إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سجل حضورك بقراءة دعاء صاحب الزمان.....

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللهم صلي على محمد وال محمد
    اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه الطيبين الطاهرين في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

    تعليق


    • بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

      اللهم كن لويك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافضا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين .

      تعليق


      • بسم الله الرحمن الرحيم
        اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

        اللهم كن لويك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافضا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

        تعليق


        • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا ونا صرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

          تعليق


          • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا ونا صرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

            تعليق


            • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا ونا صرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

              تعليق


              • بارك الله فيكي يا اخت هدى احمد

                تعليق


                • دور العقل .. في الشريعة العملية الإسلامية ..

                  إن أهم ما تتصف به الادلة الاجتهادية من الوجهة الإسلامية عن غيرها من التشريعات السماوية ، والتشريعات الارضية .. هو الالتزام بـ ((الدليل العقلي)) كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي في كشف المقررات والتوصيات والاحكام .
                  وديمومة الشريعة الإسلامية ترجع إلى تكوينها العام شمولية في النظرة ، وطريقة في الموازنة ، وعدالة في التشريع ، مرونة في النظرية والتطبيق .. انطلاقاً من ارتكازها على دليلية العقل ، وبعكس الشرائع الروحية ، والمذاهب الارضية .. التي لا تستوعب هذه الخاصة التشريعية بشكل عام .
                  واذا حاولنا جاهدين أن ندرس دليلية العقل الحية .. بما تمتلك من طاقات هائلة ، لما يتجدد حولها من ظروف الحياة المتغيرة ، وأطوارها الاجتماعية المتطورة لم نلاحظ مجانبة عن واقع آيديولوجيا التشريع الإسلامي التكاملية .
                  وفي ضوء هذا .. فقد خص دين الإسلام مقام دليل العقل من الرعاية والاهتمام الفوقي .. بحيث أتاح له أوفر حظ من الاستقلال الشخصي .. واعتبره حجة من الحجج التشريعية النافذة .. وقاعدة من قواعد التشريع .. أو كاشفاً عن الحكم .. ومقرراً لوجهة نظر الشريعة والدين .
                  ودليل العقل([1][7]) وإن كان يعتبر مقررا لوجهة نظر الشارع ، ومستلزماً للحكم الشرعي من وجهة نظر الاصوليين .. وعند الجانب الاخر هو : ذاته الدليل المستقل ، ومن صميم واقع التشريع ، وليس جزءاً مستحدثاً وغريباً على الشريعة والدين أزاء الادلة الثلاث : ((القرآن .. والسنة .. والاجماع)).
                  وبعبارة أدق .. نرى جملة من هذه الاقوال المطروحة يستفاد منها :
                  أن الدليل العقلي ليس دليلاً حيال القرآن والسنة ، وإنما هو أصل من الاصول العملية التي تعين وظيفة الإنسان المكلف عند الشك بالحكم في مقام الجري العملي أو تكون داخلة في حجية الظهور كمبحث المفاهيم .
                  ومهما يكن .. فأحسن من كتب في تحديد دليل العقل هو : صاحب القوانين .. حيث ذهب قائلاً :
                  ((والمراد بالدليل العقلي هو :حكم عقلي يتوصل به إلى الحكم الشرعي ، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي)) .
                  والمقصود بـ ((الدليل العقلي المستقل)) هو ما يكتشف بذاته الحكم الشرعي من دون توقف على صدور الدليل الشرعي .. كقاعدة التحسين والتقبيح العقليين .. كإدراك العقل بحسن شيء ،أو قبحه، ثم إدراكه بأنه كل ما أدرك به العقل حكم الشارع بوجوبه ، أو حرمته .
                  والمقصود بـ ((الدليل العقلي غير المستقل)) هو : عبارة عن إدراك العقل المتوقف على صدور الدليل الشرعي .. مثل : إدراك الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته .. كما يدرك العقل وجوب المقدمة عند نهوض الدليل الشرعي بوجوب ذي المقدمة .
                  والواقع أن ما يرجع إلى المستقلات العقلية .. وخاصة قاعدة التحسين والتقبيح .. ليست لها أهمية فاعلة في مجال استنباط الاحكام التشريعية ، إذ لها موارد قليلة في هيكل الفقه الإسلامي من قبيل حسن العدل وقبح الظلم .
                  وأما المستقلات غير العقلية .. فهي : ترجع في حقيقة الامر إلى الدليل الشرعي .. فحينئذ لا يكون دليل العقل دليلاً مستقلاً حيال القرآن والسنة .
                  أجل .. الدليل العقلي إذا كان قطعياً ومؤدياً إلى القطع بالحكم الشرعي يكون حجة ، لأن القطع الطريقي حجة بنفسه وغير قابل للجعل نفياً ، ولا إثباتاً .
                  وعلى هذا المبنى لا فائدة لتقسيم الدليل إلى المستقل .. وغير المستقل ، ان الحسن والقبح من الضروريات الاولية خلافاً للاوساط الاصولية والفلسفية القائلة بـ ((إن الحسن والقبح داخل تحت القضايا المشهورة)) .
                  إن كل من قال بهذا الرأي يؤدي من حيث يريد أو لا يريد إلى نسف قاعدة التحسين والتقبيح العقليين .
                  ولكن في الحقيقة أن الحسن والقبح من الضروريات الاولية ..وليست من قسم المشهورات .. وذلك لشهادة الوجدان ، ولذا قسما من الوسط الامامي ، والمعتزلي يستدلون على أن الحسن والقبح عقليان بالضرورة .
                  وقد يقال : إنطلاقاً من أدلة الاشاعرة على حرمة مبدأ الحسن والقبح أنه:
                  لو كان العلم بحسن العدل ، وقبح الظلم .. من العناصر الضرورية الاولية .. لما وقع التفاوت بينه ، وبين العلم بـ ((أن الكل أعظم من الجزء)) لأن العلوم الضرورية لا تتفاوت ، ولا تختلف كذلك .
                  وهنا .. يمكن الاجابة عند هذا القول على صعيد النقض والحل :
                  1) فإننا نلاحظ أن المذهب السوفسطائي شكك في البديهيات .. وهذا لا يدل بحال على عدم وجودها ، بل نرى فئة الملاحدة ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى وهو : من أجل البديهيات.
                  2) وهذا إنما وقع التفاوت في التصورات ، لأن تصور أجزاء القضية قد يكون جلياً وواضحاً لدى الكل (كما في المثال المتقدم في فقرة الإشكال المطروح) وأخرى قد يكون خفياً .. كما لو وقع الإلتباس في تصورات أجزاء القضية ، وربما يكون سبب هذا الاختلاف والتفاوت ناشئاً من جهة تقدم المدنية وتأخرها .. فإنا نرى الإنسان الحضاري يتصور أجزاء القضية والحكم عليها بسرعة مذهلة ، وهذا بعكس الإنسان البدائي ، فإنه لا يتصور أجزاء القضية ، وذلك لقصور إدراكه العقلي ، وتخلفه الفكري .
