إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

*** ابن حـــــزم ينسف شبهـــــــة أحـــــد السلفيــــــة .. بل ينسف السلفيــة ***

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • *** ابن حـــــزم ينسف شبهـــــــة أحـــــد السلفيــــــة .. بل ينسف السلفيــة ***

    بسم الله منير القلوب و هادي الحيارى

    ما زال الوهابية يرددون اسطوانتهم المشروخــــة في (( تعديل )) (( كل )) الصحابــــة
    و كل يوم يبتدعون طريقةً جديدة لدعم ما يرونــــــه
    مع أن العقل و النقل يرفض هذا التعديل المطلق لشريحة ضخمة من العباد !!


    و آخر ما ابتدعه أخواننا السلفيــــة هو فهمهم الخاطيء لهذه الآية
    {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100

    فيقول السلفي
    ( لاحظ ((والذين إتبعوهم )) هم عائدة على من ... !

    إذن الله عز وجل أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وإتباع هؤلاء الثلة المباركة ، فكيف يأمرنا الله أن نتبعهم ثم أنت تقول لنتحرى عنهم أولا و لنتبين..؟!
    )

    إذاً فحوى كلامـــه يقول
    لا يجوز البحث عنهم و عن تعديلهم و تجريحهــم
    بل هم "شبه معصومين" إذ أن الله أمرنا باتباعهم مطلقاً و لم يأمرنا بالتحري عنهم !!!

    هذه شبهة السلفي باختصار

    و لأننا كثيراً ما نردد ( بأن المذهب السلفي مذهب هش ، آخره يهدم أوله ، و أوله يفضح آخره )
    آثرنا أن ننقل رد عالمهم ابن حـــزم على هذه الشبهة ( أو لنقل القشــــة ) التي يتمسك بها هؤلاء /




    - الاحكام - ابن حزم ج 6 ص 811 :

    فمن المحال أن يأمر رسول الله ( ص ) باتباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم ، وفيهم من يحلل الشئ ، وغيره منهم يحرمه ،
    1 ) ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب ،

    2 ) ولكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة ، وحراما اقتداء بغيره منهم ،

    3 ) ولكان ترك الغسل من الاكسال واجبا اقتداء بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب ، وحراما اقتداء بعائشة وابن عمر ،

    4 ) ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيها حلالا اقتداء بعمر ، حراما اقتداء بغيره منهم ،
    وكل هذا مروي عندنا بالاسانيد الصحيحة ، تركناها خوف التطويل بها ، وقد بينا آنفا إخباره عليه السلام أبا بكر بأنه أخطأ .

    وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم في عصره ( ص ) ، فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطئ ، فذلك بعد موته ( ص ) أفشى وأكثر ، فمن ذلك :

    5 ) فتيا أبي السنابل لسبيعة الاسلمية بأن عليها في العدة آخر الاجلين ، فأنكر عليه السلام ذلك ، وأخبر أن فتياه باطل .

    6 ) وقد أفتى بعض الصحابة - وهو ( ص ) حي - بأن على الزاني غير المحصن الرجم ، حتى افتداه والده بمائة شاة ووليدة - فأبطل ( ص ) ذلك الصلح وفسخه ،

    7 ) وذكر ( ص ) السبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، فقال بعض الصحابة : هم قوم ولدوا على الاسلام فخطأ النبي ( ص ) قائل ذلك .

    8 ) وقالوا - إذ نام النبي ( ص ) عن صلاة الصبح - : ما كفارة ما صنعنا ؟ فأنكر النبي ( ص ) قولهم ذلك ،

    9 ) وأراد طلحة بحضرة عمر بيع الذهب بالفضة نسيئة ، فأنكر ذلك عمر ، وأخبر أن النبي ( ص ) حرم ذلك .

    10 ) وباع بلال صاعين من تمر بصاع من تمر ، فأنكر النبي ( ص ) ذلك ، وأمره بفسخ تلك البيعة ، وأخبره أن هذا عين الربا ،

    11 ) وباع بعض الصحابة بريرة واشترط الولاء ، فأنكر النبي ( ص ) ذلك ، ولام عليه ،

    12 ) وقال عمر لاهل هجرة الحبشة : نحن أحق برسول الله ( ص ) منكم ، فكذبه النبي ( ص ) في ذلك .

    13 ) وقال جابر : كنا نبيع أمهات الاولاد ورسول الله ( ص ) حي بين أظهرنا ،

    14 ) وأخبر أبو سعيد أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر والنبي ( ص ) حي فذكر الاقط والزبيب ، وإنما فرض ( ص ) التمر والشعير فقط ،

    15 ) وأمر سمرة النساء بإعادة الصلاة أيام الحيض ،

    16 ) وقال قوم من الصحابة بحضرة النبي ( ص ) : أما أنا فأفيض على رأسي - يعنون في غسل الجنابة - كذا وكذا مرة فأنكر ذلك النبي ( ص )

    17 ) وكان علي يغتسل من المذي والنبي ( ص ) حي ، فأنكر ذلك النبي ( ص ) .
    18 ) وقال أسيد وغيره - إذ رجع سيف أبي عامر الاشعري عليه - بطل جهاده ، وقالوا ذلك في عامر بن الاكوع ، فكذبهم النبي ( ص ) في ذلك ،

    19 ) وأفتى عمر المجنب في السفر ألا يصلي شهرا بالتيمم ، ولكن يترك الصلاة حتى يجد الماء

    20 ) وقال عمر للنبي ( ص ) أن يناول القدح أبا بكر وهو عن يسار النبي ( ص ) فأبى ذلك النبي ( ص ) وأخبر أن الواجب غير ذلك ، وهو أن يناوله الايمن فالايمن ، وكان عن يمينه أعرابي ،

    21 ) وتمعك عمار في التراب كما تتمعك الدابة ، فأنكر ذلك النبي ( ص ) .

    22 ) وأنكر النبي ( ص ) على عمر نداءه إياه - إذ أخر ( ص ) العتمة وقال له : ما كان لكم أن تنذروا رسول الله ( ص )
    وقال أسامة - إذ قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله - : يا رسول الله إنما قالها تعوذا ، فقال له النبي ( ص ) : هلا شققت عن قلبه وأنكر عليه قتله إياه وخطأه في تأويله حتى قال أسامة : وددت أني لم أكن أسلمت إلا ذلك اليوم ،

    23 ) وقال خالد : رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فأنكر ذلك رسول الله ( ص ) ، وأنكر فعله ببني جذيمة .

