إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

موقف عائشة ضد الأمام علي (ع)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موقف عائشة ضد الأمام علي (ع)

    موقف عائشة ضد علي أمير المؤمنين

    والباحث في موقفها تجاه أبي الحسن يجد أمراً عجيباً وغريباً. ولا يجد له تفسيراً إلاّ الغيرة والعداء لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وقد سجّل لها التاريخ كرهاً وبغضاً للإمام علي لم يعرف له مثيل وصل بها إلى حدّ أنّها لا تطيق ذكر إسمه (34) ولا تطيق رؤيته وعندما تسمع بأنّ الناس قد بايعوه بالخلافة بعد قتل عثمان، تقول: وددت لو أنّ السّماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب. وتعمل كل جهودها للإطاحة به وتقود ضدّه عسكراً جرّاراً لمحاربته، وعندما يأتيها خبر موته تسجد شكراً لله.

    ألا تعجبون معي لأهل السنّة والجماعة الذين يروون في صحاحهم بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «يا علي لا يُحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق» (35)، ثم يروون في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم بأن عائشة تبغض الإمام علي ولا تطيق ذكر اسمه، أليس ذلك شهادة منهم على ماهية المرأة؟ كما يروي البخاري في صحيحه أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله (36). ثم يروي البخاري نفسه بأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر فلم تكلّمه حتى ماتت (37) ـ أليس ذلك شهادة منهم بأنّ الله ورسوله غاضبان على أبي بكر؟ فهذا ما يفهمه كلّ العقلاء، ولذلك أقول دائماً بأنّ الحق لا بدّ أن يظهر مهما ستره المُبطلون ومهما حاول أنصار الأمويين التمويه والتلفيق فإنّ حجة الله قائمة على عباده من يوم نزول القرآن إلى قيام الساعة والحمد لله رب العالمين.

    حدّث الإمام أحمد بن حنبل أنّ أبا بكر جاء مرّة واستأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبل الدّخول سمع صوت عائشة عالياً وهي تقول للنبي (صلى الله عليه وآله): «والله لقد عرفتُ أنّ علياً أحبّ إليك منّي ومن أبي تعيدها مرتين أو ثلاثاً…» الحديث (38).

    وبلغ من أمر عائشة وبغضها للإمام علي، أنّها كانت تحاول دائماً إبعاده عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما استطاعت لذلك سبيلاً.

    قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج. أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) استدني عليّاً فجاء حتّى قعد بينه وبينها وهما متلاصقان، فقالت له: أما وجدت مقعداً لكذا إلاّ فخذي.

    وروي أيضاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساير يوماً الإمام علي وأطال مناجاته، فجاءت عائشة وهي سائرة خلفهما حتى دخلت بينهما، وقالت لهما: فيم أنتما فقد أطلتما، فغضب لذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) (39).

    ويروي أيضاً أنها دخلت مرّة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يناجي عليّاً فصرخت وقالت: مالي ولك يا بن أبي طالب؟ إنّ لي نوبة واحدة من رسول الله ـ فغضب النبي (صلى الله عليه وآله).

    وكم من مرّة أغضبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتصرّفاتها الناتجة عن الغيرة الشديدة وعن حدّة طبعها وكلامها اللاّذع.

    وهل يرضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على مؤمن أو مؤمنة ملأ قلبه كرهاً وبغضاً لابن عمّه وسيد عترته، الذي قال فيه «يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» (40) وقال فيه «من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني» (41).


    وقرن في بيُوتكنّ ولا تبرجن

    أمر الله سبحانه نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بالاستقرار في بيوتهنّ وأن لا يخرجن متبرّجات وأمرهنّ بقراءة القرآن وإقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

    وعمل نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، وكلّهن امتثلن أمر الله وأمر رسوله الذي نهاهنّ هو الآخر (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته وحذّرهن بقوله: أيّتكن تركب الجمل وتنبحها كلاب الحوأب، كلّهن ما عدا عائشة فقد اخترقت كل الأوامر وسخرت من كل التحذيرات ويذكر المؤرخون أنّ حفصة بنت عمر أرادت الخروج معها ولكن أخاها عبد الله حذّرها وقرأ عليها الآية فرجعت عن عزمها، أما عائشة فقد ركبت الجمل ونبحتها كلاب الحوأب يقول طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى: مرّت عائشة في طريقها بماء فنبحتها كلابه وسألت عن هذا الماء فقيل لها إنّه الحوأب، فجزعت جزعاً شديداً وقالت: ردّوني ردّوني، قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول وعنده نساؤه: أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب: وجاء عبد الله بن الزبير فتكلّف تهدئتها وجاءها بخمسين رجلاً من بني عامر يحلفون لها كذباً أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب.

