بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المستديم على أعداءهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.
وبعد؛ فهذه نظرات في كتاب التوحيد، لمحمد بن عبد الوهاب، استفدتها من خلال مطالعتي فيه، و تأملاتي فيما سطره..
ولقد وفقني الله تعالى لحج بيته الحرام في عام 1422 هجرية، فحصلت على نسخة من كتاب (فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، و الشارح للكتاب هو حفيد الشيخ ابن عبد الوهاب، الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب)، حين مبيتنا في منى، و عندما كنت أتصفح الكتاب في زمن الحج و عندما رجعت إلى الديار، وجدتُ فيه الكثير مما يلفت الانتباه و يلزم الواحد منا التوقف عند كل موضوع فيه، فكانت هذه الحصيلة..
ثم أنني لم أعتمد أسلوب المنهجية، بل جعلتها مقتطفات مبعثرة، ولكنني سوف أذكر الباب و الصفحة، ليسهل ذلك على القارئ.
و الملاحظ للكتاب يدرك جيدا أن مؤلفه اعتمد أسلوب سرد الآيات و الأحاديث، ولم يكلف نفسه شرحها، أو التحدث عنها، بل جعله مبهماً، إلا من ذكر بعض الإستفادات التي استفادها من الآية أو الحديث!
النظرة الأولى:
(49) باب قول الله تعالى:
" فلمَّا ءاتهمُا الله صالحاً جَعَلا له شركاء فيما ءاتـهُما فتعالى الله عمّا يشركون" 190/ الأعراف.
قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم مُعبَّدٍ لغير الله؛ كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية، قال: لما تغشّاها آدم حملت، فأتاهما إبليس. فقال: إني صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة لَتُطيعُنني أو لأجعلنّ له قرنَي أيْلٍ فيخرج من بطنك فيشقه. ولأفعلنّ ولأفعلنّ، يخوِّفهما. سميّاه عبد الحارث. فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميّتاً. ثم حملت، فأتاهما، فقال: مثل قوله، فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميّتاً، ثم حملت، فأتاهما، فذكر لهما. فأدركهما حُبُّ الولد، فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله: " جعلا له شركاء فيما آتاهما". رواه ابن أبي حاتم.
وله بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته.
وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله: " لئن آتيتنا صالحاً" قال: أشفقا أن لا يكون إنساناً. وذُكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.
فيه مسائل:
الأولى: تحريم كل اسم معبد لغير الله.
الثانية: تفسير الآية.
الثالثة: أن هذا الشرك في مجرد التسمية لم يقصد حقيقتها.
الرابعة: أن هبة الله للرجل البنتَ السوية من النعم.
الخامسة: ذكر السّلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة.(اهـ) كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص491.
وإليك أقوال بعض المفسرين، في رد هذا الهراء و السخافات، التي تقولوا بها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير بعد ذكر القصة هذه:
"واعلم أن هذا التأويل فاسدٌ و يدل عليه وجوه:
الأول: أنه تعالى قال: (فتعالى الله عما يشركون) و ذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.
الثاني: أنه تعالى قال بعده: (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يُخلقون) وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى، وما جرى لإبليس في هذه الآية ذكر.
الثالث: لو كان المراد إبليس لقال: أيشركون من لا يخلق شيئا، ولم يقل ما لا يخلق شيئا، لأن العاقل إنما يذكر بصيغة (من) لا بصيغة (ما).
الرابع: أن آدم عليه السلام كان أشد الناس معرفة بإبليس، وكان عالما بجميع الأسماء كما قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) فكان لابد وأن يكون قد علم أن اسم إبليس هو الحرث فمع العداوة الشديدة التي بينه وبين آدم ومع علمه بأن اسمه الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وكيف ضاقت عليه الأسماء حتى أنه لم يجد سوى هذا الاسم؟
الخامس: أن الواحد منا لو حصل له ولد يرجو منه الخير والصلاح، فجاءه إنسان ودعاه إلى أن يسميه بمثل هذه الأسماء لزجره و أنكر عليه أشد الإنكار. فآدم عليه السلام مع نبوته وعلمه الكثير الذي حصل من قوله: (وعلم آدم الأسماء كلها) و تجاربه الكثيرة التي حصلت له بسبب الزلة التي وقع فيها لأجل وسوسة إبليس، كيف لم ينتبه لهذا القدر و كيف لم يعرف أن ذلك من الأفعال المنكرة التي يجب على العاقل الاحتراز منها.
