بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأرحمنا بهم يا أرحم الراحمين
نقاش بين من يقول أن أبو طالب مات وهو مشرك والعياذ بالله
الموضوع طويل نوعا ما ولكنه يستحق القراءه ورحم والدين من شارك في هذا البحث
آباء وأجداد النبي(ص) والامام علي(ع)
كلهم كانوا مؤمنين بالله
أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيه (ص) : ( وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمة وهو من تعلمون مقامه من المفسرين ، قال : أي تقلبه (ص) من أصلاب الموحدين ، نبي إلى نبي ، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم .
وروى العلامة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره ، عن رسول الله (ص) قال : أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام المطهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قط .
وفي رواية أخرى قال (ص) : لم يدنسني بدنس الجاهلية .
وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال : وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدس سره ) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى ، قال (ص) : هو نور نبيك يا جابر ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها ، وجاء في آخرها : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة ، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ومبعوثا إلى كافة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين ، هذا كان بدء خلق نبيك يا جابر .
ثم قال القندوزي : وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره .
فقوله (ص) : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر ، دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحدين له . فبرأهم الله تعالى من الكفر والشرك ، إذ يقول الله سبحانه : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.
وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال : ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام .
وفي نهج البلاغة / خطبة رقم 94 يصف بها الأنبياء الكرام لا سيما خاتمهم وسيدهم ، فقال : ... فاستودعهم في أفضل مستودع و أقرهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتهم ] كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام ... حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص) فأخرجه من أفضل المعادن منبتا ، و أعز الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه و انتجب منها أمناءه .
ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلدا ضخما ، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق ، فإن الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدل على أن آباء النبي (ص) وأجداده كانوا موحدين لله سبحانه مؤمنين به عز وجل ، ومنه يثبت هذا الأمر لعلي بن ابي طالب (ع) أيضا ، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد ، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أن النبي (ص) قال : أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى .
وقال (ص) : خلقت أنا وعلي من نور واحد .. الخ ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم .
فبحكم العقل ورأي العقلاء ، فإن علي بن أبي طالب (ع) أحق من غيره بخلافة النبي (ص) لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة ، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما الصلاة السلام..
ولقد ثبت أن أجداد الإمام علي (ع) كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين ، فأن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول الله (ص) وقد طهرها الباري عز وجل من درن الشرك وأقذار الجاهلية ولا ننسى أن عبدالله عليه السلام أخو أبو طالب من أمه وأبيه وباقي أعمام النبي (ص) من أمهات شتى ، فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميس بن نبت بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع بن أرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ابي البشر(ع) هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى ، يعبدونه ولا يشركون به شيئا .
إيمان ابي طالب عليه السلام
لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالب (ع) ولكن المحقق المنصف يعرف إن القول بكفر أبي طالب وشركه صادر من أعداء الإمام علي (ع) ومناوئيه من الخوارج والنواصب ، أرادوا بذلك الحط من كرامة الإمام علي (ع) ، وتنزيل مقامه المنيع ، وتقليل شأنه الرفيع .
ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبر ، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمق وتفكر ، حتى آل اليوم إليكم ، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلمات ، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار ، وتنقلون الروايات بعد التحقيق ، مما تفوهتم بهذا الكلام ، وما قلتم إن أبا طالب (ع) مات مشركا إذ أن جمهور علماء الشيعة وأهل البيت (ع) الذين جعلهم النبي (ص) أعلام الهداية وعدل القرآن الحكيم ، وكذلك كثير من أهل السنة والجماعة مثل ابن أبي الحديد ، وجلال الدين السيوطي ، وأبي القاسم البلخي ، والعلامة أبي جعفر الإسكافي ، وآخرين من أعلام المعتزلة ، والعلامة الهمداني الشافعي ، وابن الأثير ، وغيره ذهبوا إلى أن أبا طالب عليه السلام أسلم في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمنا ، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالب (ع) انه آمن بالنبي (ص) في أول الأمر ، وأما إيمانه بالله سبحانه كان فطريا ولم يكفر بالله طرفة عين ، وكما في الأخبار المروية عن أعلام العترة وأهل البيت (ع) ، أنه لم يعبد صنما قط ، وكان على دين إبراهيم الخليل (ع) وهو يعد من أوصيائه .
وأما قول أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنه أسلم ، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت (ع) .
ومن الواضح أن إجماع أهل البيت (ع) مقبول عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يرده ، لأن النبي (ص) جعلهم عدل القرآن ، وارجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها ، وجعل قولهم الفصل والحجة والحق ، وقال (ص) : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا . فجعل كلام الله وأهل البيت أمانا من التيه والضلال .
وعلى القاعدة المشهورة : أهل البيت أدرى بما في البيت ، فهم أعلم بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم .
فالغرابة والعجب منكم إذ تتركون قول أهل البيت الطيبين (ع) ، وتتركون قول أمير المؤمنين وسيد الصديقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه ، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أمية والخوارج والنواصب ، المخالفين والمناوئين للإمام علي (ع) ، الذين دعاهم الحقد والحسد ، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة ، للحط من كرامة الإمام علي (ع) وتصغير شخصيته العظيمة ، وللأسف إنكم تتمسكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبر وتحقيق ، وترسلونها إرسال المسلمات ، وتؤكدون على صحتها بغير علم أتاكم .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/65 ، ط دار إحياء التراث العربي :
و اختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية و أكثر الزيدية : ما مات إلا مسلما . و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما.
أقول : والمشهور عندنا أنه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكن من نصرة رسول الله (ص) والذب عنه ، فإن المشركين من أهل مكة وقريش ، كانوا يراعون ذمته ويقفون عند حدهم إذا نظروا إليه ، فكانوا يهابون ، ويعظمون جانبه إذ كانوا يحسبوه منهم .
أما عن الحديث المروي عن النبي (ص) في عمه أنه قال : إن أبا طالب في ضحضاح من نار .
