شهيد المحراب
قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج عليِّ بن أبي طالب...
تنهد بهم الحياة، موزعين على
مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين، وهم على
قلتهم، كالأعمدة تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك،
لتومض من فرق مشارفها قبب المنائر.
وإنهم في كل ذلك كالرَّواسي، تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السُّحب لتعكسها من مصافيها على
السفوح خيرات رقيقة، رفيقة عذبة المدافق.
ومن بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب في هالة من رسالة وفي ظلِّ من نبوة، فاضتا
عليه انسجاماً واكتمالاً كما احتواهما لوناً وإطاراً.
وهكذا توفرت السانحة لتخلق في أكلح ليل طالت دجيته على عصر من عصور الإنسان فيه من
الجهل والحيف ما يضم ويذل.. رجلاً تزاخرت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا، لا يمكن أن
يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصافِّ العباقرة.
وهكذا الدخول إلى هذه الشخصية ليس أقل حرمة من الولوج إلى المحراب، وإني أدرك الصعوبة
في كل محاولة أقوم بها في سبيل جعل الحرف يطيع لتصوير هذا الوجه الكريم، لأن التصوير يهون
علية أن يلتقط بالأشكال والأعراض، في حين يدق عليه أن يتقصىّ ما خلف الأعراض من معانٍ وألوان.
وعلي بن أبي طالب هو بتلك الألوان أكثر مما هو بتلك الأعراض، وإنه عصيّ على الحرف بتصويره
بقدر ما هو قصيّ عليه بمعانيه.
فهو لم يأت دنياه بمثل ما يأتيها العاديُّون من الناس، جماعات جماعات. يأتي الناس دنياهم يقضون
فيها لبانات العيش ثم عنها بحكم المقدَّر يرتحلون لا تغمرهم بعد آجالهم إلاّ موجة النسيان.. أما
هو، فلقد أتى دنياه، أتاها وكأنه أتى بها.. ولما أتت عليه بقي وكأنه أتى عليها.
الحقيقة، إن بطولته هي التي كانت من النوع الفريد، وهي التي تقدر أن تقتلع ليس فقط بوابة
(حصن خيبر) بل حصون الجهل برمتها، إذ تتعاجف لياليها على عقل الإنسان.
كل ذلك لأخلُص إلى القول أنَّه يكون من باب الفضاضة أن نربط عبقرية رجل كعلي بن أبي طالب
بخيوط الأحداث التي بعثرتها حوله ظروف كئيبة كما تبعثر الريح في الجو بعض الغيوم.
فالأحداث التي مرَّت على جانبيه لم يكن لها أي شأن في تغيير جوهر ذلك المعدن الذي انغلقت
عليه شخصيته الفذَّة، كالغيوم عينها التي تتغشى بها صفحة الفضاء لا يمكنها بحال من الأحوال
أن تطفئ الشمس. وبالتالي إن هذه الأحداث ليست غير أشكال وأعراض، ومهما تتكثّف ومهما
يكثّفها المغرضون، فإنَّ جوهر ابن أبي طالب يلبث خلفها كما تلبث الشمس خلف الغمام.
ومن هنا: إن كل قول في علي بن أبي طالب يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثاً له قيمة
السرد، ويبقى حروفاً مقفلة لا تنفذ إليها ألوان المعاني.
أما إذا كان علي بن أبي طالب قد حصره التجوال لفترة قصيرة من الزمن بين البصرة والكوفة أو بين
مكة والمدينة. فإن ذلك لم يمنع كونه أبداً ذلك العدّاء الذي كانت مواقع خطواته أبعد من محط هذه الأماكن.
وهكذا لا تزال الدنيا بأجيالها تغرف الطيب من أفاويهك، يا أيها الوجه الكريم من سنا ريَّك.
هذه مقدمة عن حيلة الامير
ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام
قال المفيد قدس سرّه: (ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة
ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله تعالى
جلّ اسمه له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم)
وهذا قول أكثر المؤرخين وأرباب السير في مصنفاتهم من الشيعة والسنة، قال عبد الباقي العمري
أنــــت العـــلي فوق العلى رفعــا ببطن مـكة وسط البيت إذ وضعا
نسبه
هو علي بن أبي طالب (واسمه عمران وقيل: عبد مناف) بن عبد المطلّب (واسمه شيبة الحمد)
بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي، بن كلاب، بن مرّة، بن لؤي،
ابن غالب، بن فهر بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن مضر، بن نزار بن معدّ بن عدنان.
