لم تصدق مي أنه أمسى أمامها حقا بعد كل ما أرعبها من خوف شديد عليه , خوف كاد أن يقودها إلى الجنون لا سيما بعد انتهاء الحرب و انسحاق الجيش العراقي بالكامل أمام القوات الأمريكية التي ملأت كل شوارع بغداد , حينئذ أوشكت فعلا على التسليم بفقدانـها له إلى الأبد فراحت تبكيه بحرقة و مرارة حادتين و هي تحس بأن دموعها التي حاولت جاهدة إخفائـها عن الجميع قد صارت سم يسري في كافة أنحاء جسدها الغض .. عبرت الباب الخارجية لدارهم بسرعة كبيرة نحوه و كادت من فرط لهفتها الشديدة عليه أن ترتمي في أحضانـه بقوة تفضي ببغض اشتياقها إليه و لعله هو أيضا أراد فعل نفس الشيء إلا إنـهما تمالكا نفسيهما أخيرا و اكتفيا بالمصافحة الحارة و السريعة أيضا و قبل أن يجرفهما الحديث الشجي بعيدا عن المكان الذي يقفان فيه قالت له : محمد .. نحن لن نستطيع التكلم هنا , ليس أمام بيتنا و على مرأى من الجيران .
ـ لا تقولي لي أن أذهب الآن فهذا محال بعد كل ما مررنا به , أنا لا أشعر أنني نفذت من الموت إلا من أجل أن أراك .
ـ نعم و لكن .. أطرقت لحظات في التفكير ثم أردفت و قد بانت إشراقة على وجهها : اسمع , أترى ذلك البيت هناك ؟ .. و أشارت إلى بيت يقع في نـهاية الشارع .
قال و ينظر نحوه : نعم , ما به ؟
ـ إنه بيت صار مهجور الآن و لا أحد يدخله بعدما تركه أهله و سرق اللصوص كل ما فيه حتى الستائر .
ـ و لـمّ تركه أهله ؟ و إلى أين ذهبوا ؟
ـ هذا ليس مهم الآن , المهم اذهب إلى هناك و انتظرني و سوف ائتي إليك حالما تسنح لي الفرصة .
ابتسم ابتسامة واسعة كأنـه يقبلها بـها قبلة امتنان عاشقة و ذهب بخطى حثيثة باتجاه ذلك الدار المهجور , و لكنه تلك الخطى ما لبثت أن تباطأت في سيرها شيئا فشيء بعد ذلك حتى جمدت به أمام بابه الخارجي , فقد راودت نفسه بعض الريبة من دخوله للقاء حبيبته فيه , لا شك أن في ذلك مغامرة كبيرة تتطلب جرأة لم يعرفها فيها من قبل , جرأة لا بد إن الحرب و طيلة غيابه عنها قد غرستاها داخل روحها القلقة عليه .. دخل بسرعة مفاجئة عبر ذلك الباب متواريا عن الأنظار التي خاف أن يلفت انتباهها و بسرعة مماثلة سار نحو الداخل رادا الباب الخشبي ورائه ليأخذ نفسا عميقا بينما كان القلق لم يزل يداخله حتى أنـه قد فكر بمعاودة الخروج من ذلك المنزل الفاقد للحياة تماما إلا أن شوقه الغامر إليها قد ألزمه مكانـه في انتظار قدومها إلية لتغمره عينيها بحب توجس كثيرا طيلة فترة الحرب المقيتة من مغبة حرمانـه منه و إلى الأبد , غريب إنـه لم يدرك مدى قوة ذلك الحب و عمقه داخل قلبه إلا عندما كان أقرب ما يكون إلى الموت حتى أنـه بات يشعر و كأنه قد خلف ورائه زوجته التي أمضى معها زمن كامل و ليس فقط حبيبة لم تمضي على قصة حبهما أكثر من سنة و نصف بدأت يوم ما رآها في بيت أحد أصدقائه حيث أنـها كانت صديقة أخته , في ذلك اليوم بالتحديد و بسرعة عجيبة وجد كل منهما نفسه منساقا وراء الآخر بعاطفة لم تكتنفه أبدا من قبل , و برغم أنه كان قد مر بأكثر من علاقة مع فتيات غيرها إلا أنـها كانت جميعها علاقات عابرة لم تستطع مساس قلبه بعكس علاقتهما التي كانت تزيدهما تعلقا ببعضهما مع مضي الأيام , حتى خلافاتـهما و إن حصلت لم تكن تدوم أبدا سوى عدة أيام على الأكثر لتبرهن لكل منهما مقدار حاجته إلى الآخر ..
