حوار: المنبر بعد الوائلي نقلة نوعية في الوعي والثقافة وعمق الفكر
* عبد الحسن الامين ونضير الخزرجي
10 / 09 / 2005
السيد مضر الحلو: الجمهور مطالب بنقد الخطيب والحوزة أساس في بناء المنبر الحسيني
حوار : عبد الحسن الامين ، ونضير الخزرجي في محاولة لاستجلاء صورة المنبر الحسيني بعد رحيل عميده الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، توجهت (الكلمة) الي عدد من خطباء المنبر الحسيني تحاورهم في تاريخ المنبر وواقعه ومستقبله، وعدة الخطيب، والمدارس الخطابية ، ومديات انتشاره عبر الأصقاع، والمشاكل التي تعترض المنبر والخطيب على حد سواء، واحتياجات الجيل الشاب الذي نشأ في المهاجر في أوروبا وأميركا وكندا والدول الاسكندنافية واستراليا وغيرها من البلدان غير الناطقة باللغة العربية.فكان لنا هذا اللقاء مع سماحة العلامة السيد مضر الحلو
س : ماهو المستقبل الذي يسير فيه المنبر الحسيني وحسب رآيك مَن من الخطباء شكلوا محطات في المنبر الحسيني؟
ج : لم يبق موضوع المنبر موضوعاً هامشياًُ أو ثانوياً في حياة الاُمة وإنما أصبح للمنبر عموماً والمنبر الحسيني بصورة خاصة تأثير ووظيفة استثنائية في هذه المرحلة من حياة الامة وإذا رجعنا للفترات التاريخية التي تعتبر تحولات في المنبر الحسيني و انعطافات مهمة مر بها لابد أن تسجل أسماء لامعة كانت قد أحدثت هذه التحولات في المنبر . و في العصر الحاضر ومنذ بدايات الثلث الأول من القرن الماضي لابد أن نسجل الشيخ كاظم سبتي الذي أحدث تحولاً هائلاً في المنبر الحسيني حيث استطاع ان يجمع الى حنب براعته في الخطابة اجتهاده في الفقه والاصول وقد ترجم له علماء الرجال في معاجمهم كالشيخ محمد حرز الدين في كتابه الشهير معارف الرجال.
تحول في المنبر الحسيني
وبعده تأتي مرحلة الشيخ الوائلي رحمه الله والذي أحدث تحولاً كبيراً في المنبر الحسيني في مضمونه وشكله، في أدائه وفي عطائه، والتي لا زالت هذه المدرسة سارية الى الآن ولكن أعتقد أنه لابد من تفكير جدي الآن لأن ينتقل المنبر إلى مرحلة جديدة، لأن الخطيب فيما مضى كان هو مصدر المعلومة لندرة وسائل الاتصال والاعلام، وندرة الكتاب، أما الآن ما عاد الخطيب هو المصدر الوحيد للمعلومة، المعلومة الآن تقدم بثمن بسيط تقدم بأحلى وأجمل اسلوب محبذ للنفس ومختصر وتقدم للمتلقي. فما عاد الخطيب هو المصدر الأول، وهذا الأمر يحمّل الخطيب مسؤولية ثقيلة جداً لأن يرتقي بنفسه، وأن يكون عند حسن ظن المتلقي، والمتلقي الأن غير مجبور أن يجلس تحت منبر خطيب حتى يسمع ماذا يقول، فبامكانه أن يحصل على ما يتحدث به الخطيب عن طريق وسائل الاتصال والمعرفة مثل الانترنيت والفضائيات والتي سوّفت المعلومة ووفرتها إلى حد الابتذال.
ولذلك ما عاد الخطيب يشكل حاجة للناس ان بقي على وضعه ولم يطور من مجلسه، من هنا أعتقد أن الخطيب يتحمل مسؤولية ثقيلة في أن يواكب حركة التطور المعرفي، يواكب التيارات الفكرية المعاصرة . لا أتحدث عن لبنات بناء الخطيب فأول وأهم عنصر من مكونات الخطيب هو البناء الحوزوي الفقهي والاُصولي وفروع المعرفة التي تختص بها الدراسة الحوزوية، بالطبع لا أتكلم عن ورع الخطيب ورساليته فهذه من المسلمات.
بالاضافة الي البناء الحوزوي الفقهي والاُصولي التفسيري والحديثي البناء الفكري الحدث، إذ لابد أن يكون ملماً ولو اجمالاً بالتيارات الفكرية التي تتوالد يومياً ليس أقل حتى يكون في صورة واضحة، وقادرا على التعامل مع الجمهور التواق إلى الشيء الجديد.
نحن نلحظ مع شديد الأسف ظاهرة سلبية، وظاهرة أعتقد أنها قد تؤدي إلى أن يتحول المنبر الحسيني إلى شيء أشبه بالفلكور وهي أننا نجد في كثير من الأحيان أن مستوى الخطيب وهذه كارثة.
ان موضوع المنبر، موضوع متشعب، وأعتقد أن المنبر يمر بمرحلة تخلف كبيرة جداً الآن إذا ما أردنا أن نقيسه مع منبر الشيخ الوائلي، لأن منبر الشيخ عندما انطلق في خمسينيات القرن الماضي كان يمثل نقلة في الوعي والثقافة وعمق الفكر، ولذلك كان يستقطب كل طبقات المجتمع وبخاصة المثقفة، لأنه كان يشكل رقماً مهماً وخلق حالة فكرية وتوعوية، ولما حدث الأنفجار المعرفي الهائل بحيث أصبح العالم، كما يعبر البعض عنه قرية، وبعضهم يعبر عن بيت مفتوح على بعضه، كان لابد من إحداث تحول في هذا المنبر، ولكن إذا ظل متمسكاً بالحالة التقليدية أو السابقة سيتأخر عن مواكبة الأحداث والتطورات.
توجد مجموعة عناصر تشترك في عملية تنمية المنبر ورقيه إلى مستوى بحيث يشعر الإنسان المعاصر بأن المنبر يقدم له شيئاً يخدمه، فالمشاكل التي تواجهنا اليوم تختلف عن المشاكل التي كان يواجهها الإنسان قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وجدت الآن مشاكل الارهاب والتيارات العلمانية والليبرالية، وهنا لابد من الإشارة ان بعض الخطباء التقليديين من يتعامل مع هذه التيارات الفكرية بطريقة سلبية، لمجرد أن يقال له ان هذه فكرة علمانية، وهذا الشخص علماني أو ليبرالي، فيشطب عليه بالأحمر، في حين أننا ملزمون بأخذ الحكمة ولو من أفواه المجانين، فليس من الضروري أن كل ما يقوله الليبرالي أو العلماني الفلاني هو أمر سلبي، وعلينا أن نقف منه مباشرة موقف الضد، قد تكون له فكرة مقبولة ولا تتعارض مع الدين والعقل، فلا بأس بالأخذ بها.
·0 عناصر في بناء الخطيب
هناك عوامل عدة تساهم في ترقية المنبر، وتصل به لأن يكون نافعاً ومثمراً ومعطاءاً وهادفا:
.
العنصر الأول: الخطيب، فهو مأمور وعليه أن يعرف بأن الله سيحاسبه وأن يعرف بأن أعمار الناس الذين يجلسون تحت منبره أمانة في رقبته، وأتذكر وصية من أحد أساتذتنا يتغمده الله برحمته كان يقول: إذا جلس مئة شخص تحت المنبر وأنت تقرأ لهم ساعة فأنت تكون حينئذ قد أخذت من أعمارهم مئة ساعة، وهذه المئة ساعة ليست بالأمر الهين.
بالنتيجة سيحاسب الخطيب على أعمار هؤلاء الجالسين تحت منبره، فلابد أن يكون جديا وإلا ما عادت القضية اتزاقا، فباستطاعته أن يرتزق من طريق آخر، وعلى أنه لا توجد منافاة بين أن يحصل علي ثمن جهوده وأتعابه وبين رسالة التبليغ، لا أريد أن أكون مثالياً، ولكن أقول لا ينبغي أن يتحول المنبر إلى وسيلة ارتزاق ويكون الارتزاق هو الهدف ولكن مع شديد الأسف وجدنا طبقة من الخطباء هدفها الأول هو الارتزاق.
وحتى يكون الخطيب بمستوى تأمل الناس، عليه مواكبة حركة التطور الإجتماعي، ومواكبة وسائل المعرفة الحديثة ومتابعة التيارات الفكرية الحديثة. وأن يسنح نفسه بالثقافة المعاصرة. بالاضافة إلى ثقافته الحوزوية الدينية في سبيل أن ينتج ويعطي وأن يكون نافعاً وهادفاً.