                  3) وعلى كل .. فإن ما ذهبوا إليه من أن الحسن والقبح من القضايا المشهورة يؤدي (على ما أرى) إلى نسف قاعدة التحسين والتقبيح العقليين .
                  إن دور العقل ووظيفته الرسالية الاساسية أن يدرك الحكم الشرعي الصادر من الله سبحانه ، والرسول الاعظم محمد (ص) .. وليس وظيفة العقل أن يكون حاكماً على نصوص القرآن والسنة من حيث الصواب ، أو الخطأ .. والامتثال ، أو العصيان .. بعد أن يتأكد من صحة صدورها .. وبعد أن يستهدف المقصود بها ، أي : في إطار القواعد ، والاصول العامة التي يتركز عليها الاستنباط .
                  والدستور الإسلامي جعل للعقل الإنساني قيمة مركزية ..
                  بمعنى أنه يوجهه إلى مقاييس خاصة يعود إليها بإستمرار ، كلما أحاطت به الشكوك والشبهات ، وأخذته التيارات والواجهات ، وأثرت فيه الشهوات والمؤثرات العارضة التي تستهدف الجسم في الاعماق .. فتتغير وتتبدل تقديرات الإدراك أحياناً من نقيض إلى نقيض .
                  هو في حاجة ملحة إلى إتخاذ المقاييس الخاصة للاجتهاد .. خشية أن يقع في سلسلة الاخطاء والمفارقات ، أو خشية أن يكون أعمى مطموساً في الظلمات .. حتى يجذبه الهلاك .. لا بمعنى أنه هو الذي يحكم بحسنها ، أو قبحها .. وبأمتثالها ، أو عصيانها .. ومتى صدر النص من القرآن ، أو السنة كان هو الحكم لا محال ، وكان على العقل الإنساني أن يمتثله ويطبقه .. سواء كان يدرك مدلول حكمته الغيبية ، أو لا يدركها .
                  إن للشارع المقدس صيغاً ومنطلقات مبدئية أساسية ثابتة .. وإن مهمة أداة الإدراك الإنساني بمفهوماته بإكمالها في مجال التوجيه والممارسة والتطبيق في الحكم هي :
                  أن يكشف من الذي يستهدفه إطار ظاهر النص ، وما مدلوله الذي يقرره حسب قواعد الاصول ، أو قواعد مصطلح الحديث ، كذلك القرائن العامة ، والاوضاع اللغوية ، والنحوية ، والصرفية ، والبلاغة ... في الهيئات والتراكيب ، وخصائص الاساليب .. وبالتالي تنتهي وظيفته (على ما أرى) بهذا القدر دون زيادة .
                  وإن المدلولات النصية التي لا شائبة فيها من قريب ، أو من بعيد .. لا تقبل الرفض بحكم من هذا الادراك الإنساني ، فهذه النصوص من القرآن والسنة ، والعقلاء بما هم عقلاء ليسوا سلطة مناهظة يحكمون بالحسن أو القبح .. وبالامتثال ، أو العصيان .. لما جاء من القرآن الكريم ، أو السنة الصحيحة .
                  ومن خلال هذه الركيزة الاساسية .. يوجد خلط وانحراف ليس بالشيء القليل .. سواء ممن يحاولون إزالة العقل من دوره المبدئي في الإيمان بالله ، وبأنبياء الله .. أو ممن يحاولون إعطاء العقل الإنساني سلطة الحكم النهائية في أمر الشريعة الإسلامية كلها ، فيجعلون خصماً لشريعة الإسلام من صحة ، أو بطلان الاحكام التشريعية ومقرراتها وتوصياتها الشاملة الكاملة .
                  والحقيقة تقال :
                  أن المقررات والتوصيات والاحكام التي يستقر من أجلها الإنسان بالتفرد والسيطرة .. بمعنى أنه وحده الحق ، وما سواه باطل وزور وبهتان .. لا تصلح للتطبيق في النواحي الفردية والاجتماعية .. بما أنها متأثرة بالاطر العاطفية ، والحيوانية المترعرعة في الأعماق في الحاجات الحياتية الإنسانية ، وذلك : أن العاطفة والنزوة الحيوانية لا تحقق ديمومة مصالح الفرد والجماعة معاً ، ولا يهمها الصالح الاجتماعي مهما كلف الامر من عواقب وأخطار ، لأنها حاجات نفسية مرتجلة قائمة على أساس الاهواء والرغبات التي تتطلب الاشباع إلى أبعد الآفاق .
                  وقد رأينا جل الجالس البرلمانية (الليبرالية) والهيئات التشريعية العالمية .. تضع القوانين والايديولوجيات لمصلحة الرأسمالية والبرجوازية والاقطاعية .. واستغلال الطبقات الكادحة بصورة غريبة وبشعة .. ولا تراعي الحسابات والاعتبارات المبدئية لصالح قوى الشعب العاملة بشرائحها المختلفة .
                  وعند ذلك لا يبقى أي مجال للعقل .
                  وعند ذلك تلغي كل الفوارق القائمة بين الإنسان ، والحيوان البهيم ، فالإسلام من حيث المبدأ ، يرسم للعقل المقاييس الخاصة للنظر في هذه الاحكام والتوصيات ، وفي شؤون الحياة ونظامها .
                  فاذا أدرك أحكامها بشكل هادف .. لم يعد أمامه الا الامتثال والطاعة والاتزان ، فيستحيل عليه عادة أن تضطرب له قدم ، أو تخف به كفة ، أو تغلب على أمره .
                  وأما ما عدا المقاييس الخاصة .. فهي مضطربة مائجة مزعزعة مريجة .. لا ثبات لها ، ولا استقرار ، ولا صلابة لها ، ولا احتمال .. فمن تجاوز نقطة المقاييس الخاصة للاجتهاد .. زلت قدماه في ذلك المضطرب المريج ، وفقد الثبات والإستقرار والطمأنينة والقرار بالتجربة والوجدان .
                  ومن هنا .. فالمسار الهادف المنهجي في التلقي عن القرآن ، أو السنة .. هو :
                  أن لا يواجه العقل أحكام الإسلام الرائدة بتوصيات وقرارات له سابقة عليها على أساس أنها من عمليات اجتهاداته ، أو من عمليات أفكاره الضيقة ، أو من عمليات اختباراته الناقصة .. إنما مسار الاستنباط الهادف أن يتلقى النصوص والروايات المعتبرة ويستنبط منها أحكامه هو .. فالنصوص حقيقة تشريعية واقعة ، وأصح من مقولاته المنطقية أللاإسلامية ، واستنباطها من حيث المبدأ أعمق من ذلك المسار المتطرف وأرقى وأشمل .
                  إن الادراك العقلي ليس هو المقاومة والتوجيه والسلطان الذي يخضع له ويطاع ، ليحكم بمقرراته الخاصة ، مقررات شريعة السماء الخالدة .
                  بيد أن له الحق في البحث عن العوالم المادية والابداع فيها بشتى وسائله وصنوفه ، فهي موكولة إليه في حدود تجاربه وكشوفه ونظرياته (ضمن موازين التصور والتدبر والتفكير) بما أنها وجود خلافته في الارض ، وبما أنه مهيأ لها بطبيعة تركيبة تكوينيه الواقعي.
                  هذه وظيفته ، وداخلة في نطاق مهامه ، ولا حساب ، ولا عقاب في هذا الدور .. مادام هنالك صيغ جديدة ومتطورة ومبدعة .. من المعارف والتجارب مجالها عريض للمد والجزر .
                  وانطلاق النظر (من خلال الميزان المضبوط الثابت) موكول للعقلاء بما هم عقلاء في هذا المجال الواسع .
                  وليس هناك حكومة تمتلك الضغط الصارم على العقول النيرة في إدراك الهدف المقصود بالنص المعتبر شرعاً ، وطرق تطبيقه .. متى كان مسار النظر في حدود القواعد والاصول العامة .. والاتجاه المستقيم المنتزع من إطار توصيات الشارع القويم .. بما في هذه الكلمة من عمق وشمولية .
                  ومعنى هذا أن الشارع المقدس يرتكز على العقل بما هو عقل من ناحية المبدأ .. ضمن إطار المقاييس الخاصة للاجتهاد ، والمقاييس الخاصة كذلك لمعالجة النصوص المتضاربة من هنا ومن هناك !!..
                  صحيح .. أن العقل حجة من الحجج التشريعية النافذة ..
                  ومصدر من مصادر التشريع الإسلامي ، وله استقلاليته التكاملية في حسن قضية وقبح أخرى .. من خلال بعض القضايا على سبيل الموجبة الجزئية ، فيما إذا فقدت من الاساس الادلة الشرعية .