ساقه الفصول بعد لحظات لاستكشاف بقية غرف البيت الواسعة الفارغة من كل شيء عدا أكوام من الأثاث المحطم و الثياب الممزقة و أكداس من الأوراق المتناثرة على طول وعرض كل غرفة من تلك الغرف المتعددة و الموزعة على طابقين يدل بناءهما على يسر حال أصحاب ذلك البيت الذين هجروه كما أخبرته مي , قال في سره و هو ينظر إلى أماكن مقابض الأبواب المختفية : و كأن البيت قد تعرض إلى هجمة من هجمات المغول , من الغريب أن اللصوص قد تركوا الأبواب و الشبابيك على حالها و لم يسرقوها أيضا .. لعلهم تركوها لغزوة أخرى .
سمع حركة و وقع أقدام عند المدخل فمشى بتؤدة نحو الباب الذي دخل منه متوجسا حتى رآها مقبلة نحوه بابتسامة حلوة جذابة توهجت لـها ملامح وجهها الخمري المستدير و اتسعت لـها عيناها السوداوتان , أحاطها بنظراته طويلا من غير أن ينطق بكلمة و من ثم راح يقترب منها حتى أمسك بيديها اللتين سرعان ما أفلتتهما من قبضة يديه في استحياء ثم طلبت منه الدخول إلى إحدى الغرف الأخرى الغير المطلة على الشارع , جلسا على أرض الغرفة التي دخلاها مستندين إلى أحد جدرانـها حيث سلما نفسيهما لحديث طويل و متشعب , حكى لـها عن كل ما واجهه في الحرب من صعاب كادت أن تفتك به و بأصحابه حتى من قبل أن تبدأ المعارك التي كانت في الغالب تباشر من طرف واحد هو الطرف الأمريكي و البريطاني و عن كل ما مر به الجيش برمته من محن و مهالك خلال كل الأيام التالية حتى حولتهم إلى مجرد جماعات متفرقة متجرد من السلاح الذي تخلوا عنه عند أول فرصة أتيحت لـهم بينما كان الذعر يسوقهم باتجاه أماكن شتى لم يخبروا مجاهلها من قبل فأوامر الزحف تكون باستمرار واضحة و صريحة بعكس أوامر الانسحاب و التقهقر التي غالبا ما تكون غامضة و مربكة للجنود وحتى القادة , قال مبتئسا : كنا نتراجع إلى أين لا أحد يعرف , تهنا بين المدن و القرى و النواحي لا نعرف شيء عن وحداتنا العسكرية و لا عن الاتجاه الذي علينا أن نسلكه فلم على أي مكان نستطيع التجمع فيه أو على الأقل الاحتماء فيه , آوتنا بعض العائلات خلال عودتنا الطويلة و المهلكة إلى بغداد و لكن إلى متى كان يمكن لتلك الضيافة أن تستمر .. [ضحك بمرارة ] و لما وصلنا أخيرا إلى بغداد وجدنا أن الأمريكان قد سبقونا إليها , كم رأيت أفلاما أجنبية تصور بشاعة الحروب و ما تخلفه من دمار و ويلات و لكن كل ذلك لم يكن شيئا بالنسبة لما عايشته خلال الأيام الماضية , و لـمّ خلال الأيام الماضية فقط ؟ فنحن لم نزل نحيا هذا الواقع المرير ليل نـهار ..
كانت تنصت إليه بملء جوارحها في سكون و عينيها لا تفارقان عينيه البنيتين مشفقتين على حال حبيبها الحزين الذي لم ترياه بمثل هذا السأم و هذا الإحباط يوما , شاركها الصمت لحظات ثم قال و هو ينظر إلى فراغ المكان من حوله : هل أنت متأكدة من أن أحدا لن يفكر في الدخول إلى هنا الآن و مباغتتنا ؟
ـ اطمئن .
ـ كيف أطمئن ؟ ألا يمكن أن يدخله أي أحد لأي سبب كان ؟ كأن يختبيء فيه مثلا لصا أو أحد أفراد المقاومة أو حتى بعثي .
