<<إرموا جثته.. هذا شيعي>>
في إحدى المدن العراقية العريقة التي يفتخر أبناؤها بالتعايش المشترك بين السنة والشيعة، حملت رباب بمساعدة اثنين آخرين جثة زوجها وجثة صديقه بعد لحظات من إطلاق الرصاص على رأسيهما وقتلهما. حملت الجثتين إلى المستشفى وهي تبكي خائفة، مرتبكة. نصف الساعة الأخير كان مرعبا ويصعب تصديقه.
فبعدما ارتفعت وتيرة القتل الطائفي في المدينة ذات الأكثرية السنية، شعرت رباب وزوجها علي وآخرون من الأقلية الشيعية هناك بالخطر. فأخبار القتل المتبادل وتهجير عائلات شيعية من مناطق ذات أكثرية سنية وعائلات سنية من مناطق ذات أكثرية شيعية بدأت بالزحف نحو المدينة. تلك المدينة العريقة التي يفتخر أهلها بأن لكل منهم شقيقةٌ والشقيقة غالية ونفيسة في العراق متزوجة من رجل من غير طائفة الأهل والكل يعيش سعداء. وطبعاً، قام رجال العشائر السنية في المدينة بطمأنة الجميع، أبلغوهم أنهم محميون ولن يمسهم سوء. لم يطمئن علي وقرر الرحيل على أي حال والتوجه إلى مدينة من المدن ذات الأكثرية الشيعية، وهمس لزوجته: <<على الأقل نبقى بين أهلنا>>.
حزم أمتعته، حث جاره غالب الشيعي أيضا على أن يحمل أولاده الخمسة وزوجته ويغادر معه.. إلا أن غالب كان مصراً: <<هذه مدينتي، وسيربى أولادي فيها>>.
المبنى الذي يسكنه كل من غالب وعلي زوج رباب يضم إليهم عائلات سنية. أحد الجيران قرر أن يدعو علي وغالب وزوجتيهما إلى عشاء يكون العشاء الأخير قبل رحيل علي.
وصل الجميع ليلة سفر علي إلى المنزل في الطابق الأول من المبنى. غالب وزوجته وأولاده الخمسة. علي وزوجته. والجار السنّي وزوجته وأولاده الثلاثة.
الزوجات الثلاث في المطبخ يحضرن الطعام والأولاد في غرفة أخرى. طرقتان على الباب. يطلب الجار من علي أن يفتح الباب.
طرقتان ناعمتان. لم تثيرا شبهة أي من الجيران. نظر علي من العين السحرية لكن النور الخارجي كان مطفأ. لم ير أي شي غير العتمة. لم يشتبه بأي شي. فتح الباب ليفاجأ بأربعة مقنّعين ومسلحين يدخلون المنزل، وبهدوء أيضاً.
يصرخ صرخة خوف صغيرة، تهرع الزوجات الثلاث إلى الصالة. ويسحب المسلحون علي إلى الصالة.
يقول علي بخوف: <<خذوا ما تريدونه، لدي أموال في منزلي ممكن أن أعطيكم إياها>>. إلا أن المسلحين يجيبون بهدوء قاتل: <<ما نريده هو حياتك وحياة غالب ولترحل نساؤكم بعد قتلكم>>.
طلقتان. واحدة في رأس علي وأخرى في رأس غالب. يُقتل غالب على الفور ويبقى علي على قيد الحياة. يضع أحد المسلحين قدمه على رأس علي ويطلق رصاصة أخرى. يقتل علي.
لا ينبس الجار السني بكلمة. يسحب زوجته وأولاده إلى غرفة أخرى وينصرف المسلحون بهدوء أيضاً.
رباب مذهولة. وزوجة غالب أغمي عليها. يبدأ أطفال غالب بالصراخ فوق جثة والدهم. يهرع الجيران إلى المنزل. يصدمهم المنظر. يساعد اثنان منهم رباب على نقل الجثتين إلى المستشفى.
الجار المضيف لا يزال مختفياً.