أورد النقدي عن الأصبغ بن نباتة، قال: (سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: والله ما عبد
أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم، ولا عبد مناف صنماً قطّ! قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا
يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسكين به
أسماؤه وكناه
معنى أبي تراب
عن عَباية بن رِبعي، قال: قلت: لعبد الله بن العباس لم كنّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا
تراب؟ قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها وإليه سكونها، ولقد
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعدّ الله تبارك
وتعالى لشيعة عليّ من الثواب والزُّلفى والكرامة قال: يا ليتني كنت تراباً(41). أي يا ليتني كنت
من شيعة عليّ. وذلك قول الله عز وجلّ: (ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً)
(أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب)
معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام)
أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب)
1 ـ عن الحسن البصري، قال: صعد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) المنبر
فقال: أيّها الناس أنسبوني، من عرفني فلينسبني وإلاّ فأنا أنسب نفسي، أنا زيد بن عبد مناف
بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب، فقام إليه ابن الكوّاء فقال: يا هذا ما نعرف لك نسباً
غير أنك عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب، فقال له:
يا لكع إن أبي سماني (زيداً) باسم جده (قصي) وإن اسم أبي (عبد مناف) فغلبت الكنية على
الاسم، وإن اسم عبد المطلب (عامر) فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم (عمرو) فغلب
اللقب على الاسم، واسم عبد مناف (المغيرة) فغلب اللقب على الاسم، واسم قصي (زيد)
فسمّته العرب مجمعاً لجمعه إياها من البلد الأقصى إلى مكة فغلب اللقب على الاسم، قال:
ولعبد المطلب عشرة أسماء، منها: عبد المطلب، وشيبة، وعامر.
زوجاته وابنائه ع
ابنائه
الامام الحسن ع
الامام الحسين ع
محمد بن الحنفية
العباس بن علي ع
السيدة زينب ع
السيدة ام كلثوم ع
السيدة سكينة ع
زوجاته ع
فاطمة الزهراء ع
فاطمة ام البنين ع
حكمه ع
لا يمكن حصر ما جاء من كلماته (عليه السلام) القصار، فقد ورد منها في النهج ما يناهز
الخمسمائة كلمة، وطبع الأديب اللبناني أمين الريحاني مائة كلمة له (عليه السلام) في كتاب
مستقل، وطبعت ألف كلمة من كلماته (عليه السلام) في كتاب خاص،وجمع آخرون ألفي كلمة له (عليه السلام) وطبعوها مؤخراً.
وهذه الكلمات القصار تحوي من الأخلاق والعرفان والآداب والعلوم ما لا تحويه مطولات الآخرين،
وفيها البلسم الناجع لأمراضنا الخلقية، والترياق المجرب لمشاكلنا الاجتماعية، وقد سجلنا في هذا الباب عدداً منها:
1- قال (عليه السلام): إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.
2- وقال (عليه السلام): من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
3- وقال (عليه السلام): من كفارات الذنوب العظام اغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
4- وقال (عليه السلام): يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذر.
5- وقال (عليه السلام): إذا كنت في إدبار، والموت في اقبال، فما أسرع الملتقى.
6- وقال (عليه السلام): اللسان سبع إن خلي عنه عقر.
7- وقال (عليه السلام): عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار.
8- وقال (عليه السلام): من أصلح بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس،ومن اصلح أمر آخرته اصلح الله له أمر دنياه،ومن كان له من نفسه وعظ كان عليه من الله حافظ.
9- وقال (عليه السلام): عظم الخالق عندك، يصغر المخلوق في عينك.
10- وقال (عليه السلام): يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
كرمه وسخائه عليه السلام
قصص
امير المؤمنين والفقير
في يوم من الايام دخل فقير مسجد رسول الله (ص) يطلب من المسلمين المعونة، وراح هذا
الفقير يسأل من في المسجد من الناس ليتصدقوا عليه بشي ولكنه لم يجد احدأ يساعده.
