ولادة الامام المهدي (ع):
ولد عليه السلام عند الفجر من يوم النصف من شهر شعبان وحيث يقع الفجر ما بين الليل والنهار، فقد عبر بعضهم ان ولادته كانت في الليل وبعضهم عبر باليوم حيث قال: في يوم الجمعة كالصدوق في اكمال الدين وابن خلكان في الوفيات .
أما عام ولادته فالمشهور انه عام 255هـ وليس على ذلك اعتراض إلا ما يذكره الكليني في الكافي والصدوق في اكمال الدين. فإنهما يرويانها على وجهين ، فتارة قالا : انه ولد عام 255هـ وتارة اخرى قالا : انه ولد عام 256هـ ، وتنافيهما في الرواية يوجب الأخذ بالمشهور كما هو واضح .
وعلى ذلك يكون قد ولد عليه السلام بعد وفاة جده الامام الهادي عليه السلام بحوالي عام ، وبعد مجئ المهتدي العباسي إلى الحكم بأقل من شهر. حيث استخلف المهتدي لليلة بقيت من رجب وولد الامام المهدي في النصف من شعبان في نفس العام. وبقى المهتدي في الحكم حوالي عام واحد حيث ازاله الأتراك وبايعوا المعتمد عام 256هـ وبقي المعتمد في الحكم ثلاثاً وعشرين سنة ، حتى عام 279هـ على ما سمعنا فيما سبق .
ويعاصر الامام المهدي عليه السلام من حياة ابيه خمس سنوات ، حيث يصعد أبوه إلى الرفيق الأعلى عام 260هـ على ما سبق ان عرفنا. وقد انصب النشاط الرئيسي خلال ذلك على امرين رئسيين : احدهما : الحذر التام من السلطة الحاكمة . ثانيهما : تعرف خواص ابيه (ع) .
ومهما يكن من أمر ، فالمهم الآن ان نحمل فكرة عما تدلنا عليه الروايات من حوادث ولادة الامام المهدي عليه السلام:
ان الامام العسكري عليه السلام تزوره عمته حكيمة في يوم من الأيام ، وتبقى عنده إلى المساء . وحين تريد ان تنصرف يرجوها الامام عليه السلام ان تبيت في داره هذه الليلة ، فإنه سيولد فيها المولود الكريم على الله عز وجل ، حجة الله في أرضه . فتسأله العمة : ومن أمه ؟. فيقول الامام عليه السلام : ترجس ! فتنفي العمة أن يكون بنرجس اثر للحمل . فيؤكد لها الامام (ع) ذلك قائلاً : هو ما أقول لك فتفحصها العمة جيداً وتقلبها ظهراً لبطن فلا تجد أثر الحمل . فتعود فتخبره تارة أخرى . فيبتسم الامام عليه السلام ويعطيها الحجة الواضحة والمبرر الالهي الصحيح في ذلك ، قائلاً : إذا كان وقت الفجر يظهر لك الحبل .. لأن مثلها كمثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى عليه السلام . وهذا نظير موسى عليه السلام .
وحاصل البرهان الذي يتضمنه كلام الامام عليه السلام بعد ايضاح مقدماته هو: أن الله تبارك وتعالى اقتضت حكمته الازلية ان يستهدف في خلق البشرية هدايتها وارشادها واخراجها من الظلمات إلى النور . قال تعالى : "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ولاجل هذا الهدف الأعلى كانت بعثات الانبياء والرسل مبشرين ومنذرين . ومن هنا كان وعد الله القاطع بإقامة دولة الحق على الأرض . فإن الأرض لله يرثها عباده المتقون
والهدف الالهي إذا كان لزومياً ومهما ، توصل الله تعالى اليه بقدرته ، بما شاء من الوسائل والطرق ، فإنه القادر على كل شيء الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون . فان كان في الامكان تحقق الهدف بالطريق الطبيعي ، فهو .. والا توصل الله تعالى إلى ايجاده عن طريق خرق النظام الكوني الطبيعي بالمعجزات . كما تحدثنا عنه وفصلنا القول فيه في رسالتنا عن المعجزة في المفهوم الاسلامي وأهون بالجهد البشري أن يكون حائلاً أو مانعاً بين ارادة الله تعالى وبين تنفيذ ما يريده من الأهداف في خلقه .
