطال الباطل... نسأل الله الثبات واليقين، حتى لا تزيغ القلوب وتضعف النفوس.
* * *
فهل فعلاً لا تتم الفرحة في الأعراس إلا عن هذه الطريق؟!
وهل هذه سنة أهل الصلاح ممن سبقنا؟!
وهل هذه هي طريقة العلماء والحكماء والفقهاء عند إظهار سرورهم وأفراحهم؟!
وهل هناك نصيحة تسدى، قربة إلى الله تعالى، وإحياءً لسنة رسوله محمد(ص)؟!
25 ذي القعدة الحرام 1423هـ
السيد سامي خضرة
كيف يكون السرور الحقيقي؟
نتيجة لبعض الظروف المحيطة، ولمجموعة من التراكمات، ولقلة المذكرين بالآخرة والساعين إليها... ظن البعض، وهم كثر، أن السرور لا يكون إلا بالطرب والغناء والرقص وما يرافق ذلك عادة... أو ما يشابهها من طرب وغناء... تم تشريعه في السنوات الأخيرة!!!
تماماً، على طريقة السمك الذي ذبح على الطريقة الإسلامية!!!
* * *
بينما السرور الحقيقي نكون بخدمة الإخوان، وقضاء حوائجهم، ومجالستهم، ومسامرتهم، وملاطفتهم، وتكريمهم، والتخفيف عن همومهم، وإعلاء شأنهم، وتعظيمهم، ورعاية حقوقهم... وقد نطقت بذلك عشرات النصوص الشريفة.
من هنا كانت دعوتهم إلى الأعراس، والمجالسة، والملاطفة... فيها الطمأنينة والأنس للتخفيف من غربة هذه الدنيا.
أما الدخول في المحرمات أو الشبهات، والاستغراق في الماديات، والتمادي في المفاخرات الكاذبة، وتقليد أهل الدنيا في مناسباتهم، والجبابرة في غفلاتهم، والفساق في سباتهم... فهذه أمور فيها الفتنة لنا ولهم، ولا ينجو منها إلا من شاء الله تعالى.
كتب سالم فارس في جريدة الحياة 29-10-2002 العدد 14467:" بعد أن كانت متعة الناس وراحتهم في مجالسة الأصدقاء، ومساعدة الأصحاب، والتآلف العائلي والاجتماعي، نراهم اليوم وقد اختفت الأحاسيس الانسانية في قلوبهم، معزولين عن بعضهم رغماً عنهم، بعضهم يفضل استغلال ما تركته المادة من الوقت كي يقتل الفراغ بالفراغ، وبعضهم يفضل الهروب والهجرة إلى بلاد أخرى، لاهثاً خلف أكبر قدر من المادة، والمادة لا تعني المال وحده، بل كل ما يصنعه المال، أو يشتريه من الرفاهية المزيفة،وما تبقى من الناس هم الفئة الأكثر تعاسة، لأنهم يتظاهرون بالألفة والمحبة والمحافظة على تقاليد الأجداد، بينما قلوبهم خالية إلا من الأنانية والحسد، وألسنتهم أمر من الصبر".
للأسف، القيم والروابط الإنسانية تتلاشى بالتدريج، وتختفي المحبة والألفة والصدق على أنواعها، كالذي ذكر قبل أسطر قليلة، وتستبدل بالفرح المزيف والموهوم.
لذا نرى أهل الدنيا والفاسقين، ممن يطلق عليهم اسم أهل الفي... نراهم في ظاهرهم غاية في السعادة... هم نلمس في حقيقة أوضاعهم أنهم غاية في التعاسة، لذلك ينتشر بينهم أكثر من غيرهم بكثير، الطلاق المتكرر والأخلاق السيئة والوحدة القاتلة والاكتئاب والانتحار.
ولا ريب أن نسبة السعادة والصحة النفسية عند مجموعة من العمال أو الفلاحين، هي أفضل من هؤلاء بكثير.
فالسرور الحقيقي لا يكون بالعبث واللهو، وكثرة الطعام، والموائد الفاخرة، والأصناف العامرة، والألبسة المتنوعة، وتقليد أهل الدنيا أو المنحرفين، أو بالتصفيق والغناء والرقص... وهذه الأمور غالباً ما تورث الحسرات والأحزان الدفينة كما نرى ذلك غالباً.
أما احترام الإخوان والمجالسة والملاطفة والتكريم والاستماع والتبسم... فهو الذي يترك سروراً حقيقياُ وذكريات جميلة تبقى عقوداً مع الأجيال.
يقول أمير المؤمنين(ع):
"سرور المؤمن بطاعة ربث وحزنه على ذنبه".
وعن رسول الله(ص) قال"
"أسعد الناس من خالط كرام الناس".
* * *
هل لا يكون الفرح إلا بالحرام؟!!!
أخي الحبيب،
عيوني،
كن صادقاً مع نفسك، ولا تغشها، لأن وبال ذلك عليك لا سمح الله.
فكم تركت الشبهات حسرات طويلة... وكم ترك بعدك عن الشبهات راحةً وسروراً، ونوماً هنيئاً لا يؤرقك ساعات الليل.
يكفيك حسرة، يا حبيبي أن الأفراح الموهومة تضيع عليك ساعات وأموالاً وجهوداً، سوف تفتح خزائنها غداً لتكون خالية من العمل الصالح.
وكفى بذلك خسارة وحسرة.
يقول أمير المؤمنين علي (ع):
"أكثر سرورك على ما قدمت من الخير، وحزنك على ما فات منه".
ويقول (ع) في كلام طويل لعبد الله بن عباس:
".... فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها... وليكن همك فيما بعد الموت".
وكان ابن عباس يقول بعد ذلك:
" ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله (ص) كانتفاعي بهذا الكلام".
إن ما يدري من مبالغات وتفخيمات لا تنتهي، أثبتت التجارب والوقائع أنها تزيد المنافسة الباطلة وتنشر الأحقاد والغيرة وتفاخر الجاهلية.
وهذا ليس من الاسلام في شيء.
أما لو كانت الأجواء كما تقدم، فإنها تترك آثاراً طيبةً لا تنسى.
فكيف لو أرفق ذلك بهدية، مجموعة من الكتيبات الإسلامية النافعة، تبقى صدقتها جارية، وينتشر نفعها العميم، إلى ما شاء الله تعالى.
الفرح الحقيقي:
فالفرح الحقيقي كما يقول أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة، هو" إطفاء باطل أو إحياء حق".
ومن أولى منا "بإطفاء باطل" ما يدور حولنا ويجاهر به من منكر الأعراس، و"إحياء حق" سنن الإسلام التي نهملها كأننا لا نريدها، والعياذ بالله!* * *
نموذج مقترح للعرس الشرعي
بعد الذي تقدم، وبناءً عليه، نقترح خطوات عملية لعرس ليس فيه حرام ولا شبهة إن شاء الله تعالى، بل فيه سنن ماتت أو عطلت أو أهملت نتيجة ميل الناس بطبعهم إلى اللهو واللعب والعبث، وحب التفلت من القيود، والرغبة في الممنوع "فوالله لو أمرتهم أن لا يأتوا الجحون لأتوها"
* * *
1-التبرك بتلاوة آيات مباركات من القرآن الكريم، ومثالها:
من سورة النور المباركة الآيات 32 إلى 34:
﴿ وانكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم(32) وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم ولا تكرهو فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم(33) ولقد أنزلنا إليكم ءايات مبينات ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظةً للمتقين(34)﴾.
ومن سورة الروم المباركة الآيات 20 إلى 22:
﴿ ومن ءاياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون(20) ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون(21) ومن ءاياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لأيات للعالمين(22)﴾.
