بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
بقلم
❊ عبدالله الدربي
> الحمدُلله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين.. وبعدُ:
إنه لما يؤسَفُ له أن تظلُّ الخلافاتُ قائمةً بين المسلمين، ولكن هذا لعمري قد وقع ولا رادَّ لقضاء الله وقدره، وهذا شأنُ الحق والباطل في كل زمان ومكان في صراع دائم ما دام الشيطانُ لعنه اللهُ موجوداً، وأن توحيدَ المسلمين هو من أهمِّ أولويات الدين، ومن أعظم أركانه، وأهم غاياته، ومقاصده، إلا أن الحقَّ مُرٌّ كما يُقالُ، ولكنه مُرٌّ على أعدائه، وسلسبيلٌ على أوليائه، وماذا نصنع إن كانت الضرورة قد ألجأتنا إلى مثل هذا الكلام؟.
بالنسبة إلى ابن تيمية فإنه قد أحدث شرخاً كبيراً، وثلمةً واسعةً في هذا الدين لا تسَدُّ إلا بالمثابرة، وإيضاح الحجة لمن يريد الحق وإتباعه، وهذا الرجل مخذول قد خذله الله وهذا على لسان رجال أهل زمانه من أمثال السبكي وابن حجر وغيرهما حيث نعتوه بأقذع الأوصاف لما سببه من فرقة وبلبلة بين صفوف المسلمين في حينه، ولا تزال وإلى أن يشاءَ الله حتى يقومَ لهذا الحق رجالٌ يدافعون عنه.. والمسلم لا بد أن يعمل عقله فيما شجر بين المسلمين، مدعماً بالأدلة الثابتة المتوافرة من الكتاب والسنة، ولا يطلق لعواطفه العنانَ حتى يلغيَ عقلـَه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) صدق الله العظيم.
وهي الآية لكل زمان ومكان، فإذا أتاك دليلٌ من الكتاب والسنة ومن حجية العقل فلا تقل كان أجدادي وكان آبائي وكان شيوخي على المذهب الفلاني أو على الدليل الفلاني حتى تتبينَ صحةَ الدليل من عدمه، فكم صاخت آذاننا من سماع تلك الألقاب من مثل »شيخ الإسلام« مثلاً، أو »حجة الإسلام فلان«، فقد تطلَقُ هذه الألقابُ لأغراض سياسية أو مذهبية ليس إلا، إذ لا ينبغي تقديسُ الأشخاص إلا بما يقدمونه لأمتهم من حق وحقيقة واضحَين للعيان، وهذا الرجلُ معروفٌ عدائـُه ونصبُه لأهل البيت، ولا يخفى من ذلك شيء، وكمثال على ذلك قوله: »إن الإمام علي عليه السلام مخذول أينما ذهب« (!!!)، أليس هذا سباً صريحاً، وبُغضاً واضحاً له باعتباره رأسَ أهل البيت، فويلٌ له مما يكتب.. والرسولُ عليه وآله أفضلُ الصلاة والسلام قد قال في حديث صحيح صريح: »مَن سَبَّ علياً فقد سبني، ومَن سبني فقد سب اللهَ، ومَن سَبَّ اللهَ يوشكُ أن يكبَّـه على منخرَيه في النار«.
وما ضر المسلمين إلا السبابُ والنعوتُ التي لا تليق، ونحن بصدد توحيد وجمع كلمة المسلمين، فإذا كان هذا الكلام قد قيل على قمة الهرم ممن يزعُمُ بأنه شيخ الإسلام (!!!) فكيف بمَن دونه؟!، وإن من تلاميذه مَن تلقى هذه النعوتَ على العين والرأس، وكذلك من أتباعه، فنحن كمسلمين في غنى عن مثل هذا الكلام، وإن الذي يدرس هذا الكلام وأمثاله إنما يصدقه ويقبله على عواهنه.
إن معرفة أهل البيت عليهم السلام سرٌّ من أسرار الله لا يقلُّ شأناً عن معرفة القرآن، والإحاطة به؛ لأنهم العدل الثاني والثقل الثاني له، ولا يمكن فهمُ القرآن إلا عن طريقهم بنص الحديث: »ولا يجوز لأحد أن يفسر القرآن برأيه أو بحسب ما يمليه عليه هواه أو مذهبُه...الخ«.
وشرطُ قبول الأعمال هو حُبُّ آل البيت، وهم الحسنة المذكورة..
