جزاك الله خير المنصور الباحث كنت انوي الرد ولكنك سبقتني ..ولننتظر ردهم
X
-
باسمه تعالى
من مصائب الزمن وعجائبه حمل البعير أسفاراً
ووهم أصحاب العقول المُعطّلة أنهم يعقلون ما يقرأون
أو يعون ما يسمعون
حتى إذا كتبت لهم أو أسمعتهم هبَّ لك نُساخٌ ومطبلون
ومن لطائفهم أنهم إذا تكلفوا كتابة بعض العبائر غرقت مقاصدهم في بحور أخطائهم الإملائية
وسرعان ما يُسودون الصفحات بمطولات المنسوخات
وعلى عجلهم ينسون قراءة ما نسخوا بتروٍ عسى أن تحوي تناقضات أو تنقض مسلمات
ومن ذلك هذه الطريفة :
( إن القائل بلغنا كذا هو الزهرى وعنه حكى البخارى هذا البلاغ وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر"
بلاغات الزهري ليست بشيء نعول عليه ،، فهو ضعيف )
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
هذه الزيادة في الصحيح مما طار بها فرحا أعداء السنة من النصارى و أهل البدع المنتسبين للإسلام، زاعمين أن في أصح كتاب عند المسلمين -بعد كتاب الله تعالى- قصة فيها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حاول قتل نفسه مرارا في بداية بعثته...و الحق أن هذه الزيادة الموجودة في بعض نسخ صحيح البخاري و ليس كلها ليست صحيحة لا سندا و لا حتى متنا كما بينه العلماء و قبل أن أنقل نتفا من كلامهم أحب أن أبين شيئا قد خفي عن بعض الناس ألا و هو أن ليس كل ما في الصحيحين هو على شرطهما و بالتالي لا يجوز لأحد أن يروي شيئا من ذلك و يعزوه لهما أو أحدهما، فالإمام البخاري سما كتابه الصحيح "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليهوسلم وسننه وأيامه" فهو مسند، فكل ما فيه مما لم يتصل إسناده فهو ليس على شرطه. و إجماع الأمة على صحة ما في الصحيحين إلا أحرفا يسيرة، المقصود منه إجماعهم على صحة ما كان على شرطهما في كتابيهما رحمهما الله. و هذه الزيادة ليست متصلة و هي كما قال الإخوة من بلاغات الزهري فهي ضعيفة، و هي في السلسلة الضعيفة للألباني برقم 4859 قال:
- لما نزل عليه الوحي بـ (حراء)؛ مكث أياما لا يرى جبريل، فحزن حزناشديدا، حتى كان يغدو إلى ثبير مرة، وإلى حراء مرة، يريد أن يلقي نفسهمنه ، فبينا رسول الله صلي الله عليه وسلم كذلك عامدا لبعض تلك الجبال ؛إلى أن سمع صوتا من السماء ، فوقف رسول الله صلي الله عليه وسلم صعقاللصوت ، ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعا عليهيقول : يا محمد ! أنت رسول الله صلي الله عليه وسلم حقا، وأنا جبريل. قال: فانصرف رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه، وربط جأشه. ثم تتابع الوحي بعد وحمي.
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة"10/451:
باطل.
أخرجهابن سعد في "الطبقات" (1/ 196) : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني إبراهيمبن محمد بن أبي موسى عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف عن ابن عباس :
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما نزل عليه ...
قلت : وهذا إسناد موضوع ؛ آفته : إما محمد بن عمر - وهو الواقدي - ؛ فإنه متهم بالوضع . وقال الحافظ في "التقريب" :
"متروك مع سعة علمه" . وقد تقدمت كلمات الأئمة فيه أكثر من مرة .
وإماإبراهيم بن محمد بن أبي موسى - وهو ابن أبي يحيى ، واسمه سمعان الأسلميمولاهم أبو إسحاق المدني - ، وهو متروك أيضا مثل الواقدي أو أشد؛ قال فيهالحافظ أيضا:"متروك".وحكى في "التهذيب" أقوال الأئمة الطاعنين فيه ، وهي تكاد تكون مجمعة على تكذيبه ، ومنها قول الحربي :
"رغب المحدثون عن حديثه ، روى عنه الواقدي ما يشبه الوضع ، ولكن الواقدي تالف" .
وقوله في الإسناد : "ابن أبي موسى" أظنه محرفا من "ابن أبي يحيى" .
