قبل زمن ليس بالبعيد، نشر الميجور بيتر كيلنر على موقع الكتروني يرعاه الجيش الأميركي مقالة كان قد كتبها حول مدى الأخلاقية التي ينطوي عليها القتل في المعركة. وكان هذا العنوان قد فتن أساتذة الفلسفة والأخلاق في "وست بوينت" منذ وقت طويل. ومع ذلك، فإن أحداً ما خارج حركات السلام لا يكشف عن أي اهتمام بعمله على هذا الموضوع. ولكن في هذه المرة، كانت ردة فعل أقرانه من الضباط مبعث دهشة لديه. وقد أرسل إليه أحد الضباط على البريد الإلكتروني بإحدى تجاربه بعد إطلاق النار على سيارة حاولت الهرب من أحد حواجز الطرق في العراق، حيث كتب: "الشيء الذي لن أنساه أبداً عن ذلك الاشتباك كان الاستماع إلى ردة فعل العائلة عندما رأوا داخل السيارة عزيزهم بدون صدر. أنا أعرف أن ما فعلته كان صواباً، لكنني أبداً لن أستطيع التخلص من صوت العائلة التي صعقها الحزن". لقد كان الصوت "مجمداً للدم"، هذا ما أضافه في بريد لاحق أرسله إلى مراسل صحفي.
بالتدريج، بدأت كتابات الميجور كيلنر التي تشجع الضباط على التحدث إلى قواتهم عن القتل في المعركة والشعور بالذنب الذي عادة ما يأتي مع إزهاق روح أخرى، تجتذب الكثير من القراء. وقد قام محاضرون في المدرسة الشرطية العسكرية في ميسوري بتوزيعها لإثارة حوار حول أخلاقية القتل. وفي مدرسة الجيش للقساوسة الجدد في "ساوث كارولينا" تم تضمين كتابات كيلنر في مساق جديد سوف يطرح في وقت لاحق من هذه السنة حول كيفية نصح الجنود في موضوع أخلاقيات الحرب. ومؤخراً، اجتمعت كتيبة الوحدة 101 المحمولة جواً لمناقشة نظرياته حول القتل قبل نشرها في العراق في وقت لاحق من الخريف القادم.
يقول كيلنر: "حتى وقت قريب، لم أر أحداً يخاطب جماعة عن مشاعرهم إزاء القتل. إنه حديث غير مهذب وحسب، مثل سؤال شخص إن كان قد تعرض للإجهاض؟". ومع ذلك، فإن أربع سنوات من الاشتباك العنيف قد بدأت تغير الطريقة التي يتحدث بها الجيش عن موضوعه الذي كان من المحرمات لوقت طويل. وهو انتقال يقول الميجور كيلنر وآخرون من ضباط الجيش وأطباء النفس العسكريين إنه جاء متأخراً كثيراً عن أوانه.
معتمداً على رصيد كبير من الفلسفة، يقول الميجور كيلنر أن القتل يكون مقبولاً أخلاقياً عندما يشكل العدو خطراً على القيم التي تستحق القتال من أجلها، مثل قيم الحياة والحرية، وبحيث لا تكون هناك خيارات غير قاتلة لتجنب التهديد. وكانت ظلال من نفس الطرح قد استخدمت منذ قرون على يد الحكام والجنود لتبرير القتل في ميدان المعركة. ويقوم الميجور كيلنر الآن بحث ضباط الجيش على مساعدة جنودهم في مواجهة أخلاقية القتل على المستوى الفردي. ويقول كيلنر أن الفشل في مخاطبة هذه القضايا أثناء التدريب يمكن له أحياناً أن يشل الجنود في المعركة، وأن يتركهم عرضة للاضطرابات النفسية بعد أن تأتي المعركة إلى نهايتها. ويقول: "إن الهدف الذي أسعى إليه هو كسر المحرم. فلنشرع بالحديث ونرى ما الذي سينجم".
أصبحت وجهات نظر الجيش حول كيفية تجهيز الجنود للقتل خارج الخدمة على يد العميد س.ل.أ. مارشال خلال الحرب العالمية الثانية. فقد صمم الجنرال مارشال على أن أقل من 25% من حملة البنادق الأميركيين في حالة الاشتباك أطلقوا بنادقهم. وكتب: "إن الخوف من القتل أكثر من الخشية من تعرض المرء نفسه للقتل كان السبب المشترك الأبرز في فشل المعارك". وقد أثار النقاد أسئلة منذئذ عن مدى موثوقية معلومات الجنرال مارشال، لكن أطروحة التقرير، والقائلة بأن الجنود قد أحجموا عن ضغط الزناد، ظلت مقبولة على نطاق واسع.
التدريب الانعكاسي
للتغلب على هذه المقاومة، شرع الجيش بتدريب الجنود على أهداف متحركة تشبه الأهداف الحية أكثر شبهاً بما يحتمل أن يواجهوه في ساحة المعركة. ويكرر الجنود نفس التدريبات حتى يصبح رد فعلهم طبيعة ثانية عندهم. وقد أثمر ذلك التدريب، ففي فيتنام، أطلق 90% من الجنود نيرانهم. ويتذكر الميجور كيلنر الذي ذهب إلى العراق كجزء من فريق لكتابة التاريخ الرسمي للجيش في الحرب مقابلة مع جندي في تكريت كان يسير في دورية عندما مزقت طلقة قناص بزته العسكرية. ويقول الميجور كيلنر: "سمع الجندي المصدر، فاستدار وأطلق طلقتين على صدر القناص العدو وواصل السير كما لو لم يحصل شيء، وقد أحس القائد المرافق له بالفخر".