السادس: أن بتقدير أن آدم عليه السلام سماه بعبد الحرث، فلا يخلو إما أن يقال إنه جعل هذا اللفظ اسم علم له، أو جعله صفة له، بمعنى أنه أخبر بهذا اللفظ أنه عبد الحرث و مخلوق من قبله. فإن كان الأول لم يكن هذا شركا بالله لأن أسماء الأعلام والألقاب لا تفيد في المسميات فائدة، فلم يلزم من التسمية بهذا اللفظ حصول الإشراك، وإن كان الثاني كان هذا قولا بأن آدم عليه السلام اعتقد أن لله شريكا في الخلق و الإيجاد و التكوين و ذلك يوجب الجزم بتكفير آدم، و ذلك لا يقوله عاقلٌ.
فثبت بهذه الوجوه أن هذا القول فاسد، و يجب على العاقل المسلم أن لا يلتفت إليه. (اهـ).
هذا ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الكبير ص86 ج15.
ثم ذكر عدة تأويلات، وتوجيهات للآية.
وهذه التأويلات التي أوردها الفخر الرازي، ليقينه بأن مثل هذا لا يمكن أن يصدر من آدم عليه السلام، و لعدم تقبل العقل الفطري مثلها.
ويقول ابن كثير عند تفسير هذه الآية: "وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب...
فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أُبي.. فذكر الحديث.
وقال أيضا: "...ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما كما سيأتي."
وعقب عليه بعده بقوله: "وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب...
ثم يقول: "وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله تعالى: "فتعالى الله عما يشركون"، ثم قال: -أي الحسن- فذكر آدم وحواء أولاً كالتوطئة لما بعدهما.." (اهـ). تفسير ابن كثير ج2 دار المعرفة، بيروت لبنان، عند تفسير الآية.
وهناك حديث آخر يرويه أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميّه عبد الحارث؛ فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره".
أقول: المتأمل في الحديث الذي أورده في تفسير الآية، يدرك تماماً عقيدة أهل الكتاب واضحةٌ بين أسطره..
فهي –عقيدة أهل الكتاب- تعتمد على أمور منها:
تخطئة الأنبياء و نسبة الشرك لهم.. و نفي العصمة عنهم..
مضافاً إلى ذلك.. أن الله تعالى يصدر منه الشر أو ما في معناه، ثم يندم على فعل ذلك.. فضلا عن التشبيه والتجسيم الوارد في تعاليمهم و كتبهم.. وهذا له تأملات أخرى سوف نقف عليها في حينها بإذن الله تعالى..
ويلاحظ عليه في مسائله التي استنبطها:
الأولى: (تحريم كل اسم معبد لغير الله) :
إن لفظة كل من أدواة العموم، وعليه لابد من دخول (عبد المطلب) أيضاً، إذ ما الداعي لإخراجه من العموم؟!!!
ثم ما المانع من التعبيد لغير الله تعالى إذا كان المقصود منها المعنى المجازي لعبودية الرق، لا غير!!! فيشمل كل اسم عُبّد، كعبد الحسين و عبد علي وما أشبه ذلك، خصوصا وأن الشارح قد أشار إليه بقوله: "قال شيخنا رحمه الله: إن هذا الشرك في مجرد تسمية، لم يقصد حقيقته التي يريدها إبليس، وهو محمل حسن، يُبيّن أن ما وقع من الأبوين من تسميتهما ابنهما عبد الحارث إنما هو مجرد تسميةٍ، لم يقصدا تعبيده لغير الله. وهذا معنى قول قتادة: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
وبقوله أيضاً: قال: (حاشا عبد المطلب) هذا استثناء من العموم المستفاد من (كل) وذلك أن تسميته بهذا الاسم لا محذور فيه؛ لأن أصله من عبودية الرق.. أو عبودية الإنعام.."
فإذا كان المسمي قاصدا عبودية الرق، في تسميته لولده، بأي اسم كان فلا إشكال حينئذٍ عليه، فالتخصيص بعبد المطلب تخصيصٌ بلا مخصص، حتى وإن قلنا بإرجاعه إلى أصله من كون أصل التسمية عبودية الرق، فلو أن أحدهم عبّد ولده به –عبد المطلب- و أراد به عبودية العبادة، فما يدريك بذلك.. فعلى القول بإرجاعه إلى أصله من عبودية الرق ضعيف، إذ المحذور يقع حينئذٍ!! فافهم.