في هذه الاثناء كان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام يصلي في المسجد. ظل هذا الفقير
يسأل عن معونة ولا يجد من يساعده حتى انتبه الى الامام علي عليه السلام وهو يمد له يده
في اثناء الركوع كأنه يقول للفقير "خذ هذا الخاتم الذي في يدي" وبالفعل ذهب الفقير واخذ
الخاتم من يد الامام علي عليه السلام وقد كان مسرورا لانه وجد من يتصدق عليه.
عند ذاك انزل الله سبحانه وتعالى هذه الايات ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ )) (المائدة : 55-56 )، ففرح بها الامام علي عليه السلام لان الله تعالى قد كافأه بعمل
الخير هذا وجعله قائدا للناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله، يقودهم لفعل الخير لينالوا رضا
الله ويدخول الجنة برحمته.
الامام علي يفدي بروحه رسول الله (ص)
ظل رسول الله (ص) يدعوا اهل مكة الى الاسلام فترة من الزمن
فلم يستجب منهم الا اناس
قليلون. فعزم النبي على الرحيل الى يثرب حيث كان قد التقى سرا مع بعض اناسها من الاوس
والخزرج والذين قد دخلوا في الاسلام وعاهدوه على ان ينصروه. فلما علمت قريش بذلك قالت
انه اذا خرج من مكة فانه سيكون ذو شأن عظيم وقوة فأخذوا يخططون للقضاء عليه.فاجتمعوا في
دار الندوة واتفقوا على قتل الرسول وقرروا ان ينتخبوا من كل قبيلة رجلا يضربون الرسول ضربة رجل واحد.
عند ذلك نزل الامين جبرئيل (ع) واخبر الرسول (ص) بما يخطط له المشركون. فاتفق الرسول مع
ابن عمه علي بن ابي طالب (ع) على ان ينام في فراشه ويخرج هو سرا الى يثرب على ان
يلحق به بعد ان ينجز بعض الاعمال التي امره صلى الله عليه وآله بها.
وبالفعل رحب علي (ع) بالامر واتشح رداء رسول الله (ص) ونام في فراشه. ومع حلول الليل نظر
المشركون من ثقب في جدار بيت الرسول (ص) فوجدوا رداءه على الفراش فأيقنوا ان رسول الله
(ص) في الدار نائم على فراشه. فبقوا خارج الدار ينتظرون ساعة التنفيذ وقد كانت آخر الليل،
فأنزل الله تعالى النعاس عليهم فناموا فخرج رسول الله (ص) من الدار من امامهم وهو يتلو الاية
الكريمة ((وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)).
وعند الموعد انتبه المشركون فهجموا على الدار ووقفوا حول فراش رسول الله (ص) وعندما
ازاحوا الرداء عن وجهه ليطعنوه وجدوه عليا (ع) فغضبوا لانهم فشلوا في محاولتهم ، فسألوه عن
النبي (ص).
فقال : وما علمي به؟ أوهل جعلتموني حارسا عليه!.
فعادوا خائبين، ووصل الرسول (ص) الى جبل ثور بسلام ونجا من المشركين قأنزل الله تعالى
هذه الاية الكريمة تكريما للأمام علي عليه السلام:
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ))
وفاته عليه السلام
في عصر خلافة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام حدثت عدة حروب مع
بعض الذين كانوا يريدون الاستيلاء على الخلافة وهدم الاسلام. ونتيجة لهذه الحروب ظهرت
طائفة تسمى بالخوارج وهم فئة من المسلمين رفضوا اطاعة الامام علي عليه السلام.
وفي يوم من الايام اجتمع عدد من هذه الطائفة وقالوا يجب ان نقتل هؤلاء الطامعين ونقتل ايضا
الامام علي عليه السلام حتى نريح الناس منهم. فأتفقوا على تاريخ معين لقتل ثلاثة اشخاص
في ذلك اليوم وهؤلاء هم الامام علي عليه السلام ومعاوية ابن ابي سفيان وعمرو بن العاص.
وعندما حل ذلك اليوم كان ابن ملجم قد وصل الى مدينة الكوفة ينتظر ساعة الانطلاق.