    24 ) وتنزه قوم منهم عن أشياء فعلها ( ص ) فأنكر ذلك عليه السلام وغضب منه وتأول عمر أنه أخطأ إذ قبل وهو صائم ، فخطأه عليه السلام في تأويله ذلك ، وأخبر أنه لا شئ عليه فيه ،

    25 ) وتأول الانصاري تقبيله عليه السلام وهو صائم وإصباحه جنبا وهو صائم ، أن ذلك خصوص له عليه السلام ، فخطأه ( ص ) في ذلك وغضب منه ،

    26 ) وتأول عدي في الخيط الابيض أنه عقال أبيض ، والنبي ( ص ) حي .

    27 ) وأعظم من هذا كله تأخر أهل الحديبية عن الحلق والنحر والاحلال ، إذ أمرهم بذلك ( ص ) ، حتى غضب وشكاهم إلى أم سلمة أم المؤمنين
    وكل ما ذكرنا محفوظ عندنا بالاسانيد الصحاح الثابتة
    ، وأخبرني أحمد بن عمر ، ثنا أبو ذر ، ثنا زاهر بن أحمد السرخسي ، أنا أبو محمد بن زنجويه بن محمد النيسابوري ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري ، نا أبو النعمان ، نا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، قال سعيد - هو ابن المسيب - :
    28 ) قضى عمر في الابهام وفي التي تليها بخمس وعشرين ، وقال سعيد : ووجد بعد ذلك في كتاب آل حزم في الاصابع عشرا عشرا ، فأخذ بذلك .
    أخبرني محمد بن سعيد : نا أحمد بن عون الله ، نا قاسم بن أصبغ ، نا الخشني ، ثنا بندار ، ثنا يحيى القطان ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق قال :
    28 ) سألت ابن عمر عن نقض الوتر ، فقال : ليس أرويه عن أحد إنما هو شئ أقوله برأيي .

    قال أبو محمد : فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون ؟ أم كيف يحل لمسلم يتقي الله تعالى أن يقول - في فتيا الصاحب - مثل هذا لا يقال بالرأي ، وكل ما ذكرناه فقد قالوه بآرائهم وأخطؤوا فيه .
    حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، نا أحمد بن عون الله ، نا قاسم بن أصبغ ، نا الخشني ، ثنا بندار ، نا شعبة قال : سمعت أبا إسحاق يحدث عن رجل من بني سليم قال : سمعت
    29 ) ابن عباس يقول في العزل : إن كان رسول الله ( ص ) قال فيه شيئا فهو كما قال ، وأما أنا فأقول برأيي : هو زرعك إن شئت سقيته وإن شئت أعطشته .

    30 ) وقال علي : في مسيره إلى صفين : هو رأي رأيته ، ما عهد إلي رسول الله ( ص ) فيه بشئ

    31 ) وقال عمر : الرأي منا هو التكلف ،

    32 ) وقال معاوية في بيع الذهب بالذهب متفاضلا ، هذا رأي ،

    33 ) وقال ابن مسعود في قصة بروع بنت واشق : أقول فيها برأيي فإن كان حقا فمن الله ، وإن كان باطلا فمني ، والله ورسوله بريئان ،

    34 ) وقال عمران ابن الحصين - وذكر متعة الحج - قال فيها رجل برأيه ما شاء ، يعني عمر .

    35 ) وقال عبيدة لعلي : رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة ،

    36 ) وقال أبو هريرة في حديث النفقة - وزاد في آخره زيادة - فقيل له : هذا عن رسول الله ( ص ) ؟ قال : لا هذا من كيس أبي هريرة ،
    فها هم رضي الله عنهم يعترفون أنهم يقولون برأيهم ، وأنهم قد يخطئون في ذلك ، فصح بذلك بطلان قول من ذكرنا ،

    وحدثنا عبد الله بن يوسف ، عن أحمد بن فتح ، عن عبد الوهاب بن عيسى ، عن أحمد ، بن محمد ، عن أحمد بن علي ، عن مسلم ، نا أبو كريب وإسحاق بن راهويه ، قال إسحاق أنا عيسى بن يونس ، وقال أبو كريب : نا أبو معاوية واللفظ له ، قالا جميعا عن الاعمش عم مسلم - وهو أبو الضحى عن مسروق ، عن عائشة قالت :
    37 ) ترخص رسول الله ( ص ) في أمر استنزه عنه ناس من الناس ، فبلغ ذلك النبي ( ص ) فغضب حتى بان الغضب في وجهه ، ثم قال : ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه فوالله لانا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية .
    قال أبو محمد : ورواه مسلم أيضا عن زهير بن حرب ، عن جرير ، عن الاعمش بسنده فقال : بلغ ذلك ناسا من أصحابه .


    حدثنا أحمد بن عمر ، نا علي بن الحسين بن فهر ، نا الحسن بن علي بن شعبان ، وعمر ابن محمد بن عراك قالا : نا أحمد مروان ، نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، ثنا حرملة عن ابن وهب : سئل مالك عمن أخذ بحديثين مختلفين ، حدثه بهما ثقة عن رسول الله ( ص ) ، أتراه من ذلك في سعة ؟ قال : لا والله حتى يصيب الحق ، وما الحق إلا في واحد ، قولان مختلفان يكونان صوابا ما الحق وما الصواب إلا في واحد .
    قال أبو محمد : وهذا حجة على المالكيين القائلين بتقليد من احتجوا به من الصحابة وقد اختلفوا .
    فصح بكل ما ذكرنا أنه لا يحل اتباع فتيا صاحب ولا تابع ، ولا أحد دونهم إلا أن يوجبا نص أو إجماع ، ويبطل بذلك قول من قال ، فيما رواه عن الصاحب بخلاف ، ما صح عن النبي ( ص ) ، مثل هذا لا يقال بالرأي وصح أنه قد يخطئ المرء منهم فيقول برأيه ما يخالف ما صح عن النبي ( ص ) .