العنصر الثاني: أرباب المجالس وأصحاب المراكز والحسينيات والمنتديات إذ تقع عليهم مسؤولية ليست أقل من مسؤولية الخطيب، فبيدهم مهمة اختيار الخطيب. وبالتالي هنا لابد أن نشير إلى السلبيات ونشخصها، ونرى على أي أساس يختار أصحاب المجالس الخطيب. ففي كثير من الأحيان يكون القيم علي المركز أو الحسينية أو المنتدى بمستوى لا يؤهله أن يشخص احتياجات المجتمع والخطيب الملائم له. وهذه كارثة، لقد رأيت أصحاب مجالس كبيرة ومركزية ولها أهميتها لكن القيم عليها لا يحسن قراءة سورة الفاتحة، بل يسأل بعض الأحيان ماذا قال الخطيب، فيقول لم أفهم شيئاً.
إذا اعتبرنا هذا المركز أو الحسينية أو المنتدى كمركز الثقافي يعمل على تثقيف الناس، فكيف يديره إنسان جاهل، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولو أحسنا الظن، فإننا نرى اُناساً عندهم مستوى من الوعي والمعرفة، ولكن ما يؤسف له ان اختيارهم للخطباء لم يقم على أساس الكفاءة وعلى أساس ما يحتاجه المجتمع مرة من المرات استمعت في لندن لأحد الخطباء قدم من احدى الدول الإسلامية فكان يتحدث كما لو انه يتحدث في أحد الأسواق الشعبية، كلام مخجل، فالشاب الجالس والشابة الجالسة في أوروبا عندهم مشاكل بحاجة لمن يعالجها.
ومن الظواهر السلبية أن تحولت المناطق الشيعية والجغرافية الشيعية إلى مافيات، وكل مافيا وكل لوبي سيطر على جزء من هذه المساحة ويخضعها لإرادته ولتصرفاته. أما أن تكون على مزاجه فتقبل وإلاّ ترفض.
ومن تجاربي الشخصية في هذا المجال انني قرأت قبل خمس سنوات في احدى الدول الخليجية ، واستحسن الناس المنبر وأصروا على أن اُقدم إليهم في مجالس لاحقة ووعدتهم خيراً، لكنني فوجئت بالغاء الدعوة والسبب قول القيمين على المجالس وهؤلاء في الأعم الغالب أصحاب مصالح شخصية وخاصة تعمل بما يروق لها. فصاحب المجلس راح يغرر بالجمهور بدلاً من أن يختار الخطيب الناجح.
العنصر الثالث: الجمهور، فهو يتحمل المسؤولية. فعندما يقرأ الخطيب وينزل ويتلقى مجاملات فارغة تغريه، هذا أمر ينبغي الوقوف عنده.
فالجمهور مطالب بأن يرفع من مستوى الخطيب، ويطور من نفسه، وعندما يجد الحضور أن الخطيب غير مناسب عليهم أن يطالبوا القيم والمسؤول بالأحسن، ويطالبوا الخطيب بأن يتحدث عن همومهم ويجد لهم الحلول إن أمكن.
بصراحة، يشعر الخطيب في كثير من الأحيان بحالة كهنوتية مقدسة غربية، يستفيد من سلطة الناس الرافعة أعناقها إليه، ويستفيد من ارتباطه المقدس القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، باعتباره واسطة نقل للنصوص والتراث.
ان ممارسة النقد للخطيب تجعله يخرج من حالة المقدس والكهنوت التي يخيل فيها نفسه بدون وجه حق. فالجمهور لا يتحمل المسؤولية وحده. ولذا أدعو لأن يتغير اسلوبنا في المنبر إذ ما عاد الإنسان مستعداً لأن يجلس نحو ساعة دون أن يستفيد.
أدعو إلي أن يتحول المنبر الى حوار بين الخطيب والجمهور، فيقرأ الخطيب عشرين دقيقة والبقية يتركه للحوار مع الجمهور، فمستوى الخطيب يرقى بالحوار، والجمهور لا يشعر أن وقته ذهب هدراً. فالنتائج الدراسية الناجحة تعلم الطالب وهو في المرحلة الابتدائية وبخاصة في الغرب أن لا يكون متلقياً ومكتسباً فقط، فيعلمونه عن الحوار، وكذلك فإن الشباب هنا تعلم لغة الحوار، وليست لغة التلقي فحسب. أعتقد إذا لم نطور أنفسنا وهو أمر حاصل بالفعل. فإذا مارس الجمهور لغة الحوار فإن الخطيب سيكون حينئذ مسؤولاً عن كل كلام يقوله ويستعد للمواجهة الحوارية.
العنصر الرابع: المرجعية، فهي تتحمل المسؤولية وهي ليست أقل من مسؤولية العناصر الثلاثة، وإن لم تكن أكثر، فهي التي تمثل المسؤولية في دم الخطيب مادياً ومعنوياً كي يستغني عما في أيدي الناس ومن يستغني عما في أيدي الناس لا يجامل ، نحن الخطباء وأنا منهم مع شديد الأسف نجامل وقد نتحدث بامور لا نؤمن بها أصلاً، لأن الناس يطلبونها وصاحب المجلس يطلبها، وأنا مضطر لأن اُجامل حتى تمشي اُموري، ولكن إذا تبنت المرجعية الخطيب فإنه سيكون شجاعاً في طرحه وقوياً غير متردد.
مع شديد الأسف ان حوزة النجف، وهذا فارق لابد أن يسجل بين حوزة النجف وحوزة قم، تعتبر الخطيب أو تنظر إليه نظرة دونية، فيها شيء من الاستهانة بقدراته وطاقاته ، ما ولد ردة فعل سلبية عند الخطباء في حوزة النجف تجاه الحوزة، وتولدت طبقتان في حوزة النجف: طبقة الخطباء، وطبقة الفضلاء والعلماء، وهذه ظاهرة سلبية نرجو من الله أن نستفيد من ا لتحولات التي حصلت في العراق بعد 9 / 3/ 4003 لانهاء هذه الحالة السلبية، فمن المفروض أن العالم والفاضل هو المبلّغ، فإذا انكمش العالم على نفسه وعلى ما عنده من معلومات فإن غير العالم سيرقى المنبر ويقود الاُمة إلى الهاوية.
س: كيف ترى فيها حالة سلبية؟
ج: لأن العالم غير الخطيب والخطيب غير العالم بالنتيجة اُحافظ على سمعتي وتميزي حتى يقال لي أنت عالم وفاضل.
س: يعني لو تقدم في الدراسة وأصبح عالماً وفاضلاً، فهل يمتنع عن ارتقاء أعواد المنابر؟
ج: هذا هو مربط الفرس، نريد أن يصعد العالم المنبر حتى لا يرتقي المنبر من ليس أهلاً له، وحتى لا تتكون طبقة الخطباء، واُخرى طبقة العلماء، نريد أن يكون الخطيب عالماً والعالم خطيباً، فما المانع من أن يكون الخطيب استاذا في الحوزة أو أن يواصل الدراسة الحوزوية والارتقاء العلمي الى جانب صعود المنبر.
س: من الذي يضع هذه الحدود والموانع؟
ج: الحوزة بمرجعياتها وأساتذتها مسؤولة لكي تمنع من هب ودب من صعود المنبر، وأن يكون المنبر مقنناً. وأن لا يصعد المنبر من لا يملك شهادة من حوزة أو مرجعية، أي شهادة كفاءة فمن لا يمتلكها لا يرتقي المنبر. وعلينا أن نأخذ بالخطوة التي خطاها المرجع الراحل السيد حسين البروجردي في قم، وهو ما يميز حوزة قم عن النجف فالاُولى كسرت هذا الحاجز بين الخطباء والعلماء وصار المرجع يقرأ التعزية بنفسه.
وأعتقد أن بداياتها ترجع الى السيد حسين البروجردي ، حسب معلوماتي حيث حرّم على طلبة الحوزة في أيام العطل الدراسية أن يبقوا في قم، كل منهم يذهب الى منطقته للتبليغ، ولذلك صار عندهم طبقة من العلماء والمراجع يقرأون التعزية مثل المرجع جواد ميرزا التبريزي، ففي أيام الوفيات يختم التبريزي درس الخارج بتعزية يقرأها بنفسه، وكذلك الشيخ وحيد الخراساني الذي يعتبر من ألمع أساتذة الحوزة في قم إذ كان يذهب إلى خارج ايران للقراءة مثل الكويت، ولما انشغل بالتدريس اقتصر على أيام الوفيات، وقائد الجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي يقرأ التعزية وأئمة الجمعة في ايران يقرأون التعزية، فلا يتردد من قراءة التعزية وإن كان عالماً أو قائداً سياسياً.