قلت : هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المروية في كتب أهل السنة والجماعة للاسف، موضوع وكذب وافتراء على النبي الكريم (ص) . فلا يخفى على المحقق البصير ، والمنصف الخبير ، أن هذا الحديث وما شاكله مجعول وموضوع افتراه أعداء محمد وآل محمد (ع) ، وذلك في عهد الأمويين وخاصة معاوية بن أبي سفيان الذي خصص أموالا طائلة لهذا الغرض الإلحادي . ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره ، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره .
فإن الراوي هو المغيرة بن شعبة ، من ألد أعداء الإمام علي (ع) وهو الذي اتهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر ، ولما أراد الرابع أداء الشهادة ، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها ، فخلص المغيرة ، وأقام الحد على الشهود
ثم نجد في رواته ، عبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز الراوردي ، وسفيان الثوري ، الذين عدهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل ، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال : ج2/ عدهم من الضعفاء ورد رواياتهم ، بل عد سفيان الثوري من المدلسين الكذابين .
فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذابين الوضاعين ؟!
الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالب عليه السلام
أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالب (ع) فكثيرة ، ولا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض ، منها :
1ـ قول النبي (ص) : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بسبابته والوسطى منضمتين مرفوعين ، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14/69 ، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح انه (ص) لم يقصد بحديثه الشريف كل من يكفل يتيما ، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنة ، لأنهم على جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة ، والذنوب العظيمة ، التي يستحقون بها جهنم لا محالة .
ولكنه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جده عبد المطلب ، وعمه أبا طالب ، الذين قاما بأمره ، وتكفلاه ، وربياه صغيرا ، حتى أنه صلوات الله عليه كان يعرف في مكة بيتيم ابي طالب ، بعد وفاة جده عبد المطلب ، فقد تكفل أبو طالب رسول الله (ص) وكان في الثامنة من العمر ، وكان يفضله على أولاده ويقيه بهم .2ـ حديث مشهور بين الشيعة والسنة ورواه القاضي الشوكاني أيضا في الحديث القدسي ، أنه قال (ص) : نزل علي جبرئيل فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إني حرمت النار على صلب أنزلك و بطن حملك و حجر كفلك.
لأبي طالب عليه السلام حق على كل مسلم
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14 / 83 و84 ، ط دار إحياء التراث العربي : و لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب ، فإني أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة ، و أعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبت :
و لو لا أبو طالب و ابـنـه لما مثل الدين شخصا فقامــا
فذاك بمكة آوى و حـامـى و هذا بيثرب جس الحمامــــا
تكفل عبد منــــاف بأمــــر و أودى فكان علي تمامـــــــا
فقل في ثبير مضى بعد ما قضى ما قضاه و أبقى شماما
فلله ذا فاتحا للهــــــــــدى و لله ذا للمعالي ختامـــــــــــا
و ما ضر مجد أبي طالــب جهول لغا أو بصير تعامـــــى
كما لا يضر إياة الصبــاح من ظن ضوء النهار الظلام
أشعار أبي طالب عليه السلام في الإسلام
وأدل دليل على إيمان أبي طالب (ع) أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام ، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب ، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/71ـ81 ط دار إحياء الكتاب العربي ، منها ميميته المشهورة :
يرجون منا خطـــــة دون نيلـــهـــا ضراب و طعن بالوشيج المقــــــوم
يرجون أن نسخى بقتل مـــحـــمــد و لم تختضب سمر العوالي من الدم
كذبتم و بيت الله حتى تفـــلـــقــــوا جماجم تلقى بالحطــــيـم و زمــــزم
و تقطع أرحام و تنــــــسى حليلـــة حليلا و يغشى محــــــرم بعد محرم
على ما مضى من مقتكم و عقوقكم و غشيانكم في أمركم كـــل مـــأثــم
و ظلم نبي جاء يدعـو إلى الهدى وأمر أتى من عند ذي العرش قيـم)
وإليكم أيضا قصيدته اللامية الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج وذكرها كثيرة من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقل إلى مسامعكم بعضها :
أعوذ برب البيت من كل طاعـــن علينا بســــوء أو يلـــــوح بباطـــل
و مـــن فاجـــر يغتابــنا بمغيبـــة و من ملحق في الدين ما لم نحاول
كذبتم و بيـت الله نبــزى محمـــد و لما نطاعــن دونــــه و نناضــــل
و ننصره حــتى نصـــرع دونـــه و نذهـل عـــن أبنائنـــــا و الحلائل
و ابيض يستسقى الغمام بوجهـه ثمال اليتــامــى عصمـة للأرامــــل
يلوذ بــه الهلاك مـــن آل هاشــم فهم عنـــده في نعمــة و فواضــــل
لعمري لقــد كلفــت وجدا بأحمد و أحببته حــب الحبــيب المواصــل
و جدت بنفسي دونـــه فحميتـــه و دافعـــت عنــه بالذرى و الكواهل
فلا زال للدنيا جمـــالا لأهلــهـــا و شينا لمن عـــادى و زين المحافل
و أيــده رب العبـــاد بنـصـــــره و أظهــر ديــــنا حقـــه غيـــر باطــــل
ومن شعره المطبوع في ديوانه ونقله ابن أبي الحديد أيضا :
يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد
من ضل في الدين فإني مهتد
بالله عليكم أنصفوا !! هل يجوز أن ينسب قائل هذه الأبيات والكلمات ، إلى الكفر !!
والله إنه من الظلم والجفاء أن تنسبوا أبا طالب إلى الكفر ، بعد أن يشهد الله سبحانه بأنه ، على دين النبي أحمد (ص) .
أما عن قول ان هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب أخبار آحاد ، غير متواترة ، ولا اعتبار بخبر واحد .
أقول..... لم ينقل أحد بأن أبا طالب أقر بالإسلام وتفوه بكلمة التوحيد : لا إله إلا الله . بل قالوا : ما أقر إلى أن مات .
قلت : واعجبا ! إنكم جعلتم حجية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم ، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرون على حجيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبي (ص) : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية !!
ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر ، فكيف تستدلون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق ، بأن أبا طالب في ضحضاح من النار ، وليس لهذا الحديث راو آخر(
ولا يخفى على المحقق البصير والمدقق الخبير أن أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب و الأشعار المنسوبة إليه لو جمعت لحصل منها التواتر المعنوي ـ أي حصل منها معنى واحد وهو إيمان ابي طالب ـ فأن كثيرا من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق ، مثل شجاعة الإمام علي (ع) ، فإن أخبار الآحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال ، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر .
إقرار ابي طالب (ع) بالتوحيد
أما قول ..... لم ينقل أحد أن أبا طالب أقر بالإسلام والتوحيد ! فهو تحكم وباطل ، فهو إعادة واه بغير أساس ودليل ، لأن الإقرار لا يكون موقوفا على صيغة معينة ، ولا منحصرا بتركيب واحد . بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فهم منه الإقرار ، وكان صريحا وبليغا .
والآن أنشدكم الله أيها الحاضرون !! أي إقرار أصرح وأبلغ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب :
يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد
وإضافة على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه ، فقد روى الحافظ أبو نعيم ، والحافظ البيهقي أن صناديد قريش مثل أبي جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفي فيه ، وكان النبي (ص) حاضرا فقال لعمه أبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله ، حتى أشهد لك عند ربي تبارك وتعالى ، فقال أبو جهل وابن أبي أمية : يا أبا طالب أترجع عن ملة عبد المطلب ! وما زالوا به . حتى قال :
اعلموا ... أن أبا طالب على ملة عبدالمطلب ولا يرجع عنها .
فسروا وفرحوا وخرجوا من عنده ، ثم اشتدت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالسا عند رأسه ، فرأى شفتيه تتحركان ، فأنصت له واستمع وإذا هو يقول : لا إله إلا الله . فتوجه العباس إلى النبي (ص) وقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ـ ولم يذكر العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعد كافرا ـ .
ولا يخفى أننا أثبتنا من قبل أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئا .
فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته : اعلموا ... أن أبا طالب على ملة عبد المطلب ، ولا شك أن عبد المطلب كان على ملة أبيه إبراهيم مؤمنا بالله موحدا ، فكذلك أبو طالب (ع) .
مضافا إلى ذلك فقد تفوه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العباس يقول : لا إله إلا الله .
فإيمان أبي طالب ثابت عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد .
موقف أبي طالب (ع) من النبي (ص)
إذا كان أبو طالب (ع) مشركا كما يزعم بعض الناس ، كان من المتوقع أن يعارض النبي (ص) من حين إعلانه النبوة والرسالة ، إذ جاء إليه و قال : إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عم ؟
فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغي معتقد برسالته ، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه ، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبخه ويؤنبه ، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يأويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليل (ع) فحينما سمع من الخليل كلاما يخالف دينه ودين قومه ، هدده وهجره ، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / 43 قال حكاية عن قول إبراهيم (ع) : ( إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ( (قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأََرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا ).
ولكن أبا طالب عليه السلام حينما سمع ابن أخيه يقول : إن الله أنبأني واستنبأني ، وأمرني بإظهار أمري ، فما عندك يا عم ؟
أيده وأعلن نصرته له بقوله : أخرج يا بن أخي ! فإنك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا ، والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد ، واجتذبه سيوف حداد ، والله لنذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها .
ثم أنشأ قائلا :
و الله لن يصلوا إليـــك بجمعـهــم حتى أوسد فــي التــراب دفينـــا
فانفذ لأمرك ما عليـــك مخـــافـــة و أبشر بذاك و قر منــك عيونا
و دعوتني و زعمت أنك ناصحي فلقد صـدقت و كنــــت قدما أمينا
و عرضت دينا قد علمـــت بأنـــه من خيـر أديـــان البـــريــة دينــا
لو لا الملامــة أو حــذاري سبــه لوجدتنــي سمحــا بذاك مبـــــينـا
ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 55 ط. إحياء الكتب العربية ، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة : 18 ، ط. بيروت ، وتجده في ديوان أبي طالب أيضا.
ولو راجعتم ديوانه ، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، لوجدتم أشعارا أخرى صريحة في تصديق النبي (ص) ، وفي إعلان نصرته والذب عنه .
فأنصفوا أيها الحاضرون ، وخاصة أنتم أيها العلماء ! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك ؟!
أم إنها تنبئ عن إيمان وإسلام قائلها وأنه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسك بما جاء به محمد المصطفى (ص) ؟!
كما اعترف بذلك بعض أعلامكم ، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : وحامي النبي ، ومعينه ، ومحبه ، أشد حبا ، وكفيله ، ومربيه ، والمقر بنبوته ، والمعترف برسالته ، والمنشد في مناقبه أبياتا كثيرة ، وشيخ قريش : أبو طالب .
لقائل أن يقول : إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبي (ص) وتأييده ونصرته والدفاع عنه ، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السير ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه ؟!
دلائل أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقاة حتى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : والله ما عبد أبي ، ولا جدي عبد المطلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قط .
فهل من الإنصاف أن تتركوا قول أهل بيت النبوة والعترة الطاهرة ، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر ؟!
أو هل من الإنصاف أن تأولوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبي (ص) ، وتصديقه لهما ، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة ، فلا تقبلوا كل ذلك ، لحديث رواه كاذب فاسق فاجر ، عدو الإمام علي وعدو آل محمد (ص) ؟!
وأضف على ما نقله المؤرخون من أشعار صريحة في إيمان أبي طالب ، خطبته الغراء البليغة التي خطبها في خطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول الله (ص) وذكرها عامة المؤرخين .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 70 ، ط. دار إحياء الكتب العربية : و خطبة النكاح مشهورة ، خطبها أبو طالب عند نكاح محمد ص خديجة ، و هي قوله : " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، و زرع إسماعيل ، و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا ، و جعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي ، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا و فضلا ، و حزما و عقلا ، و رأيا و نبلا ، و إن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل و عارية مسترجعة ، و له في خديجة بنت خويلد رغبة ،و لها فيه مثل ذلك ، و ما أحببتم من الصداق فعلي ، و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جليل " .
بالله عليكم أنصفوا ، لو وضعت هذه الخطبة أمام أي إنسان عالم غير منحاز إلى فئة ، ألا يدق بأن قائلها إنسان مؤمن عالم وحكيم سحق الماديات وتوجه إلى المعنويات . والجملة الأخيرة جديرة بالتفكر والتدبر ، أ فتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ، ولا يؤمن به ؟!