ومن المناسب أيضاً في مثل هذا الحفل تلاوة الآية التالية من سورة الرعد:
﴿ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريةً وما كان لرسول أن يأتي بآية بإذن الله لكل أجل كتاب(38)﴾.
ويناسب المقام أيضاً تلاوة آيات مختارة من سورة آل عمران من 33 إلى 47:
﴿ إن الله اصطفى ءادم ونوحاً وءال إبراهيم وعمران على العالمين(33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(34) إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم(35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم(36) فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنىلك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب(37) هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء(38) فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصجقا بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين(39) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء(40) قال رب اجعل لي ءاية قال ءانتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار(41) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين(42) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين(43) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون(44) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين(45) ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين(46) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كي فيكون(47)﴾.
كما نقترح من سورة النحل الآيات 72 إلى 74:
﴿ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يفكرون(72) ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون(73) فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون(74)﴾.
وأيضاً يناسب الآيات 74 إلى 76 من سورة الفرقان المباركة:
﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً(74) أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً(75) خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً(78)﴾.
هذه نماذج اخترناها من القرآن الكريم كما يمكن اختيار آيات أخرى في مواضيع تشابه ما نحن فيه.
وقد ورد استحباب ذكر الله تعالى عند اللذات، فعن مولانا الباقر(ع) :" في التوراة مكتوب... يا موسى... اذكرني في خلواتك وعند سرور لذاتك، أذكرك عند غفلاتك".
2- خطبة مختصرة لا تتعدى العشر دقائق، لعالم أو لرجل من أهل التقوى، يختار فيها الحديث عن بعض العناوين التالية:
الزواج، العفة، تحصين النفس، الأسرة المسلمة، إنجاب الأولاد، حسن المعاشرة، احترام الزوجين لبعضهما، التعاون على أمر الدنيا والآخرة، والتواصي بالحق، الخلق الحسن، الدعوة إلى الزواج، صفات الزوجين، تربية الأولاد، بعض النصائح عند وقوع سوء تفاهم...
والأحاديث الشريفة التي تتناول هذه العناوين بالمئات.
3-إجراء عقد الزواج بهدوء وروية، مستوفياً الشروط الشرعية... والحضور عادة يستأنسون بتفاصيل هذه الفقرة.
4-يمكن أن يتوزع الحضور على طاولات مختلفة، تتبادل كل مجموعة أحاديثها(كما لو كانوا في مكان عام أو مطعم...).
ويمكن أن تكون جلسة واحدة يتحدث البعض ويستمع الأكثر (كما في البيوت أو الجلسات الدائرية الواسعة) كل هذا مع مراعاة عدم الاختلاط طبعاً.
5- لا مانع من قيام البعض بإلقاء شعر مثلاً، يتناول بعض مواضيع الفقرة الثانية... أو بعض الأمور التي تسر الحاضرين، أو أشعار مناسبة منقولة عن علمائنا والسلف الصالح، أو حزازير أو طرائف نافعة... مع تزيين جلساتنا بالصلاة على محمد وآل محمد بأصوات معتدلة.
6-توزع الحلوى بما هو ميسور.
لكن هنا مسألة هامة:
بعض الأحيان تهمل الوليمة، وهي من المستحبات المؤكدة، ومكانها في الأعراس، وتستبدل بأصناف من الحلوى والشراب، فإذا أمكن تقديم وليمة، فهو الأفضل، والمسنون:
أ- ليس بالضرورة أن تكون متنوعة الأصناف والألوان كما أصبح شائعاً في إفطارات شهر رمضان، بل تنوع الأصناف بذاته مكروه شرعاً، ومن علامات آخر الزمان.
لذا يقتصر على صنف واحد فقط.
ب- بناء على هذا لا تكون هناك كلفة إضافية، فبنفس القيمة المادية للحلويات والقوالب يمكن تأمين صنف واحد من الطعام.
7-يخرج موكب العرس، ومن يريد الحضور:
أ- في القرى أو الأحياء، يمكن أن يكون سيراً على الأقدام.
ب- في المدن أو بين مدينة وأخرى، بالسيارات مع مراعاة عدم إزعاج الناس أو فعل يؤذيهم، كإطلاق أبواق السيارات والمفرقعات المؤذية والمزعجة.
8- من الضروري استبدال توزيع "المطبقيات"- التي غالباً ما تكون أصناماً تدور حول أحكامها بين الحرمة والكراهية كما تكون مكاناً لتراكم الغبار- بتوزيع مجموعة منتقاة من الكتيبات الإسلامية النافعة، تلف بطريقة جميلة جذابة، تبقى آثارها وعطرها ونفعها إلى ما شاء الله تعالى.
وهذا من مصاديق الصدقة الجارية التي نرجو أن نفتتح حياتنا الزوجية بها، ونقترح من هذه الكتيبات:
_- أختاه
- رسالة إلى ابنتي لمناسبة زواجها
- الموضة
- لماذا يضعف الإيمان
- أخلاق النبي
- همسات الآخرة
- أبتاه
- سبيل الرشاد
- سلسلة آداب السلوك
إضافة إلى هذا الكتاب الذي بين يديك.
* * *
أمور ينبغي اجتنابها في الأعراس
1- الإسراف: بكل أنواعه، ومن أبرز مظاهره، الطعام واللباس والورود، فالبعض يقيم حفلات عرسه في فنادق ومنتجعات ويدفع عشرات الآلاف من الدولارات، وليس في ذلك مبالغة أبداً، أما بعض الفساتين التي خيطت خصيصاً للعروسين وأقاربهما فهي بدورها تكلف العشرات أيضاً، أما الورود فيكفي أن البعض يحضرها بالطائرة من البلاد البعيدة، والبعض يتلف منها ما يساوي إعالة عوائل بأكملها.
فهل ضمير الذين يفعلون ذلك مرتاح، وهل تجلب مثل هذه الأعمال لهم الفرح والسرور؟
ألا يسمعون قول الله تعالى:﴿ وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة﴾.
فهل يبتغون بأعمالهم هذه الدار الآخرة؟!
ألا يخشون يوماً ينادى فيه:
﴿ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون﴾.
ولمن يخجل منهم، نقول قول الله تعالى:
﴿والله لا يحب كل مختال فخور﴾.
2- الغناء: وهو مما ابتلينا فيه كثيراً في هذه الأيام، حتى بين المتدينين والملتزمين، مع أن حرمته من ضروريات الإسلام".
ومن آثاره العاجلة أنه يجلب الفجيعة وينبت النفاق ويبعد الملائكة ويبطل الدعاء...
كتب أمير المؤمنين علي بي أبي طالب(ع) لمالك الأشتر يأمره بتقوى الله وإيثار طاعته "واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها".
وعنه(ع): " لا يسعد امرء إلا بطاعة الله سبحانه، ولا يشقى امرء إلا بمعصية الله".
وعنه(ع): " رب طرب يعود بالحرب".
ملاحظة هامة: أشاع في السنوات الأخيرة بعض الذين لا يدركون بدقة الأحكام الشرعية، أن كل أنواع الغناء جائزة في الأعراس، وقد سألوا عن ذلك الشخص الفلاني أو الجهة الفلانية، فأجازوا لأنفسهم كل أنواع الغناء الشائعة في وسائل الإعلام: بكلماتها وأشخاصها... وفسوقهم وفجورهم، فحللوا ما حرم الله تعالى، ربما عن سذاجة أو سطحية أو غباء أو ضعف أمام الآخرين أو جهل... أو انسياق مع الأجواء السائدة.
والملفت، أن الناس العاديين يستغربون بشدة مثل هذه التصرفات، ويتعجبون (بفطرتهم السليمة)، كيف تجوز مثل هذه التصرفات الخليعة، وكيف يمكن أن تصدر (الغناء) عن مثل هؤلاء الأشخاص؟!