ويحتمل أنه من تدليس الواقدي نفسه ؛ فقد دلس بغير ذلك ، قال عبدالغني ابن سعيد المصري :
"هوإبراهيم بن محمد بن أبي عطاء الذي حدث عنه ابن جريج ، وهو عبدالوهاب الذييحدث عنه مروان بن معاوية ، وهو أبو الذئب الذي يحدث عنه ابن جريج" .
واعلمأن هذه القصة الباطلة قد وقعت في حديث عائشة في حكايتها رضي الله عنها قصةبدء نزول الوحي على النبي صلي الله عليه وسلم ، مدرجة فيه عند بعض مخرجيه، ووقعت في "صحيح البخاري" عن الزهري بلاغا ؛ فقد أخرجه (13/ 297-303) منطريق عقيل ومعمر عن ابن شهاب الزهري عن عروة عنها ؛ وجاء في آخر الحديث :
"وفترالوحي فترة ؛ حتى حزن النبي صلي الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدامنه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال ..." الحديث نحو رواية الواقدي .
وظاهرسياق الحديث في "البخاري" أن هذه الزيادة من رواية عقيل ومعمر كليهما! لكن حقق الحافظ أنها خاصة برواية معمر ؛ بدليل أن البخاري قد ساق في أول "الصحيح" رواية عقيل ، وليس فيها هذه الزيادة .
وأقوى منه : أن طريقعقيل أخرجها أبو نعيم في "مستخرجه" من طريق يحيى بن بكير - شيخ البخاري فيأول الكتاب - بدونها ، وأخرجه مقرونا - كما هنا - برواية معمر ، وبين أناللفظ لمعمر .
وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر .
وأخرجه أحمد ، ومسلم ، والإسماعيلي ، وأبو نعيم من طريق جمع من أصحاب الليث بدونها . قال الحافظ :
"ثمإن القائل : "فيما بلغنا" هو الزهري ، ومعنى الكلام : أن في جملة ما وصلإلينا من خبر رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه القصة ، وهو من بلاغاتالزهري ، وليس موصولا . ووقع عند ابن مردويه في "التفسير" من طريق محمد بنكثير عن معمر بإسقاط قوله : "فيما بلغنا" ، ولفظه : "فترة حزن النبي صليالله عليه وسلم منها حزنا غدا منه ..." إلى آخره ، فصار كله مدرجا علىرواية الزهري عن عروة عن عائشة . والأول هو المعتمد" .
قلت : يعني : أنه ليس بموصول ، ويؤيده أمران :
الأول : أن محمد بن كثير هذا ضعيف ؛ لسوء حفظه - وهو الصنعاني المصيصي - ؛ قال الحافظ :
"صدوق كثير الغلط" .
وليس هو محمد بن كثير العبدي البصري ؛ فإنه ثقة .
والآخر : أنه مخالف لرواية عبدالرزاق : حدثنا معمر ... التي ميزت آخر الحديث عن أوله ، فجعلته من بلاغات الزهري .
كذلك رواه البخاري من طريق عبدالله بن محمد : حدثنا عبدالرزاق ...
وكذلك رواه الإمام أحمد (6/ 232-233) : حدثنا عبدالرزاق به .
ورواهمسلم في "صحيحه" (1/ 98) عقب رواية يونس عن ابن شهاب به دون البلاغ ، ثمقال : وحدثني محمد بن رافع : حدثنا عبدالرزاق ... وساق الحديث بمثل حديثيونس ، مع بيان بعض الفوارق اليسيرة بين حديث يونس ومعمر ، ولم يسقالزيادة . ولولا أنها معلولة عنده بالانقطاع ؛ لما استجاز السكوت عنهاوعدم ذكرها ؛ تفريقا بين الروايتين أو الحديثين ، مع أنه قد بين منالفوارق بينهما ما هو أيسر من ذلك بكثير ! فدل هذا كله على وهم محمد بنكثير الصنعاني في وصله لهذه الزيادة ، وثبت ضعفها .وممايؤكد ذلك : أن عبدالرزاق قد توبع على إسناده مرسلا ، فقال ابن جرير في "تاريخه" (2/ 305 - دار المعارف) : حدثنا محمد بن عبدالأعلى قال : حدثناابن ثور عن معمر عن الزهري قال :
فتر الوحي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فترة ، فحزن حزنا شديدا ، جعل يغدو إلى رؤوس شواهق الجبال ليتردى منها ... الحديث .