    38 ) واحتجوا بمنع عمر من بيع أمهات الاولاد بما روي من سنة وضع الايدي على الركب في الصلاة ومن قوله في جوابه لعمرو بن العاص ، إذ قال له وقد احتلم : خذ ثوبا غير ثوبك ، فقال : لو فعلتها لصارت سنة .
    قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم في شئ منه . أما بيع أمهات الاولاد فقد خالف في ذلك ابن مسعود ، وعلي وزيد بن ثابت وابن عباس - عمر ، فرأوا بيعهن ، فما الذي جعل عمر أولى بالتقليد من هؤلاء ؟ وإنما منعنا من بيعهن لنص ثابت أوجب ذلك ، فقد ذكرناه في كتاب الايصال إلى فهم الخصال .
    وقال أصحابنا : إنما منعنا من ذلك لاجماع الامة على المنع من بيعهن إذا حملن من وسادتهن ، ثم اختلفوا في بيعهن بعد الوضع ، فقلنا نحن : لا نترك ما اتفقنا عليه إلا بنص أو إجماع آخر طردا لقولنا باستصحاب الحال . وأما وضع الايدي على الركب ، فقد صح من طريق أبي حميد الساعدي عن النبي ( ص ) مسندا وضع الايدي على الركب في الركوع . وأما قول عمر : لفعلتها لكانت سنة ، فليس على ما ظن الجاهل المحتج بذلك في التقليد ، ولكن معنى ذلك : لو فعلتها لاستن بذلك الجهال بعدي : فكره عمر أن يفعل شئ يلحقه أحد من الجهال بالسنن ، كما قال طلحة ، إذ رأى عليه ثوبا مصبوغا وهو محرم : إنكم قوم يقتدى بكم فربما رآك من يقول : رأيت على طلحة ثوبا مصبوغا وهو محرم ، أو كلاما هذا معناه . فعلى هذا الوجه قال عمر : لو فعلتها لكانت سنة ، لا على أن يسن في الدين ما لم ينزل به وحي ، وقد كانوا رضي الله عنهم يفتون بالفتيا فيبلغهم عن النبي ( ص ) خلافها ، فيرجعون عن قولهم إلى الحق الذي بلغهم ، وهذا لا يحل غيره .

    39 ) وقد فعل أبو بكر نحو ذلك في الجدة ، وبحث عن فعل النبي ( ص ) في ذلك ،

    40 ) وفعل ذلك عمر في الاستئذان ثلاثا حتى قال له أبي بن كعب : يا عمر لا تكن عذابا على أصحاب محمد ( ص ) . فقال عمر : سبحان الله إنما سمعت شيئا فأردت أن أتثبت . ورجع عن إنكاره لقول أبي موسى ،
    41 ) ولم يعرف حكم إملاص المرأة حتى سأل عنه فوجده عند المغيرة بن شعبة ، وكذلك أمر المجوس ،

    42 ) وباع معاوية سقاية من ذهب بأكثر من وزنها ، حتى أنكر ذلك عليه عبادة بن الصامت ، وبلغه أن النبي ( ص ) نهى عن ذلك ،

    43 ) وأراد عمر قسمة مال الكعبة ، فقال له أبي : إن النبي ( ص ) لم يفعل ذلك فأمسك عمر .

    44 ) وكان يرد الحيض حتى يطهرن ثم يطفن بالبيت حتى بلغه عن النبي ( ص ) خلاف ذلك فرجع عن قوله ،

    45 ) وكان يرد المفاضلة في دية الاصابع ، حتى بلغه عن النبي ( ص ) المساواة بينها ، فرجع عن قوله إلى ذلك وترك قوله .

    46 ) وكان لا يرى توريث المرأة في دية زوجها ، حتى بلغه عن النبي ( ص ) خلاف ذلك ، فترك قوله ورجع إلى ما بلغه ،

    47 ) وكان ينهى عن متعة الحج ، حتى وقف على أنه ( ص ) أمر بها ، فترك قوله ورجع إلى ما بلغه ،

    48 ) وأمر برجم مجنونة زنت ، حتى أخبره علي أن النبي ( ص ) قال كلاما معناه : إن المجنون قد رفع عنه القلم ، فرجع عن رجمها .

    49 ) ونهى عن التسمي بأسماء الانبياء ، فأخبره طلحة أن النبي ( ص ) كناه أبا محمد فأمسك ، ولم يتماد على النهي عن ذلك ،

    50 ) وأراد ترك الرمل في الحج ، ثم ذكر أن النبي ( ص ) فعله ، فرجع عما أراد من ذلك ، ومثل هذا كثير .

    وإذا كان رسول الله ( ص ) يخبر أن أصحابه قد يخطئون في فتياهم ، فكيف يسوغ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول إنه ( ص ) يأمر باتباعهم فيما قد خطأهم فيه ؟ وكيف يأمر بالاقتداء بهم في أقوال قد نهاهم عن القول بها ، وكيف يوجب اتباع من يخطئ ؟ ولا ينسب مثل هذا إلى النبي ( ص ) إلا فاسق أو جاهل ، لا بد من إلحاق إحدى الصفتين به ، وفي هذا هدم الديانة ، وإيجاب اتباع الباطل ، وتحريم الشئ وتحليله في وقت واحد ، وهذا خارج عن المعقول وكذب على النبي ( ص ) ومن كذب عليه ولج في النار . نعوذ بالله من ذلك . وأما قولهم : إن الصحابة رضي الله عنهم شهدوا الوحي فهم أعلم به ، فإنه يلزمهم على هذا أن التابعين شهدوا الصحابة فهم أعلم بهم ، فيجب تقليد التابعين . وهكذا قرنا فقرنا ، حتى يبلغ الامن إلينا فيجب تقليدنا . وهذه صفة دين النصارى في اتباعهم أساقفتهم ، وليست صفة ديننا والحمد لله رب العالمين .



    يتبــــع >>>>



  • #2


    و الآن نأتي لتعرية بقية المذاهب بقلم ابن حزم و هو تكملة لما مضى :



