مؤتمن بركات
- مؤتمن بركات –
الفصلالاول
المائدة المستديرةوسط الغرفة تكاد تجثو علي قوائمها .. الكتب المتراصة علي ظهرها أكثر من طاقةتحملها.
نظر مؤتمن بركاتبعين نصف مفتوحةالي المائدة المستديرة ثم اشاح عنها بوجهه الي الحائط المقابللسريره الذي ينام عليه .. عاد بوجهه ينظر الي كم الكتب و فركعينيه
فكر مؤتمن قليلا .. نعم عليه ان ينتهي من مراجعة كل تلك الكتب الليلة .. قرأها من قبل لكن عليهالمراجعة .
انخفضت أصوات الصبيةالقادمة من الزقاق المجاور لبيته .. ما زالت أم ميسور بائعة الفجل تنادي عليبضاعتها .
لم يكن بيت مؤتمنمثل باقي البيوت .. كان بيتا مترامي الاطراف .. متعدد الغرف و تخبرنا الزخارفالموشاة بالذهب علي الجدران و الاسقف المتهالكة أن مؤتمن سليل أثرياء ..
لا يوجد بالبيت كلهمن الانس سواه و من الاثاث الا السرير و المائدة المستديرة في غرفة واحدة .. أماباقي الغرف فلا يوجد بها الا أرفف مثقلة بكتب من ألوان و أحجاممتنوعة.
تمرغ في سريره ينزععنه الكسل .. فرك عينيه مرة أخري .. ثم هب واقفا .. تناول الثقاب من علي المائدة .. ثم تناول قنينة الزيت و سكب بعضا منه في المصباح ثم اشعل المصباح يوم اخر مثل باقيأيام مؤتمن .. ينام نهارا ليقرأ ليلا ..
ينام نهارا و يقرأليلا ..كانت تلك حياته التي اعتادها عندما لم يجد حلا اخر للضجيج المنبعث عليه منالازقة المجاورة لبيته بعدما باع حدائق البيت الذي كان قصرا الي الوافدين الجدد عليالمدينة .
أمسك بقطعة قطنيةبالية ليمسح الغبار عن الكتاب الاول .. تمني لو استطاع ان يستدعي الجنية التي يشيعجيرانه أنه متزوج بها لترتيب بيته و تمسح الغبار اللزج عن كتبه.
تناثرات حبات منالعرق علي جبهته اثر المجهود الذي بذله لفك الالتصاق بين صفحات الكتاب الاولي و بدأيقرا في نهم ..
الحضارة و التحضر والمدنية كلمات تتكرر كثيرا علي صفحات الكتاب .. الكتاب يتكلم عن فلسفة و تاريخالحضارة .. رغم أن عقله يختزن من المعرفة أكثر مما في الكتاب الا أنه استمر يقرأبتركيز شديد فهو مكلف بذلك تنفيذا لوصية الميراث التي وضعت البيت و المواظبة عليقراء ما به من كتب في سلة واحدة .
سمع صوت أنين أمميسور يأتي اليه من النافذة .. لا يدري ما نوع مرضها .. لا يتناسب نشاطها النهاريمع أنينها الليلي .. ألتف برأسه الي النافذة ثم عاد ليغمسها في الكتاب .. شعر بوخزةفي عنقه .. لم يهتم كثيرا و عاد الي القراءة .
صباح اليوم التالياستيقظ علي غير العادة نهارا ليس بسبب أصوات الضجيج العالي خارج غرفته لكن بسبب المفي رقبته .. مد يده يتحسس موقع الألم فوجد رقبته ملتهبة .. انتفض و هب مسرعا اليالحمام المجاور لغرفته .. صدم أنفه رأئحة كريهة .. لم يهتم و قصد المراة يستكشفموقع الألم في رقبته .. لم يجد شئ غير عادي .. ربما لسعته حشرة ليلا .. عاد مرةأخري ينظر بعمق في المراة الي موضع الألم .. رأي بقعة صغيرة علي جلد رقبته طافحةبالاحمرار .. استطاع ان ينتصر في معارك كثيرة علي حشرات زاحفة و طائرة و ها هيتعاود غزوها لصومعته .. الليلة سوف يقرأ كتب مقاومة الحشرات .. حك موضع الاحمرار ثمعاد الي غرفته.