بعدَ هذا الود والحب تأملْ معي في هذه الأبيات العجيبة الرائعة التي تستحق النظر والتأمل والتفكير لأحد فلاسفة الشيعة وأقطابهم، وهو نصير الدين الطوسي، ولعله يكتفي أثر الحديث الصحيح القائل: ( لو أن أحدَكم صفن بين الرُّكن والمقام ألفَ عام يقوم ليلـَه ويصومُ نهارَه، ثم جاءَ وهو يَبْغـَضُ أهلَ البيت ما تقبَّـلَ اللهُ منه شيئاً).
إن هذه الأبيات ــ وإن كان فيها نوعٌ من المبالغةــ لا تخرُجُ عن مدلول الحديث، ويرحَمُ اللهُ بعد ذلك مَن شاء من عباده؛ لأنه على كل شيء قدير، وهو فوق القرآن والسنة وأهل البيت، أما هذهُ الأبيات فهي:
لوْ أن عبداً أتى بالصالحات غدا
ووَدَّ كلَّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وولي
وعاشَ ما عاش آلافاً مؤلفةً
عارٍ عن الذنب معصومٌ من الزللِ
أو صام ما صام صوَّاماً بلا ضجرِ
أو قام ما قام قوَّاماً بلا مللِ
أو حَجَّ ما حج من فرضٍ ومن سُننٍ
وطاف ما طاف حافٍ غيرُ منتعلِ
يكسو التيامى من الديباج كلـَّهُمُ
ويُطعِمُ الجائعين بالبِّرَّ والعسلِ
أو طار في الجوِّ لا يأوي إلى جبلِ
أو غاصَ في البحر ممنوعٌ من البللِ
ما كان ذلك يومَ الحشرِ ينفعُهُ
إلا بِحُبِّ أميرِ المؤمنينَ علي
إننا نقف مشدوهين أمام هذه الأبيات، وما نستفيده منها ومن النص السابق وغيره من النصوص في الإمام علي ــ ليس هذا مجال سردهاــ تدلنا بوضوح على خطورة تعاملنا وتصورنا لأهل البيت..
وهذا حجة الإسلام الغزالي كان قد عدَلَ عن مذهبه السابق، وبدء يمحص ويدرس مآثر أهل البيت عليهم السلام حتى أنه ألـَّف كتاباً: (سرُّ العالمين في فضائلهم ومناقبهم)، إلا أن هذا الكتاب لم ير النور.
وليس هذا بدعاً من ابن تيمية فإنه قد أثار ضجةً وبلبلةً فيما يتعلقُ بصفات الله وبالتجسيم والتشبيه حتى أنه اُستـُتيب في ذلك، وصدر عليه حكمٌ بالتعزير إلا أنه خـُفف عنه بالسجن، ورغم ذلك كان عصبياً جداً، ومنحرفَ المزاج، ولا يقبل من أحد رياً أو حقاً أو دليلاً، وظل على حاله حتى مات في السجن، وليس كما يظن البعض من أنه سجن في سبيل الله، ومن أجله أن قضية التجسيم والتشبيه هي من صميم العقيدة وهي لـُبُّ التوحيد، فإذا كنا سنأتي في صميم العقيدة من هذه الخزعبلات فماذا بقي لنا وللإسلام وللمسلمين بعد ذلك؟!!!.
وهذا ابنُ الجوزي قد فند مزاعمَه ومزاعم من يشربون مشربَه ويتبعون باطلَه في كتاب جليل بعنوان: »نفيُ التشبيه بأكف التنزيه«، فـابنُ تيميةَ يصوِّرُ العرشَ والكرسيَّ على أنهما شيئان مجسَّمان مشبَّهان بهذه الكائنات أو الكراسي والأسرّة التي نعرفُها حتى أنه قال بأن الله سبحانه وتعالى قد أخلى مكاناً على عرشه لسيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ حتى يجلسَ عليه معه ــ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراًــ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الكرسي، ومعروفٌ أن هناك حديثاً يقول بأن السماوات والأرض وما فيهما بالنسبة إلى الكرسي ما هما إلا كسبعة دراهم في ترس، وما السماوات والأرض والكرسي بالنسبة إلى عرش الله إلا كحلقة أو خاتم ملقاة في فلاة. كيف نفسر هذا الحديث؟، وكيف نفهم هذا الحديث؟.
