من وسوس للسنيورة عدم متابعة العلاقة السوية مع كل من لحود ودمشق؟!
افتعال المؤتمر الاقتصادي دون تحضير لمجرد التواجد المتزامن مع وجود لحود !
«كيمياء» الديموقراطية الاميركية تحوّل العسكريين الى مدنيين .. !
الولايات المتحدة ـ محمد باقر شري
«زأرة» العز الوطنية والقومية التي أطلقها شارل أيوب، وما تضمنته من شهامة اخلاقية وخاصة ما يتعلق بالاستمرار في الوقوف الى جانب سوريا في وجه الحملة الشرسة التي تستهدفها، بل وزيادة جرعة التضامن معها في وجه الاخطار التي تهددها وتهدد وطننا لبنان والتي سمعها الملايين عبر احدى الفضائيات امس الاول، تركت اصداءها العميقة في اوساط الانتشار اللبناني في الولايات المتحدة، حتى الذين قد يخالفونه في الاتجاه والمواقف، اشادوا بشجاعة موقفه وتأثروا للصدقية الواضحة في وقفته الاعزازية الوفية للمبادىء في زمن التخلي عن ادعاء الاخلاص للعلاقة المميزة مع الشقيقة. من جانب الذين كانوا يعتبرون انفسهم ويعتبرهم «الرأي العام» «سدنة وحراساً» لهذه العلاقة القومية المميزة، والذين كانوا يطلبون ود وصداقة دمشق ويجدون «السعادة» عندما يحظون برضى من اصبحوا ينددون بهم الآن من قيادات امنية وما يسمونه الآن «النظام الامني السوري ـ اللبناني»، دون ان نعرف ما اذا كان تخليهم عن الوقوف مع دمشق في وجه الهجمة الخارجية الشرسة، قد حدث بسبب الاخطاء التي ارتكبتها «قوى الاستطلاع السوري في لبنان» ام لانهم يعتقدون ان تأثيرها في مجريات الاحداث في لبنان قد انحسر؟
يقول صاحب الصرخة القومية المجبولة بالشهامة الاخلاقية، انه اصبح الآن اكثر تمسكاً بالتضامن مع الشقيقة، اولاً لان الشقيق عند الضيق، وثانياً لأن ما كان يقع من اخطاء مشكو منها، قد انتهى واذا نكرر حصول مثل هذه الاخطاء بصورة مباشرة او غير مباشرة، فاننا نقف ضدها ليس من اجلنا نحن فقط بل من اجل اشقائنا انفسهم «لان صديقك او شقيقك من صدقك لا من صدّقك» وعندما كانت الاغلبية الساحقة من المنددين او المنقلبين على الصداقة مع القيادة السورية او «المطنشين» عما يلحق بها من اذى وما تتعرض اليه من حملات مسعورة، تنحني امام اصغر «امني» ينتمي الى سوريا الشقيقة، كنا نحن وفي اوج اعزازنا بها وحرصنا على المودة معها، نندد بالاخطاء وبصوت مدو، في حين كان الذين يتعاطون مع «قوى الاستطلاع» ويشيدون حتى «بدورها الامني» ويستمدون منه «قوتهم ونفوذهم»، قد تحولوا الآن اما الى مطلقين لعنان السنتهم ضد دورها الامني، الذي كانوا يعتبرونه «دوراً انقاذياً». او «شياطين خرساً» يعتصمون بالصمت على كل ما يدبر لسوريا ولبنان، على السواء، كجسر للعبور الى ضفة «المهمين الجديد الاجنبي» الذي اخذ يعيث فساداً في طول البلاد وعرضها، ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة ويعقد الاجتماعات مع القيادات التي حملت «قميص» الرئيس الشهيد، سواء على مرأى ومسمع اللبنانيين في العاصمة او في الساحل والجبل، واذا كان هنالك من القيادات من يريد ان يكون اللقاء في ظل صانعي القرار 1559 مباشرة، فلتكن اللقاءات في اي عاصمة متمسكة بما يتضمنه القرار 1559، من اهداف ومطالب اسرائيلية مئة بالمئة، جنباً الى جنب مع تحوّل القيادات الفرنسية الحالية الى «رأس حربة» لتحقيق مطالب اسرائيل في ما يخص «الملف النووي الايراني!» ولا تفسير لهذا «التحول الانمساخي» في السياسة الفرنسية وهذه «الذيليه الخدماتية» للطروحات الصهيو ـ اميركية في كل ما يتعلق بالمواضيع الشرق اوسطية وحتى العراقية منها، والتي كانت مواقف باريس منها غداة الغزو الانغلو ـ اميركي للعراق، تشكل بقعة مضيئة في ديجور الانحياز الاورو ـ اميركي، الاعمى للكيان العنصري المزروع في قلب المنطقة وعلى ارض الآراميين والكنعانيين العرب في فلسطين!