وهنا، يملي علينا التكليف الشرعي أن نبين:
1- أن الأصل، بل الضرورة، كما ذكرنا قبل أسطر، أن الغناء حرمته بديهية في الإسلام.
2-أن الغناء في الأعراس هو استثناء، بشرط:
أ- أن لا يكون لمطربين ومطربات من أهل الفسوق والفجور ( لاحظ تعبير الفقهاء: غناء المغنيات في الأعراس، وليس المغنيين ).
ب- أن لا يتخلله كذب، أو ألفاظ فاحشة.
ج-أن لا يخالطه حرام آخر في الموسيقى أو التصرفات الأخرى.
د- أن لا تكون المظاهر التي تسود المجلس بحيث ينسب إلى مجالس المنكر أو محافل الطرب.
ه- أن يقتصر فقط على ليلة زف العروس، وليس ما يحتفى به من قبل ومن بعد.
و- المقصود بالغناء المحلل في الأعراس مجرد مدائح أو توجيهات أو أمور مناسبة دون دخول حرام فيه، أو أن يصبح ذريعة للإيغال فيما كان محرماً بالأمس.
ولا نريد أن نكرر هنا، أن الغناء محرم بذاته ولو كان المغني في غرفة ليس فيها أحد غيره، ولو كان الغناء بالقرآن الكريم والمدائح والمراثي...
وننصح بالرجوع إلى المصادر التي ذكرناها في الهامش قبل صفحات.
ورحم الله الإمام الخميني الذي ختم شرحه لفقرة الغناء في الأعراس بقوله:" بل الأحوط الاجتناب مطلقاً" وهكذا يفعل أهل التقوى والإيمان.
وصدق الله العظيم مخاطباً نبيه داود (ع) :﴿ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾.
بناء على هذا، وعلى طريقة أهل الاحتياط والورع، وحتى تكون أعراسنا شرعية، ننصح (وهكذا فعل الفقهاء) بالاجتناب أصلاً عن الشبهات، حتى لا تكون ذريعة لأصحاب القلوب الضعيفة، أو الإيمان الهش، للإيغال في الحرام، خاصة، أن التجربة أثبتت، أن أكثرية الناس تحب "الرخص" ومن يجوز لها، وأن الأكثرية الساحقة لا تعرف بدقة الحدود الشرعية في الحلال و الحرام.
والواقع يشهد على ذلك.
وورد في المأثور: " لا ترخصوا فتذهب بكم الرخص".
3- الاختلاط: حيث من الصعوبة الشديدة المحافظة على الحدود الشرعية وآدابها من نظر ولمس وابتسامة وسماع وإعجاب وتبرج وثياب... هذا في المجالس العادية، فكيف بمجالس الأعراس؟
وأخذ رسول الله (ص) البيعة على النساء أن لا يقعدن مع الرجال في الخلاء.
وعنه (ص): " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يبت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم".
4- المفرقعات: وما يسمى بالألعاب النارية المزعجة أو المؤذية، والتي تنتشر في أكثر مناسباتنا دون إشراف أو رقابة كما تفعل بعض الدول... مما يسبب الأذية للمرضى وكبار السن والأطفال والمتعبين والناشدين للراحة والنوم... فضلاًً عن الخسائر المادية والحرائق التي تحصل كثيراً.
5- أبواق السيارات: حيث إطلاق العنان لأبواق السيارات على أشكالها، وغير معلوم ما الفائدة المرجوة من هذا الازعاج الاستثنائي والغريب!
خاصة أنه يحصل غالباً في أوقات متأخرة من الليل.
6- المباهاة والتفاخر بأثاث المنزل وتوابعه: شاع في السنوات الأخيرة عادة قيام العروسين "بجولة" لضيوفهم ومهنئيهم على كافة غرف المنزل وملحقاته، وعرض ثياب العروس "والنقط"... فالزيارة والمباركة مطلوبة، أما المفاخرة بالنوعية والسعر والكماليات فمذمومة، فالناس تتفاوت في إمكانياتها وقدراتها... فعلى الجميع مراعاة الجميع، وأن تكون خطوة الزواج لتحصين النفس وليس لفتح ثغرة جديدة فيها، وهي الأمارة بالسوء.
روي عن سيدنا رسول الله (ص):
"من نظر إلى ما في أيدي الناس، طال حزنه ودام أسفه".
وكان مما قاله(ص) عندما نزلت: ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ﴾...قال:
"... ومن رمى ببصره إلى ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه".
7- المبالغة في تأنيق وتنميق بطاقات الدعوة: فكلنا يعلم أن الهدف من البطاقات هو الدعوة للعرس أو التهنئة وموعده ومكانه... فحسب، وليس هو هدف بحد ذاته.
فلماذا لاحظنا في السنوات الأخيرة نوعية خاصة من الورق، ونوعية فاخرة من المغلفات، والخطوط المذهبة، وبعض الإضافات المكلفة... مع أن مصير كل هذا إلى التلف.
فإذا كانت الدعوة الواحدة تكلف كذا، فالمئات منها تساوي كذا... وكلها للرمي.
8- مجالس اللهو والغفلة: بعض الأعراس تتحول إلى مجالس لهو وعبث وغفلة... مع أننا أمرنا بذكر الله عز وجل حتى لو نزلنا إلى السوق أو دخلنا الحمام أو نظرنا إلى القمر أو تناولنا الثمر أو إذا نزل المطر...
فما بالنا نبدأ أعراسنا بالغفلة واللهو؟!
ورد عن علي أمير المؤمنين (ع):
" لا يفلح من وله باللعب، واستهتر باللهو والطرب".
وعنه (ع): " مجالس اللهو تفسد الإيمان".
وعنه (ع): " لا تغرنك العاجلة بزور الملاهي، فإن اللهو ينقطع ويلزمك ما اكتسبته من المآثم".
9- الانكشاف أمام من تصف الحال للرجال: على العروس الحرص أن لا تظهر منكشفة بطريقة مبتذلة أو تقلد الفاجرات والساقطات، وذلك في مجالس النساء.
والإسلام أكد على عدم جواز انكشاف المرأة بين يدي اليهودية والنصرانية، فعاداتنا وحدودنا وتربيتنا ومفاهيمنا تختلف عما عندهم.
وفي الحديث: "لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية، فإنهن يصفن لأزواجهن".
تبصرة: من رحمة الله سبحانه وتعالى على النساء أن اختصهن بأحكام، تدل في مجملها على العناية بهن، وصونهن، والمحافظة عليهم.
ويا ليت نبادل ذلك بالشكر، والرضا، والتسليم.
فالله سبحانه رأف بهن، وأسقط عنهن الجمعة والجماعة واتباع الجنازة، والهرولة بين الصفا والمروة، واستلام الحجر، والحلق ورفع الصوت بالتلبية... وأموراً كثيرة غيرها.
فإذا كان الإسلام تعامل كذلك مع الشرعيات، فكيف تتعامل نساؤنا اليوم مع الاجتماعيات والكماليات؟!
مستحبات في الأعراس تركت أو هجرت!
1-إطعام الطعام: ليوم أو يومين فقط.
حيث روي عن رسول الله (ص):
" إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج".
وقد أطعم (ص) الناس حين تزوج ميمونة بنت الحارث.
وفي النص عنه(ص): " الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، وما زاد رياء وسمعة".
2- إلقاء خطبة: وذلك قبل عقد الزواج، وعلى الملأ، يبين فيها فوائد وفضائل وبركات الزواج وتحصين النفس( تقدم اقتراح بعض المواضيع المناسبة في الفقرة الثانية من النموذج المقترح للعرس الشرعي).