وفي فجر يوم التاسع عشر من رمضان خرج الامام علي عليه السلام كعادته لمسجد الكوفة
ليؤذن ويصلي صلاة الصبح فلما اراد الخروج من بيته صاحت الاوزات التي كانت في البيت بوجهه
كأنها تقول له لا تخرج. فخرج الامام الى المسجد وبينما هو يصلي فاذا بأبن ملجم يتهيأ وكان قد
خبأ سيفه فلما سجد امير المؤمنين ضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف فشقه فصاح امير
المؤمنين فزت ورب الكعبة (لانه استشهد في بيت الله كما اخبره رسول الله (ص))، فهرب ابن
ملجم وصاح الامام لا يفوتكم !.
وكان الناس يبكون من شدة المصيبة وضجت المدينة بالصراخ والعويل والحزن الشديد وبينما هم
كذلك اقبل بعضهم ماسكا بأبن ملجم فأمرهم الامام علي عليه السلام بأن لا يؤذوه وان ينتظروا
فأن مات الامام بسبب ضربة ابن ملجم هذه فيقيموا عليه الحد (الحكم الاسلامي) واما اذا لم
يمت الامام بسببه فسينظر هو في امره.
انظروا كيف كان الامام حتى مع اعدائه عادلا.ولكنه عليه السلام بقي الى يوم الثاني والعشرون
واستشهد بسبب هذه الضربة وامر ولديه الحسن والحسين عليهما السلام ان يدفناه في الغري
(النجف الاشرف) حيث موضع قبر النبي آدم والنبي نوح عليهما السلام.
وهكذا فقدت الامة الاسلامية احد انبل واشجع الرجال بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واقرب الاشخاص اليه
انا اعرف ان هذا الرجل العظيم من المستحيل ان تحصى فضائله وكرمه في صفحة
او حتى مائة صفحة ولكن هذه قطرة في بحر من من حياته عليه افضل الصلاة والسلام
هذا والتمس منكم جميعا الدعاء
وقبل كل شيئ سيدي اقدم لك هذا العمل المتواضع وارجو القبول
قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج عليِّ بن أبي طالب...
تنهد بهم الحياة، موزعين على
مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين، وهم على
قلتهم، كالأعمدة تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك،
لتومض من فرق مشارفها قبب المنائر.
وإنهم في كل ذلك كالرَّواسي، تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السُّحب لتعكسها من مصافيها على
السفوح خيرات رقيقة، رفيقة عذبة المدافق.
ومن بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب في هالة من رسالة وفي ظلِّ من نبوة، فاضتا
عليه انسجاماً واكتمالاً كما احتواهما لوناً وإطاراً.
وهكذا توفرت السانحة لتخلق في أكلح ليل طالت دجيته على عصر من عصور الإنسان فيه من
الجهل والحيف ما يضم ويذل.. رجلاً تزاخرت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا، لا يمكن أن
يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصافِّ العباقرة.
وهكذا الدخول إلى هذه الشخصية ليس أقل حرمة من الولوج إلى المحراب، وإني أدرك الصعوبة
في كل محاولة أقوم بها في سبيل جعل الحرف يطيع لتصوير هذا الوجه الكريم، لأن التصوير يهون
علية أن يلتقط بالأشكال والأعراض، في حين يدق عليه أن يتقصىّ ما خلف الأعراض من معانٍ وألوان.
وعلي بن أبي طالب هو بتلك الألوان أكثر مما هو بتلك الأعراض، وإنه عصيّ على الحرف بتصويره
بقدر ما هو قصيّ عليه بمعانيه.
فهو لم يأت دنياه بمثل ما يأتيها العاديُّون من الناس، جماعات جماعات. يأتي الناس دنياهم يقضون
فيها لبانات العيش ثم عنها بحكم المقدَّر يرتحلون لا تغمرهم بعد آجالهم إلاّ موجة النسيان.. أما
هو، فلقد أتى دنياه، أتاها وكأنه أتى بها.. ولما أتت عليه بقي وكأنه أتى عليها.