إن مثل هذا التدريب الانعكاسي جيد لأنه يبقي على الجندي حياً كما يقول الميجور كيلنر، لكنه يمكن أن يتسبب أيضاً بالمشاكل. وكان قد كتب في مقالة له عام 2002 في مجلة مختصة بالشؤون العسكرية تدعى "ميليتاري ريفيو": "عندما يكون التدريب العسكري قد أوهن الاستقلال الأخلاقي للجندي بشكل فعال، فإنه لا يتفكر في تصرفاته أخلاقياً إلا بعد أن تصبح واقعاً".
الجنود الذين لا يستطيعون تبرير تصرفاتهم سوف يكونون أكثر عرضة للمعاناة من شعور بالذنب، وللتعرض للكوابيس والتوتر العصبي، كما يقول. ولمساعدة الجنود، فإن القادة ينبغي أن يدعوا الجنود الذين ينفذون أوامر قانونية مشروعة يعرفون أن مشاعر الذنب بعد المعركة مشاعر طبيعية وليست "علامة على استحقاق اللوم أو الضعف العقلي" كما يقول.
أصبح الميجور كيلنر البالغ من العمر تسعة وثلاثين عاماً مهتماً بالضغط الناجم عن القتل في المعركة في وقت كان الجيش يولي فيه هذا الأمر قليلاً من الانتباه. على أنه لم ير المعارك بنفسه، إلا أنه قد خدم ضابطاً في الوحدة 82 المحمولة جواً. وبعد ذلك أرسله الجيش إلى معهد البوليتكنيك في فرجينيا وإلى جامعة الولاية أواسط التسعينيات ليحصل على درجة عليا في الفلسفة. ولما كان يبحث عن حقل للدراسة يكون ذا صلة، عاد إلى التدريس في "وست بوينت"، وقرر استكشاف التبريرات الأخلاقية للقتل في المعركة. وقد انهمك في الأدبيات الفلسفية للحرب. يقول: "بعد بضعة أشهر، كنت أتساءل إذا ما كان بوسعي أن أستمر في عملي في الجيش". وفي بحثه عن الإجابات، قرر إجراء بعض الأبحاث ووضع إعلاناً صغيراً في مجلة عسكرية أميركية محترفة: "إذا كنت قد مارست القتل في المعركة وتشعر أن ذلك كان مبرراً، فتفضل بإرسال تعليقك إليّ، وأنا أرغب التحدث إليك". وجاءت ردود الفعل سراعاً. وقد أرسل إليه أحد المحاربين القدامي في الحرب العالمية الثانية صفحة تلو الصفحة من آيات الإنجيل. وأرسل إليه محاربون قدامى آخرون بتجاربهم الطويلة المفصلة عن القتل. كما تلقى أيضاً بعض البريد الذي يضم "كراهية مطلقة"، كما يقول. وقد كتب إليه كولونيل متقاعد ومحارب قديم في فيتنام رسالة من صفحتين لا يزال يحتفظ بها، يتساءل فيها المرسل: "من أنت حتى تقول إن ما فعلته كان شيئاً خاطئاً؟" وقد أقنعته الاستجابات المتعاطفة والمحمومة بأنه كان في طريق التوصل إلى شيء ذي بال.
أنهى الميجور كيلنر دراسته العليا عام 1988 وذهب إلى "وست بوينت" بعد ذلك بشهور قليلة. وبعد وقت قصير من 11 أيلول، كتب بقلمه مقالة لمجلة "ميليتاري ريفيو" العسكرية المحترفة، قال فيه "إن الجنود يستحقون معرفة أن بوسعهم القتل على نحو أخلاقي ولماذا تعتبر مثل تلك التصرفات أخلاقية". وفي تلك المقالة، قال إن جنود الولايات المتحدة يجب أن يتصرفوا مثل "خط دفاع أخير من أجل الحق في الحياة والحرية"، وإنهم "ملزمون أخلاقياً" باستخدام القوة المميتة لإنقاذ الأبرياء. وينبغي لقوات الولايات المتحدة أيضاً أن تكون راغبة في الاضطلاع بمخاطر إضافية لنفسها وللتابعين لها من أجل التقليل من إمكانيات إلحاق الخطر بالمدنيين. وكتب: "ينبغي لنا أن نتذكر نداءنا: أن نخاطر بحياتنا من أجل حماية الأبرياء". وقد حظيت المقالة بقليل من الانتباه حتى جاءت حرب العراق. وبدأ الجنود يعودون إلى الوطن وهم يشكون معدلات اضطرابات ناجمة عن الإصابة بالجروج شبيهة بتلك التي تلت حرب فيتنام. وفي تموز 2004، نشرت مجلة نيو إنجلند الطبية أن ما يقارب 17% من المحاربين العائدين من العراق يعانون من الإحباط، والقلق الشديد أو الاضطرابات الناجمة عن الإصابة بالجروح.