والخطبة تشمل: حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على محمد وآل محمد، والوصية بتقوى الله سبحانه، ثم التطرق إلى الموضوع الذي يناسب ما نحن فيه، ثم إن فلان بن فلان ذكر فلانة بنت فلان....
3- الإشهاد والإعلان: أي أن يكون الزواج علناً وأن يشهد عليه جمع من الناس، وذلك كبينة للنسب والمواريث.
4- استحباب التكبير وركوب العروس: أما التكبير فهو ما فعله جبرائيل (ع) عندما زفت فاطمة بنت محمد على زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)... فكبر جبرائيل، وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة وكبر محمد (ص)، فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة.
أما الركوب على الفرس مثلاً، فكما فعل رسول الله (ص) في ليلة زفاف فاطمة (ع)، حيث أتى بالبغلة الشهباء، وقال لها: اركبي، وأمر سلمان أن يقودها.
و هذه الحالة هي من مستثنيات كراهة ركوب النساء على السروج.
5-الزواج في الليل: لأن الله سبحانه جعله سكناً، والنساء إنما هي سكن.
6-تخفيف مصاريف الزواج وتقليل المهر: فمن بركة المرأة خفة مؤنتها وقلة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها.
7- صلاة ركعتين ودعاء: وذلك في موضعين:
أ- إذا أراد التزويج، يصلي ركعتين ويحمد الله تعالى ويقول:
" اللهم إني أريد أن أتزوج، اللهم فاقدر لي من النساء أعفهن فرجاً واحفظهن لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهن بركة، واقدر لي منها ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي".
( أعد قراءة الدعاء، ولاحظ هم المسلم وما يريده من زواجه، وكيف يجب أن يكون، وماذا يتمنى... وما هو واقعنا اليوم، وما هي تمنياتنا!).
ب- إذا دخلت عليه في ليلة الزفاف، يقول:
" اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئاً، فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان".
وأن يذكر الله عز وجل إذا دنا من امرأته.
8- التهنئة بالزواج: بأن يدعو ويتمنى للعروسين " الخير والبركة" وليس الرفاه والبنين.
والفرق واضح بين الحالتين.
9- خلع خف العروس، وغسل رجليها: وهذا الفعل، على تفصيله، هو من المستحبات المذكورة في شأن آداب الأعراس، ونحرص عليه إن شاء الله، ونوصي به، قربة إلى الله تعالى، وإن لم ندرك تمام أسراره وأسبابه...
لكن، نسلم تسليماً.
والمستحب هو، خلع خف العروس حين تجلس، وغسل رجليها، وصب الماء من باب الدار إلى أقصاها.
ومن فوائد ذلك، إخراج ألوان الفقر من الدار، ودخول ألوان كثيرة من البركة، ونزول ألوان من الرحمة ترفرف على رأس العروس حتى تنال بركتها كل زاوية في البيت، وتأمن العروس من أمراض عديدة.
ملحق في أحكام العقيقة
عندما تحدثت مرة في الإذاعة عن العقيقة وأحكامها، فوجئنا بكثرة الاستفسارات أثناء البرنامج وبعده بأيام كثيرة كلها تسأل عن هذه السنة المباركة.
واستمرت هذه المفاجأة في مناسبات مختلفة، حيث كلما فتح الحديث عن العقيقة وأهميتها سأل الأكثرون عنها وعن ضرورتها وآثارها وتفاصيلها، فآليت على نفسي أن لا يصدر هذا الكتيب إلا وفيه ما تيسر من أهم أحكام العقيقة.
1- هي من المستحبات الأكيدة ( وأوجبها بعض العلماء مع الاستطاعة) إذا رزق أحدنا بمولود، ذكر أو أنثى، فيعق عن الذكر ذكراً وعن الأنثى أنثى ( ويجوز خلاف ذلك).
سمع مولانا الصادق(ع) يقول:" كل امرء مرتهن يوم القيامة بعقيقته".
2- إذا لم يعق عنه حتى أصبح بالغاً عق عن نفسه، حتى لو أصبح شاباً أو كهلاً أو بلغ من الكبر عتياً.
في الحديث المعتبر عن عمر بن يزيد أنه قال للإمام الصادق(ع): إني والله ما أدري كان أبي عق عني أم لا، فأمره (ع) بالعقيقة، فعق عن نفسه وهو شيخ.
3- لو لم يعق عن نفسه في حياته يستحب أن يعق عنه بعد موته.
4- يمكن أن تكون العقيقة في الأيام الأول بعد الولادة، أو بعد أسابيع أو أشهر.
لكن، المستحب أن تكون يوم السابع من حين ولادته.
( حيث يسمى أيضاً، ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه فضة).
5- يمكن أن تكون غنماً (على أنواعه) أو بقراً أو إبلاً.
6- لا يكفي التصدق بثمنها أو دفع القيمة في وجوه الخير.
قيل لمولانا الصادق (ع) : قد طلبنا شاة نعقها، فلم نجد، فما تقول؟ أنتصدق بثمنه؟
قال (ع):" اطلبوه حتى تجدوه، إن الله يحب إطعام الطعام وإهراق الدم".
7- يمكن إعطاء قيمتها لشخص وتوكيله مثلاً بأن يقوم بها.
8- يستحب أن تجتمع فيها شروط الأضحية الواجبة على الحجيج في منى يوم الأضحى المبارك، بأن تكون سليمة من العيوب.... كالعمى والعرج والهزال... وإن كان كل ذلك جائزاً.
9- يستحب أن تعطى القابلة ( الداية) الرجل والورك، وإن زادت حصتها إلى الربع كان أفضل.
ومع عدم وجود القابلة تتصدق الأم بهذه الحصة.
10- يمكن أن تفرق العقيقة لحماً نيئاً، أو مطبوخاً، ويمكن أن تطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين، أقلهم عشرة، وكلما زاد كان أفضل. يجتمعون، ويأكلون، ويدعون للمولود الجديد.
11- في الأحاديث الشريفة، أن كل مولود مرتهن بالعقيقة، أي إن لم يعق عنه، تعرض لأنواع البلاء والموت.
12- سئل الصادق (ع): هل يعق للمولود إذا مات في اليوم السابع، فأجاب:
" إن مات قبل الظهر، فليس عنه عقيقة، وإن مات بعده فليعق عنه".
13- لا يأكل الوالدان من العقيقة ( وليس ذلك بمحرم عليهما).
14- عند ذبح العقيقة يقول:
" بسم الله، اللهم عقيقة عن فلان ( ويسمي المولود)، لحمها بلحمه، ودمها بدمه، وعظمها بعظمه، اللهم اجعلها وقاء لآل محمد عليه وآله السلام".
أو تقول:
" يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، بسم الله وبالله والله أكبر، اللهم صل على محمد وآل محمد، وتقبل من فلان بن فلان ( ويسمي المولود)، ثم يذبح.
أو تقول:
" اللهم منك ولك ما وهبت، وأنت أعطيت، اللهم فتقبله منا على سنة نبيك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" ثم تذبح.
وتقول:
" لك سفكت الدماء لا شريك لك، والحمد لله رب العالمين، اللهم أخسئ عنا الشيطان الرجيم".
مع ملحق في أحكام العقيقة
تأليف : السيد سامي خضرا
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
"لا يكون الفرح إلا بالرقص والغناء والطرب والموسيقى والتصفيق..." وما نراه عادة في حفلات ومجالس أهل "الفن"!!!
* * *
هذا ما ارتكز في ذهننا على الأقل، لذا أصبحنا إذا أردنا التعبير عن فرحتنا في الأعراس وما شاكلها من مناسبات، استعنا بما تقدم آنفاً، بل ذهب البعض إلى حصر الفرح والسرور، بهذه الأمور، بل لولاها، لا تتم البهجة!
