بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
ذكرت إحدى الصحف المصرية أن أحد الكتاب الإسلاميين من السياسيين خاطب رئيس جمهورية مصر طالباً منه أن يعين له نائباً ليرعى الأمة عند غيابه عن مصر .. وذلك اقتداء بالسنة النبوية الشريفة ..
حيث إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج من المدينة المنورة مرات عديدة على رأس السرايا والغزوات , كما أنه حج للعمرة والحج .. وكان في كل مرة يستخلف على المدينة واحداً من الصحابة .. وحتى أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ولم يكن حاكماً في ذلك الوقت وإنما كان أميناً على أموال بعض الناس استخلف الإمام علي عليه السلام ليؤدي الأمانات إلى أهلها ..
وهكذا ينصح أن استخلاف الحاكم لغيره عند سفره ولو ليوم واحد سنة مؤكدة ما تركها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبداً وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
( من أحيا سنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد )
وروت كتب التاريخ الإسلامي بالإجماع دون أي اختلاف أن الخليفة أبا بكر عندما شارف على توديع الدنيا ( أوصى ) بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب تحديداً وتعييناً دون ترشيح أو انتخاب من قبل المسلمين !
ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال :
( ... ثم دعا عثمان بن عفان فقال :
اكتب عهدي .. فكتب عثمان وأملى عليه :
بسم الله الرحمن الرحيم , هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحاً عنها وأول عهده بالآخرة داخلاً فيها .. إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب .. فإن تروه عدلاً فيكم فذلك ظني به ورجائي فيه .. وإن بدل وغيّر فالخير أردت ولا أعلم الغيب ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .
أما الخليفة عمر بن الخطاب وفي آخر عهده في الدنيا كذلك ( أوصى ) بالخلافة من بعده إلى ستة من الصحابة وحصرها بهم دون غيرهم ليختاروا بدورهم واحداً منهم .
إن الخلافة ظاهرة تأتي بعد مرتبة النبوة مباشرة في القدسية والأهمية .. لذا أمر الله نبيه بالنص على ولاية خليفة من بعده .. وهذا هو اعتقادنا في منصب الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يخرج من المدينة المنورة وهي التي أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية إن صح التعبير , يستخلف عليها أحداً من الصحابة .. منها غزوة تبوك حيث استخلف علي عليه السلام على المدينة ليقوم مقامه في غيابه عنها .. لذا يكون أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستخلف أو يوصي لمن يكون للخلافة من بعده وبأمر الله سبحانه وتعالى وذلك قبل التحاقه بالرفيق الأعلى .
وتدل الأخبار الواردة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم بوقت رحيله عن هذه الدنيا ولو على وجه التقريب .. بدليل ما ورد بخطابه البليغ في حجة الوداع .
فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يغادر المدينة يستخلف من كان يستخلفه .. وكان صلى الله عليه آله وسلم كلما خرج منها يضع مكانه رجلاً من بسطاء المسلمين .. حتى أنه لما قاد نحو ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ليتعرض لقافلة قريش التجارية بعد أن خرج من المدينة استخلف عليها رجلين من بسطائها أحدهم يؤم الناس في الصلاة والآخر يقضي بينهم .. كما ولى على مكة بعد فتحها أحد شبابها من المسلمين القدامى عندما قاد جيشه إلى معركة حنين .. واستخلف عمرو بن قيس ( ابن أم مكتوم ) ثلاث عشرة مرة على المدينة .. كما استخلف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة ( أبا رهم ) عندما فتح مكة .. وقيل سماك بن خرشة الساعدي المعروف بأبي دجانة الأنصاري .. وقيل سباع بن عرفطة الغفاري .
