إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كلمة الإمام الحسن بن علي (حلقات)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    السياسة


    [1] مجلة العرفان الجزء الثالث المجلد الاربعون ص 254 نقلاً عن المجلد التاسع من التذكرة المعلوفية.
    سأله شخص عن رأيه في السياسة؛ فقال (عليه السلام):

    هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات، فأمّا حقوق الله فأداء ما طلب، والاجتناب عما نهى، وأمّا حقوق الأحياء فهي ان تقوم بواجبك نحو اخوانك، ولا تتأخّر عن خدمة أمتك، وان تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه اذا ما خلا عن الطريق السويّ، واما حقوق الأموات فهي ان تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم فانّ لهم ربّا يحاسبهم.

    ما يجب على الملك



    [2] تاريخ اليعقوبي، ج 2 – ص 202.
    وقال له معاوية: ما يجب لنا في سلطاننا؟

    الإمام: ما قال سليمان بن داود!

    معاوية: - وما قال سليمان؟

    الإمام: - إنه قال لبعض أصحابه: أتدري ما يجب على الملك في ملكه، وما لا يضرّه اذا أدّى الذي عليه منه، اذا خاف الله في السرّ والعلانية، وعدل في الغضب والرّضا، وقصد في الفقر والغنى، ولم يأخذ الأموال غصباً، ولم يأكلها إسرافاً وتبذيراً، ولم يضرّه ما تمتّع به من دنياه اذا كان من خلّته.

    استنصار


    [3] ناسخ التواريخ: لما خرج امير المؤمنين إلى البصرة لحرب الجمل، أوفد إلى الكوفة وفداً برئاسة الإمام الحسن فخطب اهل الكوفة بهذه الخطبة. لاستنفارهم إلى الحرب.

    وفي كتاب الجمل ص 158 – 159: لما ورد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة قام عبد الله ابن الزبير فخطب في جموع البصريين، وحرضهم على القتال فقال: (أيها الناس، ان علي بن أبي طالب قتل الخليفة عثمان، ثم جهز الجيوش اليكم ليستولي عليكم، ويأخذ مدينتكم، فكونوا رجالاً تطلبون بثأر خليفتكم، واحفظوا حريمكم، وقاتلوا عن نسائكم وذراريكم، واحسابكم وانسابكم، أترضون لأهل الكوفة أن يردوا بلادكم، اغضبوا فقد غوضبتم، وقاتلوا فقد قوتلتم، ألا وان علياً لا يرى معه في هذا الامر أحداً سواه، والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم..)

    وبلغ الإمام اميرالمؤمنين خطاب ابن الزبير فأمر الإمام الحسن بالرد عليه فقام الحسن خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:..

    وقد كانت هذه الخطبة مجزأة، فجمعناها من عدة مصادر، منها البحار وناسخ التواريخ، ونسقناها حسب تسلسل مضامينها.
    بعد الحمد والثناء:

    ايّها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله، وإلى كتابه، وسنة رسوله، والى أفقه من تفقّه من المسلمين، واعدل من تعدلون، وافضل من تفضلون وأوفى من تبايعون، من لم يعبه القرآن، ولم تجهله السّنّة، ولم تقعد به السابقة، إلى من قرّبه الله تعالى ورسوله قرابتين: قرابة الدين وقرابة الرحم. إلى من سبق الناس إلى كلّ مأثرة. إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرّب منه وهم متباعدون، وصلّى معه وهم مشركون، قاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم مجمعون، وصدّقه وهم يكذبون، كلّ ذلك من منّ الله على عليّ. إلى من لم تردّ له ولا تكافاً له سابقة، ثم والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداكّ الناس عليه، تداك الابل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ونكث منهم ناكثون، بلا حدثٍ احدث، ولا خلاف اتاه، حسداً له وبغياً عليه.

    ايها الناس! إنه قد كان من مسير امير المؤمنين ما قد بلغكم، وقد أتيناكم مستنفرين، لأنكم جبهة الانصار، ورؤس العرب.. وهو يسألكم النصر، ويدعوكم إلى الحقّ ويأمركم بالمسير اليه، لتؤازروه و تنصروه، على قومٍ نكثوا راية بيعته، وقتلوا اهل الصلاح من أصحابه، ومثلوا بعماله وانتهبوا بيت ماله.. فاشخصوا اليه – رحمكم الله – فأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون.

    وايم الله، لولم يصره احد منكم، لرجوت أن يكون في من اقبل معه من المهاجرين والانصار كفاية.. فأجيبوا دعوة اميركم، وسيروا إلى اخوانكم، سيوجد لهذا الامر من ينفر اليه، ووالله لأن يليه اولو النّهى، امثل في العاجل والآجل، وخير في العافية فاعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم. انّ امير المؤمنين يقول: (قد خرجت مخرجي هذا ظالماً او مظلوماً فاذكر الله رجلا رعى حقّ الله الا نفر، فان كنت مظلوماً اعانني، وان كنت ظالماً اخذ مني.. والله إنّ طلحة والزبير، لأوّل من بايعني، وأوّل من غدر. فهل استأثرت او بدّلت حكماً؟).

    فعليكم – عباد الله – بتقوى الله – وطاعته، والجدّ والصبر، والاستعانة بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين.

    عصمنا الله واياكم، بما عصم به اولياءه وأهل طاعته، والهمنا وإياكم بتقواه، وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه، وأستغفر الله لي ولكم.

    قد بلغنا مقالة ابن الزبير في أبي وقوله فيه: إنه قتل عثمان، وانتم يا معشر المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين، علمتم بقول الزبير في عثمان، وما كان اسمه عنده، وما كان يتجنّى عليه، وأنّ طلحة يومذاك ركّز رايته على بيت ماله وهو حيّ، فأنّى لهم أن يرموا أبي بقتله وينطقوا بذمّه، ولو شئنا القول فيهم لقلنا.

    وأما قوله: إن علياً ابتزّ الناس أمرهم، فان اعظم حجة لأبيه زعم أنه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة، فليأت على ما ادعاه ببرهانٍ وأنّى له ذلك؟

    وأمّا تعجّبه من تورّد أهل الكوفة على أهل البصرة، فما عجبه من أهل حقٍّ تورّدوا على أهل باطل.

    أمّا أنصار عثمان فليس لنا معهم حرب ولا قتال.

    غضبنا الله ولكم


    [4] خطب بها لتأليب جماهير العراق، على حرب معاوية في (صفين) جمعناها بهذه الصورة، من ناسخ التواريخ، والبحار.
    ان مما عظّم الله عليكم من حقّه، واسبغ عليكم من نعمه، ما لا يحصى ذكره، ولا يؤدّى شكره، ولا يبلغه قول ولا صفة.

    ونحن إنما غضبنا لله ولكم، فإنّه منّ علينا بما هو اهله، أن تشكر فيه آلاؤه وبلاؤه ونعماؤه، قولا يصعد إلى الله فيه الرضا، وتنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا، ونستوجب فيه المزيد من ربّنا، قولا يزيد ولا يبيد، فانه لم يجتمع قوم قطّ على امرٍ واحدٍ الا اشتدّ امرهم، واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوّكم وجنوده ولا تخاذلوا، فانّ الخذلان يقطع نياط القلوب، وان الإقدام على الأسنة، نخوة وعصمة، لانه لم يمتنع قوم قطّ، الا رفع الله عنهم العلة، وكفاهم حوائج الذلة، وهداهم إلى معالم الملة.
    والصلح تأخذ منه ما رضيت به *** والحرب يكفيك من انفاسها جرع

    ولكلام الامام ابن الامام أخو الامام بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

    تعليق


    • #17
      رفض وتوبيخ


      استنكر بعض المنافقين شدة امير المؤمنين في الله فعمدوا إلى الإمام الحسن (عليه السلام) وأغروه بمبايعته، لشق وحدة شيعة أمير المؤمنين، فرفض الإمام الحسن عرضهم، بانه خروج على إمام زمانه، ولما ألح عليه عبد الله بن عمر صاح به:
      كلا!. والله لا يكون ذلك. لكأني انظر اليك مقتولاً في يومك أو غدك! أما إن الشيطان قد زيّن لك وخدعك، حتى أخرجك مخلقاً بالخلوف، ترى سناء أهل الشام موقفك. وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً.

      حكما بالهوى


      لما فشل التحكيم، سرت الفوضى في الناس فامر الإمام امير المؤمنين نجله الإمام الحسن بان يخطب في الناس فيلقي ضوءاً على الواقع الذي غشيه غبار الجهل حتى توارى عن العيون فقال له: قم يا بني، فقل في هذين الرجلين عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص، فقام الإمام الحسن (عليه السلام) حتى اذا اعتلى المنبر قال:
      ايّها الناس! قد اكثرتم في هذين الرجلين، وانما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى فحكما بالهوى على الكتاب، ومن كان هكذا لم يسمّ حكماً، ولكنه محكوم عليه، وقد اخطأ عبد الله بن قيس اذ جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال، واحدةٍ أنّه خالف (يعني أبا موسى) أباه (يعني عمر) اذ لم يرضه لها، ولا جعله من أهل الشّورى، وأخرى أنه لم يستأمر الرجل في نفسه، ولا علم ما عنده من ردٍّ أو قبول وثالثها: أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار، الذين يعقدون الإمارة، ويحكمون بها على الناس. وأما الحكومة فقد حكّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سعد بن معاذ في بني قريضة، فحكم بما يرضى الله به ولا شكّ ولو خالف لم يرضه رسول الله.

      شرط البيعة


      التوحيد ص 385 – 386: محمد بن الصدوق، عن محمد بن ابراهيم بن أحمد بن يونس الليثي قال حدثنا احمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال أخبرني الحرث بن أبي أسامة قراءة عن المدايني عن عوانة بن الحكم وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي وابي بكر الخراساني مولى بني هاشم عن الحرث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن جندب عن ابيه وغيره: أن الناس أتوا الحسن بن علي (عليه السلام) بعد وفاة علي (عليه السلام) ليبايعوه، فقال:
      الحمد لله على ما قضى من أمرٍ، وخصّ من فضلٍ، وعمّ من أمر وجلّل من عافيةٍ، حمداً يتمّ به علينا نعمه، ونستوجب به رضوانه، إنّ الدنيا دار بلاءٍ وفتنةٍ وكلّ ما فيها إلى زوال، وقد نبّأنا الله عنها كي ما نعتبر فقدّم الينا بالوعيد، كيلا يكون لنا حجة بعد الإنذار، فازهدوا فيما يغني وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السرّ والعلانية إنّ علياً (عليه السلام) في المحيا والممات والمبعث عاش بقدرٍ ومات بأجل، وإني أبايعكم على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت.

      استفتاء عامّ


      لما قتل امير المؤمنين (عليه السلام)، وبايع الناس نجله الإمام الحسن، خطب الإمام في أهل الكوفة، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال:
      معشر الناس:
      عفت الديار، ومحيت الآثار، وقلّ الاصطبار، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحّت البراهين، وفصّلت الآيات وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقّع تمام هذه الآية تأويلها، قال الله عز وجلّ: (وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً، وسيجزي الله الشّاكرين).

      فلقد مات والله جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتل أبي (عليه السلام)، وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السّنّة، فيالها من فتنةٍ صمّاء عمياء لا يسمع لداعيها، ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق وسيّرت رايات أهل الشّقاق. وتكالبت جيوش أهل المراق، من الشام والعراق، هلمّوا رحمكم الله إلى الإفتتاح، والنور الوضّاح، والعلم الجحجاح والنّور الذي لا يطفى، والحقّ الذي لا يخفى.

      ايّها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة، ومن تكاثف الظّلمة، فو الذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، وتردّى بالعظمة، لئن قام اليّ منكم عصبة بقلوبٍ صافيةٍ، ونيّاتٍ مخلصةٍ، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نيّة افتراق، لأجاهدنّ بالسيف قدماً ولأضيقنّ من السيوف جوانبها، ومن الرّماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلّموا رحمكم الله.

      فكأنما ألجموا بلجام الصّمت.

      اعلان الحرب


      شرح ابن ابي الحديد، ج 4 / ص / 13: لما علم معاوية ان الإمام مزمع على المسير إلى الشام، كتب إلى جميع ولاته رسالة نصها مايلي:
      (من عبد الله معاوية امير المؤمنين، إلى فلان بن فلان، ومن قبله من المسلمين سلام عليكم فاني احمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فالحمد لله الذي كفا كم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم ان الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده، فاغتاله فقتله، فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم، يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا، بجهدكم وجندكم، وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
      ولما وصلت هذه الرسالة إلى عماله وولاته، قاموا بتحريض الناس وحثهم على الخروج والاستعداد، وفي أقرب وقت، التحقت به قوى هائلة منظمة، من حيث الكراع والسلاح، والعدد والعدة، وخرج معاوية متوجهاً إلى العراق، ولما وصل إلى جسر (منبج) بلغ الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك، فأمر حجر بن عدي: أن يأمر العمال والناس بالاستعداد للمسير، ونادى المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، وقال الحسن: اذا رضيت جماعة الناس فاعلمني، فجاءه سعيد بن قيس الهمداني، وأعلمه بالاجتماع فخرج (عليه السلام) وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
      أما بعد:
      فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: (إصبروا إن الله مع الصّابرين). فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون، الا بالصبر على ما تكرهون. بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا على المسير اليه فتحرّك، لذلك اخرجوا رحمكم الله، إلى معسكركم – بالنخيلة – حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون.

      التعبئة الفكرية

      أعيان الشيعة ص 35: السيد محسن الامين العاملي: عند ما اجتمع اهل الكوفة لحرب معاوية أراد الإمام الحسن (عليه السلام) ان يستبرىء ضمائرهم، فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة، فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فقال:
      الحمد لله كلّما حمده حامد، واشهد أن لا إله إلا الله كلّما شهد له شاهد، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله: أرسله بالحق، وأتمنه على الوحي صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا بعد: فوالله اني لأرجو أن اكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه، وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلمٍ ضغينة، ولا مريداً له سوءاً ولا غائلةً، ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة، خير لكم مما تحبّون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرّضا.

      ولسياسات وصي أمير المؤمنين روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

      تعليق


      • #18
        تعاليم حربية

        الاصبهاني: ص 23 لما أراد الإمام الحسن (عليه السلام) الزحف على جيش الشام، استقدم عبيد الله بن عباس، فعقد له لواء على اثني عشر الفاً، ثم قال له:
        يا ابن عمّ: إني باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء مصر.. فسر بهم والن جانبك وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، وسر بهم على شطّ الفرات، حتى تقطع بهم الفرات، ثم تصير بمسكن، ثم امض حتّى تستقبل معاوية، فان انت لقيته فاحبسه حتى نأتيك، فإني في اثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كلّ يوم، وشاور هذين – يعني قيس بن سعيد وسعيد بن قيس – فاذا لقيت معاوية فلا تقاتلنّه حتى يقاتلك، وان فعل فقاتله، فان أصبت فقيس على الناس، وإن اصيب قيس، فسعيد بن قيسٍ على النّاس.

        عبيد الدنيا


        ووجه الإمام جيشاً إلى الشام بقيادة رجل من (الكندة) يدعى (الحكم) ولما ورد (الحكم) إلى الانبار، أرسل اليه معاوية بالاموال والوعود، فاغراه بالهروب اليه، وهرب (الحكم) فالتحق بمعاوية ولما بلغ نبأه الإمام، قام خطيباً فيمن بقي من الجيش فقال:
        هذا الكنديّ توجّه إلى معاوية، وغدر بي وبكم، وقد اخبرتكم مرةً بعد مرة: أنّه لا وفاء لكم، انتم عبيد الدنيا. وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه وإني أعلم: أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه (حكم) ولا يراقب الله فيّ ولا فيكم.

        تخلّف الجيش


        وكان قادة جيش الإمام يتسللون من الجيش، مغترين بأموال معاوية ووعوده، وكان زعماء أهل الكوفة يراسلون معاوية بتسليم الإمام مكتوفاً اليه متى شاء. ثم يأتون إلى الإمام فيظهرون له الطاعة والولاء، ويقولون له: أنت خليفة أبيك ووصيه ونحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك. فقال لهم الإمام:
        (كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي، وكيف اطمئن اليكم و(لا) أتق بكم، ان كنتم صادقين فموعدنا ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوا إلى هناك).
        وخرج إلى المدائن فتخلف عنه اكثر الجيش فضاق بهم الإمام، وألقى فيهم خطاباً جاء فيه:..
        غررتموني كما غررتم من كان من قبلي، مع أيّ إمامٍ تقاتلون بعدي مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله قطّ ولا أظهر الإسلام هو وبنو أمية إلا فرقاً من السيف؟ ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجاً. وهكذا قال رسول الله.