ولا شك أن البث الإذاعي والتلفزيوني لما تقدم، إلى درجة تغليب المدة المكرسة له على سائر البرامج الأخرى... لا شك أنه ساهم في الاستئناس به، واستسهاله، ثم إضفاء الطابع الشرعي عليه تحت عناوين و"اجتهادات" مختلفة... وسيصبح ذلك عادة مستساغة مع فترة وجيزة، وإنكاره معيباً!
وبذلك تتحقق بعض علامات آخر الزمان في انتشار المعازف والغناء.
ومن الآن، وحتى يأتي صاحب الأمر لإحقاق الحق وإبطال الباطل... نسأل الله الثبات واليقين، حتى لا تزيغ القلوب وتضعف النفوس.
* * *
فهل فعلاً لا تتم الفرحة في الأعراس إلا عن هذه الطريق؟!
وهل هذه سنة أهل الصلاح ممن سبقنا؟!
وهل هذه هي طريقة العلماء والحكماء والفقهاء عند إظهار سرورهم وأفراحهم؟!
وهل هناك نصيحة تسدى، قربة إلى الله تعالى، وإحياءً لسنة رسوله محمد(ص)؟!
25 ذي القعدة الحرام 1423هـ
السيد سامي خضرة
كيف يكون السرور الحقيقي؟
نتيجة لبعض الظروف المحيطة، ولمجموعة من التراكمات، ولقلة المذكرين بالآخرة والساعين إليها... ظن البعض، وهم كثر، أن السرور لا يكون إلا بالطرب والغناء والرقص وما يرافق ذلك عادة... أو ما يشابهها من طرب وغناء... تم تشريعه في السنوات الأخيرة!!!
تماماً، على طريقة السمك الذي ذبح على الطريقة الإسلامية!!!
* * *
بينما السرور الحقيقي نكون بخدمة الإخوان، وقضاء حوائجهم، ومجالستهم، ومسامرتهم، وملاطفتهم، وتكريمهم، والتخفيف عن همومهم، وإعلاء شأنهم، وتعظيمهم، ورعاية حقوقهم... وقد نطقت بذلك عشرات النصوص الشريفة.
من هنا كانت دعوتهم إلى الأعراس، والمجالسة، والملاطفة... فيها الطمأنينة والأنس للتخفيف من غربة هذه الدنيا.
أما الدخول في المحرمات أو الشبهات، والاستغراق في الماديات، والتمادي في المفاخرات الكاذبة، وتقليد أهل الدنيا في مناسباتهم، والجبابرة في غفلاتهم، والفساق في سباتهم... فهذه أمور فيها الفتنة لنا ولهم، ولا ينجو منها إلا من شاء الله تعالى.
كتب سالم فارس في جريدة الحياة 29-10-2002 العدد 14467:" بعد أن كانت متعة الناس وراحتهم في مجالسة الأصدقاء، ومساعدة الأصحاب، والتآلف العائلي والاجتماعي، نراهم اليوم وقد اختفت الأحاسيس الانسانية في قلوبهم، معزولين عن بعضهم رغماً عنهم، بعضهم يفضل استغلال ما تركته المادة من الوقت كي يقتل الفراغ بالفراغ، وبعضهم يفضل الهروب والهجرة إلى بلاد أخرى، لاهثاً خلف أكبر قدر من المادة، والمادة لا تعني المال وحده، بل كل ما يصنعه المال، أو يشتريه من الرفاهية المزيفة،وما تبقى من الناس هم الفئة الأكثر تعاسة، لأنهم يتظاهرون بالألفة والمحبة والمحافظة على تقاليد الأجداد، بينما قلوبهم خالية إلا من الأنانية والحسد، وألسنتهم أمر من الصبر".
للأسف، القيم والروابط الإنسانية تتلاشى بالتدريج، وتختفي المحبة والألفة والصدق على أنواعها، كالذي ذكر قبل أسطر قليلة، وتستبدل بالفرح المزيف والموهوم.
لذا نرى أهل الدنيا والفاسقين، ممن يطلق عليهم اسم أهل الفي... نراهم في ظاهرهم غاية في السعادة... هم نلمس في حقيقة أوضاعهم أنهم غاية في التعاسة، لذلك ينتشر بينهم أكثر من غيرهم بكثير، الطلاق المتكرر والأخلاق السيئة والوحدة القاتلة والاكتئاب والانتحار.
ولا ريب أن نسبة السعادة والصحة النفسية عند مجموعة من العمال أو الفلاحين، هي أفضل من هؤلاء بكثير.
فالسرور الحقيقي لا يكون بالعبث واللهو، وكثرة الطعام، والموائد الفاخرة، والأصناف العامرة، والألبسة المتنوعة، وتقليد أهل الدنيا أو المنحرفين، أو بالتصفيق والغناء والرقص... وهذه الأمور غالباً ما تورث الحسرات والأحزان الدفينة كما نرى ذلك غالباً.
أما احترام الإخوان والمجالسة والملاطفة والتكريم والاستماع والتبسم... فهو الذي يترك سروراً حقيقياُ وذكريات جميلة تبقى عقوداً مع الأجيال.
يقول أمير المؤمنين(ع):
"سرور المؤمن بطاعة ربث وحزنه على ذنبه".
وعن رسول الله(ص) قال"
"أسعد الناس من خالط كرام الناس".
* * *
هل لا يكون الفرح إلا بالحرام؟!!!
أخي الحبيب،
عيوني،
كن صادقاً مع نفسك، ولا تغشها، لأن وبال ذلك عليك لا سمح الله.
فكم تركت الشبهات حسرات طويلة... وكم ترك بعدك عن الشبهات راحةً وسروراً، ونوماً هنيئاً لا يؤرقك ساعات الليل.
يكفيك حسرة، يا حبيبي أن الأفراح الموهومة تضيع عليك ساعات وأموالاً وجهوداً، سوف تفتح خزائنها غداً لتكون خالية من العمل الصالح.
وكفى بذلك خسارة وحسرة.
يقول أمير المؤمنين علي (ع):
"أكثر سرورك على ما قدمت من الخير، وحزنك على ما فات منه".
ويقول (ع) في كلام طويل لعبد الله بن عباس:
".... فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها... وليكن همك فيما بعد الموت".
وكان ابن عباس يقول بعد ذلك:
" ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله (ص) كانتفاعي بهذا الكلام".
إن ما يدري من مبالغات وتفخيمات لا تنتهي، أثبتت التجارب والوقائع أنها تزيد المنافسة الباطلة وتنشر الأحقاد والغيرة وتفاخر الجاهلية.
وهذا ليس من الاسلام في شيء.
أما لو كانت الأجواء كما تقدم، فإنها تترك آثاراً طيبةً لا تنسى.
فكيف لو أرفق ذلك بهدية، مجموعة من الكتيبات الإسلامية النافعة، تبقى صدقتها جارية، وينتشر نفعها العميم، إلى ما شاء الله تعالى.
الفرح الحقيقي:
فالفرح الحقيقي كما يقول أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة، هو" إطفاء باطل أو إحياء حق".
ومن أولى منا "بإطفاء باطل" ما يدور حولنا ويجاهر به من منكر الأعراس، و"إحياء حق" سنن الإسلام التي نهملها كأننا لا نريدها، والعياذ بالله!* * *
نموذج مقترح للعرس الشرعي
بعد الذي تقدم، وبناءً عليه، نقترح خطوات عملية لعرس ليس فيه حرام ولا شبهة إن شاء الله تعالى، بل فيه سنن ماتت أو عطلت أو أهملت نتيجة ميل الناس بطبعهم إلى اللهو واللعب والعبث، وحب التفلت من القيود، والرغبة في الممنوع "فوالله لو أمرتهم أن لا يأتوا الجحون لأتوها"
* * *
1-التبرك بتلاوة آيات مباركات من القرآن الكريم، ومثالها:
من سورة النور المباركة الآيات 32 إلى 34:
﴿ وانكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم(32) وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم ولا تكرهو فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم(33) ولقد أنزلنا إليكم ءايات مبينات ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظةً للمتقين(34)﴾.