    وقد قلنا ونقول : إن كل ما احتجوا به مما ذكرنا لو كان حقا لكان عليهم لا لهم ، لانه ليس في تقليد الصحابة ما يوجب تقليد مالك وأبي حنيفة والشافعي ، فمن العجب العجيب أنهم يقلدون مالكا وأبا حنيفة والشافعي ، فإذا أنكر ذلك عليهم احتجوا بأشياء يرومون بها إيجاب تقليد الصحابة ، وهم يخالفون الصحابة خلافا عظيما فهل يكون أعجب من هذا ونعوذ بالله من الخذلان . وليس من هؤلاء الفقهاء المذكورين أحد إلا وهو يخالف كل واحد من الصحابة في مئين من القضايا ، وفي عشرات منها ، فقد بطل ما نصروا ، وتركوا ما حققوا ، وقد ذكرنا في باب الاجماع إبطال قول من قال باتباع الصاحب الذي لا مخالف له يعرف من الصحابة . وبينا هنالك أنهم الناس لذلك ، وأنهم قد خالفوا أحكاما كثيرة لعمر ، بحضرة المهاجرين والانصار ، لم يرو عن واحد منهم
    1 ) إنكار لفعله ذلك كإضعافه الغرم على حاطب في ناقة المزني وغير ذلك ، وهذا حكم مشتهر منتشر لم يعارضه فيه أحد من الصحابة ، ولا روي عن أحد منهم إنكارا لذلك ، فقد تركوه هم يشهدون أن حكم الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة هو الحق ، فقد أقروا على أنفسهم أنهم تركوا الحق ، وأنهم أصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . ويقال لهم أيضا : كيف كان حال حكم الصحابي الواحد الذي لا يعرف له مخالف قبل أن يشتهر وينتشر ؟ أكان لازما أن يؤخذ به ؟ أو كان غير لازم ؟ فإن قال : كان غير لازم ، أوجب أن ذلك الحكم في الدين وجب بعد أن كان غير واجب ، وهذا كفر وتكذيب لله عزوجل في قوله : * ( اليوم أكملت لكم دينكم ) * . وإن قال : كان لازما ، فقد أوجب لزومه قبل الانتشار ، وسقط شرطهم الفاسد في الانتشار ، وهذا القول الفاسد يوجب أن دين الله مترقب فإن انتشر لزم ، وإن لم ينتشر لم يلزم ، وهذا كفر بارد ، وشرك وسخف . وبالله تعالى التوفيق .

    2 ) وهم يخالفون عمر وزيد بن ثابت في قضاء عمر في الضلع بحمل ، وفي الترقوة بحمل ، وفي قضاء زيد في العين القائمة بمائة دينار ، ولا يعرف له من الصحابة مخالف ، حتى تحكم بعضهم فلم يستحي من الكذب فقال : إنما كان ذلك منهما على وجه الحكومة .

    قال أبو محمد : وهذه دعوى فاسدة لا دليل لهم على صحتها أصلا . ولا يعجز عن مثلها أحد ، ويقال لهم مثل ذلك في تقويم الدية بألف دينار وبعشرة آلاف درهم ، أو باثني عشر ألف درهم ولا فرق .
    3 ) وخالفوا ابن عمر وأبا برزة في قولهما : إن كل متبايعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا بأبدانهما عن مكان البيع ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة .

    4 ) وخالف مالك ابن عمر وابن عباس في قولهما : إن استطاعة الحج ليست إلا الزاد والراحلة .

    6 ) وخالفوا جابر بن عبد الله في نهيه عن بيع المصاحف ، ولا يعرف لابن عمر ولا لابن عباس ولا لجابر في هاتين المسألتين ، مخالف من الصحابة .

    7 ) وخالف مالك والشافعي أم سلمة وعثمان بن أبي العاص في قولهما : إن أقصى أمد النفاس أربعون يوما ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة .

    8 ) وخالف مالك ابن مسعود وأبا الدرداء والزبير وقدامة بن مظعون في إباحة نكاح المريض ، وجواز ميراثه للمرأة ، ولا يعلم لهم من الصحابة مخالف في ذلك .

    9 ) وخالفوا أبا بكر وعمر وخالد بن الوليد وسويد بن مقرن في إقادتهم من اللطمة ، ولا يعلم لهم في ذلك مخالف من الصحابة .

    قال أبو محمد : وقد أبطلنا في باب الاجماع قول من قال باتباع الاكثر ، وهذه فصول يوجب تكرارنا إياها أنها تقليد صحيح ، فتدخل في باب التقليد وادعوا هم أنها إجماع ، فوجب التنبيه عليها أيضا في باب الاجماع لذلك . وقد بينا هنالك ، وفي باب الاخبار من كتابنا هذا بطلان قول من قال : محال أن يغيب حكم النبي ( ص ) عن الاكثر ويعلمه الاقل ،

    وذكر حديث أبي هريرة : إن أخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ، وإن إخواني من الانصار كان يشغلهم القيام على أموالهم ، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول لله ( ص ) . وهذا الحديث وإن كان منقولا من طريق الآحاد ، فإن البرهان يضطر إلى تصديقه ، لانه لا شك عند كل ذي عقل ومعرفة بالاخبار ، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في ضنك شديد من العيش . وكانوا مكدودين في تجارة يضربون لها آفاق بلاد العرب على خشونتها وقلة أموالها ، وفي نخل يعاونونه بالنص والكد الشديد ، فإذا وجد أحدهم فرجة حصر وسمع . فبطل قول من قال : إنه لا يجوز أن يغيب حكمه عليه السلام عن الاكثر ويعلمه الاقل .
    وصح ضد ذلك لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق .

    وأيضا فنقول لمن قال باتباع الاكثر : إنه يلزمك أن تعدهم كلهم ، ثم تعرف من قال بأحد القولين ، وتعرف عدد من قال بالقول الثاني ، وهذا أمر لم يفعلوه قط في شئ من مسائلهم ، وقد قال تعالى : * ( يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) * .

    10 ) ونقول لهم أيضا : هلا قلتم بالاكثر عددا في الشهود إذا اختلفوا ؟ على أن عليا يقول بذلك ، فأين تقليدكم الامام الصحابي ؟
    وأين قولكم باتباع الاكثر عددا ؟ فإن قالوا : النص منعنا من ذلك ، وتركوا قولهم إن الصحابي أعلم منا ، ولا شك أن عليا رضي الله عنه قد عرف من النص الوارد في الشهادات كالذي عرف مالك وأبو حنيفة والشافعي ، مع أن النص لم يرد في عدد الشهود إلا في الزنى والطلاق والديون فقط .
    وقد رجع الصحابة من قول إلى قول ، وخالف كل إمام منهم الامام الذي كان قبله ،
    1 ) فقد كانت الضوال أيام عمر مهملة لا تمس ، ثم رأى عثمان بيعها ،
    2 ) وقد ذكرنا ما خالف فيه عمر أبا بكر قبل هذا ،
    3 ) وقد نهى عثمان عن القران ، فلبى علي بهما معا قاصدا معلنا بخلافه ، فلما قال له في ذلك ، قال له علي : ما كنت لاترك سنة النبي ( ص ) لقول أحد .

    4 ) وحدثني أحمد بن عمر بن عمر ، نا أبو ذر ، نا زاهر بن أحمد ، أنا زنجويه بن محمد ، نا محمد بن إسماعيل البخاري ، نا محمد بن يوسف ، نا سفيان ، عن أسلم المنقري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال : قلت لابي بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان : أبا المنذر ، ما المخرج من هذا الامر ؟ قال كتاب الله تعالى ما استبان لك فاعمل به . وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه . قال أبو محمد : فليقلدوا عليا وأبيا في هذا ، فإنهما على الحق المبين فيه الذي لا يحل خلافه أصلا .