        ابناؤكم على ابواب أبنائهم


        وكان معاوية يكثر من الوعود، لاغراء أصحاب الإمام بخيانته وقتله فكانوا ينخدعون بها، ويتحيرون اليه. ولما رأى الإمام تفرق أصحابه باغراءات معاوية صاح بهم:
        ويلكم! والله إنّ معاوية لا يفي لأحدٍ منكم بما ضمنه في قتلي، وإني أظنّ ان وضعت يدي في يده فأسلمه، لم يتركني أدين لدين جدّي، وأني اقدر أن اعبد الله عزّ وجلّ وحدي، ولكنّي كأني انظر إلى ابنائكم، واقفين على أبواب ابنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، بما جعل الله لهم، فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون!.

        استفتاء عام


        ناسخ التواريخ: ولما رأى الإمالم تمزق اتجاهات جيشه، وتسلل قادته إلى معاوية اراد استقصاء آراء الجيش، لتركيز الموقف على ضوئه، فوقف خطيباً في جيشه، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال:
        أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعدواة، والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفّين ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتلين، قتيلاً بصفّين تبكون عليه، وقتيلاً بالنّهروان تطلبون بثأره فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر، وإنّ معاوية قد دعا إلى أمرٍ ليس فيه عزّ ولا نصفة فإن أردتم الحياة قبلناه منه وأغضينا على القذى وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله (بظبات السيوف) .

        فنادى القوم بأجمعهم: بل التقية والحياة.

        معاوية خير لي


        وبعد ما أصيب الإمام في فخذه وتآمر عليه جمع من أهل الكوفة للقبض عليه و تسليمه إلى معاوية؛ دخل عليه (زيد بن وهب الجهني) فقال له: (يا ابن رسول الله لقد اضطرب الناس وتحيروا في امرهم؛ فماذا تقدر لهم) فاجابه الإمام:
        أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون: أنهم لي شيعةابتغوا قتلي، وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهداً احقن به دمي، وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلماً فوالله لأن اسالمه وأنا عزيز، خير من أن يقتلني وأنا اسيره، أو يمنّ عليّ فيكون سبةً على بني هاشم إلى آخر الدّهر، ومعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منا والميت.
        وما أصنع يا أخا جهينة؟ إني والله أعلم بأمرٍ قد أدى به إلا عن ثقاته: إنّ اميرالمؤمنين قال لي ذات يومٍ وقد رآني فرحاً: (يا حسن اتفرح؟ كيف بك اذا رأيت أباك قتيلاً؟ أم كيف بك اذا ولي هذا الأمر بنو أمية، وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الأعفاج. يأكل ولا يشبع يموت وليس له في السماء ناصر، ولا في الارض عاذر، ثم يستولي على غربها وشرقها، تدين له العباد، ويطول ملكه، يسنّن بسنن البدع والضّلال ويميت الحقّ وسنّة رسول الله، يقسّم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحقّ به، ويذلّ في ملكه المؤمن، ويقوّي في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين انصاره دولاً، ويتخذ عباد الله خولاً، ويدرس في سلطانه الحقّ، ويظهر الباطل، ويلعن الصالحين، ويقتل من ناوأه على الحقّ، ويدين من والاه على الباطل، فكذلك حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس يؤيّده الله بملائكته، ويعصم انصاره وينصره بآياته، ويظهره على الارض، حتى يدينوا له طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها حتى لا يبقى كافر إلا آمن، وطالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الارض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين اربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك ايّامه وسمع كلامه).

        ولكلام امامنا الثاني المعصوم روحي فداه بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

        تعليق


        • #19
          قرار المصير


          بعدما ابرمت اتفاقية الصلح، بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية، واجتمعا في (النخيلة) – وقيل في الكوفة – نودي في الناس: (الصلاة جامعة) فاجتمع الناس للاستماع إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية، فسبق معاوية إلى المنبر، لالقاء خطاب الصلح، وخطب خطاباً طويلاً، لم يرو التاريخ منه الا فقراته البارزة فروى:
          اليعقوبي: انه قال: (اما بعد ذلكم، فانه لم تختلف امة بعد نبيها، إلا غلب باطلها حقها) وانتبه لما وقع فيه، فقال: (إلا ما كان من هذه الأمة، فان حقها غلب باطلها).
          وروى المدائني: انه استطرد قائلاً: (والله اني ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا) ثم ارتج عليه فتوقف ثانية اذ علم انه خسر الموقف، وفكر قليلاً، ثم استدرك قائلاً: (انكم لتفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد اعطاني الله ذلك، وانتم له كارهون).
          (الا ان كل دم اصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين، ولا يصلح الناس الا ثلاث: اخراج العطاء عند محله، واقفال الجنود لوقتها، وغزو العدو في داره، فان لم تغزوهم غزوكم).
          وروى ابوالفرج الاصفهاني، عن حبيب بن أبي ثابت مسنداً: انه ذكر في هذه الخطبة علياً فنال منه، ثم نال من الحسن، فانفجر الحسن راداً عليه:..
          أيّها الذاكر علياً، انا الحسن وابي عليّ، وانت معاوية وابوك صخر، وأمّي فاطمة، وامّك هند، وجدّي رسول الله وجدّك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة وجدّتك فتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً وشرفاً، قديماً وحديثاً، واقدمنا كفراً ونفاقاً.
          فارتفعت الأصوات من جميع جنبات الحفل، هاتفة: آمين آمين، وما جرى على يراع مؤرخ، ولا قرع سمع انسان، الا وسجل على حسابه: آمين فآمين آمين.


          (ثم صعد الإمام المنبر فقال)

          الارشاد للمفيد، ص / 169 طبع ايران.
          قال في كشف الغمة: (ولما نزل من المنبر، صعد الإمام الحسن) واختلف الرواة والمؤرخون في نص خطاب الإمام، فأوردنا جميع النصوص المنقولة كما رووها، ولعلها – بأجمعها – صحيحة، وقد قطعوها فاختلف!..
          الحمد لله كلّما حمده حامد، واشهد ان لا إله إلا الله كلّما شهد له شاهد، وأشهد ان محمداً عبده و رسوله، أرسله بالهدى، وأتمنه على الوحي، صلّى الله عليه وآله وسلّم.
          أمّا بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد اصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلمٍ ضغينةً، ولا مريداً له سوءاً، ولا غائلةً الا وإنّ ما تكرهون في الجماعة، خير لكم مما تحبّون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمرى، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وارشدني وايّاكم لما فيه المحبة والرّضا
          ايها الناس!
          إنّ اكيس الكيس التّقى، وأحمق الحمق الفجور، والله لو طلبتم مابين جابلق وجابرس رجلاً جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أنّ الله هداكم بجدّي محمدٍ، فانقذكم به من الضّلالة، ورفعكم به من الجهالة، واعزّكم به بعد الذلة، وكثّركم به بعد القلّة، (و) إنّ معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمّة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرايت أن أسالم معاوية، وأضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته، وقد رأيت أنّ حقن الدماء خير من سفكها، ولم أرد بذلك الا صلاحكم وبقاءكم وإن أدر لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين.
          كشف الغمة (ص/170)

          ايّها الناس!

          إنّ الله هداكم بأوّلنا واحقن دماءكم بآخرنا، وإنّ لهذا الأمر مدةً والدنيا دول. قال عزّ وجلّ لنبيّه محمدٍ صلى الله عليه وآله: (قل إن أدر أقريب أم بعيد ما توعدون، إنّه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدر لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين) .

          المسعودي (هامش ابن الاثير، ج 6/ص 61/ 62) وابن كثير (ج8/ص/18) والطبري (ج6/ص/93).
          .. وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا، ولم أرنفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله عزّ وجلّ على لسان نبيّه، ولم نزل – أهل البيت – مظلومين منذ قبض الله نبيّه، فالله بيننا وبين من ظلمنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمّنا ما جعل لها رسول الله. وأقسم بالله لو أنّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله، لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما طمعت فيها – يا معاوية -.. فلما خرجت من معدنها، تنازعتها قريش بينها، فطمع فيها الطّلقاء وابناء الطّلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله: (ماولّت امة امرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتّى يرجعوا إلى ما تركوا.) فقد ترك بنو اسرائيل هارون وهم يعلمون انّه خليفة موسى فيهم، واتّبعوا السامريّ، وتركت هذه الامة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله يقول له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوّة). وقد رأوا رسول الله نصّب أبي يوم غدير خم، وأمرهم أن يبلّغ أمره الشاهد الغائب. وهرب رسول الله من قومه وهو يدعوهم إلى الله، حتّى دخل الغار، ولو أنّه وجد اعواناً لما هرب وقد كفّ أبي يده حين ناشدهم، واستغاث فلم يغث فجعل الله هارون في سعةٍ حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبيّ في سعة حين دخل الغار ولم يجد اعواناً، وكذلك أبي وأنا في سعةٍ من الله، حين خذلتنا هذه الأمة. وانما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً. البحار (ج 10/ص/ 114) الطبعة القديمة.
          فوالذي بعث محمداً بالحقّ، لا ينتقص من حقّنا – أهل البيت – أحد الا نقصه الله من علمه، ولا تكون علينا دولة الا وتكون لنا العاقبة ولتعلمنّ نبأه بعد حين.

          اعذار


          جلاء العيون، ج 1/ ص 349 / 354:

          روى الشيخ في الامالي باسناد معتبر عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: لما اجمع الحسن بن علي (عليه السلام) على صلح معاوية خرج حتى لقاه فلما اجتمعا قام معاوية خطيباً فصعد المنبر وأمر الحسن أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية فقال ايها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا وقد أتانا ليبايع طوعاً ثم قال قم يا حسن فقام الحسن فخطب فقال:
          الحمد لله المستحمد بالآلاء وتتابع النّعماء، وصارف الشدائد والبلاء عن الفهماء وغير الفهماء، المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه، وعلوّه عن لحوق الأوهام ببقائه، المرتفع عن كنه تظنيات المخلوقين، من أن تحيط بمكنون غيبه روايات عقول الرائين، وأشهد أن لا اله إلاّ الله وحده في ربوبيّته، ووجوده ووحدانيته، صمداً لا شريك له، فرداً لا ظهير له معه، واشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اصطفهاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعياً إلى الحقّ، سراجاً منيراً، وللعباد مما يخلفون نذيراً، ولما يأملون بشيراً، فنصح للأمّة، وصدع بالرسالة، وأبان لهم درجات العمالة، شهادة عليها أموت وأحشر، وبها في الآجلة اقرب واحبر، واقول معشر الخلائق فاسمعوا ولكم افئدة واسماع فعوا، إنّا أهل بيتٍ اكرمنا الله بالإسلام، واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهّرنا تطهيراً، والرجس هوالشكّ، فلا نشكّ في الله الحقّ ودينه ابداً، وطهّرنا تطهيراً، والرجس هو الشكّ، فلا نشكّ في الله الحقّ ودينه ابداً، وطهّرنا من كلّ افنٍ وعيبةٍ مخلصين إلى آدم نعمةً منه، لم يفترق الناس قطّ فرقتين الا جعلنا الله في خيرهما، فأدت الامور، وافضت الدهور، إلى أن بعث الله محمداً للنبوّة واختاره للرسالة، وانزل عليه كتابه، ثم أمره بالدّعاء إلى الله تعالى، فكان أبي اولّ من استجاب لله ولرسوله، وأول من آمن وصدّق الله ورسوله، وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه المرسل (أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهد منه) وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أمره أن يسير إلى مكّة والموسم ببراءة (سر بها يا عليّ فإني أمرت ان لا أسير بها إلا انا أو رجل مني وأنت هو).
          فعليّ من رسول الله ورسول الله منه، وقال له نبيّ الله حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة في ابنةِ حمزة (اما أنت يا عليّ فمني وأنا منك، وانت وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي) فصدّق أبي رسول الله سابقاً ووقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول الله في كلّ موطنٍ يقدمه ولكلّ شديدةٍ يرسله، ثقةً منه به وطمأنينةً اليه، لعلمه بنصيحته لله ورسوله، وأنّه اقرب المقرّبين من الله ورسوله، وقد قال الله عزّ وجلّ: (والسّابقون السّابقون أولئك المقرّبون) فكان أبي سابق السابقين إلى الله عزّ وجلّ، والى رسوله، وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجةً..) فأبي كان اوّلهم إسلاماً وايماناً واوّلهم إلى الله ورسوله هجرةً ولحوقاً وأوّلهم على وجده ووسعه نفقةً قال سبحانه: (والّذين جاؤوا من بعدهم، يقولون: ربّنا اغفرلنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم) فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إيّاهم إلى الإيمان بنبيّه، وذلك أنّه لم يسبقه إلى الايمان به أحد، وقد قال الله تعالى: (والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان) فهو سابق جميع السابقين فكما انّ الله عزّ وجلّ فضّل السابقين على المتخلفين والمتأخّرين، فكذلك فضّل سابق السابقين، وقد قال الله عزّ وجلّ: (أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله) فهو المجاهد في سبيل الله حقاً وفيه نزلت هذه الآية، وكان ممن استجاب لرسول الله، عمّه حمزة، وجعفر بن عمّه، فقتلا شهيدين رضي الله عنهما، في قتلى كثيرةٍ معهما من اصحاب رسول الله، فجعل الله تعالى حمزة سيّد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم، وذلك لمكانهما من رسول الله، ومنزلتهما وقرابتهما منه، وصلّى رسول الله على حمزة سبعين صلاة، من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبيّ المحسنة منهنّ أجرين، وللمسيئة منهنّ وزرين ضعفين، لمكانهن من رسول الله، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله بألف صلاةٍ في سائر المساجد، إلا المسجد الحرام: مسجد خليله ابراهيم بمكّة، وذلك لمكان رسول الله من ربّه، وفرض الله عزّ وجلّ الصلاة على نبيّه على كافّة المؤمنين، فقالوا يا رسول الله كيف الصلاة عليك، فقال قولوا: اللّهم صلّ على محمّدٍ وآل محمد) فحقّ علىكلّ مسلمٍ أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبيّ، فريضةً واجبةً وأحلّ الله تعالى خمس الغنيمة لرسول الله، واوجبها له في كتابه، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له، وحرّم عليه الصدقة وحرّمها علينا معه، فأدخلنا – وله الحمد – فيما ادخل فيه نبيّه، واخرجنا ونزّهنا مما اخرجه منه ونزّهه عنه، كرامةً اكرمنا الله عزّ وجلّ بها، وفضيلةً فضّلنا بها على سائر العباد، فقال الله تعالى لمحمدٍ حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجّوه: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فأخرج رسول الله من الانفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء امي فاطمة، من الناس جميعاً فنحن أهله، ولحمه، ودمه، ونفسه، ونحن منه وهو منّا، وقد قال الله تعالى (إنّما يريد الله ليذهب عنّكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله أنا وأخي وأمّي وأبي، فجلّلنا ونفسه في كساءٍ لأمّ سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: (اللهمّ هؤلاء اهل بيتي، وهؤلاء اهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً فقالت امّ سلمة: أأدخل معهم يا رسول الله؟ فقال لها رسول الله: يرحمك الله انت على خيرٍ والى خيرٍ وما أرضاني عنك، ولكنها خاصة لي ولهم. ثم مكث رسول الله بعد ذلك بقيّة عمره، حتى قبضه الله، يأتينا في كلّ يومٍ عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وأمر رسول الله بسدّ الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلموه في ذلك فقال: (أما اني لم أسدّ أبوابكم، ولم افتح باب عليٍّ من تلقاء نفسي، ولكنّي اتبع ما يوحي إليّ، وانّ الله أمر بسدّها وفتح بابه) فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله ويولد فيه الاولاد، غير رسول الله، وابي علي بن أبي طالب، تكرمةً من الله تعالى، وفضلاً اختصّنا به على جميع الناس، وهذا باب أبي قرين باب رسول الله في مسجده، ومنزلنا من منازل رسول الله، وذلك أنّ الله أمر نبيّه ان يبني مسجده فبنى فيه عشرة ابياتٍ تسعةً لبنيه وأزواجه وعاشرها وهو متوسّطها لأبي، وها هو بسبيلٍ مقيم، والبيت هو المسجد المطهّر، وهو الذي قال الله تعالى: (أهل البيت) فنحن أهل البيت، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس، وطهرنا تهطيرا، ايّها الناس اني لو قمت حولاً فحولاً اذكر الذي أعطانا الله عزّ وجلّ، وخصّنا به من الفضل في كتابه، وعلى لسان نبيّه، لم احصه، وأنا ابن النذير والبشير، والسراج المنير الذي جعله الله رحمةً للعالمين، وأبي عليّ وليّ المؤمنين، وشبيه هارون، وانّ معاوية بن صخر زعم، أني رأيته للخلافة اهلاً، ولم أرنفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، وأيم الله، لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله غير أنّا لم نزل أهل البيت مخيفين، مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، ونزا على رقابنا، وحمّل الناس على اكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم، ومنع أمّنا فاطمة إرثها من أبيها، إنّا لا نسمي احداً، ولكن أقسم بالله قسماً تالياً لوأنّ الناس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولما اختلف في هذه الأمّة سيفان، ولأكلوها خضراء خضرةً إلى يوم القيامة، واذاً ما طمعت فيها يا معاوية، ولكنّها لما أخرجت سالفاً من معدنها، وزحزحت عن قواعدها، تنازعتها قريش بينها، وترامتها كترامي الكرة، حتى طمعت أنت فيها يا معاوية وأصحابك من بعدك، وقد قال رسول الله: (ماولّت امة أمرها رجلاً قطّ، وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتى يرجعوا إلى ما تركوا) وقد تركت بنو اسرائيل، وكانوا أصحاب موسى، هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل، وأطاعوا فيه سامريّهم، وهم يعلمون: أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله يقول ذلك لأبي: (انه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي) وقد رأوا رسول الله حين نصّبه لهم بغدير خم؛ وسمعوه نادى له بالولاية، ثم أمرهم ان يبلّغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول الله حذراً من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم، لما لم يجد عليهم أعواناً، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كفّ أبي يده، وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث، ولم ينصر، ولو وجد عليهم اعواناً ما أجابهم، وقد جعل في سعةٍ كما جعل النبيّ في سعةٍ، وقد خذلتني الأمة، وبايعتك، وقد جعل هارون في سعة حين استضعفه قومه وعادوه، كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة، وبايعت غيرنا، ولم نجد عليهم اعواناً وانما هي السنن والامثال، يتبع بعضها بعضاً. ايّها الناس انكم لو التمستم بين المشرق والمغرب، رجلاً جدّه رسول الله، وأبوه وصيّ رسول الله، لم تجدوا غيري وغير أخي، فاتّقوا الله ولا تضلّوا بعد البيان، وكيف بكم، وإني قد بايعت هذا – وأشار بيده إلى معاوية – (وإن أدري لعلّه فتنة لكم، ومتاع إلى حينٍ) ايّها الناس إنّه لا يعاب أحد بترك حقّه، وإنّما يعاب أن يأخذ ما ليس له، وكلّ صوابٍ نافع، وكلّ خطأٍ ضارّ لأهله وقد كانت القضية ففهّمناها سليمان، فنفعت سليمان، ولم تضرّ داود، فأما القرابة فقد نفعت المشرك، وهي والله للمؤمن أنفع. ايّها الناس اسمعوا وعوا، واتّقوا الله وراجعوا، وهيهات منكم الرجعة إلى الحقّ، وقد صارعكم النكوص، وخامركم الطغيان والجحود انلزمكموها وانتم لها كارهون. والسلام على من اتّبع الهدى.
          فقال معاوية: والله ما نزل الحسن حتى أظلمت عليّ الارض وهممت أن ابطش به، ثم علمت: ان الاغضاء اقرب إلى العافية.

