بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسين العلق
مقدمة
على موقعه الالكتروني سُئل الشيخ ناصر العمر أحد مشايخ السلفية يوم أمس الاثنين غرة شعبان/ 5 سبتمبر الجاري بسؤال جاء فيه «كيف نعامل الشيعة في الأماكن العامة والعمل وغيره؟ فأجاب بالقول إذا ثبت لديك أن الشخص الذي تتعامل معه باطني أو رافضي، ولكنه أظهر الإسلام ولم يعلن بدعته وباطله فيعامل معاملة المنافقين، حيث كان النبي يتعامل مع المنافقين على حسب ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله، ولكن لا يولون الولايات العامة.. ويسوق في ذات الفتوى عن حكم التعامل مع المسيحيين واليهود حديثا عن الرسول يقول «لاتبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه».. ويقول أيضا لا تجوز مشاركتهم في أعيادهم العامة والخاصة. لكن فضيلته لم ينسى مع ذلك «متعنا الله بعلمه الغزير» أن يشدد على الحرص على دعوتهم للإسلام دون ذلة أو خضوع!
وبين الفتوى الأولى والأخيرة كان هناك اطنانا من الكتب والنشرات وأشرطة الكاسيت وشيوخ الفضائيات الذين لم يخجلو من تسويق الفرقة الطائفية نهارا جهارا
وفي استفتاء آخر مكتوباً سُئل سلفي آخر وهو الشيخ عبد الله بن جبرين في منتصف الثمانينات الميلادية عن حكم تناول ذبائح القصابين الشيعة .. فأفتى «فضيلته» فتواه الشهيرة بإباحة دماء الشيعة أجمعين!!
وبين الفتوى الأولى والأخيرة كان هناك اطنانا من الكتب والنشرات وأشرطة الكاسيت وشيوخ الفضائيات الذين لم يخجلو من تسويق الفرقة الطائفية نهارا جهارا، ولم يكلّوا في تعبئة الشباب بكل فنون التكفير والعنف والاقصاء والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة، ما لم يستثني أتباع مذهب ديني ولا توجه فكري ولا تيار سياسي إلا وجعلوهم من أهل النار خالدين فيها أبدا.
وبعد..
ينشغل بعض كتاب صحافتنا المحلية هذه الأيام لمعالجة استشراء حالة الشماتة في الأوساط السلفية بالامريكيين والعراقيين الشيعة، للدمار الذي خلفه اعصار «كاترينا» في مدينة نيو اوريلانز بولاية لويزيانا الأمريكية، والحادث المأساوي الذي شهده جسر الأئمة في بغداد..
وعلى سعة كتابات هؤلاء الأخوة ونقدها اللاذع لحالة الشماتة التي لا ترى فيما يجري من أحداث طبيعية وغير طبيعية سوى أنها عقاب الهي، حتى لكأن بعض سلفيينا جعلوا من الخالق وكأن لا شغل له في هذا الكون إلا الانتقام من البشر شرقا وغربا لخاطرهم هم دون غيرهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أقول، على سعة الكتابات الآنفة والتي ربما بلغت الذروة في تعليق الكاتب خالد الغنامي الذي وصف فعل الشماتة هذا بأنه «قناعات قديمة ورغبة دائمة في الثأر والتشفي.. وهي في الحقيقة من سمات العربي الجاهلي»، وحتى مع وصف الكاتب قينان الغامدي لهم بـ«مرضى العقول والقلوب»، الا ان اخواننا الكتاب توقفوا مع ذلك لأسباب «مفهومة» عن ملامسة أصل المشكلة والمتمثلة في النموذجين أعلاه.
وقل للشامتين بنا..