ولو كانت هذه الخطبة البليغة صادرة من أي إنسان آخر ، مثلا من أبي قحافة أو الخطاب ، أما كنتم تستدلون بها على إيمانه ؟
ونقل العلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد ـ الخوارزمي ـ بسنده عن محمد بن كعب قال : رأى أبو طالب النبي (ص) ص يتفل في فم علي أي يدخل لعاب فمه في فم علي فقال : ما هذا يا بن أخي ؟ فقال : إيمان و حكمة ؟
فقال أبو طالب لعلي : يا بني ! انصر ابن عمك و آزره .
أما يدل هذا الخبر على إيمان أبي طالب ؟ فإنه لو لم يكن مؤمنا بالنبي ، (ص) لمنعه وزجره ، ولكنه أمر علي بنصرته ومؤازرته .
إسلام جعفر بأمر أبيه
وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أن أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبي (ص) ويؤمن به وينصره ، وذكر بعضهم أن أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه معه ابنه جعفر ، فرأى رسول الله (ص) واقفا يصلي وعلي على يمينه يصلي معه ، فقال أبو طالب لجعفر : صل جناح ابن عمك ! فتقدم جعفر فوقف على يسار النبي (ص) يصلي معه ، ويقلده في الركوع والسجود ، فأنشد أبو طالب يقول :
إن عليــا و جعفــــرا ثقــتــي عند ملم الزمان و النـــوب
لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي
و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسـب
فهل من المعقول أن رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول الله (ص)(64) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه ، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به ؟
شواهد أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء ، أن قريشا حين وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية ، التجأ بنو هاشم بأبي طالب ، فأخذهم إلى شعب له يعرف بشعب أبي طالب ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 65 ، ط. إحياء الكتب العربية : و كان سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و شيخهم أبو طالب بن عبد المطلب ، و هو الكافل و المحامي ، وقال في صفحة 64 : و كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص) البيات إذا عرف مضجعه ، يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه .
فقال له علي ليلة : يا أبت إني مقتول ؟ فقال له:
اصبرن يا بني فالصبـر أحجــى كل حي مصيـــره لشعـــــوب
قـــــدر الله و البـــــلاء شديــــد لفداء الحبيب و ابن الحبيــب
لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريـــم النجيــــب
إن تصبك المنون فالنبل تبـري فمصيب منها و غير مصيـب
كل حــي و إن تملـــى بعمــــــر آخذ من مذاقهــا بنـصيــــــب
فأجاب علي (ع) ، فقال له :
أ تأمرني بالصبر في نصر أحمد و و الله ما قلت الذي قلت جازعــا
و لكنني أحببت أن ترى نصرتي و تعلم أنـــي لــم أزل لــك طائعــــا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمـود طفلا و يافعا
بالله عليكم فكروا وأنصفوا ! هل يضحي أحد بابنه إلا في سبيل العقيدة ؟
هل من المعقول أن أبا طالب يقدم ابنه عليا فداءا لرسول الله (ص) وهو غيره مؤمن به وبرسالته السماوية ؟!
وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم : سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص فقال : وقال ابن سعد ... حدثني الواقدي قال : قال علي (ع) : لما توفي أبو طالب . أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه .
فقال له العباس : يا رسول الله إنك لترجو له ؟ فقال : أي والله ! إني لأرجو له وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته وقال علي يرثيه :
أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفـــاظ فصلى عليك ولـــــي النعــــم
و لقاك ربــك رضوانــــــه فقد كنت للمصطفـى خير عم
فأسألكم : أما قال الله سبحانه في كتابه :
( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ .. ) .
فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون ، فكيف جعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته ؟!
والمشهور أن طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام .
ثم كلنا نعلم أن تجهيز الميت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام ، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما ، فكيف يأمر النبي (ص) عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته ؟
وهل من المعقول أن عليا (ع) وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء ، ولاسيما وصفه : " بنور الظلم " ، وأنه " صلى عليه ولي النعم " وهو الله سبحانه وتعالى ، " ولقاك ربك رضوانه .." وهل الله عز وجل يلقي رضوانه المشركين ؟!
فهذه كلها دلائل ناصعة ، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب .
أما قول.....: إذا كان أبو طالب مؤمنا ، فلماذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس ؟
قلت : إن إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما يظهر إيمانه ويعلن إسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوى معنوياتهم وشد عزائمهم . لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول الله (ص) كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيته لأنهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم وطينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللين ، حتى أنهم كانوا يطمعون فيه أن يسلمهم محمدا (ص) فيقضوا عليه ويقتلوه.
ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه ، من طرده وترك نصرته و ... ؟!
وأما العباس بن عبد المطلب ، فإنه سبق إلى الإسلام وآمن بابن أخيه محمد (ص) ، ولكن بأمر النبي (ص) كتم إيمانه أيضا ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة ، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال بقاؤك في مكة خير لي ، فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدى نفسه وأطلق ، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع ، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر .
وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباس رضي الله عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ : قال أهل العلم بالتاريخ : إن العباس أسلم قديما يكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص) : من لقي العباس فلا يقتله فانه خرج مكرها ، وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة ، لكن النبي (ص) كتب إليه : إن مقامك بمكة خير لك . ولما بشر أبو رافع ـ رق النبي (ص) ـ بإسلام العباس ، أعتقه النبي (ص) .
فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلان وإظهار إيمانه ، ما كان يتهم بالشرك ؟
فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمين (ص) ، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر إيمانه ، ليتمكن من محاماة النبي (ص) ونصرته .
ولذلك ذكر المؤرخون كلهم ، منهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/70 قال :
و في الحديث المشهور : أن جبرائيل (ع) قال له (ص) ليلة مات أبو طالب : " اخرج منها فقد مات ناصرك ".
