لقاء ايراني سوري متوقع قريباً لتأكيد التحالف والتمسك بالثوابت
رضوان الذيب*
عندما حمل وزير خارجية اميركا وارن كريستوفر في عهد الرئيس كلينتون عام 1993 انذارا الى سوريا بضربها اذا استمرت بدعم المقاومة رد الرئيس الراحل حافظ الاسد بالقول: «لسنا من رواد الحرب، ونعرف ان اسرائيل تملك اسلحة اقوى، واكثر تطوراً من اسلحتنا، لكننا اذا ما حوصرنا فسوف ندافع عن انفسنا، ولن نخضع لهذا الابتزاز الرخيص بأن تفرض علينا الهزيمة بغير قتال، وسوف نواجهه حتى اذا كنا متأكدين من الخسارة، عندها على الاقل لا نخسر شرفنا وكرامتنا، ونهزم في القتال وبعد القتال، مما يبقي القضية حية في ضمير اجيالنا..
ويقول الرئيس الراحل: «حين واجهنا الوجود العسكري الاميركي ثم الاطلسي في لبنان، لم نكن نتوهم اننا اقوى منهم عسكريا، ولكننا كنا ندرك اننا أقوى منهم بأرضنا وتاريخنا».وعندما لوح احد الموفدين الاميركيين باستخدام نيوجرسي لفرض 17 ايار اجابه الرئيس الاسد: «لقد سمعت الكثير عن هذه البارجة ومدافعها الاسطورية، قيل لي ان عرض فوهة المدفع يصل الى الف ملم وان زنة القذيفة الواحدة من قذائفها تصل الى الف كلغ، واننا متشوقون لان نعرف فعل هذه القذائف المدهشة، ففي علمنا ان القذيفة ومهما كانت زنتها لا بد ان تسقط على الارض، وانها تحدث في الارض حفرة، تختلف بعمق قوة القذيفة لكنها لا تنسف وجود الارض ولا تزلزلها، ولا يمكن ان تفصل لبنان عن سوريا، فالارض هي الباقية ونحن باقون فوقها، اما الآتي من البعيد، فما له ان يعود، من حيث أتى ولا يبقى على الارض الا اهلها» ولذلك فان المتابعين يشبهون مواقف الاسد الابن بمواقف والده الراديكالية من الصراع في المنطقة، حتى ان البعض يشبه خطاب الاسد الاخير بالخطاب الذي القاه جمال عبد الناصر غداة تأميم قناة السويس عام 1956، في حين يسترسل البعض بالوصف ليطلق عليه الخطاب الذي سبق اعلان الوحدة المصرية السورية عام 1958 من قبل الرئيس عبد الناصر، رغم اختلاف الظروف الموضوعية بين تلك «الحقبة النقية» والواقع العربي الرسمي اليوم.لذلك فان خطاب الرئيس الاسد سيبقى «الحدث» ومحور النقاش في الفترة المقبلة بعدما كان «محور النقاش» قرارات الامم المتحدة والمواقف الفرنسية والاميركية والبريطانية والدولية، وماذا اعلنت هذه الدول، وماذا قررت، وكيف ستتعامل سوريا مع الدعوات العربية الداعية لدفن «الرؤوس في الرمال» حتى مرور العاصفة، وظهر الموقف السوري كأنه «لا حول ولا قوة» أمام القرارات الدولية الممسكة وحدها بسير الامور وما على سوريا الا الرضوخ. وفي هذه الاجواء، عممت صورة عن ارباك في الموقف السوري وبأنه لا مفر الا التعامل مع هذا الواقع الذي ينحصر بين «السيئ والأسوأ» وبأنه كلاهما مر، بالاضافة الى اجواء عن عدم قدرتها على الصمود امام الضغوط وهشاشة اوضاعها الداخلية، مما خلق غموضاً لدى المواطن السوري، فجاء خطاب الاسد ليصوب البوصلة وليعيد «الهيبة» و«المنعة» الى الموقف السوري ودوره الاقليمي والدولي لجهة مقاومة الضغوط والتمسك بالثوابت، رغم ان الرئيس الأسد لم يقفل النافذة او يغلق الابواب امام التعاون والحوار والنقاش حول التفاصيل دون المسّ بالثوابت وهو بذلك «سر أبيه».