الفصلالثاني
تمدد مؤتمن بركاتعلي سريرة يستدعي النوم .. لكن هيهات ..
كان لأم ميسورالنصيب الأكبر في فشل محاولاته جلب النوم .. نعم .. كان صوتها الحهوري الاجش العاملالحاسم في طرد النعاس من عينا مؤتمن .. قرر أن أن يقوم من مرقده .
خطا نحو المائدةيلملم كتبه .. مع كل خظوة و مع كل حركة كان وخز ألم رقبته يجعله يشرئب كما لو كانيتفاداه .
جلس علي الكرسي يفكرفي العلاج المناسب لحالته ..
هم بالقيام اليمستودع كتب طب الرقاب ..
لكن الألم أجلسه مرةأخري علي الكرسي ..
بسبب الوخز المنتظمو فشله في تشخيص الاصابة الحادثة برقبته و اكتشافه ضبابية ذاكرته المسئولة عنأصابات الحشرات .. شعر بالخو ف فأسرع متحاملا الي المراة بالحمام
صدمته الرائحةالكريهة .. لم يهتم .. قصد المرآة .. نظر اليها بتركيز شديد .. ازاح الشعيراتالنافرة من لحيته الكثة .. لم يلحظ من قبل أن الشيب طال معظم لحيته .
تحسس مكان الألم ونظر الي المراة يستطلع حجمه و نوعه .. أدار رأسه قليلا و هو ينظر الي المرآة علهيحصل علي رؤية أفضل لكن الالم الشديد جعله يتراجع .
حصل مؤتمن بركات مناللمحة السريعة أثناء محاولته لف رقبته علي أكتشاف زاده حيرة .. لم يري من قبلاصابة مثل اصابة رقبته .. لا فيما شاهده علي الطبيعة من اصابات .. و لا في جميع الكتب التي طالعها .. فبدلا من تورمها و انتفاخ الجلد الي الخارج كانت اصابة رقبته غائرة الي الداخل كمالو كانت طعنة مسمار صغير بؤرتها سواد و محيطها أحمر .
عاد الرجل الي فراشهمحاولا النوم ..لكن الضجيج و صوت أم ميسور تنادي علي سلعتها الوحيدة هزم جميعمحاولاته .. تلك العجوز حمقاء لا تدري أن حشرجة صوتها الاجش و هي تعلن عن بضاعتهابندائها اليائس كفيل بطرد الراغب بالشراء .
قام مؤتمن غاضباقاصدا الشرفة .. تعثر في بعض الثياب الملقاة علي الارض علق احداها بقدمه .. انهسرواله الذي لم يلبسه منذ زمن..انحني ليلتقته .. تذكر صديقه بن حكيم ..
ذاع صيت بنحكيم بالمدينة في الاونة الاخيرة بعدما بدل صنعته من اصلاح الاحذية الي التطبيب ..
سمع مؤتمن الرجالالمجتمعين تحت الشرفة .. يتحدثون أن والي المدينة اختار بن حكيم ليكون وزيره الناصحيعمل بن حكيم عند الوالي .. يسامره وقت فراغه .. عمله الرائج كنطاسيالمدينة يحتاج كثيرا من وقته.
وضع مؤتمن رجليه فيالسروال ثم جذبه لاعلي .. انفجر الألم في رقبته لكن من الجهة المقابلة للاصابةالسابقة .. استكمل شد السروال الي الخاصرة ثم بدل خطواته نحو الحمام ..
نظر الي المرآة .. زكمت أنفه رائحة الحمام .. اصبح عنده اصابة جديدة .. في كل جانب من رقبته اصابة ..
اسرع الي غرفته غيرعابئ بألم رقبته .. فتش في كل الغرفة لم يجد أي حشرة .. رفع فراشه .. نفضه بعنف .. نظر الي الارض لم يجد أي حشرة .. ربما كانت حشرة سوداء بلون سواد الارض .. لكن لاحشرة.
احتار .. في كل كتبالطب لم يذكر فيها شئ عن مرضه ..