وصلت رباب والجثتان إلى المستشفى. وفي الوقت ذاته، وصل أحد أقرباء غالب، حمل جثته وغادر. حضر الطبيب. نظر إلى الجثة، وسأل عن اسم علي واسم عشيرته. اتخذ قراره بلحظة واحدة، وبكل صراحة ووضوح. نظر نحو رباب وقال: <<ارموا جثته في ارض المشرحة. لا تضعوه في البراد. واحد شيعي>>.
صدمت رباب ولم تتمكن من الرد. لم يسمح لها بأخذ الجثة بحجة أنها تريد شهادة وفاة. طلب منها الرحيل. ساعدها الخيّرون في المدينة على الرحيل في الفجر على أن تُرسل الجثة إليها في وقت لاحق. ثلاثة أيام وجثة علي لم تصل. جثة علي لا تزال قابعة في أرض المشرحة. لم تُرفع إلى البراد. ثلاثة أيام وضاق ذرع أصدقاء علي من سنّة المدينة معتبرين ما يجري إهانة لصديقهم. عائلته تنتظر على أطراف المدينة. لم يستطع أحد أن يضمن سلامة العائلة بعد الذي حصل.
ثلاثة أيام ويقرر الطبيب أن يطلق سراح جثة علي ورائحتها. تبكي العائلة بحرقة لدى وصول الجثة. الرجال قبل النساء. فالرائحة النتنة ليست ما تريد العائلة أن تكون آخر ما يذكرونه عن علي. طبعاً، تحمل الجثة إلى مدينة بأكثرية شيعية للدفن ويقول أحد أصدقائه: <<في النهاية، تنفسنا الصعداء لأننا تمكنا من دفنه. نسينا في الجنازة والدفن أننا كنا نودع حبيبنا.. كنا نريد فقط أن نرتاح من الرائحة>>.
<<الآن، ابكيه بحرقة.. الآن، انتبهت إلى أني فقدته>>. علي ليس الوحيد في بطولة قصة شبيهة. في مدن أخرى عريقة من مدن العراق، عفّت رائحة الكثيرين من أبناء العراق وتركت للتعفن على حافة الطريق أو في مزرعة فرعية أو ليأكلها سمك النهر. علي كان شيعيا هذه المرة.. لكن سبقه وسيلحق به آخرون من الشيعة . فلقد بدأ عصر جديد في العراق.
فبعدما ارتفعت وتيرة القتل الطائفي في المدينة ذات الأكثرية السنية، شعرت رباب وزوجها علي وآخرون من الأقلية الشيعية هناك بالخطر. فأخبار القتل المتبادل وتهجير عائلات شيعية من مناطق ذات أكثرية سنية وعائلات سنية من مناطق ذات أكثرية شيعية بدأت بالزحف نحو المدينة. تلك المدينة العريقة التي يفتخر أهلها بأن لكل منهم شقيقةٌ والشقيقة غالية ونفيسة في العراق متزوجة من رجل من غير طائفة الأهل والكل يعيش سعداء. وطبعاً، قام رجال العشائر السنية في المدينة بطمأنة الجميع، أبلغوهم أنهم محميون ولن يمسهم سوء. لم يطمئن علي وقرر الرحيل على أي حال والتوجه إلى مدينة من المدن ذات الأكثرية الشيعية، وهمس لزوجته: <<على الأقل نبقى بين أهلنا>>.
حزم أمتعته، حث جاره غالب الشيعي أيضا على أن يحمل أولاده الخمسة وزوجته ويغادر معه.. إلا أن غالب كان مصراً: <<هذه مدينتي، وسيربى أولادي فيها>>.
المبنى الذي يسكنه كل من غالب وعلي زوج رباب يضم إليهم عائلات سنية. أحد الجيران قرر أن يدعو علي وغالب وزوجتيهما إلى عشاء يكون العشاء الأخير قبل رحيل علي.
وصل الجميع ليلة سفر علي إلى المنزل في الطابق الأول من المبنى. غالب وزوجته وأولاده الخمسة. علي وزوجته. والجار السنّي وزوجته وأولاده الثلاثة.