ولعل الذكرى تعود بنا هنا إلى بعض أحداث مضت في الأعوام القليلة الماضية حين أشبعَنا زملاؤنا السلفيين في منتديات الحوار بأنواع الشماتة، فلا زلت أتذكر جيدا كيف أن حادثة محلية مأساوية بحجم حريق بلدة القديح بمحافظة القطيف عام 1999 والذي اندلع في احدى خيام الأفراح فذهب ضحيته العشرات من الأرواح البريئة من النساء والأطفال ومنهم العروس المحتفى بها، في حادثة اهتز لها الصخر الأصم وتناقلتها وسائل الاعلام شرقا وغربا، وانهالت معها التعازي على ذوي المفقودين من كل حدب وصوب، بما فيها تعازي كبار المسؤلين في الدولة، فما كانت تعازي «مرضى العقول والقلوب» المتأسلمين..الصحويين.. الا التعليقات البذيئة والشماتة السوداء مما لا يحسن ذكره.
ولربما قال قائل، أن مقولة العقاب الإلهي تلك، يتفق عليها بعض متعصبي المسيحية واليهودية كما يتشفى بها متعصبونا، وهذا مجانب للدقة، فاولئك لم يشمتوا ببني جلدتهم
وكلنا يتذكر ردود فعلهم على كارثة زلزال مدينة بم الإيرانية في 2003 الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من الأرواح من الرجال والنساء والأطفال، فكان لـ«دعاة الصحوة» أن يقابلوا الضحايا مرة أخرى بشماتة منقطعة النظير اذ طالبوا خلالها -ساخرين- بمساعدة جرحى الزلزال عبر إرسال الدماء الملوثة بفايروس الايدز!! الأمر الذي دفع ولي العهد السعودي آنذاك الى الاستنكار بغضب أمام شاشات التلفزيون لهذا الخطاب الشامت بآلام الناس.
ولعلكم تتذكرون شماتتهم برحيل العالم الجليل الشيخ محمد المالكي وكيف تبادلوا التبريكات بوفاته رحمه الله، ناهيك عن ما ناله ضحايا فيضانات تسونامي الـ 200 الفا في العام الماضي من تشف أيضا، حتى قال قائلهم إن ذاك الا عقابا الهيا نزل بهؤلاء الفقراء المعدمين.. وصولا الى حادثة جسر الأئمة ببغداد واعصار كاترينا بجنوب الولايات المتحدة فضلا عن سبتمبر وضحاياه وهو بمجمله من فعل بعض «منتجاتنا»، فلم يكن حظ الضحايا هذه المرة بأحسن ممن سبقوهم من عبارات التشفي والشماتة.
ولربما قال قائل، أن مقولة العقاب الإلهي تلك، يتفق عليها بعض متعصبي المسيحية واليهودية كما يتشفى بها متعصبونا، وهذا مجانب للدقة، فاولئك لم يشمتوا ببني جلدتهم، وهم لا يمثلون نسبة تذكر بما يدعو للكلام عنهم أصلا.. ومع ذلك فما يهمنا هنا هم اولئك الذين يعبدون القائل جل ذكره ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، ويدّعون انتمائهم لدين المبعوث ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ .
ولعل آخر يقول؛ ليست السلفية على رأي واحد، فمنها السوداء الكالحة ومنها البيضاء الناصعة، فنقول لا بأس، لكن أملنا في أن لا تكون الثانية على طريقة الكذبة البيضاء!
جذور العنف
والسؤال الذي يتبادر للإذهان هنا هو؛ أين تكمن جذور العنف في الشخصية السلفية؟ وكيف نمت وترعرعت مثل هذه العاهات النفسية التي جعلت الواحد من هؤلاء مريض العقل والقلب لا يرف له جفن أمام مآسي البشر الآخرين، ليس هذا فحسب بل تصبح هذه المآسي مادة للتنذر، وخبرا يتباشرونه بينهم؟ في وقت تهب فيه شعوب الأرض بمختلف اديانهم وألوانهم لتقديم يد المساعدة للمنكوبين.