ولقد قال «صاحب الديار» في صرخته: انه يظل صديقا لسوريا وتزداد صداقته لها رغم انها عملت على اسقاطه مرتين. لانه لا ينطلق في موقفه وهو موقف نادر المثال في وضوحه وصدقيته ويتخذ موقف «التضامن الحازم» وغير المتردد مع سوريا في «محنتها» باعدقائها (الذين تحولوا بحكم انتهازيتهم وطبائع الغدر عندهم من اصدقاء الى اعداء) المواكبة لمحنتها الاخرى في تحمل عبء الصمود والممانعة بالنيابة عن جميع العرب، وهي ليست المرة الاولى التي تنفرد سوريا في موقف مغاير لمواقف معظم الانظمة العربية بحيث يثبت الزمن بأن انفرادها هو المحق وان اجماع غيرها هو الخطأ: فحتى عندما كان معظم القيادات العربية يقف مع صدام في حربه ضد ايران وينادي بعضهم ممن «يسوّق» الآن للتطبيع العلني مع اسرائيل. من على منصة الامم المتحدة (بحضور شارون وشالوم) ينادي باعتبار طهران اولى بالعداء والتصنيف «كعدو اول» للعرب. من اسرائيل، كانت دمشق تقف وحدها ضد غزو صدام لايران، ثم تقف بعد ذلك ضد غزو صدام للكويت، ولا ننسى كيف ان الذين كانوا يشهرون خناجرهم في وجه سوريا والذين حاولوا ان يغرزوه في ظهرها خلال فترة تحالفهم مع صدام، قد سارعوا بعد ان غزاهم صدام، الى «طلب المغفرة والعفو الصفح» من قائد سوريا التاريخي البعيد النظر، حافظ الاسد.
ونحن رغم كل مدلهمات الخطوب نكاد نعتقد اعتقاداً يقينياً بأنه سيأتي يوم ـ ونرجو صادقين الا يأتي ـ قد نبكي فيه على الدور السوري على ما فيه من اخطاء فادحة. ولو كنا «نفعل» لما كان يضرنا شيء، لو ابقينا ما بيننا وبين سوريا عامراً.. حتى ولو كان ما بيننا وبين الاجنبي خراب!» علماً أننا كنا نستطيع ان نجمع الامرين، فلا نقطع مع الأجنبي ولا نهدم ما بيننا وبين القيادة السورية «الحالية» من اواصر... ونصر على كلمة «الحالية» لاننا لسنا مع اعلان الاستاذ وليد جنبلاط بأنه من المستحيل ابقاء العلاقات السليمة مع سوريا، بوجود النظام الحالي وخاصة انه بذلك يتراجع عن موقف متقدم في اعادة السوية في علاقاته مع النظام السوري، عندما قال: بان ما صدر منه من مواقف عدائية تجاه القيادة السورية الحالية في دمشق، بعد استشهاد الرئيس الحريري، كان نتيجة الانفعال والغضب، لأن الانسان في مثل هذه الحالات يفقد صوابه، علماً ان كل ما هو مطلوب من كل المنادين «بالتارات» بمن فيهم عائلة الحريري، ان يضبطوا مواقفهم بانتظار الانتهاء من التحقيق الدولي الذي اقترحوه هم انفسهم، وخاصة انهم كانوا قد بدأوا يسلكون هذا السلوك الحكيم، عندما ذهب الرئيس السنيورة الى دمشق، والتقى فيها القيادات على اعلى المستويات، وكان يستطيع المضي في هذه العلاقات قدما، ولكنه تراجع عن هذا السلوك واصاخ السمع بكلتى اذنيه، الى سفيري القرار 1559، واخذ يستنبط الوسائل للوصول الى نيويورك بعد أن «خالف» قرار مجلس الوزراء الذي قرر طبيعة تشكيل الوفد الى الامم المتحدة، على ان يكون في عداده جنباً الى جنب مع الرئيس لحود، ووقع تحت