تذكر أن جميعالحكماء ذكروا في الكتب المخزونة عنده أن المرض أي مرض له اسباب .. و علاج الامراضيبدأ من معرفة الاسباب .. و الاسباب تتنوع اما من داخل جسم الانسان أو من خارج جسمهمثلا بسبب حشرة أو ثعبان .. مؤتمن متأكد أن حالته ليست بسبب عضة أفعي أو ثعبان ..
مرة اخري تذكر مؤتمنصديقه بن حكيم .. لماذا لا يقصده ..يطلب منه نصيحة أو حتي دواء ... لا لن ينسي بنحكيم مؤتمن و فضله عليه عندما اعاره كتاب المبتدئ في الطب و بها استطاع بن حكيم تركالنعال واصلاحها ليمتهن الطب.. سيذهب اليه ليسأله التشخيص و الاسباب ثم التداوي والعلاج .
من علي المشجب سحبمؤتمن بركات عمامته .. وضعها فوق رأسه .... غادر بيته الفسيح الي مشفي ابن حكيم .
الفصلالثالث
ساد الهرج و المرجالزقاق بمجرد أن فتح مؤتمن بركات باب بيته .. الصبية و الاطفال يهرولون في لا اتجاه .. انتشر الفزع بين الجمع ..
قالت امرأة لجارتها : زوج الجنية خرج من داره .. ماذا يبغي ؟
هل تتبعه الجنية أميمشي وحده ؟
الافضل أن أدخل بيتيو أغلق كل الابواب .
جذبت احدي الفتياترفيقتها قائله اذا وقعت عين زوج الجنية في أعيننا لن نتزوج .. هيا نهرب .. هيا والا سيعزف عنا كل شباب الحي .. ذلك بالتأكيد من عمل الجن ..
نهر رجل زوجته و هويخفيها خلفه .. و توجه بحديثه الي مؤتمن قائلا كيف حال بن الشيخ بركات .. امنحنابعضا من علمك.. لا تبخل .. ننتظر خروجك منذ سنين ......
نظر اليهم مؤتمن وهمم ببعض الكلمات .. تحسس موضع اصاباته و واصل سيره
قبل أن يصل مؤتمنمشفي بن حكيم كانت عدد اصابات الرقبة قد زاد الي عدد لا يحصيه بدقة .. كانتالاصابات علي عنقه متجاورة مثل الحلقة ..
وصل مؤتمن بركات بعدعناء مشفي بن حكيم المجاور قصر الوالي .. بناءا فخم و حدائق غناء و رجال أشداءمفتولي العضلات يلبس كل منهم خوذة و بيدهم عصي سوداء ...عرف مؤتمن أنهم حراس مستشفيبن حكيم ..
سأل نفسه و هو يتقدمناحية الباب مما يخاف بن حكيم .. هل يخشي المرضي ....
أشار كبير الحراسلمؤتمن بعصاه و قال توقف .. أين تظن نفسك ذاهب ؟
رد مؤتمن أريدمقابلة صديقي مجبور الاسكافي
دفعه كبير الحراس فيصدره و هو يقول لا يوجد هنا شخص بأسم مجبور الاسكافي
هيا أذهب أو تدفع ذهبا حتيتدخل ..
أسقط في يد مؤتمنفهو لا يملك ذهبا و لا فضة .. يملك فقط معرفة و علما و هي بضاعة غير رائجة مع مثلهؤلاء
تراجع خطوات و أخرجمن جيب سرواله الفضفاض هاتفه المتحرك و ضغط عدة أرقام .. رد عليه بعد ثواني صوت منالطرف الاخر ..
- مجبور كيفحالك
- الان اسمي بن حكيم .... لا يعرف الا قلة أن اسمي السابق كان الاسكافي مجبور .. من أنت ؟
- أنا مؤتمن بركات .. صديقك القديم ..ألا تتذكرني ؟ ..