نرجو أن يكسر هذا الحاجز في حوزة النجف، وقد شاهدت في صغري حالة الاثنينية بين الخطباء والفضلاء، يصلون في مدرسة الآخوند، مثل الشيخ الوائلي والشيخ هادي النويني والسيد جواد شبر، والسيد حسين الحلو والسيد عامر الحلو والسيد داخل السيد حسن والسيد ملحم والسيد عبد الكريم أبو شامة والسيد جابر الأغائي، ومجموعة كبيرة من الخطباء دأبوا على الصلاة في مسجد الأخوند يصلون في المسجد ولا يصلون وراء السيد الحكيم، لتولد حساسية، فالعلماء ينظرون الى الخطباء بازدراء، ما خلقت ردة فعل مع أن الكثير من الخطباء هم من العلماء والفضلاء ولو استمروا في الدراسة توصلوا الى مراتب عليا في الاجتهاد والمرجعية، فليس من المفروض أن ينظر إليهم بازدراء.
المرجعية اذن تتحمل قسطاً من المسؤولية وعليها أن تعمل لأزالة هذه النظرة.
·1 دراسات في المنبر
العنصر الخامس : يتحمل الأكاديميون والمثقفون المسؤولية في توفير دراسات محققة وعلمية حول ما يتعلق بقضية الإمام الحسين عليه السلام.
أعتقد أن الخطاب الحسيني منذ البداية ليس خطابا عاديا. فقد أسهم منذ البداية وللآن وتحول الى جزء من شخصية الإنسان الشيعي، وهو يسهم في صياغة الإنسان الشيعي بالنتيجة إذا قام الخطاب على الخرافة والمبالغات سوف يخلق شخصية فضفاضة ومترددة هشة ضعيفة، أو بالعكس إذا قام على دراسة ومنهج سوف يساهم في بناء الشخصية.
·2 صفات شخصية
س: هل هناك صفات شخصية ينبغي على الخطيب توفرها في نفسه؟
ج: نعم، وأول شيء موهبة الخطابة، نرى البعض يتصدى للخطابة وعنده من العلم ما يعطيه للناس ولكنه لا يمتلك موهبة الخطابة ولا قوة البيان.
الأمر الثاني: الصوت، فله تأثير، فحسن الصوت مطلوب بحد ذاته. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن الصوت الحسن زينة القرآن) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً) في بعض الأحيان ترى ان كلمة تخرج من فم قائلها وكأنها موسيقى، ونفس الكلمة تخرج من فم آخر تخرج عادية.
ولشخصية الخطيب وهندامه وشكله ونظافته الأثر الكبير في المنبر الحسيني وعموم الخطابة، فضلاً عن شخصية الخطيب الداخلية من ورعه وصدقه.
س: ما الذي يدفع طالب العلم لأن يصبح خطيباً؟
ج: كتجربة شخصية، الأمر الأول الذي جعلني أتجه إلى الخطابة هو شعوري أن ما ندرسه في الحوزات وما ننقله عليه ديننا لابد أن نوصله الى الناس، لأن الناس بحاجة الى من يوعيها ويوقظها، وبحاجة الى من يسمعها الكلمة الصادقة والكلمة الطيبة، بخاصة ونحن نلاحظ التيارات الفكرية الاُخرى وبعضها معاد للإسلام وبعضها ليس بالضرورة أن يكون معادياً للإسلام، تشتغل على الناس البسطاء.
فأصحاب التيارات الفكرية غير الإسلامية جندوا أنفسهم في العراق للعيش مع سكان القرى والأهوار لكسبهم وضمهم لأحزابهم وبالتالي جندوا الكثير.
أقول: لو كانت عند هؤلاء الناس قليل من الثقافة الدينية لما تمكنت الأحزاب العلمانية من النفوذ إليهم، بخاصة وان بعض سكان الأهوار لم ير في حياته معمماً، والمؤسف أن بعض علماء الدين يأنف من الذهاب الى القرى النائية والأرياف والأهوار ويلاحظ بأنها أقل من شأنه ومكانته العلمية، ويرى أن العمل مع هؤلاء الناس ليس من شأنه إنما هو من شأن الخطباء، والخطيب في الوقت نفسه ربما تأثر بهذه النظرة، ولذلك انقطعت صلة عالم الدين بهؤلاء، فتقبلوا الأفكار غير الإسلامية.
رأيت ان العراق والعالم الإسلامي بصورة عامة بحاجة إلى الكلمة الصادقة عامة بحاجة الى الكلمة الصادقة والطيبة. ورأيت القابلية في نفسي وحسب مشورة بعض أصحاب الشأن، واصلت الدراسة الحوزوية ومارست الخطابة.
س: هل مارست الخطابة لأنك من عائلة اشتهرت بالخطابة؟
ج: لا ، أبداً، كنت مستمراً في دراستي الحوزوية وبتفوق، ورحم الله الشهيد السعيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم الذي قدم لي جائزة التفوق في السنة الرابعة في مدرسة الإمام الهادي في قم، وكنت الأول في المرحلة الثامنة في الامتحانات العامة العربية في حوزة قم، وتحصيلي الحوزوي جيد جداً، وكنت اُواصل الدراسة حتى خروجي من قم ومجيئي الى لندن.
أن تكون خطيباً ودارساً، فالنظرة تختلف في الحوزة، فالخطيب يأتي في المرتبة الثانية، بل أكثر من هذا، إذا كنت تريد أن تتصدى للتدريس وعندك القابلية، لا يفسح لك المجال، وأكثر من هذا، بعض المدارس العراقية الحوزوية المهمة والعربية بصورة عامة، تبقى بعض الصفوف منها شاغرة لغياب الاُستاذ وإذا طرحت نفسك للتدريس لا تقبل لأنك خطيب هذه الظاهرة سلبية إذا لم يتم القضاء عليها تبقى المشكلة قائمة.
·3 في الطريق الى المنبر
س: إذا فرضنا ان أحدهم اتجه نحو الخطابة، فما هي الاُمور التي ينبغي أن يحضر نفسه لها؟
ج: أول شيء أن يكون عنده بناء حوزوي، فقيل أن يفكر بأن يكون خطيباً، عليه أن يدرس الحوزة.
س: وإلى أي مرحلة من مراحل الدراسة؟
ج: نعم هذه العلوم من حديث وعلوم قرآن وفلسفة وكلام، مغيبة ولا تعتبر دروساً أساسية في الحوزة، ولكن الدارس الحوزوي على صنفين، جاد وغير جاد، ويبقى على طالب الحوزة أن يبحث عن هذه العلوم ويدرسها.
س: نستطيع القول ان هناك دروساً موازية إلى جنب الاُصول والفقه؟
ج: نعم هناك دروس متفرقة، وعلى فكرة لم يفسح للسيد محمد حسين الطبطبائي أن يصبح مرجعاً لأنه كان ودرس التفسير الخاص به. نعم الآن يوجد مدرسون لهذه العلوم، مثل السيد كمال الحيدري، وهناك مجموعة دروس اُدخلت في امتحانات الحوزة في قم مثل التفسير وعلم الرجال.
فالاستزادة من هذه العلوم تعتمد على الخطيب نفسه، فإذا اختار الطالب أن يصبح خطيباً فهو ملزم بالاستفادة منها، على أن البناء الحوزوي مهم للغاية لأنه يفتح آفاقاً للخطيب وفي كيفية التعامل مع النصوص.
بعض الخطباء عندما يكون بناؤه الحوزوي ضعيفاً أو لا يملك بناء، ويعتمد على ثقافته العامة، يتخبط في الروايات وتقييمه للأحاديث.
الدراسة الحوزوية تعطيه منهجاً في كفية التعامل مع الأحاديث والروايات والنصوص وإن كان يرويها الكافي في اُصوله أو المجلسي في بحاره.