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترك السنة في حياته وأعني استخلافه أحداً غيره عندما كان يغادر المدينة ومكة المكرمة وقبل أن يصبح حاكماً فيها أو مسؤولاً عنها .. استخلف علي عليه السلام فيها لرد الودائع لأهلها وذلك بعد أن تركها مهاجراً إلى يثرب .. فكيف به لا يستخلف أحداً لما بعد حياته الطاهرة !! خليفة يخلفه على كل المسلمين بعد أن انتشر الإسلام ووسعت رقعته وعظمت دولته وعلت رايته .. ثم إن الخليفة أبا بكر والخليفة عمر بن الخطاب أعطوا الأهمية الكبيرة في أواخر حياتهما لاختيار وتعين وتسمية الخليفة الذي سيخلفهما .. بل حتى في حياتهما كانا يستخلفان أحد الصحابة على المدينة عند خروجهما منها .
والخليفة الثالث عثمان بن عفان لو أن المسلمين الثائرين عليه منحوه شيئاً من الوقت قبل قتله لاختار للمسلمين خليفة من بعده كما اختار الخليفتين من قبله أبو بكر وعمر .
إذاً هل من المعقول أن يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته دون أن يعين أو يوصي لهم خليفة يخلفه من بعده .. يدير شؤونهم كما كانت تدار من قبله !!
وهل يمكن أن يتوصل المسلمون إلى اختيار أفضلهم للخلافة مع ما بينهم من أحقاد وعنعنات جاهلية لم يستأصلها الإسلام !!
وهل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راغباً في إثارة تلك العصبيات !!
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك أمر الخلافة من بعده للمسلمين أنفسهم ( سنة ) فهل إيصاء أبي بكر لعمر يتفق مع السنة ؟!!
نعم هل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحسب لأمته الحسابات المختلفة والمتوقعة من خلافات وانقسامات في الآراء حول من يخلفه في حالة عدم استخلاف أحد من الصحابة الذي يراه أهلاً لها ؟!!
وهل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد للمسلمين أن يكونوا في فوضى أو في حيرة من أمرهم بعده !!
حاشى له ذلك وهو الذي كان يجعل على رأس أي جيش صغير يرسله أميراً له في حالة عدم قيادته لذلك الجيش .. فكيف به يترك أمور المسلمين كافة دون ولي عليهم بعده !! لا سيما أن دينه في أول نشأته وهو أحوج إلى الوصي لإدارة شؤون المسلمين الدينية منها والدنيوية ..
ونتساءل أيضاً .. هل كان كل من الخليفتين أبي بكر وعمر أحرص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة الإسلامية حتى يوصيا لمن يخلفهما ويوليان كل اهتمامهما ذلك عندما شعر كل واحد منها بدون أجله !!
ألم يكن ذلك دليلاً على عودتها إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوصاية وبالتالي دليل على وجود الوصية ؟!!
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف فلماذا لم يعملا بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!!!
نحن أمام وصايا :
إذن نحن أمام وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يكون بعده .. وكذلك أمام وصية أوصى بها أبو بكر لمن يكون بعده .. وأمام وصية أوصى بها عمر لمن يكون يولى بعده .
وبهذا لم تكن الخلافة ( بالشورى ) ولم يكن للشورى مكان بالخلافة .!
فأين الشورى من وصية أبي بكر لعمر ؟!!!
وأين الشورى من وصية عمر لواحد من الستة الذين اختارهم هو دون غيره وحصر الخلافة بهم دون غيرهم ؟!!
وإن كانت هناك ( شورى ) فشورى مصغرة ومختصرة ومحدودة والتي أتت بأبي بكر للخلافة .. وشورى واسعة عامة وشاملة اشترك فيها كل المسلمون والتي أتت بعلي عليه السلام للخلافة بالرغم من رفضه لها .