وإذ يكون ضغط السلطات الحاكمة عالياً، ويكون لوجود الفرد المطارد أثراً مهم في تحقق الهدف الالهي ، ولم يمكن حفظه من السلطات بطريق طبيعي، اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي .. توصلا إلى الهدف الكبير وهو هداية البشرية في مستقبل الدهر.
وبين يدينا الآن مثالاً لذلك : احدهما : النبي موسى بن عمران على نبينا وعليه السلام . فان الله تعالى حين تعلق غرضه المهم الملزم بهداية البشرية به في زمان مستقبل .. وكان ذلك متوقفاً على ولادته صحيحاً سالماً ولم يكن ذلك ممكناً للضغط العالي التوجه من قبل سلطات فرعون يومئذ . اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي تحفظاً على الغرض الالهي الكبير الذي سيكون موسى عليه السلام المسؤول الرئيسي لتنفيذه وتطبيقه في حينه.
المثال الثاني : الامام المهدي عليه السلام الذي تعلق الغرض الالهي المهم الملزم بهداية البشرية به في الزمان المستقبل وتنفيذ وعد الله تعالى بدولة الحق على يده . وذلك يتوقف على ولادته وبقائه سالماً . ومن هنا افاض الله تعالى عنايته الخاصة وارادته اللانهائية ، تحفظاً على غرضه الكبير وتحدياً للجهد البشري المتواضع الذي تبذله السلطات .. بإقامة المعجزة في اخفاء الحمل من ناحية وفي بقائه أمداً طويلاً من الدهر من ناحية ثانية .
وحيث كان المثال الأول واضحاً في اذهان المسلمين ، اذن فلا بعد في قدرة الله تعالى أن يقوم بذلك بالنسبة إلى المهدي (ع) ايضاً. والمعجزة في اخفاء الحمل يكون – في الأرجح – على هذا الترتيب : وهو ان النطفة خلال مدة الحمل تنمو ببطء شديد أو لا تنمو على الاطلاق ، ثم انها قبل الولادة بوقت قصير قد لا يزيد على دقائق تنمو بسرعة حتى يكتمل الجنين ، ويكون قابلاً للميلاد ، في الجو السري الخاص البعيد عن أعين السلطات
وبذلك لا يتمكن أحد من الفاحصين حتى القوابل ، خلال المدة الاعتيادية للحمل .. من التعرف على وجوده . فضلاً عن مجرد النظر. وذلك : لأن الطب إلى يومنا الحاضر عاجز عن التعرف إلى الحمل في شهره الأول ، فكيف بالعصور السابقة .. عصور الخلافة العباسية فلو بقي الجنين ، بارادة الله تعالى ، على شكله في الشهر الأول طيلة مدة الحمل ، لم يتمكن أحد ان يخمن وجود الحمل على الاطلاق ، في تلك العصور.
ولا يخفانا أيضاً ، ما في التوقيت في الفجر ، من اهمية خاصة في زيادة الحذر والخفاء ، فإن هذه العائلة كانت في ذلك الوقت في يقظة . وكل من يتولى السلطة والتجسس يغط في نوم عميق .
ثم ان حكيمة إذ تسمع تأكيد الامام عليه السلام ، تعود إلى نرجس فتخبرها بما قال وتسألها عن حالها . فتقول نرجس : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا . ثم ان نرجس نامت واشتغلت حكيمة بالصلاة ، لكي تؤدي صلاة الليل ، وجلست للدعاء عقيب الصلاة ، وهي في كل ذلك ترقب نرجس . فلا تجد عليها إلا النوم الهادي لا تقلب جنباً عن جنب . وهناك من الأخبار ما يدل على أن نرجس نفسها قامت من نومتها فأدت صلاة الليل ثم نامت مرة اخرى . وهي لا تحس بشيء.
حتى إذا كان وقت طلوع الفجر ، وثبت نرجس من نومها فزعة ، فضمتها حكيمة إلى صدرها . وقالت لها : اسم الله عليك ، هل تحسين بشيء . قالت : نعم يا عمة. أقول: نعرف من ذلك ان جنينها قد كبر واكتمل . وتم هذا في دقائق أو أقل . وهذا يفسر لنا وثوبها من نومها فزعة .