س: قلت ان هناك فصلاً بين الخطيب وعالم الدين، وقد اعتبرتها ظاهرة سلبية، ولكن نحن أمام حالة أما أن نماسس الخطابة ونجعلها مدرسة، في فترة معينة تكون مشتركة بين الخطابة والدراسة الحوزوية، فأين ترى المرحلة المشتركة ينبغي أن تبدأ، وأين تتوقف؟
ج: الدارس الحوزوي يكون مثله مثل الدارس الاكاديمي، يدرس مشواراً الى مرحلة الخارج، سنتين من درس الخارج، وبعد ذلك كل طالب يرى اختصاصه، فالخطيب يرى في نفسه موهبة الخطابة يتوجه هذا التوجه، والذي يرى في نفسه الاستعداد لمواصلة الدرس يواصل ولكن ليس لثلاثين عاماً يبقى في بحث خارج، لا وإنما يرى أنه بعد خمس سنوات من دراسة بحث الخارج تؤهله مثلاً لأن يكون مجتهداً. فيستمر في درسه. ومن يرى في نفسه إمكانية الدراسة والقلم، يصير كاتباً. ولكن أن يأتي ويحضر بحث خارج لثلاثين أو أربعين عاماً وبالتالي لا يصبح شيئاً فهذا أمر لابد من النظر فيه، وصدقني أن ثمانين بالمئة من دارسي بحث الخارج لا يؤدون دورهم الطبيعي في المجتمع، وللشيخ مرتضى مطهري عبارة يقول فيها: نضطر أن نسقي ألف بستان من أجل وردة واحدة، حيث تصرف الحوزة أموالاً طائلة من أجل أن يخرج مجتهداً واحداً، لأن يذهب طالب العلم ليبلغ في منطقة، أو يصير إماماً في منطقة، أو كاتباً، أو تاجراً، خير له من أن يقضي عمره في الدراسة فحسب ومع الأسف بعضهم في السبعين والثمانين وهو في طور الدراسة.
س: لماذا يتجه البعض هذا الاتجاه؟
ج: اتكال وتكاسل، ويرى من جانب آخر انه له سلطة على المجتمع فهو يتصدر أي مجلس يدخله بوصفه عالم دين، وهو يشعر كحاكم في المجتمع.
س: حتى الذين لم تظهر عليهم علامات الإجتهاد؟
ج: نعم يمارس السلطة نفسها.
·4
نقابة للخطباء
س: فهمت من كلامك كان الخطباء بحاجة إلى نقابة تنظم عملهم وتوفر لهم عناء المستقبل والخطيب كأي إنسان يهرم ويشيخ ويفتقد للقوة وللصوت وللصحة؟
ج: السؤال مهم للغاية، بعض الخطباء هرم ولكنه في الوقت نفسه يمارس الخطابة قسراً حتى يعيش، ويموت بعضهم ويسقط من على المنبر، وبعضهم من مشاهير الخطباء تسوء حالته الصحية ويقع في البيت في خانة النسيان ويتصدّق عليه الناس!
فمن الذي يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ أعتقد ان الذي يتحمل المسؤولية ليس انشاء نقابة، إنما الحوزة العلمية لأن الخطيب هو ابن الحوزة، ففي حين يصرف على طالب العلم وطبقة الفضلاء ما داموا على قيد الحياة لماذا لا ينسحب الأمر نفسه على الخطباء؟
فلماذا لا تتبنى المرجعية الخطيب، ليس أقل من أن تعتبر ما تصرف له في عجزه بمثابة تقاعداً له.
لا أدعو إلى نقابة ولا إلى مؤسسة تهتم بالخطيب وإنما هذا من مسؤولية الحوزة العلمية لأن الإمكانات عندها والمشروعية تعطيها، والخطيب هو ابن الحوزة، فالحوزة مثلما تتبنى غيره تتبنى الخطيب.
·5
مدارس الخطابة
س: تقسم المدارس الفقهية إلى مدرسة حلية وكربلائية ونجفية وقمية، ومن قبل كانت تقسم المدارس إلى مدرسة الشام ومدرسة العراق ومدرسة المدينة المنورة، هل ينسحب هذا المعنى على الخطابة؟ج: نعم وكل مدرسة تنتسب إلى شخص معين إذا أردنا أن نتحدث عن القضية توجد المدرسة النجفية والمدرسة الكربلائية وكل مدرسة لها امتدادات خارج العراق.
المدرسة النجفية فيها عمق وفكر وتجدد مستمر، فعندما تسمع أي خطيب تستطيع أن تعرف إلى أي مدرسة ينتسب.
فالمدرسة الكربلائية مشهورة بالاسلوب التقليدي واسلوب الكرامات وارضاء الناس باليسير، وهذا لا يعمم، إذ لا ينفي انه يوجد في مدرسة النجف من هو على شاكلة خطيب المدرسة الكربلائية ومن في مدرسة كربلاء علي شاكلة المدرسة النجفية.
س: هل يوجد مدرسة اخبارية واُخرى اُصولية في المنبر الحسيني؟
ج: لا.
س: هل يوجد مدرسة تاريخية واخرى علمية؟
ج: نعم، فمثلاً السيد جابر الأغائي الذي اشتهر بتوظيف النكتة توظيفاً ناجحاً، فإنه محسوب على المدرسة التاريخية ويحاول الاستفادة من وقائع التاريخ لمعالجة مشاكل الواقع، وهناك مدرسة علمية مثل مدرسة الشيخ الوائلي.
س: يعني ان نمط هاتين المدرستين لا علاقة له بتقسيم المدرسة الخطابية إلى كربلائية ونجفية؟
ج: لا.
·6
اقتراحات للتطوير
س: ماهي المأخذ العملية وماهي الاقتراحات العملية لتطوير المنبر الحسيني؟
ج: أشرت إلى الموضوع واُكرر لأهميته، إذا بقينا على النهج والاسلوب نفسيهما، لا أعتقد أن المنبر سيواصل مسيرته، سيتلكأ وربما يسقط لا أنكر أن هناك شريحة من الناس معتادة على الاُسلوب القديم، ولكن إذا انقرضت هذه الشريحة من الناس وجاءت شريحة جديدة وجيل جديد فإنه بحاجة إلى شيء جديد واسلوب جديد حيث حصلت تحولات كبيرة خلال هذه الفترة الزمنية.
لعل الشيخ الوائلي استمر نصف قرن ولم تحصل تحولات قوية وكبيرة في المجتمع. فظل اسلوبه هو الاسلوب الرائد والاسلوب النافع المعطاء، أما الآن فإن المجتمع يمر بتحولات هائلة، تحولات العولمة، والتيارات العلمانية، والإرهاب المنتشر، كل هذه تحتاج إلى شيء جديد، اُعيد واُكرر لا يتحمّل المسؤولية عنصر واحد، بل الكل يتحمل المسؤوولية.
س: هل هناك اقتراحات؟
ج: أن يطور الخطيب من نفسه، وينفتح على المعلومة الجديدة، ويلاحقها ويتواصل مع الناس لكي يعرف أذهانهم وبم يفكرون وهناك مقترحات عملية:
أولاً: إذا دعي الخطيب إلى منطقة ما، ينبغي على المنطقة أن ترسل للخطيب مشاكلها والاُمور التي ترغب في أن يطرقها الخطيب أي أن يكون هناك تحضير للموضوعات التي سيطرحها الخطيب على المنبر.
ثانياً: أن يتنازل الخطيب قليلاً عن قداسته وكبريائه وكهونته، فيفسح المجال للآخرين ليسمع منهم، مثلما هم استمعوا إليه، بخاصة في موسم شهر رمضان، كان يتحاور الخطيب مع المستمعين، وأذكر هنا تجربة تستحق الإشارة والإشادة وتستحق التقدير والثناء والتصدير إلى بقية الأماكن، وجدتها في البحرين، فالمأتم عبارة عن مؤسسة لا يوجد شخص هو الأول والأخير والآمر والناهي، مؤسسة فيها لجنة ثقافية تصدر نشرة باسم المأتم أو لجنة اجتماعية، صندوق قرض حسنة وصندوق خيري، ولجنة لتفقد المرضى وتفقد الفقراء ولجنة مالية وما شابه ذلك.
والذي يدعو الخطيب لارتقاء المنبر لجنة وليس شخص حيث تدرس اللجنة مستوى الخطيب لترى امكان استدعائه في المرة القادمة من عدمه، وعندهم موقع في الانترنيت ومنتدى للحوار المباشر.
بعض المآثم بسيطة المظهر ولكن نشاطها كثيف وأتمنى أن تكون مجالسنا كذلك، ومع الأسف نحن نعيش في لندن وجهودنا أقل.
تجربة البحرين رائدة ورائعة، لابد أن نقرأ وتعمم.
س: ندخل من مدخل المنبر الحسيني، فهو حالة إسلامية قبل أن تكون شيعية، كيف؟ج: حركة الإمام الحسين عليه السلام حركة اصلاح، ندعو للتسامح، المشكلة اننا حصرنا رموز الإسلام بالدائرة الشيعية، وبعبارة اُخرى عجزنا عن التعريف بهم إذا صحت العبارة للآخرين، فعندنا الإمام علي شيعي، وعندنا علي الأكبر وهو نجل الإمام الحسين الذي ضحى من أجل مبدأ إسلامي، وهو مجهول عند السنّة، ويعتبر مفردة من مفردات الخرافة الشيعية. لم نعمل بجد حتى نعرف الآخرين بهم.