ـ إن هذا البيت هو لمسئول بعثي كبير تركه وأهله حتى قبل سقوط بغداد لينفذ بجلده من انتقام كل أهل المنطقة فقد كان يرعب الجميع بسطوته و تقاريره التي دمرت حياة الكثيرين و الكثيرين , كم كنت أخافه و أخاف نظراته الحادة و وجهه البشع الدائم التجهم .
ـ إن وجودنا هنا يعتبر مخاطرة كبرى خاصة بالنسبة لك .. لا أعرف أنا غير مرتاح , افرضي ....
قاطعته بسخرية فيها نوع من التحدي : مخاطرة كبرى ؟ إن حياتنا الآن نفسها مخاطرة و مخاطرة مجنونة أيضا , و على كل حال أنا آتي إلى هنا كل يوم تقريبا في هذا الوقت , تستطيع أن تقول إنني أعتبره مخبأي السري .
قال مستغربا : تأتين إلى هنا كل يوم ؟ لماذا ؟
ـ حتى أتجنب الجنون , أم أن ليس هناك شيء مما حولنا يبعث على الحنون برأيك ؟ كنت أجيء إلى هنا لأنفس عن بعض كربي .
ـ ولكن ماذا كنت تفعلين في هذا البيت المهجور لوحدك ؟
نظرت إليه في حزن ثم قالت : أبكي غيابك عني , و في أحيان كثيرة أناديك في سري و كأني كنت أترجى أن تجيبني من مكانك المجهول , أعرف إن ذلك كان يعتبر أيضا نوع من الجنون ولكنه كان يريحني بعض الشيء و يعطيني المقدرة على الاحتمال أطول فترة ممكنة .
فرب وجهه منها و قال بنبرة حنونة دافئة : و ها أنا قد عدت إليك و لن أبتعد عنك ثانية ..
لا يذكر أبدا أن شفتيه كانتا قريبتين إلى شفتيها كمثل تلك اللحظة التي تركزت فيها نظراته إليهما بتوق شديد , وضعت كفها بينهما و قالت بنبرة شبه متوسلة : إياك أن تفعل .
قال و كأنه يهمس إلى ذلك الكف الناعم : أفعل ماذا ؟
ـ أنت تعرف , تماما كما أعرف أنني لن أستطيع صدك بعد ذلك .
قال بمكر : و لكن القبل في أوقات الحروب مباحة .
قالت ضاحكة : و من أباحها هذه المرة ؟ صدام أم بوش ؟ .. ثم أن الحرب انتهت و كل حرب و أنتم بخير على رأي نزار قباني .
يمكنكم متابعة قراءة القصة من موقعها والتعليق عليها
http://www.mofakren.com/modules.php?...rder=0&thold=0
ـ لا تقولي لي أن أذهب الآن فهذا محال بعد كل ما مررنا به , أنا لا أشعر أنني نفذت من الموت إلا من أجل أن أراك .
ـ نعم و لكن .. أطرقت لحظات في التفكير ثم أردفت و قد بانت إشراقة على وجهها : اسمع , أترى ذلك البيت هناك ؟ .. و أشارت إلى بيت يقع في نـهاية الشارع .
قال و ينظر نحوه : نعم , ما به ؟
ـ إنه بيت صار مهجور الآن و لا أحد يدخله بعدما تركه أهله و سرق اللصوص كل ما فيه حتى الستائر .
ـ و لـمّ تركه أهله ؟ و إلى أين ذهبوا ؟
ـ هذا ليس مهم الآن , المهم اذهب إلى هناك و انتظرني و سوف ائتي إليك حالما تسنح لي الفرصة .