فيظهر بذلك، أن أي تعبيد كان وبأي اسم -كعبد الرسول و عبد النبي و عبد الحسين وما أشبه- لا إشكال فيه، إذا أريد به عبودية الرق كما هو واضح لمن أطلق على ولده هذه التسمية، إذ أنه لا يريد بها العبودية لغير الله تعالى!!!!!!!!
وهذا ما نفى البأس عنه الشارح، بقوله و بنقله: " قال شيخنا رحمه الله: إن هذا الشرك في مجرد تسمية، لم يقصد حقيقته التي يريدها إبليس، وهو محمل حسن، يُبيّن أن ما وقع من الأبوين من تسميتهما ابنهما عبد الحارث إنما هو مجرد تسميةٍ، لم يقصدا تعبيده لغير الله. وهذا معنى قول قتادة: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
الثانية: (تفسير الآية ) :
وأما في تفسير الآية، فإنه –أي الشيخ- قد جزم بما لا يحتمل التأويل بأن آدم عليه السلام قد عبّد ولده للشيطان.. ويظهر ذلك من عدم ذكره للأقوال الأخرى في تفسير الآية..
الثالثة: (أن هذا الشرك في مجرد التسمية لم يقصد حقيقتها) :
ولا أدري هل أن الشيخ كان مع آدم ليقف على قصد الحقيقة أم المجاز؟!!!
خصوصا، وأن مثل أمثال الشيخ، لا يؤمنون بالمجاز، خصوصاً بما يرتبط بالصفات الواردة في القرآن الكريم، بل يحملونها على الحقيقة دون المجاز. ولنا وقفة عند هذا فيما يأتي من نظراتنا إن شاء الله تعالى.
ثم لا أدري ماذا يترتب على هذه التسمية الشركية في مفهوم الشيخ؟!!!
هل هي جائزةٌ أم غير جائزةٍ؟!!!
وهل أن آدم أشرك بتسمية ولده هذا الاسم؟!!!!!!
فإذا نفينا كونه أشرك بالشرك الأكبر، فهل نثبت له الشرك الأصغر، بناء على أنها شرك في مجرد التسمية كما يدعي الشيخ؟!!!!!!!
و العارف بهذا المنهج يعلم أنهم يعتمدون دائما على التقسيم بين الشرك الأكبر و الأصغر، و إضفاء هذه السمة على كل أحد، وعلى أي فعل بدون التحقيق و التدقيق في مفاهيمه!
ثم ولو قال قائل أن الأنبياء غير معصومين إلا في خصوص التبليغ، وأما في غير ذلك فلا!
فنقول في جوابه: أنه وعلى هذا التقدير –تقدير عدم العصمة- لو سلمنا به، فإنه لا يجوز نسبة طاعتهما للشيطان، أو الشرك حتى في مجرد التسمية به! وهل أن النبي يطيع الشيطان، بل وهل يمكن لنا أن نتصور ذلك؟! إلا على منهج أهل الكتاب، فهذا واضحٌ!
وقد تكفل بهذا الفخر الرازي، وابن كثير بردهما لهذا القول السخيف، الذي تتقاطر منه عقيدة أهل الكتاب. فافهم.
الرابعة: (أن هبة الله للرجل البنتَ السوية من النعم) :
الخامسة: (ذكر السّلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة) :
وما الذي يستفيده القارئ من خلال كلامه هذا؟!!!
ليت شعري، لو وضّح الشيخ الفرق بينهما لأنه في معرض تفصيل عقيدة المسلم في التوحيد، و توضيح الصحيح منها من الفاسد، فإذا اكتفى بمجرد قوله: أن السلف قد بينوا الفرق بين الشرك في الطاعة و الشرك في العبادة، فهذا مما يزيد غموضا لعدم إدراك الفارقَ بينهما!!!!!
الطامة الكبرى:
و الطامة الكبرى ليس فيما تقدم، بل فيما هو الآتي من العقيدة التي يؤمن بها مثل هؤلاء، حيث اعتمدوا في كثير من أدلتها على الإسرائيليات، من التجسيم والتشبيه وما إلى ذلك من صفاتٍ تعالى الله عنها..
و الذي يقرأ الحديث الذي اعتمده الشيخ في توضيح الآية لهو أكبر شاهد على فساد تلك العقيدة المنحرفة عن جادة الحق و الصواب..
يتبع....