منقول من موقع افكار
* عبد الحسن الامين ونضير الخزرجي
10 / 09 / 2005
السيد مضر الحلو: الجمهور مطالب بنقد الخطيب والحوزة أساس في بناء المنبر الحسيني
حوار : عبد الحسن الامين ، ونضير الخزرجي في محاولة لاستجلاء صورة المنبر الحسيني بعد رحيل عميده الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، توجهت (الكلمة) الي عدد من خطباء المنبر الحسيني تحاورهم في تاريخ المنبر وواقعه ومستقبله، وعدة الخطيب، والمدارس الخطابية ، ومديات انتشاره عبر الأصقاع، والمشاكل التي تعترض المنبر والخطيب على حد سواء، واحتياجات الجيل الشاب الذي نشأ في المهاجر في أوروبا وأميركا وكندا والدول الاسكندنافية واستراليا وغيرها من البلدان غير الناطقة باللغة العربية.فكان لنا هذا اللقاء مع سماحة العلامة السيد مضر الحلو
س : ماهو المستقبل الذي يسير فيه المنبر الحسيني وحسب رآيك مَن من الخطباء شكلوا محطات في المنبر الحسيني؟
ج : لم يبق موضوع المنبر موضوعاً هامشياًُ أو ثانوياً في حياة الاُمة وإنما أصبح للمنبر عموماً والمنبر الحسيني بصورة خاصة تأثير ووظيفة استثنائية في هذه المرحلة من حياة الامة وإذا رجعنا للفترات التاريخية التي تعتبر تحولات في المنبر الحسيني و انعطافات مهمة مر بها لابد أن تسجل أسماء لامعة كانت قد أحدثت هذه التحولات في المنبر . و في العصر الحاضر ومنذ بدايات الثلث الأول من القرن الماضي لابد أن نسجل الشيخ كاظم سبتي الذي أحدث تحولاً هائلاً في المنبر الحسيني حيث استطاع ان يجمع الى حنب براعته في الخطابة اجتهاده في الفقه والاصول وقد ترجم له علماء الرجال في معاجمهم كالشيخ محمد حرز الدين في كتابه الشهير معارف الرجال.
تحول في المنبر الحسيني
وبعده تأتي مرحلة الشيخ الوائلي رحمه الله والذي أحدث تحولاً كبيراً في المنبر الحسيني في مضمونه وشكله، في أدائه وفي عطائه، والتي لا زالت هذه المدرسة سارية الى الآن ولكن أعتقد أنه لابد من تفكير جدي الآن لأن ينتقل المنبر إلى مرحلة جديدة، لأن الخطيب فيما مضى كان هو مصدر المعلومة لندرة وسائل الاتصال والاعلام، وندرة الكتاب، أما الآن ما عاد الخطيب هو المصدر الوحيد للمعلومة، المعلومة الآن تقدم بثمن بسيط تقدم بأحلى وأجمل اسلوب محبذ للنفس ومختصر وتقدم للمتلقي. فما عاد الخطيب هو المصدر الأول، وهذا الأمر يحمّل الخطيب مسؤولية ثقيلة جداً لأن يرتقي بنفسه، وأن يكون عند حسن ظن المتلقي، والمتلقي الأن غير مجبور أن يجلس تحت منبر خطيب حتى يسمع ماذا يقول، فبامكانه أن يحصل على ما يتحدث به الخطيب عن طريق وسائل الاتصال والمعرفة مثل الانترنيت والفضائيات والتي سوّفت المعلومة ووفرتها إلى حد الابتذال.
ولذلك ما عاد الخطيب يشكل حاجة للناس ان بقي على وضعه ولم يطور من مجلسه، من هنا أعتقد أن الخطيب يتحمل مسؤولية ثقيلة في أن يواكب حركة التطور المعرفي، يواكب التيارات الفكرية المعاصرة . لا أتحدث عن لبنات بناء الخطيب فأول وأهم عنصر من مكونات الخطيب هو البناء الحوزوي الفقهي والاُصولي وفروع المعرفة التي تختص بها الدراسة الحوزوية، بالطبع لا أتكلم عن ورع الخطيب ورساليته فهذه من المسلمات.
بالاضافة الي البناء الحوزوي الفقهي والاُصولي التفسيري والحديثي البناء الفكري الحدث، إذ لابد أن يكون ملماً ولو اجمالاً بالتيارات الفكرية التي تتوالد يومياً ليس أقل حتى يكون في صورة واضحة، وقادرا على التعامل مع الجمهور التواق إلى الشيء الجديد.
نحن نلحظ مع شديد الأسف ظاهرة سلبية، وظاهرة أعتقد أنها قد تؤدي إلى أن يتحول المنبر الحسيني إلى شيء أشبه بالفلكور وهي أننا نجد في كثير من الأحيان أن مستوى الخطيب وهذه كارثة.
ان موضوع المنبر، موضوع متشعب، وأعتقد أن المنبر يمر بمرحلة تخلف كبيرة جداً الآن إذا ما أردنا أن نقيسه مع منبر الشيخ الوائلي، لأن منبر الشيخ عندما انطلق في خمسينيات القرن الماضي كان يمثل نقلة في الوعي والثقافة وعمق الفكر، ولذلك كان يستقطب كل طبقات المجتمع وبخاصة المثقفة، لأنه كان يشكل رقماً مهماً وخلق حالة فكرية وتوعوية، ولما حدث الأنفجار المعرفي الهائل بحيث أصبح العالم، كما يعبر البعض عنه قرية، وبعضهم يعبر عن بيت مفتوح على بعضه، كان لابد من إحداث تحول في هذا المنبر، ولكن إذا ظل متمسكاً بالحالة التقليدية أو السابقة سيتأخر عن مواكبة الأحداث والتطورات.
توجد مجموعة عناصر تشترك في عملية تنمية المنبر ورقيه إلى مستوى بحيث يشعر الإنسان المعاصر بأن المنبر يقدم له شيئاً يخدمه، فالمشاكل التي تواجهنا اليوم تختلف عن المشاكل التي كان يواجهها الإنسان قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وجدت الآن مشاكل الارهاب والتيارات العلمانية والليبرالية، وهنا لابد من الإشارة ان بعض الخطباء التقليديين من يتعامل مع هذه التيارات الفكرية بطريقة سلبية، لمجرد أن يقال له ان هذه فكرة علمانية، وهذا الشخص علماني أو ليبرالي، فيشطب عليه بالأحمر، في حين أننا ملزمون بأخذ الحكمة ولو من أفواه المجانين، فليس من الضروري أن كل ما يقوله الليبرالي أو العلماني الفلاني هو أمر سلبي، وعلينا أن نقف منه مباشرة موقف الضد، قد تكون له فكرة مقبولة ولا تتعارض مع الدين والعقل، فلا بأس بالأخذ بها.
·0 عناصر في بناء الخطيب
هناك عوامل عدة تساهم في ترقية المنبر، وتصل به لأن يكون نافعاً ومثمراً ومعطاءاً وهادفا:
.
العنصر الأول: الخطيب، فهو مأمور وعليه أن يعرف بأن الله سيحاسبه وأن يعرف بأن أعمار الناس الذين يجلسون تحت منبره أمانة في رقبته، وأتذكر وصية من أحد أساتذتنا يتغمده الله برحمته كان يقول: إذا جلس مئة شخص تحت المنبر وأنت تقرأ لهم ساعة فأنت تكون حينئذ قد أخذت من أعمارهم مئة ساعة، وهذه المئة ساعة ليست بالأمر الهين.
بالنتيجة سيحاسب الخطيب على أعمار هؤلاء الجالسين تحت منبره، فلابد أن يكون جديا وإلا ما عادت القضية اتزاقا، فباستطاعته أن يرتزق من طريق آخر، وعلى أنه لا توجد منافاة بين أن يحصل علي ثمن جهوده وأتعابه وبين رسالة التبليغ، لا أريد أن أكون مثالياً، ولكن أقول لا ينبغي أن يتحول المنبر إلى وسيلة ارتزاق ويكون الارتزاق هو الهدف ولكن مع شديد الأسف وجدنا طبقة من الخطباء هدفها الأول هو الارتزاق.
وحتى يكون الخطيب بمستوى تأمل الناس، عليه مواكبة حركة التطور الإجتماعي، ومواكبة وسائل المعرفة الحديثة ومتابعة التيارات الفكرية الحديثة. وأن يسنح نفسه بالثقافة المعاصرة. بالاضافة إلى ثقافته الحوزوية الدينية في سبيل أن ينتج ويعطي وأن يكون نافعاً وهادفاً.