وابن ثور : اسمه محمد أبو عبدالله العابد ، وهو ثقة .
فثبت بذلك يقينا وهم محمد بن كثير الصنعاني في وصله إياها .
فإن قيل : فقد تابعه النعمان بن راشد فقال : عن الزهري عن عروة عن عائشة به نحوه . أخرجه الطبري (2/ 298-299) ؟!
فأقول : إن حال النعمان هذا مثل حال الصنعاني في الضعف وسوء الحفظ ؛ فقال البخاري :
"في حديثه وهم كثير" . وفي "التقريب" :
"صدوق سيىء الحفظ" .
قلت : وفي حديثه هذا نفسه ما يدل على سوء حفظه ؛ ففيه ما نصه :
"ثمدخلت على خديجة فقلت : زملوني زملوني . حتى ذهب عني الروع ، ثم أتاني فقال : يا محمد ! أنت رسول الله - قال : - فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق منجبل ، فتبدى لي حين هممت بذلك ، فقال : يا محمد ! أنا جبريل وأنت رسولالله . ثم قال : اقرأ . قلت : ما أقرأ ؟ قال : فأخذني فغتني ثلاث مرات ؛حتى بلغ مني الجهد ، ثم قال : (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فقرأت ..." الحديث !!
قلت : فجعل النعمان هذا الأمر بالقراءة بعد قصة الهم المذكور ، وهذامنكر مخالف لجميع الرواة الذين رووا الأمر دونها ، فذكروه في أول حديث بدءالوحي ، والذين رووها معه مرسلة أو موصولة ؛ فذكروها بعده .
ومن ذلك : ما أخرجه ابن جرير أيضا (2/ 300-301) قال : حدثنا ابن حميد قال : حدثناسلمة عن محمد بن إسحاق قال : حدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال :
سمعتعبدالله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي : حدثنا ياعبيد ! كيف كان بدء ما ابتدىء به رسول الله صلي الله عليه وسلم من النبوةحين جاء جبريل عليه السلام ؟
قلت ... فذكر الحديث ، وفيه - بعد الأمر المشار إليه - :
قال : "فقرأته . قال : ثم انتهى ، ثم انصرف عني ، وهببت من نومي ، وكأنما كتبفي قلبي كتابا . [قال : ولم يكن من خلق الله أحد أبغض إلي من شاعر أومجنون ، كنت لا أطيق أن أنظر إليهما ! قال : قلت : إن الأبعد - يعني : نفسه - لشاعر أو مجنون ؟! لا تحدث بها عني قريش أبدا ، لأعمدن إلى حالق منالجبل فلأطرحن نفسي منه ، فلأقتلنها فلأستريحن] . قال : فخرجت أريد ذلك ،حتى إذا كنت في وسط الجبل ؛ سمعت صوتا من السماء ..." الحديث .
ولكن هذا الإسناد مما لا يفرح به ، لا سيما مع مخالفته لما تقدم من روايات الثقات ؛ وفيه علل :
الأولى : الإرسال ؛ فإن عبيد بن عمير ليس صحابيا ، وإنما هو من كبار التابعين ، ولد في عهد النبي صلي الله عليه وسلم .
الثانية : سلمة - وهو ابن الفضل الأبرش - ؛ قال الحافظ :
"صدوق كثير الخطأ" .
قلت : ومع ذلك ؛ فقد خالفه زياد بن عبدالله البكائي ؛ وهو راوي كتاب "السيرة" عن ابن إسحاق ، ومن طريقه رواه ابن هشام ، وقال فيه الحافظ :
"صدوق ثبت في المغازي" .
وقدأخرج ابن هشام هذا الحديث في "السيرة" (1/ 252-253) عنه عن ابن إسحاق به ؛دون الزيادة التي وضعتها بين المعكوفتين [] ، وفيها قصة الهم المنكرة .
فمنالمحتمل أن يكون الأبرش تفرد بها دون البكائي ، فتكون منكرة من جهة أخرى ؛وهي مخالفته للبكائي ؛ فإنه دونه في ابن إسحاق ؛ كما يشير إلى ذلك قولالحافظ المتقدم فيهما .