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المستديم على أعداءهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.
وبعد؛ فهذه نظرات في كتاب التوحيد، لمحمد بن عبد الوهاب، استفدتها من خلال مطالعتي فيه، و تأملاتي فيما سطره..
ولقد وفقني الله تعالى لحج بيته الحرام في عام 1422 هجرية، فحصلت على نسخة من كتاب (فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، و الشارح للكتاب هو حفيد الشيخ ابن عبد الوهاب، الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب)، حين مبيتنا في منى، و عندما كنت أتصفح الكتاب في زمن الحج و عندما رجعت إلى الديار، وجدتُ فيه الكثير مما يلفت الانتباه و يلزم الواحد منا التوقف عند كل موضوع فيه، فكانت هذه الحصيلة..
ثم أنني لم أعتمد أسلوب المنهجية، بل جعلتها مقتطفات مبعثرة، ولكنني سوف أذكر الباب و الصفحة، ليسهل ذلك على القارئ.
و الملاحظ للكتاب يدرك جيدا أن مؤلفه اعتمد أسلوب سرد الآيات و الأحاديث، ولم يكلف نفسه شرحها، أو التحدث عنها، بل جعله مبهماً، إلا من ذكر بعض الإستفادات التي استفادها من الآية أو الحديث!
النظرة الأولى:
(49) باب قول الله تعالى:
" فلمَّا ءاتهمُا الله صالحاً جَعَلا له شركاء فيما ءاتـهُما فتعالى الله عمّا يشركون" 190/ الأعراف.
قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم مُعبَّدٍ لغير الله؛ كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية، قال: لما تغشّاها آدم حملت، فأتاهما إبليس. فقال: إني صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة لَتُطيعُنني أو لأجعلنّ له قرنَي أيْلٍ فيخرج من بطنك فيشقه. ولأفعلنّ ولأفعلنّ، يخوِّفهما. سميّاه عبد الحارث. فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميّتاً. ثم حملت، فأتاهما، فقال: مثل قوله، فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميّتاً، ثم حملت، فأتاهما، فذكر لهما. فأدركهما حُبُّ الولد، فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله: " جعلا له شركاء فيما آتاهما". رواه ابن أبي حاتم.
وله بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته.
وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله: " لئن آتيتنا صالحاً" قال: أشفقا أن لا يكون إنساناً. وذُكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.
فيه مسائل:
الأولى: تحريم كل اسم معبد لغير الله.
الثانية: تفسير الآية.
الثالثة: أن هذا الشرك في مجرد التسمية لم يقصد حقيقتها.
الرابعة: أن هبة الله للرجل البنتَ السوية من النعم.
الخامسة: ذكر السّلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة.(اهـ) كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص491.
وإليك أقوال بعض المفسرين، في رد هذا الهراء و السخافات، التي تقولوا بها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير بعد ذكر القصة هذه:
"واعلم أن هذا التأويل فاسدٌ و يدل عليه وجوه:
الأول: أنه تعالى قال: (فتعالى الله عما يشركون) و ذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.
الثاني: أنه تعالى قال بعده: (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يُخلقون) وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى، وما جرى لإبليس في هذه الآية ذكر.
الثالث: لو كان المراد إبليس لقال: أيشركون من لا يخلق شيئا، ولم يقل ما لا يخلق شيئا، لأن العاقل إنما يذكر بصيغة (من) لا بصيغة (ما).
الرابع: أن آدم عليه السلام كان أشد الناس معرفة بإبليس، وكان عالما بجميع الأسماء كما قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) فكان لابد وأن يكون قد علم أن اسم إبليس هو الحرث فمع العداوة الشديدة التي بينه وبين آدم ومع علمه بأن اسمه الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وكيف ضاقت عليه الأسماء حتى أنه لم يجد سوى هذا الاسم؟
الخامس: أن الواحد منا لو حصل له ولد يرجو منه الخير والصلاح، فجاءه إنسان ودعاه إلى أن يسميه بمثل هذه الأسماء لزجره و أنكر عليه أشد الإنكار. فآدم عليه السلام مع نبوته وعلمه الكثير الذي حصل من قوله: (وعلم آدم الأسماء كلها) و تجاربه الكثيرة التي حصلت له بسبب الزلة التي وقع فيها لأجل وسوسة إبليس، كيف لم ينتبه لهذا القدر و كيف لم يعرف أن ذلك من الأفعال المنكرة التي يجب على العاقل الاحتراز منها.