    وأنا أعتقد بأنّ هذه الرّواية وضعت في زمن بني أميّة ليخفّفوا بها عن أم المؤمنين ثقل معصيتها ظنّاً منهم بأنّ أمّ المؤمنين أصبحت معذورة بعد أن خدعها ابن أختها عبد الله بن الزّبير وجاءها بخمسين رجلاً يحلفون بالله ويشهدون شهادة زوراً بأنّ الماء ليس هو ماء الحوأب. إنها سخافة هزيلة يريدون أن يموّهوا بمثل هذه الروايات على بسطاء العقول ويُقنعونهم بأنّ عائشة خدعت لأنها عندما مرّت بالماء وسمعت نباح الكلاب فسألت عن هذا الماء فقيل لها إنّه الحوأب فجزعت وقالت ردّوني ردّوني. فهل لهؤلاء الحمقى الذين وضعوا الرواية أن يلتمسوا لعائشة عذراً في معصيتها لأمر الله وما نزل من القرآن بوجوب الاستقرار في بيتها، أو يلتمسوا لها عذراً في معصيتها لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجوب لزوم الحصير وعدم ركوب الجمل، قبل الوصول إلى نباح الكلاب في ماء الحوأب، وهل يجدون لأم المؤمنين عذراً بعدما رفضت نصيحة أم المؤمنين أمّ سلمة التي ذكرها المؤرخون إذ قالت لها: أتذكرين يوم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟ فقلت: أتيتهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلاّ يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي، فأقبل رسول الله عليَّ وهم محمّر الوجه غضباً فقال: ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من النّاس إلا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمةً ساخطة، فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك. قالت: وأذكّرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله، فقال لنا: «أيتكنّ صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟» فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك فضرب على ظهرك وقال: «إيّاك أن تكونيها يا حميراء» قالت عائشة أذكر ذلك. فقالت أم سلمة: أتذكرين يوم جاء أبوك ومعه عمر، وقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحدثانه فيما أراد إلى أن قالا: يا رسول الله، إنّا لا ندري أمد ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً فقال لهما: «أما أني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرّق بنو إسرائيل عن هارون»، فسكتا ثم خرجا، فلما خرجا خرجنا إلى رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منّا: يا رسول الله مَنْ كنت مستخلفاً عليهم؟ فقال: خاصف النّعل، فنزلنا فرأيناه عليّاً. فقلتِ يا رسول الله ما أرى إلاّ علياً. فقال: هو ذاك.

    قالت عائشة: نعم أذكر ذلك، فقالت لها أم سلمة: فأي خروج تخرجين بعد هذا يا عائشة. فقالت: إنّما أخرج للإصلاح بين الناس (42) فنهتها أمّ سلمة عن الخروج بكلام شديد وقالت لها: إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال، ولا يَرْأبُ بهن إن صُدِعَ، حماديات النساء غض الأطراف، وخفر الأعراض، ما كنت قائلة لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عارضك في بعض هذه الفلوات، ناصّة قلوصا من منهل إلى آخر؟ والله لو سرت سيرك هذا ثم قيل لي أدخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمّداً هاتكةً حجاباً ضربه عليّ (43)…

    كما لم تقبل أمّ المؤمنين عائشة نصائح كثير من الصحابة المخلصين روى الطبري في تاريخ أن جارية بن قدامة السعدي قال لها: يا أمّ المؤمنين والله قتل عثمان ن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسّلاح، إنّه قد كان لك من الله سترٌ وحرمة فهتكت سِتْرَكِ وأبحت حرمتك، إنه من يرى قتالك فإنه يرى قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالنّاس (44).


    أم المؤمنين هي القائدة

    ذكر المؤرخون بأنها كانت هي القائدة العامة وهي التي تولّي وتعزل وتصدر الأوامر حتى أن طلحة والزبير اختلفا في إمامة الصلاة وأراد كلّ منهما أن يصلّي بالنّاس، فتدخّلت عائشة وعزلتهما معاً وأمّرت عبد الله بن الزبير ابن أختها أن يصلّي هو بالنّاس. وهي التي كانت ترسل الرّسل بكتبها التي بعثتها في كثير من البلدان تستنصرهم على علي بن أبي طالب وتثير فيهم حميّة الجاهلية.

    حتّى عبّأتْ عشرين ألفاً أو أكثر من أوباش العرب وأهل الأطماع لقتال أمير المؤمنين والإطاحة به. وأثارتها فتنة عمياء قتل فيها خلق كثير باسم الدّفاع عن أمّ المؤمنين ونصرتها ويقول المؤرّخون أن أصحاب عائشة لمّا غدروا بعثمان بن حنيف والي البصرة وأسروه هو وسبعين من أصحابه الذين كانوا يحرسون بيت المال جاؤوا بهم إلى عائشة فأمرت بقتلهم فذبحوهم كما يذبح الغنم. وقيل كانوا أربعمائة رجل يقال أنهم أول قوم من المسلمين ضربت أعناقهم صبراً (45).