ومن المحتمل أن يكون ابن هشام نفسه أسقطها منالكتاب ؛ لنكارة معناها ، ومنافاتها لعصمة النبي صلي الله عليه وسلم ؛ فقدأشار في مقدمة كتابه إلى أنه قد فعل شيئا من ذلك ، فقال (1/ 4) :
".. وتارك ذكر بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب ؛ مما ليس لرسول الله صليالله عليه وسلم فيه ذكر ... وأشياء بعضها يشنع الحديث به ..." .
وهذا كله يقال على احتمال سلامته من العلة التالية ؛ وهي :
الثالثة : ابن حميد - واسمه محمد الرازي - ؛ وهو ضعيف جدا ، كذبه جماعة من الأئمة ، منهم أبو زرعة الرازي .
وجملةالقول ؛ أن الحديث ضعيف إسنادا ، منكر متنا ، لا يطمئن القلب المؤمنلتصديق هؤلاء الضعفاء فيما نسبوا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم منالهم بقتل نفسه بالتردي من الجبل ، وهو القائل - فيما صح عنه - :
"من تردى من جبل فقتل نفسه ؛ فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا" . متفق عليه : "الترغيب" (3/ 205) .
لا سيما وأولئك الضعفاء قد خالفوا الحفاظ الثقات الذين أرسلوه .وماأشبه هذا المرسل في النكارة بقصة الغرانيق التي رواها بعض الثقات أيضامرسلا ووصلها بعض الضعفاء ، كما بينته في رسالة لي مطبوعة بعنوان : "نصبالمجانيق لنسف قصة الغرانيق" ، فراجعها تجد فيها - كما في هذا الحديث - شاهدا قويا على ما ذهب إليه المحدثون : من أن الحديث المرسل من قسم الحديثالضعيف ؛ خلافا للحنفية ؛ لا سيما بعض المتأخرين منهم الذين ذهبوا إلىالاحتجاج بمرسل الثقة ولو كان المرسل من القرن الثالث !
بل غلا أحدهم من المعاصرين فقال : ولو من القرن الرابع ! وإذن ؛ فعلى جهود المحدثين وأسانيدهم السلام !
هذا؛ ولقد كان الباعث على كتابة هذا التخريج والتحقيق : أنني كنت علقت فيكتابي "مختصر صحيح البخاري" - يسر الله تمام طبعه - (1/ 5) على هذهالزيادة بكلمة وجيزة ؛ خلاصتها أنها ليست على شرط "الصحيح" ؛ لأنها منبلاغات الزهري . ثم حكيت ذلك في صدد بيان مزايا المختصر المذكور ؛ في بعضالمجالس العلمية في المدينة النبوية في طريقي إلى الحج أو العمرة سنة (1394) ، وفي عمرتي في منتصف محرم هذه السنة (1395) ، وفي مجلس من تلكالمجالس ذكرني أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأذكياء المجتهدين - ممن أرجوله مستقبلا زاهرا في هذا العلم الشريف ؛ إذا تابع دراسته الخاصة ولم تشغلهعنها الصوارف الدنيوية - أن الحافظ ابن حجر ذكر في "الفتح" : أن ابنمردويه روى زيادة بلاغ الزهري موصولا ، وذكر له شاهدا من حديث ابن عباس منرواية ابن سعد ؟ فوعدته النظر في ذلك ؛ وها أنا قد فعلت ، وأرجو أن أكونقد وفقت للصواب بإذن الله تعالى .
وإن في ذلك لعبرة بالغة لكل باحثمحقق ؛ فإن من المشهور عند المتأخرين : أن الحديث إذا سكت عنه الحافظ في "الفتح" فهو في مرتبة الحسن على الأقل ، واغتر بذلك كثيرون ، وبعضهم جعلهقاعدة نبه عليها في مؤلف له ، بل وألحق به ما سكت عنه الحافظ في "التلخيص" أيضا !!
وكل ذلك توسع غير محمود ؛ فإن الواقع يشهد أن ذلك ليس مطردا في "الفتح" ؛ بله غيره ، فهذا هو المثال بين يديك ؛ فقد سكت فيه على هذاالحديث الباطل ، وفيه متهمان بالكذب عند أئمة الحديث ، متروكان عند الحافظنفسه ! وقد سبق له مثال آخر - وهو الحديث (3898) - ، وقد أشرت إليه فيالتعليق على "مختصر البخاري" (1/ 277) ؛ يسر الله تمام طبعه . آمين .و قد طبع و الحمد لله.