          ولسياسات قرة عين محمد (ص) روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

          تعليق


          • #20
            عند الله احتسب


            ورد معاوية الكوفة، فأصر على الإمام أن يصعد المنبر، وكان يظن: أن الإمام يمدحه، فصعد الإمام المنبر وقال:
            الحمد لله الذي توحّد في ملكه، وتفرّد في ربوبيّته، يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، واخرج من الشّرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديماً وحديثاً أحسن البلاء، ان شكرتم او كفرتم، ايّها الناس! إن ربّ عليٍّ كان أعلم بعليٍّ حين قبضه إليه، ولقد اختصّه بفضلٍ لم تعهدوا بمثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيات، طال ما قلبتم له الامور، حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم، وعدوّكم في بدرٍ وأخواتها، جرّعكم رنقاً، وسقاكم علقاً، وأذلّ رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه.

            وايم الله لا ترى امة محمدٍ خصباً، ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجّه الله اليكم فتنةً، لكن لن تصدّوا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم، فعند الله احتسب ما مضى وما ينتظر من سوء رغبتكم، وحيف حكمكم، يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على اعداء الله، نكال على فجّار قريش، لم يزل آخذا بحناجرها، جاثماً على انفاسها، ليس بالملومة في امر الله، ولا بالسروقة لمال الله، ولا بالفروقة في حرب أعداء الله، أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتّبعه، لا تأخذه في الله لومة لائمٍ فصلوات الله عليه ورحمته.

            حسبي منكم

            ولما علم الناس ان الإمام صالح معاوية أكثروا من اللغط فقال لهم الإمام:
            خالفتم أبي حتى حكم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله ثمّ بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، وقد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني من ديني ونفسي.

            يا أهل العراق: انما سخي عنكم بنفسي ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي.

            تركت حقي لصلاح الأمة

            وأرسل الإمام إلى معاوية وثيقة صلح التي أثقلها بشروط باهظة، فوافق معاوية على جميعها، ولما انتهى خبر موافقته إلى الإمام، توجه إلى أصحابه فقال:
            أيّها الناس! إنّكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابلسا رجلاً جدّه رسول الله، ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم: أنّ الله تعالى هداكم بجدّي رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنقذكم به من الضّلالة، ورفعكم به من الجهالة، واعزّكم به بعد الذّلة، وكثّركم به بعد القلّة، وإن معاوية نازعني حقاً هو لي، فتركته لصلاح الأمة، وحقن دمائها، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سلمت، وقد رأيت أن أسالمه وان يكون ما صنعت حجةً على من كان يتمنّى هذا الأمر، وإن ادر لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين.

            كفوا أيديكم


            الإمامة والسياسة،ج 1/ص 71. وكان سليمان بن صرد بالمدائن حينما سمع نبأ الصلح، فسعى إلى المدينة حتى اذا انتهى إلى الإمام اندفع قائلا:-

            (السلام عليك، يا مذل المؤمنين). فرد عليه الإمام:-

            (عليك السلام، اجلس). فلما جلس قال:-

            (ان تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية، ومعك مائة الف مقاتل من أهل العراق وكلهم يأخذ العطاء، مع مثلهم من ابنائهم ومواليهم، سوى شيعتك من اهل البصرة واهل الحجاز، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العهد، ولا حظاً من القضية، فلو كنت اذ فعلت ما فعلت، واعطاك ما اعطاك بينك وبينه من العهد والميثاق كنت كتبت عليه بذلك كتاباً، وأشهدت عليه شهوداً من اهل المشرق والمغرب. ان هذا الامرلك من بعده، كان الأمر علينا أيسر، ولكنه أعطاك هذا فرضيت به من قوله، ثم قال وزعم على رؤوس الناس ما قد سمعت: اني كنت شرطت لقوم شروطاً ووعدتهم عدات، ومنيتهم أماني، ارادة اطفاء نار الحرب، ومداراة لهذه الفتنة واذ جمع الله لنا كلمتنا والفتنا، فان كل ما هناك تحت قدمي هاتين، والله ما عنى بذلك الا نقض ما بينك وبينه، فأعد للحرب خدعة، وأذن لي أشخص إلى الكوفة، فأخرج عامله منها، وأظهر فيها خلعه، وأنبذ اليه على سواء ان الله لا يهدي كيد – الخائنين).
            وصادف حديث سليمان هوى في نفوس من حضر، فهتفوا بالتأييد قائلين:
            (ابعث سليمان بن صرد، وابعثنا معه، ثم الحقنا اذا علمت أنا قد أشخصنا عامله وأظهرنا خلعه). ولما كانت المصلحة العامة للمسلمين لا تساعد على خلع معاوية ونقض المعاهدة توجه إليهم الإمام بقوله:
            أمّا بعد، فانّكم شيعتنا وأهل مودّتنا، ومن نعرفه بالنصيحة والصحبة والاستقامة لنا، وقد فهمت ما ذكرتم ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا، وللدنيا أعمل وانصب، ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً، واشدّ شكيمةً، ولكان رأيي غير ما رأيتم، ولكنّي اشهد الله وايّاكم أني لم أرد بما رأيتم، الا حقن دمائكم واصلاح ذات بينكم، فاتّقوا الله، وارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر لله والزموا بيوتكم، وكفّوا أيديكم، حتّى يستريح برّ، أو يستراح من فاجرٍ مع أنّ أبي كان يحدثني: أن معاوية سيلي الأمر، فوالله لو سرنا اليه بالجبال والشجر، ما شككت انّه سيظهر، إنّ الله لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه. وامّا قولك: يا مذلّ المؤمنين فوالله لأن تذلّوا وتعافوا، أحبّ اليّ من أن تعزّوا وتقتلوا فإن ردّ الله علينا حقّنا في عافيةٍ قبلنا وسألنا الله العون على أمره، وإن صرفه عنّا رضينا، وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنّا فليكن كلّ رجلٍ منكم حلساً من أحلاس بيته، مادام معاوية حيّاً، فان يهلك ونحن وانتم احياء، سألنا الله العزيمة على رشدنا، والمعونة على أمرنا، وان لا يكلنا إلى أنفسنا (فانّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون).

            سيوفهم علينا

            احتجاج الطبرسي، ص 149 ورآه احد اصحابه فندد به قائلا: (يا ابن رسول الله أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلى هذا الطاغية) فاجابه الإمام:
            والله اني ما سلّمت الأمر إلاّ لأني لم أجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم الله بيني وبينه، ولكن عرفت اهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قولٍ ولا فعل إنّهم لمختلفون ويقولون لنا أنّ قلوبهم معنا وأنّ سيوفهم لمشهورة علينا.

            على الملك


            تاريخ دمشق لابن عساكر ج 12 – ص 544، عن ابن الغريف قال:
            دخل ابن الفضل سفين بن الليل على الإمام الحسن وقال: السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين! فقال له الأمام:
            لا تقل ذاك يا أبا عمر!
            لست بمذلّ المؤمنين، ولكنّي كرهت ان أقتلكم على الملك.

            ولكني أردت صلاحكم


            تاريخ ابن عساكر، ج 2 – ص 225 وأتاه المسيب بن نجبة فقال له: (ما ينقضي تعجبي منك!!! بايعت معاوية ومعك أربعون الفاً، ولم تأخذ لنفسك وثيقة، وعهداً ظاهراً، أعطاك أمراً فيما بينك وبينه. ثم قال: ما قد سمعت، والله ما أراد بها غيرك).
            فقال له الإمام:
            (ما ترى؟)
            فقال المسيب: (أرى ان ترجع إلى ما كنت عليه، فقد كان نقض ما بينك وبينه).
            فانبرى اليه الإمام قائلا:
            يا مسيّب، إني لو أردت – بما فعلت – الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني، ولكنّي أردت صلاحكم، وكفّ بعضكم عن بعضٍ.

            لا تعنفني


            تذكرة الخواص (ص 207) وجاءه سفيان بن ابي ليلي الخارجي فقال له: (السلام عليك يا مذل المؤمنين) فصاح به الإمام:
            ويحك ايها الخارجيّ، لا تعنّفني فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت قتلكم أبي، وطعنكم اياي، وانتهابكم متاعي، وانّكم لما سرتم إلى صفّين كان دينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. ويحك أيّها الخارجيّ!!! إني رأيت اهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم، وما اعتزّ بهم الا من ذلّ، وليس أحد منهم يوافق رأي الآخر، ولقد لقي أبي منهم اموراً صعبةً، وشدائد مرةً، وهي أسرع البلاد خراباً، وأهلها هم الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً.

            تباطؤ اصحابي


            الدينوري ص 203: وسلم عليه بعض اصحابه بالتسليمة الذليلة، فأجابه الإمام:
            لست مذلاً للمؤمنين، ولكنّي معزّهم ما أردت بمصالحتي الا أن أدفع عنكم القتل، عند ما رأيت تباطؤ أصحابي ونكولهم عن القتال.

            علمت ما ينفعني


            تاريخ دمشق لابن عساكر ج/12 ص/536: أخبرنا ابوالقاسم السمرقندي عن محمد ابن ابي عثمان وابي طاهر القضاري حدثنا ابي قال: حدثنا اسماعيل بن الحسن حدثنا الحسين بن اسماعيل حدثنا زياد بن ايوب حدثنا ابن ابي عيينة حدثنا صدقة بن المثنى عن جده رياح بن الحرث قال: كنت عند منبر الحسن بن علي وهو يخطب الناس بالمدائن فقال:
            ألا إن أمر الله واقع اذلاله رافع وان كره الناس، اني ما أحببت ان ألي من أمر أمة محمدٍ مثقال حبةٍ من خردلٍ يهراق فيه محجمة من دم قد علمت ما ينفعني مما يضرّني فالحقوا بطبننكم (بمطننكم).

            ولكلام حبيب وقرة عين الزهراء روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

            تعليق


            • #21
              سمعت كلامك


              مناقب ابن شهر اشوب، ج 2- ص 169، لما بايع الإمام معاوية اقبل اليه حجر بن عدي فقال له: (أما والله لوددت انك مت في ذلك اليوم ومتنا معك، ولم نرهذا اليوم. فان رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا) فأجابه الإمام بقوله:..
              يا حجر! قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ انسانٍ يحبّ ما تحبّ، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل إلا ابقاء عليكم والله تعالى كلّ يوم في شأن.

              كرهوا الحرب


              وجاء عدي بن حاتم إلى الإمام فقال له: (ياابن رسول الله، لوددت اني مت قبل ما رأيت، اخرجتنا من العدل إلى الجور، فتركنا الحق الذي كنا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنا هنرب منه, اعطينا الدنية من أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا) فرد عليه الإمام قائلاً:
              يا عديّ، اني رأيت هوى معظم الناس في الصّلح، وكرهوا الحرب فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يومٍ ما فان الله كلّ يومٍ هو في شأنٍ.

              خشيت أن يجتثّ المسلمون


              البحار: محمد باقر المجلسي: ووفد عليه مالك بن ضمرة فاعنف له القول. فقال له الإمام:
              إني خشيت أن يجتثّ المسلمون عن وجه الأرض، فأردت ان يكون للدين ناع.

              أردت حقن الدماء


              وأتاه قوم من شيعته فحرضوه على السماح لهم بالزحف على الشام، متذرعين نقض الصلح بان معاوية لم يطبق شروطه، فقال لهم الإمام الحسن (عليه السلام):
              انتم شيعتنا وأهل مودتنا فلو كنت بالحزم في امر الدنيا أعمل ولسطانها أركض وانصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأساً ولا أشدّ شكيمةً ولا أمضى عزيمةً، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء فارضوا بقضاء الله، وسلّموا لأمره، والزموا بيوتكم وأمسكوا.

              لا تؤنبني


              روى ابو عيسى الترمذي في جامعه: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا ابو داود الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين – أو يا مسود وجوه المؤمنين – فقال له الإمام:
              لا تؤنّبني رحمك الله، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أري بني امية على منبره فساءه ذلك، فنزلت: (إنا اعطيناك الكوثر) يا محمد – يعني نهراً في الجنة – ونزلت (إنا انزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهرٍ) يملكها بعدك بنو أمية يا محمد.

              هو خير


              ولامه قوم على الصلح، حتى ضاق صدره (عليه السلام) فصاح بهم:
              ويحكم ماتدرون ما عملت؟ والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت، الا تعلمون: أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنصٍّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ؟ قالوا: بلى. قال: أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار، وقتل الغلام، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمةً وصواباً؟

              أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلّي خلفه روح الله عيسى بن مريم؟ فانّ الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحدٍ في عنقه بيعة، اذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي: الحسين بن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته، في صورة شابٍّ دون الأربعين سنة، ذلك ليعلم انّ الله على كلّ شيءٍ قدير.