العنصر الثاني: أرباب المجالس وأصحاب المراكز والحسينيات والمنتديات إذ تقع عليهم مسؤولية ليست أقل من مسؤولية الخطيب، فبيدهم مهمة اختيار الخطيب. وبالتالي هنا لابد أن نشير إلى السلبيات ونشخصها، ونرى على أي أساس يختار أصحاب المجالس الخطيب. ففي كثير من الأحيان يكون القيم علي المركز أو الحسينية أو المنتدى بمستوى لا يؤهله أن يشخص احتياجات المجتمع والخطيب الملائم له. وهذه كارثة، لقد رأيت أصحاب مجالس كبيرة ومركزية ولها أهميتها لكن القيم عليها لا يحسن قراءة سورة الفاتحة، بل يسأل بعض الأحيان ماذا قال الخطيب، فيقول لم أفهم شيئاً.
إذا اعتبرنا هذا المركز أو الحسينية أو المنتدى كمركز الثقافي يعمل على تثقيف الناس، فكيف يديره إنسان جاهل، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولو أحسنا الظن، فإننا نرى اُناساً عندهم مستوى من الوعي والمعرفة، ولكن ما يؤسف له ان اختيارهم للخطباء لم يقم على أساس الكفاءة وعلى أساس ما يحتاجه المجتمع مرة من المرات استمعت في لندن لأحد الخطباء قدم من احدى الدول الإسلامية فكان يتحدث كما لو انه يتحدث في أحد الأسواق الشعبية، كلام مخجل، فالشاب الجالس والشابة الجالسة في أوروبا عندهم مشاكل بحاجة لمن يعالجها.
ومن الظواهر السلبية أن تحولت المناطق الشيعية والجغرافية الشيعية إلى مافيات، وكل مافيا وكل لوبي سيطر على جزء من هذه المساحة ويخضعها لإرادته ولتصرفاته. أما أن تكون على مزاجه فتقبل وإلاّ ترفض.
ومن تجاربي الشخصية في هذا المجال انني قرأت قبل خمس سنوات في احدى الدول الخليجية ، واستحسن الناس المنبر وأصروا على أن اُقدم إليهم في مجالس لاحقة ووعدتهم خيراً، لكنني فوجئت بالغاء الدعوة والسبب قول القيمين على المجالس وهؤلاء في الأعم الغالب أصحاب مصالح شخصية وخاصة تعمل بما يروق لها. فصاحب المجلس راح يغرر بالجمهور بدلاً من أن يختار الخطيب الناجح.
العنصر الثالث: الجمهور، فهو يتحمل المسؤولية. فعندما يقرأ الخطيب وينزل ويتلقى مجاملات فارغة تغريه، هذا أمر ينبغي الوقوف عنده.
فالجمهور مطالب بأن يرفع من مستوى الخطيب، ويطور من نفسه، وعندما يجد الحضور أن الخطيب غير مناسب عليهم أن يطالبوا القيم والمسؤول بالأحسن، ويطالبوا الخطيب بأن يتحدث عن همومهم ويجد لهم الحلول إن أمكن.
بصراحة، يشعر الخطيب في كثير من الأحيان بحالة كهنوتية مقدسة غربية، يستفيد من سلطة الناس الرافعة أعناقها إليه، ويستفيد من ارتباطه المقدس القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، باعتباره واسطة نقل للنصوص والتراث.
ان ممارسة النقد للخطيب تجعله يخرج من حالة المقدس والكهنوت التي يخيل فيها نفسه بدون وجه حق. فالجمهور لا يتحمل المسؤولية وحده. ولذا أدعو لأن يتغير اسلوبنا في المنبر إذ ما عاد الإنسان مستعداً لأن يجلس نحو ساعة دون أن يستفيد.
أدعو إلي أن يتحول المنبر الى حوار بين الخطيب والجمهور، فيقرأ الخطيب عشرين دقيقة والبقية يتركه للحوار مع الجمهور، فمستوى الخطيب يرقى بالحوار، والجمهور لا يشعر أن وقته ذهب هدراً. فالنتائج الدراسية الناجحة تعلم الطالب وهو في المرحلة الابتدائية وبخاصة في الغرب أن لا يكون متلقياً ومكتسباً فقط، فيعلمونه عن الحوار، وكذلك فإن الشباب هنا تعلم لغة الحوار، وليست لغة التلقي فحسب. أعتقد إذا لم نطور أنفسنا وهو أمر حاصل بالفعل. فإذا مارس الجمهور لغة الحوار فإن الخطيب سيكون حينئذ مسؤولاً عن كل كلام يقوله ويستعد للمواجهة الحوارية.
العنصر الرابع: المرجعية، فهي تتحمل المسؤولية وهي ليست أقل من مسؤولية العناصر الثلاثة، وإن لم تكن أكثر، فهي التي تمثل المسؤولية في دم الخطيب مادياً ومعنوياً كي يستغني عما في أيدي الناس ومن يستغني عما في أيدي الناس لا يجامل ، نحن الخطباء وأنا منهم مع شديد الأسف نجامل وقد نتحدث بامور لا نؤمن بها أصلاً، لأن الناس يطلبونها وصاحب المجلس يطلبها، وأنا مضطر لأن اُجامل حتى تمشي اُموري، ولكن إذا تبنت المرجعية الخطيب فإنه سيكون شجاعاً في طرحه وقوياً غير متردد.
مع شديد الأسف ان حوزة النجف، وهذا فارق لابد أن يسجل بين حوزة النجف وحوزة قم، تعتبر الخطيب أو تنظر إليه نظرة دونية، فيها شيء من الاستهانة بقدراته وطاقاته ، ما ولد ردة فعل سلبية عند الخطباء في حوزة النجف تجاه الحوزة، وتولدت طبقتان في حوزة النجف: طبقة الخطباء، وطبقة الفضلاء والعلماء، وهذه ظاهرة سلبية نرجو من الله أن نستفيد من ا لتحولات التي حصلت في العراق بعد 9 / 3/ 4003 لانهاء هذه الحالة السلبية، فمن المفروض أن العالم والفاضل هو المبلّغ، فإذا انكمش العالم على نفسه وعلى ما عنده من معلومات فإن غير العالم سيرقى المنبر ويقود الاُمة إلى الهاوية.
س: كيف ترى فيها حالة سلبية؟
ج: لأن العالم غير الخطيب والخطيب غير العالم بالنتيجة اُحافظ على سمعتي وتميزي حتى يقال لي أنت عالم وفاضل.
س: يعني لو تقدم في الدراسة وأصبح عالماً وفاضلاً، فهل يمتنع عن ارتقاء أعواد المنابر؟
ج: هذا هو مربط الفرس، نريد أن يصعد العالم المنبر حتى لا يرتقي المنبر من ليس أهلاً له، وحتى لا تتكون طبقة الخطباء، واُخرى طبقة العلماء، نريد أن يكون الخطيب عالماً والعالم خطيباً، فما المانع من أن يكون الخطيب استاذا في الحوزة أو أن يواصل الدراسة الحوزوية والارتقاء العلمي الى جانب صعود المنبر.
س: من الذي يضع هذه الحدود والموانع؟
ج: الحوزة بمرجعياتها وأساتذتها مسؤولة لكي تمنع من هب ودب من صعود المنبر، وأن يكون المنبر مقنناً. وأن لا يصعد المنبر من لا يملك شهادة من حوزة أو مرجعية، أي شهادة كفاءة فمن لا يمتلكها لا يرتقي المنبر. وعلينا أن نأخذ بالخطوة التي خطاها المرجع الراحل السيد حسين البروجردي في قم، وهو ما يميز حوزة قم عن النجف فالاُولى كسرت هذا الحاجز بين الخطباء والعلماء وصار المرجع يقرأ التعزية بنفسه.
وأعتقد أن بداياتها ترجع الى السيد حسين البروجردي ، حسب معلوماتي حيث حرّم على طلبة الحوزة في أيام العطل الدراسية أن يبقوا في قم، كل منهم يذهب الى منطقته للتبليغ، ولذلك صار عندهم طبقة من العلماء والمراجع يقرأون التعزية مثل المرجع جواد ميرزا التبريزي، ففي أيام الوفيات يختم التبريزي درس الخارج بتعزية يقرأها بنفسه، وكذلك الشيخ وحيد الخراساني الذي يعتبر من ألمع أساتذة الحوزة في قم إذ كان يذهب إلى خارج ايران للقراءة مثل الكويت، ولما انشغل بالتدريس اقتصر على أيام الوفيات، وقائد الجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي يقرأ التعزية وأئمة الجمعة في ايران يقرأون التعزية، فلا يتردد من قراءة التعزية وإن كان عالماً أو قائداً سياسياً.