    روى الشعبي عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: لمّا قدم طلحة والزبير البصرة، تقلدت سيفي وأنا أريد نصرهما، فدخلت على عائشة فإذا هي تأمر وتنهي وإذا الأمر أمرها، فتذكرت حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كنت سمعته يقول: «لن يفلح قوم تدبّر أمرهم امرأة» فانصرفت عنهم وأعتزلتهم.

    كما أخرج البخاري عن أبي بكرة قوله: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لمّا بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) أنّ فارساً ملّكوا ابنة كسرى قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» (46).

    ومن المواقف المُضحكة والمبكية في آنٍ واحدٍ أنّ عائشة أمّ المؤمنين تخرج من بيتها عاصية لله ولرسوله ثم تأمر الصّحابة بالاستقرار في بيوتهم، إنه حقّاً أمرٌ عجيب!!

    فكيف وقع ذلك يا ترى؟

    روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج وغيره من المؤرّخين أنّ عائشة كتبت ـ وهي في البصرة ـ إلى زيد بن صوحان العبدي رسالة تقول له فيها: من عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق، زوجة رسول الله، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أمّا بعد فأقم في بيتك وخذّل الناس عن أبن أبي طالب، وليبلغني عنك ما أحبّ إنك أوثق أهلي عندي والسّلام.

    فأجابها هذا الرجل الصالح بما يلي: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر، أما بعد فإنّ الله أمركِ بأمر، وأمرنا بأمرٍ، أمرك أن تقرّي في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به، فأكون قد صنعت ما أمرك الله به، وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك لا جواب له.

    وبهذا يتبيّن لنا بأن عائشة لم تكتف بقيادة جيش الجمل فقط وإنّما طمحت في إمرة المؤمنين كافة في كل بقاع الأرض ولكلّ ذلك كانت هي التي تحكم طلحة والزبير اللذين كانا قد رشّحهما عمر للخلافة، ولكل ذلك أباحات لنفسها أن تراسل رؤساء القبائل والولاة وتطمعهم وتستنصرهم.

    ولكلّ ذلك بلغت تلك المرتبة وتلك الشّهرة عند بني أمية فأصبحت هي المنظور إليها والمُهابة لديهم جميعاً والتي يُخشى سطوتها ومعارضتها فإذا كان الأبطال والمشاهير من الشجعان يتخاذلون ويهربون من الصفِّ إزاء علي بن أبي طالب ولا يقفون أمامه فإنها وقفت وألّبتْ واستصرخت واستفزّت.

    ومن أجل هذا حيرت العقول وأدهشت المؤرّخين الذين عرفوا مواقفها في حرب الجمل الصغرى قبل قدوم الإمام علي وفي حرب الجمل الكبرى بعد مجيء الإمام علي ودعوتها لكتاب الله فأبت وأصرّت على الحرب في عنادٍ لا يمكن تفسيره إلا إذا عرفنا عمق وشدة الغيرة والبغضاء التي تحملها أمّ المؤمنين لأبنائها المخلصين لله ورسوله (صلى الله عليه وآله).


    تحذير النّبي (صلى الله عليه وآله) من عائشة وفتنتها

    لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدرك عمق وخطورة المؤامرة التي تدار حوله من جميع جوانبها، ولا شكّ بأنّه عرف ما للنساء من تأثير وفتنة على الرّجال، كما أدرك بأنّ كيدهن عظيم تكاد تزول منه الجبال، وعرف بالخصوص بأن زوجته عائشة هي المؤهلة لذلك الدور الخطير لما تحمله في نفسها من غيرة وبغض لخليفته علي خاصة، ولأهل بيته عامّة، كيف وقد عاش بنفسه أدواراً من مواقفها وعداوتها لهم، فكان يغضب حيناً ويتغير وجهه أحياناً، ويحاول إقناعهم في كل مرة بأنّ حبيب علي هو حبيب الله والذي يبغض عليّاً هو منافق يبغضه الله ـ ولكن هيهات لتلك الأحاديث أن تغوص في أعماق تلك النّفوس التي ما عرفتْ الحقّ حقّاً إلاّ لفائدتها وما عرفت الصّواب صواباً إلاّ إذا صدر عنها.

    ولذلك وقف الرسول (صلى الله عليه وآله) لمّا عرف بأنها هي الفتنة التي جعلها الله في هذه الأمة ليبتليها بها كما ابتلى سائر الأمم السّابقة. قال تعالى: «ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون» [سورة العنكبوت: الآية 2].