              جماجم العرب


              قال نفير الحضرمي في المدينة للإمام الحسن: (ان الناس يزعمون: انك تريد الخلافة) فقال الإمام:
              كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله، ثمّ أثيرها ثانياً من أهل الحجاز.

              لا تعذلوني


              ووفد اليه جمع من شيعته، فقالوا له: (يا مذل المؤمنين، ويا مسود الوجوه) فأجابهم:
              لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحةً، ولقد رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامه، أنّه يخطب بنو أمية واحد بعد واحدٍ فحزن، فأتاه جبرئيل بقوله: (إنا اعطيناك الكوثر) و (إنّا انزلناه في ليلة القدر).

              أنا إمام قمت او قعدت


              وبعد ما اضطر الإمام إلى الصلح مع معاوية، ظهر أناس نددوا بالصلح بعد ما أجبروا الإمام عليه.
              فجاءه (ابو سعيد العقيصا) وقال له: (لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت: ان الحق لك دونه، وان معاوية ضال باغ؟) فقال الإمام:
              يا أبا سعيدٍ! ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماماً عليهم بعد أبي؟ قال: بلى قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)؟ قال بلى! قال: فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام اذا قعدت. يا أبا سعيدٍ علّة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكّة، حين انصرف من الحديبية، اولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد! اذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفّه رأيي فيما أتيته من مهادنةٍ أو محاربةٍ، وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، ألا ترى الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام واقام الجدار، سخط موسى فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه، حتى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما اتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض احد إلا قتل. إنّ الله بالغ امره.

              ولكلام قرة عين أمير المؤمنين بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

              تعليق


              • #22
                انذار


                ج/4:ص/11 شرح ابن أبي الحديد: بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين أرسل معاوية جاسوساً إلى الكوفة وجاسوساً إلى البصرة، فلما علم الإمام الحسن كتب اليه:
                أما بعد: فانّك دسست اليّ الرجال، للاحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون، كأنّك تحبّ اللقاء وما أشكّ في ذلك، فتوقّعه، انشاء الله، وقد بلغني: أنّك شمتّ بما لا يشمت به ذووالحجى، وانما مثلك في ذلك كما قال الأولون:
                وقل الذي يبقى خلاف الذي مضى *** تجهّز لاخرى مثلها فكأن قد
                وإنا ومن قد مات منّا لكالذي *** يروح فيمسي في المبيت ليفتدي
                فأجابه معاوية، أما بعد: فقد وصل كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت بما حدث، فلم أفرح، ولم اشمت، ولم أيأس، وان علي بن أبي طالب لكما قال أعشى بن قيس ابن ثعلبة:
                وانت الجواد وانت الذي *** اذا ما القلوب ملأن الصدورا
                وما مزبد من خليج البحو *** ريعلو الأكام ويعلو الجسورا
                بأجود منه بما عنده *** فيعطي الألوف ويعطي البدورا
                ******
                وكتب عامله على البصرة: عبيد الله بن عباس إلى معاوية في استنكار هذه الحادثة أما بعد: فانك ودسك أخا بني قين إلى البصرة، تتلمس من غفلات قريش، مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال امية يعني ابن الأشكري:
                لعمرك اني والخزاعي طارقاً *** كنعجة غار حتفها تتحفر
                وثارت عليها شفرة بكراعها *** فظلت بها من آخر الليل تنحر
                شمت بقوم من صديقك أهلكوا *** أصابهم يوم من الدهر أصفر
                فأجابه معاوية: أما بعد: فان الحسن بن علي، قد كتب بنحو ما كتبت به وانني بمالم أجز ظناً وسوء رأي، وانك لم تصب مثلكم ومثلي. ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يحيب امية عن هذا الشعر:
                فوالله ما أدري واني لصادق *** إلى أي من يظنني أتعذر
                اعنف ان كانت زنيبة الهكت *** ونال بني لخيان شرفاً نفروا


                أدخل في طاعتي


                هذا كتاب وجهه الإمام الحسن، إلى معاوية قبل نشوب الحرب بينهما ليلقي السلاح ويدخل في طاعته، ونصه:
                من الحسن بن عليّ: امير المؤمنين، إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليكم، فاني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فان الله جل جلاله، بعث محمداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّةً للناس أجمعين لينذر من كان حياً، ويحقّ القول علىالكافرين، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر الله، حتى توفاه الله غير مقصّر ولا وانٍ، وبعد أن أظهر الله به الحقّ ومحق به الشرك، وخصّ به قريشاً خاصةً، فقال له: (وإنّه لذكر لك ولقومك) فلما توفّي، تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمدٍ وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم. على من نازعهم أمر محمدٍ، فأنعمت لهم وسلمت إليهم.
                ثم حاججنا نحن قريشاُ، بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش انصاف العرب لها.
                إنّهم أخذوا هذا الامر دون العرب بالانصاف والاحتجاج، فلما سرنا – أهل بيت محمدٍ وأولياؤه – إلى محاجتهم، وطلب النّصف منهم، باعدونا واستولو بالاجتماع على ظلمنا، ومراغمتنا وللعنت منهم لنا. فالموعد الله، وهو الوليّ النصير.
                ولقد كنّا تعجّبنا لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا، وسلطان بيتنا واذكانوا ذوي فضيلة وسابقةٍ في الإسلام، أمسكنا عن منازعتهم، مخافةً على الدين أن يجد المنافقون، والأحزاب في ذلك مغمراً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من افساده.
                فاليوم فليتعجّب المتعجّب، من توثّبك يا معاوية، على أمرٍ لست من أهله، لابفضلٍ في الدين معروفٍ ولا أثرٍٍ في الإسلام محمودٍ. وانت ابن حزبٍ من الأحزاب، وابن أعدى قريشٍ لرسول الله صلى الله عليه وأله ولكتابه. والله حسيبك فسترد عليه، وتعلم لمن عقبى الدار وبالله لتلقينّ عن قليلٍ ربّك، ثم ليجزينّك بما قدّمت يداك. وما الله بظلاّمٍ للعبيد.
                إنّ علياً لمّا مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم منّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر من بعده، فاسأل الله ان لا يؤتينا في الدنّيا الزائلة شيئاً، ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامةٍ.
                وانما حملني على الكتابة اليك، الاعذار فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم والصلاح للمسلمين.
                فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم: أني أحقّ بهذا الأمر منك، عند الله، وعند كلّ أوابٍ حفيظٍ، ومن له قلب منيب، واتّق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم، بأكثر مما انت لاقيه به. وادخل في السّلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو احقّ به منك، ليطفىء الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين.
                وإن أنت أبيت الا التمادي في غيّك، سرت اليك المسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين
                ابن ابي الحديد (ج/4ص/12): بأجابه معاوية بالكتاب التالي:
                (قد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت به محمداً رسول الله من الفضل، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله: قديمه وحديثه، وصغيره وكبيره، وقد والله بلغ وأدى، ونصح وهدى، حتى انقذ الله به من الهلكة وأنار به من العمى، وهدىي به من الجهالة والضلالة، فجزاه الله أفضل ما جزى نبياً عن امته.. وذكرت وفاته وتنازع المسلمين الأمر بعده وتغلبهم على أبيك فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وأبي عبيدة الأمين، وحواري رسول الله، وصلحاء المهاجرين والانصار، فكرهت ذلك لك.. وانك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين، ولا المسيء، ولا اللئيم، وأنا أحب لك القول السديد، والذكر الجميل، وان هذه الأمة لما اختلفت بينها لم تجهل فضلكم، ولا سابقتكم، ولا قرابتكم من نبيكم، ولا مكانكم في الإسلام وأهله. فرأت الأمة ان تخرج من هذا الأمر لقريش، لمكانها من نبيها، ورأى صلحاء الناس من قريش والانصار وغيرهم، وسائر الناس وعوامهم، ان يولوا من قريش هذا الأمر أقدمها إسلاماً، واعلمها بالله، واحبها، وأقواها على أمر الله، فاختاروا أبابكر، وكان ذلك رأي ذوي الدين والفضل، والناظرين للامة، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا متهمين، ولا فيما أتوا بالمخطئين، لو رأى المسلمون أن فيكم من يغني غناءه، ويقوم مقامه، ويذب عن حريم الإسلام ذبه، ما عدلوا بالأمر إلى غيره، رغبة عنه ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحاً للإسلام وأهله، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيراً.
                قد فهمت الذي دعوتني اليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم، مثل الحال التي كنتم عليها انتم وأبوبكر بعد وفاة النبي!. فلو علمت: انك اضبط مني للرعية وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الاموال، وأكيد للعدو، لاجبتك إلى ما دعوتني اليه، ولو رأيتك لذلك أهلاً لسلمت لك الأمر بعد أبيك، فان أباك سعى على عثمان، حتى قتل مظلوماً، فطالب الله بدمه، ومن يطلبه الله فلن يفوته، ثم ابتز الأمة أمرها، وخالف جماعتها؛ فخالفه نظراؤه، من أهل السابقة والجهاد، والقدم في الإسلام، وادعى: انهم نكثوا بيعته، فقاتلهم، فسفكت الدماء واستحلت الحرم، ثم أقبل الينا لا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد ان يملكنا اغتراراً فحاربناه وحاربنا ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلاً واخترنا رجلاً يحكمان بما يصلح عليه، وتعود به الجماعة والالفة، وأخذنا بذلك عليهما ميثاقاً، وعليه مثله، على الرضا بما حكما، فأمضى الحكمان عليه الحكم بما علمت، وخلعاه، فوالله ما رضي الحكم، ولا صبر لأمر الله، فكيف تدعوني إلى أمر، انما تطلبه بحق ابيك وقد خرج، فانظر لنفسك ولدينك.. وقد علمت: اني أطول منك ولاية، واقدم منك بهذه الأمة تجربة، وأكبر منك سناً، فأنت احق ان تجيبني إلى هذه المنزلة، التي سألتني.
                فادخل في طاعتي (اعاننا الله واياك على طاعته، انه سميع مجيب الدعاء).
                ولكن معاوية علم: ان هذه الأساليب الملفقة، لا تنطلي على مثل الإمام، فخشي ان يكون رد فعل الإمام عليها الحرب، فأردفه بالكتاب التالي:
                بسم الله الرحمن الرحيم
                اما بعد: فان الله عز وجل، يفعل في عباده ما يشاء، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، فاحذر أن تكون منيتك على ايدي رعاع من الناس، وأيس أن تجد فينا غمزة، وان انت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني، وفيت لك بما وعدت وأجزت لك ما شرطنا، وأكون في ذلك، كما قال الاعشى من بني قيس بن ثعلبة:
                وان احداً اسدى اليك أمانة *** فاوف بها تدعى اذا مت وافيا
                ولا تحسب المولى اذا كان ذاغني *** ولا تجفه ان كان للمال فانيا
                ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت اولى الناس بها والسلام. (شرح ابن أبي الحديد ج/4 ص/13)
                ولرسائل حجة الله على خلقه روحي فداه بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                تعليق


                • #23
                  انا من اهل الحق


                  ولم يأبه الإمام لكتابي معاوية، اكثر من انه رد عليهما بهذا الكتاب المقتضب:
                  أما بعد

                  فقد وصل إليّ كتابك، تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله اعوذ من ذلك، فاتّبع الحقّ، تعلم: أني من اهله. وعلى إثم أن اقول فأكذب. والسلام.

                  خطبي انتهى إلى اليأس


                  وأخيراً يئس الإمام من أصحابه، وارتجت أمامه السبل دون الصلح مع معاوية، فكتب اليه:
                  أما بعد: فان خطبي انتهى إلى اليأس، من حقٍّ أحييته، وباطلٍ أمتّه وخطبك خطب من انتهى إلى موارده، وإنّي اعتزل هذا الأمر وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي اياه شراً لك في معادك، ولي شروط أشترطها، لأبتهظنّك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف ان غدرت – وكتب الشرط في كتابٍ آخر فيه يمنيّه بالوفاء وترك الغدر – وستندم يا معاوية كما ندم غيرك، ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع الندم والسلام.

                  وثيقة الصلح


                  ولما اضطر الإمام الحسن إلى الصلح كتب وثيقة الصلح، محملة بأفدح الشروط، التي تلقي بكافة المسؤوليات على معاوية، وحيث لم ترد كاملة في مصدر جمعناها هكذا من المصادر المشار اليها.
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  هذا ما صالح عليه الحسن بن عليٍّ بن أبي طالبٍ، معاوية بن أبي سفيان.

                  صالحه: على ان يعمل فيهم بكتاب الله، وبسنة رسوله وبسيرة الخلفاء الصالحين

                  وليس لمعاوية بن أبي سفيان: ان يعهد لاحدٍ – من بعده – عهداً بل يكون الأمر للحسن من بعده[10]، فان حدث به حدث، فلأخيه الحسين

                  وأن يترك سبّ امير المؤمنين، والقنوت عليه بالصلاة، وان لا يذكر عليّاً الا بخير.

                  واستثناء ما في بيت مال الكوفة – وهو خمسة آلاف الفٍ – وعلى معاوية ان يحمل إلى الحسين كلّ عامٍ الفي الف درهمٍ، وان يفضّل بني هاشم في العطاء والصّلات، على بني عبد شمس، وان يفرّق في أولاد من قتل مع امير المؤمنين – يوم الجمل – وأولاد من قتل معه – بصفين – الف الف درهمٍ، وان يجعل ذلك، من خراج (دار ابجر) .

                  وعلى أنّ الناس آمنون، حيث كانوا من ارض الله، في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم، وان يؤمّن الاسود والاحمر، وان يحتمل معاوية مايكون من هفواتهم، وان لا يتبع احداً بما مضى، وان لا يأخذ أهل العراق بإحنة.

                  وعلى امان اصحاب عليٍّ حيث كانوا وان لا ينال احداً من شيعة عليٍ بمكروهٍ، وأنّ أصحاب عليٍ وشيعته آمنون على انفسهم، واموالهم ونسائهم واولادهم، وان لا يتعقّب عليهم شيئاً، وان لا يتعرّض لاحدٍ منهم بسوءٍ، ويوصل إلى كلّ ذي حقٍ حقّه وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله، وميثاقه، وما اخذ الله على احدٍ من خلقه، بالوفاء بما اعطى من نفسه.

                  وعلى ان لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لاحدٍ من أهل بيت رسول الله غائلةً سراً ولا جهراً، ولا يخيف احداً منهم في افقٍ من الافاق شهد عليه بذلك الله وكفى بالله شهيداً والسلام.

                  وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ص 200 (ثم كتب عبد الله بن عامر – يعني رسول معاوية إلى الحسن – إلى معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه، فكتب معاوية جميع ذلك بخطه، وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة، والايمان المغلظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء اهل الشام، ووجه به إلى عبد الله، فأوصله إلى الحسن).

                  وأضاف في البحار ج 10 – ص 115 الطبعة القديمة: (0وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله. وميثاقه. وما اخذ الله على احد من خلقه، بالوفاء وبما اعطى الله من نفسه).


                  لو قاتلت احداً


                  الكامل لابن الأثير ج 3- ص 163: لما خرج الإمام الحسن (عليه السلام) من الكوفة، لحقه رسول معاوية، طالباً منه: أن يرجع إلى الكوفة لقتال طائفة من الخوارج خرجت عليه، فكتب اليه الإمام:..

                  لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة، لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة، وحقن دمائها.

                  ولرسائل ابي محمد الحسن بن علي روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                  تعليق


                  • #24
                    شفعني في سعيد


                    ولما رجع الإمام إلى المدينة وخلا الجو لمعاوية وعماله، بدأوا بمطاردة شيعة الإمام، فكانت مآسي كثيرة سجلها التاريخ بالدموع والدماء ومن تلك المآسي ان زياد بن ابيه طلب سعيد بن سرح من أجل تشيعه، فأتي الحسن بن علي عليهما السلام مستجيراً به، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم، ونقض داره وصادر أمواله، ولما علم الإمام الحسن (عليه السلام) ذلك شق عليه، فكتب من فوره إلى زياد، يأمره بان يعطي الأمان لسعيد، ويخلي سبيل عياله وأطفاله، ويشيد داره ويرد عليه أمواله، وهذا نص كتابه:
                    من الحسن بن عليّ إلى زياد: أما بعد: فإنّك عمدت إلى رجلٍ من المسلمين، له مالهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن اتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله وشفّعني فيه فقد أجرته، والسلام.