السؤال... : هل اشتهر إسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون ؟
قلت : نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه ، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظمونه
-----------------------------------------------------------------
منقول
اللهم صلي على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأرحمنا بهم يا أرحم الراحمين
نقاش بين من يقول أن أبو طالب مات وهو مشرك والعياذ بالله
الموضوع طويل نوعا ما ولكنه يستحق القراءه ورحم والدين من شارك في هذا البحث
آباء وأجداد النبي(ص) والامام علي(ع)
كلهم كانوا مؤمنين بالله
أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيه (ص) : ( وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمة وهو من تعلمون مقامه من المفسرين ، قال : أي تقلبه (ص) من أصلاب الموحدين ، نبي إلى نبي ، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم .
وروى العلامة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره ، عن رسول الله (ص) قال : أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام المطهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قط .
وفي رواية أخرى قال (ص) : لم يدنسني بدنس الجاهلية .
وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال : وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدس سره ) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى ، قال (ص) : هو نور نبيك يا جابر ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها ، وجاء في آخرها : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة ، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ومبعوثا إلى كافة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين ، هذا كان بدء خلق نبيك يا جابر .
ثم قال القندوزي : وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره .
فقوله (ص) : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر ، دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحدين له . فبرأهم الله تعالى من الكفر والشرك ، إذ يقول الله سبحانه : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.
وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال : ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام .
وفي نهج البلاغة / خطبة رقم 94 يصف بها الأنبياء الكرام لا سيما خاتمهم وسيدهم ، فقال : ... فاستودعهم في أفضل مستودع و أقرهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتهم ] كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام ... حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص) فأخرجه من أفضل المعادن منبتا ، و أعز الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه و انتجب منها أمناءه .
ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلدا ضخما ، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق ، فإن الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدل على أن آباء النبي (ص) وأجداده كانوا موحدين لله سبحانه مؤمنين به عز وجل ، ومنه يثبت هذا الأمر لعلي بن ابي طالب (ع) أيضا ، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد ، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أن النبي (ص) قال : أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى .
وقال (ص) : خلقت أنا وعلي من نور واحد .. الخ ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم .
فبحكم العقل ورأي العقلاء ، فإن علي بن أبي طالب (ع) أحق من غيره بخلافة النبي (ص) لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة ، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما الصلاة السلام..
ولقد ثبت أن أجداد الإمام علي (ع) كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين ، فأن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول الله (ص) وقد طهرها الباري عز وجل من درن الشرك وأقذار الجاهلية ولا ننسى أن عبدالله عليه السلام أخو أبو طالب من أمه وأبيه وباقي أعمام النبي (ص) من أمهات شتى ، فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميس بن نبت بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع بن أرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ابي البشر(ع) هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى ، يعبدونه ولا يشركون به شيئا .
إيمان ابي طالب عليه السلام
لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالب (ع) ولكن المحقق المنصف يعرف إن القول بكفر أبي طالب وشركه صادر من أعداء الإمام علي (ع) ومناوئيه من الخوارج والنواصب ، أرادوا بذلك الحط من كرامة الإمام علي (ع) ، وتنزيل مقامه المنيع ، وتقليل شأنه الرفيع .
ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبر ، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمق وتفكر ، حتى آل اليوم إليكم ، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلمات ، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار ، وتنقلون الروايات بعد التحقيق ، مما تفوهتم بهذا الكلام ، وما قلتم إن أبا طالب (ع) مات مشركا إذ أن جمهور علماء الشيعة وأهل البيت (ع) الذين جعلهم النبي (ص) أعلام الهداية وعدل القرآن الحكيم ، وكذلك كثير من أهل السنة والجماعة مثل ابن أبي الحديد ، وجلال الدين السيوطي ، وأبي القاسم البلخي ، والعلامة أبي جعفر الإسكافي ، وآخرين من أعلام المعتزلة ، والعلامة الهمداني الشافعي ، وابن الأثير ، وغيره ذهبوا إلى أن أبا طالب عليه السلام أسلم في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمنا ، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالب (ع) انه آمن بالنبي (ص) في أول الأمر ، وأما إيمانه بالله سبحانه كان فطريا ولم يكفر بالله طرفة عين ، وكما في الأخبار المروية عن أعلام العترة وأهل البيت (ع) ، أنه لم يعبد صنما قط ، وكان على دين إبراهيم الخليل (ع) وهو يعد من أوصيائه .
وأما قول أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنه أسلم ، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت (ع) .
ومن الواضح أن إجماع أهل البيت (ع) مقبول عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يرده ، لأن النبي (ص) جعلهم عدل القرآن ، وارجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها ، وجعل قولهم الفصل والحجة والحق ، وقال (ص) : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا . فجعل كلام الله وأهل البيت أمانا من التيه والضلال .
وعلى القاعدة المشهورة : أهل البيت أدرى بما في البيت ، فهم أعلم بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم .
فالغرابة والعجب منكم إذ تتركون قول أهل البيت الطيبين (ع) ، وتتركون قول أمير المؤمنين وسيد الصديقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه ، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أمية والخوارج والنواصب ، المخالفين والمناوئين للإمام علي (ع) ، الذين دعاهم الحقد والحسد ، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة ، للحط من كرامة الإمام علي (ع) وتصغير شخصيته العظيمة ، وللأسف إنكم تتمسكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبر وتحقيق ، وترسلونها إرسال المسلمات ، وتؤكدون على صحتها بغير علم أتاكم .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/65 ، ط دار إحياء التراث العربي :
و اختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية و أكثر الزيدية : ما مات إلا مسلما . و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما.
أقول : والمشهور عندنا أنه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكن من نصرة رسول الله (ص) والذب عنه ، فإن المشركين من أهل مكة وقريش ، كانوا يراعون ذمته ويقفون عند حدهم إذا نظروا إليه ، فكانوا يهابون ، ويعظمون جانبه إذ كانوا يحسبوه منهم .
أما عن الحديث المروي عن النبي (ص) في عمه أنه قال : إن أبا طالب في ضحضاح من نار .