    5 ) وهؤلاء عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود ، يرون رد فضلات المواريث على ذوي الارحام ، وزيد بن ثابت وحده يرى رد الفضل على بيت المال دون ذوي الارحام ، وإن كان خصمنا مالكيا أو شافعيا فقد ترك قول الائمة من الصحابة وقول الجمهور منهم ، وأخذ بقول زيد وحده ،

    6 ) وكذلك فعلوا في الاقراء فقالوا هي الاطهار ، وجمهور الصحابة على أنه الحيض ، والاقل على أنها الاطهار . فإن قالوا : قد جاء النص : إن زيدا أفرضكم قيل هذا الحديث لا يصح ولو صح لكان عليكم ، لان في ذلك الحديث : ومعاذ أفقهكم فقلدوا معاذا في الفتيا ،

    7 ) وفي قتل المرتد دون أن يستتاب ، وفي توريث المؤمن من الكافر ، وفي أشياء كثيرة خالفتموه فيها .

    واحتج بعضهم بقوله تعالى : * ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) * .
    وبقوله تعالى : * ( لتكونوا شهداء على الناس ) * .
    قال أبو محمد : وهذا لا يوجب التقليد ، لانه قد بينا أنهم لم يتفقوا إلا على ما لا خلاف فيه ، وعلى الاخذ بسنن النبي ( ص ) ، وإنكار رأيهم إذا كان فيه خلاف للسنن ، وعلى ما قد خالفه هؤلاء الحاضرون ، كالمساقات إلى غير أجل .
    لكن نقركم ما أقركم الله تعالى ونخرجكم إذا شئنا ، وغير ذلك مما قد كتبناه في موضعه فقط ،

    8 ) وقد وجدنا أبا أيوب ترك صلاة الركعتين بعد العصر طول مدة عمر ، فلما مات رجع يصليهما ، فسأله عن ذلك سائل فقال : كان عمر يضرب الناس عليهما .

    9 ) وقال ابن عباس قولا فقيل له : أين كنت عن هذا أيام عمر ؟ . فقال : هبته .

    10 ) حدثنا بذلك يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ، ثنا ابن دحيم ، ثنا إبراهيم بن حماد ، ثنا إسماعيل بن إسحاق ، ثنا علي بن عبد الله بن المديني ، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، ثنا أبي عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن مسلم بن الزهري ، عن عبد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه كان عند ابن عباس فذكر عول الفرائض ، فأنكره ابن عباس ، فقال له زفر بن أوس : ما منعك يا ابن عباس أن تشير بهذا الرأي على عمر ؟ . قال هبته ،

    11 ) وقد روينا عن ابن عباس من طرق صحيحة أنه هم أن يسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله ( ص ) فبقي سنة كاملة لا يقدم على أن يسأله عن ذلك هيبة له .
    12 ) وروينا عنه أنه قال : كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر ، ثم روينا عنه القول بصلاتهما بعد عمر ،

    كما حدثنا محمد بن سعيد النباتي ، ثنا أحمد بن عبد البصير ، ثنا قاسم بن أصبغ ، ثنا الخشني ، ثنا بندار ، ثنا غندر ، ثنا شعبة عن أبي حمزة قال :
    13 ) قال لي ابن عباس : لقد رأيت عمر يضرب الناس على الصلاة بعد العصر ، وقال ابن عباس : صل إن شئت ما بينك وبين أن تغيب الشمس .

    14 ) وقد ذكر أبو موسى حديث الاستئذان ، فتهدده عمر بضرب ظهره وبطنه ،
    فصح بهذا أن سكوتهم قد يكون تقبة للاسلام ، أو لئلا يقع تنازع واختلاف . وقد يكون تثبتا ، أو لما شاء الله عزوجل ، وليس قول أحد لا سكوته حجة إلا رسول الله ( ص ) فإن قوله وسكوته حجة قائمة على ما أعلم .
    واحتج بعضهم بأن حكم الامام لا ينقض ،

    15 ) لان أبا بكر ساوى بين الناس وأن عمر فاضل بينهم ، فلم يرد أحد ما أعطاه أبو بكر .
    قال أبو محمد : وهذا خطأ لان ما ذكروا من مساواة أبي بكر ومفاضلة عمر ليس حكما ، وإنما هي قسمة مال موكولة إلى اجتهاد الامام ، مباح له أن يفاضل ومباح له أن يسوي وليس هذا شريعة تحليل ولا تحريم ولا إيجاب .
    16 ) وقد دون عمر ولم يدون أبو بكر ، وبالجملة فقد يخطئ الامام غيره ، واتباع من يجوز أن يخطئ هو الحكم بالظن . وقد نهى الله تعالى عن اتباع الظن .

    وأما وجوب طاعة الائمة فذلك حق كل إمام عدل كان أو يكون إلى يوم القيامة وإنما ذلك فيما وافق طاعة الله عز و جل و كان حقا ، وليس ذلك في أن يشرعوا لنا قولا لم يأتنا به نص ولا إجماع ، وبالجملة فكل ما تكلموا به في هذا المكان ، وموهوا به عن المسلمين ، وسودوا كتبهم بما سيطول الندم عليه يوم القيامة ، فهم أترك الناس وأشدهم خلافا للامة الذين أوجبوا تقليدهم فيه ، وقد بينا ذلك في غير مكان من كتبنا . وبالله تعالى التوفيق .

    واحتج بعضهم بما حدثنا المهلب ، ثنا ابن مناس ، ثنا ابن مسرور ، ثنا يوسف بن عبد الاعلى ، ثنا ابن وهب ، أخبرني من سمع الاوزاعي يقول : حدثني عبدة بن أبي لبابة أن ابن مسعود قال : ألا لا يقلدن رجل رجلا دينه ، إن آمن آمن ، وإن كفر كفر فإن كان مقلدا لا محالة ، فليقلد الميت ويترك الحي فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة .
    قال أبو محمد : وهذا باطل لان ابن وهب لم يسم من أخبره ولا لقي عبدة ابن أبي لبابة بن مسعود ، مع أنه كلام فاسد ، لان الميت أيضا لا تؤمن عليه الفتنة إذا أفتي بما أفتي ، ولا فرق بينه وبين الحي في هذا ، هذا على أن بعض من يخالفنا في التقليد عكس هذا الامر برأيه ، وهو المعروف بالباقلاني قال : من قلد فلا يقلد إلا الحي ، ولا يجوز تقليد الميت . فكان هذا طريقا من الضلالة جدا ، لانه دعوى فاسدة بلا برهان ، وقول ، مع سخفه ، ما نعلم قاله قبله أحد .