اغراء من زيّنوا له ان يلعب الدور الذي سبق ان جربه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولم يصل فيه الى اي نتيجة وذلك باحياء «سنّة» اللقاءات مع رؤساء الدول، والتي لم يجن منها ـ رحمه الله وطيب مثواه ـ غير التقاط الصور معهم، اما «وعودهم» المانحة فقد ذهبت ادراج الرياح. وكان لا بد من تسريع عقد اجتماع مستعجل تحضره وفود الدول المانحة وان يكون مكانه في نيويورك حتى لو تم ارتجاله ودون اعداد كاف، لا لشيء بل لكي يصل الى نيويورك على موازاة تواجد الرئيس لحود فيها، فاذا كانت فاتته الاضواء التي سلطت على رحلة لحود وخطابه ولقاءاته، والتي كان يظن بانها ستكون تعتيماً كاملا وعزلة تامة يحيط برحلة الرئيس لحود بل كان يعتقد مع جميع اجنحة تيار المستقبل، بأن الرئيس لحود سيتراجع عن قرار مجلس الوزراء الذين يقضي بتأليف الوفد اللبناني الى الامم المتحدة برئاسته، فاذا بالرئيس لحود قد أُعطي العزيمة بأن يمضي قدماً في الذهاب الى الامم المتحدة مع اعلان «شعوره براحة الضمير» وبان الذين يحاولون عزلته لن ينجحوا في مساعيهم.. وخاصة انه يتصرف «كبريء من دم هذا الصدّيق» كما تصرف بيلاطس في نظرهم، او «براءة الذئب من دم ابن يعقوب»، كما يعتقد هو، علماً انه يرفض ان ينعت «بالذئب» رغم براءته من دم ابن يعقوب!
واذا كانت تبدو على وجه الرئيس لحود «مظاهر البراءة وراحة الضمير» رغم وطأة ما يتعرض له من اتهامات وهجمات تنوء بها الجبال، فاننا نجد علائم «القلق الشديد» على وجه رئيس الوزراء لانه موزع بين ثلاثة مشاعر متضاربة: الشعور الأول: انه يتولى رئاسة الحكومة ويقوم بدوره في واحد من اعلى المناصب في البلاد و«وكخليفة» ـ ولو موقت ـ للرئيس الحريري في هذا المنصب، وهذا المنصب صحيح انه ليس منصباً متوارثاً، ولكن الظروف والاقدار شاءت بعد غياب الرئيس الحريري، ان يصل السنيورة الى هذا المستوى من الشعور بالاهمية، اما الشعور الثاني، فهو انه قد اوغل كثيراً في التصرف وكأن رئيس الدولة العماد لحود هو «مدان سلفاً» بدليل قول السنيورة في بيان بدا وكأنه «البلاغ رقم واحد الذي يقال اثر الانقلابات العسكرية» بأن العقاب الصارم سوف يطال اي انسان مهما كان شأنه أو علا مقامه، حتى لو كان في اعلى المناصب، وهو بذلك يلمح الى الرئيس لحود.. وفي الوقت ذاته على طريقة: «آخذها.. لا آخذها» فانه من جهة يحضر الى القصر الجمهوري لعقد جلسة مجلس الوزراء برئاسة من يوحي صراحة بمسؤوليته عن «الجريمة العظمى».. ومن جهة ثانية يرفض الذهاب معه في الوفد الى الامم المتحدة، رغم ان ذلك كان قد تقرر في مجلس الوزراء بموافقته وحضوره.. فهل كان ذلك نتيجة وجود من «وسوس» له بذلك وما أكثر «الوسواسين الخناسين» في مثل هذه الحالات...؟ أم ان هنالك مستجدات في التحقيق جعلت السنيورة والشيخ سعد يزدادان قناعة بمسؤولية رئيس الدولة، وفي هذه الحال لا بد من التساؤل حول مصدر هذه المستجدات أو «المعلومات»... وهل هناك وراء الكواليس المحلية «المدرّعة» بمؤازرة وتشجيع خارجيين عبر السفراء أو ما هو أعلى من السفراء، لها مصلحة في دفع الأمور في التحقيق وإرفاد هذا التحقيق بمعلومات، أدّت الى ما يشبه الانقلاب ضد استمرار مسيرة التواصل قدماً مع سوريا التي بدأها الرئيس السنيورة بالذات، وأفضت الى ما يشبه العمل الانقلابي الذي سيق بموجبه القادة الامنيون الى رومية، رغم «تشريع» مبنى قوى الامن الداخلي كمعتقل صالح «لاستيعابهم»؟! ثم تبع ذلك الانهيار في «جسور الثقة» التي كانت تبدو في طور البناء بين رئيسي الجمهورية والحكومة؟
وهناك مثل يقول: «من غاب عن العين نسيه القلب»! او «في الليلة الظلماء يفتقد البدر».... فإن رئيس مجلس النواب الذي تعمد أن يأخذ اجازته في اخريات الصيف، حيث ذهب يستجم في اسبانيا مروراً بباريس حيث اصبح الشيخ سعد من معالمها، بعيداً عن ضوضاء «برج بابل السياسة» اللبنانية وقريباً من «برج ايفل» الفرنسي الذي لا تقل ضوضاؤه السياسية عن «ساحة البرج» عندما كانت تنتفض من اجل الاستقلال عن نفسها وعن اشقائها، دون الاستقلال عن ذكريات «رماة البحرية» المارينز الذين عسكروا في آب عام 1958، على شواطى الاوزاعي وأرادوا أن يشرف سفيرهم روبرت مورفى على انتخاب «المدني» فؤاد شهاب مكان «العسكري» كميل شمعون! ولله في «خلقه الديموقراطي» شؤون وشجون!
ورغم ان العسكري فؤاد شهاب أثبت أنه أكثر «مدنية» من معظم الرؤساء المدنيين الذين تعاقبوا على لبنان، رغم عدم خلو عهده من «النظام الأمني»... فإن الدهشة تبقى قائمة ويبقى المندهشون عاجزين عن فهم «غرابة اطوار» السياسة الاميركية التي يصح فيها بيت من الشعر نثبته مع بعض التحوير:
إن «للغرب» كيمياء إذا ما مسّ عسكرياً» أحاله مدنياً!
والعكس صحيح في شريعة الفرد الاميركي «والاستعمار الجديد» فيمكن «للحظ الاميركي» ان يحوّل مدنياً الى اعتى ديكتاتور عسكري، كما حدث لصدّام نفسه الذي خاض أشرس حرب ضد ايران تحت المظلة الاميركية، وهو مدني لا علاقة له بكلية اركان الحرب، رغم انه منح نفسه رتبة «مهيب» وهي اعلى من رتبة المشير ووضع على صدر بزته العسكرية من الأوسمة ما يعجز عن الحصول عليه اعظم الجنرالات.. وكان رامسفيلد اياه (ماغيرد) يأتي لمباركة حتى «منجزاته» التدميرية والابادية!
وفي الوقت الذي يشيع «انصار الديموقراطية» في المنطقة العربية ان اميركا تطلب حلّ حزب البعث في سوريا، تنسى انها كانت تساند صدام في حربه مع ايران، حيث كان يحكم ويقوم بأعمال الابادة ضد شعبه دون تشاور مع حزبه.. وفي حين نرى اليوم، ان القيادة العسكرية لسلطات الاحتلال في العراق تستعين ببقايا مخابرات صدام الخبيرة في القمع، مقابل تسهيلات للصداميين بالتحرك!
ولسان حال بعض السياسيين «السعداء» عندنا بهذه «الفوضى الخلاقة» يقول ما قاله مواطن من مدينة صور يرقب المشهد العجيب في لبنان والمنطقة قائلاً على طريقته:
«العيش خلط وتقريق وزغبرة
فأضحك على ذقن الزمان وقرقِ!