إن وجود دليل ملموس يربط بين الشعور بالذنب جراء القتل والقلق الناجم عن الإصابة هو أمر محدود. وقد خلصت دراسة كانت أجريت عام 1999 إلى أن محاربي فيتنام الذين مارسوا القتل قد عانوا من وطأة الضغط العصبي الناجم عن الإصابة أكثر من أولئك الذين لم يقتلوا. وقد اعتمدت الدراسة التي أجرتها راشيل ماك نير، وهي عالمة نفسية ومعارضة للعنف على دراسة كان قد مولتها لجنة الكونغرس لإعادة تأهيل قدامى المحاربين في فيتنام منذ أواسط الثمانينيات.
ومع ذلك، فإن كثيراً من الجنود يقولون إن الصلة بين القتل وضغط المعارك حقيقية. الملازم جوناثان سيلك، الذي كان قد قاد إحدى فصائل فوج الخيالة المدرع الثاني، يقول إن جنوده قد تعرضوا للصدمة بشكل خاص لدى خوض معركتهم الأولى والوحيدة في وضح النهار. ويقول: "كان بوسعك أن ترى ما تفعله الأسلحة بالناس، كنت تستطيع أن ترى الأجساد مدمرة وممزقة إلى أشلاء".
خلال القتال، كان جنوده مبتهجين. وبعد ساعات قليلة فقط، يقول الملازم سيلك إن نائبه المشرف على العمليات كان يرتجف، بينما لم يتوقف جندي آخر عن الكلام... "كان هناك شرخ عاطفي يكتنف صوته". كما يقول. وقد طلب إلى قادته إرسال فريق من مستشاري الصحة العقلية للتحدث إلى قواته. ويقول الملازم سيلك: "لقد كان كل اهتمام نائبي منصباً على حقيقة كونه قد قتل عدداً كبيراً من الأعداء". وفي الجلسة مع المستشارين، تحدثوا عن السبب الذي أوجب عليهم فتح النار.
بعد ثمانية عشر شهراً من ذلك، كانت مشاهد تلك المعركة لا تزال تحوم. ويقول الملازم سيلك: "إن لدي شريط فيديو للمعركة لا يتوقف عن تكرار نفسه في رأسي". وقد أقنع القتال الضابط البالغ من العمر ستة وثلاثين عاماً بأنه بحاجة إلى التحدث أكثر مع قواته عن القتل قبل المعركة. وبشكل تقليدي، يعود الجنود الذين يمثلون دور الأعداء في التدريب إلى الحياة مباشراً بعد أن يتم "إطلاق النار" عليهم. وفي المستقبل، كما يقول الملازم سيلك، ربما يكون من المفيد أن يبقى الموتى مستلقين على الأرض. وعلى الجنود في نهاية المعركة أن يفسروا لماذا قتلوا ولماذا كان ذلك الأمر مسوغاً.
ويقول الملازم أيضاً أنه سيتحدث أكثر مع قواته بعد المعركة. ويضيف: "عظيم أن ترى الرئيس وهو يحدثنا عن مدى عدالة قضيتنا... لكنه لا يمارس القتل معنا. يحتاج الجنود إلى سماع ذلك من قادتهم المباشرين. وعلى هؤلاء القادة أن يفهموا لماذا يكون القتل صواباً".
"لن أعرف الإجابة"
ليس هناك برنامج راسخ أو تدريب للقادة الذين يرغبون التحدث إلى جنودهم عن القتل وما يليه، وعلى نحو يجعل القادة والجنود يضعون الحلول الخاصة بهم معاً. وقد كتب ذلك النقيب الذي أرسل بالبريد الألكتروني للميجور كيلنور عن رد الفعل بعد حادث القتل على حاجز الطرق إنه كان مسكوناً بالحادثة عندما عاد إلى الوطن بحيث لم يستطع النوم قبل أن يشرب ست علب من البيرة.
في الوقت الذي جرى فيه إطلاق النار، كان يشرف على حاجز للتفتيش قرب الفلوجة عندما اقتربت سيارة ثم حاولت الهرب على حين غرة. وعلى الفور أطلق ثمانية وعشرين صلية، ممزقاً صدر أحد الركاب. وقد كتب في تلك الرسالة الألكترونية: "كان الراكب الذي قتلته يحمل سلاحاً معمراً من نوع آ. كيه-47 على حضنه، والذي لم أكن قد رأيته عندما شرعت بإطلاق النار".
وبعد أن عاد إلى الولايات المتحدة، راجع مستشاراً للصحة العقلية، وهو ما ساعده قليلاً. وكذلك التحدث إلى الأصدقاء. لكنه كتب مؤخراً في رسالة ألكترونية من العراق، حيث يمر في منتصف السنة الثانية من خدمته التي تستمر سنتين: "ولكن جزءاً من المسألة يعود إلى اعتراف واعتقاد مفاده أنني قد وضِعت في ذلك الموقف من قبل قوة أعلى كانت تعرف ما هو الصواب واتخذت القرار المناسب. وسواء كنت أتبع هذه المعتقدات من باب التنفيس أو التصديق، فإنني اعتقد بإنني لن أعرف الإجابة إلا في الحياة الآخرة".