    أخبرني أحمد بن عمر العذري ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البلوي غندر ، ثنا خلف بن قاسم ، ثنا ابن الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي ، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النضري الدمشقي ، ثنا أبو مسهر ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن السائب بن زيد بن أخت نمر أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : إن حديثكم شر الحديث . إن كلامكم شر الكلام . فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل : قال فلان وقال فلان ، ويترك كتاب الله ، من كان منكم قائما فليقم بكتاب الله وإلا فليجلس .
    فهذا قول عمر لافضل قرن على ظهر الارض ، فكيف لو أدرك ما نحن فيه من ترك القرآن وكلام محمد ( ص ) ، والاقبال على ما قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وإنا لله وإنا إليه راجعون . واحتج بعضهم في ذلك بقبول قول المقومين لاثمان المتلفات ، والشهادة على أمثالها ، وهذا من باب الشهادة والخبر لا من باب التقليد ، لان الله عزوجل قد أمرنا بالانتصاف من المعتدي بمثل ما اعتدى فيه ، فلم نأخذ عن الشاهد ، بأن هذا الشئ مماثل لقيمة كذا ، شريعة حرمها الله ولا أوجبها ، ولكنا علمناه عالما بتلك السلعة أو تلك الجرحة ، فقبلنا شهادته في ذلك على الظالم ، وليس هذا من باب ، قال مالك وأبو حنيفة : هذا حرام وهذا واجب وهذا مباح ، فيما لا نص فيه ولا إجماع ، وقد أمرنا بالشهادة على الحقوق ، وبقبولها وبالحكم بها ، وكل ما أمرنا به فليس تقليدا ، فينبغي لمن اتقى الله عزوجل ألا يلبس على المؤمنين ، فليس في كتمان العلم وتحريف الكلم عن مواضعه ، أشد ولا أضر من أن يضل المرء جليسه ، الذي أحسن الظن به ، وقعد إليه ليعلمه دين الله عزوجل ، يسمي له باسم التقليد المحرم شريعة حق ، ثم يدس له معها التقليد المحرم ، فيكون كمن دس السم في العسل ، والبنج في الكعك ، فيتحمل إثمه وإثم من اتبعه إلى يوم القيامة .
    وقد قال بعض أهل الجهل : لو كلفنا النظر لضاعت أمورنا .
    قال أبو محمد : وهذا كلام فاسد من وجوه :
    أحدها : أنه يقال له : بل لو كلفنا التقليد لضاعت أمورنا ، لاننا لم نكن ندري من نقلد من الفقهاء المفتين ، وهم دون الصحابة أزيد من مائتي رجل معروفة أسماؤهم . وفي الحقيقة لا يدري عددهم إلا الله تعالى ، إذ بالضرورة ندري أنه قد كان في كل قرية كبيرة للمسلمين مفت ، وفي كل مدينة من مدائنهم عدة من المفتين ، والمسلمون قد ملؤوا الارض من السند إلى آخر الاندلس وسواحل البربر ، ومن سواحل اليمن إلى ثغور أذربيجان وإرمينية ، فما بين ذلك ، والحمد لله رب العالمين .
    وأيضا فإن النظر به صلاح الامور لا ضياعها ، وأيضا فإن كل امرئ منا مكلف أن يعرف ما يخصه من أمر دينه على ما بينا قبل ، مما يجب على كل أحد من معرفة أحكام صلاته وصيامه ، وما يلزمه وما يحرم عليه ، وما هو مباح له وهذا هو النظر نفسه ، ليس النظر شيئا غير تعريف ما أمر الله تعالى به ورسوله ( ص ) في هذه اللوازم لنا ، ولو كلفنا الله تعالى إضاعة أمورنا للزمنا ذلك ، كما لزم بني إسرائيل قتل أنفسهم إذا أمروا بذلك ، وهذا أعظم من إضاعة الامور ، وقد أمرنا بهرق الخمور ، وطرح الجيف ، ورمي السمن الذائب يموت فيه الفأر ، وحرم علينا الربا ، وفي هذا كله إضاعة أموال عظيمة لها قيم كثيرة لو أبيحت لكانت من أنفس المكاسب ، وأوفرها ، فكيف وليس في النظر إضاعة أمر بل فيه حفظ كل شئ وتوفية كل الامور حقها . ولله الحمد .

    وقد صح عن الصحابة أنهم قالوا بآرائهم ، صح ذلك عن أبي بكر وابن مسعود وعمر وعلي وغيرهم ، وكلهم يقول : أقول في هذا برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ، وزاد بعضهم ، ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان ، وفعل ذلك أيضا من بعدهم ، فإذا صح ذلك صح أنهم تبرؤوا من ذلك الرأي ، ولم يروه على الناس دينا ، فحرام على كل من بعدهم أن يأخذ من فتاويهم بشئ يتدين به ، إلا أن يصح به نص عن الله تعالى ، أو عن رسوله ( ص ) . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، نا أحمد بن خالد ، ثنا أبو علي الحسن بن أحمد قال : حدثني محمد بن عبيد بن حساب ، نا حماد بن زيد عن المثنى بن سعيد رده إلى أبي العالية قال : قال العباس ، ويل للاتباع من عثرات العالم . قيل له : كيف ذلك ؟ قال : يقول العالم من قبل رأيه ، ثم يبلغه عن النبي ( ص ) فيأخذ به ، وتمضي الاتباع بما سمعت .

    قال حماد بن زيد : حدثنا النعمان بن راشد قال : كان الزهري ربما أملى علي حتى إذا جاء الرأي ووقفته عليه فأكتبه فيقول : اكتب إنه رأي ابن شهاب ، وإنه لعلك أن يبلغك الشئ فيقول ما قاله ابن شهاب إلا بأثر ، فليعلم أنه رأيي . قال أبو محمد : لم يدعا رضي الله عنهما من البيان شيئا إلا أتيا به ، فأعلمك ابن عباس أن كاتب رأي العالم والآخذ به له الويل ، وأن العالم يقول برأيه : وأنه يلزمه ترك ذلك الرأي إذا سمع عن النبي ( ص ) خلافه ، وأعلمك الزهري أنه يقول برأيه ، وينهاك عن أن تقول فيما أتاك عنه : إنه لم يقله إلا بأثر ، وهكذا يفعل هؤلاء الجهال فإنهم يقولون : لم يقل هذا مالك وفلان وفلان إلا بعلم كان عندهم عن النبي ( ص ) ، فيكذبون على النبي ( ص ) ويحكمون بالظن ويتركون اليقين ، نعوذ بالله من الخذلان .