ومع ذلك نقول للعابثين لا يصح في النهاية الا الصحيح!
افتعال المؤتمر الاقتصادي دون تحضير لمجرد التواجد المتزامن مع وجود لحود !
«كيمياء» الديموقراطية الاميركية تحوّل العسكريين الى مدنيين .. !
الولايات المتحدة ـ محمد باقر شري
«زأرة» العز الوطنية والقومية التي أطلقها شارل أيوب، وما تضمنته من شهامة اخلاقية وخاصة ما يتعلق بالاستمرار في الوقوف الى جانب سوريا في وجه الحملة الشرسة التي تستهدفها، بل وزيادة جرعة التضامن معها في وجه الاخطار التي تهددها وتهدد وطننا لبنان والتي سمعها الملايين عبر احدى الفضائيات امس الاول، تركت اصداءها العميقة في اوساط الانتشار اللبناني في الولايات المتحدة، حتى الذين قد يخالفونه في الاتجاه والمواقف، اشادوا بشجاعة موقفه وتأثروا للصدقية الواضحة في وقفته الاعزازية الوفية للمبادىء في زمن التخلي عن ادعاء الاخلاص للعلاقة المميزة مع الشقيقة. من جانب الذين كانوا يعتبرون انفسهم ويعتبرهم «الرأي العام» «سدنة وحراساً» لهذه العلاقة القومية المميزة، والذين كانوا يطلبون ود وصداقة دمشق ويجدون «السعادة» عندما يحظون برضى من اصبحوا ينددون بهم الآن من قيادات امنية وما يسمونه الآن «النظام الامني السوري ـ اللبناني»، دون ان نعرف ما اذا كان تخليهم عن الوقوف مع دمشق في وجه الهجمة الخارجية الشرسة، قد حدث بسبب الاخطاء التي ارتكبتها «قوى الاستطلاع السوري في لبنان» ام لانهم يعتقدون ان تأثيرها في مجريات الاحداث في لبنان قد انحسر؟
يقول صاحب الصرخة القومية المجبولة بالشهامة الاخلاقية، انه اصبح الآن اكثر تمسكاً بالتضامن مع الشقيقة، اولاً لان الشقيق عند الضيق، وثانياً لأن ما كان يقع من اخطاء مشكو منها، قد انتهى واذا نكرر حصول مثل هذه الاخطاء بصورة مباشرة او غير مباشرة، فاننا نقف ضدها ليس من اجلنا نحن فقط بل من اجل اشقائنا انفسهم «لان صديقك او شقيقك من صدقك لا من صدّقك» وعندما كانت الاغلبية الساحقة من المنددين او المنقلبين على الصداقة مع القيادة السورية او «المطنشين» عما يلحق بها من اذى وما تتعرض اليه من حملات مسعورة، تنحني امام اصغر «امني» ينتمي الى سوريا الشقيقة، كنا نحن وفي اوج اعزازنا بها وحرصنا على المودة معها، نندد بالاخطاء وبصوت مدو، في حين كان الذين يتعاطون مع «قوى الاستطلاع» ويشيدون حتى «بدورها الامني» ويستمدون منه «قوتهم ونفوذهم»، قد تحولوا الآن اما الى مطلقين لعنان السنتهم ضد دورها الامني، الذي كانوا يعتبرونه «دوراً انقاذياً». او «شياطين خرساً» يعتصمون بالصمت على كل ما يدبر لسوريا ولبنان، على السواء، كجسر للعبور الى ضفة «المهمين الجديد الاجنبي» الذي اخذ يعيث فساداً في طول البلاد وعرضها، ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة ويعقد الاجتماعات مع القيادات التي حملت «قميص» الرئيس الشهيد، سواء على مرأى ومسمع اللبنانيين في العاصمة او في الساحل والجبل، واذا كان هنالك من القيادات من يريد ان يكون اللقاء في ظل صانعي القرار 1559 مباشرة، فلتكن اللقاءات في اي عاصمة متمسكة بما يتضمنه القرار 1559، من اهداف ومطالب اسرائيلية مئة بالمئة، جنباً الى جنب مع تحوّل القيادات الفرنسية الحالية الى «رأس حربة» لتحقيق مطالب اسرائيل في ما يخص «الملف النووي الايراني!» ولا تفسير لهذا «التحول الانمساخي» في السياسة الفرنسية وهذه «الذيليه الخدماتية» للطروحات الصهيو ـ اميركية في كل ما يتعلق بالمواضيع الشرق اوسطية وحتى العراقية منها، والتي كانت مواقف باريس منها غداة الغزو الانغلو ـ اميركي للعراق، تشكل بقعة مضيئة في ديجور الانحياز الاورو ـ اميركي، الاعمى للكيان العنصري المزروع في قلب المنطقة وعلى ارض الآراميين والكنعانيين العرب في فلسطين!