- أحتاج اليك .. أنسيت يوم أعرتك كتاب الطب؟
- صديقي مؤتمن .. أنا ايضا أحتاج اليك ..لكن اياك أن تذكر كلمة اسكافي .. الان أنا بن حكيم نديم الوالي.... الواليكلفني بمهمة عظمي أحتاج اليك ... هيا اذهب من فورك و ادخل من باب كبار الزوار
أغلق مجبور أو بنحكيم الهاتف و من ثم تحرك مؤتمن صوب الباب
جذب كبير الحراسمؤتمن و وضعه فوق محفة ...
رفعها رجال ...ساروا به متجاوزين الحدائق نحو المبني .
عدد من الحسنواتأسرعن للترحيب بمؤتمن .. أحداهن تمسك دفا و الباقيات يرقصن في دلال ..
اندهش مؤتمنفالمشفي كله ليس سوي تلك القاعة و جميع المرضي عميان و بدقة أكثر بشر مخلوعة عيونهم منمحاجرها..
الاسرة مصفوفة فيالقاعة بغير نظام .. عدد كبير من الفتيات يكسوهن القليل من الثياب يرقصن فرادي أوجماعات .. دون موسيقي .. برقصن علي هتاف العميان أو هناف مرضي المشفيالعميان
لم يترك بن حكيممؤتمن في حيرته كثيرا و بادره بالقول ...
- الرقص علاج كل الامراض ....
- نفقأ عين المريض أولا ثم ندع رقص الفتيات ينسيه وجع البدن ..صحيح لن يشفي تماما لكن نجعله سعيدا ..
- اذالم يفلح معه علاج الفتيات نصب في جوفه خمرا فينسي الالم و بالتالي يغدوا سعيد....
- اخبرتني انك تحتاجعلاج .. هل أنت مريض ؟
- نعم .. و مرضيغريب لم أجد له وصفا في كتب الطب ..
- اذا هيا بنا اليركن الفحص
- أكتب يا هذا ... المدعو مؤتمن بركات يشكو من ألم بالرقبة ..
- الرقبة عند الحلقة الأولي تتمدد ..تتمدد .. تتمدد ..تزداد نحافة ..
- تطول في كل دقيقة بوصة أو أكثر ..
- ماذا؟
- لا تقلق لست مريضا .... لن نفقأ عينك .. أنت الحالة المثلي ... تجربة بدأناها منذ سنين و ها هيتثمر .. لا تقلق لست مريضا ... رأسك ينفصل عن جسدك .. سيصير جسدك حرا من قيد العقل .... ستتصرف أعضاءالجسد بحرية دون رجوع لاوامر رأسك .. لا تقلق ..
ستشعر بالمتعة القصوي لكل جزء من جسدك .. جسدك سيصبح حرا من قيد العقل ..
- أتركك الان معالخمر و بعض الفتيات ..
- تلك التجربة المدهشة سوف نعممها في كل الارض .. الوالي يطلب ذلك. .. و علينا الطاعة ..
- و ماذا عنرأسي ؟
- لم تعد لرأسك قيمةتذكر ..
- حرية جسدك لا تحتاج لرأسك و ما فيها ...
- لن تعرف تعرف أعضاءك الا الحرية ......
- ماذا ؟ ......و ماذا عنرأسي؟
- رأسك ربما نقطعهاو نحفظها في محلول للذكري و تاريخ ما قبل الحرية
قبل أن يفقد المخاتصاله بيد مؤتمن بركات .. أمسك رأسه بكلتا يديه ..يضغطها ناحية جسده ..
عادالاتصال مع بعض أعضاء الجسد ..
غض بصره عن جسد الفتيات ..
تقيأ بعض الخمر ..
عادالألم لرقبته بعد غياب ..
تجمع حوله كثير من الحراس ..يشدون رأسه .. يسحبون يده بعيدا عن رأسه ..
استمرمؤتمن يضغط رأسه بقوة ناحية جسده .. خلعت احدي الفتيات ثيابها و هي ترقص ..
فشل كلالحراس في رفع أيدي مؤتمن عن رأسه ..
زعق كبيرهم .. هاتو السيف سنقطع رأسه ..
فاقتقوته قوتهم مجتمعين..
حدث نفسه و يده تضغط رأسه بقوة ناحية جسده .. سأعود الي بيتي و أغلق بابي ..
سأعود الي كتبي .. لا .. لن أفقد رأسي .....
