فصل في وفاته عليه السلام
قبض موسى بن جعفر (عليه السلام) مسموماً ببغداد، في حبس السندي بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب(2) سنة 183 هجري ثلاث وثمانين ومئة(3).
روي عن عمر بن واقد، قال : أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل وانا ببغداد يستحضرني فخشيت ان يكون ذلك لسوء يريده بي فاوصيت عيالي بما احتجت اليه وقلت : انا للّه وانا اليه راجعون. ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلاً قال يا ابا حفص لعلنا ارعبناك وافزعناك قلت : نعم. قال : فليس هنا إلا خير، قلت فرسول تبعثه الى منزلي يخبرهم خبري، قال نعم ثم قال يا ابا حفص اتدري لم ارسلت اليك، فقلت : لا، قال : اتعرف
_
_____________________
(2) وقيل في خامسه وقيل في اربع وعشرين منه. اقول يمكن ان يكون لفظة خمس مضين تصحيف خمس بقين.
(3) في تذكرة السبط حمله (عليه السلام) الرشيد معه الى بغداد فحبسه بها سنة سبع وسبعين ومات فأقام في حبسه الى ثمان وثمانين ومئة فتوفي في رجب بها (منه).
169
موسى بن جعفر فقلت اي واللّه اني لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر، فقال : من ها هنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له اقواماً ووقع في نفسي انه (عليه السلام) قد مات، قال فبعث وجاء بهم كما جاء بي، فقال : هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر فسموا له قوماً فجاء بهم فاصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد صحبه، قال : ثم قام فدخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب اسماءنا ومنازلنا واعمالنا وخلانا، ثم دخل الى السندي قال فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي : قم يا ابا حفص فنهضت ونهض اصحابنا ودخلنا، فقال لي يا ابا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً، فبكيت واسترجعت، ثم قال للقوم : انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه، ثم قال : تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر بن محمد، ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه، فقال ففعل، فقال : اترون به اثراً تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئاً ولا نراه الا ميتاً، قال فلا تبرحوا حتى تغسلوه واكفنه وادفنه، قال فلم نبرح حتى غسل وكفّن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك.
اقول : وفي الخبر المروي عن المسيب قال : فواللّه لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه فلا تصل ايديهم اليه ويظنون انهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً ورأيت شخصاً اشبه الاشخاص به يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه فلما فرغ (عليه السلام) من أمره، قال لي ذلك الشخص : يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن فيّ فإنّي امامك ومولاك وحجة اللّه عليك بعد أبي، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم، وهم له منكرون.
قال الراوي : فحمل (عليه السلام) على نعش ونودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه، ثم أتيَ به الى السوق فوضع هناك ثم نودي عليه هذا
170
موسى بن جعفر قد مات حتف انفه، الا فانظروا اليه، فحف به الناس وجعلوا ينظرون اليه، لا اثر به من جراحة ولا خنق(1) وكان في رجله اثر الحناء ثم امروا العلماء والفقهاء ان يكتبوا شهادتهم في ذلك فكتبوا جميعاً الا احمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئاً(2).
وروي ان السوق الذي وضع فيه النعش الشريف سمّي سوق الرياحين وبني على الموضع بناء وجعل عليه باب لئلا يطأه الناس باقدامهم بل يتبركون به وبزيارته.
وقد حكى عن المولى اولياء اللّه صاحب تاريخ مازندران، انه قال في كتابه : اني مررت به مرات عديدة وقبلت الموضع الشريف منه.
قال الشيخ المفيد واخرج فوضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت. انتهى.
_____________________
(1) الخنق كالضرب : الشد على الحلق حتى يموت.