وهنا يأمر الامام عليه السلام حكيمة بأن تقرأ عليها سورة الدخان التي تبدأ بقوله تعالى : "بسم الله الرحمن الرحيم . حم . والكتاب المبين . انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كما مرسلين" . ولا يخفى ما في قراءة هذه الأيات من المناسبة لقتضى الحال .
وحينما يحين وقت الولاة ، يحدث نوع من الغموض بين الأمرأتين بحيث لا تطلع حكيمة على نرجس ، وقد عبر عن ذلك في بعض الروايات بالفترة .. وهي نوع من الغفلة أو النعاس .. أصابتهما معاً . وعبر عنه في رواية اخرى ، بقول حكيمة : حتى غيبت عني نرجس فلم أرها ، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب . والمعنى المفهوم منها واحد ، والغرض منه هو عدم الاطلاع على نرجس حين خروج الامام عليه السلام .
وتنتبه حكيمة، فتجد الامام المهدي عليه السلام ساجداً على الأرض
وينزل الحجة المهدي عليه السلام إلى الأرض بدون دماء نظيفاً مفروغاً منه فيستدعى به أبوه عليه السلام ، فتحمله حكيمة اليه ، فيأخذه ويضع لسانه في فيه ويمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله. ثم يقول له : تكلم يا بني. فقال:اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى ان وقف على ابيه . ثم احجم .
ونحن كمسلمين ، لا ينبغي ان تستغرب ذلك أو بستنكره ، فانه ليس بدعاً في الدهر ، وليس شاذاً في افعال الله تعالى وقدرته الكبرى. وهذا القرآن يصرح بكل وضوح بنطق عيسى بن مريم في المهد : "قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبياً .." اذن فهو نبي في صغره ايضاً ، والمهدي عليه السلام له الشبه به من كلتا الناحيتين . أما النطق فباعتبار هذا الذي سمعناه . وأما الامامة في الصغر فلانه تولاها وعمره خمس سنوات بعد وفاة ابيه عام 260 للهجرة .
من كتاب تاريخ الغيبة الصغرى
لآية الله العظمى السيد محمدالصدر ( قدس سره)
ولد عليه السلام عند الفجر من يوم النصف من شهر شعبان وحيث يقع الفجر ما بين الليل والنهار، فقد عبر بعضهم ان ولادته كانت في الليل وبعضهم عبر باليوم حيث قال: في يوم الجمعة كالصدوق في اكمال الدين وابن خلكان في الوفيات .
أما عام ولادته فالمشهور انه عام 255هـ وليس على ذلك اعتراض إلا ما يذكره الكليني في الكافي والصدوق في اكمال الدين. فإنهما يرويانها على وجهين ، فتارة قالا : انه ولد عام 255هـ وتارة اخرى قالا : انه ولد عام 256هـ ، وتنافيهما في الرواية يوجب الأخذ بالمشهور كما هو واضح .
وعلى ذلك يكون قد ولد عليه السلام بعد وفاة جده الامام الهادي عليه السلام بحوالي عام ، وبعد مجئ المهتدي العباسي إلى الحكم بأقل من شهر. حيث استخلف المهتدي لليلة بقيت من رجب وولد الامام المهدي في النصف من شعبان في نفس العام. وبقى المهتدي في الحكم حوالي عام واحد حيث ازاله الأتراك وبايعوا المعتمد عام 256هـ وبقي المعتمد في الحكم ثلاثاً وعشرين سنة ، حتى عام 279هـ على ما سمعنا فيما سبق .
ويعاصر الامام المهدي عليه السلام من حياة ابيه خمس سنوات ، حيث يصعد أبوه إلى الرفيق الأعلى عام 260هـ على ما سبق ان عرفنا. وقد انصب النشاط الرئيسي خلال ذلك على امرين رئسيين : احدهما : الحذر التام من السلطة الحاكمة . ثانيهما : تعرف خواص ابيه (ع) .