ومن هنا تقول المعلومات ان سوريا اعتمدت خلال الفترة الماضية سياسة «الغموض البناء» مقابل «الهيمنة الشاملة» وتركها تأخذ اقصى مداها وتستنفذ كل طاقاتها، واوراقها، حتى جاء خطاب الرئيس الاسد ليقلب كل الصورة، وليعيد النقاش الى بداياته، مما اعطى موقفه القوة، وردة الفعل، ونقل النقاش الى مكان آخر وجهة اخرى تتعلق بالضغوطات وبالمواقف الدولية من المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، وهذا ما اراده الاسد من خطابه لجهة تشعب النقاش باتجاهات مختلفة، وتقول المعلومات «ان سوريا استفادت كثيرا من اجواء الحملة الدولية عليها، واستثمرتها لتحصين الداخل السوري والوحدة الداخلية بعدما نجحت في تعميم اجواء للمواطن السوري والعربي بأن للحملة الدولية اغراضا سياسية تتعلق بالموقف من دعم المقاومة في العراق وفلسطين، خصوصا وان المواقف الدولية حملت شروطاً للتعاون في العراق جعلت المواطن السوري يسأل عن الرابط بين كشف حقيقة مَن اغتال الشهيد رفيق الحريري والموقف السوري من العراق. فالمواطن السوري والعربي عموماً عندما يري صور المآسي في العراق والنموذج الاميركي السيء الذي قدم للعراق سيتمسك بالاستقرار في سوريا والمنطقة. فبين النظام العربي السيئ والنموذج الاميركي الأسوأ في العراق سيختار المواطن العربي النظام الرسمي العربي وليس الاحتلال، وبالتالي فان الخوف من سقوط سوريا من الداخل سيناريو غير قابل للتحقيق في ظل المواقف السورية الداعمة للمقاومة في العراق وفلسطين والتي تعبر عن رغبة المواطن السوري، فاستقرار سوريا نابع من التزاماتها القومية اما احتمال الفوضى فبالتخلي عن هذه الثوابت. وتضيف المعلومات،ان خطاب الرئيس الاسد سيبقى محوراً للتعليق والنقاش في لبنان بين مؤيد ومعارض خصوصاً على خلفية الانتقادات لرئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة من قبل الاكثرية النيابية، لكنه سيعطي «نفساً» معنويا وجرعة «مصل» لحلفاء سوريا في لبنان بعد «الانكفاء القسري» لمعظمم عن الواجهة، رغم بعض الاستثناءات منذ الانتخابات النيابية، وما حملته من مواقف يومية، وحملات متزامنة، مع اجواء دولية وحركة سفراء في الداخل اعطت انطباعات عن نهاية مأساوية للحقبة السورية في لبنان ورموزها ومن الطبيعي ان يرفع حلفاء سوريا من سقف مواقفهم بعد خطاب الاسد.وكذلك فان البعض يصف خطاب الرئيس الاسد بأنه استشراف للمستقبل دون الغرق في اللحظة الراهنة، عبر استحضار كل وجدان التراث الجهادي وبالتالي فهو حديث القوة والشجاعة في ظل الواقع الحالي الذي يطلب فيه من سوريا ازالة «جدارها الهائل» الذي يحول دون تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد، فالمشروع يريد ليس تفكيك سوريا بل تفكيك المنطقة ما دون «السايكس بيكو».ولذلك فان الخطاب الاخير للرئيس الاسد هو تشخيص واقعي وموضوعي للمشهد الاخر من اللوحة في ظل اصرار الاخرين على رسم صورة سوداوية ومأساوية للواقع الحالي.ومن هنا، فان الجميع بانتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة بعدما رسمت سوريا ثوابتها في حين يتوقع الجميع زيادة الضغوط الدولية عبر فرض عقوبات مع استبعاد مطلق لاي عمل عسكري حيث انتهت الحرب الاستباقية مع العراق، في حين ينتظر خلال الاسبوع المقبل حصول لقاء ايراني سوري على مستوى عال لتأكيد ثوابت الملف الايراني السوري في مواجهة الضغوط. اما في لبنان فان حلفاء سوريا الاساسيين وتحديدا حزب الله وحركة أمل سيستمرون في نفس النهج السياسي القائم على الهدوء وتحصين الساحة الداخلية والحفاظ على اجواء الوحدة الوطنية رغم ما اصاب الحكومة من تصدعات يعمل الجميع على ترميمها بانتظار محطة 15 كانون الاول. فللجميع مصلحة في اللعب على الوقت وتأجيل النقاش الاساسي حتى ظروف مختلفة. فلحظة الفراق في المواقف السياسية في لبنان لم تحن ظروفها بعد. لكنها آتية في النهاية، ووحدها كشف حقيقة من قتل الرئيس الحريري ستقلب الصورة وستفتح مجالا اخر للنقاش وستزيل الكثير من الواقع الحالي باتجاه وحدة الموقف، ولكن يبقي الخوف من التسييس، وهنا مكمن الخطورة على لبنان وسوريا والمنطقة.