لا شك ولا ريب أن مناقشة هذا الخلل السلوكي عند هؤلاء الناس، يتطلب لفهم دوافعه تظافر جهود كبيرة، منها ما يرتبط بالادبيات التاريخية والدينية التي يتربى عليها هؤلاء دون أبناء الأمة، ومنها ماله علاقة مباشرة بالبيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة.. ومدى انعكاس هذه البيئة تحديدا على سيكلوجية الواحد منهم وتفاوت درجة تعاطيه مع أقرانه، ومع من يختلفون عنه بمختلف درجات التفاوت الديني او المذهبي اوالفئوي أو حتى المناطقي والجغرافي، وهذا يتطلب بالنهاية «علاجاً فكرياً، وتصحيحاً عقائدياً طويل المدى» وفقا لقينان الغامدي.
لبنات أولى
صار المراهق السعودي يتعلم ويتشرب وهو بعد على صفوف الدراسة كراهية الآخرين ويزرّق جرعات العنصرية والتعصب من حيث لا يعلم
هنا يمكننا القول اجمالا أنه ولخطأ استراتيجي قاتل وفي غفلة من أصحاب القرار هيمن أصحاب هذا الفكر الشوفيني المتعصب على جميع مخارج التعليم والاعلام والشؤون الدينية في المملكة، فصار المراهق السعودي يتعلم ويتشرب وهو بعد على صفوف الدراسة كراهية الآخرين ويزرّق جرعات العنصرية والتعصب من حيث لا يعلم، فينشأ الطالب وهو لا يعرف في هذا العالم إلا دار الكفر ودار الايمان، واذا جئنا لدارالايمان هذه فلن نجد فيه الا صنف الشامتين ومرضى القلوب والعقول الراقصين على جراح الناس، وهم ولله الحمد قليل من هذه الأمة «الضالة المشركة» التي يذهب معظم أتباعها «الضالون» لزيارة أضرحة الأولياء في شمال افريقيا ومصر وتركيا وايران والعراق والأردن وسوريا وباكستان والهند واندونيسيا.. ومعلوم ان من يقوم بفعل الزيارة هذا، هو بكل بساطة قبوري مشرك وفقا لمناهجنا الدراسية العتيدة، فما الذي يدفع طالبا نقي الايمان يسير على العقيدة الصحيحة كما تزعم تلك الأدبيات، لأن يتعاطف أو يرف له جفن لمشرك قبوري يدعي الاسلام قتل في شوارع الجزائر أو شواطئ شرم الشيخ أو مساجد باكستان أو مساجد وحسينيات العراق.. أو حتى 150 الف انسان غريق على شواطئ اندونيسيا.
نسوق المثال الآنف لنقول أن هذا هو موقف القوم من بني جلدتهم وأتباع دينهم ومحبي نبيهم، فماذا تتوقع منهم ازاء ما يحدث في «دار الكفر»!! هنا يصبح مفهوما كلام بن لادن عن قصة «الفسطاسين»، ولا غرو ان نرى خطاب التهنئة من الزرقاوي الى بن لادن والذي يهنئه فيه بمقتل أكثر من 10 آلاف انسان في اعصار كاترينا، فضمن هذا السياق تخرج الدعوات الدنيئة بإرسال الدماء الملوثة بفيروس الأيدز لضحايا بام.
من الواضح أن مناهج التعليم في بلادنا تضع اللبنات الأولى لكراهية الآخر غير السلفي تحديدا، فإذا ما اضيفت عليها نشرات الكراهية الأخرى التي توزع مجانا «لوجه الله» في المساجد وأماكن العمل، ناهيك عن الاعلام الديني التكفيري الذي لا يزال يصدح ليل نهار، ومواقع الانترنت التي لا تقل في فعلها عن فعل الارهابيين القتلة من حيث تأسيسها لثقافة التعصب والكراهية، فلنا أن نتصور عندها أي انسان مسخ سيدب بيننا..