    واحتج بعضهم في إثبات التقليد بغريبة جروا فيها على عادتهم في الاحتجاج بكل ما جرى على أفواههم ، وذلك الحديث الذي فيه : إن ابني كان عسيفا على هذا قالوا فقد كان الناس يفتون ورسول الله ( ص ) حي .
    قال أبو محمد : وهذا أعظم حجة عليهم في إبطال التقليد ، لان المفتين اختلفوا في تلك المسألة ورسول الله ( ص ) حي ، فأفتى بعضهم على الزاني غير المحصن بالرجم ، وأفتى بعضهم عليه بجلد مائة وتغريب عام ، فكان هذا التنازع لما وقع قد وجب فيه الرد إلى الرسول ( ص ) ، فرد الامر إليه فحكم بالحق وأبطل الباطل .
    وهكذا الامر الآن ، قد اختلف المفتون حتى الآن في تلك المسألة بعينها :
    فقال أبو حنيفة : عليه الجلد ولا تغريب عليه حرا كان أو عبدا ،
    وقال مالك : عليه الجلد والتغريب إلا أن يكون عبدا ،
    وقلنا نحن وأصحاب الشافعي : عليه الجلد والتغريب على العموم ، عبدا كان أو غير عبد ، فوجب أن يرد هذا التنازع الذي بيننا إلى القرآن والسنة ، فوجدنا نص السنة يشهد لقولنا فوجب الانقياد له ، فهذا الحديث يبطل التقليد جملة ، ونحن لم ننكر فتيا العلماء للمستفتين ، وإنما أنكرنا أن يؤخذ بها برهان يعضدها ، ودون رد لها إلى نص القرآن والسنة ، لان ذلك يوجب الاخذ بالخطأ ، وإذا كان في عصره ( ص ) من يفتي بالباطل فهم من بعد موته ( ص ) أكثر وأفشى ، فوجب بذلك ضرورة أن نتحفظ من فتيا كل مفت ، ما لم تستند فتياه إلى القرآن والسنة والاجماع .

    واحتجوا أيضا فقالوا : إن الصحابة رضي الله عنهم شهدوا أسباب الاوامر منه ( ص ) ، وما خرج منها على رضا ، وما خرج منها على غضب ، فوجب اتباعهم في فتاويهم لذلك .
    قال أبو محمد : فيقال لهم وبالله التوفيق : إن رسول الله ( ص ) إنما بعث مبينا على كل من يأتي إلى يوم القيامة ، لا على أصحابه وحدهم ، فكل سبب من غضب أو رضى يوجب حكما فقد نقلوه إلينا ، ولزمهم أن يبلغوه فرضا بقوله عليه السلام : ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فقد نقلوا كل ما شهدوه من ذلك إذا لم يكونوا في سعة من كتمانه ، وقد أعاذهم الله من ذلك ، ولو كتموا شيئا مما يوجب حكما في الشريعة ، مما سمعوا أو مما شاهدوا ، لاستحقوا أقبح الصفات ، وقد أعاذهم الله من ذلك ونزههم عنه ، فلم يقتصروا رضي الله عنهم على فتاويهم دون تبليغ منهم لما سمعوا منه ( ص ) وشاهدوه منه ، كما نقلوا إلينا غضبه على الانصاري الذي أراد أن يقول بالخصوص في قبلة الصائم ، وغضبه على معاذ في تطويله الصلاة إذا كان إماما ، وغضبه على من تنزه عما فعل ( ص ) ، وغضبه على اليهود إذ قال : والذي اصطفى موسى على البشر ، وإعراضه عن عمار إذ تخلق ، وعن عائشة وفاطمة إذ علقتا السترين المزينين ، وسروره بقول مجزز المدلجي في أسامة بن زيد ، وسروره باجتماع الصدقة بين يديه إذ أمر بالصدقة إذ أتاه القوم المجتابون للثمار ، وإشاحته بوجهه المكرم ، ( ص ) وأفضل التحيات ، إذ ذكر النار ، أورده مسلم في كتاب الزكاة ، وحياءه ( ص ) من الانصارية المستفتية في غسل المحيض ، ووصفه الجبة التي على البخيل إذا أراد أن يتصدق ، وإشارته على كعب بن مالك بيده في إسقاط النصف من دينه على ابن أبي حدرد ، وتعجبه بنظره وهيئة وجهه من العباس إذ احتمل المال الكثير دون أن يكون منه ( ص ) في ذلك كلام ، وضربه ( ص ) بعود في يده بين الماء والطين في حديث أبي موسى ، ومثل هذا كثير جدا . فلم يكن له ( ص ) هيئة ولا حال يوجب حكما من كراهة أو نهي أو إباحة أو ندب أو أمر ، إلا وقد نقلت إلينا ، لان كل ذلك مما بين به ( ص ) مراد ربه تعالى ، ولو كتموا ذلك عنا لما بلغوا كما لزمهم ، ولو اقتصروا على تبليغ بعض ذلك دون بعض لدخلوا في جملة من يكتم العلم ، ولسقطت عدالتهم بذلك ، وقد نزههم الله تعالى عن هذا وحفظ دينه ، وقضى بتبليغه إلينا جيلا بعد جيل إلى أن يأتي بعض آيات ربك : * ( يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) * .