                  وصحيح (كذلك) إذا جزم الدليل العقلي بمورد .. ولم يساوره طابع الشك ، أو الوهم ، أو التراجع .. في رؤية الواقع من خلال رؤية تامة في ذلك ، فقد كشف عن حكم الشارع الاقدس ، وعليه أن يتعبد به ، ويعمل على حسابه .
                  هذا .. لو استقر الفقيه بعد الجهود المضنية المضاعفة إلى حكم من الاحكام على سبيل الجزم ، كان حجة عليه قطعاً لكشفه عن حكم الشارع الحكيم .
                  فإذا أدرك العقل وجود مصلحة ، أو مفسدة في فعل من الافعال مع الاحاطة الشاملة بجميع مناطات الاحكام وملاكاته من وجود المقتضي ، وفقد المانع فلا محالة يستكشف حكم الشارع من وجوب ذلك الفعل ، أو حرمته بدليل لمي ، أي : معرفة المعول بالعلة .
                  إذن .. فالإسلام من صميم الإدراك العقلي .. بمعنى أنه يوجه العقل والعقلاء بقضاياه وتوصياته ، والالتزام بمقاييسه وتوجيهاته ، ولا يجبره بخارقة من الخوارق الكونية لا مجال له فيها ، الإ الإستسلام .. مثل الذي جرت على أيد الانبياء من قبل .
                  يوجه العقل والعقلاء .. بمعنى أنه يصحح له منهج الكلمة الحرة ، ويوكل إليه إدراك الحقيقة الاساسية للعقيدة .. حقيقة أن التشريع الإسلامي من عند الله سبحانه .. وحقيقة الإيمان في النفس البشرية ليجهض عن الفطرة الإنسانية .. رواسب العادات والتقاليد الجاهلية ، والمقررات اللاعقلانية المضلة للفطرة الإنسانية التي تفقد أهم مقومات الإرادة والقدرة العقلية ، وهي المشحونة بالعواطف من الجانب اللاشعوري من النفس اللإنسانية .. ولا يعتبر لها أية موضوعية من الوجهة التشريعية .. ما دامت كلها ليست منبثقة انبثاقاً هادفاً من الدستور الإسلامي الذي يكفل وحده التفسير الصحيح لحقيقة الإنسان ومركزه في هذا الوجود .
                  يوجه العقل والعقلاء .. بمعنى أنه يوكل إليه فهم فحوى النصوص التي تحمل توصياته وأحكامه التكاملية ، ولا يفرض عليه أن يعتقد بما لا يستوعب مدلولها ولا يدركها .
                  فاذا استوعب إدراك المدلولات ، واستهداف استنتاج الاحكام في تشخيص الصغريات ، وتطبيق الكبريات .. لم يعد أمامه الا الإمتثال والطاعة والقبول بها فهو :
                  إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد .. ومن حقه أن يحتج أمام المولى ويكون له العذر إن أخطأ الواقع حيث لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
                  أو عدم الإمتثال والطاعة والقبول بها فهو :
                  يمضي في التيه بلا دليل ، وللمولى (سبحانه) أن يحتج عليه إذا لم يعمل بمقتضى القواعد والاصول التي جعلها له ، لأنها منجزة للتكليف بحقه .
                  وليس هو حاكماً في حسنها أو في قبحها .
                  وليس هو مكلفاً في امتثالها ، أو في عصيانها .
                  كما يرغب من يريدون أن يجعلوا من أداة هذا الإدراك البشري سلطاناً مطلقاً يختار من الآيات القرآنية ، أو الروايات الإسلامية المعتبرة ما يختار ، ويترك منها ما يترك ، ويستصوب منها ما يستصوب ، ويخطيء منها ما يخطيء .
                  وهذا منتهى ما تصل إليه النفس من اسفاف ، وموت للكلمة الإسلامية ، وتجاوز لجميع الحدود التشريعية .. بغير علم ، ولا هدى ، ولا كتاب منير !!..
                  ولكن قلوب الرساليين الحساسة المرهفة تتعبد بالنصوص ، والروايات الصحيحة .. وتحسها وتقدرها ، وتتوجه إليها في كل أمر ، وفي كل تجاه .. في مجال التوجيه والتطبيق في الحكم ، وذلك بحسابات ومؤشرات دقيقة ومدروسة من خلال القواعد والأصول والمعارف .
                  والله تبارك وتعالى إذا قرر حقيقة رائدة عن طبيعة الكون والحياة ، أو عن مصالح الفرد والجماعة .. فهذا الذي قرره الله مفروض الامتثال والتصديق والطاعة من قبل المكلفين .
                  فإذا قرر الله حقيقة في طبيعة الكون والكائنات .. فالحق ما قرره الله تعالى .. وليس للإدراك العقلي أن يصدر حكماً في شيء من هذه الاشياء ويقول : إني لا أرى هذا في تصوراتي ، أو في اختباراتي الذاتية .. فكل ما يحكم به الادراك العقلي في هذا أو ذاك .. معرض للخطأ والصواب .. والنقصان والزيادة .. بما أن معظمها أمور غيبية لا سبيل للعقل البشري أن يدركها بوسائله التجريبية الحسية المحدودة ، والمقيدة بالمؤثرات النفسية ، ولا مجال له أن يدرك منها اكثر مما تعطيه النصوص التشريعية بذاتها ، بلا زيادة ، ولا تصرف ، ولا قياس ، ولا رأي .. إذ ان الزيادة ، والتصرف ، والقياس ، والرأي عمليات عقلية .. وإدراك العقل هنا في الواقع في غير ميدانه ، ليس معه أدواته ، لأنه لم يزود بأدوات العمل في هذا الميدان ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه .. فكيف يستطيع أن يستوعب ، أو يفقه الخصائص والمؤشرات المطلقة الثابتة في هذا الوجود ، أو يحكمه ويخصه بمنطقه المخلوق المحدود .. إلا من خلال خالق الكون والكائنات كلها ، لأن خالق هذه الاشياء أعلم بمخلوقاته ، وأدرى من غيره لهذه الموضوعات والاشياء .
                  هذا لأن إدراك العقل ضيق ومحدود ، وليس له الإحاطة الشاملة بكل المصالح والمفاسد ، وليس هنالك ملازمة بين وجود المصلحة ، أو المفسدة في فعل من الافعال ، وبين جعل الاحكام التشريعية ، إذ لعل هنالك وجود مانع من جعل الاحكام ، أو مصلحة في بعض اضدادها الوجودية .. تلك المصلحة تزداد على مصلحة ، أو تتكافأ معها ، فقد يدرك العقل وجود الحسن والقبح في شيء ، لأجل إدراك مناطه وملاكه ، ولا يجعل الله سبحانه وتعالى الحكم الشرعي على طبقه ، لوجود المانع ، أو المزاحم الاقوى ، فالله سبحانه وتعالى عن تزاحم الملاكات يجعل الاحكام التشريعية على وفق أقوى الملاكين ، لو كان أحدهما أقوى ، وليست هذه من وظائف الإنسان المكلف ، بل يجب عليه الامتثال .
                  ويمكن هنا طرح بعض الشواهد على هذه الاطروحة :
                  1 ــ نجد الشارع المقدس لم يصدر الاحكام التشريعية (كوجوب الزكاة .. وحرمة الخمر .. والربا ..) في بداية الرسالة الإسلامية دفعة واحدة ، بل كانت بصورة تدريجية لعدم استعداد الإنسان المسلم لقبولها ، أو من جهة لتسيير الامر عليه وتسهيله .. أو لئلا تحدث على الساحة الإسلامية إنحرافات عقائدية ، أو كوارث اجتماعية ، أو اضطرابات فكرية ، أو أمراض نفسية .
                  2 ــ بعض موارد الاحكام الإرشادية .. كوجوب طاعة الأوامر والنواهي التشريعية .. فإن وصف الطاعة ، ووصف المعصية من الاحكام العقلية التي يحكم بحسن الأول منها وقبح الثاني ، مع أنه لا وجوب شرعي فيهما ، وذلك لاقتضاء محذور التسلسل الممتنع عقلاً .
                  فالعقل يدرك حسن الطاعة ، وقبح المعصية لإدراك ملاكهما ، ولا يحكم الشارع بوجوب الطاعة وحرمة المعصية ، لأجل وجود تالمانع ، وهو: التسلسل .
                  وعلى أية حال .. فالعقل ليس له القابلية لإدراك الاحكام التشريعية ، لانه لا يستوعب جميع جهات الحكم ، وهذا هو القدر المتيقن من قوله (عليه السلام)

