السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إن المشاهد في تاريخ العلم أن الصدر الأول من علماء العصر العباسي، كانوا ينظرون إلى الدرجة العلمية والخُلقية حين يأخذون الرواية عن قائلها، دون نظر إلى غيرها، فالدرجة العلمية إذا كانت وافية تشهد بجدارة صاحبها، وتفوقه العلمي فهي من هذه الناحية المرجّح الأول في القبول، والدرجة الثانية التي لا يتم الترجيح بدونها هي الدرجة الخُلُقية إذ لا دين لمن لا أمانة له، بل إن الأمانة تكونُ موضع احترام من لم يتأهل للعلم، فحسبه أنه رضيّ الخلق حميد السيرة، ولا يكون العالم المحيط جديراً بالاحترام إذا تخلّى عن الأمانة العلمية في شيء، وكُتُب التاريخ التي دُوّنت في هذا العصر تحفل بآراء العلماء من كل بلد دون تفريق بين عربي وغير عربي، ولا أقف عندها لأن التاريخ بالغاً ما بلغ، لا يبلغ درجة رواية الحديث الشريف، إذ وضعت له من الضوابط والقيود ما يحترز به من الخطا، وقد كان رواة الحديث الكبار أمثال أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم، لا يذهبون في الشك مذهب من يبحث عن أصل الراوي ومنبعه بل مذهب عدالته وتوقه بما يرويه، فقد كان عدي بن ثابت بن قيس عالم الشيعة وقاضيهم وإمام مسجدهم، وقد وثقه الدارقطني وأحمد بن حنبل والنسائي وقال أبو حاتم الرازي عنه إنه صادق صدوق، وكذلك كان منصور بن أبي الأسود الليثي الكوفي الخيّاط من أئمة الحديث، وروى المحدثون أحاديثه لصدقه وعدالته وهو شيعي أمين، بل كان الإمام أبو الحسن علي بن عاصم الواسطي من طبقة شيوخ الإمام أحمد بن حنبل، وكان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثين ألفا فلا يبقى في بغداد عالم ذو مكانة إلا شهد مجلسه، وقد جاء في كتاب الكفاية للخطيب البغدادي أن المعتصم الخليفة العباسي كان يختلف إلى مجلس أبي الحسن علي بن عاصم هذا، فسمعه يروي حديثاً عن عمرو بن عبيد، فقال له: أتروي عن عمرو ابن عبيد وهو قدري، قال: نعم أروي لأنه ثقة! وكان عبيد الله بن موسى العبسي من كباء علماء الشيعة وروى عنه الإمام البخاري ما وراه، وكذلك روى عنه أبو حاتم الرازي، وأبو بكر بن شبه وكثير من الفضلاء! وقد وثق يحيى بن معين كثيراً ممن شاهدهم من أعلام الشيعة وقال عن كل من تحدث عنهم إنه صدوق، فإذا كان أهل السنة يقبلون روايات الخوارج والقدرية لأمانة من قالوها وثقتهم بهم، فهم لروايات علماء الشيعة أسرع، وبهم أوثق، وكان على الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر ألا يبحثوا عن أقاويل ذكرها من لا يؤمنون على العلم، فيفتحون بها باباً للخلاف يسرهم أن تتسع شقته، وقد راج هذا الدجل الكاذب في عصور الضعف العلمي، ولكننا نرجع إلى الحقيقة الآن حين نعتبر الثقافة الإسلامية قاسماً مشتركاً بين جميع المسلمين، وفي مقدمتهم أهل السنة والشيعة دون تميّز.
وإذا كانت كتب التاريخ تجمع الغث والسمين، لأنها تقوم قديماً على الرواية والإسناد، فإنها بما جمعت من الأخطاء كانت إحدى بواعث الضغينة بين الأخيرين المتجاورين، لأن أصحاب الأهواء، جعلوا يلتقطون من روايات المتأخرين، ما يدل الواقع على بطلانه، وفيهم من يجمع هذه الترهات في مؤلف متصل ليُشعل نار الفتنة بين المسلمين، ونحن نعرف أن المؤرخ من تلاميذ الطبري ومن جاء بعده، كان ينقل الروايات الضعيفة مع الروايات الصحيحة، تاركاً التمحيص الدقيق لرجاله، ومن قدم إليهم الوثائق الدالة ليقوموا بالنفي أو الإثبات، فمن الغفلة أن نأتي لرواية كاذبة ذكرها مؤرخ عجول، ونجعلها بمنزلة الصواب، إذ لا بد من الترجيح والتعديل!
المصدر: مجلة الأزهر، رجب 1426هـ، أغسطس 2005م، الجزء (7) السنة (78).
.. تحيا الوحدة الإسلامية ..
وتقبلوا تحيات (زكي مبارك) ...