    وقد علموا رضي الله عنهم أن فتاويهم لا تلزمنا ، وإنما يلزمنا قبول ما نقلوا إلينا عن نبينا ( ص ) ،
    وقد خالف بعض التابعين الصحابة بحضرتهم ، فما أنكر الصحابة عليهم ذلك ، كما أنكروا عليهم مخالفة ما رووه ،
    1 ) كفعل ابن عمر في ابنه ، إذ روى حديث الخذف ، وحديث النهي عن منع النساء إلى المساجد ، فقال ابنه : لا تفعل ذلك ، فأنكر ابن عمر ذلك إنكارا شديدا وكان لا ينكر على من خالفه في فتياه . و كذلك سائر الصحابة رضي الله عنهم ،
    2 ) كإنكار ابن عباس على عروة
    3 ) وغير معارضة حديث النبي ( ص ) بأبي بكر وعمر ،
    4 ) وكإنكار عمران بن الحصين ، إذ ذكر حديث الحياء ، على من عارضه بما كتب في الحكمة ،
    5 ) وكقول أبي هريرة : إذا حدثتك عن النبي ( ص ) فلا تضرب له الامثال ، في حديث الوض ء مما مست النار .
    6 ) ووجدنا ابن عباس لم ينكر على عكرمة مخالفته له في الذبيح ،
    7 ) ولم ينكر أبو هريرة على من خالفه بحديث النبي ( ص ) في إفطار من أصبح جنبا ،

    وجميعهم رضي الله عنهم على هذا السبيل ، لا ينكر على من يخالفه في فتياه ، وينكر على من خالف روايته عن النبي ( ص ) أشد الانكار .
    ولكن أصحابنا - يغفر الله لهم ويسددهم - أضربوا على الواجب عليهم من تدبر أحكام القرآن ، ورواية أخبار النبي ( ص ) واختلاف العلماء ، ومعرفة مراتب الاستدلال المفرق بين الحق والباطل ، وأقبلوا على ظلمات بعضها فوق بعض من قراءة طروس معكمة مملوءة من ،
    قلت : أرأيت ؟ فقنعوا بجوابات لا دلائل عليها وأفنوا في ذلك أعمارهم ، فصفرت أيديهم من معرفة الحقائق ، وظلموا من اغتر بهم ، والاقل منهم شغلوا أنفسهم في أنواع القياس وتخصيص العلل ، واستخراج علل لم يأذن بها الله تعالى ولا رسوله ، ولا يقوم على صحتها برهان فقطعوا أيامهم بالترهات ، ولو اعتنوا بما ألزمهم الله تعالى الاعتناء به ، من تدبر القرآن ، وتتبع سنن النبي ( ص ) ، لاستناروا واهتدوا ، ولاستحقوا بذلك الفوز والسبق ، وما توفيقنا إلا بالله تعالى . وقد قال بعض من قوي جهله وضعف عقله ورق دينه : إذا اختلف العالمان وتعلق أحدهما بحديث عن النبي ( ص ) أو آية ، وأتى الآخر بقول يخالف ذلك الحديث وتلك الآية . فواجب اتباع من خالف الحديث ، لاننا مأمورون بتوقيرهم ونحن عالمون أن هذا العالم لو تعمد خلاف رسول الله ( ص ) لكان كافرا أو فاسقا ، وفي براءته من ذلك ما يوجب أنه كان عنده علم يوجب ترك ذلك الحديث ، ورفع حكم تلك الآية ، لم يكن عند القائل بهما ، وبهذا يوصل إلى توقير جميعهم .
    قال أبو محمد : وهذا القول في غاية الفساد من وجوه :
    أحدهما أن قائل هذا من أي المذاهب كان ، أترك الناس لهذا الاصل ، ويلزمه أن يبيح بيع الخمر تقليدا لسمرة ، وألا يبيح التيمم للجنب في السفر أصلا تقليدا لعمر ، وأن يبيح بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها تقليدا له ، وأن يسقط الكفارة عن الواطئ في نهار رمضان تقليدا لابراهيم النخعي ، ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير ، وأن يتعمد بالجملة كل قولة خالف صاحبها الحديث والقرآن فيأخذ بها ، وهذا ما لا يفعله مسلم وفيه ترك لمذاهب في الاكثر . ومنها أنه لو صح ما ذكر هذا الجاهل لوجب تفسيق ذلك العالم ضرورة ولاستحق لعنة الله عزوجل ، لانه كان يكون كاتما لعلم عنده عن رسول الله ( ص ) ومن فعل هذا فقد استحق اللعنة بقول الله تعالى : * ( إن الذين يكتمون مآ أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) * . وأيضا فلو كان ما ذكر هذا الجاهل لكان ذلك النص ، الذي توهمه عند ذلك العالم المخالف للحديث ، قد ضاع ولم ينقل ، وهذا باطل لان كلامه عليه السلام كله وحي ، والوحي ذكر ، والذكر محفوظ ، قال الله تعالى : * ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) *



    أتمنى للجميـــــع قراءة ممتعــــة و مفيـــــدة

    الحـــــزب ،،،،

    تعليق


    • #3
      موضوع مفيد جداً

      مولاي أحسنتم في هذا النقل ووفقكم الله

      تعليق


      • #4
        عزيزي الحزب لقد طبعت هذا الموضوع على اوراق و خليته في فايل خاص بمكتبي . أشكرك فعلا موضوع مفيد .

        و ليس فقط مفيد انت انهيت الخلاف بين الشيعه و السنه و خلصت بنا ان مذهبهم هش قش

        و تحياتي لك

























        خف عليهم شوي

        تعليق


        • #5
          حياكم الله يا أحبــــة


          المشاركة الأصلية بواسطة ليث العرين
          خف عليهم شوي
          لا تقولي هالكلام
          قله لابن حزم
          لأنه هو الذي مســح بعقيدة القـــوم
          و أثبتَ أنه
          من المحال أن يأمر رسول الله ( ص ) باتباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم ، وفيهم من يحلل الشئ ، وغيره منهم يحرمه ،



          أحدهم صار يخلط بين الصحابة ( الذين اجتهدوا فأخطأوا ) و الأنبياء ( الذين يوحى إليهم ) لينقذ ما تبقى من دينه
          http://www.hajrforums.org/forum/show...hp?t=402797688

          اقرأ و ابتســــم

          الحـــــــزب ،،،

          تعليق


          • #6
            لله دركم مولاي الحــــزب



            مشتاق للحسين

            تعليق


            • #7
              حياك الله حبيبنا مشتاق للحسيـــن

              الحـــــزب ،،

              تعليق


              • #8
                ................................

                تعليق


                • #9
                  والله ما أدري ويش أقول

                  أنا كنت بس أتصفح

                  لكن موضوعك خلاني غصب أرد

                  وأقول لك

                  رحم الله والديك

                  وجزاك الله كل خير


                  لكن


                  تتوقع يهتدوا إلى هذا الشي

                  أو على الأقل يحاولوا يسدوا هالثغرة


                  لا أظن




                  علي

                  تعليق


                  • #10
                    اخي الحزب
                    ادعوا الى الله ان تكون من حزب الامام المهدي
                    شكرا لك لتوضيح كل هذه المسائل

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                    يعمل...
                    X