                  تعليق


                  • الاجتهاد مواجهة رسالية حضارية

                    الافكار الرسالية الحضارية الهادفة هي أعلى مراحل تطور الإنسان ، والذين لا يفكرون أفكار رسالية حضارية هادفة ، لا يقدمون ممارسات حركية ثورية رسالية هادفة في الاتجاه نحو المستقبل ، وإقامة المجتمع المرتقب المنشود .. فالتفكير الرسالي الحضاري على الامتداد الافقي هو دائما الاحاطة الكاملة ، والتفسير الكبير للإنسان نوع الإنسان .
                    نحن اليوم .. نحاول تطبيق حقيقة تقدمية متطورة ليست بجديدة .. ونواجه حقيقة رجعية متخلفة ليست بجديدة كذلك .. والاطروحة الحقيقة التي نحملها ونحاول تطبيقها تؤكد أصالتها وقدرتها على استيعاب حركة التأريخ بتأكيد جدلية العلاقة بين الاصالة والمعاصرة ، وبين الماضي والحاضر .. بل هي لا تستطيع غير ذلك .
                    ولا أطروحة حقيقية هادفة بلا قرار جريء .. وأي قرار جريء ؟.. هناك قرار الوجود والحياة .. هناك قرار الديمومة والبقاء .. هناك قرار التغيير الثوري ، وكل العقائد والنظم والتقاليد والاخلاق الموروثة والعلاقات الدولية المعقدة والمتشابكة .. بحاجة إلى القرار الجريء نصنعه بالصبر والدأب والمثابرة ، وبغير ذلك نصاب بنكسة ، أو كارثة .. ترجع بحركة التاريخ البشري إلى الوراء .. مهما بقي التقدم المادي الصرف على صعوده وغناه .
                    ولكن .. الإنسان الذي يحتاج إلى هذه الاشياء لإتخاذ القرار الجريء .. بحاجة كذلك إلى اتخاذ قرارات أخرى ..
                    من أجل ماذا ؟..
                    من أجل أن يبتكر ويبدع وينجز قرارات جريئة تنقذ الديمومة الرسالية من التجاوز والتحدي والتصدي والإنهيار خصيصة بشخصية الجماعة المؤمنة ، والإنسان المسلم المكلف المسؤول .
                    تلك هي براءة ذمته من متطلبات الواقع المجهول .
                    تلك هي قرارات الانفتاح الاجتهادي ، ووجوب انطلاق نظريته بين احاد المكلفين .
                    تلك هي قرارات الرفض والانكار لمسيرة اجماع المحققين المزعوم على شجب ممارسة عملية الإستنباط .
                    تلك هي قرارات القوى الطامحة إلى الدخول في مسيرة الحركة الحضارية ، والإسهام في إعمارها وتطويرها ، وهي بالتالي تستهدف لحظاتٍ جدلية مستمرة لا تنتهي .. ترسم خطاً جديداً يقوم على الوئام والانسجام والتكامل والوفاق والالتحام :
                    بين الحس ، والهوية .. وبين الفعل ، والتأمل .. وبين النظرية ، والتطبيق .. وبين الحتمية ، والحرية .. وبين الروح ، والمادة .. وبين الحضور ، والغياب .. وبين الطبيعة ، وما وراء الطبيعة .. وبين الزمن، والممارسة .. وبين الغريزة ، والوجدان .. وبين الانتاج ، والإبداع .
                    صحيح .. أن ممارسة العمل التغييري الثوري الرسالي .. هموم ومعاناة ومخاطر في المرحلة الراهنة ، ولكن مفروض علينا تقبُل هذه الألوان بكل ما فيها من صعوباتٍ ومشاكل آيديولوجية وغير آيديولوجية .
                    وكما اننا لا ننكص عن مواجهة كتلة الطبيعة الرهيبة القوية الغاشمة ، بل نتحداها بكل مجهوداتنا ، لأنها لا تمتلك قدرة ذاتية ، ولا فعلاً مرسوماً لمجابهتنا ، ونتعامل معها بكل طاقتنا الفولاذية ، لأنها حددت أحجامها وقوانينها ونظمها وأبعادها من لدن الله تعالى ، بما يتلائم والمهام الرئيسية لخلافتنا على الارض .
                    فلذلك يجب علينا أن لا ننكص عن مواجهة النظرة التقليدية الفكرية المتحجرة السائدة الجوفاء .. التي كونتها الظروف السياسية في أواخر القرن الرابع الهجري ، بل علينا أن نواجهها بالاسلوب الذي نواجه به مسالك الطبيعة بصعودها ، وهبوطها ، ومغامراتها ، وأهوالها ، ومنحنياتها ، وغموضها ... .
                    وصحيح .. أن عملية النقد المطلوبة عناء ، والذين لا يعانون من موقع المسؤولية التأريخية ، ومن موقع عمليات القبول والرفض المتطورة والمستمرة ، ولا يكونون مبدعين ومفكرين طليعيين ، وقادة مبادرين في إستئناف النظرية الاجتهادية ، وتطبيقها على أساس النظرة الانقلابية الثورية المتجددة التي ينتظم فيها قانون الإنسان المسلم الجديد .
                    والذي يجرؤ على أن يتحدى المشاكل ، وما فيها من آلام وصعاب ، ويتحدى دُعاة الركود الفقهي وجموده هو : أبلغ وأفضل شهامة وبطولة من أولئك الذين يشوهون سمعتهم بالإستسلام والخنوع والإصرار العامد على إبقاء ظاهرة تقليد الفقهاء القدامى من الائمة المحترمين ، وشجب من يحاول العودة إلى صياغة عملية استنباط الفقه من جديد بإطارات نظرية .. تلتزم حدود الدليل الشرعي والأصل العملي .
                    فهم لا يفعلون ذلك ، لأنهم يخلصون لها ، بل لأنهم يخشون ما يمكن أن يجيء من بديل جديد مكانها .. يمتد أفقياً وعمودياً لاجتثاث هذا الواقع الاجتماعي المريض بديل عن المفاهيم والاحكام التشريعية الإسلامية ذات الاطروحة الواقعية ، والرؤية الشمولية ، والبناء الحضاري الرسالي الحديث .. القائم على أساس الحق والعدل والعطاء والحرية .. فهم ليسوا مقلدين يطيعون الأوامر والنواهي ، أو مخلصين للتراث الفقهي ، بل هم متعصبون ، أو عاجزون في الواقع عن مواجهة التيارات الفكرية الحديثة ، ومواصلة العمليات التغييرية المعاصرة .
                    سبحان الله !!..
                    داخلني الأسف الأسيف .. حين لمست بوضوح :
                    أنهم يختارون الغفلة ، والكسل الذهني ، والتراخي والإتكالية ، واليأس والقنوط ، والنظرة المغلقة الجامدة البعيدة عن ملامسة الواقع المباشر المحسوس للمشكلات ، وعن تقدير مساحة الظروف الزمانية والمكانية ، ومنظور المفاهيم الموضوعية والعقلانية والعملية لحركة الواقع الاجتماعي .. النظرة التي تطمس ما في منابع نظرية المنهج العلمي ..من روح جديدة ، وتدفق هادر ، ودور متكامل لحركة الشريعة وديمومتها وفاعليتها وتوازنها في مجال عملية صيرورة الزمن .
                    ثم يتزايد بي الالم المرير .. حين أراهم :
                    يستدلون بذرائع ومبررات ، وتحت مظلات عديدةٍ .. لا تعبر عن حقيقة العلاقة الجدلية ، بين حركة الاجتهاد ، والحقل الفقهي الشامل .. كل ذلك ليقنعوا أنفسهم ويقنعوا الاخرين .
                    أذكر على سبيل المثال .. لا رغبة في التخصيص :
                    أننا نشجب ممارسة الإستنباط ، ونقلد الائمة الموتى إبتداءٍ ، وان عملية هذا المسار أعظم من كل إبداع وتطور وإنجاز ..
                    فاذا كان دعاة الحرية الاجتهادية قد تفوقوا علينا ، وجعلوا حركة الصيرورة ممكنة خارج كل جمود ، وبفعالية إيجابيةٍ .. لا تعرف تردداً .. ولا رجوعاً إلى الوراء صوب قناة التصور الكامل ، والانفتاح الكلي على إمكانية بلورة الفكر الفقهي .
                    فقد تفوقنا نحن عليهم كذلك بالتراث الفقهي الذي خلفه لنا مؤسسوا المدارس الفكرية السالفة ــ سنية كانت أم شيعية ــ وحينئذ فنحن لا نشعر بمرارة التخلف العقلاني ، والجمود الفكري اللامسؤول على أكثر من صعيد ، بل نجد في واقعنا الحاضر الأليم ما يجعلنا نجرؤ على مباهاة سمو الحضارة ، والروح التقدمية .. بمزايا تراثنا القديم القديم .
