السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
المجتمع مجموعة من الأفراد والاُسر الّذين تربطهم روابط مختلفة ، كالعقيدة أو القرابة ، أو المصالح المشتركة ، والعلاقات التأريخية ... وغيرها .
فكلّ فرد يشعر بانتمائه إلى اُسرته وإلى مجتمعه ، وبأ نّه جزء من اُسرته ومجتمعه ..
إنّ الفرد يتبادل المنافع مع الاُسرة والمجتمع الذي يعيش فيه . كما يكتسب من اُسرته الأخلاق والسّلوك وطريقة العيش ، بل ويكتسب جزءاً من أفكاره وطريقة تفكيره ..
وللفرد مصالح وشخصيّة مستقلّة ، كما إنّ للمجتمع شخصيّة ومصالح مستقلّة. وكثيراً ما يحصل التناقض بين مصالح الفرد والمجتمع; لذا اهتمّت القوانين والأنظمة الوضعيّة والإلهيّة بتنظيم العلاقة ، وحلّ التناقض بين مصالح الفرد والجماعة في المجالات التي تتعارض فيها المصلحتان: الفرديّة والإجتماعية ..
وقد اهتمّت التعاليم الدينية بتنظيم الحياة المدنيّة للفرد والجماعة ; لحفظ الحقوق والواجبات الانسانية ، كذلك اهتمّت دراسات الأخلاق والآداب الاجتماعية بتنظيم حياة الفرد والمجتمع والموازنة بينهما على اُسس أخلاقيّة وإحساس وجدانيّ سليم..
فالبعض من الناس لا يفكِّر إلاّ بتحقيق مصالحه الشخصيّة ، ولا تعنيه مصلحة الآخرين ..
فالتاجر المحتكِر والبائع والمنتِج المتلاعِب بالأسعار ، لا يفكِّرون إلاّ بتحقيق الرِّبح الفرديّ ، ولا يعنيهم ما يقع على المستهلكين الفقراء من غلاء وأزمات ومشاكل معاشيّة ..
وصاحب الحاجة يفكِّر في سدِّ حوائجه ، ولا يعنيه أن تبقى حوائج الآخرين وأزماتهم قائمة تفتك بهم ، وتسبِّب القلق والمشاكل والمعاناة لهم ..
والّذي له هدف سياسي خاص يسعى لتحقيق هدفه الشخصيّ ، والحصول على موقع أو منصب يطمح إليه . فإذا حقّق ذلك ، لا يعنيه ما يصيب الآخرين من مشاكل ومعاناة أمنيّة ومعاشيّة وسياسيّة ..
والفلّاح الّذي يملك أرضاً زراعيّة ، لا يتضامن مع الآخرين لتوفير الماء أو العلاج إذا توفّر ذلك لزرعه .
فهذا الصِّنف من الناس لا ينظر إلى القضايا والمشاكل إلاّ من خلال مصالحه .
وقد شخّص الرسول الكريم محمّد (ص) هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة ، وهذه الأنانيّة الضّارّة بمصالح الجماعة ، فحذّر منها بقوله :
«لا يؤمنُ عبد حتّى يُحِبّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه من الخير»(1) .
وبذا يربط الرّسول الكريم محمّد (ص) بين التفكير بمصالح الجماعة، والخروج من الأنانيّة الفرديّة . فالأناني الذي لا يفكِّر بمصلحة الجماعة ليس بمؤمن صادق
(8)
الإيمان . ومَن لا يفكِّر بمصلحة الآخرين ، لا يفكِّر أحد بمصالحه .. وبذا تنهار وحدة المجتمع وبناؤه .
فما لم يتحقّق الشعور النفسي والتربوي السّليم لدى الفرد والجماعة ، وما لم تكن هناك قوانين تحفظ مصلحة الفرد والجماعة .. يتحوّل المجتمع إلى فوضى وأنانية ، وحرمان الأكثرية من أبناء المجتمع .. ومن ثمّ يفسح المجال أمام الأقوياء لقهر الضعفاء واستضعافهم ..