نرجو أن يكسر هذا الحاجز في حوزة النجف، وقد شاهدت في صغري حالة الاثنينية بين الخطباء والفضلاء، يصلون في مدرسة الآخوند، مثل الشيخ الوائلي والشيخ هادي النويني والسيد جواد شبر، والسيد حسين الحلو والسيد عامر الحلو والسيد داخل السيد حسن والسيد ملحم والسيد عبد الكريم أبو شامة والسيد جابر الأغائي، ومجموعة كبيرة من الخطباء دأبوا على الصلاة في مسجد الأخوند يصلون في المسجد ولا يصلون وراء السيد الحكيم، لتولد حساسية، فالعلماء ينظرون الى الخطباء بازدراء، ما خلقت ردة فعل مع أن الكثير من الخطباء هم من العلماء والفضلاء ولو استمروا في الدراسة توصلوا الى مراتب عليا في الاجتهاد والمرجعية، فليس من المفروض أن ينظر إليهم بازدراء.
المرجعية اذن تتحمل قسطاً من المسؤولية وعليها أن تعمل لأزالة هذه النظرة.
·1 دراسات في المنبر
العنصر الخامس : يتحمل الأكاديميون والمثقفون المسؤولية في توفير دراسات محققة وعلمية حول ما يتعلق بقضية الإمام الحسين عليه السلام.
أعتقد أن الخطاب الحسيني منذ البداية ليس خطابا عاديا. فقد أسهم منذ البداية وللآن وتحول الى جزء من شخصية الإنسان الشيعي، وهو يسهم في صياغة الإنسان الشيعي بالنتيجة إذا قام الخطاب على الخرافة والمبالغات سوف يخلق شخصية فضفاضة ومترددة هشة ضعيفة، أو بالعكس إذا قام على دراسة ومنهج سوف يساهم في بناء الشخصية.
·2 صفات شخصية
س: هل هناك صفات شخصية ينبغي على الخطيب توفرها في نفسه؟
ج: نعم، وأول شيء موهبة الخطابة، نرى البعض يتصدى للخطابة وعنده من العلم ما يعطيه للناس ولكنه لا يمتلك موهبة الخطابة ولا قوة البيان.
الأمر الثاني: الصوت، فله تأثير، فحسن الصوت مطلوب بحد ذاته. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن الصوت الحسن زينة القرآن) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً) في بعض الأحيان ترى ان كلمة تخرج من فم قائلها وكأنها موسيقى، ونفس الكلمة تخرج من فم آخر تخرج عادية.
ولشخصية الخطيب وهندامه وشكله ونظافته الأثر الكبير في المنبر الحسيني وعموم الخطابة، فضلاً عن شخصية الخطيب الداخلية من ورعه وصدقه.
س: ما الذي يدفع طالب العلم لأن يصبح خطيباً؟
ج: كتجربة شخصية، الأمر الأول الذي جعلني أتجه إلى الخطابة هو شعوري أن ما ندرسه في الحوزات وما ننقله عليه ديننا لابد أن نوصله الى الناس، لأن الناس بحاجة الى من يوعيها ويوقظها، وبحاجة الى من يسمعها الكلمة الصادقة والكلمة الطيبة، بخاصة ونحن نلاحظ التيارات الفكرية الاُخرى وبعضها معاد للإسلام وبعضها ليس بالضرورة أن يكون معادياً للإسلام، تشتغل على الناس البسطاء.
فأصحاب التيارات الفكرية غير الإسلامية جندوا أنفسهم في العراق للعيش مع سكان القرى والأهوار لكسبهم وضمهم لأحزابهم وبالتالي جندوا الكثير.
أقول: لو كانت عند هؤلاء الناس قليل من الثقافة الدينية لما تمكنت الأحزاب العلمانية من النفوذ إليهم، بخاصة وان بعض سكان الأهوار لم ير في حياته معمماً، والمؤسف أن بعض علماء الدين يأنف من الذهاب الى القرى النائية والأرياف والأهوار ويلاحظ بأنها أقل من شأنه ومكانته العلمية، ويرى أن العمل مع هؤلاء الناس ليس من شأنه إنما هو من شأن الخطباء، والخطيب في الوقت نفسه ربما تأثر بهذه النظرة، ولذلك انقطعت صلة عالم الدين بهؤلاء، فتقبلوا الأفكار غير الإسلامية.
رأيت ان العراق والعالم الإسلامي بصورة عامة بحاجة إلى الكلمة الصادقة عامة بحاجة الى الكلمة الصادقة والطيبة. ورأيت القابلية في نفسي وحسب مشورة بعض أصحاب الشأن، واصلت الدراسة الحوزوية ومارست الخطابة.
س: هل مارست الخطابة لأنك من عائلة اشتهرت بالخطابة؟
ج: لا ، أبداً، كنت مستمراً في دراستي الحوزوية وبتفوق، ورحم الله الشهيد السعيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم الذي قدم لي جائزة التفوق في السنة الرابعة في مدرسة الإمام الهادي في قم، وكنت الأول في المرحلة الثامنة في الامتحانات العامة العربية في حوزة قم، وتحصيلي الحوزوي جيد جداً، وكنت اُواصل الدراسة حتى خروجي من قم ومجيئي الى لندن.
أن تكون خطيباً ودارساً، فالنظرة تختلف في الحوزة، فالخطيب يأتي في المرتبة الثانية، بل أكثر من هذا، إذا كنت تريد أن تتصدى للتدريس وعندك القابلية، لا يفسح لك المجال، وأكثر من هذا، بعض المدارس العراقية الحوزوية المهمة والعربية بصورة عامة، تبقى بعض الصفوف منها شاغرة لغياب الاُستاذ وإذا طرحت نفسك للتدريس لا تقبل لأنك خطيب هذه الظاهرة سلبية إذا لم يتم القضاء عليها تبقى المشكلة قائمة.
·3 في الطريق الى المنبر
س: إذا فرضنا ان أحدهم اتجه نحو الخطابة، فما هي الاُمور التي ينبغي أن يحضر نفسه لها؟
ج: أول شيء أن يكون عنده بناء حوزوي، فقيل أن يفكر بأن يكون خطيباً، عليه أن يدرس الحوزة.
س: وإلى أي مرحلة من مراحل الدراسة؟
ج: نعم هذه العلوم من حديث وعلوم قرآن وفلسفة وكلام، مغيبة ولا تعتبر دروساً أساسية في الحوزة، ولكن الدارس الحوزوي على صنفين، جاد وغير جاد، ويبقى على طالب الحوزة أن يبحث عن هذه العلوم ويدرسها.
س: نستطيع القول ان هناك دروساً موازية إلى جنب الاُصول والفقه؟
ج: نعم هناك دروس متفرقة، وعلى فكرة لم يفسح للسيد محمد حسين الطبطبائي أن يصبح مرجعاً لأنه كان ودرس التفسير الخاص به. نعم الآن يوجد مدرسون لهذه العلوم، مثل السيد كمال الحيدري، وهناك مجموعة دروس اُدخلت في امتحانات الحوزة في قم مثل التفسير وعلم الرجال.
فالاستزادة من هذه العلوم تعتمد على الخطيب نفسه، فإذا اختار الطالب أن يصبح خطيباً فهو ملزم بالاستفادة منها، على أن البناء الحوزوي مهم للغاية لأنه يفتح آفاقاً للخطيب وفي كيفية التعامل مع النصوص.
بعض الخطباء عندما يكون بناؤه الحوزوي ضعيفاً أو لا يملك بناء، ويعتمد على ثقافته العامة، يتخبط في الروايات وتقييمه للأحاديث.
الدراسة الحوزوية تعطيه منهجاً في كفية التعامل مع الأحاديث والروايات والنصوص وإن كان يرويها الكافي في اُصوله أو المجلسي في بحاره.