السادس: أن بتقدير أن آدم عليه السلام سماه بعبد الحرث، فلا يخلو إما أن يقال إنه جعل هذا اللفظ اسم علم له، أو جعله صفة له، بمعنى أنه أخبر بهذا اللفظ أنه عبد الحرث و مخلوق من قبله. فإن كان الأول لم يكن هذا شركا بالله لأن أسماء الأعلام والألقاب لا تفيد في المسميات فائدة، فلم يلزم من التسمية بهذا اللفظ حصول الإشراك، وإن كان الثاني كان هذا قولا بأن آدم عليه السلام اعتقد أن لله شريكا في الخلق و الإيجاد و التكوين و ذلك يوجب الجزم بتكفير آدم، و ذلك لا يقوله عاقلٌ.
فثبت بهذه الوجوه أن هذا القول فاسد، و يجب على العاقل المسلم أن لا يلتفت إليه. (اهـ).
هذا ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الكبير ص86 ج15.
ثم ذكر عدة تأويلات، وتوجيهات للآية.
وهذه التأويلات التي أوردها الفخر الرازي، ليقينه بأن مثل هذا لا يمكن أن يصدر من آدم عليه السلام، و لعدم تقبل العقل الفطري مثلها.
ويقول ابن كثير عند تفسير هذه الآية: "وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب...
فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أُبي.. فذكر الحديث.
وقال أيضا: "...ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما كما سيأتي."
وعقب عليه بعده بقوله: "وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب...
ثم يقول: "وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله تعالى: "فتعالى الله عما يشركون"، ثم قال: -أي الحسن- فذكر آدم وحواء أولاً كالتوطئة لما بعدهما.." (اهـ). تفسير ابن كثير ج2 دار المعرفة، بيروت لبنان، عند تفسير الآية.
وهناك حديث آخر يرويه أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميّه عبد الحارث؛ فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره".
أقول: المتأمل في الحديث الذي أورده في تفسير الآية، يدرك تماماً عقيدة أهل الكتاب واضحةٌ بين أسطره..
فهي –عقيدة أهل الكتاب- تعتمد على أمور منها:
تخطئة الأنبياء و نسبة الشرك لهم.. و نفي العصمة عنهم..
مضافاً إلى ذلك.. أن الله تعالى يصدر منه الشر أو ما في معناه، ثم يندم على فعل ذلك.. فضلا عن التشبيه والتجسيم الوارد في تعاليمهم و كتبهم.. وهذا له تأملات أخرى سوف نقف عليها في حينها بإذن الله تعالى..
ويلاحظ عليه في مسائله التي استنبطها:
الأولى: (تحريم كل اسم معبد لغير الله) :
إن لفظة كل من أدواة العموم، وعليه لابد من دخول (عبد المطلب) أيضاً، إذ ما الداعي لإخراجه من العموم؟!!!
ثم ما المانع من التعبيد لغير الله تعالى إذا كان المقصود منها المعنى المجازي لعبودية الرق، لا غير!!! فيشمل كل اسم عُبّد، كعبد الحسين و عبد علي وما أشبه ذلك، خصوصا وأن الشارح قد أشار إليه بقوله: "قال شيخنا رحمه الله: إن هذا الشرك في مجرد تسمية، لم يقصد حقيقته التي يريدها إبليس، وهو محمل حسن، يُبيّن أن ما وقع من الأبوين من تسميتهما ابنهما عبد الحارث إنما هو مجرد تسميةٍ، لم يقصدا تعبيده لغير الله. وهذا معنى قول قتادة: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
وبقوله أيضاً: قال: (حاشا عبد المطلب) هذا استثناء من العموم المستفاد من (كل) وذلك أن تسميته بهذا الاسم لا محذور فيه؛ لأن أصله من عبودية الرق.. أو عبودية الإنعام.."
فإذا كان المسمي قاصدا عبودية الرق، في تسميته لولده، بأي اسم كان فلا إشكال حينئذٍ عليه، فالتخصيص بعبد المطلب تخصيصٌ بلا مخصص، حتى وإن قلنا بإرجاعه إلى أصله من كون أصل التسمية عبودية الرق، فلو أن أحدهم عبّد ولده به –عبد المطلب- و أراد به عبودية العبادة، فما يدريك بذلك.. فعلى القول بإرجاعه إلى أصله من عبودية الرق ضعيف، إذ المحذور يقع حينئذٍ!! فافهم.