ولقد قال «صاحب الديار» في صرخته: انه يظل صديقا لسوريا وتزداد صداقته لها رغم انها عملت على اسقاطه مرتين. لانه لا ينطلق في موقفه وهو موقف نادر المثال في وضوحه وصدقيته ويتخذ موقف «التضامن الحازم» وغير المتردد مع سوريا في «محنتها» باعدقائها (الذين تحولوا بحكم انتهازيتهم وطبائع الغدر عندهم من اصدقاء الى اعداء) المواكبة لمحنتها الاخرى في تحمل عبء الصمود والممانعة بالنيابة عن جميع العرب، وهي ليست المرة الاولى التي تنفرد سوريا في موقف مغاير لمواقف معظم الانظمة العربية بحيث يثبت الزمن بأن انفرادها هو المحق وان اجماع غيرها هو الخطأ: فحتى عندما كان معظم القيادات العربية يقف مع صدام في حربه ضد ايران وينادي بعضهم ممن «يسوّق» الآن للتطبيع العلني مع اسرائيل. من على منصة الامم المتحدة (بحضور شارون وشالوم) ينادي باعتبار طهران اولى بالعداء والتصنيف «كعدو اول» للعرب. من اسرائيل، كانت دمشق تقف وحدها ضد غزو صدام لايران، ثم تقف بعد ذلك ضد غزو صدام للكويت، ولا ننسى كيف ان الذين كانوا يشهرون خناجرهم في وجه سوريا والذين حاولوا ان يغرزوه في ظهرها خلال فترة تحالفهم مع صدام، قد سارعوا بعد ان غزاهم صدام، الى «طلب المغفرة والعفو الصفح» من قائد سوريا التاريخي البعيد النظر، حافظ الاسد.
ونحن رغم كل مدلهمات الخطوب نكاد نعتقد اعتقاداً يقينياً بأنه سيأتي يوم ـ ونرجو صادقين الا يأتي ـ قد نبكي فيه على الدور السوري على ما فيه من اخطاء فادحة. ولو كنا «نفعل» لما كان يضرنا شيء، لو ابقينا ما بيننا وبين سوريا عامراً.. حتى ولو كان ما بيننا وبين الاجنبي خراب!» علماً أننا كنا نستطيع ان نجمع الامرين، فلا نقطع مع الأجنبي ولا نهدم ما بيننا وبين القيادة السورية «الحالية» من اواصر... ونصر على كلمة «الحالية» لاننا لسنا مع اعلان الاستاذ وليد جنبلاط بأنه من المستحيل ابقاء العلاقات السليمة مع سوريا، بوجود النظام الحالي وخاصة انه بذلك يتراجع عن موقف متقدم في اعادة السوية في علاقاته مع النظام السوري، عندما قال: بان ما صدر منه من مواقف عدائية تجاه القيادة السورية الحالية في دمشق، بعد استشهاد الرئيس الحريري، كان نتيجة الانفعال والغضب، لأن الانسان في مثل هذه الحالات يفقد صوابه، علماً ان كل ما هو مطلوب من كل المنادين «بالتارات» بمن فيهم عائلة الحريري، ان يضبطوا مواقفهم بانتظار الانتهاء من التحقيق الدولي الذي اقترحوه هم انفسهم، وخاصة انهم كانوا قد بدأوا يسلكون هذا السلوك الحكيم، عندما ذهب الرئيس السنيورة الى دمشق، والتقى فيها القيادات على اعلى المستويات، وكان يستطيع المضي في هذه العلاقات قدما، ولكنه تراجع عن هذا السلوك واصاخ السمع بكلتى اذنيه، الى سفيري القرار 1559، واخذ يستنبط الوسائل للوصول الى نيويورك بعد أن «خالف» قرار مجلس الوزراء الذي قرر طبيعة تشكيل الوفد الى الامم المتحدة، على ان يكون في عداده جنباً الى جنب مع الرئيس لحود، ووقع تحت اغراء من زيّنوا له ان