ومن سورة الروم المباركة الآيات 20 إلى 22:
﴿ ومن ءاياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون(20) ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون(21) ومن ءاياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لأيات للعالمين(22)﴾.
ومن المناسب أيضاً في مثل هذا الحفل تلاوة الآية التالية من سورة الرعد:
﴿ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريةً وما كان لرسول أن يأتي بآية بإذن الله لكل أجل كتاب(38)﴾.
ويناسب المقام أيضاً تلاوة آيات مختارة من سورة آل عمران من 33 إلى 47:
﴿ إن الله اصطفى ءادم ونوحاً وءال إبراهيم وعمران على العالمين(33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(34) إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم(35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم(36) فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنىلك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب(37) هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء(38) فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصجقا بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين(39) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء(40) قال رب اجعل لي ءاية قال ءانتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار(41) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين(42) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين(43) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون(44) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين(45) ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين(46) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كي فيكون(47)﴾.
كما نقترح من سورة النحل الآيات 72 إلى 74:
﴿ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يفكرون(72) ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون(73) فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون(74)﴾.
وأيضاً يناسب الآيات 74 إلى 76 من سورة الفرقان المباركة:
﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً(74) أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً(75) خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً(78)﴾.
هذه نماذج اخترناها من القرآن الكريم كما يمكن اختيار آيات أخرى في مواضيع تشابه ما نحن فيه.
وقد ورد استحباب ذكر الله تعالى عند اللذات، فعن مولانا الباقر(ع) :" في التوراة مكتوب... يا موسى... اذكرني في خلواتك وعند سرور لذاتك، أذكرك عند غفلاتك".
2- خطبة مختصرة لا تتعدى العشر دقائق، لعالم أو لرجل من أهل التقوى، يختار فيها الحديث عن بعض العناوين التالية:
الزواج، العفة، تحصين النفس، الأسرة المسلمة، إنجاب الأولاد، حسن المعاشرة، احترام الزوجين لبعضهما، التعاون على أمر الدنيا والآخرة، والتواصي بالحق، الخلق الحسن، الدعوة إلى الزواج، صفات الزوجين، تربية الأولاد، بعض النصائح عند وقوع سوء تفاهم...
والأحاديث الشريفة التي تتناول هذه العناوين بالمئات.
3-إجراء عقد الزواج بهدوء وروية، مستوفياً الشروط الشرعية... والحضور عادة يستأنسون بتفاصيل هذه الفقرة.
4-يمكن أن يتوزع الحضور على طاولات مختلفة، تتبادل كل مجموعة أحاديثها(كما لو كانوا في مكان عام أو مطعم...).
ويمكن أن تكون جلسة واحدة يتحدث البعض ويستمع الأكثر (كما في البيوت أو الجلسات الدائرية الواسعة) كل هذا مع مراعاة عدم الاختلاط طبعاً.
5- لا مانع من قيام البعض بإلقاء شعر مثلاً، يتناول بعض مواضيع الفقرة الثانية... أو بعض الأمور التي تسر الحاضرين، أو أشعار مناسبة منقولة عن علمائنا والسلف الصالح، أو حزازير أو طرائف نافعة... مع تزيين جلساتنا بالصلاة على محمد وآل محمد بأصوات معتدلة.
6-توزع الحلوى بما هو ميسور.
لكن هنا مسألة هامة:
بعض الأحيان تهمل الوليمة، وهي من المستحبات المؤكدة، ومكانها في الأعراس، وتستبدل بأصناف من الحلوى والشراب، فإذا أمكن تقديم وليمة، فهو الأفضل، والمسنون:
أ- ليس بالضرورة أن تكون متنوعة الأصناف والألوان كما أصبح شائعاً في إفطارات شهر رمضان، بل تنوع الأصناف بذاته مكروه شرعاً، ومن علامات آخر الزمان.
لذا يقتصر على صنف واحد فقط.
ب- بناء على هذا لا تكون هناك كلفة إضافية، فبنفس القيمة المادية للحلويات والقوالب يمكن تأمين صنف واحد من الطعام.
7-يخرج موكب العرس، ومن يريد الحضور:
أ- في القرى أو الأحياء، يمكن أن يكون سيراً على الأقدام.
ب- في المدن أو بين مدينة وأخرى، بالسيارات مع مراعاة عدم إزعاج الناس أو فعل يؤذيهم، كإطلاق أبواق السيارات والمفرقعات المؤذية والمزعجة.
8- من الضروري استبدال توزيع "المطبقيات"- التي غالباً ما تكون أصناماً تدور حول أحكامها بين الحرمة والكراهية كما تكون مكاناً لتراكم الغبار- بتوزيع مجموعة منتقاة من الكتيبات الإسلامية النافعة، تلف بطريقة جميلة جذابة، تبقى آثارها وعطرها ونفعها إلى ما شاء الله تعالى.
وهذا من مصاديق الصدقة الجارية التي نرجو أن نفتتح حياتنا الزوجية بها، ونقترح من هذه الكتيبات:
_- أختاه
- رسالة إلى ابنتي لمناسبة زواجها
- الموضة
- لماذا يضعف الإيمان
- أخلاق النبي
- همسات الآخرة
- أبتاه
- سبيل الرشاد
- سلسلة آداب السلوك
إضافة إلى هذا الكتاب الذي بين يديك.
* * *
أمور ينبغي اجتنابها في الأعراس
1- الإسراف: بكل أنواعه، ومن أبرز مظاهره، الطعام واللباس والورود، فالبعض يقيم حفلات عرسه في فنادق ومنتجعات ويدفع عشرات الآلاف من الدولارات، وليس في ذلك مبالغة أبداً، أما بعض الفساتين التي خيطت خصيصاً للعروسين وأقاربهما فهي بدورها تكلف العشرات أيضاً، أما الورود فيكفي أن البعض يحضرها بالطائرة من البلاد البعيدة، والبعض يتلف منها ما يساوي إعالة عوائل بأكملها.
فهل ضمير الذين يفعلون ذلك مرتاح، وهل تجلب مثل هذه الأعمال لهم الفرح والسرور؟
ألا يسمعون قول الله تعالى:﴿ وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة﴾.
فهل يبتغون بأعمالهم هذه الدار الآخرة؟!
ألا يخشون يوماً ينادى فيه:
﴿ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون﴾.
ولمن يخجل منهم، نقول قول الله تعالى:
﴿والله لا يحب كل مختال فخور﴾.
2- الغناء: وهو مما ابتلينا فيه كثيراً في هذه الأيام، حتى بين المتدينين والملتزمين، مع أن حرمته من ضروريات الإسلام".
ومن آثاره العاجلة أنه يجلب الفجيعة وينبت النفاق ويبعد الملائكة ويبطل الدعاء...
كتب أمير المؤمنين علي بي أبي طالب(ع) لمالك الأشتر يأمره بتقوى الله وإيثار طاعته "واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها".
وعنه(ع): " لا يسعد امرء إلا بطاعة الله سبحانه، ولا يشقى امرء إلا بمعصية الله".
وعنه(ع): " رب طرب يعود بالحرب".