*كاتب في جريدة الديار
رضوان الذيب*
عندما حمل وزير خارجية اميركا وارن كريستوفر في عهد الرئيس كلينتون عام 1993 انذارا الى سوريا بضربها اذا استمرت بدعم المقاومة رد الرئيس الراحل حافظ الاسد بالقول: «لسنا من رواد الحرب، ونعرف ان اسرائيل تملك اسلحة اقوى، واكثر تطوراً من اسلحتنا، لكننا اذا ما حوصرنا فسوف ندافع عن انفسنا، ولن نخضع لهذا الابتزاز الرخيص بأن تفرض علينا الهزيمة بغير قتال، وسوف نواجهه حتى اذا كنا متأكدين من الخسارة، عندها على الاقل لا نخسر شرفنا وكرامتنا، ونهزم في القتال وبعد القتال، مما يبقي القضية حية في ضمير اجيالنا..
ويقول الرئيس الراحل: «حين واجهنا الوجود العسكري الاميركي ثم الاطلسي في لبنان، لم نكن نتوهم اننا اقوى منهم عسكريا، ولكننا كنا ندرك اننا أقوى منهم بأرضنا وتاريخنا».وعندما لوح احد الموفدين الاميركيين باستخدام نيوجرسي لفرض 17 ايار اجابه الرئيس الاسد: «لقد سمعت الكثير عن هذه البارجة ومدافعها الاسطورية، قيل لي ان عرض فوهة المدفع يصل الى الف ملم وان زنة القذيفة الواحدة من قذائفها تصل الى الف كلغ، واننا متشوقون لان نعرف فعل هذه القذائف المدهشة، ففي علمنا ان القذيفة ومهما كانت زنتها لا بد ان تسقط على الارض، وانها تحدث في الارض حفرة، تختلف بعمق قوة القذيفة لكنها لا تنسف وجود الارض ولا تزلزلها، ولا يمكن ان تفصل لبنان عن سوريا، فالارض هي الباقية ونحن باقون فوقها، اما الآتي من البعيد، فما له ان يعود، من حيث أتى ولا يبقى على الارض الا اهلها» ولذلك فان المتابعين يشبهون مواقف الاسد الابن بمواقف والده الراديكالية من الصراع في المنطقة، حتى ان البعض يشبه خطاب الاسد الاخير بالخطاب الذي القاه جمال عبد الناصر غداة تأميم قناة السويس عام 1956، في حين يسترسل البعض بالوصف ليطلق عليه الخطاب الذي سبق اعلان الوحدة المصرية السورية عام 1958 من قبل الرئيس عبد الناصر، رغم اختلاف الظروف الموضوعية بين تلك «الحقبة النقية» والواقع العربي الرسمي اليوم.لذلك فان خطاب الرئيس الاسد سيبقى «الحدث» ومحور النقاش في الفترة المقبلة بعدما كان «محور النقاش» قرارات الامم المتحدة والمواقف الفرنسية والاميركية والبريطانية والدولية، وماذا اعلنت هذه الدول، وماذا قررت، وكيف ستتعامل سوريا مع الدعوات العربية الداعية لدفن «الرؤوس في الرمال» حتى مرور العاصفة، وظهر الموقف السوري كأنه «لا حول ولا قوة» أمام القرارات الدولية الممسكة وحدها بسير الامور وما على سوريا الا الرضوخ. وفي هذه الاجواء، عممت صورة عن ارباك في الموقف السوري وبأنه لا مفر الا التعامل مع هذا الواقع الذي ينحصر بين «السيئ والأسوأ» وبأنه كلاهما مر، بالاضافة الى اجواء عن عدم قدرتها على الصمود امام الضغوط وهشاشة اوضاعها الداخلية، مما خلق غموضاً لدى المواطن السوري، فجاء خطاب الاسد ليصوب البوصلة وليعيد «الهيبة» و«المنعة» الى الموقف السوري ودوره الاقليمي والدولي لجهة مقاومة الضغوط والتمسك بالثوابت، رغم ان الرئيس الأسد لم يقفل النافذة او يغلق الابواب امام التعاون والحوار والنقاش حول التفاصيل دون المسّ بالثوابت وهو بذلك «سر أبيه».