ومهما يكن من أمر ، فالمهم الآن ان نحمل فكرة عما تدلنا عليه الروايات من حوادث ولادة الامام المهدي عليه السلام:
ان الامام العسكري عليه السلام تزوره عمته حكيمة في يوم من الأيام ، وتبقى عنده إلى المساء . وحين تريد ان تنصرف يرجوها الامام عليه السلام ان تبيت في داره هذه الليلة ، فإنه سيولد فيها المولود الكريم على الله عز وجل ، حجة الله في أرضه . فتسأله العمة : ومن أمه ؟. فيقول الامام عليه السلام : ترجس ! فتنفي العمة أن يكون بنرجس اثر للحمل . فيؤكد لها الامام (ع) ذلك قائلاً : هو ما أقول لك فتفحصها العمة جيداً وتقلبها ظهراً لبطن فلا تجد أثر الحمل . فتعود فتخبره تارة أخرى . فيبتسم الامام عليه السلام ويعطيها الحجة الواضحة والمبرر الالهي الصحيح في ذلك ، قائلاً : إذا كان وقت الفجر يظهر لك الحبل .. لأن مثلها كمثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى عليه السلام . وهذا نظير موسى عليه السلام .
وحاصل البرهان الذي يتضمنه كلام الامام عليه السلام بعد ايضاح مقدماته هو: أن الله تبارك وتعالى اقتضت حكمته الازلية ان يستهدف في خلق البشرية هدايتها وارشادها واخراجها من الظلمات إلى النور . قال تعالى : "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ولاجل هذا الهدف الأعلى كانت بعثات الانبياء والرسل مبشرين ومنذرين . ومن هنا كان وعد الله القاطع بإقامة دولة الحق على الأرض . فإن الأرض لله يرثها عباده المتقون
والهدف الالهي إذا كان لزومياً ومهما ، توصل الله تعالى اليه بقدرته ، بما شاء من الوسائل والطرق ، فإنه القادر على كل شيء الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون . فان كان في الامكان تحقق الهدف بالطريق الطبيعي ، فهو .. والا توصل الله تعالى إلى ايجاده عن طريق خرق النظام الكوني الطبيعي بالمعجزات . كما تحدثنا عنه وفصلنا القول فيه في رسالتنا عن المعجزة في المفهوم الاسلامي وأهون بالجهد البشري أن يكون حائلاً أو مانعاً بين ارادة الله تعالى وبين تنفيذ ما يريده من الأهداف في خلقه .
وإذ يكون ضغط السلطات الحاكمة عالياً، ويكون لوجود الفرد المطارد أثراً مهم في تحقق الهدف الالهي ، ولم يمكن حفظه من السلطات بطريق طبيعي، اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي .. توصلا إلى الهدف الكبير وهو هداية البشرية في مستقبل الدهر.
وبين يدينا الآن مثالاً لذلك : احدهما : النبي موسى بن عمران على نبينا وعليه السلام . فان الله تعالى حين تعلق غرضه المهم الملزم بهداية البشرية به في زمان مستقبل .. وكان ذلك متوقفاً على ولادته صحيحاً سالماً ولم يكن ذلك ممكناً للضغط العالي التوجه من قبل سلطات فرعون يومئذ . اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي تحفظاً على الغرض الالهي الكبير الذي سيكون موسى عليه السلام المسؤول الرئيسي لتنفيذه وتطبيقه في حينه.
المثال الثاني : الامام المهدي عليه السلام الذي تعلق الغرض الالهي المهم الملزم بهداية البشرية به في الزمان المستقبل وتنفيذ وعد الله تعالى بدولة الحق على يده . وذلك يتوقف على ولادته وبقائه سالماً . ومن هنا افاض الله تعالى عنايته الخاصة وارادته اللانهائية ، تحفظاً على غرضه الكبير وتحدياً للجهد البشري المتواضع الذي تبذله السلطات .. بإقامة المعجزة في اخفاء الحمل من ناحية وفي بقائه أمداً طويلاً من الدهر من ناحية ثانية .