ملاحظة هامة: أشاع في السنوات الأخيرة بعض الذين لا يدركون بدقة الأحكام الشرعية، أن كل أنواع الغناء جائزة في الأعراس، وقد سألوا عن ذلك الشخص الفلاني أو الجهة الفلانية، فأجازوا لأنفسهم كل أنواع الغناء الشائعة في وسائل الإعلام: بكلماتها وأشخاصها... وفسوقهم وفجورهم، فحللوا ما حرم الله تعالى، ربما عن سذاجة أو سطحية أو غباء أو ضعف أمام الآخرين أو جهل... أو انسياق مع الأجواء السائدة.
والملفت، أن الناس العاديين يستغربون بشدة مثل هذه التصرفات، ويتعجبون (بفطرتهم السليمة)، كيف تجوز مثل هذه التصرفات الخليعة، وكيف يمكن أن تصدر (الغناء) عن مثل هؤلاء الأشخاص؟!
وهنا، يملي علينا التكليف الشرعي أن نبين:
1- أن الأصل، بل الضرورة، كما ذكرنا قبل أسطر، أن الغناء حرمته بديهية في الإسلام.
2-أن الغناء في الأعراس هو استثناء، بشرط:
أ- أن لا يكون لمطربين ومطربات من أهل الفسوق والفجور ( لاحظ تعبير الفقهاء: غناء المغنيات في الأعراس، وليس المغنيين ).
ب- أن لا يتخلله كذب، أو ألفاظ فاحشة.
ج-أن لا يخالطه حرام آخر في الموسيقى أو التصرفات الأخرى.
د- أن لا تكون المظاهر التي تسود المجلس بحيث ينسب إلى مجالس المنكر أو محافل الطرب.
ه- أن يقتصر فقط على ليلة زف العروس، وليس ما يحتفى به من قبل ومن بعد.
و- المقصود بالغناء المحلل في الأعراس مجرد مدائح أو توجيهات أو أمور مناسبة دون دخول حرام فيه، أو أن يصبح ذريعة للإيغال فيما كان محرماً بالأمس.
ولا نريد أن نكرر هنا، أن الغناء محرم بذاته ولو كان المغني في غرفة ليس فيها أحد غيره، ولو كان الغناء بالقرآن الكريم والمدائح والمراثي...
وننصح بالرجوع إلى المصادر التي ذكرناها في الهامش قبل صفحات.
ورحم الله الإمام الخميني الذي ختم شرحه لفقرة الغناء في الأعراس بقوله:" بل الأحوط الاجتناب مطلقاً" وهكذا يفعل أهل التقوى والإيمان.
وصدق الله العظيم مخاطباً نبيه داود (ع) :﴿ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾.
بناء على هذا، وعلى طريقة أهل الاحتياط والورع، وحتى تكون أعراسنا شرعية، ننصح (وهكذا فعل الفقهاء) بالاجتناب أصلاً عن الشبهات، حتى لا تكون ذريعة لأصحاب القلوب الضعيفة، أو الإيمان الهش، للإيغال في الحرام، خاصة، أن التجربة أثبتت، أن أكثرية الناس تحب "الرخص" ومن يجوز لها، وأن الأكثرية الساحقة لا تعرف بدقة الحدود الشرعية في الحلال و الحرام.
والواقع يشهد على ذلك.
وورد في المأثور: " لا ترخصوا فتذهب بكم الرخص".
3- الاختلاط: حيث من الصعوبة الشديدة المحافظة على الحدود الشرعية وآدابها من نظر ولمس وابتسامة وسماع وإعجاب وتبرج وثياب... هذا في المجالس العادية، فكيف بمجالس الأعراس؟
وأخذ رسول الله (ص) البيعة على النساء أن لا يقعدن مع الرجال في الخلاء.
وعنه (ص): " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يبت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم".
4- المفرقعات: وما يسمى بالألعاب النارية المزعجة أو المؤذية، والتي تنتشر في أكثر مناسباتنا دون إشراف أو رقابة كما تفعل بعض الدول... مما يسبب الأذية للمرضى وكبار السن والأطفال والمتعبين والناشدين للراحة والنوم... فضلاًً عن الخسائر المادية والحرائق التي تحصل كثيراً.
5- أبواق السيارات: حيث إطلاق العنان لأبواق السيارات على أشكالها، وغير معلوم ما الفائدة المرجوة من هذا الازعاج الاستثنائي والغريب!
خاصة أنه يحصل غالباً في أوقات متأخرة من الليل.
6- المباهاة والتفاخر بأثاث المنزل وتوابعه: شاع في السنوات الأخيرة عادة قيام العروسين "بجولة" لضيوفهم ومهنئيهم على كافة غرف المنزل وملحقاته، وعرض ثياب العروس "والنقط"... فالزيارة والمباركة مطلوبة، أما المفاخرة بالنوعية والسعر والكماليات فمذمومة، فالناس تتفاوت في إمكانياتها وقدراتها... فعلى الجميع مراعاة الجميع، وأن تكون خطوة الزواج لتحصين النفس وليس لفتح ثغرة جديدة فيها، وهي الأمارة بالسوء.
روي عن سيدنا رسول الله (ص):
"من نظر إلى ما في أيدي الناس، طال حزنه ودام أسفه".
وكان مما قاله(ص) عندما نزلت: ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ﴾...قال:
"... ومن رمى ببصره إلى ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه".
7- المبالغة في تأنيق وتنميق بطاقات الدعوة: فكلنا يعلم أن الهدف من البطاقات هو الدعوة للعرس أو التهنئة وموعده ومكانه... فحسب، وليس هو هدف بحد ذاته.
فلماذا لاحظنا في السنوات الأخيرة نوعية خاصة من الورق، ونوعية فاخرة من المغلفات، والخطوط المذهبة، وبعض الإضافات المكلفة... مع أن مصير كل هذا إلى التلف.
فإذا كانت الدعوة الواحدة تكلف كذا، فالمئات منها تساوي كذا... وكلها للرمي.
8- مجالس اللهو والغفلة: بعض الأعراس تتحول إلى مجالس لهو وعبث وغفلة... مع أننا أمرنا بذكر الله عز وجل حتى لو نزلنا إلى السوق أو دخلنا الحمام أو نظرنا إلى القمر أو تناولنا الثمر أو إذا نزل المطر...
فما بالنا نبدأ أعراسنا بالغفلة واللهو؟!
ورد عن علي أمير المؤمنين (ع):
" لا يفلح من وله باللعب، واستهتر باللهو والطرب".
وعنه (ع): " مجالس اللهو تفسد الإيمان".
وعنه (ع): " لا تغرنك العاجلة بزور الملاهي، فإن اللهو ينقطع ويلزمك ما اكتسبته من المآثم".
9- الانكشاف أمام من تصف الحال للرجال: على العروس الحرص أن لا تظهر منكشفة بطريقة مبتذلة أو تقلد الفاجرات والساقطات، وذلك في مجالس النساء.
والإسلام أكد على عدم جواز انكشاف المرأة بين يدي اليهودية والنصرانية، فعاداتنا وحدودنا وتربيتنا ومفاهيمنا تختلف عما عندهم.
وفي الحديث: "لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية، فإنهن يصفن لأزواجهن".
تبصرة: من رحمة الله سبحانه وتعالى على النساء أن اختصهن بأحكام، تدل في مجملها على العناية بهن، وصونهن، والمحافظة عليهم.
ويا ليت نبادل ذلك بالشكر، والرضا، والتسليم.
فالله سبحانه رأف بهن، وأسقط عنهن الجمعة والجماعة واتباع الجنازة، والهرولة بين الصفا والمروة، واستلام الحجر، والحلق ورفع الصوت بالتلبية... وأموراً كثيرة غيرها.
فإذا كان الإسلام تعامل كذلك مع الشرعيات، فكيف تتعامل نساؤنا اليوم مع الاجتماعيات والكماليات؟!
مستحبات في الأعراس تركت أو هجرت!
1-إطعام الطعام: ليوم أو يومين فقط.