طلب النقيب عدم ذكر اسمه لأنه لم يخبر عائلته عن تجاربه في القتال. وهو يضيف: "لست واثقاً من أنهم سيقبلون أنني ضابط في القوات المسلحة، والذي لا يرى الجانب المعدَّل من الحرب". ويقول جنود آخرون إنهم شعروا بالحزن فقط بعد أن عادوا إلى الولايات المتحدة. ويقول السيرجنت داريل بروست، وهو جندي يبلغ من العمر 22 عاماً كان قد قاتل في العراق مع الوحدة المدرعة الأولى إنه لم يشعر بالضيق من تجاربه الحربية إلا عندما سألته عمته في حفلة أقيمت بمناسبة عودته إلى الوطن إذا ما كان قتل أحداً. وعندما أجاب بنعم، حط الصمت على الغرفة. ويقول عن ذلك: "لقد ضايقني رد فعل عائلتي فعلاً، فقد كان هناك حزن في أعينهم. وهو أمر لا يزال يضايقني حتى اليوم. إن الأمر وكأنما هم يتذكرونك بطريقة معينة وأنك الآن أصبحت مختلفاً".
تفسر ردود الأفعال من هذا الصنف لماذا يحاول بعض الضباط الآن أن يخمنوا كيفية تهيئة جنودهم قبل أن يوضعوا موضعاً يكونون مضطرين فيه للقتل. المقدم إريك كونراد، وهو قائد من الوحدة 101 المحمولة جواً التي اجتمعت أخيراً لمناقشة كتابات الميجور كيلنر أعرب عن مخاوفه إزاء الكيفية التي ربما تكون عليها ردة فعل جنوده الأربعمائة على المذبحة التي يحتمل أن يشاهدوها قريباً. ولا يوجد من جنوده من هو من قوات الجبهة الأمامية. وإنما تتكون الوحدة من الشرطة العسكرية وجنود الاستخبارات والمهندسين وسواق الشاحنات وخبراء الاتصالات.
في غرفة للاجتماعات في موطن الوحدة في منطقة فورت كامبل، كينتاكي، وزع الكابتن جيري موون، أحد قادة وحدة كونراد نسخاً من مقالات كيلنر على كافة الضباط في الفصيل. وفي اليوم التالي طرح سؤالاً على جماعة الضباط: لماذا يكون القتل أمراً لا بأس به؟ فقال الملازم جيمس ستيوارت: "إذا لم تقم بذلك هناك، فإنهم سوف يأتون إلى هنا ويفعلون ذلك بعائلتك كما حدث في مركز التجارة العالمي. إنه إما دستورنا أو إسلامهم المتطرف". أما الضباط الآخرون فقد تحدثوا عن الوحشية التي قتل بها المتمردون الرهائن العراقيين والأجانب، داعين إياهم بشراً عصابيين وسيكوباتيين.
بينما كان الضباط يتحدثون، أخرج الكابتن موون بهدوء كتاباً بعنوان: "أضحيات عند الجدار"، وهو منشور يضم صوراً تذكر بالموت من محفوظات محاربي فيتنام القدامى في واشنطن. وقلب الكتاب على صفحة تحتلها صورة بالية لجندي فيتنامي وابنته ذات الضفيرة كان قد تركها جندي أميركي فيما ترك من محفوظاته. ثم قرأ بصوت مسموع رسالة لا صاحب لها تصاحب الصورة:
"سيدي العزيز. لاثنتين وعشرين سنة حملت صورتك في محفظتي. كنت في الثامنة عشرة فقط في ذلك اليوم الذي تقابلنا فيه أنا وأنت... لماذا لم تأخذ أنت حياتي، فذلك ما لن أستطيع أن أعرفه أبداً.. لقد حدقت فيّ طويلاً، مسلحاً ببندقيتك آ.كي-47، ومع ذلك لم تطلق النار. سامحنى على أنني أزهقت حياتك. لمرات لا تعد في حياتي حدقت في صورتك أنت وابنتك كما أظن. وفي كل مرة يحترق قلبي وأحشائي بألم الذنب.... سامحنى يا سيدي".
غرقت الغرفة في الصمت. وتكلم الملازم ترافيس ثيبيو ضابط المخابرات البالغ من العمر 31 عاماً أولاً: "إننا جميعاً نذهب وفي ذهننا فكرة واحدة: إما نحن أو هم. ولا أظن أن شيئاً كهذا سيصمد أمام غلام في الثامنة أو التاسعة عشرة. ربما يصمد عندما يضغط الزناد، لكنه لن يصمد لعشر سنوات يقضيها على الطريق".
أما الكابتن موون فقال إنه هو ورفاقه الجنود ربما يجدون السلوى في معرفة: "إننا نقاتل من أجل قضية مقبولة أخلاقياً. إننا ننقل الديمقراطية إلى الشعوب". لكن، حتى الكابتن موون يخشى من أن لا يكون ذلك كافياً، حيث يقول متسائلاً: "ماذا لو أن الرأي العام ينقلب على هذه الحرب؟ إذا بات الشعب الأميركي يرى أن هذه الحرب غير عادلة، هل يجعل ذلك من القتل أمراً أكثر صعوبة؟".