ومن هنا تقول المعلومات ان سوريا اعتمدت خلال الفترة الماضية سياسة «الغموض البناء» مقابل «الهيمنة الشاملة» وتركها تأخذ اقصى مداها وتستنفذ كل طاقاتها، واوراقها، حتى جاء خطاب الرئيس الاسد ليقلب كل الصورة، وليعيد النقاش الى بداياته، مما اعطى موقفه القوة، وردة الفعل، ونقل النقاش الى مكان آخر وجهة اخرى تتعلق بالضغوطات وبالمواقف الدولية من المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، وهذا ما اراده الاسد من خطابه لجهة تشعب النقاش باتجاهات مختلفة، وتقول المعلومات «ان سوريا استفادت كثيرا من اجواء الحملة الدولية عليها، واستثمرتها لتحصين الداخل السوري والوحدة الداخلية بعدما نجحت في تعميم اجواء للمواطن السوري والعربي بأن للحملة الدولية اغراضا سياسية تتعلق بالموقف من دعم المقاومة في العراق وفلسطين، خصوصا وان المواقف الدولية حملت شروطاً للتعاون في العراق جعلت المواطن السوري يسأل عن الرابط بين كشف حقيقة مَن اغتال الشهيد رفيق الحريري والموقف السوري من العراق. فالمواطن السوري والعربي عموماً عندما يري صور المآسي في العراق والنموذج الاميركي السيء الذي قدم للعراق سيتمسك بالاستقرار في سوريا والمنطقة. فبين النظام العربي السيئ والنموذج الاميركي الأسوأ في العراق سيختار المواطن العربي النظام الرسمي العربي وليس الاحتلال، وبالتالي فان الخوف من سقوط سوريا من الداخل سيناريو غير قابل للتحقيق في ظل المواقف السورية الداعمة للمقاومة في العراق وفلسطين والتي تعبر عن رغبة المواطن السوري، فاستقرار سوريا نابع من التزاماتها القومية اما احتمال الفوضى فبالتخلي عن هذه الثوابت. وتضيف المعلومات،ان خطاب الرئيس الاسد سيبقى محوراً للتعليق والنقاش في لبنان بين مؤيد ومعارض خصوصاً على خلفية الانتقادات لرئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة من قبل الاكثرية النيابية، لكنه سيعطي «نفساً» معنويا وجرعة «مصل» لحلفاء سوريا في لبنان بعد «الانكفاء القسري» لمعظمم عن الواجهة، رغم بعض الاستثناءات منذ الانتخابات النيابية، وما حملته من مواقف يومية، وحملات متزامنة، مع اجواء دولية وحركة سفراء في الداخل اعطت انطباعات عن نهاية مأساوية للحقبة السورية في لبنان ورموزها ومن الطبيعي ان يرفع حلفاء سوريا من سقف مواقفهم بعد خطاب الاسد.وكذلك فان البعض يصف خطاب الرئيس الاسد بأنه استشراف للمستقبل دون الغرق في اللحظة الراهنة، عبر استحضار كل وجدان التراث الجهادي وبالتالي فهو حديث القوة والشجاعة في ظل الواقع الحالي الذي يطلب فيه من سوريا ازالة «جدارها الهائل» الذي يحول دون تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد، فالمشروع يريد ليس تفكيك سوريا بل تفكيك المنطقة ما دون «السايكس بيكو».ولذلك فان الخطاب الاخير للرئيس الاسد هو تشخيص واقعي وموضوعي للمشهد الاخر من اللوحة في ظل اصرار الاخرين على رسم صورة سوداوية ومأساوية للواقع الحالي.ومن هنا، فان الجميع بانتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة بعدما رسمت سوريا ثوابتها في حين يتوقع الجميع زيادة الضغوط الدولية عبر فرض عقوبات مع استبعاد مطلق لاي عمل عسكري حيث انتهت الحرب الاستباقية مع العراق، في حين ينتظر خلال الاسبوع المقبل حصول لقاء ايراني سوري على مستوى عال لتأكيد ثوابت الملف الايراني السوري في مواجهة الضغوط. اما في لبنان فان حلفاء سوريا الاساسيين وتحديدا حزب الله وحركة أمل سيستمرون في نفس النهج السياسي القائم على الهدوء وتحصين الساحة الداخلية والحفاظ على اجواء الوحدة الوطنية رغم ما اصاب الحكومة من تصدعات يعمل الجميع على ترميمها بانتظار محطة 15 كانون الاول. فللجميع مصلحة في اللعب على الوقت وتأجيل النقاش الاساسي حتى ظروف مختلفة. فلحظة الفراق في المواقف السياسية في لبنان لم تحن ظروفها بعد. لكنها آتية في النهاية، ووحدها كشف حقيقة من قتل الرئيس الحريري ستقلب الصورة وستفتح مجالا اخر للنقاش وستزيل الكثير من الواقع الحالي باتجاه وحدة الموقف، ولكن يبقي الخوف من التسييس، وهنا مكمن الخطورة على لبنان وسوريا والمنطقة.
*كاتب في جريدة الديار