ابتسم ابتسامة واسعة كأنـه يقبلها بـها قبلة امتنان عاشقة و ذهب بخطى حثيثة باتجاه ذلك الدار المهجور , و لكنه تلك الخطى ما لبثت أن تباطأت في سيرها شيئا فشيء بعد ذلك حتى جمدت به أمام بابه الخارجي , فقد راودت نفسه بعض الريبة من دخوله للقاء حبيبته فيه , لا شك أن في ذلك مغامرة كبيرة تتطلب جرأة لم يعرفها فيها من قبل , جرأة لا بد إن الحرب و طيلة غيابه عنها قد غرستاها داخل روحها القلقة عليه .. دخل بسرعة مفاجئة عبر ذلك الباب متواريا عن الأنظار التي خاف أن يلفت انتباهها و بسرعة مماثلة سار نحو الداخل رادا الباب الخشبي ورائه ليأخذ نفسا عميقا بينما كان القلق لم يزل يداخله حتى أنـه قد فكر بمعاودة الخروج من ذلك المنزل الفاقد للحياة تماما إلا أن شوقه الغامر إليها قد ألزمه مكانـه في انتظار قدومها إلية لتغمره عينيها بحب توجس كثيرا طيلة فترة الحرب المقيتة من مغبة حرمانـه منه و إلى الأبد , غريب إنـه لم يدرك مدى قوة ذلك الحب و عمقه داخل قلبه إلا عندما كان أقرب ما يكون إلى الموت حتى أنـه بات يشعر و كأنه قد خلف ورائه زوجته التي أمضى معها زمن كامل و ليس فقط حبيبة لم تمضي على قصة حبهما أكثر من سنة و نصف بدأت يوم ما رآها في بيت أحد أصدقائه حيث أنـها كانت صديقة أخته , في ذلك اليوم بالتحديد و بسرعة عجيبة وجد كل منهما نفسه منساقا وراء الآخر بعاطفة لم تكتنفه أبدا من قبل , و برغم أنه كان قد مر بأكثر من علاقة مع فتيات غيرها إلا أنـها كانت جميعها علاقات عابرة لم تستطع مساس قلبه بعكس علاقتهما التي كانت تزيدهما تعلقا ببعضهما مع مضي الأيام , حتى خلافاتـهما و إن حصلت لم تكن تدوم أبدا سوى عدة أيام على الأكثر لتبرهن لكل منهما مقدار حاجته إلى الآخر ..
ساقه الفصول بعد لحظات لاستكشاف بقية غرف البيت الواسعة الفارغة من كل شيء عدا أكوام من الأثاث المحطم و الثياب الممزقة و أكداس من الأوراق المتناثرة على طول وعرض كل غرفة من تلك الغرف المتعددة و الموزعة على طابقين يدل بناءهما على يسر حال أصحاب ذلك البيت الذين هجروه كما أخبرته مي , قال في سره و هو ينظر إلى أماكن مقابض الأبواب المختفية : و كأن البيت قد تعرض إلى هجمة من هجمات المغول , من الغريب أن اللصوص قد تركوا الأبواب و الشبابيك على حالها و لم يسرقوها أيضا .. لعلهم تركوها لغزوة أخرى .
سمع حركة و وقع أقدام عند المدخل فمشى بتؤدة نحو الباب الذي دخل منه متوجسا حتى رآها مقبلة نحوه بابتسامة حلوة جذابة توهجت لـها ملامح وجهها الخمري المستدير و اتسعت لـها عيناها السوداوتان , أحاطها بنظراته طويلا من غير أن ينطق بكلمة و من ثم راح يقترب منها حتى أمسك بيديها اللتين سرعان ما أفلتتهما من قبضة يديه في استحياء ثم طلبت منه الدخول إلى إحدى الغرف الأخرى الغير المطلة على الشارع , جلسا على أرض الغرفة التي دخلاها مستندين إلى أحد جدرانـها حيث سلما نفسيهما لحديث طويل و متشعب , حكى لـها عن كل ما واجهه في الحرب من صعاب كادت أن تفتك به و بأصحابه حتى من قبل أن تبدأ المعارك التي كانت في الغالب تباشر من طرف واحد هو الطرف الأمريكي و البريطاني و عن كل ما مر به الجيش برمته من محن و مهالك خلال كل الأيام التالية حتى حولتهم إلى مجرد جماعات متفرقة متجرد من السلاح الذي تخلوا عنه عند أول فرصة أتيحت لـهم بينما كان الذعر يسوقهم باتجاه أماكن شتى لم يخبروا مجاهلها من قبل فأوامر الزحف تكون باستمرار واضحة و صريحة بعكس أوامر الانسحاب و التقهقر التي غالبا ما تكون غامضة و مربكة للجنود وحتى القادة , قال مبتئسا : كنا نتراجع إلى أين لا أحد يعرف , تهنا بين المدن و القرى و النواحي لا نعرف شيء عن وحداتنا العسكرية و لا عن الاتجاه الذي علينا أن نسلكه فلم على أي مكان نستطيع التجمع فيه أو على الأقل الاحتماء فيه , آوتنا بعض العائلات خلال عودتنا الطويلة و المهلكة إلى بغداد و لكن إلى متى كان يمكن لتلك الضيافة أن تستمر .. [ضحك بمرارة ] و لما وصلنا أخيرا إلى بغداد وجدنا أن الأمريكان قد سبقونا إليها , كم رأيت أفلاما أجنبية تصور بشاعة الحروب و ما تخلفه من دمار و ويلات و لكن كل ذلك لم يكن شيئا بالنسبة لما عايشته خلال الأيام الماضية , و لـمّ خلال الأيام الماضية فقط ؟ فنحن لم نزل نحيا هذا الواقع المرير ليل نـهار ..