ذكر الدكتور طه حسين :
( ... إن أبا بكر لم يبايع بالخلافة عن مشورة من المسلمين وإنما كانت بيعته فلتة وقى الله المسلمين شرها كما قال عمر .. كما أن عمر نفسه لم يبايع عن مشورة من المسلمين وإنما عهد إليه أبو بكر فأمضى المسلمون عهده ثقة منهم بالشيخين وحباً منهم لهما .. ولم تكن الشورى التي تمت بها خلافة عثمان مقنعة ولا مجزئة .. فقد اختص عمر بها ستة من قريش على أن يختاروا واحداً منهم .. فاختاروا عثمان وأكبر الظن أنهم نصحوا للمسلمين وتجنبوا الفتنة والخلاف جهدهم .. )
[ الفتنة الكبرى , علي وبنوه ج2 ص 31 ]
وهذا يؤيد ما ذكرناه من أن الخلفاء الثلاثة لم يصلوا إلى الخلافة عن طريق الشورى .. ويبدو من قراءة التاريخ الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطبق أمر الشورى في حياته عند اختيار من كان يوليه أميراً على الجيش في حالة عدم قيادته هو لذلك الجيش .. وفي أغلب الأحيان لم يستشر أصحابه في من كان يستخلفه على مدينته في حالة مغادرته لها أو في من كان يرسله رسولاً عنه للأمصار أو للملوك والرؤساء من القبائل إلا في حالات محدودة لأنه كان صلى الله عليه وآله وسلم أعرف من غيره بصحابته وبالمسلمين وله خبرة في معرفة شخصيات الصحابة ونفوسهم وطريقة تفكير كل منهم .. ودليلنا على ذلك تأميره لأسامة بن زيد على جيش المسلمين وهو حديث السن دون أن يأخذ رأي أحد من المسلمين .. حتى أن البعض منهم تخلف عن الالتحاق بالجيش وطعن آخرون في قيادته .. فلو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يأخذ رأي الصحابة خصوصاً والمسلمين عموماً في تأمير أسامة على جيش المسلمين لما وافقه أي أحد منهم ولما استطاع إصدار قراره بذلك .. بل هو صلى الله عليه وآله وسلم الذي قرر أن يكون أسامة أميراً لذلك الجيش دون مشورة من المسلمين .. كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وحده قرر أن يرسل أبا عبيدة بن الجراح على رأس جيش فيه أبو بكر وعمر في غزوة ( ذات السلاسل ) مدداً لجيش عمرو بن العاص .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده قرر أن يخلف علي بن أبي طالب عليه السلام في المدينة دون أن يلتحق معه في غزوة تبوك ولم يشاور أحد في ذلك حتى الإمام علي عليه السلام لم يشاورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأخذ رأيه في ذلك الاستخلاف .. بل لم يعلم بقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي واحد من صحابته ودليلنا على ذلك استفسار علي عليه السلام من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب بقائه مع غير المقاتلين في المدينة حتى قال له صلى الله عليه وآله وسلم حديث المنزلة المشهور :
( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى .. )
وكذلك لما أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بسورة براءة ليقرأها على الحجيج في بيت الله وبعدها أرسل علياً عليه السلام على أثره ليأخذها منه حتى يقرأها هو دون أبي بكر ..
في هذا المثال أيضاً لم يشاور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر عندما أرسله إلى مكة كما لم يشاور صحابته في تلك المهمة .. وعندما أرسل علي عليه السلام بعده لم يستشر أحداً منهم .. بل كانت تلك أوامر منه لهما لتنفيذ ذلك الأمر فنفذاه كما أمرهما .
تلك أمثلة أوردناها لنسند ما ذهبنا إليه وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطبق أمر الشورى عند تعيين القادة وإرسال الرسل والاستخلاف على المدن .. لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يطبق ذلك المبدأ في القضايا الأخرى ويشرك المسلمين في اتخاذ القرارات الحاسمة اللازمة لتسيير أمور الدولة الجديدة في أثناء السلم أو في حالات الحرب ووضع الخطط العسكرية التي توضع لها تطبيقاً للآية الكريمة (( وأمرهم شورى )) الشورى آية 38 ] والآية ((... وشاورهم في الأمر )) [آل عمران آية 159 ]
الوصية .. والوصي :
نعود إذن لأمر الوصية ونقول بوجود وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخليفته من بعده .. وقولنا بوجود الوصية يستوجب معرفة الوصي ..
فمن من الصحابة أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟
لم نجد في كتب التاريخ أي ذكر أو حديث ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى في حياته بالخلافة لأبي بكر ..!
وهذا ما هو متفق عليه بين كل المذاهب وبين مختلف رواة الحديث في الصحاح وفي كل كتب التاريخ ولا يختلف عليه اثنان مطلقاً .