و قال عماد الشربينى في كتابه "رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى ضوء السنة النبوية الشريفة":
الزيادة الواردة فى سند حديثعائشة رضى الله عنها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقلشيئا منها، ولا فعلها، فهى لا تصح سندا ولا متنا لما يلى :
أ-فأما الدليل على عدم صحة هذه الرواية سندا فهو ما ورد فى الرواية ذاتها إذفيها "حزن النبى صلى الله عليه وسلم، فيما بلغنا…" والقائل "فيما بلغنا" هو الإمام الزهرى وهو أعلم الحفاظ، ولكن لا يقبل ما رواه من غير سند! فعن يحيى بن سعيد القطان قال : مرسل الزهرى شر من مرسل غيره، لأنهحافظ، وكلما قدر أن يسمى سمى! وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه وهذهالزيادة من هذه القبيل، حيث أنها منقطعة قد رواها الزهرى بلاغا، وهو منصغار التابعين، وجل روايته عن كبار التابعين، وأقلها عن صغار الصحابة فكيف بالكبار منهم، لاسيما من شهدوا بدء الوحي إلى رسول الله صلى اللهعليه وسلم وعلىذلك فلا سند يعتمد عليه، ولعل الإمام البخارى وغيره ممن أخرج هذه الزيادةأرادوا بذلك التنبيه إلى مخالفتها لما صح من حديث بدء الوحي الذى لم تذكرفيه هذه الزيادة، وخصوصا أن البخارى لم يذكر هذه الزيادة فى بدء الوحي،ولا التفسير، وإنما ذكرها فى التعبير على ما سبق فى التخريج.
... ويؤيدما سبق، أن الأئمة الحفاظ يذكرون عقب هذه الزيادة حديث جابر الصحيح فىفترة الوحي إلى الزهرى بنفس السند الذى يروونه عنه فى حديث عائشة الأول،ويفهم من صنيعهم ذلك: أن الزهرى نفسه كان يحدث بحديث جابر عقب حديث عائشة.
... ففى مصنف الإمام عبد الرزاق بعد فراغه من حديث عائشة : قال معمر، قالالزهرى، فأخبرنى - حرف الفاء هذا يفيد العطف على رواية سابقة، والتعقيببأخرى لاحقة، وذلك فى مجلس واحد - أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحدث عن فترة الوحي،فقال فى حديثه : "بينما أنا أمشى سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسى، فإذاالذى جاءنى بحراء جالسا على كرسى بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا،ثم رجعت، فقلت : زملونى، زملونى، ودثرونى، فأنزل الله تعالى : { يا أيهاالمدثر } إلى { والرجز فاهجر } ... وكذلك الإمام البخارى ذكر حديث عائشة المتقدم فى بدء الوحي عن ابن شهاب،عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها إلى قولها : ثم لم ينشب ورقة أن توفى،وفتر الوحي، ثم قال عقبة : قال ابن شهاب : وأخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمنأن جابر بن عبد الله الأنصارى قال… فذكر الحديث بنحو رواية عبد الرزاق،غير أنه زاد فى آخره : "فحمى الوحي وتتابع" ... قال الحافظ ابن حجر : قوله : (قال ابن شهاب : وأخبرنى أبو سلمة) إنما أتى بحرق العطف، ليعلمأنه معطوف على ما سبق، كأنه قال : أخبرنى عروة بكذا، وأخبرنى أبو سلمةبكذا، وأخطأ من زعم أن هذا معلق، وإن كانت صورته صورة التعليق، ولو لم يكنفى ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة، فإنها دالة على تقديم شئ عطفته - وهو حديثعائشة المتقدم - ثم قال ابن شهاب - أى بالسند المذكور - وأخبرنى أبو سلمةبخبر آخر، وهو حديث جابر عن فترة الوحي)