                    للعاهر الحجر


                    ولما بلغ كتاب الإمام إلى زياد، استشاط غضباً، لأن الإمام لم ينسبه الى أبي سفيان، فأجابه بمايلي: (من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة، اما بعد: فقد أتاني كتابك، تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة، وانا سلطان وأنت سوقة، وتأمرني فيه بامر المطاع المسلط على رعيته، كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي، ورضاً منك بذلك، وأيم الله لا تسبقني به، ولو كان بين جلدك ولحمك، فان احب لحم علي أن آكله اللحم الذي انت منه، فسلمه بجررته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوت عنه لم اكن شفعتك فيه، وان قتلته لم أقتله الا لحبه اباك والسلام).
                    وصل هذا الجواب إلى الإمام فما زاد أن كتب في رده:

                    من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية، أما بعد فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) والسلام.
                    ثم كتب الإمام إلى معاوية برد زياد عليه وأرفقه بكتاب زياد اليه، فلما بلغ معاوية ذلك غضب على زياد وكتب اليه مايلي:

                    (اما بعد، فان الحسن بن علي بعث الي بكتابك اليه، جواباً عن كتاب كتبه اليك في ابن أبي سرح، فأكثرت العجب منك، وعلمت: ان لك رأيين، احدهما من أبي سفيان، والآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما الذي من سمية فما يكون من رأي ممثلها، من ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري انك لأولى بالفسق من أبيه، فأما أن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك، فان ذلك لا يضعك لو عقلت، وأما تسلطه عليك بالأمر فحق لمثل الحسن أن يتسلط، واما تركك تشفيعه فيما شفع فيه اليك، فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك، وإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد بن ابي سرح، وابن له داره، واردد عليه ماله، ولا تتعرض له، فقد كتبت إلى الحسن (عليه السلام)، ان يخيره، إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه لا بيد ولا لسان، واما كتابك إلى الحسن (عليه السلام) باسمه واسم امه، ولا تنسبه إلى أبيه، فان الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان، والى أي أم وكلته لا أم لك؟ أما علمت انها فاطمة بنت رسول الله؟ فذاك افخر له لو كنت تعلمه وتعقله.

                    أما حسن فابن الذي كان قبله *** اذا سار سار الموت حيث يسير

                    وهل يلد الرئبال الا نظيره *** وذا حسن شبه له ونظير

                    ولكنه لو يوزن الحلم والحجا *** بأمر لقالوا يذبل وثبير

                    (شرح ابن ابي الحديد ج 4 – ص 72، و ص 7. والعقد الفريد 3 – 5)



                    سيصير اليها الآخرون


                    امالي الشيخ: اصيب الإمام الحسن (عليه السلام) بابنة له، فكتب اليه قوم من أصحابه يعزونه بها، فكتب اليهم:
                    أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم، تعزّونني بفلانة، فعند الله أحتسبها، تسليماً لقضائه، وصبراً على بلائه، فان أوجعتنا المصائب وفجعتنا النوائب بالأحبّه المألوفة، التي كانت بنا حفيّة والإخوان المحبين، الذين كان يسرّ بهم الناظرون وتقرّبهم العيون.

                    أضحوا قد اخترمتهم الأيام، ونزل بهم الحمام، فخلفوا الخلوف، وأودت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلة التجارة، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية، من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها اخوانها، فلم أر مثل دارها داراً ولامثل قرارها قراراً، في بيوتٍ موحشةٍ، وحلول مضجعةٍ، قد صارت في تلك الديار الموحشةٍ، وخرجت عن الدار المؤنسة، ففارقتها من غير قلىً فاستودعتها للبلى، وكانت امه مملوكةً، سلكت سبيلاً مسلوكة، صار اليها الأولون، وسيصير اليها الآخرون والسلام .

                    ولكلام سيدي ومولاي الإمام الحسن روحي له الفداء بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                    تعليق


                    • #25
                      الحسن ومناوئوه


                      الاحتجاج: روي عن الشعبي، وابي مخنف، ويزيد بن ابي حبيب المصري: انهم قالوا:
                      لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قومٍ اجتمعوا في محفلٍ، اكثر ضجيجاً، ولا أعلى كلاماً، ولا اشدّ مبالغةً في قولٍ، من يومٍ اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطؤا على أمرٍ واحدٍ.

                      فقال عمروبن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن عليٍّ فتحضره فقد أحيا سيرة أبيه، وخفقت النّعال خلفه إن أمر فأطيع، وإن قال فصدق وهذان يرفعان به إلى ما هو اعظم منهما، فلو بعثت اليه فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا أباه، وصغّرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه.

                      فقال لهم معاوية: إني أخاف ان يقلّدكم قلائد، يبقى عليكم عارها حتى تدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قطّ إلا كرهت جنابه، وهبت عتابه وإني إن بعثت إليه لأنصفته منكم.

                      قال عمرو بن العاص: أتخاف ان يتسامى باطله على حقّنا، ومرضه على صحّتنا؟

                      قال: لا.

                      قال: فابعث اذاً اليه.

                      فقال عتبة: هذا رأي لا أعرفه، والله ما تستطيعون ان تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم إلا بأعظم مما في نفسه عليكم، وانه لمن أهل بيتٍ خصمٍ وجدلٍ.

                      فبعثوا إلى الحسن (عليه السلام)، فلما أتاه الرسول، قال له: يدعوك معاوية.

                      قال: ومن عنده؟.

                      قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمّى كلاً منهم باسمه.

                      فقال الحسن (عليه السلام): مالهم، خرّ عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.

                      ثم قال: يا جارية أبلغني ثيابي.

                      ثم قال: اللهم إني أدرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت وأنّى شئت، من حولك وقوّتك يا ارحم الراحمين.

                      وقال للرسول: هذا كلام الفرج.

                      فلما أتى معاوية رحّب به وحيّاه وصافحه.

                      فقال الحسن (عليه السلام): إن الذي حييت به سلامة، والمصافحة أمنة.

                      فقال معاوية: أجل، إن هؤلاء بعثوا اليك وعصوني، ليقرورك ان عثمان قتل مظلوماً، وان أباك قتله، فاسمع منهم، ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك ولا يمنعك مكاني من جوابهم.

                      فقال الحسن (عليه السلام): سبحان الله، البيت بيتك، والاذن فيه اليك، والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا، إني لاستحيي لك من الفحش، ولئن كانوا غلبوك إني لاستحيي لك من الضعف، فبأيهما تقرّ؟ ومن أيّهما تعتذر؟ أما أني لو علمت بمكانهم واجتماعهم، لجئت بعدتهم من بني هاشمٍ، ومع وحدتي هم أوحش مني مع جمعهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لوليّي اليوم وفيما بعد اليوم، فليقولوا فأسمع، ولا حولولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم.

                      فقال معاوية:، إني كرهت أن أدعوك، ولكنّ هؤلاء حملوني على ذلك مع كراهتي له، وإنّ لك منهم النصّف، ومني، وانما دعوناك لنقرّر ان عثمان قتل مظلوماً، وأن اباك قتله، فاستمع منهم، ثم أجبهم، ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم، أن تتكلّم بكلّ لسان.

                      فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم، أن بقي من بني عبد المطلب، على وجه الأرض من أحدٍ، بعد قتل الخليفة، عثمان بن عفان وكان (من) ابن اختهم، والفاضل في الإسلام منزلةً، والخاصّ برسول الله صلى الله عليه وآله أثرةً، فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداءً وطلباً لفتنة، وحسداً ونفاسةً، وطلب ما ليسوا بأهل لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله، ومن رسوله، ومن الإسلام، فياذلاه أن يكون (حسن) وسائر بني عبد المطلب: قتلة عثمان، أحياء يمشون على مناكب الأرض، وعثمان مضرج بدمه مع انّ لنافيكم تسعة عشر دماً بقتلى بني امية ببدرٍ!

                      ثم تكلّم عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: إي يا ابن أبي تراب! بعثنا اليك لنقرّرك أنّ اباك سمّ أبابكرٍ الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروق، وقتل عثمان ذا النّورين مظلوماً، فادّعى ما ليس له بحق، ووقع فيه – وذكر الفتنة وعيّره بشأنها – ثم أضاف:

                      إنكم يا بني عبد المطلب! لم يكن الله يعطيكم الملك فترتكبون فيه مالا يحلّ لكم، ثم أنت يا (حسن) تحدّث نفسك بأنك كائن امير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك، ولا رأيه، فكيف وقد سلبته، وتركت أحمق في قريش، وذلك لسوء عمل أبيك، وانما دعوناك لنسبك وأبيك، ثمّ انت لا تستطيع أن تعتب علينا ولا أن تكذّبنا في شيءٍ به، فان كنت ترى أنا كذبناك في شيءٍ وتقوّلنا عليك بالباطل، وادّعينا خلاف الحقّ فتكلم، والا فاعلم أنّك وأباك من شرّ خلق الله.

                      أمّا أبوك فقد كفانا الله قتله وتفردّ به، وأما انت فإنّك في أيدينا نتخير فيك، والله أن لو قتلناك، ما كان في قتلك إثم عند الله، ولا عيب عند الناس.

                      ثم تكلّم عتبة بن ابي سفيان، فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال: يا حسن، إن اباك كان شرّ قريشٍ لقريش، أقطعه، أرحامها، واسفكه لدمائها، وإنّك لمن قتلة عثمان، وان في الحقّ أن نقتلك به، وانّ عليك القود في كتاب الله عزّ وجلّ، وإنّا قاتلوك به، فأمّا ابوك فقد تفرّد الله بقتله فكفاناه وأما رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك.

                      ثم تكلّم الوليد بن عقبة بن ابي معيط بنحوٍ من كلام أصحابه، وقال: يا معاشر بني هاشم، كنتم أول من دبّ بعيب عثمان، وجمع الناس عليه، حتى قتلتموه حرصاً على الملك، وقطيعةً للرحم، واستهلاك الامة وسفك دمائها حرصاً على الملك، وطلباً للدنيا الخسيسة وحمّاً لها، وكان عثمان خالكم فنعم الخال كان لكم، وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم أول من حسده، وطعن عليه، ثم وليتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم.

                      ثم تكلّم المغيرة، بن شعبة، وكان كلامه، وقوله كلّه وقوعاً في عليٍّ (عليه السلام) ثمّ قال: يا حسن إن عثمان قتل مظلوماً، فلم يكن لابيك في ذلك عذر بريءٍ، ولا اعتذار مذنبٍ، غير أنّا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمّه قتلته، وايوائه لهم وذبّه عنهم، أنّه بقتله راضٍ، وكان والله طويل السيف واللّسان: يقتل الحيّ، ويعيب الميت، وبنو امية خير لبني هاشمٍ من بني هاشمٍ لبني أمية، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية.

                      وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلّى الله عليه وآله في حياته، وأجلب عليه قبل موته، واراد قتله، فعلم ذلك من امره رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ كره ان يبايع أبابكر حتى أتي به قوداً، ثم دسّ إليه فسقاه سمّاً فقتله، ثم نازع عمر حتى همّ أن يضرب رقبته، فعمل في قتله، ثم طعن على عثمان حتّى قتله، كلّ هؤلاء قد شرك في دمهم، فأيّ منزلةٍ له من الله يا حسن، وقد جعل الله السلطان لوليّ المقتول في كتابه المنزل، فمعاوية وليّ المقتول بغير حقّ، فكان من الحقّ لو قتلناك وأخاك والله مادم عليٍّ بخطرٍ من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوّة ثم سكت.

                      فتكلّم ابو محمدٍ الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما، فقال:

                      الحمد لله الذي هدى أوّلكم بأوّلنا، وآخركم بآخرنا، وصلى الله على سيدنا محمدٍ النبي وآله وسلم. إسمعوا منّي مقالتي، واعيروني فهمكم وبك ابدأ يا معاوية.

                      إنه لعمر الله يا أزرق، ما شتمني غيرك، وما هؤلاء شتموني، ولا سبّني غيرك، وما هؤلاء سبّوني، ولكن شتمتني وسببتني، فحشاً منك، وسوء رأي، وبغياً وعدوانا، وحسداً علينا، وعداوةً لمحمدٍ صلّى الله عليه وآله قديماً وحديثاً.

                      وإنّه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق! مثاورين في مسجد رسول الله وحولنا المهاجرون والانصار ما قدروا أن يتكلمون بمثل ما تلكّموا به،. ولا استقبلوني بما استقبلوني به، فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المعاونون عليّ، ولا تكتموا حقاً علمتموه ولاتصدّقوا بباطلٍ نطقت به، وسأبدأ بك يا معاوية فلا اقول فيك إلا دون ما فيك.

                      أنشدكم بالله! هل تعلمون: انّ الرجل الذي شتمتموه صلّى إلى القبلتين كلتيهما، وأنت تراهما جميعاً ضلالةً، تعبد اللات والعزّى؟ وبايع البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالاولى كافر، وبالاخرى ناكث؟

                      أنشدكم بالله! هل تعلمون: انما أقول حقاً، أنه لقيكم مع رسول الله يوم بدرٍ، ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، تعبد اللات والعزّى، وترى حرب رسول الله والمؤمنين فرضا واجباً، ولقيكم يوم أحد، ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، ولقيكم يوم الاحزاب ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، كلّ ذلك يفلج الله حجته، ويحقّق دعوته، ويصدق احدوثته، وينصر رايته، وكلّ ذلك رسول الله يرى عنه راضياً في المواطن كلّها؟

                      ثم أنشدكم بالله هل تعلمون: أنّ رسول الله حاصر بني قريظة وبني النضير، ثمّ بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعه راية الانصار، فأمّا سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحاً، وأما عمر فرجع وهو يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه، فقال رسول الله (لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّار، غير فرّار، ثمّ لا يرجع حتى يفتح الله عليه، فتعرّض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والانصار، وعليّ يومئذٍ أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله، فتفل في عينيه، فبرأ من الرمد، فأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله (عليه) بمنّه وطوله وأنت يومئذٍ بمكة عدوّ لله ورسوله، فهل يسوى بين رجلٍ نصح لله ولرسوله، ورجلٍ عادى الله ورسوله!؟

                      ثم اقسم بالله ما أسلم قلبك بعد، ولكنّ اللسان خائف، فهو يتكلّم بما ليس في القلب.

                      (ثم) أنشدكم بالله! أتعلمون: أن رسول الله استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ولا سخطه ذلك ولا كرهه، وتكلّم فيه المنافقون، فقال: (لا تخلفني يا رسول الله. فاني لم اتخلّف عنك في غزوةٍ قط (فقال رسول الله (انت وصيّي وخليفتي في أهلي، بمنزلة هارون من موسى) ثم أخذ بيد عليّ: ثم قال: (ايّها الناس! من تولاني فقد تولّى الله، ومن تولّى عليّاً فقد تولاّني، ومن أطاعني فقد اطاع الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومن أحنّي فقد أحبّ الله، ومن أحبّ عليّاً فقد أحبني)؟

                      أنشدكم بالله! أتعلمون: أن رسول الله قال في حجة الوداع: (ايّها الناس! إني قد تركت فيكم مالم تضلّوا بعده، كتاب الله فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنّا بما انزل الله من الكتاب، وأحبّوا اهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهم على من عاداهم، وانهما لم يزالا فيكم، حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة).

                      ثم دعا – وهو على المنبر – عليّاً، فاجتذبه بيده فقال: (اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، اللهمّ من عادى عليّاً فلا تجعل له في الأرض مقعداً، ولا في السماء مصعداً، واجعله في اسفل دركٍ من النار).