الحقيقة، إن بطولته هي التي كانت من النوع الفريد، وهي التي تقدر أن تقتلع ليس فقط بوابة
(حصن خيبر) بل حصون الجهل برمتها، إذ تتعاجف لياليها على عقل الإنسان.
كل ذلك لأخلُص إلى القول أنَّه يكون من باب الفضاضة أن نربط عبقرية رجل كعلي بن أبي طالب
بخيوط الأحداث التي بعثرتها حوله ظروف كئيبة كما تبعثر الريح في الجو بعض الغيوم.
فالأحداث التي مرَّت على جانبيه لم يكن لها أي شأن في تغيير جوهر ذلك المعدن الذي انغلقت
عليه شخصيته الفذَّة، كالغيوم عينها التي تتغشى بها صفحة الفضاء لا يمكنها بحال من الأحوال
أن تطفئ الشمس. وبالتالي إن هذه الأحداث ليست غير أشكال وأعراض، ومهما تتكثّف ومهما
يكثّفها المغرضون، فإنَّ جوهر ابن أبي طالب يلبث خلفها كما تلبث الشمس خلف الغمام.
ومن هنا: إن كل قول في علي بن أبي طالب يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثاً له قيمة
السرد، ويبقى حروفاً مقفلة لا تنفذ إليها ألوان المعاني.
أما إذا كان علي بن أبي طالب قد حصره التجوال لفترة قصيرة من الزمن بين البصرة والكوفة أو بين
مكة والمدينة. فإن ذلك لم يمنع كونه أبداً ذلك العدّاء الذي كانت مواقع خطواته أبعد من محط هذه الأماكن.
وهكذا لا تزال الدنيا بأجيالها تغرف الطيب من أفاويهك، يا أيها الوجه الكريم من سنا ريَّك.
هذه مقدمة عن حيلة الامير
ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام
قال المفيد قدس سرّه: (ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة
ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله تعالى
جلّ اسمه له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم)
وهذا قول أكثر المؤرخين وأرباب السير في مصنفاتهم من الشيعة والسنة، قال عبد الباقي العمري
أنــــت العـــلي فوق العلى رفعــا ببطن مـكة وسط البيت إذ وضعا
نسبه
هو علي بن أبي طالب (واسمه عمران وقيل: عبد مناف) بن عبد المطلّب (واسمه شيبة الحمد)
بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي، بن كلاب، بن مرّة، بن لؤي،
ابن غالب، بن فهر بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن مضر، بن نزار بن معدّ بن عدنان.
أورد النقدي عن الأصبغ بن نباتة، قال: (سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: والله ما عبد
أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم، ولا عبد مناف صنماً قطّ! قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا
يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسكين به
أسماؤه وكناه
معنى أبي تراب
عن عَباية بن رِبعي، قال: قلت: لعبد الله بن العباس لم كنّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا
تراب؟ قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها وإليه سكونها، ولقد
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعدّ الله تبارك
وتعالى لشيعة عليّ من الثواب والزُّلفى والكرامة قال: يا ليتني كنت تراباً(41). أي يا ليتني كنت
من شيعة عليّ. وذلك قول الله عز وجلّ: (ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً)
(أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب)
معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام)
أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب)
1 ـ عن الحسن البصري، قال: صعد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) المنبر
فقال: أيّها الناس أنسبوني، من عرفني فلينسبني وإلاّ فأنا أنسب نفسي، أنا زيد بن عبد مناف
بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب، فقام إليه ابن الكوّاء فقال: يا هذا ما نعرف لك نسباً
غير أنك عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب، فقال له:
يا لكع إن أبي سماني (زيداً) باسم جده (قصي) وإن اسم أبي (عبد مناف) فغلبت الكنية على
الاسم، وإن اسم عبد المطلب (عامر) فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم (عمرو) فغلب
اللقب على الاسم، واسم عبد مناف (المغيرة) فغلب اللقب على الاسم، واسم قصي (زيد)
فسمّته العرب مجمعاً لجمعه إياها من البلد الأقصى إلى مكة فغلب اللقب على الاسم، قال:
ولعبد المطلب عشرة أسماء، منها: عبد المطلب، وشيبة، وعامر.