ولاء وبراء وغلو
إلا أننا مع ذلك لا ننظر لمناهج التعليم الرسمية بإعتبارها الحاضنة الأساس لفكر الشماتة ذاك، بل نجد أن بيئتنا المحلية عامة تنوء تحت خطاب ديني بالغ الأحادية والاعتداد بالنفس، يقوده متفيقهون أحداث أسنان، يتسم بمنتهى السوداوية في قراءته للآخر، نزّاع للخصومة ومولع بالمناكفة.. والأخطر حين يتجلبب هذا الخطاب المتخلف بجلباب الولاء والبراء، وتكتمل مصيبته حين يلبس عن جهل وسذاجة متناهية رداء الجهاد! ولعل من أبرز معالم الخبال عند أمثال هؤلاء هو تروجيهم لمقولة أن المحتل الصهيوني أفضل عندهم من المسلم الموحد المختلف عنهم مذهبيا!! فهل بعد هذا من غلو؟!
الحقيقة التى لا مراء فيها، هي ان الخطاب التكفيري الذي نقصد كان يسري في عروق الدولة والمجتمع منذ فترة طويلة، فلم يكن يشعر به ويتألم له الا ضحاياه دون غيرهم
الحقيقة التى لا مراء فيها، هي ان الخطاب التكفيري الذي نقصد كان يسري في عروق الدولة والمجتمع منذ فترة طويلة، فلم يكن يشعر به ويتألم له الا ضحاياه دون غيرهم، في حين كان الآخرون في أحسن الأحوال يتفرجون، ففتاوى التكفير تترى من سنين طويلة.
وأخيرا، لا يستقيم الظل والعود أعوج، يا سادة أبدأوا من الأعلى فالأسفل، فالسمكة لا تفسد إلا من رأسها على حدّ مثلنا القطيفي، فما دامت الرؤوس تمارس الاقصاء، والوعاظ يبررون العنصرية والتمييز ويدعون للعنف، فعلام العجب لو خرجت علينا هذه النماذج المريضة التي لا ترى في دماء وأشلاء وآلام الأبرياء في كراجات بغداد وأنفاق لندن ومساجد باكستان وأطلال لويزيانا، سوى «غزوات جديدة» ومادة للفكاهة والتندر.
وتسألني بعد ذلك لماذا يكره العالم السعوديين؟!!
http://www.rasid.com/artc.php?id=7491
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسين العلق
مقدمة
على موقعه الالكتروني سُئل الشيخ ناصر العمر أحد مشايخ السلفية يوم أمس الاثنين غرة شعبان/ 5 سبتمبر الجاري بسؤال جاء فيه «كيف نعامل الشيعة في الأماكن العامة والعمل وغيره؟ فأجاب بالقول إذا ثبت لديك أن الشخص الذي تتعامل معه باطني أو رافضي، ولكنه أظهر الإسلام ولم يعلن بدعته وباطله فيعامل معاملة المنافقين، حيث كان النبي يتعامل مع المنافقين على حسب ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله، ولكن لا يولون الولايات العامة.. ويسوق في ذات الفتوى عن حكم التعامل مع المسيحيين واليهود حديثا عن الرسول يقول «لاتبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه».. ويقول أيضا لا تجوز مشاركتهم في أعيادهم العامة والخاصة. لكن فضيلته لم ينسى مع ذلك «متعنا الله بعلمه الغزير» أن يشدد على الحرص على دعوتهم للإسلام دون ذلة أو خضوع!
وبين الفتوى الأولى والأخيرة كان هناك اطنانا من الكتب والنشرات وأشرطة الكاسيت وشيوخ الفضائيات الذين لم يخجلو من تسويق الفرقة الطائفية نهارا جهارا
وفي استفتاء آخر مكتوباً سُئل سلفي آخر وهو الشيخ عبد الله بن جبرين في منتصف الثمانينات الميلادية عن حكم تناول ذبائح القصابين الشيعة .. فأفتى «فضيلته» فتواه الشهيرة بإباحة دماء الشيعة أجمعين!!
وبين الفتوى الأولى والأخيرة كان هناك اطنانا من الكتب والنشرات وأشرطة الكاسيت وشيوخ الفضائيات الذين لم يخجلو من تسويق الفرقة الطائفية نهارا جهارا، ولم يكلّوا في تعبئة الشباب بكل فنون التكفير والعنف والاقصاء والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة، ما لم يستثني أتباع مذهب ديني ولا توجه فكري ولا تيار سياسي إلا وجعلوهم من أهل النار خالدين فيها أبدا.