                      أنشدكم بالله! اتعلمون: أنّ رسول الله قال له: (انت الذائد عن حوضي يوم القيامة! تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله)؟

                      أنشدكم بالله! أتعلمون: انه دخل على رسول الله في مرضه الذي توفّي فيه، فبكى رسول الله، فقال عليّ: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: (يبكيني أني أعلم: أنّ لك في قلوب الرجال من أمتي ضغائن، لا يبدونها حتى أتولّى عنك)؟

                      أنشدكم بالله! أتعلمون: انّ رسول الله حين حضرته الوفاة، واجتمع أهل بيته قال: (الهمّ هؤلاء أهلي وعترتي، اللهمّ وال من والاهم، وانصرهم على من عاداهم) وقال: (انما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوحٍ، من دخل فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق)؟

                      أنشدكم بالله! أتعلمون: أن اصحاب رسول الله قد سلّموا عليه بالولاية في عهد رسول الله وحياته؟

                      أنشدكم بالله: أتعلمون أن عليّاً أول من حرّم الشهوات كلّها على نفسه، من أصحاب رسول الله فأنزل الله عزّ وجلّ (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم، ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين وكلوا ممّا رزقكم الله حلالاً طيّباً واتّقوا الله الّذي أنتم به مؤمنون).

                      وكان عنده علم المنايا، وعلم القضايا، وفصل الخطاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان في رهطٍ لا نعلمهم، يتمّون عشرةً، نبّأهم الله أنهم به مؤمنون، وأنتم في رهطٍ قريبٍ من عدة اولئك لعنوا على لسان رسول الله، فأشهد لكم وأشهد عليكم أنّكم لعناء الله على لسان نبيّه، كلكم أهل البيت.

                      وأنشدكم بالله! هل تعلمون: انّ رسول الله بعث اليك، لتكتب لبني خزيمة، حين أصابهم خالد بن الوليد، فانصرف اليه الرسول فقال: هو يأكل، فأعاد الرسول اليك ثلاث مرات، كل ذلك ينصرف الرسول ويقول هو يأكل، فقال رسول الله، (اللهمّ لا تشبع بطنه) فهي والله في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة؟

                      أنشدكم بالله! هل تعلمون: إنما أقول حقاً إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جملٍ أحمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الأحزاب، فعلن رسول الله، الراكب والقائد والسائق فكان أبوك الراكب وأنت يا أزرق السائق. واخوك هذا القاعد القائد؟

                      ثم أنشدكم بالله! هل تعلمون، أنّ رسول الله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن: أولهنّ حين خرج من مكة إلى المدينة، وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده وهمّ أن يبطش به، ثم صرفه الله عزّ وجلّ عنه.

                      والثاني: يوم العير حيث طردها أبو سفيان، ليحرزها من رسول الله.

                      والثالث: يوم أحدٍ، يوم قال رسول الله: (الله مولانا ولا مولى لكم) وقال أبو سفيان: لنا العزى ولا لكم العزى، فلعنه الله وملائكته ورسوله والمؤمنون اجمعون.

                      والرابع: يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وهوازن، وجاء عيينة، بغطفان واليهود، فردّهم الله عزّ وجلّ بغيظهم لم ينالوا خيراً ( اشارة إلى قوله تعالى في الاحزاب: 26 (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال..) وهذا في غزوة الاحزاب. واما الثانية من السورتين، فكأنه اراد قوله تعالى: في الفتح: 24: (وهو الذي كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة – إلى قوله تعالى – هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام..) الآية. وهذا في الحديبية.

                      وكيف كان ففي الحديث اضطراب واضح، حيث ان اباسفيان، وعيينة بن حصن كانا في حنين مسلمين وقد اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد منهما مائة بعير من الفيء تاليفاً لقلبيهما وقد كان لعيينة بن حصن في اخذ عجوز من عجائز هوازن سهماً من الغنيمة شأن من الشأن، راجع سيرة ابن هشام ج 2 – 490 – 493.)

                      هذا قول الله عزّ وجلّ له في سورتين في كلتيهما يسمّي أبا سفيان وأصحابه كفاراً، وأنت يا معاوية يومئذٍ مشرك على رأي أبيك بمكة، وعليّ يومئذٍ مع رسول الله وعلى رأيه ودينه.

                      والخامس: قول الله عزّ وجلّ (والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه) وصددت أنت وأبوك ومشركو قريشٍ، رسول الله صلّى الله عليه وآله فلعنه الله لعنةً شملته وذرّيته إلى يوم القيامة.

                      والسادس: يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصنٍ ابن بدر بغطفان، فلعن رسول الله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة فقيل يا رسول الله: أما في الأتباع مؤمن؟ فقال: لا تصيب اللعنة مؤمناً من الأتباع، وأما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناجٍ.

                      والسابع: يوم الثنية، يوم شدّ على رسول الله اثني عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالى ورسوله من حلّ الثنية غير النبي وسائقه وقائده؟

                      ثم أنشدكم بالله! هل تعلمون: أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله فقال: يابن أخي هل علينا من عين؟ فقال: لا، فقال ابو سفيان، تداولواالخلافة، فتيان بني امية، فوالذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنةٍ ولا نار.

                      وأنشدكم بالله! أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال: يابن اخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج، حتى اذا توسّط القبور اجترّه فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور! الذي كنتم تقاتلونا عليه، صار بأيدينا وأنتم رميم، فقال الحسين بن علي: قبّح الله شيبتك، وقبّح وجهك، ثم نتريده وتركه، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة، لهلك.

                      ومن لعنتك يا معاوية، أنّ أباك أبا سفيان كان يهمّ أن يسلم، فبعثت اليه بشعرٍ معروفٍ مرويٍّ في قريش وغيرهم، تنهاه عن الإسلام، وتصدّه، أو تنسى يا معاوية قولك لأبيك:

                      يا صخر لا تسلمن يوماً فتفضحنا *** بعد الذين ببدرٍ أصبحوا مزقا

                      خالي وعمّي وعم الأم ثالثهم *** وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا

                      لا تركننّ إلى أمرٍ تكلفنا *** والراقصات به في مكة الخرقا

                      فالموت أهون من قول العداة لقد *** حاد ابن حربٍ عن العزّى اذا فرقا

                      ومن سيّىء اعمالك: أنّ عمر بن الخطاب ولاّك الشام، فخنت به، وولاّك عثمان، فتربّصت به ريب المنون.

                      ثمّ اعظم من ذلك أنّك قاتلت علياً صلوات الله عليه وآله، وقد عرفت سوابقه وفضله وعلمه، على أمر هو أولى به منك، ومن غيرك عند الله وعند الناس، ولا دنية بل أوطأت الناس عشوةً، وأرقت دماء خلقٍ من خلق الله، بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد، ولايخشى العقاب، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شرّ مثوى، وعليّ إلى خير منقلبٍ والله لك بالمرصاد.

                      فهذا لك يا معاوية خاصةً، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك، فقد كرهت به التطويل، فهل تستطيع ان تردّ علينا شيئاً؟

                      وأما أنت يا عمر بن عثمان، فلم تكن حقيقاً لحمقك أن تتبع هذه الامور، فإنما مثلك مثل البعوضة اذ قالت للنخلة: استمسكي فاني اريد ان انزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشق علي نزولك؟ وإني والله ما شعرت انّك تحسن أن تعادي لي فيشقّ علي ذلك، واني لمجيبك في الذي قلت.

                      ان سبّك عليّاً، أبنقص في حسبه؟ أو تباعده من رسول الله، أو بسوء بلاءٍ في الإسلام؟ أو بجورٍ في حكمٍ؟ أو رغبة في الدنيا؟ فان قلت واحدةً منها فقد كذبت، وأما قولك انّ لكم فينا تسعة عشر دماً بقتلى مشركي قريش بني أمية ببدرٍ، فإنّ الله ورسوله قتلهم، ولعمري ليقتلنّ من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر، ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطنٍ واحدٍ، سوى ما قتل من بني امية لا يحصي عددهم إلا الله.

                      انّ رسول الله قال: (إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلاً، أخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباده خولا، وكتابه دغلا، فاذا بلغوا ثلاث مائة وعشراً، حقّتت عليهم اللعنة، ولهم، فإذا بلغوا أربع مائةٍ وخمسةً وسبعين، كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة) فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذّكر والكلام، فقال رسول الله: (أخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع). وذلك حين رآهم رسول الله، ومن يملك بعده منهم أمره هذه الأمّة يعني في المنام، فساءه ذلك وشقّ عليه، فأنزل الله عزّ وجلّ في كتابه: (ليلة القدر خير من ألف شهرٍ) فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل عليٍّ إلاّ ألف شهر، التي أجّلها الله عزّ وجلّ في كتابه.

                      وامّا أنت يا عمرو بن العاص الشانىء اللعين الأبتر، فإنما أنت كلب، أوّل امرك امّك لبغيّة، وأنّك ولدت على فراشٍ مشترك، فتحا كمت فيك رجال قريشٍ، منهم أبو سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحارث، والنضر بن الحارث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلّهم يزعم انك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريشٍ ألأمهم حسباً، وأخبثهم منصباً، وأعظمهم بغية.

                      ثمّ قمت خطيباً وقلت: أنا شانىء محمّد، وقال العاص بن وائل: إنّ محمداً رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فأنزل الله تبارك وتعالى: (إنّ شانئك هو الأبتر) فكانت أمّك تمشي إلى عبد قيسٍ لطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم، ثم كنت في كلّ مشهدٍ يشهد رسول الله عدوّه، أشدّهم له عداوةً وأشدّهم له تكذيباً.

                      ثمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النّجاشي، والمهرج الخارج إلى الحبشة، في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب، وسائر المهاجرين إلى النّجاشي، فحاق المكر السيّىء بك، وجعل جدّك الاسفل، وأبطل أمنيتك وخيّب سعيك، وأكذب أحد وثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السّفلى وكلمة الله هي العليا.

                      وأما قولك في عثمان، فأنت يا قليل الحياء والدين، ألهبت عليه ناراً ثم هربت إلى فلسطين تتربّص به الدّوائر، فلمّا أتاك (خبر) قتله، حبست نفسك على معاوية، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك، ولسنا نلومك على بغضنا، ولا نعاتبك على حبّنا، وانت عدوّ لبني هاشم في الجاهلية والإسلام، وقد هجوت رسول الله بسبعين بيتاً من شعر. فقال رسول الله: (اللّهمّ إني لا أحسن الشّعر، ولا ينبغي لي أن أقوله، فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيتٍ (الف) لعنة. فعليك إذاً من الله ما لا يحصى من اللعن وبالله ما نصرت عثمان حيّاً، ولا غضبت له مقتولاً، ويحك يابن العاص، ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النّجاشي:

                      تقول ابنتي: أين هذا الرحيل *** وما السّير مني بمستنكر

                      فقلت: ذريني فانّي امرؤ *** أريد النّجاشيّ في جعفر

                      لأكويه من عنده كيّةً *** أقيم بها نخوة الأصعر

                      وشأني أحمد من بينهم *** وأقوالهم فيه بالمنكر

                      وأجري على عتبةٍ جاهداً *** ولو كان كالذهب الأحمر

                      ولا أنثني عن بني هاشمٍ *** وما اسطعت في الغيب والمحضر

                      فإن قبل العتب منّي له *** وإلاّ لويت له مشفري

                      ثم أنت يا عمرو المؤثر دنيا غيرك على دينك، أهديت إلى النّجاشيّ الهدايا، ورحت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الأولى عن الثانية، كلّ ذلك ترجع مغلولاً حسيراً، تريد بذلك هلاك جعفرٍ وأصحابه، فلما أخطأك ما رجوت وأمّلت، أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد.

                      وأمّا أنت يا وليد بن عقبة، فوالله ما ألومك أن تبغض عليّاً، وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطاً، وقتل أباك بين يدي رسول الله، وأنت الّذي سمّاه الله: الفاسق. وسمّى عليّاً: المؤمن، حيث تفاخرتما، فقلت له: اسكت يا عليّ، فأنا اشجع منك جناناً، وأطول منك لساناً، فقال لك عليّ: اسكت ياوليد، فأنا مؤمن وأنت فاسق، فأنزل الله في موافقة قوله: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) ثمّ أنزل على موافقة قوله: (إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ويحك يا وليد! مهما نسبت فلا تنس قول الشاعر فيك وفي عليٍّ (عليه السلام):

                      أنزل الله في الكتاب علينا *** في عليٍّ وفي الوليد قرانا

                      فتبوّا الوليد منزل كفرٍ *** وعليّ تبوّأ الإيمانا

                      ليس من كان مؤمناً يعبد الله *** كمن كان فاسقاً خوّانا

                      سوف يدعى الوليد بعد قليل *** وعليّ إلى الجزاء عيانا

                      فعليّ يجزى هناك جناناً *** وهناك الوليد يجزى هوانا

                      وما أنت وذكر قريش، وإنما أنت ابن عليجٍ من أهلِ صفّورية يقال له: ذكوان.

                      وأمّا زعمك أنّا قتلنا عثمان، فوالله ما استطاع طلحة والزبير وعاشئة أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب، فكيف تقوله أنت؟ ولو سالت أمّك: من أبوك، إذ تركت ذكوان، فألصقتك بعقبة بن أبي معيط، اكتست بذلك عند نفسها سناءً ورفعة، مع ما أعدّ الله لك ولأبيك وأمّك من العار والخزي في الدّنيا والآخرة، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.

                      ثم أنت يا وليد – والله – اكبر في الميلاد ممّن تدّعي له النّسب، فكيف تسبّ عليّاً؟ ولو اشتغلت بنفسك لبينت نسبك إلى أبيك، لا إلى من تدّ عي له، ولقد قالت لك أمّك: يا بنيّ أبوك – والله – ألأم وأخبث من عقبة.

                      وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان، فوالله ما أنت بحصيف فأجاوبك ولا عاقل فأعاتبك، وما عندك خير يرجى ولا شرّ يخشى، وما كنت لو سببت عليّاً لأغار به عليك لأنك عندي لست بكفوٍ لعبد عبد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأردّ عليك وأعاتبك، ولكنّ الله عزّ وجلّ، لك ولأبيك وأمّك وأخيك بالمرصاد، فأنت ذرّيّة آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: (عاملة ناصبة تصلى ناراً حاميةً تسقى من عينٍ أنيةٍ – إلى قوله – من جوعٍ) .

                      وأمّا وعيدك إيّاي بقتلي فهلاً قتلت الّذي وجدته على فراشك مع حليلتك، وقد غلبك على فرجها، وشاركك في ولدها، حتّى الصق بك ولداً ليس لك، ويلاً لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديراً وبذلك حرياً، غذ تسومني القتل وتوعدني به، أما تستحي من قول نصر بن الحجّاج فيك:

                      يا للرّجال وحادث الأزمان *** ولسبّةٍ تخزي أبا سفيان

                      نبئت عتبة هيّأته عرسه *** لصداقه الهذلي من اللحيان

                      ألفاه معها في الفراش فلم يكن *** فحلا وأمسك خشية النّسوان

                      لا تعتبن يا عتب نفسك حبّها *** إنّ النساء حبائل الشّيطان!

                      ولا ألومك أن تسبّ علياً، وقد قتل أخاك مبارزةً، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدّك، حتى أصلاهما (الله) على أيديهما نارجهنّم، وأذاقهما العذاب الأليم، (ونفي عمك بأمر رسول الله) .

                      وأمّا رجائي الخلافة، فلعمر الله لئن رجوتها، فإنّ لي فيها لملتمساً وما أنت بنظير أخيك، ولا خليفة أبيك، لأنّ اخاك اكثر تمرداً على الله وأشدّ طلباً لإراقة دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ويمكر الله، والله خير الماكرين.

                      وأمّا قولك: إن عليّاً كان شرّ قريشٍ لقريش، فوالله ما حقّر مرحوماً ولا قتل مظلوماً.

                      وأما انت يا مغيرة بن شعبة، فإنك لله عدوّ، ولكتابه نابذ، ولنبيّه مكذّب، وانت الزّاني وقد وجب عليك الرّجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فأخّر رجمك، ودفع الحق بالباطل، والصدق بالأغاليط، وذلك لما أعدّ الله لك من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدّنيا، ولعذاب الآخرة أخزى.

                      وأنت ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول الله، ومخالفةً منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته وقد قال لها رسول الله: (انت سيدة نساء أهل الجنّة) والله مصيرك إلى النار، وجاعل وبال ما نطقت به عليك.

                      فبأيّ الثلاثة سببت عليّاً، انقصاً من حسبه؟ ام بعداً من رسول الله ام سوء بلاءٍ في الإسلام، ام جوراً في حكم، أم رغبةً في الدّنيا؟ ان قلت بها فقد كذبت وكذبك النّاس.