إن هذا مجرد تشبيه ليس إلا حتى يقرب هذا المعنى من عقول البشر، أما حقيقة فليس العرش ولا الكرسي مجسّمين، ولا هما كما يتصور ابن تيمية وأتباعه يمكن الجلوس عليهما(!!!). إن الكرسي ــ كما جاء في "المعجم الوسيط" لأحمد حسن الزيات، وآخرين، طبعة اسطنبول تركياــ معناه العلم.. ألا ترى معنى الكراسة بأنها التي تحوي شيئاً من العلم؟، ومثـَلٌ آخر: هذا فلان قد حصل على مقعد في الجامعة. بمعنى حصل على مهمة جديدة محددة في العلم. والكرسي أيضاً هو أرفع درجة من درجات الشهادات العلمية، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يدل على ذلك، وهكذا الشأن في العرش، فـالعرشُ أيضاً معناه الملكُ، ألا ترى كيف يقال للملك الفلاني بأنه قد اعتلى العرش أي أنه قد أصبح ملك؟!، وقد ورد أيضاً بهذا المعنى في المعجم الوسيط لنفس المؤلف وآخرين طبعة اسطنبول تركيا، وليس كما يتصور البعض من أنه مجسَّماً كالسرير، وآيات القرآن تحدد ذلك بوضوح.
إذاً أين موقعُ ابن تيمية، ومَن حذا حذوه، في مثل هذه الأمور التي ينبغي أنْ لا تناقـَشَ إلا على علم وهُدى وبصيرة، وخصوصاً ما جاء في ذلك عن أهل البيت سلام الله عليهم؛ لأننا لو شبهنا العرش أو جسّمناه للزم ذلك تجسيمَ أو تشبيهَ الجالس عليه ــ تعالى اللهُ عن ذلك علواً كبيراًــ، أما قوله تعالى: (ويحمل عرشَ ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فهو حَمْلٌ معنوي لا حسي، ألا ترى إلى قولنا: هذا الرجل يحملُ العلمَ، أو يحملُ الأمانةَ. فهو حمل معنوي، وهؤلاء الثمانية الملائكة كغيرهم من الملائكة مكلفون بحمل العرش أي الملك بمعنى أنهم يصرفون ملك الله بمقتضى اختصاص كلٍّ منهم، فهذا مثلاً ملك الموت، وهذا ملك الوحي، وهذا ملك الرزق، وهذا ملك المطر، إلى غير ذلك، هذا هو معنى الحمل أي القيام بتصريف الملك الرباني وفق توجيهاته وإرادته، أما قوله تعالى: (وكان عرشـُه على الماء) فقد قال صاحب كتاب »منازل الهداية في خط التوحيد والولاية«، بأنه ليس هذا هو الماءَ المتعارفَ عليه، ولكنه ماء الحياة الميتافيزقيا(حياة ما وراء المادة)، فهو ماء يعلمه الله، وإنما هذه مسميات يقربها رب العزة إلى أذهننا على سبيل التمثيل وليس هي الحقيقة حتى تستوعبَ ذلك عقولنا؛ لأن كل ما هو مادي في هذه الحياة ومحسوس هناك ما يماثله في الحياة الأخرى بكيفية أخرى، وخلق آخر، وإنما هي أمثلة يضربها الله لنا ليس إلاَّ، فإذا كنا لا ندرك الجن ولا الملائكة وهم مخلوقات من مخلوقات الله باعتبارهم أجسام أثيرية لطيفة فكيف بالله عز وجل الذي لا يدرك كُنـْهَه المدركون، ولا يعلم سرَّه العارفون.
يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام في هذا المعنى: »هل يتصور أحدٌ أن رَبَّ العزة سبحانه يحتاج إلى حمل حتى يُحمَلَ.. إنه سبحانه تقدست أسمائـُه ليس كالمخلوقين في حاجة إلى مَن يحملـُه، ولكنه سبحانه هو الذي يحمل العرشَ ومَن حوله، فالكلُّ في حاجة إليه، وليس في حاجة أحد سبحانه«.
إذاً هذا مقال بسيط ومبسط ليستفيد منه الكبير والصغير إن شاء الله.
وفي الختام نقول لإخواننا من "أهل السنة": تعالـَوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم؛ لكي نحرِّرَ عقولـَنا من رواسب الماضي؛ ولكي نعملَ بمضمون هذه العبارة »إعرفْ الرجالَ بالحق، ولا تعرفْ الحقَّ بالرجال«.. ورحم اللهُ امرءاً عرف قدر نفسه، وخالف هواه واتبع الحق حيث ما يكونُ.
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتـُه..