يحتج أهل السنة الذين أيدوا خلافة أبا بكر إنه صلى بالمسلمين عندما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مريض وبأنه كان صاحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن أوائل الصحابة .. ثم أنهم احتجوا بسنه لأنه كان من كبار الصحابة سناً !!
نرد عليهم ونقول :
إن الصلاة بالمسلمين لا تكفي أن يكون الخليفة الأول خليفة .. ولم يكن أبو بكر وحده الذي صلى بالمسلمين في الفترة التي مرض بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .. وأسامة بن زيد بن حارثة أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جيش المسلمين وكان من إمرته كل من أبي بكر وعمر كما ذكرنا ..
فهل هذا هو مبرر لأن يصبح أسامة خليفة للمسلمين بعد أن كان أميراً على جيشهم ؟!!
أو أن يقدم أسامة في كل شيء على كل الصحابة الأجلاء ؟!!
أو هل من الممكن أن يفضل عليهم جميعاً بسبب ذلك ؟!!
أما كون أبي بكر كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أوائل الصحابة .. فهناك من هو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم له صحابة وقرابة .. نحو علي عليه السلام وعمه العباس .. وعلي من أقدم الناس إسلاماً .. رباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الرسالة وعلمه بعدها مبادئها ..
وأما سبب السن هو الآخر لم يكن مبرراً لاستخلاف أسن المسلمين عليهم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل للسن ميزة على بقية الخصائص عند الإنسان المسلم .. والدليل على ذلك كما ذكرنا هو تعيين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد قائداً لجيش المسلمين وهو شاب في مقتبل العمر وتحت إمرته من هو ضعف عمره ..
وكذلك عندما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر ليقرأها على المسلمين .. وأبو بكر أكبر من علي بن أبي طالب عليه السلام بسنين كثيرة .. كما كان في زمن أبي بكر من هو أسن منه نحو أبيه والعباس بن عبد المطلب وسلمان الفارسي وربيعة وعدي بن حاتم الطائي وحسان بن ثابت الأنصاري .. وغيرهم .
إذاً نجد أن السن ما كان مبرراً للتقديم أو التأخير في القيادة أو الخلافة , وبين الناس من طعنوا في السن وفيهم الفاسق والفاجر والعاري من الفضائل والمكارم والبعيد عن القيم والأخلاق .. وبين الناس من هم في مقتبل العمر وفيهم النوابغ والعلماء والحكماء .. والمرء إذا مدح فإنما يمدح لا بطول عمره !!
فعلي عليه السلام أقل من أبي بكر عمراً وأصغر منه سناً لكنه أكثر منه علماً وأوسع منه فقها ( ولا قياس ) بينهما في الأفضلية .. فالمقايسة تكون بين جميع الخلق إلا علي عليه السلام .. ودليلنا على ذلك احتياج الخليفة الأول لعلي عليه السلام .. بل احتياج كل الخلفاء والصحابة له للتزود من غزير معارفه وسعة إطلاعه .. ولم يحتاج هو لواحد منهم أبداً .
نعود إلى وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن أراد أن يخلفه .. وذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يوصي لأبي بكر ولا لغير أبي بكر من الصحابة غير علي عليه السلام .. حيث اتفق الرواة جميعاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوصي للأول بينما نستطيع القول أن الأحاديث والأخبار من مصادر مختلفة وعلى اختلاف الروايات ولو أنها دون إجماع .. إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي عليه السلام أن يكون ولياً على المسلمين ولم يرد أي حديث أو أية رواية في حق أحد من الصحابة من المسلمين ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى له غير الإمام علي عليه السلام .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمهد له سبيل الخلافة في مواقف مختلفة ذلك لأنه رأى في ربيبه صورة منه .. بسمو الخلق وسعة الإيمان والإخلاص المتناهي للعقيدة وسعة في فهم مبادئ الدين والتفاني من أجل حماية الدعوة ونشر مبادئها .. فلم يجد غير علي عليه السلام من يكون مؤهلاً للوصية والولاية .. ولأنه خير من يستطيع أن يتمم شروط الرسالة من بعده .