هز الضباط أكتافهم غير عارفين. وحث الكولونيل كونراد ضباطه على إبقاء الحوار مستمراً مع جنودهم. فقال: "إذا أثرتم الموضوع هنا، فإن جنودكم سيعرفون أن بوسعهم اللجوء إليكم لاحقاً".
وول ستريت جورنال
http://www.watan.com/modules.php?op=...ticle&sid=2781
بالتدريج، بدأت كتابات الميجور كيلنر التي تشجع الضباط على التحدث إلى قواتهم عن القتل في المعركة والشعور بالذنب الذي عادة ما يأتي مع إزهاق روح أخرى، تجتذب الكثير من القراء. وقد قام محاضرون في المدرسة الشرطية العسكرية في ميسوري بتوزيعها لإثارة حوار حول أخلاقية القتل. وفي مدرسة الجيش للقساوسة الجدد في "ساوث كارولينا" تم تضمين كتابات كيلنر في مساق جديد سوف يطرح في وقت لاحق من هذه السنة حول كيفية نصح الجنود في موضوع أخلاقيات الحرب. ومؤخراً، اجتمعت كتيبة الوحدة 101 المحمولة جواً لمناقشة نظرياته حول القتل قبل نشرها في العراق في وقت لاحق من الخريف القادم.
يقول كيلنر: "حتى وقت قريب، لم أر أحداً يخاطب جماعة عن مشاعرهم إزاء القتل. إنه حديث غير مهذب وحسب، مثل سؤال شخص إن كان قد تعرض للإجهاض؟". ومع ذلك، فإن أربع سنوات من الاشتباك العنيف قد بدأت تغير الطريقة التي يتحدث بها الجيش عن موضوعه الذي كان من المحرمات لوقت طويل. وهو انتقال يقول الميجور كيلنر وآخرون من ضباط الجيش وأطباء النفس العسكريين إنه جاء متأخراً كثيراً عن أوانه.
معتمداً على رصيد كبير من الفلسفة، يقول الميجور كيلنر أن القتل يكون مقبولاً أخلاقياً عندما يشكل العدو خطراً على القيم التي تستحق القتال من أجلها، مثل قيم الحياة والحرية، وبحيث لا تكون هناك خيارات غير قاتلة لتجنب التهديد. وكانت ظلال من نفس الطرح قد استخدمت منذ قرون على يد الحكام والجنود لتبرير القتل في ميدان المعركة. ويقوم الميجور كيلنر الآن بحث ضباط الجيش على مساعدة جنودهم في مواجهة أخلاقية القتل على المستوى الفردي. ويقول كيلنر أن الفشل في مخاطبة هذه القضايا أثناء التدريب يمكن له أحياناً أن يشل الجنود في المعركة، وأن يتركهم عرضة للاضطرابات النفسية بعد أن تأتي المعركة إلى نهايتها. ويقول: "إن الهدف الذي أسعى إليه هو كسر المحرم. فلنشرع بالحديث ونرى ما الذي سينجم".
أصبحت وجهات نظر الجيش حول كيفية تجهيز الجنود للقتل خارج الخدمة على يد العميد س.ل.أ. مارشال خلال الحرب العالمية الثانية. فقد صمم الجنرال مارشال على أن أقل من 25% من حملة البنادق الأميركيين في حالة الاشتباك أطلقوا بنادقهم. وكتب: "إن الخوف من القتل أكثر من الخشية من تعرض المرء نفسه للقتل كان السبب المشترك الأبرز في فشل المعارك". وقد أثار النقاد أسئلة منذئذ عن مدى موثوقية معلومات الجنرال مارشال، لكن أطروحة التقرير، والقائلة بأن الجنود قد أحجموا عن ضغط الزناد، ظلت مقبولة على نطاق واسع.
التدريب الانعكاسي
للتغلب على هذه المقاومة، شرع الجيش بتدريب الجنود على أهداف متحركة تشبه الأهداف الحية أكثر شبهاً بما يحتمل أن يواجهوه في ساحة المعركة. ويكرر الجنود نفس التدريبات حتى يصبح رد فعلهم طبيعة ثانية عندهم. وقد أثمر ذلك التدريب، ففي فيتنام، أطلق 90% من الجنود نيرانهم. ويتذكر الميجور كيلنر الذي ذهب إلى العراق كجزء من فريق لكتابة التاريخ الرسمي للجيش في الحرب مقابلة مع جندي في تكريت كان يسير في دورية عندما مزقت طلقة قناص بزته العسكرية. ويقول الميجور كيلنر: "سمع الجندي المصدر، فاستدار وأطلق طلقتين على صدر القناص العدو وواصل السير كما لو لم يحصل شيء، وقد أحس القائد المرافق له بالفخر".