                    نقف هنا .. نؤكد : أن هؤلاء في الاغلب .. يختارون المسارات الديماغوغية (التضليلية) الخادعة الماكرة .. يختارون دائماً الوسيلة التقليدية المريحة .. يختارون أن يغنوا للنائمين .. بدل أن يوقظوهم ، ويحركوهم نحو تحقيق أهداف الانبعاث الروحي في وجدان أمتنا التي تستهدف مردودات غير اعتيادية في حجم ونوعية مفاصل البناء الفوقي للمجتمع بشرائحه المختلفة ، واستيعاب العالم البشري المعاصر المتنوع المتضاد المتصارع على الارض ، وامتلاك زمام المبادرة الستراتيجية ، والقدرة الفاعلة على مواكبة الحوار الحضاري معه أخذاً وعطاءاً .. بعيداً عن التشنج والإنفعال ، وعن التبعية والاغتراب ، وعن التصنع والابتذال .. لكي يصل إلى الموقف الاعمق إيجابية وتناسقاً ، ويمتد إلى مرحلة العلاقات الإنسانية المتكاملة المتبادلة القائمة على التعارف والتعاون بين الامم والاقوام والشعوب .. دون أن تتجاوز بهذه الممارسات أصالتها وواقعيتها أبداً .
                    وهذا الذي ذكرناه يعتبر شرطاً مكملاً لقدرتنا على استئناف الصلة الحية بتراثنا ، وبعثه من جديد ، بممارسة متوازنة ، وبنظرة شمولية ، وبروح سماوية .. والذي لا بد من وجوده كشرط أساسي من شروط نمو الحضارات وديمومتها وبقائها .
                    ففي ظل هذا الانحدار السافر .. وما اتبعه من إنغلاق مذهبي واجتماعي ، وضيق في الافاق الفكرية ، ولهاث في التشهير بالمعارض أو المحاور ، وتشويه رأيه ، أو سمعته بين رفاقه .
                    يتصورون أنهم منتصرون ، وواصلون إلى جميع ما تشتهيه أنفسهم ، وأنهم مبرأون من العيوب والتقاليد الغريبة المزدوجة ، وأن كل تراثهم الفقهي شامل لكل روافد الحياة .
                    وهنا تهزني الحسرة ، وأنا أقرأ هذه المقولة ، لمن لا يبحث عن اكتشاف قوانين حركة الواقع .. من خلال اكتشاف متناقضاته المدهشة وصراعاته الاساسية ، وأحداثه المتلاحقة .
                    ((فيا أصحاب هذا التراث .. أأنتم عليه غيارى ؟.. لست أدري ، ولكن يقيناً أدري أنكم في دروب الحياة حيارى)) .
                    في أجواء هذا التداعي قرأت فيما قرأت عن دعاة الانفتاحة الاجتهادية : أنهم يطالبون أبناء السنة المعنيين بشؤون مؤسسات القيادة الفكرية ، بحرية انطلاق النظرية الاجتهادية .. بحسن نية تارة .. وبسوء نية تارة أخرى .
                    .. بحسن نية :
                    من الذي يرون أن الدستور الإسلامي في جوهره حل من الحلول الكبرى يتعايش في كل الاطوار الزمانية والمكانية في آيديولوجية متكاملة محيطة ، ومميزات استقلالية متوازنة لا تهمل ولا تتوتر ، ولا تغفل ، ولا تتطرف .. فتهدم معالم الابنية الفوقية ــ كما هو الجاري في القوانين الوضعية ــ وسط هذا الإهمال والتوتر والاغفال والتطرف ، لأنها تصدر عن أصول جزئية قلقة !!..
                    ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا))[8].
                    .. وبسوء نية :
                    وبعض يدعون إلى الانفتاحة الاجتهادية عداءً للشريعة العملية الإسلامية ، إذ يزعمون أنها غير صالحة ، لأن تكون نظاماً للدولة والمجتمع ، قادرة على النهوض والارتقاء بالمسؤولية الرسالية الحضارية الإنسانية الصاعدة .
                    بل يعملون جاهدين لتحقيق القوانين الوضعية بما استمدوه من دراساتهم العلمانية في معاهد وجامعات الغرب الرأسمالي ، والشرق الشيوعي.
                    كلُ هذه المناداة والتقريعات من أجل تطبيق القوانين اللاإسلامية بديلاً عن فقه الشريعة الإسلامية .. كل ذلك بإسم حركة الاجتهاد لكي لا يشجبه المسلمون الواعون بحجة أنه بدعة وكل بدعة ضلال !!..
                    ((أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون))[9]
                    ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين))[10] .
                    وقد شجب دعوة الانفتاحة الاجتهادية كثيرون .. بحسن نية تارة .. وبسوء نية تارة أخرى :
                    .. بحسن نية :
                    لحسم دابر المفسدين الجدد الذين يحاولون إدخال القوانين الوضعية شرقية كانت أم غربية .. باسم قاعدة تغيير الاحكام بتغيير الازمان ، أو أن الضرورات تبيح المحظورات على إطلاقها .. زاعمين أن أقطاب الفقاهة من الائمة لم يبقوا أي مجال للنظر والاستدلال .. بعد أن استعرضوا كل الاحداث ، والوقائع المستقبلية .
                    .. بسوء نية :
                    إبقاء هيكل الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه ومشاربه على ركوده ، وعلى جموده ، ويترك ميدان السبق ، وحلبة الصراع الفكري لغيره ، ويقتنع بعدم صلوحه للممارسات التطبيقية العملية في الازمنة الحاضرة .
                    وما زال هذا النهج في إنحدار ذريع ، وأخطار كبيرة ، من أبرزها :
                    قطعوا تيار التغيير ، وسيل الصيرورة ، وانصرفوا إلى ظاهرة القليد ، والجمود الفقهي ، وحولوا كل شيء إلى السابقين ، وضعفت فيهم طاقة النقد والعقلانية ..
                    فالمعارف كلها تقليد ، وكان أقصى ما يبلغه هؤلاء أن ينقلوا لنا ما حفظوا وما قرأوا ، لهذا غاب عنا الابطال العمالقة في رحلة طويلة !..
                    ومهما يكن .. فإن كل ما يمكن قوله بهذا الصدد هو أن نقول لهؤلاء المتفقهين المتفيقهين أعلن كانوا أم غير عالمين :
                    إننا في العصر الراهن ملزمون بوضع ملزمون بوضع المسيرة الثورية الاسلامية لأمتنا داخل إطار الزمن الحضاري الإنساني بكل ما فيه من علم وتقدم وإيمان والتزام وابتكار وسرعة وقوة مذهلة .
                    وبمواجهة ظاهرة عمليات المنطق التقليدي السائد الذي قطع طريق الوصول إلى معرفة المسائل المستحدثة ، ومعايشة التطورات الزمنية ، ومواجهتها وتغطيتها بشكل عام .. بموجب الدستور الإسلامي المنهج العملي الذي يحفظ توازن الموقف البشري في الارض ، ويمكنه من أداء مهمة الاستخلاف الاساسية المنوطة به ، ويحركه صوب الهدف الاسمى والاعمق والاشمل الذي خلق من أجله .. ألا وهو إعلاء كلمة الله ، وتقدير الوهيته وحده ، والتلقي عنه ، والتوجه إليه .. دون أي شريك .
                    ((وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشكرون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون))[11].
                    وهناك أسئلة ملحة تفرض نفسها في أعماق الحياة الاجتماعية ، وتنتظر الاجابة من المعنيين ، تلك هي :
                    ((هل نحن طورنا حسب مهامنا الإسلامية ــ على صعيدي البحث النظري والممارسة التطبيقية ــ الاحكام والمفاهيم وفق التطورات الزمنية بشكل دقيق ؟!..
                    أم تمسكنا بالجانب الثابت من الشريعة العملية وضخمناها إلى أبعد الاغوار .. وأعدنا صياغتها من جيل إلى جيل .. أما التطورات الزمنية وتغطيتها فتركناها لإجتهادات الناس الذاتية !!..
                    ما هو الاقتصاد الإسلامي ؟..
                    وكيف ينبغي أن يتم توزيع الثروة ، ويدخل في إطار مبرمج غايته الاساسية تجميع وتكثيف أكبر للثروة القومية ؟..
                    وكيف الانطلاق من ضرورة الانفاق والتوزيع لتحديد رؤية اقتصادية جديدة ؟..
                    هل تجعل من الإنسان آلة إنتاج في خدمة تسودها آيديولوجية الكسب والجمع .. أم جسدا منفقاً حسب حاجاته الحقيقية ؟..
                    ما هي القوانين التي تنظم علاقة العامل برب العمل ؟..
                    وهل يجب أن يشارك العمال في الارباح ؟..
                    وكم .. ولماذا ؟..
                    وهل للعمال ضمان إجتماعي ؟..
                    وما هي مقررات الشريعة في الاراضي ؟..
                    فهل يجوز تقسيمها على الفلاحين إذا اقتضت الحاجة الملحة لاستقلال بلادنا الاقتصادي ؟..