اللهم صل على محمد وآل محمد
بقلم
❊ عبدالله الدربي
> الحمدُلله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين.. وبعدُ:
إنه لما يؤسَفُ له أن تظلُّ الخلافاتُ قائمةً بين المسلمين، ولكن هذا لعمري قد وقع ولا رادَّ لقضاء الله وقدره، وهذا شأنُ الحق والباطل في كل زمان ومكان في صراع دائم ما دام الشيطانُ لعنه اللهُ موجوداً، وأن توحيدَ المسلمين هو من أهمِّ أولويات الدين، ومن أعظم أركانه، وأهم غاياته، ومقاصده، إلا أن الحقَّ مُرٌّ كما يُقالُ، ولكنه مُرٌّ على أعدائه، وسلسبيلٌ على أوليائه، وماذا نصنع إن كانت الضرورة قد ألجأتنا إلى مثل هذا الكلام؟.
بالنسبة إلى ابن تيمية فإنه قد أحدث شرخاً كبيراً، وثلمةً واسعةً في هذا الدين لا تسَدُّ إلا بالمثابرة، وإيضاح الحجة لمن يريد الحق وإتباعه، وهذا الرجل مخذول قد خذله الله وهذا على لسان رجال أهل زمانه من أمثال السبكي وابن حجر وغيرهما حيث نعتوه بأقذع الأوصاف لما سببه من فرقة وبلبلة بين صفوف المسلمين في حينه، ولا تزال وإلى أن يشاءَ الله حتى يقومَ لهذا الحق رجالٌ يدافعون عنه.. والمسلم لا بد أن يعمل عقله فيما شجر بين المسلمين، مدعماً بالأدلة الثابتة المتوافرة من الكتاب والسنة، ولا يطلق لعواطفه العنانَ حتى يلغيَ عقلـَه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) صدق الله العظيم.
وهي الآية لكل زمان ومكان، فإذا أتاك دليلٌ من الكتاب والسنة ومن حجية العقل فلا تقل كان أجدادي وكان آبائي وكان شيوخي على المذهب الفلاني أو على الدليل الفلاني حتى تتبينَ صحةَ الدليل من عدمه، فكم صاخت آذاننا من سماع تلك الألقاب من مثل »شيخ الإسلام« مثلاً، أو »حجة الإسلام فلان«، فقد تطلَقُ هذه الألقابُ لأغراض سياسية أو مذهبية ليس إلا، إذ لا ينبغي تقديسُ الأشخاص إلا بما يقدمونه لأمتهم من حق وحقيقة واضحَين للعيان، وهذا الرجلُ معروفٌ عدائـُه ونصبُه لأهل البيت، ولا يخفى من ذلك شيء، وكمثال على ذلك قوله: »إن الإمام علي عليه السلام مخذول أينما ذهب« (!!!)، أليس هذا سباً صريحاً، وبُغضاً واضحاً له باعتباره رأسَ أهل البيت، فويلٌ له مما يكتب.. والرسولُ عليه وآله أفضلُ الصلاة والسلام قد قال في حديث صحيح صريح: »مَن سَبَّ علياً فقد سبني، ومَن سبني فقد سب اللهَ، ومَن سَبَّ اللهَ يوشكُ أن يكبَّـه على منخرَيه في النار«.
وما ضر المسلمين إلا السبابُ والنعوتُ التي لا تليق، ونحن بصدد توحيد وجمع كلمة المسلمين، فإذا كان هذا الكلام قد قيل على قمة الهرم ممن يزعُمُ بأنه شيخ الإسلام (!!!) فكيف بمَن دونه؟!، وإن من تلاميذه مَن تلقى هذه النعوتَ على العين والرأس، وكذلك من أتباعه، فنحن كمسلمين في غنى عن مثل هذا الكلام، وإن الذي يدرس هذا الكلام وأمثاله إنما يصدقه ويقبله على عواهنه.
إن معرفة أهل البيت عليهم السلام سرٌّ من أسرار الله لا يقلُّ شأناً عن معرفة القرآن، والإحاطة به؛ لأنهم العدل الثاني والثقل الثاني له، ولا يمكن فهمُ القرآن إلا عن طريقهم بنص الحديث: »ولا يجوز لأحد أن يفسر القرآن برأيه أو بحسب ما يمليه عليه هواه أو مذهبُه...الخ«.
وشرطُ قبول الأعمال هو حُبُّ آل البيت، وهم الحسنة المذكورة..