والحمد لله رب العالمين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
ذكرت إحدى الصحف المصرية أن أحد الكتاب الإسلاميين من السياسيين خاطب رئيس جمهورية مصر طالباً منه أن يعين له نائباً ليرعى الأمة عند غيابه عن مصر .. وذلك اقتداء بالسنة النبوية الشريفة ..
حيث إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج من المدينة المنورة مرات عديدة على رأس السرايا والغزوات , كما أنه حج للعمرة والحج .. وكان في كل مرة يستخلف على المدينة واحداً من الصحابة .. وحتى أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ولم يكن حاكماً في ذلك الوقت وإنما كان أميناً على أموال بعض الناس استخلف الإمام علي عليه السلام ليؤدي الأمانات إلى أهلها ..
وهكذا ينصح أن استخلاف الحاكم لغيره عند سفره ولو ليوم واحد سنة مؤكدة ما تركها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبداً وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
( من أحيا سنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد )
وروت كتب التاريخ الإسلامي بالإجماع دون أي اختلاف أن الخليفة أبا بكر عندما شارف على توديع الدنيا ( أوصى ) بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب تحديداً وتعييناً دون ترشيح أو انتخاب من قبل المسلمين !
ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال :
( ... ثم دعا عثمان بن عفان فقال :
اكتب عهدي .. فكتب عثمان وأملى عليه :
بسم الله الرحمن الرحيم , هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحاً عنها وأول عهده بالآخرة داخلاً فيها .. إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب .. فإن تروه عدلاً فيكم فذلك ظني به ورجائي فيه .. وإن بدل وغيّر فالخير أردت ولا أعلم الغيب ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .
أما الخليفة عمر بن الخطاب وفي آخر عهده في الدنيا كذلك ( أوصى ) بالخلافة من بعده إلى ستة من الصحابة وحصرها بهم دون غيرهم ليختاروا بدورهم واحداً منهم .
إن الخلافة ظاهرة تأتي بعد مرتبة النبوة مباشرة في القدسية والأهمية .. لذا أمر الله نبيه بالنص على ولاية خليفة من بعده .. وهذا هو اعتقادنا في منصب الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يخرج من المدينة المنورة وهي التي أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية إن صح التعبير , يستخلف عليها أحداً من الصحابة .. منها غزوة تبوك حيث استخلف علي عليه السلام على المدينة ليقوم مقامه في غيابه عنها .. لذا يكون أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستخلف أو يوصي لمن يكون للخلافة من بعده وبأمر الله سبحانه وتعالى وذلك قبل التحاقه بالرفيق الأعلى .
وتدل الأخبار الواردة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم بوقت رحيله عن هذه الدنيا ولو على وجه التقريب .. بدليل ما ورد بخطابه البليغ في حجة الوداع .
فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يغادر المدينة يستخلف من كان يستخلفه .. وكان صلى الله عليه آله وسلم كلما خرج منها يضع مكانه رجلاً من بسطاء المسلمين .. حتى أنه لما قاد نحو ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ليتعرض لقافلة قريش التجارية بعد أن خرج من المدينة استخلف عليها رجلين من بسطائها أحدهم يؤم الناس في الصلاة والآخر يقضي بينهم .. كما ولى على مكة بعد فتحها أحد شبابها من المسلمين القدامى عندما قاد جيشه إلى معركة حنين .. واستخلف عمرو بن قيس ( ابن أم مكتوم ) ثلاث عشرة مرة على المدينة .. كما استخلف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة ( أبا رهم ) عندما فتح مكة .. وقيل سماك بن خرشة الساعدي المعروف بأبي دجانة الأنصاري .. وقيل سباع بن عرفطة الغفاري .