                    ومتى تكون الحاجة الملحة ؟..
                    وهل نحن في الوقت الحاضر نعاني من تلك الحاجة ؟ ))
                    هل يسوغ لأصحاب رؤوس الاموال الضخمة امتلاك الاراضي الشاسعة لما دل ((الارض لمن أحياها)) بنحو يكاد أن يمنع الضعفاء من الاحياء لعدم امتلاكهم الارصدة المالية ، وعدم قدرة الحكومة الإسلامية على مساعدتهم من المنح أو القروض ؟..
                    أم يجب إعطاء المجال في مثل هذه الاراضي التي أرادها الله لإنعاش الحياة الاقتصادية ، والتنافس في مجالات الرشد والتنمية والعمران تحت عنوان منطقة الفراغ التشريعي ، وتحت غطاء تشخيص مصلحة النظام ، والعناوين الثانوية ؟..
                    أم ليست هناك من صلاحيات خاصة للحكومة الإسلامية تسمى ب ((منطقة الفراغ )) سوى تطبيق الاحكام الإسلامية بروافدها المتنوعة في إطار العناوين الاولية منها والثانوية ، وتشخيص محاور التزاحم للملاكات والاولويات ؟..
                    كيف نضع الخطط والتصاميم لتحرير كامل الثرى الوطني الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الاستعماري ؟..
                    ما هي عناصر الانتصار المحتوم فيها ؟..
                    هل بتصعيد الكفاح المسلح في الداخل فقط .. أم في كل مكان من العالم.. أم اسقاط الانظمة الرجعية المساندة للحلول الاستسلامية أولاً وقبل كل شيء ؟..
                    هل الحرب الابتدائية الهادفة إلى تعزيز قوة الإسلام ونشره والدعوة إليه من خلال احتلال أراضي الدول الكافرة المستكبرة .. ضرورة رسالية تأريخية ملحة ؟..
                    أم يجب الالتزام بالقوانين الدولية الحديثة التي تصرح بالحظر الخاص لاستخدام القوة في الميثاق الدولي ؟..
                    أم ينحصر وجوب هذا الهدف العالمي بالاساليب السلمية ، والاعلام الرسالي ، وتأسيس العلاقات الثقافية العامة مع الامم الاخرى .. حتى ولو امتنعوا عن قبول الإسلام ، وسعوا إلى تدميره وإطفاء نوره المتألق .. في حين ان الله سبحانه وتعالى يريد إظهاره على الدين كله ، ولو كره المشركون ؟..
                    ((كيف يكون الاهتمام بالأبنية الفوقية للمجتمع ؟..
                    وكيف نخلق فيه العملية الديناميكية ؟..
                    وكيف نجعله مجتمعاً تقدمياً إسلامياً حضارياً متطوراً ؟..
                    وكيف نحافظ على القيم والمثل التي تسود فيه ؟..
                    ما هي تفاصيل البرنامج الاخلاقي الذي يجب أن يتقيد به الإنسان المسلم ؟..
                    هل هي المرونة الموضوعية .. أو التصلب الثوري ؟..
                    ومتى المرونة .. ومتى التصلب ؟..
                    وهل هي الانفتاح .. أو الانعزال ؟..
                    ومتى هذا .. ومتى ذاك ؟..
                    إن مئات الاسئلة العريضة حائرة اليوم ، وتتطلب أجوبة ثورية وعقلانية وعملية وواقعية بديهية)) .
                    إذن .. كم هو جميل وواجب ؟.. أن نجد بين أجوائنا المفكر الفقيه المسلم القائد الشجاع .. يضع المقررات والتوصيات الثورية الإسلامية ، ويجسد معطياتها بأساليب منهجية في التفكير ، ووسائل تنظيمية في الاداء ، وأدوات عقلانية في المتابعة والتقييم والتطبيق .. كل ذلك في إطار روافد الادلة الاجتهادية ، والاصول الفقاهتية .. الحاوية لعناصر الخلاص في المضمار الاجتماعي العام المتزوبع اليوم على ذات نفسه تزوبع الاعاصير السافية .
                    وفي نهاية المطاف يحدث إنعطافة تاريخية في مسيرة فقه الشريعة العملية .. ويجهض الاستسلام والركوع والإتكال ، وتظل قامته منتصبة شامخة تتحدى القامات الطيعة الراكعة ، ويظل عقله الكاشف حصنا منيعاً .. يرفض الفقهاء بلا تجديد ، والدعاة بلا تطبيق ، والهتاتفين بلا إيمان ، والمؤمنين بلا أخلاق ، والمتعصبين بلا ذكاء .. لأن المقررات الإسلامية ، والمنعطفات التاريخية الكبرى .. لا تنتصر ، الا برفض هذه الهياكل ، والتركيبات الخاطئة .
                    إن الله جل جلاله ..
                    لم يخلق الكون والحياة والإنسان عبثاً ولعباً ..
                    ولم يرسل الانبياء والاوصياء لغواً لفظياً ..
                    ولم يطرح التشريعات والقوانين ترفاً فكرياً ..
                    ولم يأمر ولم ينه ، بلا مصلحة وحكمة .. كما هو الحال في بعض المواقف الوضعية .
                    إن هذا الإنسان ــ فرداً وجماعة ــ لا يفتح مغاليق فطرته الا بمفاتيح من صنع الله ، ولا تعالج أمراضه وعلله ، إلا بالدواء الذي يخرج من يده ، وقد جعل في برنامجه وحده مفاتيح كل مغلق ، وشفاء كل داء .. وفق هدف واضح مرسوم منسجم مع النواميس الكونية ، والسنن الحياتية ، الأمر الذي يترتب عليه انجاز حضاري أغنى ، وتوحد بشري أشمل ، وسعادة نفسية أكثر عمقاً ، ومصير في الارض والسماء أشد توافقاً مع مهام الوجود الإنساني في أصقاع الارض .. نافخاً فينا روح المواجهة ، ومواكبة الابداع ، ومستقطباً معطياتنا وممارساتنا في الافق الواحد الاعمق والاوسع .. الذي طرحه كتاب الإسلام الخالد :
                    ((وما خلقنا السماوات والارض ، وما بينهما لاعبين))[12].
                    ((وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون))[13] .
                    ((أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً ، وإنكم إلينا لا ترجعون))[14] .
                    إذن .. من حقنا أن نسأل بشكل دقيق :
                    ماهي المصلحة العامة التي تنتزع ، أو المفسدة التي تجهض بجواز ممارسة نظرية الاجتهاد والاستنباط ؟..
                    لسنا هنا في هذا الفصل .. بصدد بيان وتجسيد كل الخصوصيات والمنعطفات والمؤشرات الاساسية لهذه النظرية ، لأن ذلك سيتضح في كتابنا ((بحوث في الاجتهاد)) ، بيد أننا نطرح بإختصار شديد مؤشراً واحداً وهو :
                    إن تفسير حكمة منطلقات النظرية الاجتهادية ، وجواز ممارستها ترجع إلى مسايرة الظروف والاحوال ، والصفائق والوقائع الحياتية المستحدثة والمتزايدة باستمرار ، والتي لم يصدر بشأنها نص ، فلا بد من استنباط حكمها على القواعد العامة ، فهي غير خاضعة للتحديد والتأطير ، بل للتجديد والتطوير .. تدوس أصنام الصيغ التقليدية القشرية ، والقوالب المذهبية الجامدة في مسارها الطويل إلى أن تقوم الساعة .
                    وخاصة أن الشريعة الإسلامية إنسانية أممية حضارية .. تفرز معطيات روحية وعملية وموضوعية ذات قدرة متفجرة إستثنائية ، ونقلة ذاتية إيجابية ، وطبيعة نوعية ستراتيجية .. لا تساعد فقط على السعي الدائم ، وفق الاساليب العلمية التجريبية ، لاكتشاف النظرة التقويمية للحياة ونواميسها وقوانينها وأسرارها ..
                    وإنما توصل الإنسان إلى عالم آخر .. يتجاوز الارض إلى آفاق السماء .. ويغادر اللحظة الموقوتة إلى عالم الخلود المطلق الحافل بالمعطيات الزاخرة بالبقاء والدوام .. لا تقطع فيه ، ولا غياب .
                    وإنه هو : الامل الإنساني الوحيد العميق البعيد .. الذي ينبغي أن يعايشه الفرد ويطمح اليه ويتمناه خارج سياج الحلقة الذاتية التي قوامها الاهتمام بحياته الخاصة ومنفعتها .. غير خاصية هذا العالم الذي يعيش فيه الحافل بالمعطيات الغابرة المؤقتة .. كسيد على العالمين ، وخليفة لله في الارض بوعي وأمانة ومسؤولية ..
                    وهكذا .. تغدو المنجزات الثورية ، والمنعطفات التأريخية في شريعة الإسلام ، وسيلة إلى غاية أعمق وأرقى وأشمل ، وتكسب في نفس الوقت أخلاقية عميقة عريضة في الحضارات كافة تصد الإنسان عن استخدام امكاناته وطاقاته في غير المسارات التي تحتمه هذه الغاية ذات الابعاد الشريفة التي لا حدود لها أبداً .
                    وليس كما يزعم ((ماركس)) من أنها محاولة بـ ((رجوازية)) سالبة رجعية ظالمة ، لاسكات صوت الفقراء والمساكين والمعدومين ، وتحذيرهم بالوعود بجنة خالدة أخرى رومانتيكية (خالية) معلقة في سماء الاحلام غير جنة الارض التي يتنعم ويتلذذ بها البرجوازيون ، لأن بروز الطبقية ، وتحكم المالكين بالذين لا يملكون شيئاً من حطام الدنيا .. سبق هذه النزعة الميتافيزيقية (الغيبية) .
                    ونحن هنا .. إذا حاولنا جاهدين من خلال الادلة والاصول اثبات ممارسة عملية الاستنباط في كل الاحوال والأزمان والبقاع ، نرى : اننا بحاجة تأريخية ضرورية حتمية ملحة إليه .. وإننا بحاجة كذلك إلى طرح مرونته التكاملية ، وعقلانيته الكاشفية ، وانفتاحه وخطوطه العريضة ، وقنواته المشروعة .. بمضامين واقعية ، أو ظاهرية .. في تحديد الاشياء والعلاقات والقيم .. مهما بدت متعسرة أو متعذرة ، وبخاصة المستجدة منها في إطار التشريع الإسلامي الاصيل .
                    والمقلدون الشاجبون لهذه النظرية .. لا ينهضون بأعباء مسؤولية معطيات العصر ، ويقفون أمام تحدياته عاجزين ، لأنهم يرجعون بالشريعة إلى الوراء ، فهم لا يحيونها ليومهم ، ولا يحيون يومهم بها .
                    ونحن لسنا من دعاة نسيان التراث وما خلفه لنا أصحاب المدارس الفكرية التقليدية من ثروة فقهية إستدلالية هائلة متميزة ومباحث أصولية موسعة على مختلف الحقول والصعد لم تزل رافداً لكثير من فقهاء عصرنا ومثقفيه .. كمسلمة لا تقبل نقضاً ولا جدلاً .
                    ولكن من حقنا نتسائل :
                    لماذا نهرب عن حرية الاجتهاد .. ومنهجه الرسالي الذي هو امتداد للثورة الثقافية التقدمية الحضارية في حياة الامة ؟..
                    أليس حرية ممارسة الاجتهاد أعظم رصيد فكري شمولي في البناء الروحي .. وفي البناء العقلاني .. وفي البناء الفوقي .. له مؤشرات ذاتية من الضخامة والعمق ، ومعجزة فريدة في بلورة المنطلقات التشريعية ، وطاقة دافعة لتحقيق قنوات الابداع والتجديد بين الامة التي تدين بالشريعة العملية الحية الفاعلة في الحياة المتجاوبة مع جميع المستويات التي يعيش فيها الناس ؟..
                    ألم تكن المسألة أبعد من هذا في الواقع .. يريد البعض تجاهل هذه الحقيقة الواقعة ، بل إلغاءها إلى الابد ، ولو بنزعات ديماغوغية خالصة ، لأنهم يريدون أن تكون المسائل والمنطلقات الفقهية الاستدلالية المعمقة .. حركة فكرية باردة ، وبحوثاً نظرية جامدة ، وجدلاً كلاسيكياً .. فهي ألفاظ شأنها في صدورهم كشأنها في المعجم .. صفات لا تدل على موصوف .. وكلمات لا تزيد على أنها حروف .. بدون أن يسألوا أنفسهم أأخطأوا أم أصابوا ؟.. بل يعبرون عن ذواتهم بأي شكل تحت أي سلطة ، باسم أي مذهب !!.. فالغرض هو التعبير لا صيغة التعبير ، هؤلاء ليسوا فضلاء كما يتوهم البسطاء الساذجون ؟.
                    كل ذلك .. من أجل أن يقلدوا الائمة الموتى المحققين المحترمين .. لا أن يبتكروا ويبدعوا الشيء الجديد ، وهم هاربون عن أعماق الحقيقة التقدمية .. لا يبحثون عنها إذا بعدت عنهم ، ولا يرجعون بها إذا واجهتهم !.. وأخطر أعدائهم الذين يبحثون عن أعماق الحقيقة التقدمية ، أو يحترمونها ، أو أن يدلوهم عليها بأنهم هدامون خصوم زنادقة !.. وهؤلاء يرحبون بإستمرار بمن يزكي لهم أنفسهم ، ويبرر جميع ما لديهم من آراء وأفكار وتقاليد رجعية ، والخصم البغيض هو الذي ينتقدهم ، أو ينتقد شيئاً مما يمارسون ، أو يعتقدون .
                    وكل ذلك .. من أجل أن يحطموا شخصية علماء الإسلام كافة ، ويحرموا عليها الإستقلال الفكري ذا المحتوى التقدمي الرسالي العظيم ، والركون إلى التقليد الاعمى ، والإنقياد إلى المذاهب الفقهية القديمة ؟..
                    أرأيت هؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة التقدمية الرائدة .. ينقصهم الوعي الاجتماعي المتكامل بحقيقة إنطلاق الاجتهاد .. كما ينقصهم الوعي الناضج لطبيعة الاحكام التشريعية .. وطبيعة موقف المفكرين التقدميين الرساليين الجدد الذين يدعون إلى الانفتاحة الشاملة ، ويغفلون أو يتغافلون عن الادلة والقواعد الواضحة الصريحة في ضرورة التفقه في الشريعة الإسلامية ناسين أعاظم الصحابة والتابعين والفقهاء ؟!..
                    ومن أجل كل هذا .. خذلوا أنفسهم في الحقيقة .. وخذلوا القيادة التقدمية الفكرية .. وخذلوا المصلحة والامانة الملقاة على القيادة كلها .. وحرفوا مصادر التشريع الإسلامي الواقعية .. إنما برروا ذلك التقليد والجمود الفكري بأنه تراث الاباء .. وقد واجهها القرآن الكريم[15] ((كتاب الله الاخير)) بقوة وحذر شديدين .
                    ونقول ، والحق يقال : أنه منذ العصر الحديث ابتداء من السيد جمال الدين الافغاني (ت : 1317هـ) ورفيقه في الكفاح الفكري الشيخ محمد عبده (ت : 1323هـ) وحتى اللحظات الاخيرة .. فقد وقف كبار فقهاء الازهر الشريف ، وغيرهم من العلماء العاملين ، والاساتذة الرساليين ، والكتاب التقدميين .. موقفاً صلباً مباشراً ، بإيمان مطلق ، وعقيدة صلدة ، وكفاح دؤوب في عملية التحول والتبدل من أجل الانفتاحة الاجتهادية التقدمية الحضارية في كل الأزمان وفي كل الأحوال .. أمام من تتوفر فيهم شروط ومعدات ممارسة الإستنباط المستقل المطلق .
                    فمنهم من أفتى بصراحة بوجوب فتح كل باب ونافذة للاجتهاد .
                    ومنهم من أشار إلى ذلك في المؤتمرات والمجلات والصحف والنشرات.
                    ومنهم من أخذ الصمت المطبق عن عدم إظهار الحق المطلق .. تقية من الحكام الرجعيين ، ورجال الدين المقلدين ، وتخلف الجماهير ، كل الجماهير .
                    وقد نهض بأداء مهامه الرسالية الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الازهر الشريف ، وأصدر الشيء الكثير من الاستنباطات المستحدثة منها والقديمة واستجاب لدعوته حكام الجمهورية العربية المتحدة يوم كانوا ، وهي في الحقيقة والواقع استجابة انقلابية ثورية تقدمية حضارية صادقة نحو معالجة مشكلات مجتمعنا المعاصر على الصعد الحياتية كافة .
                    ومن هنا .. نجد تصريحه لجريدة الشعب المصرية الصادرة بتاريخ : 5 / 2 / 1959م إذ ذهب قائلاً :
                    ((وجد المستعمر ثقوباً نفذ منها ، وأخذ يعمل على توسيع تلك الثقوب .. حتى استطاع أن يلج منها إلى وحدة المسلمين يمزقها ، ويفرق شملها ، وبذلك دبت فيما بينهم عقارب العصبية المذهبية ، وكان من آثارها السيئة ما حفظه التاريخ .
                    درست فيما مضى المقارنة بين المذاهب بكلية الشريعة بالازهر .. فكنت أعرض آراء المذاهب في المسألة الواحدة ، وأبرز من بينها مذهب الشيعة ، وكثير ما كنت أرجح مذهبهم خضوعاً لقوة الدليل ، وكنت أفتي في كثير من المسائل بمذهب الشيعة ، وأخص بالذكر القدر المحرم من الرضاع ، والطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع واحداً ورجعياً ، والطلاق المعلق لا يقع به التطليق أبداً ، كما قال الزوج لزوجته : إن خرجت من البيت فأنت طالق .
                    والباحث المستوعب المنصف سيجد كثيراً في مذهب الشيعة ما يقوي دليله ، ويلتئم مع أهداف الشريعة من صالح الاسرة والبمجتمع ويدفعه إلى الاخذ به ، والإرشاد إليه .