حيث روي عن رسول الله (ص):
" إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج".
وقد أطعم (ص) الناس حين تزوج ميمونة بنت الحارث.
وفي النص عنه(ص): " الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، وما زاد رياء وسمعة".
2- إلقاء خطبة: وذلك قبل عقد الزواج، وعلى الملأ، يبين فيها فوائد وفضائل وبركات الزواج وتحصين النفس( تقدم اقتراح بعض المواضيع المناسبة في الفقرة الثانية من النموذج المقترح للعرس الشرعي).
والخطبة تشمل: حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على محمد وآل محمد، والوصية بتقوى الله سبحانه، ثم التطرق إلى الموضوع الذي يناسب ما نحن فيه، ثم إن فلان بن فلان ذكر فلانة بنت فلان....
3- الإشهاد والإعلان: أي أن يكون الزواج علناً وأن يشهد عليه جمع من الناس، وذلك كبينة للنسب والمواريث.
4- استحباب التكبير وركوب العروس: أما التكبير فهو ما فعله جبرائيل (ع) عندما زفت فاطمة بنت محمد على زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)... فكبر جبرائيل، وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة وكبر محمد (ص)، فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة.
أما الركوب على الفرس مثلاً، فكما فعل رسول الله (ص) في ليلة زفاف فاطمة (ع)، حيث أتى بالبغلة الشهباء، وقال لها: اركبي، وأمر سلمان أن يقودها.
و هذه الحالة هي من مستثنيات كراهة ركوب النساء على السروج.
5-الزواج في الليل: لأن الله سبحانه جعله سكناً، والنساء إنما هي سكن.
6-تخفيف مصاريف الزواج وتقليل المهر: فمن بركة المرأة خفة مؤنتها وقلة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها.
7- صلاة ركعتين ودعاء: وذلك في موضعين:
أ- إذا أراد التزويج، يصلي ركعتين ويحمد الله تعالى ويقول:
" اللهم إني أريد أن أتزوج، اللهم فاقدر لي من النساء أعفهن فرجاً واحفظهن لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهن بركة، واقدر لي منها ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي".
( أعد قراءة الدعاء، ولاحظ هم المسلم وما يريده من زواجه، وكيف يجب أن يكون، وماذا يتمنى... وما هو واقعنا اليوم، وما هي تمنياتنا!).
ب- إذا دخلت عليه في ليلة الزفاف، يقول:
" اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئاً، فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان".
وأن يذكر الله عز وجل إذا دنا من امرأته.
8- التهنئة بالزواج: بأن يدعو ويتمنى للعروسين " الخير والبركة" وليس الرفاه والبنين.
والفرق واضح بين الحالتين.
9- خلع خف العروس، وغسل رجليها: وهذا الفعل، على تفصيله، هو من المستحبات المذكورة في شأن آداب الأعراس، ونحرص عليه إن شاء الله، ونوصي به، قربة إلى الله تعالى، وإن لم ندرك تمام أسراره وأسبابه...
لكن، نسلم تسليماً.
والمستحب هو، خلع خف العروس حين تجلس، وغسل رجليها، وصب الماء من باب الدار إلى أقصاها.
ومن فوائد ذلك، إخراج ألوان الفقر من الدار، ودخول ألوان كثيرة من البركة، ونزول ألوان من الرحمة ترفرف على رأس العروس حتى تنال بركتها كل زاوية في البيت، وتأمن العروس من أمراض عديدة.
ملحق في أحكام العقيقة
عندما تحدثت مرة في الإذاعة عن العقيقة وأحكامها، فوجئنا بكثرة الاستفسارات أثناء البرنامج وبعده بأيام كثيرة كلها تسأل عن هذه السنة المباركة.
واستمرت هذه المفاجأة في مناسبات مختلفة، حيث كلما فتح الحديث عن العقيقة وأهميتها سأل الأكثرون عنها وعن ضرورتها وآثارها وتفاصيلها، فآليت على نفسي أن لا يصدر هذا الكتيب إلا وفيه ما تيسر من أهم أحكام العقيقة.
1- هي من المستحبات الأكيدة ( وأوجبها بعض العلماء مع الاستطاعة) إذا رزق أحدنا بمولود، ذكر أو أنثى، فيعق عن الذكر ذكراً وعن الأنثى أنثى ( ويجوز خلاف ذلك).
سمع مولانا الصادق(ع) يقول:" كل امرء مرتهن يوم القيامة بعقيقته".
2- إذا لم يعق عنه حتى أصبح بالغاً عق عن نفسه، حتى لو أصبح شاباً أو كهلاً أو بلغ من الكبر عتياً.
في الحديث المعتبر عن عمر بن يزيد أنه قال للإمام الصادق(ع): إني والله ما أدري كان أبي عق عني أم لا، فأمره (ع) بالعقيقة، فعق عن نفسه وهو شيخ.
3- لو لم يعق عن نفسه في حياته يستحب أن يعق عنه بعد موته.
4- يمكن أن تكون العقيقة في الأيام الأول بعد الولادة، أو بعد أسابيع أو أشهر.
لكن، المستحب أن تكون يوم السابع من حين ولادته.
( حيث يسمى أيضاً، ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه فضة).
5- يمكن أن تكون غنماً (على أنواعه) أو بقراً أو إبلاً.
6- لا يكفي التصدق بثمنها أو دفع القيمة في وجوه الخير.
قيل لمولانا الصادق (ع) : قد طلبنا شاة نعقها، فلم نجد، فما تقول؟ أنتصدق بثمنه؟
قال (ع):" اطلبوه حتى تجدوه، إن الله يحب إطعام الطعام وإهراق الدم".
7- يمكن إعطاء قيمتها لشخص وتوكيله مثلاً بأن يقوم بها.
8- يستحب أن تجتمع فيها شروط الأضحية الواجبة على الحجيج في منى يوم الأضحى المبارك، بأن تكون سليمة من العيوب.... كالعمى والعرج والهزال... وإن كان كل ذلك جائزاً.
9- يستحب أن تعطى القابلة ( الداية) الرجل والورك، وإن زادت حصتها إلى الربع كان أفضل.
ومع عدم وجود القابلة تتصدق الأم بهذه الحصة.
10- يمكن أن تفرق العقيقة لحماً نيئاً، أو مطبوخاً، ويمكن أن تطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين، أقلهم عشرة، وكلما زاد كان أفضل. يجتمعون، ويأكلون، ويدعون للمولود الجديد.
11- في الأحاديث الشريفة، أن كل مولود مرتهن بالعقيقة، أي إن لم يعق عنه، تعرض لأنواع البلاء والموت.
12- سئل الصادق (ع): هل يعق للمولود إذا مات في اليوم السابع، فأجاب:
" إن مات قبل الظهر، فليس عنه عقيقة، وإن مات بعده فليعق عنه".
13- لا يأكل الوالدان من العقيقة ( وليس ذلك بمحرم عليهما).
14- عند ذبح العقيقة يقول:
" بسم الله، اللهم عقيقة عن فلان ( ويسمي المولود)، لحمها بلحمه، ودمها بدمه، وعظمها بعظمه، اللهم اجعلها وقاء لآل محمد عليه وآله السلام".
أو تقول:
" يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، بسم الله وبالله والله أكبر، اللهم صل على محمد وآل محمد، وتقبل من فلان بن فلان ( ويسمي المولود)، ثم يذبح.
أو تقول:
" اللهم منك ولك ما وهبت، وأنت أعطيت، اللهم فتقبله منا على سنة نبيك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" ثم تذبح.
وتقول:
" لك سفكت الدماء لا شريك لك، والحمد لله رب العالمين، اللهم أخسئ عنا الشيطان الرجيم".