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترك السنة في حياته وأعني استخلافه أحداً غيره عندما كان يغادر المدينة ومكة المكرمة وقبل أن يصبح حاكماً فيها أو مسؤولاً عنها .. استخلف علي عليه السلام فيها لرد الودائع لأهلها وذلك بعد أن تركها مهاجراً إلى يثرب .. فكيف به لا يستخلف أحداً لما بعد حياته الطاهرة !! خليفة يخلفه على كل المسلمين بعد أن انتشر الإسلام ووسعت رقعته وعظمت دولته وعلت رايته .. ثم إن الخليفة أبا بكر والخليفة عمر بن الخطاب أعطوا الأهمية الكبيرة في أواخر حياتهما لاختيار وتعين وتسمية الخليفة الذي سيخلفهما .. بل حتى في حياتهما كانا يستخلفان أحد الصحابة على المدينة عند خروجهما منها .
والخليفة الثالث عثمان بن عفان لو أن المسلمين الثائرين عليه منحوه شيئاً من الوقت قبل قتله لاختار للمسلمين خليفة من بعده كما اختار الخليفتين من قبله أبو بكر وعمر .
إذاً هل من المعقول أن يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته دون أن يعين أو يوصي لهم خليفة يخلفه من بعده .. يدير شؤونهم كما كانت تدار من قبله !!
وهل يمكن أن يتوصل المسلمون إلى اختيار أفضلهم للخلافة مع ما بينهم من أحقاد وعنعنات جاهلية لم يستأصلها الإسلام !!
وهل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راغباً في إثارة تلك العصبيات !!
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك أمر الخلافة من بعده للمسلمين أنفسهم ( سنة ) فهل إيصاء أبي بكر لعمر يتفق مع السنة ؟!!
نعم هل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحسب لأمته الحسابات المختلفة والمتوقعة من خلافات وانقسامات في الآراء حول من يخلفه في حالة عدم استخلاف أحد من الصحابة الذي يراه أهلاً لها ؟!!
وهل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد للمسلمين أن يكونوا في فوضى أو في حيرة من أمرهم بعده !!
حاشى له ذلك وهو الذي كان يجعل على رأس أي جيش صغير يرسله أميراً له في حالة عدم قيادته لذلك الجيش .. فكيف به يترك أمور المسلمين كافة دون ولي عليهم بعده !! لا سيما أن دينه في أول نشأته وهو أحوج إلى الوصي لإدارة شؤون المسلمين الدينية منها والدنيوية ..
ونتساءل أيضاً .. هل كان كل من الخليفتين أبي بكر وعمر أحرص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة الإسلامية حتى يوصيا لمن يخلفهما ويوليان كل اهتمامهما ذلك عندما شعر كل واحد منها بدون أجله !!
ألم يكن ذلك دليلاً على عودتها إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوصاية وبالتالي دليل على وجود الوصية ؟!!
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف فلماذا لم يعملا بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!!!
نحن أمام وصايا :
إذن نحن أمام وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يكون بعده .. وكذلك أمام وصية أوصى بها أبو بكر لمن يكون بعده .. وأمام وصية أوصى بها عمر لمن يكون يولى بعده .
وبهذا لم تكن الخلافة ( بالشورى ) ولم يكن للشورى مكان بالخلافة .!
فأين الشورى من وصية أبي بكر لعمر ؟!!!
وأين الشورى من وصية عمر لواحد من الستة الذين اختارهم هو دون غيره وحصر الخلافة بهم دون غيرهم ؟!!
وإن كانت هناك ( شورى ) فشورى مصغرة ومختصرة ومحدودة والتي أتت بأبي بكر للخلافة .. وشورى واسعة عامة وشاملة اشترك فيها كل المسلمون والتي أتت بعلي عليه السلام للخلافة بالرغم من رفضه لها .