إن مثل هذا التدريب الانعكاسي جيد لأنه يبقي على الجندي حياً كما يقول الميجور كيلنر، لكنه يمكن أن يتسبب أيضاً بالمشاكل. وكان قد كتب في مقالة له عام 2002 في مجلة مختصة بالشؤون العسكرية تدعى "ميليتاري ريفيو": "عندما يكون التدريب العسكري قد أوهن الاستقلال الأخلاقي للجندي بشكل فعال، فإنه لا يتفكر في تصرفاته أخلاقياً إلا بعد أن تصبح واقعاً".
الجنود الذين لا يستطيعون تبرير تصرفاتهم سوف يكونون أكثر عرضة للمعاناة من شعور بالذنب، وللتعرض للكوابيس والتوتر العصبي، كما يقول. ولمساعدة الجنود، فإن القادة ينبغي أن يدعوا الجنود الذين ينفذون أوامر قانونية مشروعة يعرفون أن مشاعر الذنب بعد المعركة مشاعر طبيعية وليست "علامة على استحقاق اللوم أو الضعف العقلي" كما يقول.
أصبح الميجور كيلنر البالغ من العمر تسعة وثلاثين عاماً مهتماً بالضغط الناجم عن القتل في المعركة في وقت كان الجيش يولي فيه هذا الأمر قليلاً من الانتباه. على أنه لم ير المعارك بنفسه، إلا أنه قد خدم ضابطاً في الوحدة 82 المحمولة جواً. وبعد ذلك أرسله الجيش إلى معهد البوليتكنيك في فرجينيا وإلى جامعة الولاية أواسط التسعينيات ليحصل على درجة عليا في الفلسفة. ولما كان يبحث عن حقل للدراسة يكون ذا صلة، عاد إلى التدريس في "وست بوينت"، وقرر استكشاف التبريرات الأخلاقية للقتل في المعركة. وقد انهمك في الأدبيات الفلسفية للحرب. يقول: "بعد بضعة أشهر، كنت أتساءل إذا ما كان بوسعي أن أستمر في عملي في الجيش". وفي بحثه عن الإجابات، قرر إجراء بعض الأبحاث ووضع إعلاناً صغيراً في مجلة عسكرية أميركية محترفة: "إذا كنت قد مارست القتل في المعركة وتشعر أن ذلك كان مبرراً، فتفضل بإرسال تعليقك إليّ، وأنا أرغب التحدث إليك". وجاءت ردود الفعل سراعاً. وقد أرسل إليه أحد المحاربين القدامي في الحرب العالمية الثانية صفحة تلو الصفحة من آيات الإنجيل. وأرسل إليه محاربون قدامى آخرون بتجاربهم الطويلة المفصلة عن القتل. كما تلقى أيضاً بعض البريد الذي يضم "كراهية مطلقة"، كما يقول. وقد كتب إليه كولونيل متقاعد ومحارب قديم في فيتنام رسالة من صفحتين لا يزال يحتفظ بها، يتساءل فيها المرسل: "من أنت حتى تقول إن ما فعلته كان شيئاً خاطئاً؟" وقد أقنعته الاستجابات المتعاطفة والمحمومة بأنه كان في طريق التوصل إلى شيء ذي بال.
أنهى الميجور كيلنر دراسته العليا عام 1988 وذهب إلى "وست بوينت" بعد ذلك بشهور قليلة. وبعد وقت قصير من 11 أيلول، كتب بقلمه مقالة لمجلة "ميليتاري ريفيو" العسكرية المحترفة، قال فيه "إن الجنود يستحقون معرفة أن بوسعهم القتل على نحو أخلاقي ولماذا تعتبر مثل تلك التصرفات أخلاقية". وفي تلك المقالة، قال إن جنود الولايات المتحدة يجب أن يتصرفوا مثل "خط دفاع أخير من أجل الحق في الحياة والحرية"، وإنهم "ملزمون أخلاقياً" باستخدام القوة المميتة لإنقاذ الأبرياء. وينبغي لقوات الولايات المتحدة أيضاً أن تكون راغبة في الاضطلاع بمخاطر إضافية لنفسها وللتابعين لها من أجل التقليل من إمكانيات إلحاق الخطر بالمدنيين. وكتب: "ينبغي لنا أن نتذكر نداءنا: أن نخاطر بحياتنا من أجل حماية الأبرياء". وقد حظيت المقالة بقليل من الانتباه حتى جاءت حرب العراق. وبدأ الجنود يعودون إلى الوطن وهم يشكون معدلات اضطرابات ناجمة عن الإصابة بالجروج شبيهة بتلك التي تلت حرب فيتنام. وفي تموز 2004، نشرت مجلة نيو إنجلند الطبية أن ما يقارب 17% من المحاربين العائدين من العراق يعانون من الإحباط، والقلق الشديد أو الاضطرابات الناجمة عن الإصابة بالجروح.
إن وجود دليل ملموس يربط بين الشعور بالذنب جراء القتل والقلق الناجم عن الإصابة هو أمر محدود. وقد خلصت دراسة كانت أجريت عام 1999 إلى أن محاربي فيتنام الذين مارسوا القتل قد عانوا من وطأة الضغط العصبي الناجم عن الإصابة أكثر من أولئك الذين لم يقتلوا. وقد اعتمدت الدراسة التي أجرتها راشيل ماك نير، وهي عالمة نفسية ومعارضة للعنف على دراسة كان قد مولتها لجنة الكونغرس لإعادة تأهيل قدامى المحاربين في فيتنام منذ أواسط الثمانينيات.