يلعب الدور الذي سبق ان جربه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولم يصل فيه الى اي نتيجة وذلك باحياء «سنّة» اللقاءات مع رؤساء الدول، والتي لم يجن منها ـ رحمه الله وطيب مثواه ـ غير التقاط الصور معهم، اما «وعودهم» المانحة فقد ذهبت ادراج الرياح. وكان لا بد من تسريع عقد اجتماع مستعجل تحضره وفود الدول المانحة وان يكون مكانه في نيويورك حتى لو تم ارتجاله ودون اعداد كاف، لا لشيء بل لكي يصل الى نيويورك على موازاة تواجد الرئيس لحود فيها، فاذا كانت فاتته الاضواء التي سلطت على رحلة لحود وخطابه ولقاءاته، والتي كان يظن بانها ستكون تعتيماً كاملا وعزلة تامة يحيط برحلة الرئيس لحود بل كان يعتقد مع جميع اجنحة تيار المستقبل، بأن الرئيس لحود سيتراجع عن قرار مجلس الوزراء الذين يقضي بتأليف الوفد اللبناني الى الامم المتحدة برئاسته، فاذا بالرئيس لحود قد أُعطي العزيمة بأن يمضي قدماً في الذهاب الى الامم المتحدة مع اعلان «شعوره براحة الضمير» وبان الذين يحاولون عزلته لن ينجحوا في مساعيهم.. وخاصة انه يتصرف «كبريء من دم هذا الصدّيق» كما تصرف بيلاطس في نظرهم، او «براءة الذئب من دم ابن يعقوب»، كما يعتقد هو، علماً انه يرفض ان ينعت «بالذئب» رغم براءته من دم ابن يعقوب!
واذا كانت تبدو على وجه الرئيس لحود «مظاهر البراءة وراحة الضمير» رغم وطأة ما يتعرض له من اتهامات وهجمات تنوء بها الجبال، فاننا نجد علائم «القلق الشديد» على وجه رئيس الوزراء لانه موزع بين ثلاثة مشاعر متضاربة: الشعور الأول: انه يتولى رئاسة الحكومة ويقوم بدوره في واحد من اعلى المناصب في البلاد و«وكخليفة» ـ ولو موقت ـ للرئيس الحريري في هذا المنصب، وهذا المنصب صحيح انه ليس منصباً متوارثاً، ولكن الظروف والاقدار شاءت بعد غياب الرئيس الحريري، ان يصل السنيورة الى هذا المستوى من الشعور بالاهمية، اما الشعور الثاني، فهو انه قد اوغل كثيراً في التصرف وكأن رئيس الدولة العماد لحود هو «مدان سلفاً» بدليل قول السنيورة في بيان بدا وكأنه «البلاغ رقم واحد الذي يقال اثر الانقلابات العسكرية» بأن العقاب الصارم سوف يطال اي انسان مهما كان شأنه أو علا مقامه، حتى لو كان في اعلى المناصب، وهو بذلك يلمح الى الرئيس لحود.. وفي الوقت ذاته على طريقة: «آخذها.. لا آخذها» فانه من جهة يحضر الى القصر الجمهوري لعقد جلسة مجلس الوزراء برئاسة من يوحي صراحة بمسؤوليته عن «الجريمة العظمى».. ومن جهة ثانية يرفض الذهاب معه في الوفد الى الامم المتحدة، رغم ان ذلك كان قد تقرر في مجلس الوزراء بموافقته وحضوره.. فهل كان ذلك نتيجة وجود من «وسوس» له بذلك وما أكثر «الوسواسين الخناسين» في مثل هذه الحالات...؟ أم ان هنالك مستجدات في التحقيق جعلت السنيورة والشيخ سعد يزدادان قناعة بمسؤولية رئيس الدولة، وفي هذه الحال لا بد من التساؤل حول مصدر هذه المستجدات أو «المعلومات»... وهل هناك وراء الكواليس المحلية «المدرّعة» بمؤازرة وتشجيع خارجيين عبر السفراء أو ما هو أعلى من السفراء، لها مصلحة في دفع الأمور في التحقيق وإرفاد هذا التحقيق بمعلومات، أدّت الى ما يشبه الانقلاب ضد استمرار مسيرة التواصل قدماً مع سوريا التي بدأها الرئيس السنيورة بالذات، وأفضت الى ما يشبه العمل الانقلابي الذي سيق بموجبه القادة الامنيون الى رومية، رغم «تشريع» مبنى قوى الامن الداخلي كمعتقل صالح «لاستيعابهم»؟! ثم تبع ذلك الانهيار في «جسور الثقة» التي كانت تبدو في طور البناء بين رئيسي الجمهورية والحكومة؟
وهناك مثل يقول: «من غاب عن العين نسيه القلب»! او «في الليلة الظلماء يفتقد البدر».... فإن رئيس مجلس النواب الذي تعمد أن يأخذ اجازته في اخريات الصيف، حيث ذهب يستجم في اسبانيا مروراً بباريس حيث اصبح الشيخ سعد من معالمها، بعيداً عن ضوضاء «برج بابل السياسة» اللبنانية وقريباً من «برج ايفل» الفرنسي الذي لا تقل ضوضاؤه السياسية عن «ساحة البرج» عندما كانت تنتفض من اجل الاستقلال عن نفسها وعن اشقائها، دون الاستقلال عن ذكريات «رماة البحرية» المارينز الذين عسكروا في آب عام 1958، على شواطى الاوزاعي وأرادوا أن يشرف سفيرهم روبرت مورفى على انتخاب «المدني» فؤاد شهاب مكان «العسكري» كميل شمعون! ولله في «خلقه الديموقراطي» شؤون وشجون!
ورغم ان العسكري فؤاد شهاب أثبت أنه أكثر «مدنية» من معظم الرؤساء المدنيين الذين تعاقبوا على لبنان، رغم عدم خلو عهده من «النظام الأمني»... فإن الدهشة تبقى قائمة ويبقى المندهشون عاجزين عن فهم «غرابة اطوار» السياسة الاميركية التي يصح فيها بيت من الشعر نثبته مع بعض التحوير:
إن «للغرب» كيمياء إذا ما مسّ عسكرياً» أحاله مدنياً!
والعكس صحيح في شريعة الفرد الاميركي «والاستعمار الجديد» فيمكن «للحظ الاميركي» ان يحوّل مدنياً الى اعتى ديكتاتور عسكري، كما حدث لصدّام نفسه الذي خاض أشرس حرب ضد ايران تحت المظلة الاميركية، وهو مدني لا علاقة له بكلية اركان الحرب، رغم انه منح نفسه رتبة «مهيب» وهي اعلى من رتبة المشير ووضع على صدر بزته العسكرية من الأوسمة ما يعجز عن الحصول عليه اعظم الجنرالات.. وكان رامسفيلد اياه (ماغيرد) يأتي لمباركة حتى «منجزاته» التدميرية والابادية!
وفي الوقت الذي يشيع «انصار الديموقراطية» في المنطقة العربية ان اميركا تطلب حلّ حزب البعث في سوريا، تنسى انها كانت تساند صدام في حربه مع ايران، حيث كان يحكم ويقوم بأعمال الابادة ضد شعبه دون تشاور مع حزبه.. وفي حين نرى اليوم، ان القيادة العسكرية لسلطات الاحتلال في العراق تستعين ببقايا مخابرات صدام الخبيرة في القمع، مقابل تسهيلات للصداميين بالتحرك!
ولسان حال بعض السياسيين «السعداء» عندنا بهذه «الفوضى الخلاقة» يقول ما قاله مواطن من مدينة صور يرقب المشهد العجيب في لبنان والمنطقة قائلاً على طريقته:
«العيش خلط وتقريق وزغبرة
فأضحك على ذقن الزمان وقرقِ!
ومع ذلك نقول للعابثين لا يصح في النهاية الا الصحيح!
تعليق