****** تم *****
- مؤتمن بركات –
الفصلالاول
المائدة المستديرةوسط الغرفة تكاد تجثو علي قوائمها .. الكتب المتراصة علي ظهرها أكثر من طاقةتحملها.
نظر مؤتمن بركاتبعين نصف مفتوحةالي المائدة المستديرة ثم اشاح عنها بوجهه الي الحائط المقابللسريره الذي ينام عليه .. عاد بوجهه ينظر الي كم الكتب و فركعينيه
فكر مؤتمن قليلا .. نعم عليه ان ينتهي من مراجعة كل تلك الكتب الليلة .. قرأها من قبل لكن عليهالمراجعة .
انخفضت أصوات الصبيةالقادمة من الزقاق المجاور لبيته .. ما زالت أم ميسور بائعة الفجل تنادي عليبضاعتها .
لم يكن بيت مؤتمنمثل باقي البيوت .. كان بيتا مترامي الاطراف .. متعدد الغرف و تخبرنا الزخارفالموشاة بالذهب علي الجدران و الاسقف المتهالكة أن مؤتمن سليل أثرياء ..
لا يوجد بالبيت كلهمن الانس سواه و من الاثاث الا السرير و المائدة المستديرة في غرفة واحدة .. أماباقي الغرف فلا يوجد بها الا أرفف مثقلة بكتب من ألوان و أحجاممتنوعة.
تمرغ في سريره ينزععنه الكسل .. فرك عينيه مرة أخري .. ثم هب واقفا .. تناول الثقاب من علي المائدة .. ثم تناول قنينة الزيت و سكب بعضا منه في المصباح ثم اشعل المصباح يوم اخر مثل باقيأيام مؤتمن .. ينام نهارا ليقرأ ليلا ..
ينام نهارا و يقرأليلا ..كانت تلك حياته التي اعتادها عندما لم يجد حلا اخر للضجيج المنبعث عليه منالازقة المجاورة لبيته بعدما باع حدائق البيت الذي كان قصرا الي الوافدين الجدد عليالمدينة .
أمسك بقطعة قطنيةبالية ليمسح الغبار عن الكتاب الاول .. تمني لو استطاع ان يستدعي الجنية التي يشيعجيرانه أنه متزوج بها لترتيب بيته و تمسح الغبار اللزج عن كتبه.
تناثرات حبات منالعرق علي جبهته اثر المجهود الذي بذله لفك الالتصاق بين صفحات الكتاب الاولي و بدأيقرا في نهم ..
الحضارة و التحضر والمدنية كلمات تتكرر كثيرا علي صفحات الكتاب .. الكتاب يتكلم عن فلسفة و تاريخالحضارة .. رغم أن عقله يختزن من المعرفة أكثر مما في الكتاب الا أنه استمر يقرأبتركيز شديد فهو مكلف بذلك تنفيذا لوصية الميراث التي وضعت البيت و المواظبة عليقراء ما به من كتب في سلة واحدة .
سمع صوت أنين أمميسور يأتي اليه من النافذة .. لا يدري ما نوع مرضها .. لا يتناسب نشاطها النهاريمع أنينها الليلي .. ألتف برأسه الي النافذة ثم عاد ليغمسها في الكتاب .. شعر بوخزةفي عنقه .. لم يهتم كثيرا و عاد الي القراءة .
صباح اليوم التالياستيقظ علي غير العادة نهارا ليس بسبب أصوات الضجيج العالي خارج غرفته لكن بسبب المفي رقبته .. مد يده يتحسس موقع الألم فوجد رقبته ملتهبة .. انتفض و هب مسرعا اليالحمام المجاور لغرفته .. صدم أنفه رأئحة كريهة .. لم يهتم و قصد المراة يستكشفموقع الألم في رقبته .. لم يجد شئ غير عادي .. ربما لسعته حشرة ليلا .. عاد مرةأخري ينظر بعمق في المراة الي موضع الألم .. رأي بقعة صغيرة علي جلد رقبته طافحةبالاحمرار .. استطاع ان ينتصر في معارك كثيرة علي حشرات زاحفة و طائرة و ها هيتعاود غزوها لصومعته .. الليلة سوف يقرأ كتب مقاومة الحشرات .. حك موضع الاحمرار ثمعاد الي غرفته.