    وقد حذّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمّته منها في مرّات متعدّدة حتى قام في يوم من الأيام واتّجه إلى بيتها وقال: ههنا الفتنة، ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، وقد أخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي: قال عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ثلاثاً، من حيث يطلع قرن الشيطان (47).

    كما أخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن عكرمة بن عمّار عن سالم عن ابن عمر قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة، فقال: رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان (48).

    ولا عبرة بالزّيادة التي أضافوها بقولهم: يعني المشرق، فهي واضحة الوضع ليخفّفوا بها عن أم المؤمنين ويبعدوا هذه التهمة عنها.

    وقد جاء في صحيح البخاري أيضاً: قال لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، بعث علي عمّار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيّكم (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي (49).

    الله أكبر فهذا الخبر يدلّ أيضاً أنّ طاعتها معصية لله وفي معصيتها هي والوقوف ضدّها طاعةً لله.

    كما نلاحظ أيضاً في هذا الحديث أنّ الروّاة من بني أمية أضافوا عبارة والآخرة، في (أنها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة) ليموّهوا على العامّة بأنّ الله غفر لها كل ذنب اقترفته أدخلها جنّته وزوجها حبيبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ وإلاّ من أين عَلِمَ عمّار بأنّها زوجته في الآخرة؟

    وهذه هي أخر الحيل التي تفطّن لها الوضّاعون من الروّاة في عهد بني أميّة عندما يجدون حديثاً جرى على ألسنة النّاس فلا يمكنهم بعد نكرانه ولا تكذيبه فيعمدون إلى إضافة فقرة إليه أو كلمة أو تغيير بعض ألفاظه ليخفّفوا من حدّته أو يفقدوه المعنى المخصوص له، كما فعلوا ذلك بحديث، أنا مدينة العلم وعلي بابها الذي أضافوا وأبوا بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها.

    وقد لا يخفى ذلك على الباحثين المنصفين فيبطلون تلك الزيادات التي تدلّ في أغلب الأحيان على سخافة عقول الوضّاعين وبُعدهم عن حكمة ونور الأحاديث النبويّة، فيلاحظون أنّ القول بأن أبا بكر أساسها، معناه أنّ علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كله من علم أبي بكر، وهذا كفر. كما أنّ القول بأنّ عمر حيطانها فمعناه بأنّ عمر يمنع الناس من الدخول للمدينة أعني يمنعهم من الوصول للعلم والقول بأن عثمان صفقها، فباطل بالضرورة لأنه ليس هناك مدينة مسقوفة وهو مستحيل. كما يلاحظون هنا بأنّ عماراً يقسم بالله على أنّ عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة، وهو رجماً بالغيب فمن أين لعمّار أن يقسم على شيء يجهله؟ هل عنده آية من كتاب الله، أم هو عهد عهده إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

    فيبقى الحديث الصحيح هو إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، وإنها لزوجة نبيّكم، ولكنّ الله ابتلاكم بها ليعلم إيّاه تطيعون أم هي.

    والحمد لله ربّ العالمين على أن جعل لنا عقولاً نميّز بها الحق من الباطل وأوضح لنا السبيل ثم ابتلانا بأشياء عديدة لتكون علينا حجّةً يوم الحساب.


    خاتمة البحث

    والمهمّ في كل ما مرّ بنا من الأبحاث وإن كانت مختصرة أنّ عائشة بنت أبي بكر أمّ المؤمنين وزوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن معدودة من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، والذين عصمهم الله من كلّ الذّنوب وطهّرهم من كل رجس فأصبحوا بعد ذلك معصومين.

    ويكفي عائشة أنّها قضت آخر أيّام حياتها في بكاء ونحيب وحسرة وندامة، تذكر أعمالها فتفيض عيناها ولعلّ الله سبحانه يغفر لها خطاياها فهو وحده المطّلع على أسرار عباده والذي يعلم صدق نواياها، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السّماء، وليس لنا ولا لأي أحدٍ من النّاس أن يَحكُم بالجنّة أو بالنّار على مخلوقاته فهذا تكلّف وتطفّلٌ على الله، قال تعالى: «لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله على كل شيء قدير» [سورة البقرة: الآية 284].

    وبهذا لا يمكن لنا أن نترضّى عليها ولا أن نلعنها ولكن لنا أن لا نقتدي بها ولا نبارك أعمالها، ونتحدّث بكل ذلك لتوضيح الحقيقة إلى النّاس، عسى أن يهتدوا لطريق الحق.

    قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تكونوا سبّابين ولا لعّانين، ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ في الحجّة.


    والسلام
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X