(2) اقول ولعل ذلك لما استفاد منه (عليه السلام) في حياته وشاهد من دلائله وآياته، روى صاحب الدر النظيم عنه قال : دخلت في بعض الأيام على الإِمام موسى بن جعفر (عليه السلام) حتى اقرأ عليه اذا ثعبان قد وضع فمه على اذن موسى بن جعفر (عليه السلام) كالمحدث له فلما فرغ حدثه موسى بن جعفر (عليه السلام) حديثاً لم افهمه ثم انساب الثعبان فقال (عليه السلام) يا احمد هذا رسول من الجن قد اختلفوا في مسألة جاءني يسألني فاخبرته بها باللّه عليك يا احمد لا تخبر بهذا احداً الا بعد موتي فما اخبرت به احداً حتى مات (عليه السلام) (منه)، وفي كتاب التتمة في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) للسيد تاج الدين العاملي ونقله الشيخ الحر العاملي نور اللّه مضجعه في اثبات الهداة ايضاً قال : في تاريخ احوال موسى بن جعفر (عليه السلام) ولما مات امر السندي بوضعه على الجسر واظهر للناس انه مات بقضاء اللّه تعالى فكان الناس ينظرون اليه وليس به جرح، وروي ان بعض المخلصين من الإِمامية جاء حينئذ والناس مجتمعون وهم يقولون مات بغير قتل لهم انا استخبر منه بماذا مات، فقالوا : انه ميت، فكيف يخبرك فدنا منه وقال يا ابن رسول اللّه انت صادق وابوك صادق فاخبرنا مضيت موتاً او قتلاً ؟ فنطق (عليه السلام) وقال قتلاً قتلاً قتلاً، ثم غسل وكفن وكان المتولي لذلك ذلك الرجل وصى اليه ودفن بالزوراء في مقابر قريش من باب التين. قال ابن حجر في الصواعق : في احوال موسى بن جعفر (عليه السلام) وحمله الرشيد معه الى بغداد وحبسه فلم يخرج من حبسه الا ميتاً مقيداً (منه).
171
قال الراوي : فلما اتى به (عليه السلام) مجلس الشرطة اقام اربعة نفر فنادوا الا من أراد أن يرى موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن جعفر من قصره الى الشط فسمع الصياح والضوضاء(1) فقال لولده وغلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر (عليه السلام) على نعش فقال لولده وغلمانه : يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من ايديهم فان مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد، فلما عبروا به نزلوا اليهم فاخذوه من ايديهم وضربوهم وخرقوا ما عليهم من سوادهم ووضعوه في مفرق اربعة طرق واقام المنادون ينادون الا من أراد أن يرى الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر (عليه السلام) فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنازته متسلباً(2) مشقوق الجيب حاسر الرأس الى مقابر قريش في باب التين، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والاشراف من الناس قديماً فدفنه هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب الى سليمان بن ابي جعفر وصلتك رحم يا عم واحسن اللّه جزاءك واللّه ما فعل السندي بن شاهك لعنه اللّه ما فعله عن أمرنا.
__
_____________________
(1) أي الغوغاء.
(2) أي منتزعاً ثوبه.
قبض موسى بن جعفر (عليه السلام) مسموماً ببغداد، في حبس السندي بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب(2) سنة 183 هجري ثلاث وثمانين ومئة(3).
روي عن عمر بن واقد، قال : أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل وانا ببغداد يستحضرني فخشيت ان يكون ذلك لسوء يريده بي فاوصيت عيالي بما احتجت اليه وقلت : انا للّه وانا اليه راجعون. ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلاً قال يا ابا حفص لعلنا ارعبناك وافزعناك قلت : نعم. قال : فليس هنا إلا خير، قلت فرسول تبعثه الى منزلي يخبرهم خبري، قال نعم ثم قال يا ابا حفص اتدري لم ارسلت اليك، فقلت : لا، قال : اتعرف
_
_____________________
(2) وقيل في خامسه وقيل في اربع وعشرين منه. اقول يمكن ان يكون لفظة خمس مضين تصحيف خمس بقين.
(3) في تذكرة السبط حمله (عليه السلام) الرشيد معه الى بغداد فحبسه بها سنة سبع وسبعين ومات فأقام في حبسه الى ثمان وثمانين ومئة فتوفي في رجب بها (منه).
169
موسى بن جعفر فقلت اي واللّه اني لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر، فقال : من ها هنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له اقواماً ووقع في نفسي انه (عليه السلام) قد مات، قال فبعث وجاء بهم كما جاء بي، فقال : هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر فسموا له قوماً فجاء بهم فاصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد صحبه، قال : ثم قام فدخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب اسماءنا ومنازلنا واعمالنا وخلانا، ثم دخل الى السندي قال فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي : قم يا ابا حفص فنهضت ونهض اصحابنا ودخلنا، فقال لي يا ابا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً، فبكيت واسترجعت، ثم قال للقوم : انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه، ثم قال : تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر بن محمد، ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه، فقال ففعل، فقال : اترون به اثراً تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئاً ولا نراه الا ميتاً، قال فلا تبرحوا حتى تغسلوه واكفنه وادفنه، قال فلم نبرح حتى غسل وكفّن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك.