                      اتزعم أن عليّاً قتل عثمان مظلوماً؟ فعليّ والله أتقى وأنقى من لائمه في ذلك، ولعمرى إن كان علي قتل عثمان مظلوماً، فوالله ما انت من ذلك في شيء، فما نصرته حيّاً، ولا تعصّبت له ميتاً، وما زالت الطائف دارك، تتبع البغايا، وتحيي أمر الجاهلية، وتميت الإسلام حتّى كان في أمس (ما كان).

                      وامّا اعتراضك في بني هاشم وبني أميّة، فهو ادعاؤك إلى معاوية، واما قولك في شأن الإمارة، وقول اصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقد ملك فرعون مصر اربعمائة سنة، وموسى وهارون عليهما السلام نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان، وهو ملك الله يعطيه البرّ والفاجر وقال الله عز وجل: (وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين) وقال: (وإذا اردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحقّ عليها القول، فدمّرناها تدميراً) .

                      ثم قام الحسن (عليه السلام) فنفض ثيابه، وهو يقول: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) هم والله يا معاوية: انت واصحابك هؤلاء وشيعتك (والطيبات للطيّبين والطيّبون للطيّبات أولئك مبرّؤون ممّا يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) هم عليّ بن أبي طالبٍ واصحابه وشيعته.

                      ثم خرج وهو يقول: (ذق وبال ما كسبت يداك، وما جنيت، وما قد أعدّ الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدّنيا والعذاب الأليم في الآخرة).

                      فقال معاوية لأصحابه: وانتم فذوقوا وبال ما قد جنيتم، فقال له الوليد بن عقبة: والله ماذقنا إلا كما ذقت، ولا اجترأ إلا عليك، فقال معاوية: ألم اقل لكم إنكم لن تنتصفوا من الرجل؟ فهل اطعتموني أول مرة، أو انتصرتم من الرجل اذ فضحكم، والله ما قام حتى أظلم عليّ البيت وهممت أن اسطو به، فليس فيكم خير، اليوم ولا بعد اليوم.

                      وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليٍّ (عليه السلام)، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت، فسألهم: ما الّذي بلغني عن الحسن وزعله؟ قالوا: قد كان ذلك، فقال لهم مروان: فهلا أحضرتموني ذلك، فوالله لأسبّنّه، ولأسبّنّ أباه، وأهل البيت سبّاً تغنّي به الإماء والعبيد، فقال معاوية، والقوم: لم يفتك شيء – وهم يعلمون من مروان بذر لسانٍ وفحش – فقال مروان: فأرسل اليه يا معاوية، فأرسل معاوية إلى الحسن بن عليٍّ عليهما السلام؛ فلما جاءه الرسول، قال له الحسن (عليه السلام): (ما يريد هذا الطاغية، منّي؟ والله لئن أعاد الكلام، لأوقرنّ مسامعه، ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة).

                      فأقبل الحسن (عليه السلام)، فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس، على حالتهم التي تركهم فيها، غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت فمشى الحسن (عليه السلام) حتّى جلس على السرير مع معاوية، وعمرو ابن العاص، ثم قال الحسن (عليه السلام) لمعاوية: لم أرسلت إليّ؟ قال: لست انا أرسلت اليك، ولكنّ مروان الذي أرسل اليك.

                      فقال مروان: انت يا حسن السباب رجال قريش؟ فقال: وما الذي أردت؟ فقال: والله لأسبّنّك واباك وأهل بيتك سبّاً تغنّي به الإماء والعبيد، فقال الحسن بن عليٍّ عليهما السلام: أمّا أنت يا مروان، فلست أنا سببتك ولا سببت أباك، ولكنّ الله عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك، وأهل بيتك وذرّيّتك، وما خرج من صلب ابيك إلى يومِ القيامة على لسان نبيّه محمّد.

                      والله يا مروان: ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللعنة من رسول الله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروان بما خوّفك إلا طغياناً كبيراً، صدق الله وصدق رسوله، يقول: (والشجرة الملعونة في القرآن، ونخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً) وأنت يا مروان وذرّيتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن (عليه السلام) وقال: يا أبا محمّد ما كنت فحّاشاً، فنفض الحسن (عليه السلام) ثوبه، وقام وخرج، فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ وحزنٍ وسواد الوجوه.
                      راجع الاحتجاج ص 137 – 143، وقد نقل القصة بنحو آخر في تذكرة خواص الامة لسبط ابن الجوزي ص 114 – 116 واسندها إلى اهل السير، ثم شرح غريب ألفاظها من 116 – 119.

                      ونقل كثيراً من مثالب هؤلاء عن كتاب المثالب لهشام بن محمد الكلبي فراجع (البحار ج 44 – ص 70 – 86. الطبعة الحديثة).

                      ولمناقضات الحسن بن علي روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                      تعليق


                      • #26
                        الحسن ومناوئوه 2


                        حياة الإمام الحسن ج 2- 271 – 276 .
                        واجتمع معاوية مع بطانته، فجعل بعضهم يفخر على بعضٍ ويتطاول بالمآثر المكذوبة، فأراد معاوية أن يضحك عليهم فقال لهم: -

                        أكثرتم الفخر، فلو حضركم الحسن بن عليّ، وعبد الله بن عبّاسٍ لقصّرا من أعنّتكم ماطال.

                        فقال زياد لمعاوية: -

                        وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ ما يقومان لمروان بن الحكم في غرب منطقة، ولا لنا في بواذخنا، فابعث اليهما في غدٍ حتى تسمع كلامنا.

                        فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص مستشيراً.

                        ما تقول؟

                        فقال ابن العاص: إبعث إليهما غداً.

                        فلما كان من غدٍ بعث معاوية ابنه يزيد، إلى الإمام الحسن وعبد الله ابن عبّاس. فأتياه فلمّا استقر بهما المجلس، التفت اليهما معاوية، مبتدئاً: -

                        إني أجلّكما وأرفع قدركما عن المسامرة باللّيل، ولا سيّما أنت يا أبا محمّد، فإنك ابن رسول الله، وسيد شباب أهل الجنّة.

                        ثم قال ابن العاص:

                        يا حسن، إنّا قد تفاوضنا، فقلنا: إنّ رجال بني امية اصبر عند اللّقاء، وأمضى في الوغى، وأوفى عهداً، وأكرم خيماً، وامنع لما وراء ظهورهم، من بني عبد المطّلب.

                        ثم سكت. فقال مروان بن الحكم:

                        وكيف لا نكون كذلك، وقد قارعناكم فغلبناكم، وحاربناكم فملكناكم فان شئنا عفونا وإن شئنا بطشنا.

                        ولما سكت مروان، تكلّم زياد فقال:

                        ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله، ويجحدوا الخير في سلطانه نحن أهل الحملة في الحروب، ولنا الفضل على سائر النّاس قديماً وحديثاً.

                        فقال الإمام (عليه السلام): -

                        ليس من العجز أن يصمت الرجل عند إيراد الحجّة، ولكن من الإفك أن ينطق الرجل بالخنا، ويصوّر الباطل بصورة الحقّ.

                        ثم وجّه (عليه السلام) خطابه إلى عمرو بن العاص فقال له: -

                        يا عمرو، افتخاراً بالكذب، وجرأةً على الإفك؟ مازلت أعرف مثالبك الخبيثة، أبديها مرةً وأمسك عنها أخرى، فتأبى إلا انهماكاً في الضّلالة، أتذكر مصابيح الدّجى، واعلام الهدى، وفرسان الطّراد، وحتوف الأقران، وأبناء الطّعان، وربيع الضّيفان، ومعدن النّبوة، ومهبط العلم؟ وزعمتم أنّكم أحمى لما وراء ظهوركم، وقد تبيّن ذلك يوم بدرٍ حين نكصت الأبطال، وتساورت الأقران واقتحمت اللّيوث، واعتركت المنية، وقامت رحاها على قطبها، وافترّت عن نابها، وطار شرار الحرب، فقتلنا رجالكم ومن النبيّ على ذراريكم، فكنتم لعمري في ذلك اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم، من بني عبد المطلّب.

                        ثم التفت إلى مروان، فقال له: -

                        وأمّا انت يا مروان، فما أنت والإكثار في قريشٍ وانت طليق، وأبوك طريد، يتقلّب من خزايةٍ إلى سوأة، ولد جيء بك إلى أمير المؤمنين، فلمّا رأيت الضرغام قد دميت براثنه، واشتبكت انيابه، كنت كما قال القائل: -

                        ليث إذا سمع الليوث زئيره بصبصن ثم قذفن بالأبعار

                        فلمّا منّ عليك بالعفو، وأرخى خناقك بعد ما ضاق عليك، وغصصت بريقك، لم تقعد معنا مقعد أهل الشّكر، ولكن تساوينا وتجارينا ونحن مما لا يدركنا عار ولا يلحقنا خزاية.

                        ثم وجّه (عليه السلام) خطابه إلى زيادٍ فقال له: -

                        وما أنت يا زياد وقريشاً؟ لا أعرف لك فيها أديماً صحيحاً، ولا فرعاً نابتاً، ولا قديماً ثابتاً، ولا منبتاً كريماً، بل كانت امّك بغيّاً، تداولها رجال قريشٍ وفجّار العرب، فلمّا ولدت، لم تعرف لك العرب والداً، فادّعاك هذا – وأشار إلى معاوية – بعد ممات أبيه، مالك افتخار، تكفيك سميّة، ويكفينا رسول الله وأبي عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام): سيد المؤمنين، الذي لم يرتدّ على عقبيه، وعمّي حمزة سيد الشّهداء، وجعفر الطيّار، وأنا وأخي سيّدا شباب أهل الجنّة.

                        ثمّ انعطف على ابن عباسٍ قائلاً: -

                        يا ابن العمّ، إنما هي بغاث الطيّر انقضّ عليها أجدل.

                        وأراد ابن عبّاسٍ أن يتكلم، فخاف معاوية من حديثه، فأقسم عليه أن يسكت، فسكت.

                        ثم خرج الإمام وابن عباس، فالتفت معاوية إلى بطانته مستهزئاً بهم:

                        - أجاد عمرو الكلام لولا أنّ حجته دحضت، وتكلم مروان، لولا أنه نكص، ثم التفت إلى زياد، فأنكر عليه هذا التّدخّل قائلاً: -

                        ما دعاك إلى محاورته، ما كنت إلاّ كالحجل في كفّ البازي؟

                        فقال ابن العاص لمعاوية: -

                        _ ألا رميت من ورائنا؟

                        فردّ عليه معاوية: -

                        - إذاً كنت شريككم في الجهل، افاخر رجلاً رسول الله جدّه، وهو سيّد من مضى ومن بقي، وامّه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين.

                        ثم التفت إلى ابن العاص: -

                        - والله لئن سمع به أهل الشام لهي السّوءة السوآء.

                        فقال عمرو: -

                        - لقد أبقى عليك ولكنّه طحن مروان وزياداً طحن الرّحى بثفالها، ووطأهما وطء البازل القراد بمنسمه.

                        فقال زياد: -

                        - قد والله فعل، ولكنّ معاوية يأبى الا الإغراء بيننا وبينهم، لا جرم والله لا شهدت مجلساً يكونان فيه، إلا كنت معهما على من فاخرهما.

                        وخلص ابن عبّاسٍ بالإمام، فقبّل ما بين عينيه وأظهر الاعجاب بحديثه، وردّه على القوم قائلاً: -

                        _ أفديك يا بن العمّ، والله ما زال بحرك يزخر، وأنت تصول حتى شفيتني من أولاد البغايا.

                        ولمناقضات من له هيبة جده رسول الله (ص) روحي لهم الفداء بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                        تعليق


                        • #27
                          الحسن ومناوئوه 3



                          المحاسن والمساوىء للبيهقي ج 1 – ص 58 – 61.

                          المحاسن والأضداد للجاحظ، ص 92 – 94.

                          حياة الإمام الحسن ج 2 – ص 277 – 279.


                          دخل الإمام يوماً على معاوية، وكان عنده عبد الله بن الزّبير، فقال له معاوية – مغرياً إياه بمطاولة الإمام: -

                          - لو افتخرت على الحسن، فإنك ابن حواريّ رسول الله وابن عمّته، ولأبيك في الإسلام نصيب وافر.

                          فقال ابن الزبير: -

                          - أنا له.

                          حتى اذا استوى المجلس بالإمام انبرى اليه ابن الزبير قائلاً: -

                          - لولا أنّك خوّار في الحرب غير مقدام، ما سلّمت لمعاوية الأمر، وكنت لا تحتاج إلى اختراق السّهوب، وقطع المفاوز، تطلب معروفه، وتقوم ببابه، وكنت حرياً أن لا تفعل ذلك، وأنت ابن عليّ في باسه ونجدته، فما أدري ما الذي حملك على ذلك؟ أضعف في الرّأي، أم وهن ونحيزة، فما أظنّ لك مخرجاً من هاتين الخلّتين، أما والله لو استجمع لي ما استجمع لك، لعلمت: أني ابن الزّبير، وأني لا أنكص عن الأبطال وكيف لا أكون كذلك، وجدّتي صفية بنت عبد المطّلب، وأبي الزبير، من حواري رسول الله، وأشدّ الناس بأساً، وأكرمهم حسباً في الجاهلية وأطوعهم لرسول الله.

                          فقال له الإمام: -

                          - أما والله لولا أنّ بني أمية تنسبني إلى العجز عن المقال لكففت عنك تهاوناً، ولكن سأبيّن لك ذلك لتعلم: أني لست بالعيّ، ولا الكليل اللّسان، إيّاي تعيّر، وعليّ تفتخر، ولم يكن لجدّك بيت في الجاهليّة، ولا مكرمة، فزوجته جدّتي صفية بنت عبد المطّلب، فبذخ على جميع العرب بها، وشرف بمكانها، فكيف تفاخر من هو من القلادة واسطتها ومن الأشراف سادتها، نحن اكرم اهل الأرض زنداً، لنا الشرف الثاقب والكرم الغالب، ثم تزعم: اني سلّمت الأمر، فكيف يكون ذلك ويحك هكذا؟ وأنا ابن أشجع العرب، وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين وخيرة الإماء، لم افعل ذلك ويحك جبناً ولا ضعفاً، ولكنه بايعني مثلك وهو يطلبني بترة، ويداجيني المودّة، ولم أثق بنصرته لأنكم اهل بيت غدر، وكيف لا يكون كما أقول؟ وقد بايع ابوك امير المؤمنين، ثم نكث بيعته، ونكص على عقبيه، واختدع حشيّةً من حشايا رسول الله ليضلّ بها النّاس، فلما دلف نحو الأعنّة، وراى بريق الأسنّة، قتل مضيعة لا ناصر له، وأتي بك أسيراً، قد وطأتك الكماة بأظلافها، والخيل بسنابكها واعتلاك الأشتر، فغصصت بريقك، وأقعيت على عقيبك كالكلب اذا احتوشه الليّوث، فنحن ويحك نور البلاد وأملاكها، وبنا تفخر الأمّة وإلينا تلقى مقاليد الأمة، أتصول وانت تختدع النّساء؟ ثم تفخر على بني الأنبياء، لم تزل الاقاويل منّا مقبولة، وعليك وعلى ابيك مردودة، دخل الناس في دين جدّي طائعين وكارهين، ثم بايعوا امير المؤمنين، فسار إلى ابيك وطلحة، حين نكثا البيعة، وخوى عرس رسول الله، فقتل أبوك وطلحة، وأتي بك أسيراً، فبصبصت بذنبك، وناشدته الرّحم ان لا يقتلك فعفا عنك، فأنت عتاقة أبي، وأنا سيّدك وسيّد أبيك، فذق وبال أمرك).

                          فسكت ابن الزبير وخجل، فأردف الإمام: -

                          اعذر يا ابا محمّد، فإنما حملني على محاورتك هذا – واشار إلى معاوية – فهلاّ إذ جهلت امسكت عنّي، فانكم اهل بيتٍ سجيتكم الحلم والعفو.

                          ثم التفت الإمام إلى معاوية قائلاً: -

                          أنظر هل أكيع عن محاورة أحد، ويحك أتدري من ايّ شجرةٍ أنا، وإلى من أنتمي؟ إنته قبل أن أسمك بميسمٍ تتحدّث به الرّكبان في الآفاق والبلدان.

                          فقال ابن الزبير:

                          هو لذلك أهل.