زوجاته وابنائه ع
ابنائه
الامام الحسن ع
الامام الحسين ع
محمد بن الحنفية
العباس بن علي ع
السيدة زينب ع
السيدة ام كلثوم ع
السيدة سكينة ع
زوجاته ع
فاطمة الزهراء ع
فاطمة ام البنين ع
حكمه ع
لا يمكن حصر ما جاء من كلماته (عليه السلام) القصار، فقد ورد منها في النهج ما يناهز
الخمسمائة كلمة، وطبع الأديب اللبناني أمين الريحاني مائة كلمة له (عليه السلام) في كتاب
مستقل، وطبعت ألف كلمة من كلماته (عليه السلام) في كتاب خاص،وجمع آخرون ألفي كلمة له (عليه السلام) وطبعوها مؤخراً.
وهذه الكلمات القصار تحوي من الأخلاق والعرفان والآداب والعلوم ما لا تحويه مطولات الآخرين،
وفيها البلسم الناجع لأمراضنا الخلقية، والترياق المجرب لمشاكلنا الاجتماعية، وقد سجلنا في هذا الباب عدداً منها:
1- قال (عليه السلام): إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.
2- وقال (عليه السلام): من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
3- وقال (عليه السلام): من كفارات الذنوب العظام اغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
4- وقال (عليه السلام): يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذر.
5- وقال (عليه السلام): إذا كنت في إدبار، والموت في اقبال، فما أسرع الملتقى.
6- وقال (عليه السلام): اللسان سبع إن خلي عنه عقر.
7- وقال (عليه السلام): عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار.
8- وقال (عليه السلام): من أصلح بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس،ومن اصلح أمر آخرته اصلح الله له أمر دنياه،ومن كان له من نفسه وعظ كان عليه من الله حافظ.
9- وقال (عليه السلام): عظم الخالق عندك، يصغر المخلوق في عينك.
10- وقال (عليه السلام): يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
كرمه وسخائه عليه السلام
قصص
امير المؤمنين والفقير
في يوم من الايام دخل فقير مسجد رسول الله (ص) يطلب من المسلمين المعونة، وراح هذا
الفقير يسأل من في المسجد من الناس ليتصدقوا عليه بشي ولكنه لم يجد احدأ يساعده.
في هذه الاثناء كان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام يصلي في المسجد. ظل هذا الفقير
يسأل عن معونة ولا يجد من يساعده حتى انتبه الى الامام علي عليه السلام وهو يمد له يده
في اثناء الركوع كأنه يقول للفقير "خذ هذا الخاتم الذي في يدي" وبالفعل ذهب الفقير واخذ
الخاتم من يد الامام علي عليه السلام وقد كان مسرورا لانه وجد من يتصدق عليه.
عند ذاك انزل الله سبحانه وتعالى هذه الايات ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ )) (المائدة : 55-56 )، ففرح بها الامام علي عليه السلام لان الله تعالى قد كافأه بعمل
الخير هذا وجعله قائدا للناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله، يقودهم لفعل الخير لينالوا رضا
الله ويدخول الجنة برحمته.
الامام علي يفدي بروحه رسول الله (ص)
ظل رسول الله (ص) يدعوا اهل مكة الى الاسلام فترة من الزمن
فلم يستجب منهم الا اناس
قليلون. فعزم النبي على الرحيل الى يثرب حيث كان قد التقى سرا مع بعض اناسها من الاوس
والخزرج والذين قد دخلوا في الاسلام وعاهدوه على ان ينصروه. فلما علمت قريش بذلك قالت
انه اذا خرج من مكة فانه سيكون ذو شأن عظيم وقوة فأخذوا يخططون للقضاء عليه.فاجتمعوا في
دار الندوة واتفقوا على قتل الرسول وقرروا ان ينتخبوا من كل قبيلة رجلا يضربون الرسول ضربة رجل واحد.
عند ذلك نزل الامين جبرئيل (ع) واخبر الرسول (ص) بما يخطط له المشركون. فاتفق الرسول مع
ابن عمه علي بن ابي طالب (ع) على ان ينام في فراشه ويخرج هو سرا الى يثرب على ان
يلحق به بعد ان ينجز بعض الاعمال التي امره صلى الله عليه وآله بها.