ذكر الدكتور طه حسين :
( ... إن أبا بكر لم يبايع بالخلافة عن مشورة من المسلمين وإنما كانت بيعته فلتة وقى الله المسلمين شرها كما قال عمر .. كما أن عمر نفسه لم يبايع عن مشورة من المسلمين وإنما عهد إليه أبو بكر فأمضى المسلمون عهده ثقة منهم بالشيخين وحباً منهم لهما .. ولم تكن الشورى التي تمت بها خلافة عثمان مقنعة ولا مجزئة .. فقد اختص عمر بها ستة من قريش على أن يختاروا واحداً منهم .. فاختاروا عثمان وأكبر الظن أنهم نصحوا للمسلمين وتجنبوا الفتنة والخلاف جهدهم .. )
[ الفتنة الكبرى , علي وبنوه ج2 ص 31 ]
وهذا يؤيد ما ذكرناه من أن الخلفاء الثلاثة لم يصلوا إلى الخلافة عن طريق الشورى .. ويبدو من قراءة التاريخ الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطبق أمر الشورى في حياته عند اختيار من كان يوليه أميراً على الجيش في حالة عدم قيادته هو لذلك الجيش .. وفي أغلب الأحيان لم يستشر أصحابه في من كان يستخلفه على مدينته في حالة مغادرته لها أو في من كان يرسله رسولاً عنه للأمصار أو للملوك والرؤساء من القبائل إلا في حالات محدودة لأنه كان صلى الله عليه وآله وسلم أعرف من غيره بصحابته وبالمسلمين وله خبرة في معرفة شخصيات الصحابة ونفوسهم وطريقة تفكير كل منهم .. ودليلنا على ذلك تأميره لأسامة بن زيد على جيش المسلمين وهو حديث السن دون أن يأخذ رأي أحد من المسلمين .. حتى أن البعض منهم تخلف عن الالتحاق بالجيش وطعن آخرون في قيادته .. فلو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يأخذ رأي الصحابة خصوصاً والمسلمين عموماً في تأمير أسامة على جيش المسلمين لما وافقه أي أحد منهم ولما استطاع إصدار قراره بذلك .. بل هو صلى الله عليه وآله وسلم الذي قرر أن يكون أسامة أميراً لذلك الجيش دون مشورة من المسلمين .. كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وحده قرر أن يرسل أبا عبيدة بن الجراح على رأس جيش فيه أبو بكر وعمر في غزوة ( ذات السلاسل ) مدداً لجيش عمرو بن العاص .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده قرر أن يخلف علي بن أبي طالب عليه السلام في المدينة دون أن يلتحق معه في غزوة تبوك ولم يشاور أحد في ذلك حتى الإمام علي عليه السلام لم يشاورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأخذ رأيه في ذلك الاستخلاف .. بل لم يعلم بقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي واحد من صحابته ودليلنا على ذلك استفسار علي عليه السلام من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب بقائه مع غير المقاتلين في المدينة حتى قال له صلى الله عليه وآله وسلم حديث المنزلة المشهور :
( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى .. )
وكذلك لما أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بسورة براءة ليقرأها على الحجيج في بيت الله وبعدها أرسل علياً عليه السلام على أثره ليأخذها منه حتى يقرأها هو دون أبي بكر ..
في هذا المثال أيضاً لم يشاور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر عندما أرسله إلى مكة كما لم يشاور صحابته في تلك المهمة .. وعندما أرسل علي عليه السلام بعده لم يستشر أحداً منهم .. بل كانت تلك أوامر منه لهما لتنفيذ ذلك الأمر فنفذاه كما أمرهما .
تلك أمثلة أوردناها لنسند ما ذهبنا إليه وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطبق أمر الشورى عند تعيين القادة وإرسال الرسل والاستخلاف على المدن .. لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يطبق ذلك المبدأ في القضايا الأخرى ويشرك المسلمين في اتخاذ القرارات الحاسمة اللازمة لتسيير أمور الدولة الجديدة في أثناء السلم أو في حالات الحرب ووضع الخطط العسكرية التي توضع لها تطبيقاً للآية الكريمة (( وأمرهم شورى )) الشورى آية 38 ] والآية ((... وشاورهم في الأمر )) [آل عمران آية 159 ]
الوصية .. والوصي :
نعود إذن لأمر الوصية ونقول بوجود وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخليفته من بعده .. وقولنا بوجود الوصية يستوجب معرفة الوصي ..
فمن من الصحابة أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟
لم نجد في كتب التاريخ أي ذكر أو حديث ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى في حياته بالخلافة لأبي بكر ..!
وهذا ما هو متفق عليه بين كل المذاهب وبين مختلف رواة الحديث في الصحاح وفي كل كتب التاريخ ولا يختلف عليه اثنان مطلقاً .