اقول : وفي الخبر المروي عن المسيب قال : فواللّه لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه فلا تصل ايديهم اليه ويظنون انهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً ورأيت شخصاً اشبه الاشخاص به يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه فلما فرغ (عليه السلام) من أمره، قال لي ذلك الشخص : يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن فيّ فإنّي امامك ومولاك وحجة اللّه عليك بعد أبي، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم، وهم له منكرون.
قال الراوي : فحمل (عليه السلام) على نعش ونودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه، ثم أتيَ به الى السوق فوضع هناك ثم نودي عليه هذا
170
موسى بن جعفر قد مات حتف انفه، الا فانظروا اليه، فحف به الناس وجعلوا ينظرون اليه، لا اثر به من جراحة ولا خنق(1) وكان في رجله اثر الحناء ثم امروا العلماء والفقهاء ان يكتبوا شهادتهم في ذلك فكتبوا جميعاً الا احمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئاً(2).
وروي ان السوق الذي وضع فيه النعش الشريف سمّي سوق الرياحين وبني على الموضع بناء وجعل عليه باب لئلا يطأه الناس باقدامهم بل يتبركون به وبزيارته.
وقد حكى عن المولى اولياء اللّه صاحب تاريخ مازندران، انه قال في كتابه : اني مررت به مرات عديدة وقبلت الموضع الشريف منه.
قال الشيخ المفيد واخرج فوضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت. انتهى.
_____________________
(1) الخنق كالضرب : الشد على الحلق حتى يموت.
(2) اقول ولعل ذلك لما استفاد منه (عليه السلام) في حياته وشاهد من دلائله وآياته، روى صاحب الدر النظيم عنه قال : دخلت في بعض الأيام على الإِمام موسى بن جعفر (عليه السلام) حتى اقرأ عليه اذا ثعبان قد وضع فمه على اذن موسى بن جعفر (عليه السلام) كالمحدث له فلما فرغ حدثه موسى بن جعفر (عليه السلام) حديثاً لم افهمه ثم انساب الثعبان فقال (عليه السلام) يا احمد هذا رسول من الجن قد اختلفوا في مسألة جاءني يسألني فاخبرته بها باللّه عليك يا احمد لا تخبر بهذا احداً الا بعد موتي فما اخبرت به احداً حتى مات (عليه السلام) (منه)، وفي كتاب التتمة في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) للسيد تاج الدين العاملي ونقله الشيخ الحر العاملي نور اللّه مضجعه في اثبات الهداة ايضاً قال : في تاريخ احوال موسى بن جعفر (عليه السلام) ولما مات امر السندي بوضعه على الجسر واظهر للناس انه مات بقضاء اللّه تعالى فكان الناس ينظرون اليه وليس به جرح، وروي ان بعض المخلصين من الإِمامية جاء حينئذ والناس مجتمعون وهم يقولون مات بغير قتل لهم انا استخبر منه بماذا مات، فقالوا : انه ميت، فكيف يخبرك فدنا منه وقال يا ابن رسول اللّه انت صادق وابوك صادق فاخبرنا مضيت موتاً او قتلاً ؟ فنطق (عليه السلام) وقال قتلاً قتلاً قتلاً، ثم غسل وكفن وكان المتولي لذلك ذلك الرجل وصى اليه ودفن بالزوراء في مقابر قريش من باب التين. قال ابن حجر في الصواعق : في احوال موسى بن جعفر (عليه السلام) وحمله الرشيد معه الى بغداد وحبسه فلم يخرج من حبسه الا ميتاً مقيداً (منه).
171
قال الراوي : فلما اتى به (عليه السلام) مجلس الشرطة اقام اربعة نفر فنادوا الا من أراد أن يرى موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن جعفر من قصره الى الشط فسمع الصياح والضوضاء(1) فقال لولده وغلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر (عليه السلام) على نعش فقال لولده وغلمانه : يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من ايديهم فان مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد، فلما عبروا به نزلوا اليهم فاخذوه من ايديهم وضربوهم وخرقوا ما عليهم من سوادهم ووضعوه في مفرق اربعة طرق واقام المنادون ينادون الا من أراد أن يرى الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر (عليه السلام) فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنازته متسلباً(2) مشقوق الجيب حاسر الرأس الى مقابر قريش في باب التين، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والاشراف من الناس قديماً فدفنه هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب الى سليمان بن ابي جعفر وصلتك رحم يا عم واحسن اللّه جزاءك واللّه ما فعل السندي بن شاهك لعنه اللّه ما فعله عن أمرنا.
__
_____________________
(1) أي الغوغاء.
(2) أي منتزعاً ثوبه.
تعليق