بعدَ هذا الود والحب تأملْ معي في هذه الأبيات العجيبة الرائعة التي تستحق النظر والتأمل والتفكير لأحد فلاسفة الشيعة وأقطابهم، وهو نصير الدين الطوسي، ولعله يكتفي أثر الحديث الصحيح القائل: ( لو أن أحدَكم صفن بين الرُّكن والمقام ألفَ عام يقوم ليلـَه ويصومُ نهارَه، ثم جاءَ وهو يَبْغـَضُ أهلَ البيت ما تقبَّـلَ اللهُ منه شيئاً).
إن هذه الأبيات ــ وإن كان فيها نوعٌ من المبالغةــ لا تخرُجُ عن مدلول الحديث، ويرحَمُ اللهُ بعد ذلك مَن شاء من عباده؛ لأنه على كل شيء قدير، وهو فوق القرآن والسنة وأهل البيت، أما هذهُ الأبيات فهي:
لوْ أن عبداً أتى بالصالحات غدا
ووَدَّ كلَّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وولي
وعاشَ ما عاش آلافاً مؤلفةً
عارٍ عن الذنب معصومٌ من الزللِ
أو صام ما صام صوَّاماً بلا ضجرِ
أو قام ما قام قوَّاماً بلا مللِ
أو حَجَّ ما حج من فرضٍ ومن سُننٍ
وطاف ما طاف حافٍ غيرُ منتعلِ
يكسو التيامى من الديباج كلـَّهُمُ
ويُطعِمُ الجائعين بالبِّرَّ والعسلِ
أو طار في الجوِّ لا يأوي إلى جبلِ
أو غاصَ في البحر ممنوعٌ من البللِ
ما كان ذلك يومَ الحشرِ ينفعُهُ
إلا بِحُبِّ أميرِ المؤمنينَ علي
إننا نقف مشدوهين أمام هذه الأبيات، وما نستفيده منها ومن النص السابق وغيره من النصوص في الإمام علي ــ ليس هذا مجال سردهاــ تدلنا بوضوح على خطورة تعاملنا وتصورنا لأهل البيت..
وهذا حجة الإسلام الغزالي كان قد عدَلَ عن مذهبه السابق، وبدء يمحص ويدرس مآثر أهل البيت عليهم السلام حتى أنه ألـَّف كتاباً: (سرُّ العالمين في فضائلهم ومناقبهم)، إلا أن هذا الكتاب لم ير النور.
وليس هذا بدعاً من ابن تيمية فإنه قد أثار ضجةً وبلبلةً فيما يتعلقُ بصفات الله وبالتجسيم والتشبيه حتى أنه اُستـُتيب في ذلك، وصدر عليه حكمٌ بالتعزير إلا أنه خـُفف عنه بالسجن، ورغم ذلك كان عصبياً جداً، ومنحرفَ المزاج، ولا يقبل من أحد رياً أو حقاً أو دليلاً، وظل على حاله حتى مات في السجن، وليس كما يظن البعض من أنه سجن في سبيل الله، ومن أجله أن قضية التجسيم والتشبيه هي من صميم العقيدة وهي لـُبُّ التوحيد، فإذا كنا سنأتي في صميم العقيدة من هذه الخزعبلات فماذا بقي لنا وللإسلام وللمسلمين بعد ذلك؟!!!.
وهذا ابنُ الجوزي قد فند مزاعمَه ومزاعم من يشربون مشربَه ويتبعون باطلَه في كتاب جليل بعنوان: »نفيُ التشبيه بأكف التنزيه«، فـابنُ تيميةَ يصوِّرُ العرشَ والكرسيَّ على أنهما شيئان مجسَّمان مشبَّهان بهذه الكائنات أو الكراسي والأسرّة التي نعرفُها حتى أنه قال بأن الله سبحانه وتعالى قد أخلى مكاناً على عرشه لسيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ حتى يجلسَ عليه معه ــ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراًــ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الكرسي، ومعروفٌ أن هناك حديثاً يقول بأن السماوات والأرض وما فيهما بالنسبة إلى الكرسي ما هما إلا كسبعة دراهم في ترس، وما السماوات والأرض والكرسي بالنسبة إلى عرش الله إلا كحلقة أو خاتم ملقاة في فلاة. كيف نفسر هذا الحديث؟، وكيف نفهم هذا الحديث؟.