وبالفعل رحب علي (ع) بالامر واتشح رداء رسول الله (ص) ونام في فراشه. ومع حلول الليل نظر
المشركون من ثقب في جدار بيت الرسول (ص) فوجدوا رداءه على الفراش فأيقنوا ان رسول الله
(ص) في الدار نائم على فراشه. فبقوا خارج الدار ينتظرون ساعة التنفيذ وقد كانت آخر الليل،
فأنزل الله تعالى النعاس عليهم فناموا فخرج رسول الله (ص) من الدار من امامهم وهو يتلو الاية
الكريمة ((وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)).
وعند الموعد انتبه المشركون فهجموا على الدار ووقفوا حول فراش رسول الله (ص) وعندما
ازاحوا الرداء عن وجهه ليطعنوه وجدوه عليا (ع) فغضبوا لانهم فشلوا في محاولتهم ، فسألوه عن
النبي (ص).
فقال : وما علمي به؟ أوهل جعلتموني حارسا عليه!.
فعادوا خائبين، ووصل الرسول (ص) الى جبل ثور بسلام ونجا من المشركين قأنزل الله تعالى
هذه الاية الكريمة تكريما للأمام علي عليه السلام:
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ))
وفاته عليه السلام
في عصر خلافة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام حدثت عدة حروب مع
بعض الذين كانوا يريدون الاستيلاء على الخلافة وهدم الاسلام. ونتيجة لهذه الحروب ظهرت
طائفة تسمى بالخوارج وهم فئة من المسلمين رفضوا اطاعة الامام علي عليه السلام.
وفي يوم من الايام اجتمع عدد من هذه الطائفة وقالوا يجب ان نقتل هؤلاء الطامعين ونقتل ايضا
الامام علي عليه السلام حتى نريح الناس منهم. فأتفقوا على تاريخ معين لقتل ثلاثة اشخاص
في ذلك اليوم وهؤلاء هم الامام علي عليه السلام ومعاوية ابن ابي سفيان وعمرو بن العاص.
وعندما حل ذلك اليوم كان ابن ملجم قد وصل الى مدينة الكوفة ينتظر ساعة الانطلاق.
وفي فجر يوم التاسع عشر من رمضان خرج الامام علي عليه السلام كعادته لمسجد الكوفة
ليؤذن ويصلي صلاة الصبح فلما اراد الخروج من بيته صاحت الاوزات التي كانت في البيت بوجهه
كأنها تقول له لا تخرج. فخرج الامام الى المسجد وبينما هو يصلي فاذا بأبن ملجم يتهيأ وكان قد
خبأ سيفه فلما سجد امير المؤمنين ضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف فشقه فصاح امير
المؤمنين فزت ورب الكعبة (لانه استشهد في بيت الله كما اخبره رسول الله (ص))، فهرب ابن
ملجم وصاح الامام لا يفوتكم !.
وكان الناس يبكون من شدة المصيبة وضجت المدينة بالصراخ والعويل والحزن الشديد وبينما هم
كذلك اقبل بعضهم ماسكا بأبن ملجم فأمرهم الامام علي عليه السلام بأن لا يؤذوه وان ينتظروا
فأن مات الامام بسبب ضربة ابن ملجم هذه فيقيموا عليه الحد (الحكم الاسلامي) واما اذا لم
يمت الامام بسببه فسينظر هو في امره.
انظروا كيف كان الامام حتى مع اعدائه عادلا.ولكنه عليه السلام بقي الى يوم الثاني والعشرون
واستشهد بسبب هذه الضربة وامر ولديه الحسن والحسين عليهما السلام ان يدفناه في الغري
(النجف الاشرف) حيث موضع قبر النبي آدم والنبي نوح عليهما السلام.
وهكذا فقدت الامة الاسلامية احد انبل واشجع الرجال بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واقرب الاشخاص اليه
انا اعرف ان هذا الرجل العظيم من المستحيل ان تحصى فضائله وكرمه في صفحة
او حتى مائة صفحة ولكن هذه قطرة في بحر من من حياته عليه افضل الصلاة والسلام
هذا والتمس منكم جميعا الدعاء
وقبل كل شيئ سيدي اقدم لك هذا العمل المتواضع وارجو القبول
تعليق