الفصلالثاني
تمدد مؤتمن بركاتعلي سريرة يستدعي النوم .. لكن هيهات ..
كان لأم ميسورالنصيب الأكبر في فشل محاولاته جلب النوم .. نعم .. كان صوتها الحهوري الاجش العاملالحاسم في طرد النعاس من عينا مؤتمن .. قرر أن أن يقوم من مرقده .
خطا نحو المائدةيلملم كتبه .. مع كل خظوة و مع كل حركة كان وخز ألم رقبته يجعله يشرئب كما لو كانيتفاداه .
جلس علي الكرسي يفكرفي العلاج المناسب لحالته ..
هم بالقيام اليمستودع كتب طب الرقاب ..
لكن الألم أجلسه مرةأخري علي الكرسي ..
بسبب الوخز المنتظمو فشله في تشخيص الاصابة الحادثة برقبته و اكتشافه ضبابية ذاكرته المسئولة عنأصابات الحشرات .. شعر بالخو ف فأسرع متحاملا الي المراة بالحمام
صدمته الرائحةالكريهة .. لم يهتم .. قصد المرآة .. نظر اليها بتركيز شديد .. ازاح الشعيراتالنافرة من لحيته الكثة .. لم يلحظ من قبل أن الشيب طال معظم لحيته .
تحسس مكان الألم ونظر الي المراة يستطلع حجمه و نوعه .. أدار رأسه قليلا و هو ينظر الي المرآة علهيحصل علي رؤية أفضل لكن الالم الشديد جعله يتراجع .
حصل مؤتمن بركات مناللمحة السريعة أثناء محاولته لف رقبته علي أكتشاف زاده حيرة .. لم يري من قبلاصابة مثل اصابة رقبته .. لا فيما شاهده علي الطبيعة من اصابات .. و لا في جميع الكتب التي طالعها .. فبدلا من تورمها و انتفاخ الجلد الي الخارج كانت اصابة رقبته غائرة الي الداخل كمالو كانت طعنة مسمار صغير بؤرتها سواد و محيطها أحمر .
عاد الرجل الي فراشهمحاولا النوم ..لكن الضجيج و صوت أم ميسور تنادي علي سلعتها الوحيدة هزم جميعمحاولاته .. تلك العجوز حمقاء لا تدري أن حشرجة صوتها الاجش و هي تعلن عن بضاعتهابندائها اليائس كفيل بطرد الراغب بالشراء .
قام مؤتمن غاضباقاصدا الشرفة .. تعثر في بعض الثياب الملقاة علي الارض علق احداها بقدمه .. انهسرواله الذي لم يلبسه منذ زمن..انحني ليلتقته .. تذكر صديقه بن حكيم ..
ذاع صيت بنحكيم بالمدينة في الاونة الاخيرة بعدما بدل صنعته من اصلاح الاحذية الي التطبيب ..
سمع مؤتمن الرجالالمجتمعين تحت الشرفة .. يتحدثون أن والي المدينة اختار بن حكيم ليكون وزيره الناصحيعمل بن حكيم عند الوالي .. يسامره وقت فراغه .. عمله الرائج كنطاسيالمدينة يحتاج كثيرا من وقته.
وضع مؤتمن رجليه فيالسروال ثم جذبه لاعلي .. انفجر الألم في رقبته لكن من الجهة المقابلة للاصابةالسابقة .. استكمل شد السروال الي الخاصرة ثم بدل خطواته نحو الحمام ..
نظر الي المرآة .. زكمت أنفه رائحة الحمام .. اصبح عنده اصابة جديدة .. في كل جانب من رقبته اصابة ..
اسرع الي غرفته غيرعابئ بألم رقبته .. فتش في كل الغرفة لم يجد أي حشرة .. رفع فراشه .. نفضه بعنف .. نظر الي الارض لم يجد أي حشرة .. ربما كانت حشرة سوداء بلون سواد الارض .. لكن لاحشرة.
احتار .. في كل كتبالطب لم يذكر فيها شئ عن مرضه ..