ومع ذلك، فإن كثيراً من الجنود يقولون إن الصلة بين القتل وضغط المعارك حقيقية. الملازم جوناثان سيلك، الذي كان قد قاد إحدى فصائل فوج الخيالة المدرع الثاني، يقول إن جنوده قد تعرضوا للصدمة بشكل خاص لدى خوض معركتهم الأولى والوحيدة في وضح النهار. ويقول: "كان بوسعك أن ترى ما تفعله الأسلحة بالناس، كنت تستطيع أن ترى الأجساد مدمرة وممزقة إلى أشلاء".
خلال القتال، كان جنوده مبتهجين. وبعد ساعات قليلة فقط، يقول الملازم سيلك إن نائبه المشرف على العمليات كان يرتجف، بينما لم يتوقف جندي آخر عن الكلام... "كان هناك شرخ عاطفي يكتنف صوته". كما يقول. وقد طلب إلى قادته إرسال فريق من مستشاري الصحة العقلية للتحدث إلى قواته. ويقول الملازم سيلك: "لقد كان كل اهتمام نائبي منصباً على حقيقة كونه قد قتل عدداً كبيراً من الأعداء". وفي الجلسة مع المستشارين، تحدثوا عن السبب الذي أوجب عليهم فتح النار.
بعد ثمانية عشر شهراً من ذلك، كانت مشاهد تلك المعركة لا تزال تحوم. ويقول الملازم سيلك: "إن لدي شريط فيديو للمعركة لا يتوقف عن تكرار نفسه في رأسي". وقد أقنع القتال الضابط البالغ من العمر ستة وثلاثين عاماً بأنه بحاجة إلى التحدث أكثر مع قواته عن القتل قبل المعركة. وبشكل تقليدي، يعود الجنود الذين يمثلون دور الأعداء في التدريب إلى الحياة مباشراً بعد أن يتم "إطلاق النار" عليهم. وفي المستقبل، كما يقول الملازم سيلك، ربما يكون من المفيد أن يبقى الموتى مستلقين على الأرض. وعلى الجنود في نهاية المعركة أن يفسروا لماذا قتلوا ولماذا كان ذلك الأمر مسوغاً.
ويقول الملازم أيضاً أنه سيتحدث أكثر مع قواته بعد المعركة. ويضيف: "عظيم أن ترى الرئيس وهو يحدثنا عن مدى عدالة قضيتنا... لكنه لا يمارس القتل معنا. يحتاج الجنود إلى سماع ذلك من قادتهم المباشرين. وعلى هؤلاء القادة أن يفهموا لماذا يكون القتل صواباً".
"لن أعرف الإجابة"
ليس هناك برنامج راسخ أو تدريب للقادة الذين يرغبون التحدث إلى جنودهم عن القتل وما يليه، وعلى نحو يجعل القادة والجنود يضعون الحلول الخاصة بهم معاً. وقد كتب ذلك النقيب الذي أرسل بالبريد الألكتروني للميجور كيلنور عن رد الفعل بعد حادث القتل على حاجز الطرق إنه كان مسكوناً بالحادثة عندما عاد إلى الوطن بحيث لم يستطع النوم قبل أن يشرب ست علب من البيرة.
في الوقت الذي جرى فيه إطلاق النار، كان يشرف على حاجز للتفتيش قرب الفلوجة عندما اقتربت سيارة ثم حاولت الهرب على حين غرة. وعلى الفور أطلق ثمانية وعشرين صلية، ممزقاً صدر أحد الركاب. وقد كتب في تلك الرسالة الألكترونية: "كان الراكب الذي قتلته يحمل سلاحاً معمراً من نوع آ. كيه-47 على حضنه، والذي لم أكن قد رأيته عندما شرعت بإطلاق النار".
وبعد أن عاد إلى الولايات المتحدة، راجع مستشاراً للصحة العقلية، وهو ما ساعده قليلاً. وكذلك التحدث إلى الأصدقاء. لكنه كتب مؤخراً في رسالة ألكترونية من العراق، حيث يمر في منتصف السنة الثانية من خدمته التي تستمر سنتين: "ولكن جزءاً من المسألة يعود إلى اعتراف واعتقاد مفاده أنني قد وضِعت في ذلك الموقف من قبل قوة أعلى كانت تعرف ما هو الصواب واتخذت القرار المناسب. وسواء كنت أتبع هذه المعتقدات من باب التنفيس أو التصديق، فإنني اعتقد بإنني لن أعرف الإجابة إلا في الحياة الآخرة".
