رايح أجيب شهود
في يوم من أيام بغداد في زمن العصمنلي ... كان القاضي راجعا الى بيته ظهرا فمر على دكان " الجركجي " [ وهو الشواي .. يعني يشوي الكليجة بالفرن ويشوي السمج وهالأشياء يعني ] ... فشم رائحة فشم رائحة شواء سال لها لعابه .. فسأل القاضي الجركجي : ( ولك هاي شنو عندك ها .. ؟ ) فقال الجركجي : ( والله مولانا عندي ست بطات مشوية ) فسأله القاضي : ( مال منو ها .. ؟ ) فأجاب : ( والله مولانا .. مال فرد تاجر يهودي يسكن بذاك العقد ) فقال القاضي : ( أسمع .. لمن تستوي دزها لبيتنا زين .. ) فرده الجركجي : ( مولانا .. وصاحبها شلون ؟ ) فقال القاضي : ( عود أطرده خل يولي , فنفد الرجل ما أمره به القاضي ) .
ثم جاء اليهودي لأخذ البطات الست من الجركجي فقال له الجركجي : ( روح ولك .. البطات مالت طارن ... ) فتصايحا وتشابكا بالأيدي فما كان من الجركجي الا أن تناول منباش النار وضرب اليهودي وجائت بعينه ففقأتها .. فصاح اليهودي من الألم وتجمهر الناس وصادف مرور بعض الجندرمة فأسرعوا للقبض على الجركجي فما كان منه الا أن هرب الى زقاق مجاور .. فتبعه الجندرمة فرأى الرجل دارا مفتوحة فدخلها ولسوء حظه أنه وجد أمراء حامل وهي في الشهر السابع .. وهي تغسل هدوم فلما رأته و ( الهوسة وراه ) أعتراها خوف شديد سبب الأجهاض لجنينها .. أما الرجل فقد تناوش الدرج وصعد الى السطح والجندرمة خلفه فتسلق التيغة وأطل على ما يجاور البيت فرأى جامع فرمى بنفسه من الأعلى الى الأسفل ولسوء الحظ أيضا أن الأمام كان يصلي وهو في حال الركوع فسقط الرجل على ظهر الأمامي فـ كسر رجليه وظهره , ثم أستمر الرجل في هربه فدخل زقاقا ضيقا فرأى السقا وأمامه حماره .. يحمل على ظهره جودين كبيرين مملوئين بالماء .. وقد أنحشر الحمل بين الحائطين لضيق الزقاق .. فأخل الرجل وفي عجلة ذيل الحمار فجره ليبعده عن الطريق فانقطع ذيله في يده وهنا وصل الجندرمه فأمسكوا بالجركجي وأخذوه .
ثم أن الأمر رفع الى القاضي فأمر بأحضار المتهم والمدعين . وهم : اليهودي وزوج المرأة والأمامي والسقا يحمل بيده ذيل حماره المقطوع ... وما أن علم القاضي بما فعله الجركجي من جرائم .. حتى أمر بأعدام الرجل .. فصاح الجركجي .. ( مولانا القاضي عندي حجاية سر بيني وبينك ) فأدناه القاضي منه وسأله : ( شكو عندك ) ؟ فقال الجركجي : ( مولانا القاضي ؟؟ هاي كلها من طرف البطات الستة ) فقال له القاضي : ( ولك أثول .. ليش ما قلت من الأول ؟ ) .
ثم صاح القاضي باليهودي : ( ولك أنت شعندك ؟ ) فقال اليهودي : ( بدالك [ يعني فداك ] حضرة القاضي .. جبت له بطات مذبوحة ومهلوسة ومملحة .. وبعدين يقلي طارت .. أشكن هالحكايي ؟ .. ) فقال القاضي : ( وبعدين ) فأجابه اليهودي : ( وبعدين ضربني على عيني وفقسها ) فقال القاضي : ( جاء في القران الكريم : " يحيي العظام وهي رميم " أي هاي أخر مو بس عظام بيها لحم بيها شحم بيها جلد ملعون الوالدين ) فحس اليهودي بالنفع وقال : ( مولانا هاي أني ما جنت أدري بيها ) فقال القاضي : ( ما لازم .. أحنا نحكم بالعدل .. العين بالعين والسن بالسن .. ها أها .. هاي كلش بسيطه .. تعال يا غلام .. أفكس عين من هذا الجركجي وأفكس العين اللخ من اليهودي لأنه من أهل الكتاب .. ) فقال اليهودي : ( وي وي .. بدالك حضرة القاضي ... غير أعمى .. بطلتو .. ما أريد الدعوى ! .. ) فقال القاضي : ( شنو المحكمة قشمرة مال أبوك .. يالله أشو ذب جزاء عشر ليرات ! ) فــ ( زاع اليهودي عشر ليرات ولزم الباب ) .
ثم تقدم " زوج الخايبة " .. فشرح الأمر أمام القاضي .. فقال القاضي : ( يا غلام أقرأ ما جاء بالكتاب الكريم ) فقرأ الغلام قوله تعالى : " القصاص بالقصاص إعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم " فقال القاضي .. ( ها أهاا كلش بسيطة ... شوف بابا : روح أنت طلق مرتك وخلي هوة يتزوجها وتحمل منه ولما يصير الشهر السابع أدخل عليها أنت وأخرعها هسة هية تطرح وبعدين هو يطلقها وأنت تزوجها مرة ثانية ) فقال الرجل : ( عجايب .. شنو ما عدنا شغل عمل نكعد نطلق ونتزوج ونطرح ؟ مولانا ما لازم .. أني متنازل ) فقال القاضي : ( شنو ؟ المحكمة قشمرة مال الخلفوك ؟ .. يالله أشو ذب عشر ليرات جزاء ! .. ) .
ثم جاء دور الأمامي المسكين .. فقال له القاضي : ( يابه شيخنا أنت ما سمعت ؟ " القصاص بالقصاص " فقال الأمامي : ( يعني شنو مولانا ) ... فقال القاضي : ( هو يركع بمكانك .. وأنت تصعد على التيغة وتجيت عليه من فوق .. مثل ما هو جيت عليك .. ! ) فقال الأمامي : ( شلون مو أني متكسر ؟ ) فقال القاضي : ( يطبك طب .. أحنا دانحكم لو دانلعب .. ) فقال الأمامي : ( مولانا .. أني متنازل عن الدعوى ) فقال القاضي : ( شنو ؟ كاعد دتقشمرنا ؟ ذب عشر ليرات جزاء ..يلا ) .
وهناك لاحظ القاضي أن السقا قد لف ذيل حماره ووضعه في ( عبه ) .. وأخذ يتراجع شيئا فشيئا نحو الباب .. فصاح به .. ( تعال ولك .. وين دتولي ؟ ) فقال السقا : ( مولانا أني رايح أجيب شهود ) .. فقال القاضي : ( لويش ؟ ) فقال السقا : ( يشهدون أنه هذا الزمال من أجا من بطن أمه ذيله مكطوع .. ! )

سلام
تعليق