تذكر أن جميعالحكماء ذكروا في الكتب المخزونة عنده أن المرض أي مرض له اسباب .. و علاج الامراضيبدأ من معرفة الاسباب .. و الاسباب تتنوع اما من داخل جسم الانسان أو من خارج جسمهمثلا بسبب حشرة أو ثعبان .. مؤتمن متأكد أن حالته ليست بسبب عضة أفعي أو ثعبان ..
مرة اخري تذكر مؤتمنصديقه بن حكيم .. لماذا لا يقصده ..يطلب منه نصيحة أو حتي دواء ... لا لن ينسي بنحكيم مؤتمن و فضله عليه عندما اعاره كتاب المبتدئ في الطب و بها استطاع بن حكيم تركالنعال واصلاحها ليمتهن الطب.. سيذهب اليه ليسأله التشخيص و الاسباب ثم التداوي والعلاج .
من علي المشجب سحبمؤتمن بركات عمامته .. وضعها فوق رأسه .... غادر بيته الفسيح الي مشفي ابن حكيم .
الفصلالثالث
ساد الهرج و المرجالزقاق بمجرد أن فتح مؤتمن بركات باب بيته .. الصبية و الاطفال يهرولون في لا اتجاه .. انتشر الفزع بين الجمع ..
قالت امرأة لجارتها : زوج الجنية خرج من داره .. ماذا يبغي ؟
هل تتبعه الجنية أميمشي وحده ؟
الافضل أن أدخل بيتيو أغلق كل الابواب .
جذبت احدي الفتياترفيقتها قائله اذا وقعت عين زوج الجنية في أعيننا لن نتزوج .. هيا نهرب .. هيا والا سيعزف عنا كل شباب الحي .. ذلك بالتأكيد من عمل الجن ..
نهر رجل زوجته و هويخفيها خلفه .. و توجه بحديثه الي مؤتمن قائلا كيف حال بن الشيخ بركات .. امنحنابعضا من علمك.. لا تبخل .. ننتظر خروجك منذ سنين ......
نظر اليهم مؤتمن وهمم ببعض الكلمات .. تحسس موضع اصاباته و واصل سيره
قبل أن يصل مؤتمنمشفي بن حكيم كانت عدد اصابات الرقبة قد زاد الي عدد لا يحصيه بدقة .. كانتالاصابات علي عنقه متجاورة مثل الحلقة ..
وصل مؤتمن بركات بعدعناء مشفي بن حكيم المجاور قصر الوالي .. بناءا فخم و حدائق غناء و رجال أشداءمفتولي العضلات يلبس كل منهم خوذة و بيدهم عصي سوداء ...عرف مؤتمن أنهم حراس مستشفيبن حكيم ..
سأل نفسه و هو يتقدمناحية الباب مما يخاف بن حكيم .. هل يخشي المرضي ....
أشار كبير الحراسلمؤتمن بعصاه و قال توقف .. أين تظن نفسك ذاهب ؟
رد مؤتمن أريدمقابلة صديقي مجبور الاسكافي
دفعه كبير الحراس فيصدره و هو يقول لا يوجد هنا شخص بأسم مجبور الاسكافي
هيا أذهب أو تدفع ذهبا حتيتدخل ..
أسقط في يد مؤتمنفهو لا يملك ذهبا و لا فضة .. يملك فقط معرفة و علما و هي بضاعة غير رائجة مع مثلهؤلاء
تراجع خطوات و أخرجمن جيب سرواله الفضفاض هاتفه المتحرك و ضغط عدة أرقام .. رد عليه بعد ثواني صوت منالطرف الاخر ..
- مجبور كيفحالك
- الان اسمي بن حكيم .... لا يعرف الا قلة أن اسمي السابق كان الاسكافي مجبور .. من أنت ؟
- أنا مؤتمن بركات .. صديقك القديم ..ألا تتذكرني ؟ ..
- أحتاج اليك .. أنسيت يوم أعرتك كتاب الطب؟
- صديقي مؤتمن .. أنا ايضا أحتاج اليك ..لكن اياك أن تذكر كلمة اسكافي .. الان أنا بن حكيم نديم الوالي.... الواليكلفني بمهمة عظمي أحتاج اليك ... هيا اذهب من فورك و ادخل من باب كبار الزوار
أغلق مجبور أو بنحكيم الهاتف و من ثم تحرك مؤتمن صوب الباب
جذب كبير الحراسمؤتمن و وضعه فوق محفة ...
