باسمه تعالى
الخمر في الإنجيل
فقد وردت كلمة (الخمر) في الإنجيل 13 مرة، وكلمة (خمر) 7 مرات وكلمة(خمراً) 9 مرات اي ما مجموع مفردات لفظة خمر 29 مرة.
وسنعمل على إختيار النصوص المشار إليها والتي لها علاقة مباشرة بالموضوع:
1. إنجيل متى إصحاح 9 آية 17 ( بل تجعل الخمر الجديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعاً ).
2. إنجيل مرقـس إصحاح 2 آية 22 : (... وإنما تجعل الخمر الجديدة في زقاق جديدة ).
3. إنجيل لوقا إصحاح 5 آية 38 : ( وغنما يجب أن تجعل الخمر الجديدة في زقاق جديدة ).
هذه النصوص الثلاثة وردت في ثلاث أناجيل من أصل أربعة معتمدة عند المسيحيين اليوم وهي محكية بحسب السياق عن لسان السيد المسيح(ع) ويلاحظ حولها ما يلي:
· أنها نص واحد ردد في الأناجيل الثلاثة.
· أن السياق الذي وردت من خلاله هو سياق التمثيل (أي ضرب الأمثلة) وهو المشهور حكايته عن لسان السيد المسيح(ع).
وضرب المثل عادة يكون بما هو مشهور ومتعارف عند الناس ولا يعني هذا إقراره أو تشريعه.
· إن ما ضرب به المثل من حيث إعتبار الجودة في الجديدة يخالف ما هو السائد غند متعاطي الخمور في هذه الأيام حيث يعتبرون الخمور المعتقة هي الأجود والأعلى قيمة، لذا لو قلنا بصدور النص عن السيد المسيح (ع) فهو لا يتعدى كونه تمثيلاً بالمتعارف بين الناس يومها والعرف كما علمنا قد تبدل وأعتمد عكسه.
· أخيراً ليس في النص ما يصرح بالدعوة الى شرب الخمر أو بجوازه
4. إنجيل يوحنا إصحاح 2 آية 3 : ( وإذ نفذت الخمر قالت أم يسوع له ليس عندهم خمر).
هذا النص جاء ضمن سياق يحكي قصة ملفتة للنظر ومثيرة للإهتمام تقول : أن يسوع حضر الى قانا الجليل ليشارك في عرس يقام فيها مع تلاميذه ، وكانت أمه هناك حتى إذا نفذت الخمر : (قالت أم يسوع ليس عندهم خمر).
· (فقال لها يسوع مالي ولك يا إمرأة إن ساعتي لم تأت بعد)
· (فقالت أمه للخدام مهما قال لكم فإفعلوه)
· (وكان هناك ست خوابي من حجر موضوعة لغسول اليهود...)
· (فقال لهم يسوع إملأوا الخوابي ماء فملأوها إلى فوق)
· (فقال لهم إستقوا الآن وقدموا الى رئيس الوليمة ...).
ثم في الآية 11 من نفس الإنجيل ونفس الإصحاح :
· ( تلك هي أولى عجائب يسوع صنعها في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه).
هذه القصة وهي كما يلاحظ تروي حادثة على قدر من الأهمية خاصة وأنها وصفت بأنها أولى معجزات السيد المسيح والتي أظهرت مجده ، لذلك لا بد من ذكر الملاحظات التالية:
1. القصة بكاملها لم تذكر إلا في إنجيل يوحنا ولم تتعرض لها أناجيل متى ولوقا ومرقس.
2. كيف يعقل أن تكون المعجزة الأولى والتي أظهرت مجد يسوع مجهولة من قبل أصحاب الأناجيل الثلاثة حتى لا يأتوا على ذكرها ؟.
وهل هناك سبب آخر غير الجهل بها يدعو لإغفالها وعدم التعرض لها.
3. كيف يمكن أن ينفرد صاحب إنجيل يوحنا بمعرفة الحادثة المعجزة وينفرد بروايتها دون غيره؟
4. أين كان موقع تلاميذ يسوع الذين شهدوا المعجزة التي أظهرت مجد يسوع وجعلتهم يؤمنون به كما في النص ولماذا لم يذيعوا خبرها حتى تملأ الخافقين بدل أن تتجاهلها ثلاثة أرباع الأناجيل المعتمدة ؟
5. حسب رواية نفاذ الخمر يبدو أن عدد المدعوين الى العرس كان كبيراً لذا نفس السؤال السابق يطرح نفسه أين موقع هؤلاء من إذاعة خبر المعجزة حتى لا تتجاهلها الأناجيل.