وحيث كان المثال الأول واضحاً في اذهان المسلمين ، اذن فلا بعد في قدرة الله تعالى أن يقوم بذلك بالنسبة إلى المهدي (ع) ايضاً. والمعجزة في اخفاء الحمل يكون – في الأرجح – على هذا الترتيب : وهو ان النطفة خلال مدة الحمل تنمو ببطء شديد أو لا تنمو على الاطلاق ، ثم انها قبل الولادة بوقت قصير قد لا يزيد على دقائق تنمو بسرعة حتى يكتمل الجنين ، ويكون قابلاً للميلاد ، في الجو السري الخاص البعيد عن أعين السلطات
وبذلك لا يتمكن أحد من الفاحصين حتى القوابل ، خلال المدة الاعتيادية للحمل .. من التعرف على وجوده . فضلاً عن مجرد النظر. وذلك : لأن الطب إلى يومنا الحاضر عاجز عن التعرف إلى الحمل في شهره الأول ، فكيف بالعصور السابقة .. عصور الخلافة العباسية فلو بقي الجنين ، بارادة الله تعالى ، على شكله في الشهر الأول طيلة مدة الحمل ، لم يتمكن أحد ان يخمن وجود الحمل على الاطلاق ، في تلك العصور.
ولا يخفانا أيضاً ، ما في التوقيت في الفجر ، من اهمية خاصة في زيادة الحذر والخفاء ، فإن هذه العائلة كانت في ذلك الوقت في يقظة . وكل من يتولى السلطة والتجسس يغط في نوم عميق .
ثم ان حكيمة إذ تسمع تأكيد الامام عليه السلام ، تعود إلى نرجس فتخبرها بما قال وتسألها عن حالها . فتقول نرجس : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا . ثم ان نرجس نامت واشتغلت حكيمة بالصلاة ، لكي تؤدي صلاة الليل ، وجلست للدعاء عقيب الصلاة ، وهي في كل ذلك ترقب نرجس . فلا تجد عليها إلا النوم الهادي لا تقلب جنباً عن جنب . وهناك من الأخبار ما يدل على أن نرجس نفسها قامت من نومتها فأدت صلاة الليل ثم نامت مرة اخرى . وهي لا تحس بشيء.
حتى إذا كان وقت طلوع الفجر ، وثبت نرجس من نومها فزعة ، فضمتها حكيمة إلى صدرها . وقالت لها : اسم الله عليك ، هل تحسين بشيء . قالت : نعم يا عمة. أقول: نعرف من ذلك ان جنينها قد كبر واكتمل . وتم هذا في دقائق أو أقل . وهذا يفسر لنا وثوبها من نومها فزعة .
وهنا يأمر الامام عليه السلام حكيمة بأن تقرأ عليها سورة الدخان التي تبدأ بقوله تعالى : "بسم الله الرحمن الرحيم . حم . والكتاب المبين . انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كما مرسلين" . ولا يخفى ما في قراءة هذه الأيات من المناسبة لقتضى الحال .
وحينما يحين وقت الولاة ، يحدث نوع من الغموض بين الأمرأتين بحيث لا تطلع حكيمة على نرجس ، وقد عبر عن ذلك في بعض الروايات بالفترة .. وهي نوع من الغفلة أو النعاس .. أصابتهما معاً . وعبر عنه في رواية اخرى ، بقول حكيمة : حتى غيبت عني نرجس فلم أرها ، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب . والمعنى المفهوم منها واحد ، والغرض منه هو عدم الاطلاع على نرجس حين خروج الامام عليه السلام .
وتنتبه حكيمة، فتجد الامام المهدي عليه السلام ساجداً على الأرض
وينزل الحجة المهدي عليه السلام إلى الأرض بدون دماء نظيفاً مفروغاً منه فيستدعى به أبوه عليه السلام ، فتحمله حكيمة اليه ، فيأخذه ويضع لسانه في فيه ويمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله. ثم يقول له : تكلم يا بني. فقال:اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى ان وقف على ابيه . ثم احجم .
ونحن كمسلمين ، لا ينبغي ان تستغرب ذلك أو بستنكره ، فانه ليس بدعاً في الدهر ، وليس شاذاً في افعال الله تعالى وقدرته الكبرى. وهذا القرآن يصرح بكل وضوح بنطق عيسى بن مريم في المهد : "قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبياً .." اذن فهو نبي في صغره ايضاً ، والمهدي عليه السلام له الشبه به من كلتا الناحيتين . أما النطق فباعتبار هذا الذي سمعناه . وأما الامامة في الصغر فلانه تولاها وعمره خمس سنوات بعد وفاة ابيه عام 260 للهجرة .
من كتاب تاريخ الغيبة الصغرى
لآية الله العظمى السيد محمدالصدر ( قدس سره)
تعليق