                          فقال له معاوية:

                          أما إنه قد شفا بلابل صدري منك، ورمى مقتلك، فصرت كالحجل في كفّ البازي، يتلاعب به كيف أراد، فلا أراك تفتخر على أحدٍ بعدها.

                          ولمناقضات السبط الأول روحي فداه بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                          تعليق


                          • #28
                            الحسن ومناوئوه 4


                            البحار ج 44 – ص 105 – 106 محمد باقر المجلسي
                            قال مروان بن الحكم، للحسن بن عليٍّ عليهما السلام بين يدي معاوية: -

                            أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن! ويقال إنّ ذلك من الخرق.

                            فقال (عليه السلام): -

                            ليس كما بلغك، ولكنّا معشر بني هاشمٍ طيّبة أفواهنا، عذبة شفاهنا، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ، وانتم معشر بني أمية، فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواهنّ وانفاسهنّ إلى أصداغكم، فإنما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك.

                            قال مروان:

                            أما إنّ فيكم يا بني هاشمٍ خصلة (سوء) .

                            قال: وماهي؟

                            قال: الغلمة.

                            قال: أجل نزعت من نسائنا، ووضعت في رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالكم، ووضعت في نسائكم، فما قام لأمويّةٍ إلا هاشميّ.

                            ثم خرج يقول: -

                            ومارست هذا الدهر خمسين حجّةً *** وخمساً أرجّي قابلاً بعد قابل

                            فما أنا في الدّنيا بلغت جسيمها *** ولا في الّذي أهوى كدحت بطائل

                            فقد أشرعتني في المنايا أكفّها *** وأيقنت أنّي رهن موتٍ معاجل

                            الحسن و مناوئوه 5


                            (أ) البحار ج 44 – ص 102 – 103 محمد باقر المجلسي.

                            (ب) حياة الإمام الحسن ج 2- ص 281 – 283، عن مناقب بن شهر آشوب والعقد الفريد.

                            وتحدّث الإمام (عليه السلام) في مجلس معاوية، عن فضله وشرف نسبه وعلوّ منزلته، قائلاً: -

                            قد علمت قريش بأسرها: أنّي منها في عزّ أرومتها، لم أطبع على ضعف، ولم أعكس على خسف، أعرف بشبهي، وأدعى لأبي.

                            فاغتاظ ابن العاص وقال: -

                            قد علمت قريش: أنّك من أقلّها عقلاً، وأكثرها جهلاً، وانّ فيك خصالاً لولم يكن فيك إلا واحدة منهنّ لشملك خزيها كما شمل البياض الحالك، لعمرو الله لتنتهين عما أراك تصنع، أو لأكبسنّ لك حافةً كجلد العائط، أرميك من خللها، بأحرّ من وقع الأثافي، أعرك منها اديمك عرك السّلعة، فإنّك طالما ركبت صعب المنحدر، ونزلت في اعراض الوعر، التماساً للفرقة وإرصاداً للفتنة، ولن يزيدك الله إلا فظاعة.

                            فردّ عليه الإمام قائلاً: -

                            أما والله لو كنت تسمو بحسبك، وتعمل برأيك، ما سلكت فجّ قصد، ولا حللت رابية مجد، وأيم الله لو أطاعني معاوية لجعلك بمنزلة العدوّ الكاشح، فإنّه طالما طويت على هذا كشحك، وأخفيته في صدرك وطمع بك الرجاء إلى الغاية القصوى، التي لا يورق لها غصنك، ولا يخضرّ لها مرعاك، أما والله ليوشكنّ يابن العاص، أن تقع بين لحي ضرغامٍ من قريش، قويّ ممتنع، فروسٍ ذي لبد، يضغطك ضغط الرّحا للحب، لا ينجيك منه الرّوغان، إذا التقت حلقتا البطان.

                            فقال ابن العاص: -

                            - يا حسن، أزعمت أنّ الدين لا يقوم إلا بك وبأبيك؟ فلقد رأيت الله عز وجل أقامه بمعاوية، فجعله راسياً بعد ميله، وبيّناً بعد خفائه، أفرضي الله قتل عثمان؟ أم من الحقّ أن تدور بالبيت، كما يدور الجمل بالطّحين، عليك ثياب كغرقىء البيض، وأنت قاتل، عثمان؟ والله إنّه لا ألمّ للشّعث وأسهل للوعث، أن يوردك معاوية حياض أبيك.

                            فقال الإمام: -

                            - إنّ لأهل النّار علاماتٍ يعرفون بها وهي: الإلحاد لأولياء الله، والموالاة لأعداء الله، والله إنّك لتعلم أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يتريّب في الأمر، ولم يشكّ في الله طرفة عين، وايم الله لتنتهينّ يابن امّ عمرو أو لأنفذنّ حضنيك، بنوافذ أشدّ من الأقضية، أو لأقرعنّ جبينك بكلام، تبقى سمته عليك ما حييت، فإياك والا براز عليّ، فإني من قد عرفت، لست بضعيف الغميزة، ولا بهشّ المشاشة، ولا بمريء المأكلة، واني من قريشٍ كواسطة القلادة، يعرف حسبي، ولا أدعى لغير أبي وأنت تعلم ويعلم النّاس وتحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزّارها: الأمهم حسباً وأظهرهم لؤماً، فإياك عني فإنك رجس، ونحن أهل بيت الطّهارة، أذهب الله عنّا الرّجس، وطهّرنا تطهيراً.
                            فأفحم عمرو واكتأب.
                            شرح ابن ابي الحديد ج / 4 ص/ 10 المحاسن والمساوىء ج /1 ص/ 65،.


                            ولمناقضات ثاني الأئمة المعصومين روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                            تعليق


                            • #29
                              الحسن ومناوئوه 6


                              المحاسن والمساوىء للبيهقي ج 1- ص 63 – 65
                              ودخل الإمام الحسن (عليه السلام) على معاوية، فلمّا رآه قابله بحفاوة وتكريم، فاستاء مروان وقال له: -

                              - يا حسن، لولا حلم امير المؤمنين، وما قد بنى له آباؤه الكرام من المجد والعلا، ما أقعدك هذا المقعد، ولقتلك، وأنت له مستوجب بقودك الجماهير، فلما أحسست بنا، وعلمت أن لا طاقة لك بفرسان أهل الشام، وصناديد بني أميّة، أذعنت بالطّاعة، واحتجزت بالبيعة، وبعثت تطلب الأمان، أما والله لولا ذلك لأريق دمك، وعلمت أنّا نعطي السيوف حقّها عند الوغى، فاحمد الله إذ ابتلاك بمعاوية، فعفا عنك بحكمه، ثم صنع بك ما ترى!!.

                              فردّ عليه الإمام: -

                              ويحك يا مروان! لقد تقلّدت مقاليد العار في الحروب عند مشاهدتها والمخاذلة عند مخالطتها، نحن – هبلتك الهوابل! - لنا الحجج البوالغ، ولنا إن شكرتم عليكم النّعم السّوابغ، ندعوكم إلى النّجاة، وتدعوننا إلى النّار، فشتان ما بين المنزلتين، تفخر ببني امية، وتزعم أنهم صبر في الحروب، أسد عند اللّقاء، ثكلتك أمّك، اولئك البهاليل السّادة، والحماة الذّادة، والكرام القادة، بنو عبد المطّلب، أما الله لقد رأيتهم وجميع من في هذا البيت، ما هالتهم الأهوال، ولم يحيدوا عن الأبطال، كالليوث الضّارية الباسلة الحنقة، فعندها وليّت هارباً، وأخذت أسيراً، فقلدت قومك العار لأنك في الحروب خوّار، أيراق دمي زعمت؟!! أفلا أرقت دم من وثب على عثمان في الدّار، فذبحه كما يذبح الجمل؟ وأنت تثغو ثغاء النّعجة!! وتنادي بالويل والثّبور، كالأمة اللّكعاء، ألا دفعت عنه بيدٍ أو ناضلت عنه بسهم؟! لقد ارتعدت فرائصك!! وغشي بصرك، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربّه، فأنجيتك من القتل، ومنعتك منه، ثم تحثّ معاوية على قتلي؟ ولو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفّان، أنت معه اقصر يداً، وأضيق باعاً، وأجبن قلباً من أن تجسر على ذلك، ثم تزعم أنّي ابتليت بحلم معاوية، أما والله لهو أعرف بشأنه، وأشكر لما وليّناه هذا الأمر، فمتى بداله، فلا يغضينّ جفنه على القذى معك، فوالله لأعقبن أهل الشام بجيش، يضيق عنه فضاؤها، ويستأصل فرسانها ثم لا ينفعك عند ذلك الهرب والزّوغان، ولا يردّ عنك الطلب تدريجك الكلام، فنحن من لا يجهل آباؤنا القدماء الأكابر، وفروعنا السادة الأخيار، انطق إن كنت صادقاً.

                              فقال ابن العاص مستهزئاً بمروان: -

                              ينطق بالخنا، وتنطق بالصّدق. ثم أنشأ يقول: -

                              قد يضرط العيروالمكواة تأخذه *** لا يضرط العير والمكواة في النّار

                              ذُق وبال أمرك يا مروان.

                              وصاح معاوية بمروان: -

                              قد كنت نهيتك عن هذا الرجل، وأنت تأبي إلاّ انهماكاً فيما لا يعنيك، اربع على نفسك فليس أبوك كأبيه، ولا أنت مثله، أنت ابن الطريد الشريد، وهو ابن رسول الله الكريم، ولكن ربّ باحثٍ عن حتفه وحافرٍ عن مديته.

                              وانتفخت أوداج مروان غضباً وغيظاً، فاندفع نحو معاوية قائلاً: -

                              ارم من دون بيضتك، وقم بحجّة عشيرتك.

                              ثم التفت إلى ابن العاص: -

                              وطعنك أبوه، فوقيت نفسك بخصييك، فلذلك تحذره.

                              ثم قام وخرج حنقاً، فقال معاوية: -

                              لا تجار البحور فتغمرك، ولا الجبال فتبهرك.

                              ولمناقضات الحسن الزكي روحي فداه بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                              تعليق


                              • #30
                                الحسن ومناوئوه 7

                                أ) البحار ج 44 ص 93 – 95، محمد باقر المجلسي.
                                (ب) الاحتجاج للطبرسي.
                                وفد الحسن بن عليٍّ عليهما السلام على معاوية، فحضر مجلسه واذا عنده مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، ففخر كلّ رجلٍ منهم على بني هاشم فوضعوا منهم، وذكروا أشياء ساءت الحسن (عليه السلام) وبلغت منه، فقال الحسن بن عليّ عليهما السلام: -

                                أنا شعبة من خير الشّعب، آبائي أكرم العرب، لنا الفخر والنّسب والسماحة عند الحسب، من خير شجرةٍ أنبتت فروعاً نامية، وأثماراً زاكية وأبداناً قائمة، فيها أصل الإسلام، وعلم النبوّة، فعلونا حين شمخ بنا الفخر واستطلنا حين امتنع منا العز، بحور زاخرة لا تنزف، وجبال شامخة لا تقهر.
                                فقال مروان: -
                                مدحت نفسك، وشمخت بأنفك، هيهات يا حسن، نحن والله الملوك السّادة، والأعزة القادة، لا ننحجز فليس لك مثل عزّنا، ولا فخر كفخرنا. ثم أنشأ يقول: -
                                ستفنينا أنفساً طابت وقورا *** فنالت عزّها فيمن يلينا

                                وأبنا بالغنيمة حيث أبنا *** وأبنا بالملوك مقرّبينا
                                ثم تكلم المغيرة بن شعبة فقال: -
                                نصحت لأبيك فلم يقبل النّصح، لولا كراهية قطع القرابة، لكنت في جملة أهل الشّام، فكان يعلم أبوك أني أصدر الوراد عن مناهلها بزعارة قيس، وحلم ثقيفٍ وتجاربها للامور على القبائل.
                                فتكلّم الحسن (عليه السلام) فقال:
                                يا مروان أجبناً وخوراً، وضعفاً وعجزاً؟ أتزعم أني مدحت نفسي وأنا ابن رسول الله وشمخت بأنفي، وأنا سيّد شباب أهل الجنّة؟ وإنّما يبذخ ويتكبّر ويلك – من يريد رفع نفسه، ويتبجّح من يريد الإستطالة، فأما نحن فأهل بيت الرّحمة، ومعدن الكرامة، وموضع الخيرة، وكنز الإيمان، ورمح الإسلام، وسيف الدّين، ألا تصمت ثكلتك أمّك، قبل أن أرميك بالهوائل، وأسمك بميسمٍ تستغني به عن اسمك.

                                فأمّا إيابك بالنّهاب والملوك، أفي اليوم الّذي ولّيت فيه مهزوماً وانحجزت مذعوراً، فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته، قبحاً لك، ما أغلظ جلدة وجهك!
                                فنكس مروان رأسه، وبقي المغيرة مبهوتاً، فالتفت إليه الحسن (عليه السلام) فقالك-
                                (يا) أعور ثقيف! ما أنت من قريشٍ فأفاخرك، أجهلتني يا ويحك وأنا ابن خير الآباء، وسيدة النّساء، غذّانا رسول الله بعلم الله تبارك وتعالى، فعلّمنا تأويل القرآن ومشكلات الأحكام، لنا العزة الغلباء، والكلمة العلياء، والفخر والسناء، وأنت من قومٍ لم يثبت لهم في الجاهلية، نسب، ولا لهم في الإسلام نصيب، عبد آبق ماله والافتخار عند مصادمة الليّوث، ومجاحشة، الأقران، نحن السّادة، ونحن المذاويد القادة، نحمي الذّمار، وننفي عن ساحتنا العار، وانا ابن نجيبات الأبكار.

                                ثمّ أشرت – زعمت بخير وصيّ خير الأنبياء؟ كان هو بعجزك أبصر، وبخورك أعلم، وكنت للردّ عليك منه أهلاً، لو غرّك في صدرك وبدو الغدر في عينك، هيهات لم يكن ليتّخذا المضلّين عضداً[لما قتل عثمان وبايع الناس علياً، دخل المغيرة بن شعبة فقال: يا امير المؤمنين ان لك عندي نصيحة، قال: وماهي؟ قال: ان اردت ان يستقيم لك الامر فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة، والزبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية بعده على الشام حتى تلزمه طاعتك، فاذا استقرت لك الخلافة فأدركها كيف شئت برأيك، فلم يقبل (عليه السلام) عنه ذلك، وقال: ان اقررت معاوية على ما في يده، كنت متخذ المضلين عضدا. راجع الاستيعاب بذيل الاصابة ج 3- ص 271.] وزعمت لو أنّك كنت بصفّين بزعارة قيس، وحلم ثقيف، فيماذا ثكلتك أمّك! أبعجزٍ عند المقامات، وفرارك عند المجاحشات؟ أما والله لو التفّت عليك من أمير المؤمنين الأشاجع، لعلمت أنه لا يمنعه منك الموانع، ولقامت عليك المرنات الهوالع.

                                وأمّا زعارة قيس، فما أنت وقيساً؟ إنما أنت عبد آبق، فتسمّى ثقيفاً فاحتل لنفسك من غيرها، فلست من رجالها، أنت بمعالجة الشّرك، وموالج الزرائب، أعرف منك بالحروب، فأيّ الحلم عند العبيد القيون.
                                ثم تمنّيت لقاء أمير المؤمنين (عليه السلام) فذاك من قد عرفت، أسد باسل، وسمّ قاتل، لا تقاومه الأبالسة، عند الطّعن والمخالسة، فكيف ترومه الضّبعان، وتناوله الجعلان بمشيتها القهقرى، وأمّا وصلتك فمنكولةوقرابتك فمجهولة، وما رحمك منه، إلا كنبات الماء من خشفان الظبّا، بل أنت أبعد منه نسبئاً.
                                فوثب المغيرة، والحسن (عليه السلام) يقول:
                                عذرنا من بني أميّة أن تجاورنا بعد مناطقة القيون، ومفاخرة العبيد.
                                فقال معاوية:
                                ارجع يا مغيرة! هؤلاء بنو عبد مناف، لا تقاومهم الصّناديد، ولا تفاخرهم المذاويد.
                                ثم أقسم على الحسن (عليه السلام) بالسكوت، فسكت.
                                ولمناقضات سيد شباب أهل الجنة روحي فداه بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
                                ردود 119
                                18,092 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
                                استجابة 1
                                100 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
                                استجابة 1
                                71 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
                                ردود 2
                                156 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
                                استجابة 1
                                160 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                يعمل...
                                X