طلب النقيب عدم ذكر اسمه لأنه لم يخبر عائلته عن تجاربه في القتال. وهو يضيف: "لست واثقاً من أنهم سيقبلون أنني ضابط في القوات المسلحة، والذي لا يرى الجانب المعدَّل من الحرب". ويقول جنود آخرون إنهم شعروا بالحزن فقط بعد أن عادوا إلى الولايات المتحدة. ويقول السيرجنت داريل بروست، وهو جندي يبلغ من العمر 22 عاماً كان قد قاتل في العراق مع الوحدة المدرعة الأولى إنه لم يشعر بالضيق من تجاربه الحربية إلا عندما سألته عمته في حفلة أقيمت بمناسبة عودته إلى الوطن إذا ما كان قتل أحداً. وعندما أجاب بنعم، حط الصمت على الغرفة. ويقول عن ذلك: "لقد ضايقني رد فعل عائلتي فعلاً، فقد كان هناك حزن في أعينهم. وهو أمر لا يزال يضايقني حتى اليوم. إن الأمر وكأنما هم يتذكرونك بطريقة معينة وأنك الآن أصبحت مختلفاً".
تفسر ردود الأفعال من هذا الصنف لماذا يحاول بعض الضباط الآن أن يخمنوا كيفية تهيئة جنودهم قبل أن يوضعوا موضعاً يكونون مضطرين فيه للقتل. المقدم إريك كونراد، وهو قائد من الوحدة 101 المحمولة جواً التي اجتمعت أخيراً لمناقشة كتابات الميجور كيلنر أعرب عن مخاوفه إزاء الكيفية التي ربما تكون عليها ردة فعل جنوده الأربعمائة على المذبحة التي يحتمل أن يشاهدوها قريباً. ولا يوجد من جنوده من هو من قوات الجبهة الأمامية. وإنما تتكون الوحدة من الشرطة العسكرية وجنود الاستخبارات والمهندسين وسواق الشاحنات وخبراء الاتصالات.
في غرفة للاجتماعات في موطن الوحدة في منطقة فورت كامبل، كينتاكي، وزع الكابتن جيري موون، أحد قادة وحدة كونراد نسخاً من مقالات كيلنر على كافة الضباط في الفصيل. وفي اليوم التالي طرح سؤالاً على جماعة الضباط: لماذا يكون القتل أمراً لا بأس به؟ فقال الملازم جيمس ستيوارت: "إذا لم تقم بذلك هناك، فإنهم سوف يأتون إلى هنا ويفعلون ذلك بعائلتك كما حدث في مركز التجارة العالمي. إنه إما دستورنا أو إسلامهم المتطرف". أما الضباط الآخرون فقد تحدثوا عن الوحشية التي قتل بها المتمردون الرهائن العراقيين والأجانب، داعين إياهم بشراً عصابيين وسيكوباتيين.
بينما كان الضباط يتحدثون، أخرج الكابتن موون بهدوء كتاباً بعنوان: "أضحيات عند الجدار"، وهو منشور يضم صوراً تذكر بالموت من محفوظات محاربي فيتنام القدامى في واشنطن. وقلب الكتاب على صفحة تحتلها صورة بالية لجندي فيتنامي وابنته ذات الضفيرة كان قد تركها جندي أميركي فيما ترك من محفوظاته. ثم قرأ بصوت مسموع رسالة لا صاحب لها تصاحب الصورة:
"سيدي العزيز. لاثنتين وعشرين سنة حملت صورتك في محفظتي. كنت في الثامنة عشرة فقط في ذلك اليوم الذي تقابلنا فيه أنا وأنت... لماذا لم تأخذ أنت حياتي، فذلك ما لن أستطيع أن أعرفه أبداً.. لقد حدقت فيّ طويلاً، مسلحاً ببندقيتك آ.كي-47، ومع ذلك لم تطلق النار. سامحنى على أنني أزهقت حياتك. لمرات لا تعد في حياتي حدقت في صورتك أنت وابنتك كما أظن. وفي كل مرة يحترق قلبي وأحشائي بألم الذنب.... سامحنى يا سيدي".
غرقت الغرفة في الصمت. وتكلم الملازم ترافيس ثيبيو ضابط المخابرات البالغ من العمر 31 عاماً أولاً: "إننا جميعاً نذهب وفي ذهننا فكرة واحدة: إما نحن أو هم. ولا أظن أن شيئاً كهذا سيصمد أمام غلام في الثامنة أو التاسعة عشرة. ربما يصمد عندما يضغط الزناد، لكنه لن يصمد لعشر سنوات يقضيها على الطريق".
أما الكابتن موون فقال إنه هو ورفاقه الجنود ربما يجدون السلوى في معرفة: "إننا نقاتل من أجل قضية مقبولة أخلاقياً. إننا ننقل الديمقراطية إلى الشعوب". لكن، حتى الكابتن موون يخشى من أن لا يكون ذلك كافياً، حيث يقول متسائلاً: "ماذا لو أن الرأي العام ينقلب على هذه الحرب؟ إذا بات الشعب الأميركي يرى أن هذه الحرب غير عادلة، هل يجعل ذلك من القتل أمراً أكثر صعوبة؟".
هز الضباط أكتافهم غير عارفين. وحث الكولونيل كونراد ضباطه على إبقاء الحوار مستمراً مع جنودهم. فقال: "إذا أثرتم الموضوع هنا، فإن جنودكم سيعرفون أن بوسعهم اللجوء إليكم لاحقاً".
وول ستريت جورنال
http://www.watan.com/modules.php?op=...ticle&sid=2781