أعلام السنة أخذوا عن الشيعة
إن المشاهد في تاريخ العلم أن الصدر الأول من علماء العصر العباسي، كانوا ينظرون إلى الدرجة العلمية والخُلقية حين يأخذون الرواية عن قائلها، دون نظر إلى غيرها، فالدرجة العلمية إذا كانت وافية تشهد بجدارة صاحبها، وتفوقه العلمي فهي من هذه الناحية المرجّح الأول في القبول، والدرجة الثانية التي لا يتم الترجيح بدونها هي الدرجة الخُلُقية إذ لا دين لمن لا أمانة له، بل إن الأمانة تكونُ موضع احترام من لم يتأهل للعلم، فحسبه أنه رضيّ الخلق حميد السيرة، ولا يكون العالم المحيط جديراً بالاحترام إذا تخلّى عن الأمانة العلمية في شيء، وكُتُب التاريخ التي دُوّنت في هذا العصر تحفل بآراء العلماء من كل بلد دون تفريق بين عربي وغير عربي، ولا أقف عندها لأن التاريخ بالغاً ما بلغ، لا يبلغ درجة رواية الحديث الشريف، إذ وضعت له من الضوابط والقيود ما يحترز به من الخطا، وقد كان رواة الحديث الكبار أمثال أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم، لا يذهبون في الشك مذهب من يبحث عن أصل الراوي ومنبعه بل مذهب عدالته وتوقه بما يرويه، فقد كان عدي بن ثابت بن قيس عالم الشيعة وقاضيهم وإمام مسجدهم، وقد وثقه الدارقطني وأحمد بن حنبل والنسائي وقال أبو حاتم الرازي عنه إنه صادق صدوق، وكذلك كان منصور بن أبي الأسود الليثي الكوفي الخيّاط من أئمة الحديث، وروى المحدثون أحاديثه لصدقه وعدالته وهو شيعي أمين، بل كان الإمام أبو الحسن علي بن عاصم الواسطي من طبقة شيوخ الإمام أحمد بن حنبل، وكان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثين ألفا فلا يبقى في بغداد عالم ذو مكانة إلا شهد مجلسه، وقد جاء في كتاب الكفاية للخطيب البغدادي أن المعتصم الخليفة العباسي كان يختلف إلى مجلس أبي الحسن علي بن عاصم هذا، فسمعه يروي حديثاً عن عمرو بن عبيد، فقال له: أتروي عن عمرو ابن عبيد وهو قدري، قال: نعم أروي لأنه ثقة! وكان عبيد الله بن موسى العبسي من كباء علماء الشيعة وروى عنه الإمام البخاري ما وراه، وكذلك روى عنه أبو حاتم الرازي، وأبو بكر بن شبه وكثير من الفضلاء! وقد وثق يحيى بن معين كثيراً ممن شاهدهم من أعلام الشيعة وقال عن كل من تحدث عنهم إنه صدوق، فإذا كان أهل السنة يقبلون روايات الخوارج والقدرية لأمانة من قالوها وثقتهم بهم، فهم لروايات علماء الشيعة أسرع، وبهم أوثق، وكان على الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر ألا يبحثوا عن أقاويل ذكرها من لا يؤمنون على العلم، فيفتحون بها باباً للخلاف يسرهم أن تتسع شقته، وقد راج هذا الدجل الكاذب في عصور الضعف العلمي، ولكننا نرجع إلى الحقيقة الآن حين نعتبر الثقافة الإسلامية قاسماً مشتركاً بين جميع المسلمين، وفي مقدمتهم أهل السنة والشيعة دون تميّز.
وإذا كانت كتب التاريخ تجمع الغث والسمين، لأنها تقوم قديماً على الرواية والإسناد، فإنها بما جمعت من الأخطاء كانت إحدى بواعث الضغينة بين الأخيرين المتجاورين، لأن أصحاب الأهواء، جعلوا يلتقطون من روايات المتأخرين، ما يدل الواقع على بطلانه، وفيهم من يجمع هذه الترهات في مؤلف متصل ليُشعل نار الفتنة بين المسلمين، ونحن نعرف أن المؤرخ من تلاميذ الطبري ومن جاء بعده، كان ينقل الروايات الضعيفة مع الروايات الصحيحة، تاركاً التمحيص الدقيق لرجاله، ومن قدم إليهم الوثائق الدالة ليقوموا بالنفي أو الإثبات، فمن الغفلة أن نأتي لرواية كاذبة ذكرها مؤرخ عجول، ونجعلها بمنزلة الصواب، إذ لا بد من الترجيح والتعديل!
المصدر: مجلة الأزهر، رجب 1426هـ، أغسطس 2005م، الجزء (7) السنة (78).
.. تحيا الوحدة الإسلامية ..
وتقبلوا تحيات (زكي مبارك) ...
تعليق