كانت تنصت إليه بملء جوارحها في سكون و عينيها لا تفارقان عينيه البنيتين مشفقتين على حال حبيبها الحزين الذي لم ترياه بمثل هذا السأم و هذا الإحباط يوما , شاركها الصمت لحظات ثم قال و هو ينظر إلى فراغ المكان من حوله : هل أنت متأكدة من أن أحدا لن يفكر في الدخول إلى هنا الآن و مباغتتنا ؟
ـ اطمئن .
ـ كيف أطمئن ؟ ألا يمكن أن يدخله أي أحد لأي سبب كان ؟ كأن يختبيء فيه مثلا لصا أو أحد أفراد المقاومة أو حتى بعثي .
ـ إن هذا البيت هو لمسئول بعثي كبير تركه وأهله حتى قبل سقوط بغداد لينفذ بجلده من انتقام كل أهل المنطقة فقد كان يرعب الجميع بسطوته و تقاريره التي دمرت حياة الكثيرين و الكثيرين , كم كنت أخافه و أخاف نظراته الحادة و وجهه البشع الدائم التجهم .
ـ إن وجودنا هنا يعتبر مخاطرة كبرى خاصة بالنسبة لك .. لا أعرف أنا غير مرتاح , افرضي ....
قاطعته بسخرية فيها نوع من التحدي : مخاطرة كبرى ؟ إن حياتنا الآن نفسها مخاطرة و مخاطرة مجنونة أيضا , و على كل حال أنا آتي إلى هنا كل يوم تقريبا في هذا الوقت , تستطيع أن تقول إنني أعتبره مخبأي السري .
قال مستغربا : تأتين إلى هنا كل يوم ؟ لماذا ؟
ـ حتى أتجنب الجنون , أم أن ليس هناك شيء مما حولنا يبعث على الحنون برأيك ؟ كنت أجيء إلى هنا لأنفس عن بعض كربي .
ـ ولكن ماذا كنت تفعلين في هذا البيت المهجور لوحدك ؟
نظرت إليه في حزن ثم قالت : أبكي غيابك عني , و في أحيان كثيرة أناديك في سري و كأني كنت أترجى أن تجيبني من مكانك المجهول , أعرف إن ذلك كان يعتبر أيضا نوع من الجنون ولكنه كان يريحني بعض الشيء و يعطيني المقدرة على الاحتمال أطول فترة ممكنة .
فرب وجهه منها و قال بنبرة حنونة دافئة : و ها أنا قد عدت إليك و لن أبتعد عنك ثانية ..
لا يذكر أبدا أن شفتيه كانتا قريبتين إلى شفتيها كمثل تلك اللحظة التي تركزت فيها نظراته إليهما بتوق شديد , وضعت كفها بينهما و قالت بنبرة شبه متوسلة : إياك أن تفعل .
قال و كأنه يهمس إلى ذلك الكف الناعم : أفعل ماذا ؟
ـ أنت تعرف , تماما كما أعرف أنني لن أستطيع صدك بعد ذلك .
قال بمكر : و لكن القبل في أوقات الحروب مباحة .
قالت ضاحكة : و من أباحها هذه المرة ؟ صدام أم بوش ؟ .. ثم أن الحرب انتهت و كل حرب و أنتم بخير على رأي نزار قباني .
يمكنكم متابعة قراءة القصة من موقعها والتعليق عليها
http://www.mofakren.com/modules.php?...rder=0&thold=0