قلت : هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المروية في كتب أهل السنة والجماعة للاسف، موضوع وكذب وافتراء على النبي الكريم (ص) . فلا يخفى على المحقق البصير ، والمنصف الخبير ، أن هذا الحديث وما شاكله مجعول وموضوع افتراه أعداء محمد وآل محمد (ع) ، وذلك في عهد الأمويين وخاصة معاوية بن أبي سفيان الذي خصص أموالا طائلة لهذا الغرض الإلحادي . ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره ، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره .
فإن الراوي هو المغيرة بن شعبة ، من ألد أعداء الإمام علي (ع) وهو الذي اتهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر ، ولما أراد الرابع أداء الشهادة ، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها ، فخلص المغيرة ، وأقام الحد على الشهود
ثم نجد في رواته ، عبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز الراوردي ، وسفيان الثوري ، الذين عدهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل ، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال : ج2/ عدهم من الضعفاء ورد رواياتهم ، بل عد سفيان الثوري من المدلسين الكذابين .
فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذابين الوضاعين ؟!
الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالب عليه السلام
أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالب (ع) فكثيرة ، ولا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض ، منها :
1ـ قول النبي (ص) : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بسبابته والوسطى منضمتين مرفوعين ، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14/69 ، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح انه (ص) لم يقصد بحديثه الشريف كل من يكفل يتيما ، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنة ، لأنهم على جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة ، والذنوب العظيمة ، التي يستحقون بها جهنم لا محالة .
ولكنه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جده عبد المطلب ، وعمه أبا طالب ، الذين قاما بأمره ، وتكفلاه ، وربياه صغيرا ، حتى أنه صلوات الله عليه كان يعرف في مكة بيتيم ابي طالب ، بعد وفاة جده عبد المطلب ، فقد تكفل أبو طالب رسول الله (ص) وكان في الثامنة من العمر ، وكان يفضله على أولاده ويقيه بهم .2ـ حديث مشهور بين الشيعة والسنة ورواه القاضي الشوكاني أيضا في الحديث القدسي ، أنه قال (ص) : نزل علي جبرئيل فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إني حرمت النار على صلب أنزلك و بطن حملك و حجر كفلك.
لأبي طالب عليه السلام حق على كل مسلم
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14 / 83 و84 ، ط دار إحياء التراث العربي : و لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب ، فإني أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة ، و أعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبت :
و لو لا أبو طالب و ابـنـه لما مثل الدين شخصا فقامــا
فذاك بمكة آوى و حـامـى و هذا بيثرب جس الحمامــــا
تكفل عبد منــــاف بأمــــر و أودى فكان علي تمامـــــــا
فقل في ثبير مضى بعد ما قضى ما قضاه و أبقى شماما
فلله ذا فاتحا للهــــــــــدى و لله ذا للمعالي ختامـــــــــــا
و ما ضر مجد أبي طالــب جهول لغا أو بصير تعامـــــى
كما لا يضر إياة الصبــاح من ظن ضوء النهار الظلام
أشعار أبي طالب عليه السلام في الإسلام
وأدل دليل على إيمان أبي طالب (ع) أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام ، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب ، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/71ـ81 ط دار إحياء الكتاب العربي ، منها ميميته المشهورة :
يرجون منا خطـــــة دون نيلـــهـــا ضراب و طعن بالوشيج المقــــــوم
يرجون أن نسخى بقتل مـــحـــمــد و لم تختضب سمر العوالي من الدم
كذبتم و بيت الله حتى تفـــلـــقــــوا جماجم تلقى بالحطــــيـم و زمــــزم
و تقطع أرحام و تنــــــسى حليلـــة حليلا و يغشى محــــــرم بعد محرم
على ما مضى من مقتكم و عقوقكم و غشيانكم في أمركم كـــل مـــأثــم
و ظلم نبي جاء يدعـو إلى الهدى وأمر أتى من عند ذي العرش قيـم)
وإليكم أيضا قصيدته اللامية الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج وذكرها كثيرة من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقل إلى مسامعكم بعضها :
أعوذ برب البيت من كل طاعـــن علينا بســــوء أو يلـــــوح بباطـــل
و مـــن فاجـــر يغتابــنا بمغيبـــة و من ملحق في الدين ما لم نحاول
كذبتم و بيـت الله نبــزى محمـــد و لما نطاعــن دونــــه و نناضــــل
و ننصره حــتى نصـــرع دونـــه و نذهـل عـــن أبنائنـــــا و الحلائل
و ابيض يستسقى الغمام بوجهـه ثمال اليتــامــى عصمـة للأرامــــل
يلوذ بــه الهلاك مـــن آل هاشــم فهم عنـــده في نعمــة و فواضــــل
لعمري لقــد كلفــت وجدا بأحمد و أحببته حــب الحبــيب المواصــل
و جدت بنفسي دونـــه فحميتـــه و دافعـــت عنــه بالذرى و الكواهل
فلا زال للدنيا جمـــالا لأهلــهـــا و شينا لمن عـــادى و زين المحافل
و أيــده رب العبـــاد بنـصـــــره و أظهــر ديــــنا حقـــه غيـــر باطــــل
ومن شعره المطبوع في ديوانه ونقله ابن أبي الحديد أيضا :
يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد
من ضل في الدين فإني مهتد
بالله عليكم أنصفوا !! هل يجوز أن ينسب قائل هذه الأبيات والكلمات ، إلى الكفر !!
والله إنه من الظلم والجفاء أن تنسبوا أبا طالب إلى الكفر ، بعد أن يشهد الله سبحانه بأنه ، على دين النبي أحمد (ص) .
أما عن قول ان هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب أخبار آحاد ، غير متواترة ، ولا اعتبار بخبر واحد .
أقول..... لم ينقل أحد بأن أبا طالب أقر بالإسلام وتفوه بكلمة التوحيد : لا إله إلا الله . بل قالوا : ما أقر إلى أن مات .
قلت : واعجبا ! إنكم جعلتم حجية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم ، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرون على حجيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبي (ص) : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية !!
ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر ، فكيف تستدلون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق ، بأن أبا طالب في ضحضاح من النار ، وليس لهذا الحديث راو آخر(
ولا يخفى على المحقق البصير والمدقق الخبير أن أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب و الأشعار المنسوبة إليه لو جمعت لحصل منها التواتر المعنوي ـ أي حصل منها معنى واحد وهو إيمان ابي طالب ـ فأن كثيرا من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق ، مثل شجاعة الإمام علي (ع) ، فإن أخبار الآحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال ، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر .
إقرار ابي طالب (ع) بالتوحيد
أما قول ..... لم ينقل أحد أن أبا طالب أقر بالإسلام والتوحيد ! فهو تحكم وباطل ، فهو إعادة واه بغير أساس ودليل ، لأن الإقرار لا يكون موقوفا على صيغة معينة ، ولا منحصرا بتركيب واحد . بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فهم منه الإقرار ، وكان صريحا وبليغا .
والآن أنشدكم الله أيها الحاضرون !! أي إقرار أصرح وأبلغ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب :
يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد
وإضافة على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه ، فقد روى الحافظ أبو نعيم ، والحافظ البيهقي أن صناديد قريش مثل أبي جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفي فيه ، وكان النبي (ص) حاضرا فقال لعمه أبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله ، حتى أشهد لك عند ربي تبارك وتعالى ، فقال أبو جهل وابن أبي أمية : يا أبا طالب أترجع عن ملة عبد المطلب ! وما زالوا به . حتى قال :
اعلموا ... أن أبا طالب على ملة عبدالمطلب ولا يرجع عنها .
فسروا وفرحوا وخرجوا من عنده ، ثم اشتدت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالسا عند رأسه ، فرأى شفتيه تتحركان ، فأنصت له واستمع وإذا هو يقول : لا إله إلا الله . فتوجه العباس إلى النبي (ص) وقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ـ ولم يذكر العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعد كافرا ـ .
ولا يخفى أننا أثبتنا من قبل أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئا .
فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته : اعلموا ... أن أبا طالب على ملة عبد المطلب ، ولا شك أن عبد المطلب كان على ملة أبيه إبراهيم مؤمنا بالله موحدا ، فكذلك أبو طالب (ع) .
مضافا إلى ذلك فقد تفوه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العباس يقول : لا إله إلا الله .
فإيمان أبي طالب ثابت عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد .
موقف أبي طالب (ع) من النبي (ص)
إذا كان أبو طالب (ع) مشركا كما يزعم بعض الناس ، كان من المتوقع أن يعارض النبي (ص) من حين إعلانه النبوة والرسالة ، إذ جاء إليه و قال : إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عم ؟
فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغي معتقد برسالته ، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه ، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبخه ويؤنبه ، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يأويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليل (ع) فحينما سمع من الخليل كلاما يخالف دينه ودين قومه ، هدده وهجره ، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / 43 قال حكاية عن قول إبراهيم (ع) : ( إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ( (قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأََرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا ).
ولكن أبا طالب عليه السلام حينما سمع ابن أخيه يقول : إن الله أنبأني واستنبأني ، وأمرني بإظهار أمري ، فما عندك يا عم ؟
أيده وأعلن نصرته له بقوله : أخرج يا بن أخي ! فإنك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا ، والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد ، واجتذبه سيوف حداد ، والله لنذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها .
ثم أنشأ قائلا :
و الله لن يصلوا إليـــك بجمعـهــم حتى أوسد فــي التــراب دفينـــا
فانفذ لأمرك ما عليـــك مخـــافـــة و أبشر بذاك و قر منــك عيونا
و دعوتني و زعمت أنك ناصحي فلقد صـدقت و كنــــت قدما أمينا
و عرضت دينا قد علمـــت بأنـــه من خيـر أديـــان البـــريــة دينــا
لو لا الملامــة أو حــذاري سبــه لوجدتنــي سمحــا بذاك مبـــــينـا
ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 55 ط. إحياء الكتب العربية ، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة : 18 ، ط. بيروت ، وتجده في ديوان أبي طالب أيضا.
ولو راجعتم ديوانه ، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، لوجدتم أشعارا أخرى صريحة في تصديق النبي (ص) ، وفي إعلان نصرته والذب عنه .
فأنصفوا أيها الحاضرون ، وخاصة أنتم أيها العلماء ! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك ؟!
أم إنها تنبئ عن إيمان وإسلام قائلها وأنه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسك بما جاء به محمد المصطفى (ص) ؟!
كما اعترف بذلك بعض أعلامكم ، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : وحامي النبي ، ومعينه ، ومحبه ، أشد حبا ، وكفيله ، ومربيه ، والمقر بنبوته ، والمعترف برسالته ، والمنشد في مناقبه أبياتا كثيرة ، وشيخ قريش : أبو طالب .
لقائل أن يقول : إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبي (ص) وتأييده ونصرته والدفاع عنه ، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السير ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه ؟!
دلائل أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقاة حتى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : والله ما عبد أبي ، ولا جدي عبد المطلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قط .
فهل من الإنصاف أن تتركوا قول أهل بيت النبوة والعترة الطاهرة ، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر ؟!
أو هل من الإنصاف أن تأولوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبي (ص) ، وتصديقه لهما ، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة ، فلا تقبلوا كل ذلك ، لحديث رواه كاذب فاسق فاجر ، عدو الإمام علي وعدو آل محمد (ص) ؟!
وأضف على ما نقله المؤرخون من أشعار صريحة في إيمان أبي طالب ، خطبته الغراء البليغة التي خطبها في خطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول الله (ص) وذكرها عامة المؤرخين .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 70 ، ط. دار إحياء الكتب العربية : و خطبة النكاح مشهورة ، خطبها أبو طالب عند نكاح محمد ص خديجة ، و هي قوله : " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، و زرع إسماعيل ، و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا ، و جعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي ، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا و فضلا ، و حزما و عقلا ، و رأيا و نبلا ، و إن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل و عارية مسترجعة ، و له في خديجة بنت خويلد رغبة ،و لها فيه مثل ذلك ، و ما أحببتم من الصداق فعلي ، و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جليل " .
بالله عليكم أنصفوا ، لو وضعت هذه الخطبة أمام أي إنسان عالم غير منحاز إلى فئة ، ألا يدق بأن قائلها إنسان مؤمن عالم وحكيم سحق الماديات وتوجه إلى المعنويات . والجملة الأخيرة جديرة بالتفكر والتدبر ، أ فتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ، ولا يؤمن به ؟!