6. حسب النص: المعجزة تمت بناء على طلب أو إشارة من أم يسوع الذي أجابها بعبارة ما لي ولك يا إمرأة ، هل هذه العبارة تليق بمؤمن عاقل ليخاطب بها أمه فضلاً عن أن يكون المتكلم بها من أرسل رحمة للعالمين؟
هل يعقل أن تكون رسالة يسوع تعليم الناس البرَّ بالناس ولا يكون هو باراً بأمه؟
7. قانا الجليل التي يروي النص حصول النص حصول المعجزة فيها لم تذكر سوى 4 مرات وفي إنجيل يوحنا فقط والأناجيل الباقية أغفلت ذكرها تماما.
8. شاع بين الناس أن معجزة تحويل الماء الى خمر قد تمت في مغارة في قانا الجليل ، وان هذه المغارة قد أكتشفت في بلدة قانا جبل عامل وأن مساحتها لا تتعدى 7 أمتار مربعة.
وعليه أقول: لم يرد ذكر المغارة في أي من الأناجيل الأربعة المعتمدة. وكيف يمكن لمغارة لا تتجاوز مسلحتها 7 امتار مربعة أن تسع حفلاً يضم عدداً غفيراً من المدعوين بينهم يسوع وتلاميذه وأمه؟.
9. في النصوص التي سنأتي على ذكرها لاحقاً سنجد العديد منها يذم الخمر والإكثار منه ذماً شديداً ولو تجاوزنا كل الملاحظات التي ذكرناها آنفاً ومع إعتبار أن صاحب العرس قد أعد كمية كبيرة من الخمر لمدعويه كما المفترض بأي صاحب دعوة كهذه ورغم ذلك نفذت فكيف يمكن أن يلجأ يسوع إلى تقديم ستة خوابي مليئة بالخمر مع العلم أن السكر مذموم جداً كما سنرى بعد قليل . ولو كان لابد من معجزة في هذا الحفل ألم يكن من إعجاز عن غير طريق إسكار الناس.
10. يتحصل مما أوردناه من ملاحظات أن أعجوبة تحويل الماء الى خمر
لا يمكن الحكم بصحتها وسنرى بعد ذكر النصوص الباقية أن من يحكم بصحة هذه القصة إنما يطعن بطهارة السيد المسيح (ع).
وإستكمالاً للبحث نورد ما جاء في إنجيل لوقا حول النبي يحي أو كما يسمونه يوحنا المعمدان:
· إنجيل لوقـا إصحاح 1 من آية 13 الى آية 15 < في بشارة الملاك لزكريا >:
(... امرأتك ستلد لك إبناً فتسميه يوحنا به يكون لك فرح وابتهاج وبمولده يفرح الكثيرون ، لأنه سيكون عظيماً أمام الرب ولا يشرب خمراً ولا مسكراً ).
· إنجيل لوقـا إصحاح 7 آية 33
( فلقد جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً وأنتم تقولون أن به شيطاناً).
هذا هو يوحنا المعمدان في الإنجيل رجل تتجسد به الطهارة وعلامة طهارته أنه لا يشرب الخمر . وكما في بشارة الملاك لزكريا سيكون عظيماً أمام الرب والعلة أيضاً واحدة لأنه لا يشرب الخمر.
ويسوع المسيح يشهد ليوحنا بأنه لا يشرب الخمر بينما من لا يعرفه يقول أن به شيطاناً . والعبارة توحي بأن من لا يشرب الخمر لا سبيل عليه للشيطان.
بعد أن تبين من النص أعلاه أن الصفات الجليلة إبتداء من عدم السبيل للشيطان والطهارة والعظمة امام الرب كلها كان سببها والداعي لها عدم شرب الخمر فكيف يمكن عندها أن نجمع بين هذا النص وبين النص القائل أن يسوع المسيح كان يقوم بأعجوبة تحويل الماء الى خمر من أجل أن يسكر رئيس الوليمة ومن معه في العرس.
- كيف يمكن الجمع بين القول أن تحويل الماء الى خمر صنع مجد يسوع والقول أن عدم شرب يوحنا الخمر جعله عظيماً أمام الرب.
- وإذا كان تحريم الخمر على النفس يؤدي الى العظمة أمام الرب ، تُرى ألم يأتي يسوع لجعل كل الناس عظماء أمام الرب فكيف يصنع الخمر لهم بدل أن يحرمها عليهم ؟.
هذا أهم ما جاء في الأناجيل الأربعة المعتمدة عن مسألة الخمر وبقي أن نذكر النصوص التي جاءت في رسائل القديسين ورؤيا القديس يوحنا.
