إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حكايات حية من إنفجارات عاشوراء 1426 هـ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكايات حية من إنفجارات عاشوراء 1426 هـ

    ما زال الشارع الكربلائي يفور غضبا واستنكارا على خلفية الأعمال الإرهابية التي طالت مدينتهم وللمرة الثانية بعد سقوط نظام صدام. لا تزال الشواخص الإجرامية تحكي قصة الموت المجاني الذي أهداه ثلة من المرتدين عن الإنسانية حين اختاروا يوم عاشوراء لتنفيذ خستهم كما يقول الأهالي الذين يتطلعون بكثير من الحقد على الأماكن التي شهدت سلسلة من التفجيرات الانتحارية وما زال القريبون منها يتكلمون عن طيبتهم وعن تلك الغفلة التي استغلها الحاقدون.

    في شارع التأمين تسمع الحكايات .. يقول أحد الناجين بأعجوبة . كنت واقفا هنا أوزع الماء على الزوار . اقترب مني أحدهم وراح يبارك لي عملي .. سقيته الماء وقلت له (اشرب ماي الحسين) ..كان يرتدي سروالا اسود وقميصا اسود و( يلك) اسود. كأنه من المسلمين الذين يحتفلون بيوم عاشوراء كما هي عادتنا. لم يدر بخلدي انه كان يحمل المتفجرات تحت ثيابه. كان يؤشر الى صاحبه الذي يرتدي نفس الملابس ابتعد عنه ذاك الى مسافة لا تتعدى العشرين مترا..وكان هذا ينظر هنا وهناك. ويضيف كان همي ان اسقي اكبر عدد من الزوار ..رأيته يجلس على الرصيف. كأنه تعب من المسير. وكان ينظر الى ساعته. ناولته الماء من جديد وقلت له ( لن تتعب ما دمت على خط الحسين). في تلك اللحظة ذهبت الى الفرع المجاور .لا ادري لم ذهبت. كأن الله أراد لي ان أعيش. التفت الى أخي وقلت له (وزع الماي على الزوار ) رأيت ذاك المتلبس بالسواد ينهض ليتقدم مسافة خطوات وما هي إلا ثوان حتى اشتعل وتحول الى كتلة من النار تصاعدت الى أعلى البنايات..كان المشهد فظيعاً. انبطحت وصارت روحي قرب أخي الذي تكوم تحت (البانيو) الذي نوزع فيه الماء. كان الناس قد تناثروا وصار الدم يصبغ الشوارع. وقبل ان انهض لمساعدة أخي. وكان ذلك في الدقيقة ذاتها حدث انفجار آخر ..كان الثاني الذي ابتعد عن الأول قد فجر نفسه ولم اعد أرى شيئا. رأيت اللهب يصل ألي بينما الشظايا مرت من أمامي لتقتل من كانوا قريبين مني، ويكمل..أدركت ان أخي قد مات. كانت عيني مشغولة به بينما كنت أغطي رأسي كأني في الجبهة أيام الحرب نهضت مسرعا لأنقذ أخي الذي وجدته ينزف دما حملته سريعا وكان نصف وجهه قد أكلته شظايا.

    يقول الحاج عدنان ابو الحب ان ما حدث في كربلاء يراد منه زرع الفتنة، لكنهم لا يعرفون ان العراقي قد صهرته التجارب والحروب والعذابات والطغيان وبات اقرب الى الوحدة منها الى التفرقة ..انهم حين اختاروا أعز يوم علينا كأنهم يزرعون في بساتين النخيل الكربلائية التي أينعت برحيل الطاغية عشب الضغينة والكراهية وسهاما ترمى على الاخوة من السنة. ويضيف الحاج أبو الحب .. أثناء الحج هذا العام كنا معا عراقيين بلا تفرقة وكان همّ الجميع هناك هو سلامة العراق ..انهم لم يحصدوا غير السراب فالشعب العراقي يعرف الدسائس وهيهات ان يركع لمخططات هؤلاء القادمين من ظلمات التفكير الأهوج. فيما يقول الشيخ عبد علي الحميري رئيس مجلس شيوخ عشائر كربلاء ان تنظيم القاعدة وراء هذه الأحداث الدموية .. انهم يتعاونون مع البعثيين والمجرمين ولم يفرقوا بين إنسان وآخر بين مذهب وقومية لقد حدثت الانفجارات في كل أنحاء العراق، لأنهم يريدون استهداف الإسلام بإساءتهم إليه. ويضيف الشيخ الحميري. وإلا هل يعقل ان يفجر نفسه من يدعي الإسلام وهو يعرف ان قتل النفس حرام فكيف به وهو يقتل المسلمين على مبعدة عشرة أمتار من ضريح سيدنا العباس (عليه السلام)؟ ان هذه الفعلة لن تزيدنا الا وحدة بيننا وتزيدهم تفرقة وسينبذهم الله في جهنم وبئس المصير ان شاء الله.

    مصورون واللحظات الفظيعة حين تقترب اكثر من الشهود فانك لن تجد إلا أن ترتجف للحظات. فكيف بك وأنت ترى ولو بعد حين مشاهد الرعب من خلال شاشة صغيرة؟ المصور احمد الموسوي يقول كنت أصور مشاهد الاحتفالات وكانت كاميرتي تتنقل من هذا المكان الى ذاك ومن هذا الموكب الى ذاك الموكب. كنت أسجل اللحظات حين سمعت صوتا من مجموعة كانت تركض .. انتبهت .. رفعت عيني عن الكاميرا لأتأكد من صحة ما أسمعه ..كانوا يصرخون ..انتبهوا هناك عمليات انتحارية هناك عمليات انتحارية .. عدت لأصور المشهد ..بعض الناس ارتبكوا وبعضهم سد أذنيه عن سماع التحذير ..ولم تمر سوى ثوان حتى دوى انفجار كبير وآخر وثالث ورابع ..كنت لحظتها قد أصبت بالذهول وأنا أصور مشاهد الرعب والموت والأشلاء المقطعة. لم تعد يدي تستطيع إمساك الكاميرا ولم تعد عيني بإمكانها ان تشاهد هذا الدمار، أشلاء مقطعة مرمية في الشوارع، كان رأس مقطوع هنا وذراع مبتورة هناك، رجل يئن وامرأة تحولت عباءتها الى غطاء يغطي جسدها الطاهر بينما كانت يداها تؤشران الى الناس لمساعدتها ويضيف المصور الموسوي، لقد كانت يدي ترتجف تماما وكان المشهد اكبر من ان تأخذه الكاميرا بكل تفاصيله، سيارات إسعاف خشبية يقودها الحمالون في يوم الثلاثاء الدامي ..كانت هناك مواكب للعزاء من كل محافظات العراق لتعبر عن حزنها العميق لمقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وكان هناك الحمالون الذين وجدوا رزقا بنقلهم الزوار من كبار السن .. كانوا يمنون أنفسهم بربح حلال مادامت الطرق مقطوعة من اجل مرور المواكب ومن اجل منع تواجد السيارات داخل مركز المدينة ..حمالون كثر .. يدفعون بعرباتهم الخشبية بين الزحام الكبير الذي غصت به كربلاء ..حتى فاق العدد حسب المصادر الموثوقة بأكثر من ثلاثة ملايين زائر ..كان هؤلاء الحمالون اكثر إنسانية من المجرمين الذين أطاحوا بكل القيم الإنسانية كما قال ذلك أحد رجال الدين، الذي كان يلقي خطبة في الشارع بضرورة ضبط النفس، وكان يشير الى الحمالين ويقول هؤلاء اشرف من أولئك الذين استحلوا حرمة المكان المقدس .. أحد الحمالين واسمه حيدر .. شاب بسيط لا ترى في ملامحه غير البراءة والبحث عن العيش الشريف وسط بطالة كبيرة .. قال .. كنت في باب بغداد انتظر من يناديني لأنقل أغراضه أو انقله هو الى مكان ما من المدينة ..وكان موكب قادم من بغداد قد هيأ نفسه للبدء .. رأيت أحدهم وكان يركض ..وما هي إلا لحظات حتى دخل وسط الموكب وفجر نفسه ..كنت اجلس داخل عربتي .. شعرت ان الأرض انشقت وكأني في أيام الحرب حين تتساقط الصواريخ على المكان ..ثوان معدودات وتحول المشهد الى موت وجراح وانين ودم .. سارعت مع مجموعة من الحمالين لإنقاذ الجرحى .. حملت اثنين في عربتي .. وكنت أنادي ان يسرع الآخرون لمساعدتي بحمل الجرحى ونقلهم الى مكان قريب من بوابة المدينة ريثما تأتي سيارة الإسعاف .. كان أول من حملته رجل كبير سكن تماما في العربة .. وكان الثاني شاب أصابته شظايا في وجهه وذراعه وراح يتلوى من الألم .. ويضيف حيدر ..كنت كلما نقلت مجموعة الى سيارات الإسعاف أعود الى الجرحى الآخرين لأنقلهم .. بل أنني لا اعرف ان كانوا جرحى أم شهداء ..ولكن عربتي الخشبية تشهد ان بقايا اللحم ما زالت عالقة بين ألواحها وتمنيت لو أحرقت رأس الذي قام بالتفجير وأنا أراه عن بعد مفصولا عن جسده ..ولا ادري حتى هذه اللحظة لماذا يفجرون أنفسهم بهذ البساطة .. ولماذا يريدون لنا الموت؟
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X