ولو كانت هذه الخطبة البليغة صادرة من أي إنسان آخر ، مثلا من أبي قحافة أو الخطاب ، أما كنتم تستدلون بها على إيمانه ؟
ونقل العلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد ـ الخوارزمي ـ بسنده عن محمد بن كعب قال : رأى أبو طالب النبي (ص) ص يتفل في فم علي أي يدخل لعاب فمه في فم علي فقال : ما هذا يا بن أخي ؟ فقال : إيمان و حكمة ؟
فقال أبو طالب لعلي : يا بني ! انصر ابن عمك و آزره .
أما يدل هذا الخبر على إيمان أبي طالب ؟ فإنه لو لم يكن مؤمنا بالنبي ، (ص) لمنعه وزجره ، ولكنه أمر علي بنصرته ومؤازرته .
إسلام جعفر بأمر أبيه
وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أن أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبي (ص) ويؤمن به وينصره ، وذكر بعضهم أن أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه معه ابنه جعفر ، فرأى رسول الله (ص) واقفا يصلي وعلي على يمينه يصلي معه ، فقال أبو طالب لجعفر : صل جناح ابن عمك ! فتقدم جعفر فوقف على يسار النبي (ص) يصلي معه ، ويقلده في الركوع والسجود ، فأنشد أبو طالب يقول :
إن عليــا و جعفــــرا ثقــتــي عند ملم الزمان و النـــوب
لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي
و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسـب
فهل من المعقول أن رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول الله (ص)(64) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه ، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به ؟
شواهد أخرى على إيمان أبي طالب (ع)
ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء ، أن قريشا حين وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية ، التجأ بنو هاشم بأبي طالب ، فأخذهم إلى شعب له يعرف بشعب أبي طالب ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 65 ، ط. إحياء الكتب العربية : و كان سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و شيخهم أبو طالب بن عبد المطلب ، و هو الكافل و المحامي ، وقال في صفحة 64 : و كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص) البيات إذا عرف مضجعه ، يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه .
فقال له علي ليلة : يا أبت إني مقتول ؟ فقال له:
اصبرن يا بني فالصبـر أحجــى كل حي مصيـــره لشعـــــوب
قـــــدر الله و البـــــلاء شديــــد لفداء الحبيب و ابن الحبيــب
لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريـــم النجيــــب
إن تصبك المنون فالنبل تبـري فمصيب منها و غير مصيـب
كل حــي و إن تملـــى بعمــــــر آخذ من مذاقهــا بنـصيــــــب
فأجاب علي (ع) ، فقال له :
أ تأمرني بالصبر في نصر أحمد و و الله ما قلت الذي قلت جازعــا
و لكنني أحببت أن ترى نصرتي و تعلم أنـــي لــم أزل لــك طائعــــا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمـود طفلا و يافعا
بالله عليكم فكروا وأنصفوا ! هل يضحي أحد بابنه إلا في سبيل العقيدة ؟
هل من المعقول أن أبا طالب يقدم ابنه عليا فداءا لرسول الله (ص) وهو غيره مؤمن به وبرسالته السماوية ؟!
وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم : سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص فقال : وقال ابن سعد ... حدثني الواقدي قال : قال علي (ع) : لما توفي أبو طالب . أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه .
فقال له العباس : يا رسول الله إنك لترجو له ؟ فقال : أي والله ! إني لأرجو له وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته وقال علي يرثيه :
أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفـــاظ فصلى عليك ولـــــي النعــــم
و لقاك ربــك رضوانــــــه فقد كنت للمصطفـى خير عم
فأسألكم : أما قال الله سبحانه في كتابه :
( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ .. ) .
فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون ، فكيف جعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته ؟!
والمشهور أن طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام .
ثم كلنا نعلم أن تجهيز الميت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام ، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما ، فكيف يأمر النبي (ص) عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته ؟
وهل من المعقول أن عليا (ع) وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء ، ولاسيما وصفه : " بنور الظلم " ، وأنه " صلى عليه ولي النعم " وهو الله سبحانه وتعالى ، " ولقاك ربك رضوانه .." وهل الله عز وجل يلقي رضوانه المشركين ؟!
فهذه كلها دلائل ناصعة ، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب .
أما قول.....: إذا كان أبو طالب مؤمنا ، فلماذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس ؟
قلت : إن إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما يظهر إيمانه ويعلن إسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوى معنوياتهم وشد عزائمهم . لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول الله (ص) كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيته لأنهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم وطينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللين ، حتى أنهم كانوا يطمعون فيه أن يسلمهم محمدا (ص) فيقضوا عليه ويقتلوه.
ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه ، من طرده وترك نصرته و ... ؟!
وأما العباس بن عبد المطلب ، فإنه سبق إلى الإسلام وآمن بابن أخيه محمد (ص) ، ولكن بأمر النبي (ص) كتم إيمانه أيضا ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة ، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال بقاؤك في مكة خير لي ، فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدى نفسه وأطلق ، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع ، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر .
وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباس رضي الله عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ : قال أهل العلم بالتاريخ : إن العباس أسلم قديما يكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص) : من لقي العباس فلا يقتله فانه خرج مكرها ، وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة ، لكن النبي (ص) كتب إليه : إن مقامك بمكة خير لك . ولما بشر أبو رافع ـ رق النبي (ص) ـ بإسلام العباس ، أعتقه النبي (ص) .
فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلان وإظهار إيمانه ، ما كان يتهم بالشرك ؟
فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمين (ص) ، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر إيمانه ، ليتمكن من محاماة النبي (ص) ونصرته .
ولذلك ذكر المؤرخون كلهم ، منهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14/70 قال :
و في الحديث المشهور : أن جبرائيل (ع) قال له (ص) ليلة مات أبو طالب : " اخرج منها فقد مات ناصرك ".
السؤال... : هل اشتهر إسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون ؟
قلت : نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه ، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظمونه
-----------------------------------------------------------------
منقول
تعليق