... وكذلك فعل الإمام أحمدفى مسنده، مع أنه قد جمع فى مسنده مرويات كل صحابى على حده، دون الالتزامبالوحدة الموضوعية للأحاديث، لكنه لما روى حديث عائشة المتقدم عن عبدالرزاق عن معمر عن الزهرى، قال : فذكر حديثا لعله يشير إلى حديث جابرالذى أخرجه قبل ذلك فى المسند ... وكذلك صنعا مسلم، وابن حبان فى صحيحيهما عقب إخراجهما لحديث عائشة رضىالله عنها فدل هذا كله، على أن ابن شهاب الزهرى كان يحدث بالحديثينمعا، كما روى عنه غير واحد مما سبق بيانه، وأن الصواب فى رواية حديث عائشةبدون تلك الزيادة، كما أخرجه مسلم، والبخارى فى بعض مواضعه، وغيرهما
ب- أما الدليل على عدم صحة هذه الزيادة متنا فهو ما يلى :معارضتهالأصل من أصول الإسلام، وهو عصمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلامبمعنى : حفظ الله ظواهرهم وبواطنهم، وتفكيرهم وخواطرهم، وسائرا أعمالهم،حفظا كاملا، فلا يقع منهم قط ما يشكك فى نبوتهم ورسالاتهم، وهذا البلاغالمعمرى أو الزهرى، لم يبق لعصمة النبى صلى الله عليه وسلم مكانا فى مدةالحزن اليائس التى تقول أقصوصة هذا البلاغ إنه صلى الله عليه وسلم مكثهاوهو يغدو مرارا كى يتردى من شواهق الجبال، ولاسيما على مذهب من يرى أن مدةفترة الوحي - وهى مدة الحزن اليائس - قد طالت إلى ثلاث سنوات، أو سنتينونصف سنة، أو ستة أشهر، وفى هذا البلاغ الضعيف تصريح بأن صاحبه يذهب مذهبمن يرى طول مدة فترة الوحي لأن ما ذكر فيه من الغدو مرارا لكى يلقىبنفسه من ذرا الشواهق يقتضى طول المدة، ولاسيما مع تمثل جبريل له وقوله : أنا جبريل، وأنت رسول الله حقا، أكثر من مرة.يتعارضهذا البلاغ مع ما يجب أن يكون عليه النبى صلى الله عليه وسلم من رسوخالإيمان بنبوته، وكمال اليقين برسالته، ولا شك أن ما جاء فى هذا البلاغ،من تبدى جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبللكى يلقى منها نفسه، وقوله له : يا محمد : أنت رسول الله حقا، فإذا طالتعليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليهالسلام، فقال مثل ذلك - يصور مدى ما بلغه ذلك الحزن اليائس - فى زعمقائليه - من نفس النبى صلى الله عليه وسلم حتى جعله يتشكك فى تبدى جبريلله، وفى إخباره أنه رسول الله حقا، فالنبى صلى الله عليه وسلم - كما تصرحبه عبارة هذا البلاغ - لم يكد يسكن جأشه لتبدى جبريل له وإخباره أنه رسولالله حقا حتى يعود إلىعزيمته فى إلقاء نفسه من ذرا شواهق الجبال، فيتبدىله جبريل مرة أخرى، ويقول له : يا محمد، أنت رسول الله حقا.
فأين سكون جأشه الذى أحدثه فى نفسه تبدى جبريل له، وإخباره أنه رسول الله حقا؟.
وأينرسوخ إيمانه برسالة ربه التى شرفه بها قبل فترة الوحي، وأنزل عليه فى أولمراتب وحيها فى غار حراء قرآنا يتلى، حتى يعود عن عزيمته لإلقاء نفسه منذرا شواهق الجبال إذا طالت عليه فترة الوحي؟!.
إن ما تضمنه هذا البلاغ الضعيف يشمل أمرين :
أحدهما : ظاهر محسوس، يمكن مشاهدته، والحكم بوجوده أو عدم وجوده بمقتضى إمكان مشاهدته حسا.
ثانيهما :باطن محجوب فى داخل النفس، لا يمكن معرفته إلا بإخبار صاحبه الذى دار فىنفسه، أو إخبار من أظهرهم عليه بنقل ثابت عنه.
فذهاب النبى صلى الله عليهوسلم إلى أعالى الجبال وشواهقها التى ألف الصعود إليها فى أزمان خلواتهوتطلعاته للتفكر فى عجائب آيات الله الكونية، وبدائع ملكوته، أمر محسوس،يمكن الحكم عليه برؤيته ومشاهدته، ولا حرج فى أن يكون النبى صلى الله عليهوسلم قد حزن فى فترة الوحي اشتياقا لأنوار الشهود الروحانى الأعلى الذىكان يغمره فى أوقات نزول الوحي، ونزول آيات القرآن المبين، حزنا كان يغدومنه إلى ذرا الجبال التى كانت مأنس روحه، تطلعا إلى آفاق أشواقه لشهودتجليات أمين الوحي جبريل عليه السلام الذى سبق له أن تجلى فى آفاقهابصورته الملائكية الروحانية العالية.