رفعها رجال ...ساروا به متجاوزين الحدائق نحو المبني .
عدد من الحسنواتأسرعن للترحيب بمؤتمن .. أحداهن تمسك دفا و الباقيات يرقصن في دلال ..
اندهش مؤتمنفالمشفي كله ليس سوي تلك القاعة و جميع المرضي عميان و بدقة أكثر بشر مخلوعة عيونهم منمحاجرها..
الاسرة مصفوفة فيالقاعة بغير نظام .. عدد كبير من الفتيات يكسوهن القليل من الثياب يرقصن فرادي أوجماعات .. دون موسيقي .. برقصن علي هتاف العميان أو هناف مرضي المشفيالعميان
لم يترك بن حكيممؤتمن في حيرته كثيرا و بادره بالقول ...
- الرقص علاج كل الامراض ....
- نفقأ عين المريض أولا ثم ندع رقص الفتيات ينسيه وجع البدن ..صحيح لن يشفي تماما لكن نجعله سعيدا ..
- اذالم يفلح معه علاج الفتيات نصب في جوفه خمرا فينسي الالم و بالتالي يغدوا سعيد....
- اخبرتني انك تحتاجعلاج .. هل أنت مريض ؟
- نعم .. و مرضيغريب لم أجد له وصفا في كتب الطب ..
- اذا هيا بنا اليركن الفحص
- أكتب يا هذا ... المدعو مؤتمن بركات يشكو من ألم بالرقبة ..
- الرقبة عند الحلقة الأولي تتمدد ..تتمدد .. تتمدد ..تزداد نحافة ..
- تطول في كل دقيقة بوصة أو أكثر ..
- ماذا؟
- لا تقلق لست مريضا .... لن نفقأ عينك .. أنت الحالة المثلي ... تجربة بدأناها منذ سنين و ها هيتثمر .. لا تقلق لست مريضا ... رأسك ينفصل عن جسدك .. سيصير جسدك حرا من قيد العقل .... ستتصرف أعضاءالجسد بحرية دون رجوع لاوامر رأسك .. لا تقلق ..
ستشعر بالمتعة القصوي لكل جزء من جسدك .. جسدك سيصبح حرا من قيد العقل ..
- أتركك الان معالخمر و بعض الفتيات ..
- تلك التجربة المدهشة سوف نعممها في كل الارض .. الوالي يطلب ذلك. .. و علينا الطاعة ..
- و ماذا عنرأسي ؟
- لم تعد لرأسك قيمةتذكر ..
- حرية جسدك لا تحتاج لرأسك و ما فيها ...
- لن تعرف تعرف أعضاءك الا الحرية ......
- ماذا ؟ ......و ماذا عنرأسي؟
- رأسك ربما نقطعهاو نحفظها في محلول للذكري و تاريخ ما قبل الحرية
قبل أن يفقد المخاتصاله بيد مؤتمن بركات .. أمسك رأسه بكلتا يديه ..يضغطها ناحية جسده ..
عادالاتصال مع بعض أعضاء الجسد ..
غض بصره عن جسد الفتيات ..
تقيأ بعض الخمر ..
عادالألم لرقبته بعد غياب ..
تجمع حوله كثير من الحراس ..يشدون رأسه .. يسحبون يده بعيدا عن رأسه ..
استمرمؤتمن يضغط رأسه بقوة ناحية جسده .. خلعت احدي الفتيات ثيابها و هي ترقص ..
فشل كلالحراس في رفع أيدي مؤتمن عن رأسه ..
زعق كبيرهم .. هاتو السيف سنقطع رأسه ..
فاقتقوته قوتهم مجتمعين..
حدث نفسه و يده تضغط رأسه بقوة ناحية جسده .. سأعود الي بيتي و أغلق بابي ..
سأعود الي كتبي .. لا .. لن أفقد رأسي .....
****** تم *****
تعليق