يحتج أهل السنة الذين أيدوا خلافة أبا بكر إنه صلى بالمسلمين عندما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مريض وبأنه كان صاحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن أوائل الصحابة .. ثم أنهم احتجوا بسنه لأنه كان من كبار الصحابة سناً !!
نرد عليهم ونقول :
إن الصلاة بالمسلمين لا تكفي أن يكون الخليفة الأول خليفة .. ولم يكن أبو بكر وحده الذي صلى بالمسلمين في الفترة التي مرض بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .. وأسامة بن زيد بن حارثة أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جيش المسلمين وكان من إمرته كل من أبي بكر وعمر كما ذكرنا ..
فهل هذا هو مبرر لأن يصبح أسامة خليفة للمسلمين بعد أن كان أميراً على جيشهم ؟!!
أو أن يقدم أسامة في كل شيء على كل الصحابة الأجلاء ؟!!
أو هل من الممكن أن يفضل عليهم جميعاً بسبب ذلك ؟!!
أما كون أبي بكر كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أوائل الصحابة .. فهناك من هو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم له صحابة وقرابة .. نحو علي عليه السلام وعمه العباس .. وعلي من أقدم الناس إسلاماً .. رباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الرسالة وعلمه بعدها مبادئها ..
وأما سبب السن هو الآخر لم يكن مبرراً لاستخلاف أسن المسلمين عليهم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل للسن ميزة على بقية الخصائص عند الإنسان المسلم .. والدليل على ذلك كما ذكرنا هو تعيين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد قائداً لجيش المسلمين وهو شاب في مقتبل العمر وتحت إمرته من هو ضعف عمره ..
وكذلك عندما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر ليقرأها على المسلمين .. وأبو بكر أكبر من علي بن أبي طالب عليه السلام بسنين كثيرة .. كما كان في زمن أبي بكر من هو أسن منه نحو أبيه والعباس بن عبد المطلب وسلمان الفارسي وربيعة وعدي بن حاتم الطائي وحسان بن ثابت الأنصاري .. وغيرهم .
إذاً نجد أن السن ما كان مبرراً للتقديم أو التأخير في القيادة أو الخلافة , وبين الناس من طعنوا في السن وفيهم الفاسق والفاجر والعاري من الفضائل والمكارم والبعيد عن القيم والأخلاق .. وبين الناس من هم في مقتبل العمر وفيهم النوابغ والعلماء والحكماء .. والمرء إذا مدح فإنما يمدح لا بطول عمره !!
فعلي عليه السلام أقل من أبي بكر عمراً وأصغر منه سناً لكنه أكثر منه علماً وأوسع منه فقها ( ولا قياس ) بينهما في الأفضلية .. فالمقايسة تكون بين جميع الخلق إلا علي عليه السلام .. ودليلنا على ذلك احتياج الخليفة الأول لعلي عليه السلام .. بل احتياج كل الخلفاء والصحابة له للتزود من غزير معارفه وسعة إطلاعه .. ولم يحتاج هو لواحد منهم أبداً .
نعود إلى وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن أراد أن يخلفه .. وذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يوصي لأبي بكر ولا لغير أبي بكر من الصحابة غير علي عليه السلام .. حيث اتفق الرواة جميعاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوصي للأول بينما نستطيع القول أن الأحاديث والأخبار من مصادر مختلفة وعلى اختلاف الروايات ولو أنها دون إجماع .. إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي عليه السلام أن يكون ولياً على المسلمين ولم يرد أي حديث أو أية رواية في حق أحد من الصحابة من المسلمين ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى له غير الإمام علي عليه السلام .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمهد له سبيل الخلافة في مواقف مختلفة ذلك لأنه رأى في ربيبه صورة منه .. بسمو الخلق وسعة الإيمان والإخلاص المتناهي للعقيدة وسعة في فهم مبادئ الدين والتفاني من أجل حماية الدعوة ونشر مبادئها .. فلم يجد غير علي عليه السلام من يكون مؤهلاً للوصية والولاية .. ولأنه خير من يستطيع أن يتمم شروط الرسالة من بعده .
والحمد لله رب العالمين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين