بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين و اللعنة الأبدية على أعدائهم من الأزل إلى قيام يوم الدين ...
قصة إستشهاد الصحابي الشجاع : سعيد بن جبير رضوان الله تعالى عليه
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين و اللعنة الأبدية على أعدائهم من الأزل إلى قيام يوم الدين ...
قصة إستشهاد الصحابي الشجاع : سعيد بن جبير رضوان الله تعالى عليه
بَنَى الحجاج مدينة جديدة بين الكوفة والبصرة هي مدينة واسط ، و بنى في وسطها قصراً كبيراً له و لأعوانه ، و بنى سجناً كبيراً يعذّب فيه الناس الأبرياء ، كان في سجنه آلاف الرجال و آلاف النساء و الأطفال .
كان الحجاج جالساً في قصره الكبير و حوله الحرّاس و معه طبيب نصراني اسمه " تياذوق " و كان الحجاج يحب أن يشاهد بنفسه قتل الناس و ينظر إلى دمائهم و هي تنزف.
لهذا عندما أُدخل سعيد بن جبير ، كان كلّ شئ جاهزاً، فالجلاّد كان واقفاً ينتظر الإشارة .
دخل سعيد بن جبير في القصر المملوء برائحة الدم ، لم يشعر سعيد بالخوف لأنّه كان مؤمناً بالله و اليوم الآخر .
سأله الحجاج عن اسمه فقال :
سعيد بن جبير .
فقال الحجاج : بل شقيّ بن كسير .
قال سعيد : امي أعلم باسمي و اسم أبي .
قال الحجاج : شَقيتَ و شقيتْ اُمك .
أجاب سعيد : لا يعلم الغيب إلاّ الله .
سكت الحجاج ثم صفق بيده فجاء بعض الهزليين و قاموا بحركات مضحكة ، قهقه الحجاج بصوت عالٍ و ضحك الحاضرون ، غير أن سعيد ظلّ ساكتاً.
سأل الحجاج : لماذا لا تضحك ؟
فقال سعيد بحزن : لم أرَ شيئاً يضحكني ، و كيف يضحك مخلوق من طين و الطين تأكله النار .
قال الحجاج : فأنا أضحك .
أجاب سعيد : كذلك خَلَقَنا الله أطواراً !
أمر الحجاج أن يحضروا له الخزانة ، أحضر الحرّاس صندوقاً كبيراً مليئاً بالذهب و الفضة و الجواهر .
راح الحجاج يصبّ أمام سعيد قطع النقد الذهبية و الفضية و الجواهر الثمينة .
سأل الحجاج : ما رأيك بهذا ؟
فقال سعيد و هو يلقنه درساً : هذا حسن إن قمت بشرطه .
سأل الحجاج : و ما هو شرطه .
تشتري به الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة .
مرّة أُخرى سكت الحجاج أمام منطق سعيد ، التفت الحجاج إلى الجلاّد و أشار بقتله . تقدّم الجلاّد نحو التابعي الجليل . توجّه سعيد نحو الكعبة بقلبٍ مطمئن . طلب أن يصلي ركعتين قبل إعدامه ، توجّه نحو الكعبة و قال : ( وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفاً مسلماً و ما أنا من المشركين ).
صاح الحجاج : احرفوه عن القبلة .
دفعه الجلاّد إلى جهة اُخرى ، فقال سعيد : ( أينما تولّوا فثم وجه الله ).
صاح الحجاج : اكبّوه إلى الأرض .
فقال سعيد : منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارةً اُخرى .
صرخ الحجاج بحقد : اضربوا عنقه .
و هنا توجّه سعيد إلى السماء و دعا الله عزَّ و جَلَّ قائلاً : ( اللهم لا تترك له ظلمي و اطلبه بدمي و اجعلني آخر قتيل يقتله من اُمة محمد صلى الله عليه وآله ) . و كان هذا الدعاء الوحيد الذي دعا به سعيد على إنسان بعد وصية والدته له .
هوى الجلاّد بسيفه الغادر على عنق سعيد فسقط الرأس فوق بلاط القصر . و هنا حدث أمر عجيب . عندما نطق الرأس قائلاً : ( لا اله إلاّ الله ).
راح الحجّاج ينظر إلى تدفّق الدماء بلا انقطاع فتعجّب من كثرة الدم . التفت إلى الطبيب تياذوق ، و سأله عن السرّ في ذلك .
فقال الطبيب : ان كل الذين قتلتهم كانوا خائفين ، و كان الدم يتجمّد في عروقهم ، فلا ينزف منه إلاّ القيل . امّا سعيد بن جبير ، فلم يكن خائفاً ، و ظلّ قلبه ينبض بشكل طبيعي . لقد كان قلب سعيد مملوءاً بالايمان ، و لهذا لم يخف من الموت ، فرحل إلى الله شهيداً و كان سعيداً كما سمّاه أبواه .
مصير الجلاّد
اختلّ عقل الحجاج بعد هذه الجريمة ، و كان يرى كوابيس مخيفة في نومه فكان يهبّ من نومه مرعوباً و يصيح : ( مالي و لسعيد بن جبير ).
لم يعيش الحجاج بعد هذه الجريمة سوى خمسة عشر يوماً ثم مات . لقد استجاب الله دعاء ذلك الشهيد ، فكان آخر من قتله الحجاج في حياته السوداء الحافلة بالجرائم و الظلم وعندما فتحت أبواب السجون وجدوا فيها خمسين ألف رجل و ثلاثين ألف امرأة و طفل . لقد مات الجلاّد و الضحية في نفس العام ، و أضحت قصّتهما عبرة للأجيال . فالتاريخ يذكر سعيد بإجلال ، امّا الحجاج فلا يُذكر إلاّ باللعنة مدى الأيام .
يرجى قرائة الفاتحة على روح الصحابي الجليل و أمثالها الشرفاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وأن لا تنسوا نشرالرساله لتعم الفائده .