وبعد..
ينشغل بعض كتاب صحافتنا المحلية هذه الأيام لمعالجة استشراء حالة الشماتة في الأوساط السلفية بالامريكيين والعراقيين الشيعة، للدمار الذي خلفه اعصار «كاترينا» في مدينة نيو اوريلانز بولاية لويزيانا الأمريكية، والحادث المأساوي الذي شهده جسر الأئمة في بغداد..
وعلى سعة كتابات هؤلاء الأخوة ونقدها اللاذع لحالة الشماتة التي لا ترى فيما يجري من أحداث طبيعية وغير طبيعية سوى أنها عقاب الهي، حتى لكأن بعض سلفيينا جعلوا من الخالق وكأن لا شغل له في هذا الكون إلا الانتقام من البشر شرقا وغربا لخاطرهم هم دون غيرهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أقول، على سعة الكتابات الآنفة والتي ربما بلغت الذروة في تعليق الكاتب خالد الغنامي الذي وصف فعل الشماتة هذا بأنه «قناعات قديمة ورغبة دائمة في الثأر والتشفي.. وهي في الحقيقة من سمات العربي الجاهلي»، وحتى مع وصف الكاتب قينان الغامدي لهم بـ«مرضى العقول والقلوب»، الا ان اخواننا الكتاب توقفوا مع ذلك لأسباب «مفهومة» عن ملامسة أصل المشكلة والمتمثلة في النموذجين أعلاه.
وقل للشامتين بنا..
ولعل الذكرى تعود بنا هنا إلى بعض أحداث مضت في الأعوام القليلة الماضية حين أشبعَنا زملاؤنا السلفيين في منتديات الحوار بأنواع الشماتة، فلا زلت أتذكر جيدا كيف أن حادثة محلية مأساوية بحجم حريق بلدة القديح بمحافظة القطيف عام 1999 والذي اندلع في احدى خيام الأفراح فذهب ضحيته العشرات من الأرواح البريئة من النساء والأطفال ومنهم العروس المحتفى بها، في حادثة اهتز لها الصخر الأصم وتناقلتها وسائل الاعلام شرقا وغربا، وانهالت معها التعازي على ذوي المفقودين من كل حدب وصوب، بما فيها تعازي كبار المسؤلين في الدولة، فما كانت تعازي «مرضى العقول والقلوب» المتأسلمين..الصحويين.. الا التعليقات البذيئة والشماتة السوداء مما لا يحسن ذكره.
ولربما قال قائل، أن مقولة العقاب الإلهي تلك، يتفق عليها بعض متعصبي المسيحية واليهودية كما يتشفى بها متعصبونا، وهذا مجانب للدقة، فاولئك لم يشمتوا ببني جلدتهم
وكلنا يتذكر ردود فعلهم على كارثة زلزال مدينة بم الإيرانية في 2003 الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من الأرواح من الرجال والنساء والأطفال، فكان لـ«دعاة الصحوة» أن يقابلوا الضحايا مرة أخرى بشماتة منقطعة النظير اذ طالبوا خلالها -ساخرين- بمساعدة جرحى الزلزال عبر إرسال الدماء الملوثة بفايروس الايدز!! الأمر الذي دفع ولي العهد السعودي آنذاك الى الاستنكار بغضب أمام شاشات التلفزيون لهذا الخطاب الشامت بآلام الناس.
ولعلكم تتذكرون شماتتهم برحيل العالم الجليل الشيخ محمد المالكي وكيف تبادلوا التبريكات بوفاته رحمه الله، ناهيك عن ما ناله ضحايا فيضانات تسونامي الـ 200 الفا في العام الماضي من تشف أيضا، حتى قال قائلهم إن ذاك الا عقابا الهيا نزل بهؤلاء الفقراء المعدمين.. وصولا الى حادثة جسر الأئمة ببغداد واعصار كاترينا بجنوب الولايات المتحدة فضلا عن سبتمبر وضحاياه وهو بمجمله من فعل بعض «منتجاتنا»، فلم يكن حظ الضحايا هذه المرة بأحسن ممن سبقوهم من عبارات التشفي والشماتة.
