تويت
في بيان شىء من حقيقة العقل والجهل وبيان المراد من
الحديث الشريف
اعلم ان العقل والجهل اللذان كانا مدار بحث في محضر الموالين ـــ بحسب الظاهر ـــ هما العقل والجهل الموجودان في الإنسان فالعقل هو القوة العاقلة أي القوة الروحانية التي هي بدافع الذات مجردة ، وبدافع الفطرة مائلة الى الخيرات والكمالات ، وداعيه الى العدل والإحسان ، وفي مقابلها القوة الواهمة التي الى الدنيا ما لم تخضع للنظام العقلي ولم تكن مسخرة في ظل كبرياء النفس المجردة ،وهذه القوة الواهمة هي شجرة خبيثة وأصل الشرور ويأتي لها ذكر فيما بعد أن إنشاء الله
أما العقل الذي ورد ذكره في الحديث الشريف للإمام الصادق (عليه السلام ) في سياق الخصائص التي ذكرت له ، ومنها أنه أول خلق من الروحانيين ،فهو عقل كلي للعالم الكبير الذي هو باطن العقول الجزئية أولئك وسرها وحقيقتها ، وإذا فهمت حقيقة يعلم ما كان موضعا لملاحظة أوليك وهو جوهر نوراني مجرد من العلائق الجسمانية ، وأول مخلوق روحاني ـوأول ظهور للفيض المقدس والمشيئة المطلقة وكينونة عذوبة الماء * ونور النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم ) في عالم الخلق والإبداع وإنكار يستلزم إنكار كثير من ضروريات العقل والدين ،من قبيل تصور الأشراف من الواجب تعالى في نظام الوجود وتحديد الواجب جلت قدرته وتجسيد الذات المقدسة وإلحاق الجهل العجز والبخل في ساحة القدس وأمثال ذلك مما يعتبر ذكره موجبا للتطويل فضلا عن البحث والتحقيق فيه
وان كان المنكرون من اجله المتحدثين لم يلتفتون الى توابعه الفاسدة ولوازمه الباطلة فلأنها من اللوازم الخفيفة وأهل الحديث والظاهر ذاهلون عنها وغافلون
ولهذا لا يلحق النقص ذيل قدسهم وطهارتهم لأنهم ظنوا أن القول بالعالم العقلي والمجرد يستلزم نفي حدوث العالم مع ان بعضا من المحققين والأكابر العظماء شمروا ذيلهم للتحقيق ،واثبتوا الحدوث الزماني لجميع عوالم الغيب والشهادة على وجه كان مناسبا لمساك أهل المعارف وأصحاب القلوب بحيث ان بيانه مع مقدماته يحتاج الى إفراد رسالة مستقلة { لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً }* ويوفقنا لنيل ذلك
وهذا الكلام عن الحدوث نسبه بعض كبار المحدثين الى الأجلاء وأبعدوه عن ساحتهم والقول به مستلزم لمحاذير عديدة تزلزل أساس التنزيه والتوحيد وهم كانوا عن ذلك غافلين
ويشكل عام فإن إثبات العقل المجرد بل العوالم العقلية موافق لأحاديث أهل بيت العصمة وأشارت بعض الآيات الإلهية الشريفة *
وثوابت أولى الألباب العقلية ونتيجة رياضيات العارفين وهذا الجوهر المجرد هو العقل العالم الكبير وعير عنه في لسان بعض بالإنسان الأول وهذا غير آدم أبي البشر بل روحانية آدم (عليه السلام) هي ظهور ذاك . ومقابل هذه الحقيقة والنورانية حقيقة أخرى هي الوهم الكلي في الإنسان المطلق الذي يميل الى الشر والفساد بدافع الفطرة والجبلة ويدعوا الى الغلط والاختلاق وهي بعينها حقيقة إبليس الأبالسة والشطيان الكبر الذي يعتبر سائر الشياطين والألبالسة من تجلياته ومظاهرة
ولهذه الحقيقة تجرد برزخي ظلماني لا عقلاني نوراني كما هو واضح وبين عند أصحاب المعرفة واليقين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- هذا التعبير مأخوذ من حديث الإمام الباقر (عليه السلام ) قال فيه لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق ما اختلف اثنان ان عزوجل قبل يخلق الخلق قال كن ماء عذبا اخلق منك جنتي وأهل طاعتي ....... (أصول الكافي المجلد الثاني صفحة 5 باب 2 الحديث 1
2- سورة الطلاق الآية 1
3- إشارة الى الآية 85 من سورة الإسراء :{ يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } والآية 29 من سورة الحجر { فإذا سويته ونفخت من روحي فقعوا له ساجدين }