س: قلت ان هناك فصلاً بين الخطيب وعالم الدين، وقد اعتبرتها ظاهرة سلبية، ولكن نحن أمام حالة أما أن نماسس الخطابة ونجعلها مدرسة، في فترة معينة تكون مشتركة بين الخطابة والدراسة الحوزوية، فأين ترى المرحلة المشتركة ينبغي أن تبدأ، وأين تتوقف؟
ج: الدارس الحوزوي يكون مثله مثل الدارس الاكاديمي، يدرس مشواراً الى مرحلة الخارج، سنتين من درس الخارج، وبعد ذلك كل طالب يرى اختصاصه، فالخطيب يرى في نفسه موهبة الخطابة يتوجه هذا التوجه، والذي يرى في نفسه الاستعداد لمواصلة الدرس يواصل ولكن ليس لثلاثين عاماً يبقى في بحث خارج، لا وإنما يرى أنه بعد خمس سنوات من دراسة بحث الخارج تؤهله مثلاً لأن يكون مجتهداً. فيستمر في درسه. ومن يرى في نفسه إمكانية الدراسة والقلم، يصير كاتباً. ولكن أن يأتي ويحضر بحث خارج لثلاثين أو أربعين عاماً وبالتالي لا يصبح شيئاً فهذا أمر لابد من النظر فيه، وصدقني أن ثمانين بالمئة من دارسي بحث الخارج لا يؤدون دورهم الطبيعي في المجتمع، وللشيخ مرتضى مطهري عبارة يقول فيها: نضطر أن نسقي ألف بستان من أجل وردة واحدة، حيث تصرف الحوزة أموالاً طائلة من أجل أن يخرج مجتهداً واحداً، لأن يذهب طالب العلم ليبلغ في منطقة، أو يصير إماماً في منطقة، أو كاتباً، أو تاجراً، خير له من أن يقضي عمره في الدراسة فحسب ومع الأسف بعضهم في السبعين والثمانين وهو في طور الدراسة.
س: لماذا يتجه البعض هذا الاتجاه؟
ج: اتكال وتكاسل، ويرى من جانب آخر انه له سلطة على المجتمع فهو يتصدر أي مجلس يدخله بوصفه عالم دين، وهو يشعر كحاكم في المجتمع.
س: حتى الذين لم تظهر عليهم علامات الإجتهاد؟
ج: نعم يمارس السلطة نفسها.
·4
نقابة للخطباء
س: فهمت من كلامك كان الخطباء بحاجة إلى نقابة تنظم عملهم وتوفر لهم عناء المستقبل والخطيب كأي إنسان يهرم ويشيخ ويفتقد للقوة وللصوت وللصحة؟
ج: السؤال مهم للغاية، بعض الخطباء هرم ولكنه في الوقت نفسه يمارس الخطابة قسراً حتى يعيش، ويموت بعضهم ويسقط من على المنبر، وبعضهم من مشاهير الخطباء تسوء حالته الصحية ويقع في البيت في خانة النسيان ويتصدّق عليه الناس!
فمن الذي يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ أعتقد ان الذي يتحمل المسؤولية ليس انشاء نقابة، إنما الحوزة العلمية لأن الخطيب هو ابن الحوزة، ففي حين يصرف على طالب العلم وطبقة الفضلاء ما داموا على قيد الحياة لماذا لا ينسحب الأمر نفسه على الخطباء؟
فلماذا لا تتبنى المرجعية الخطيب، ليس أقل من أن تعتبر ما تصرف له في عجزه بمثابة تقاعداً له.
لا أدعو إلى نقابة ولا إلى مؤسسة تهتم بالخطيب وإنما هذا من مسؤولية الحوزة العلمية لأن الإمكانات عندها والمشروعية تعطيها، والخطيب هو ابن الحوزة، فالحوزة مثلما تتبنى غيره تتبنى الخطيب.
·5
مدارس الخطابة
س: تقسم المدارس الفقهية إلى مدرسة حلية وكربلائية ونجفية وقمية، ومن قبل كانت تقسم المدارس إلى مدرسة الشام ومدرسة العراق ومدرسة المدينة المنورة، هل ينسحب هذا المعنى على الخطابة؟ج: نعم وكل مدرسة تنتسب إلى شخص معين إذا أردنا أن نتحدث عن القضية توجد المدرسة النجفية والمدرسة الكربلائية وكل مدرسة لها امتدادات خارج العراق.
المدرسة النجفية فيها عمق وفكر وتجدد مستمر، فعندما تسمع أي خطيب تستطيع أن تعرف إلى أي مدرسة ينتسب.
فالمدرسة الكربلائية مشهورة بالاسلوب التقليدي واسلوب الكرامات وارضاء الناس باليسير، وهذا لا يعمم، إذ لا ينفي انه يوجد في مدرسة النجف من هو على شاكلة خطيب المدرسة الكربلائية ومن في مدرسة كربلاء علي شاكلة المدرسة النجفية.
س: هل يوجد مدرسة اخبارية واُخرى اُصولية في المنبر الحسيني؟
ج: لا.
س: هل يوجد مدرسة تاريخية واخرى علمية؟
ج: نعم، فمثلاً السيد جابر الأغائي الذي اشتهر بتوظيف النكتة توظيفاً ناجحاً، فإنه محسوب على المدرسة التاريخية ويحاول الاستفادة من وقائع التاريخ لمعالجة مشاكل الواقع، وهناك مدرسة علمية مثل مدرسة الشيخ الوائلي.
س: يعني ان نمط هاتين المدرستين لا علاقة له بتقسيم المدرسة الخطابية إلى كربلائية ونجفية؟
ج: لا.
·6
اقتراحات للتطوير
س: ماهي المأخذ العملية وماهي الاقتراحات العملية لتطوير المنبر الحسيني؟
ج: أشرت إلى الموضوع واُكرر لأهميته، إذا بقينا على النهج والاسلوب نفسيهما، لا أعتقد أن المنبر سيواصل مسيرته، سيتلكأ وربما يسقط لا أنكر أن هناك شريحة من الناس معتادة على الاُسلوب القديم، ولكن إذا انقرضت هذه الشريحة من الناس وجاءت شريحة جديدة وجيل جديد فإنه بحاجة إلى شيء جديد واسلوب جديد حيث حصلت تحولات كبيرة خلال هذه الفترة الزمنية.
لعل الشيخ الوائلي استمر نصف قرن ولم تحصل تحولات قوية وكبيرة في المجتمع. فظل اسلوبه هو الاسلوب الرائد والاسلوب النافع المعطاء، أما الآن فإن المجتمع يمر بتحولات هائلة، تحولات العولمة، والتيارات العلمانية، والإرهاب المنتشر، كل هذه تحتاج إلى شيء جديد، اُعيد واُكرر لا يتحمّل المسؤولية عنصر واحد، بل الكل يتحمل المسؤوولية.
س: هل هناك اقتراحات؟
ج: أن يطور الخطيب من نفسه، وينفتح على المعلومة الجديدة، ويلاحقها ويتواصل مع الناس لكي يعرف أذهانهم وبم يفكرون وهناك مقترحات عملية:
أولاً: إذا دعي الخطيب إلى منطقة ما، ينبغي على المنطقة أن ترسل للخطيب مشاكلها والاُمور التي ترغب في أن يطرقها الخطيب أي أن يكون هناك تحضير للموضوعات التي سيطرحها الخطيب على المنبر.
ثانياً: أن يتنازل الخطيب قليلاً عن قداسته وكبريائه وكهونته، فيفسح المجال للآخرين ليسمع منهم، مثلما هم استمعوا إليه، بخاصة في موسم شهر رمضان، كان يتحاور الخطيب مع المستمعين، وأذكر هنا تجربة تستحق الإشارة والإشادة وتستحق التقدير والثناء والتصدير إلى بقية الأماكن، وجدتها في البحرين، فالمأتم عبارة عن مؤسسة لا يوجد شخص هو الأول والأخير والآمر والناهي، مؤسسة فيها لجنة ثقافية تصدر نشرة باسم المأتم أو لجنة اجتماعية، صندوق قرض حسنة وصندوق خيري، ولجنة لتفقد المرضى وتفقد الفقراء ولجنة مالية وما شابه ذلك.
والذي يدعو الخطيب لارتقاء المنبر لجنة وليس شخص حيث تدرس اللجنة مستوى الخطيب لترى امكان استدعائه في المرة القادمة من عدمه، وعندهم موقع في الانترنيت ومنتدى للحوار المباشر.
بعض المآثم بسيطة المظهر ولكن نشاطها كثيف وأتمنى أن تكون مجالسنا كذلك، ومع الأسف نحن نعيش في لندن وجهودنا أقل.
تجربة البحرين رائدة ورائعة، لابد أن نقرأ وتعمم.
س: ندخل من مدخل المنبر الحسيني، فهو حالة إسلامية قبل أن تكون شيعية، كيف؟ج: حركة الإمام الحسين عليه السلام حركة اصلاح، ندعو للتسامح، المشكلة اننا حصرنا رموز الإسلام بالدائرة الشيعية، وبعبارة اُخرى عجزنا عن التعريف بهم إذا صحت العبارة للآخرين، فعندنا الإمام علي شيعي، وعندنا علي الأكبر وهو نجل الإمام الحسين الذي ضحى من أجل مبدأ إسلامي، وهو مجهول عند السنّة، ويعتبر مفردة من مفردات الخرافة الشيعية. لم نعمل بجد حتى نعرف الآخرين بهم.
منقول من موقع افكار
تعليق