ولربما قال قائل، أن مقولة العقاب الإلهي تلك، يتفق عليها بعض متعصبي المسيحية واليهودية كما يتشفى بها متعصبونا، وهذا مجانب للدقة، فاولئك لم يشمتوا ببني جلدتهم، وهم لا يمثلون نسبة تذكر بما يدعو للكلام عنهم أصلا.. ومع ذلك فما يهمنا هنا هم اولئك الذين يعبدون القائل جل ذكره ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، ويدّعون انتمائهم لدين المبعوث ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ .
ولعل آخر يقول؛ ليست السلفية على رأي واحد، فمنها السوداء الكالحة ومنها البيضاء الناصعة، فنقول لا بأس، لكن أملنا في أن لا تكون الثانية على طريقة الكذبة البيضاء!
جذور العنف
والسؤال الذي يتبادر للإذهان هنا هو؛ أين تكمن جذور العنف في الشخصية السلفية؟ وكيف نمت وترعرعت مثل هذه العاهات النفسية التي جعلت الواحد من هؤلاء مريض العقل والقلب لا يرف له جفن أمام مآسي البشر الآخرين، ليس هذا فحسب بل تصبح هذه المآسي مادة للتنذر، وخبرا يتباشرونه بينهم؟ في وقت تهب فيه شعوب الأرض بمختلف اديانهم وألوانهم لتقديم يد المساعدة للمنكوبين.
لا شك ولا ريب أن مناقشة هذا الخلل السلوكي عند هؤلاء الناس، يتطلب لفهم دوافعه تظافر جهود كبيرة، منها ما يرتبط بالادبيات التاريخية والدينية التي يتربى عليها هؤلاء دون أبناء الأمة، ومنها ماله علاقة مباشرة بالبيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة.. ومدى انعكاس هذه البيئة تحديدا على سيكلوجية الواحد منهم وتفاوت درجة تعاطيه مع أقرانه، ومع من يختلفون عنه بمختلف درجات التفاوت الديني او المذهبي اوالفئوي أو حتى المناطقي والجغرافي، وهذا يتطلب بالنهاية «علاجاً فكرياً، وتصحيحاً عقائدياً طويل المدى» وفقا لقينان الغامدي.
لبنات أولى
صار المراهق السعودي يتعلم ويتشرب وهو بعد على صفوف الدراسة كراهية الآخرين ويزرّق جرعات العنصرية والتعصب من حيث لا يعلم
هنا يمكننا القول اجمالا أنه ولخطأ استراتيجي قاتل وفي غفلة من أصحاب القرار هيمن أصحاب هذا الفكر الشوفيني المتعصب على جميع مخارج التعليم والاعلام والشؤون الدينية في المملكة، فصار المراهق السعودي يتعلم ويتشرب وهو بعد على صفوف الدراسة كراهية الآخرين ويزرّق جرعات العنصرية والتعصب من حيث لا يعلم، فينشأ الطالب وهو لا يعرف في هذا العالم إلا دار الكفر ودار الايمان، واذا جئنا لدارالايمان هذه فلن نجد فيه الا صنف الشامتين ومرضى القلوب والعقول الراقصين على جراح الناس، وهم ولله الحمد قليل من هذه الأمة «الضالة المشركة» التي يذهب معظم أتباعها «الضالون» لزيارة أضرحة الأولياء في شمال افريقيا ومصر وتركيا وايران والعراق والأردن وسوريا وباكستان والهند واندونيسيا.. ومعلوم ان من يقوم بفعل الزيارة هذا، هو بكل بساطة قبوري مشرك وفقا لمناهجنا الدراسية العتيدة، فما الذي يدفع طالبا نقي الايمان يسير على العقيدة الصحيحة كما تزعم تلك الأدبيات، لأن يتعاطف أو يرف له جفن لمشرك قبوري يدعي الاسلام قتل في شوارع الجزائر أو شواطئ شرم الشيخ أو مساجد باكستان أو مساجد وحسينيات العراق.. أو حتى 150 الف انسان غريق على شواطئ اندونيسيا.