فيظهر بذلك، أن أي تعبيد كان وبأي اسم -كعبد الرسول و عبد النبي و عبد الحسين وما أشبه- لا إشكال فيه، إذا أريد به عبودية الرق كما هو واضح لمن أطلق على ولده هذه التسمية، إذ أنه لا يريد بها العبودية لغير الله تعالى!!!!!!!!
وهذا ما نفى البأس عنه الشارح، بقوله و بنقله: " قال شيخنا رحمه الله: إن هذا الشرك في مجرد تسمية، لم يقصد حقيقته التي يريدها إبليس، وهو محمل حسن، يُبيّن أن ما وقع من الأبوين من تسميتهما ابنهما عبد الحارث إنما هو مجرد تسميةٍ، لم يقصدا تعبيده لغير الله. وهذا معنى قول قتادة: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
الثانية: (تفسير الآية ) :
وأما في تفسير الآية، فإنه –أي الشيخ- قد جزم بما لا يحتمل التأويل بأن آدم عليه السلام قد عبّد ولده للشيطان.. ويظهر ذلك من عدم ذكره للأقوال الأخرى في تفسير الآية..
الثالثة: (أن هذا الشرك في مجرد التسمية لم يقصد حقيقتها) :
ولا أدري هل أن الشيخ كان مع آدم ليقف على قصد الحقيقة أم المجاز؟!!!
خصوصا، وأن مثل أمثال الشيخ، لا يؤمنون بالمجاز، خصوصاً بما يرتبط بالصفات الواردة في القرآن الكريم، بل يحملونها على الحقيقة دون المجاز. ولنا وقفة عند هذا فيما يأتي من نظراتنا إن شاء الله تعالى.
ثم لا أدري ماذا يترتب على هذه التسمية الشركية في مفهوم الشيخ؟!!!
هل هي جائزةٌ أم غير جائزةٍ؟!!!
وهل أن آدم أشرك بتسمية ولده هذا الاسم؟!!!!!!
فإذا نفينا كونه أشرك بالشرك الأكبر، فهل نثبت له الشرك الأصغر، بناء على أنها شرك في مجرد التسمية كما يدعي الشيخ؟!!!!!!!
و العارف بهذا المنهج يعلم أنهم يعتمدون دائما على التقسيم بين الشرك الأكبر و الأصغر، و إضفاء هذه السمة على كل أحد، وعلى أي فعل بدون التحقيق و التدقيق في مفاهيمه!
ثم ولو قال قائل أن الأنبياء غير معصومين إلا في خصوص التبليغ، وأما في غير ذلك فلا!
فنقول في جوابه: أنه وعلى هذا التقدير –تقدير عدم العصمة- لو سلمنا به، فإنه لا يجوز نسبة طاعتهما للشيطان، أو الشرك حتى في مجرد التسمية به! وهل أن النبي يطيع الشيطان، بل وهل يمكن لنا أن نتصور ذلك؟! إلا على منهج أهل الكتاب، فهذا واضحٌ!
وقد تكفل بهذا الفخر الرازي، وابن كثير بردهما لهذا القول السخيف، الذي تتقاطر منه عقيدة أهل الكتاب. فافهم.
الرابعة: (أن هبة الله للرجل البنتَ السوية من النعم) :
الخامسة: (ذكر السّلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة) :
وما الذي يستفيده القارئ من خلال كلامه هذا؟!!!
ليت شعري، لو وضّح الشيخ الفرق بينهما لأنه في معرض تفصيل عقيدة المسلم في التوحيد، و توضيح الصحيح منها من الفاسد، فإذا اكتفى بمجرد قوله: أن السلف قد بينوا الفرق بين الشرك في الطاعة و الشرك في العبادة، فهذا مما يزيد غموضا لعدم إدراك الفارقَ بينهما!!!!!
الطامة الكبرى:
و الطامة الكبرى ليس فيما تقدم، بل فيما هو الآتي من العقيدة التي يؤمن بها مثل هؤلاء، حيث اعتمدوا في كثير من أدلتها على الإسرائيليات، من التجسيم والتشبيه وما إلى ذلك من صفاتٍ تعالى الله عنها..
و الذي يقرأ الحديث الذي اعتمده الشيخ في توضيح الآية لهو أكبر شاهد على فساد تلك العقيدة المنحرفة عن جادة الحق و الصواب..
يتبع....
تعليق