                    لقد قرر رأيي (إنشاء الله) على أن أعمل على تدريس الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بجميع المذاهب الفقهية المعروفة الاصول البينة المعالم ، والتي بينهما دون شك مذهب الشيعة إمامية وزيدية .
                    وختم تصريحه بهذا النداء :
                    وهنا نحن ندعو بأسم الله .. وبأسم كتاب الله .. وبأسم الوحدة الإسلامية .. وبأسم الاعتصام بحبل الله .. ندعو علماء الفريقين إلى التقارب والمصافحة حتى نسد هذه الثقوب على المستعمر ، ويعود إلينا مجدنا وشعارنا)) .
                    وقبله الشيخ محمد مصطفى المراغي .. دعى إلى إبطال غلق أبواب الاجتهاد ، إذ كتب يقول :
                    ((إن العلماء الذين درسوا مشروع القانون تعرضوا لهذه المسألة ، وحكموا بقفل باب الاجتهاد ، ووضعوه في صورة المستحيل عادة هذه الأزمان ، ومنذ قرون طويلة مضت وهو غلط تأباه قواعد الأصول (كما سيتضح) ننقله عن فقيه إسلامي ، وأشهر أصولي متكلم ، وهو حجة الإسلام الغزالي .
                    ليس الاجتهاد ممكناً فقط ، بل هو ممكن عادة ، وطرقه أيسر .. وإني مع احترامي لرأي القائلين بإستحالة الإجتهاد وأخالفهم في رأيهم .
                    وأقول أن علماء المعاهد الدينية في مصر من توافرت فيهم شروط الاجتهاد ، ويحرم عليهم التقليد))[16].
                    وبالتالي يأتي دور مجمع البحوث الإسلامية ، ويحدد مسألة الانفتاحة الإجتهادية في مقررات مؤتمره الاول المنعقد بالقاهرة العام 1383هـ بـ ((الاجتهاد الجماعي))[17] فقد حدده علي حسب الله في أصول تشريعه ، قائلاً :
                    ((وهو كل إجتهاد اتفق المجتهدون فيه على مسألة من المسائل ، وهو الذي دل عليه حديث علي (رضي الله عنه) حين سأل الرسول (ص) عن الامر ينزل بالناس لم ينزل به قرآن ولم تمض سنة .
                    فقال (ص) : اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم ، ولا تقضوا فيه برأي واحد .
                    ومنه : اتفاقهم على ما ذهب إليه عمر عن كتابة المصاحف بعد أن عارضه أبو بكر .. وقال : ((نفعل ما لم يفعل رسول الله (ص) ))[18] .
                    ولكن .. هذا الطرح لا يخلو من سلبيات .. أهمها :
                    أ‌- كيف يحصل ((الإجتهاد الجماعي)) في مسألة من مسائل التشريع ، مع اختلاف مباني الوسط الفقهي ؟!..
                    ب‌- ولو حصل فإنما يكون في إطار جملة من المسائل النادرة .
                    ت‌- وأما الدليل الذي استند إليه لم يكن من طرقنا ، بل من طرق الجمهور .. ونحن لا نعلم من منظورهم .. هل هو من النصوص المعتبرة ، أو غير المعتبرة ؟!..
                    ث‌- مع اننا لم نر من علماء الإسلام من عمل بهذا الدليل ، والتزم بهذه الاطروحة الجماعية .
                    ج‌- ان هذا الدليل معارض بنصوص أخرى من طرقهم الدالة على شرعية ممارسة الاجتهاد الفردي ، منها :
                    ح‌- ((عن معاذ بن جبل : ان رسول الله (ص) سأله إذ بعثه إلى اليمين بماذا تقضي ؟..
                    قال : أقضي بما في كتاب الله .
                    قال : فإن لم أجد في كتاب الله ؟..
                    قال : فبسنة رسول الله .
                    قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟..
                    قال : فبسنة رسول الله .
                    قال : فإن لم أجد في سنة رسول الله ؟..
                    قال : أجتهد رأيي ، ولو الو .
                    قال : الحمد لله الذي وفق رسول ، رسول الله ، لما يرضي رسول الله))[19].
                    ومنها :
                    ((قال رسول الله (ص) لعمرو بن العاص :
                    أحكم في بعض القضايا ؟..
                    فقال : أجتهد وأنت حاضر .
                    فقال : نعم ان أصبت ، فلك أجران .. وإن أخطأت ، فلك أجر))[20] .
                    والحاصل .. تبرز الغاية الكبرى من حرية ممارسة عمليات الإستنباط .. ما دامت الدعوات الخيرة مصرة على الإنفتاحة الإجتهادية مستوعبة شروط المواجهة ، وإرادة الأمة الواعية للعودة المنشودة في إطار الموضوعية والعقلانية والشرعية البناءة .
                    وطبيعي أن هيكل الفقه الإسلامي ثروة هائلة لا تضاهيها أية ثروة فقهية أخرى في كل العصور ، ولدى كل الامم .. حتى هيكل الفقه الروماني المعروف بغناه .
                    لذا نجد العقل بما هو عقل .. لا يرى ابقاء الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه ومشاربه على ركوده وجموده ، لأنه يؤدي بالحياة العامة إلى مشاكل ، منها :
                    مشكلة الشبهات .. والبدع .. والاساطير الرجعية .. ومشكلة الإتجاهات .. والافكار .. والاندفاعات الراديكالية .. ومشكلة الحيرة المؤدية لاختلال النظام ، بل الانقطاع عن الفكر التشريعي من الاساس .
                    إذن .. فآيدولوجية الاجتهاد في حقل الفقه الإسلامي الإسلامي وليد ديناميكية المجتمع الرسالي الحضاري المتطور .
                    ولم يكن ما أقرره من هذا غريباً ، أو مدعاة للتساؤل في صفحات هذه الاطروحة ، قررنا هذه الحقيقة الرائدة في صورةٍ ناصعةٍ عرضناهاعلى الادلة النقلية والعقلية ، وانتهينا من ذلك كله إلى الرأي الذي نعتقد به ونطمئن إليه .. بما في هذه الكلمة من عمق وإحاطة وشمولية هادفة .
                    مصطفى الحمداني

                    تعليق


                    • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا ونا صرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

                      تعليق


                      • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا ونا صرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

                        تعليق


                        • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

                          تعليق


                          • اللهم كن لوليك
                            الحجه ابن الحسن
                            صلـــــواتك عليه وعلى ابــــائه
                            وليـــــا وحافظـــا وقائــــداونـــاصرا
                            ودليـــلا وعينــــا
                            حتى تسكـنه ارضك طوعـــا
                            وتمتعه فيها طويلا
                            برحمتك يا ارحم الراحمين
                            وصل الله على محمد وعلى ال محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
                            اميــــن رب العالميــــــن

                            [IMG]file:///E:/english/Yahoo!/Messenger/Profiles/v.v.v.i/hossain[/IMG]

                            تعليق


                            • اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين

                              تعليق


                              • بسمه تعالى
                                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


                                اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الســــــــــاعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا ونا صرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X