1. رسالة القديس بولس الى الغلاطين إصحاح 5 آية 9:
(فيسير من الخمر يخمر العجين كله)
2. رسالة بولس الى الأفسيين إصحاح 5 آية 18 .( لا تسكروا من الخمر فإن فيها الدعارة )
3. رسالة بولس الأولى الى تيموثاوس إصحاح 3 آية 8 .
4. ( وكذلك فليكن الشمامسة أدباء لا ذوي لسانين ولا مولعين بالإكثار من الخمر )
5. رسالة بولس الأولى الى تيموثاوس إصحاح 5 آية 23 .
( لا يكن شرابك من بعد الماء فقط بل خذ قليلا ًَ من الخمر بسبب معدتك وأمراضك المتواترة ).
6. رسالة بولس الى تيطس إصحاح 2 آية 3 .
( وكذلك العجائز فلتكن سيرتهن على ما يليق بالقداسة لا نمامات ولا مستعبدات للإكثار من الخمر)
- هذه النصوص كما يلاحظ جاءت كلها في رسائل القديس بولس.
- هذه النصوص كما هو ظاهر أيضاً تشرع الخمر لكنها تشرع القليل منه وتعتبر الإكثار منه مذمة ومنقصة للإنسان.
- بينما يعتبر بولس أن القليل من الخمر يخمر العجين كله وأنه لا بد من هذا القليل من أجل المعدة والأمراض المتواترة فإنه يعتبر بالمقابل.
- أن الأكثار من الخمر يؤدي الى الدعارة.
- وانه يؤدي الى نقيض الأدب عند الشمامسة.
- وأنه لا يليق بالقداسة.
- وأنه يؤدي الى الإستعباد له .
- ترى مع كل هذه المخاطر والخبائث من يضمن لشاربي الخمر القدرة على عدم الإكثار ؟
- وكما صار واضحاً فإنه لم يرد أي نص عن لسان السيد المسيح يشرع شرب الخمر قلة أو كثرة سوى ما جاء في قصة الأعجوبة التي أثبتنا عدم صحتها.
- وظهر لنا بالشكل الصريح أن من شرع شرب الخمر في الدين المسيحي هو القديس بولس وليس يسوع المسيح الذي إعتبر عصمة يوحنا من الشيطان سببها عدم شربه للخمر كما إعتبر الإنجيل السبب نفسه باب التعظيم ليوحنا أمام الرب.
- ولا بد من الإشارة الى أن رسائل باقي القديسين وأعمال الرسل خالية كلها من أي إشارة الى الخمر فلا قصة أعجوبة تحويل الماء الى خمر ولا إجازة شرب القليل منه.
بقي لدينا أن نذكر ما ورد في رؤيا القديس يوحنا حيث ذكرت كلمة خمر 5 مرات وها هي .
· رؤيا يوحنا إصحاح 14 آية 8.
(سقطت بابل العظيمة التي أروت جميع الأمم من خمر فورة فجورها )
· إصحاح 14 آية 10 :
( فإنه هو أيضاً يشرب من خمر غضب الله )
· إصحاح 16 آية 19 :
( وذكرت بابل العظيمة أمام الله ليعطيها الكأس التي فيها تتفور خمر سخطه )
· إصحاح 17 آية 2 :
( التي فجر معها ملوك الأرض وأسكرت سكان الأرض من خمر فجورها )
· إصحاح 18 آية 3 :
( لأن جميع الأمم قد إرتووا من خمرة فجورها ).
هذه هي آخر النصوص في المقام وهي كما رأينا تحكي جزءاً من رؤيا القديس يوحنا وتتناول ضمن ألفاظها كلمة الخمر ولكن كتعبير لازم لوصف فجور مدينة بابل أو كتعبير ملازم لغضب الله وفي الحالتين لا يمكن بأي حال إعتبار النحو الذي مرت فيه هذه التعابير من أنواع المدح بشرب الخمر أو التشريع بذلك بل المنطوق والمفهوم في هذه التعابير لا يشيران إلا الى صفحة جديدة من الذم الشديد بالخمر وشاربيها.
وإن كان لا بد من كلام أخير فهو أن السيد المسيح (ع) بريء تمام البراءة من مسؤولية تشريع الخمر ، وأن هذه المسؤولية إن وجدت فإنما تقع على عاتق إنجيل يوحنا ورسائل بولس لا غير ، بينما بقية الأناجيل ورسائل القديسين واعمال الرسل لا تشير من قريب أو بعيد الى مسألة جواز شرب الخمر.