الزوجات الثلاث في المطبخ يحضرن الطعام والأولاد في غرفة أخرى. طرقتان على الباب. يطلب الجار من علي أن يفتح الباب.
طرقتان ناعمتان. لم تثيرا شبهة أي من الجيران. نظر علي من العين السحرية لكن النور الخارجي كان مطفأ. لم ير أي شي غير العتمة. لم يشتبه بأي شي. فتح الباب ليفاجأ بأربعة مقنّعين ومسلحين يدخلون المنزل، وبهدوء أيضاً.
يصرخ صرخة خوف صغيرة، تهرع الزوجات الثلاث إلى الصالة. ويسحب المسلحون علي إلى الصالة.
يقول علي بخوف: <<خذوا ما تريدونه، لدي أموال في منزلي ممكن أن أعطيكم إياها>>. إلا أن المسلحين يجيبون بهدوء قاتل: <<ما نريده هو حياتك وحياة غالب ولترحل نساؤكم بعد قتلكم>>.
طلقتان. واحدة في رأس علي وأخرى في رأس غالب. يُقتل غالب على الفور ويبقى علي على قيد الحياة. يضع أحد المسلحين قدمه على رأس علي ويطلق رصاصة أخرى. يقتل علي.
لا ينبس الجار السني بكلمة. يسحب زوجته وأولاده إلى غرفة أخرى وينصرف المسلحون بهدوء أيضاً.
رباب مذهولة. وزوجة غالب أغمي عليها. يبدأ أطفال غالب بالصراخ فوق جثة والدهم. يهرع الجيران إلى المنزل. يصدمهم المنظر. يساعد اثنان منهم رباب على نقل الجثتين إلى المستشفى.
الجار المضيف لا يزال مختفياً.
وصلت رباب والجثتان إلى المستشفى. وفي الوقت ذاته، وصل أحد أقرباء غالب، حمل جثته وغادر. حضر الطبيب. نظر إلى الجثة، وسأل عن اسم علي واسم عشيرته. اتخذ قراره بلحظة واحدة، وبكل صراحة ووضوح. نظر نحو رباب وقال: <<ارموا جثته في ارض المشرحة. لا تضعوه في البراد. واحد شيعي>>.
صدمت رباب ولم تتمكن من الرد. لم يسمح لها بأخذ الجثة بحجة أنها تريد شهادة وفاة. طلب منها الرحيل. ساعدها الخيّرون في المدينة على الرحيل في الفجر على أن تُرسل الجثة إليها في وقت لاحق. ثلاثة أيام وجثة علي لم تصل. جثة علي لا تزال قابعة في أرض المشرحة. لم تُرفع إلى البراد. ثلاثة أيام وضاق ذرع أصدقاء علي من سنّة المدينة معتبرين ما يجري إهانة لصديقهم. عائلته تنتظر على أطراف المدينة. لم يستطع أحد أن يضمن سلامة العائلة بعد الذي حصل.
ثلاثة أيام ويقرر الطبيب أن يطلق سراح جثة علي ورائحتها. تبكي العائلة بحرقة لدى وصول الجثة. الرجال قبل النساء. فالرائحة النتنة ليست ما تريد العائلة أن تكون آخر ما يذكرونه عن علي. طبعاً، تحمل الجثة إلى مدينة بأكثرية شيعية للدفن ويقول أحد أصدقائه: <<في النهاية، تنفسنا الصعداء لأننا تمكنا من دفنه. نسينا في الجنازة والدفن أننا كنا نودع حبيبنا.. كنا نريد فقط أن نرتاح من الرائحة>>.
<<الآن، ابكيه بحرقة.. الآن، انتبهت إلى أني فقدته>>. علي ليس الوحيد في بطولة قصة شبيهة. في مدن أخرى عريقة من مدن العراق، عفّت رائحة الكثيرين من أبناء العراق وتركت للتعفن على حافة الطريق أو في مزرعة فرعية أو ليأكلها سمك النهر. علي كان شيعيا هذه المرة.. لكن سبقه وسيلحق به آخرون من الشيعة . فلقد بدأ عصر جديد في العراق.
تعليق