نسوق المثال الآنف لنقول أن هذا هو موقف القوم من بني جلدتهم وأتباع دينهم ومحبي نبيهم، فماذا تتوقع منهم ازاء ما يحدث في «دار الكفر»!! هنا يصبح مفهوما كلام بن لادن عن قصة «الفسطاسين»، ولا غرو ان نرى خطاب التهنئة من الزرقاوي الى بن لادن والذي يهنئه فيه بمقتل أكثر من 10 آلاف انسان في اعصار كاترينا، فضمن هذا السياق تخرج الدعوات الدنيئة بإرسال الدماء الملوثة بفيروس الأيدز لضحايا بام.
من الواضح أن مناهج التعليم في بلادنا تضع اللبنات الأولى لكراهية الآخر غير السلفي تحديدا، فإذا ما اضيفت عليها نشرات الكراهية الأخرى التي توزع مجانا «لوجه الله» في المساجد وأماكن العمل، ناهيك عن الاعلام الديني التكفيري الذي لا يزال يصدح ليل نهار، ومواقع الانترنت التي لا تقل في فعلها عن فعل الارهابيين القتلة من حيث تأسيسها لثقافة التعصب والكراهية، فلنا أن نتصور عندها أي انسان مسخ سيدب بيننا..
ولاء وبراء وغلو
إلا أننا مع ذلك لا ننظر لمناهج التعليم الرسمية بإعتبارها الحاضنة الأساس لفكر الشماتة ذاك، بل نجد أن بيئتنا المحلية عامة تنوء تحت خطاب ديني بالغ الأحادية والاعتداد بالنفس، يقوده متفيقهون أحداث أسنان، يتسم بمنتهى السوداوية في قراءته للآخر، نزّاع للخصومة ومولع بالمناكفة.. والأخطر حين يتجلبب هذا الخطاب المتخلف بجلباب الولاء والبراء، وتكتمل مصيبته حين يلبس عن جهل وسذاجة متناهية رداء الجهاد! ولعل من أبرز معالم الخبال عند أمثال هؤلاء هو تروجيهم لمقولة أن المحتل الصهيوني أفضل عندهم من المسلم الموحد المختلف عنهم مذهبيا!! فهل بعد هذا من غلو؟!
الحقيقة التى لا مراء فيها، هي ان الخطاب التكفيري الذي نقصد كان يسري في عروق الدولة والمجتمع منذ فترة طويلة، فلم يكن يشعر به ويتألم له الا ضحاياه دون غيرهم
الحقيقة التى لا مراء فيها، هي ان الخطاب التكفيري الذي نقصد كان يسري في عروق الدولة والمجتمع منذ فترة طويلة، فلم يكن يشعر به ويتألم له الا ضحاياه دون غيرهم، في حين كان الآخرون في أحسن الأحوال يتفرجون، ففتاوى التكفير تترى من سنين طويلة.
وأخيرا، لا يستقيم الظل والعود أعوج، يا سادة أبدأوا من الأعلى فالأسفل، فالسمكة لا تفسد إلا من رأسها على حدّ مثلنا القطيفي، فما دامت الرؤوس تمارس الاقصاء، والوعاظ يبررون العنصرية والتمييز ويدعون للعنف، فعلام العجب لو خرجت علينا هذه النماذج المريضة التي لا ترى في دماء وأشلاء وآلام الأبرياء في كراجات بغداد وأنفاق لندن ومساجد باكستان وأطلال لويزيانا، سوى «غزوات جديدة» ومادة للفكاهة والتندر.
وتسألني بعد ذلك لماذا يكره العالم السعوديين؟!!
http://www.rasid.com/artc.php?id=7491