... وكون هذا الذهاب إلى ذراشواهق الجبال لقصد التردى منها ليقتل نفسه - كما هو نص عبارة البلاغالضعيف - أمر باطن محجوب بأستار الضمير فى حنايا النفس، لا يعلمه، ولايطلع عليه إلا الله علام الغيوب، وإلا صاحبه الذى دار فى حنايا نفسه، وعزمعلى تحقيقه عمليا، وإلا من يظهره عليه صاحبه العليم به، بأخبار منه إليه،وكل ذلك لم يثبت!.
... وما روى عن ابن عباس من قوله : "مكث النبى صلىالله عليه وسلم أياما بعد مجئ الوحي لا يرى جبريل، فحزن حزنا شديدا حتىكان يغدو إلى ثبير مرة، وإلى حراء أخرى، يريد أن يلقى نفسه" غيرمسلم من وجوه:أ- أن حديث ابن عباس من رواية الواقدى، وهو معروف بالضعف، لا يقبل الجهابذة من المحدثين روايته إلا إذا اعتضدت بروايات الثقات.
ب- إذا صح سند الحديث إلى ابن عباس رضى الله عنهما، فهو اجتهاد لا يعلممعتمده، فى أمر لا سبيل إلى معرفته إلا بإخبار من النبى صلى الله عليهوسلم، ولم يثبت هذا الإخبار، فالحديث موقوف على ابن عباس، فيكون فى منزلةبلاغ الزهرى، كما يؤخذ من كلام ابن حجر يجب رفضه كرفض بلاغ الزهرى،وإبطاله كإبطاله، ولعل هذا الحديث الضعيف فى سنده، الباطل فى متنه ونصه،هو مستند بلاغ الزهرى، والزهرى إمام موثق، فلا حرج على البخارى فى إلحاقبلاغة بجامعه من جهة توثيق السند، على أن البخارى لم يلحقه بجامعه إلا فىموضع واحد فقط من مواضع حديث بدء الوحي، وهى متعددة فيه بالإسناد نفسهمقرونا بإسناد آخر تارة، وغير مقرون تارة أخرى، ولم يرد فى تلك المواضعذكر لهذا البلاغ الضعيف إلا فى كتاب (التعبير) بلاغا لا تأصيلا.
ثالثا : ثبت فى الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن رسول الله صلىالله عليه وسلم تحدث عن فترة الوحي، ولم يرد فى كلامه صلى الله عليه وسلمكلمة واحدة، تشعر بما جاء فى هذا البلاغ الضعيف، حتى ولو مجرد حزن لحق بهتأسفا على هذه الفترة.
... هذا مع أنه لا نرى حرجا فى أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم قد اعتراه شئمن الحزن فى مدة فترة الوحي، لانقطاع أنوار الشهود الروحى، ولا نرى حرجافى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى ذرا الجبال تطلعا لتجلياتأمين الوحي الذى عهد لقاءه فى هذه الذرا، وهذا أمر فطرى وطبيعى، فالإنسانإذا حصل له خير أو نعمة فى مكان ما، فإنه يحب هذا المكان، ويلتمس فيه ماافتقده، فلما فتر الوحي: صار صلى الله عليه وسلم يكثر من ارتياد قممالجبال، ولاسيما حراء، رجاء أنه إن لم يجد جبريل فى حراء، فليجده فى غيره،فرآه راوى هذه الزيادة وهو يرتاد قمم الجبال، فظن أنه يريد أن يلقى بنفسه،وقد أخطأ الراوى المجهول فى ظنه قطعا.
... وليس أدل على ضعف هذهالزيادة وتهافتها من أن جبريل عليه السلام كان يقول للنبى صلى الله عليهوسلم كلما أوفى بذروة جبل : "يا محمد إنك رسول الله حقا" وأنه كرر ذلكمرارا، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفى فى تثبيت النبى صلى الله عليهوسلم وصرفه عما حدثته به نفسه كما زعموا.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
مع اني لا اوافق على فقرة الإنتحار هذه ولكن
لعل المقصود هو شوق النبي صلى الله عليه واله وسلم لتقلي الوحي من الله عز وجل فلم يكن يستطع صبرا على الإنقطاع (ارحنا يا بلال).
الحزن اتفهمه
ولكن الصعود الى الجبل ومحاولة إلقاء نفسك من شاهق هذه لا يقبلها عاقل.... خصوصا انها صادرة عن احكم الحكماء واعقل العقلاء...
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.
تعليق