إن هذا مجرد تشبيه ليس إلا حتى يقرب هذا المعنى من عقول البشر، أما حقيقة فليس العرش ولا الكرسي مجسّمين، ولا هما كما يتصور ابن تيمية وأتباعه يمكن الجلوس عليهما(!!!). إن الكرسي ــ كما جاء في "المعجم الوسيط" لأحمد حسن الزيات، وآخرين، طبعة اسطنبول تركياــ معناه العلم.. ألا ترى معنى الكراسة بأنها التي تحوي شيئاً من العلم؟، ومثـَلٌ آخر: هذا فلان قد حصل على مقعد في الجامعة. بمعنى حصل على مهمة جديدة محددة في العلم. والكرسي أيضاً هو أرفع درجة من درجات الشهادات العلمية، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يدل على ذلك، وهكذا الشأن في العرش، فـالعرشُ أيضاً معناه الملكُ، ألا ترى كيف يقال للملك الفلاني بأنه قد اعتلى العرش أي أنه قد أصبح ملك؟!، وقد ورد أيضاً بهذا المعنى في المعجم الوسيط لنفس المؤلف وآخرين طبعة اسطنبول تركيا، وليس كما يتصور البعض من أنه مجسَّماً كالسرير، وآيات القرآن تحدد ذلك بوضوح.
إذاً أين موقعُ ابن تيمية، ومَن حذا حذوه، في مثل هذه الأمور التي ينبغي أنْ لا تناقـَشَ إلا على علم وهُدى وبصيرة، وخصوصاً ما جاء في ذلك عن أهل البيت سلام الله عليهم؛ لأننا لو شبهنا العرش أو جسّمناه للزم ذلك تجسيمَ أو تشبيهَ الجالس عليه ــ تعالى اللهُ عن ذلك علواً كبيراًــ، أما قوله تعالى: (ويحمل عرشَ ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فهو حَمْلٌ معنوي لا حسي، ألا ترى إلى قولنا: هذا الرجل يحملُ العلمَ، أو يحملُ الأمانةَ. فهو حمل معنوي، وهؤلاء الثمانية الملائكة كغيرهم من الملائكة مكلفون بحمل العرش أي الملك بمعنى أنهم يصرفون ملك الله بمقتضى اختصاص كلٍّ منهم، فهذا مثلاً ملك الموت، وهذا ملك الوحي، وهذا ملك الرزق، وهذا ملك المطر، إلى غير ذلك، هذا هو معنى الحمل أي القيام بتصريف الملك الرباني وفق توجيهاته وإرادته، أما قوله تعالى: (وكان عرشـُه على الماء) فقد قال صاحب كتاب »منازل الهداية في خط التوحيد والولاية«، بأنه ليس هذا هو الماءَ المتعارفَ عليه، ولكنه ماء الحياة الميتافيزقيا(حياة ما وراء المادة)، فهو ماء يعلمه الله، وإنما هذه مسميات يقربها رب العزة إلى أذهننا على سبيل التمثيل وليس هي الحقيقة حتى تستوعبَ ذلك عقولنا؛ لأن كل ما هو مادي في هذه الحياة ومحسوس هناك ما يماثله في الحياة الأخرى بكيفية أخرى، وخلق آخر، وإنما هي أمثلة يضربها الله لنا ليس إلاَّ، فإذا كنا لا ندرك الجن ولا الملائكة وهم مخلوقات من مخلوقات الله باعتبارهم أجسام أثيرية لطيفة فكيف بالله عز وجل الذي لا يدرك كُنـْهَه المدركون، ولا يعلم سرَّه العارفون.
يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام في هذا المعنى: »هل يتصور أحدٌ أن رَبَّ العزة سبحانه يحتاج إلى حمل حتى يُحمَلَ.. إنه سبحانه تقدست أسمائـُه ليس كالمخلوقين في حاجة إلى مَن يحملـُه، ولكنه سبحانه هو الذي يحمل العرشَ ومَن حوله، فالكلُّ في حاجة إليه، وليس في حاجة أحد سبحانه«.
إذاً هذا مقال بسيط ومبسط ليستفيد منه الكبير والصغير إن شاء الله.
وفي الختام نقول لإخواننا من "أهل السنة": تعالـَوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم؛ لكي نحرِّرَ عقولـَنا من رواسب الماضي؛ ولكي نعملَ بمضمون هذه العبارة »إعرفْ الرجالَ بالحق، ولا تعرفْ الحقَّ بالرجال«.. ورحم اللهُ امرءاً عرف قدر نفسه، وخالف هواه واتبع الحق حيث ما يكونُ.
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتـُه..
تعليق