إنّ الإحساس الوجداني والأخلاقي في نفوسنا، والمبادئ الإلهيّة السّامية ، تدعونا إلى أن نحرص على مصلحة الجماعة ، كما نحرص على مصالحنا الفردية الخاصّة.. إذ إنّ كثيراً من المصالح الفرديّة تلحق الضّرر بمصلحة المجتمع ، لذا يجب الابتعاد عنها .
فتهريب الأرصـدة الماليـة ، مثلاً ، يحقِّق مكاسـب مادِّيّـة كبيرة للأشخاص المزاولين لهذه الأعمال .. غير أنّ ذلك يُحدِث ضرراً كبيراً باقتصاد الاُمّة وثروتها ; لذا حرّمه القانون الإسلامي وعاقب عليه .
وفي سلوك الأبرار نجد المواقف المبدئية ، والتطبيق العملي للموازنة بين مصلحة الفرد والجماعة ..
من ذلك السلوك العملي ما رُوي عن إمام المسلمين ، أبي عبدالله ، جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام).. روى أحد أصحابه المكلّف بإدارة شؤونه البيتية ، واسمه مُعتّب ، قال :
«قالَ لي أبو عبدالله، وقد تزيّد السِّعر بالمدينة: كم عندنا من طعام؟ قلتُ له : عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرة ، قال : أخْرِجْهُ وبِعْه ، قال : قلتُ له : وليس بالمدينة طعام ، فقال : بِعْه ، فلمّا بِعْتُه ، قال : إشترِ مع الناس يوماً بيوم .
وقال ـ الصّادق ـ : يا مُعتّب ، إجعل قوت عيالي ، نصفاً شعير ، ونصفاً حنطة ، فإنّ الله يعلم أنِّي واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ، ولكنِّي أحبّ أن يراني الله قد أحسنتُ تقدير المعيشة»(2) .
في هذه القصّة والموقف تعبير عمليّ عن الاهتمام الاسلامي بشؤون الجماعة .
فالإمام الصّادق (عليه السلام) يرفض أن يوفِّر الكفاية من الطّـعام ، لعدّة أشهر من السوق لعائلته مرّة واحدة ويدّخره في بيته ، في حين يتعذّر على بقيّة أفراد المجـتمع لظروف طارئة توفير حاجتهم اليومية ، وهو يريد بذلك أن يمتنع مَن كان قادراً على شراء كميّات كبيرة من الطعام عن شرائها لتبقى تلك الكميّات في السّوق، فتزداد كميّة العرض ـ عرض الطّعام في السّوق ـ فينخفض سعره ، ويتيسّر الحصول عليه للجميع .
تصرّف الإمام الصّادق (عليه السلام) مع هذه المسألة من مبدأ الاهتمام بشؤون المجتمع ، كما يهتم بشؤون اُسرته الشخصية . وتلك هي الصورة الصّادقة للإيمان .
(9)
جدير ذكره أنّ الإضرار بالمجتمع ، لا يبقى الفرد ، أيّاً كانت مصالحه الفرديّة متحقِّقة ، بمنأى عن الأذى ، إذ إنّ الانسان إجتماعي بالطّبع وبحاجة إلى أن يعيش في المجتمع السّليم والآمن
مع تحيات مهداوية
اللهم صل على محمد وآل محمد
المجتمع مجموعة من الأفراد والاُسر الّذين تربطهم روابط مختلفة ، كالعقيدة أو القرابة ، أو المصالح المشتركة ، والعلاقات التأريخية ... وغيرها .
فكلّ فرد يشعر بانتمائه إلى اُسرته وإلى مجتمعه ، وبأ نّه جزء من اُسرته ومجتمعه ..
إنّ الفرد يتبادل المنافع مع الاُسرة والمجتمع الذي يعيش فيه . كما يكتسب من اُسرته الأخلاق والسّلوك وطريقة العيش ، بل ويكتسب جزءاً من أفكاره وطريقة تفكيره ..
وللفرد مصالح وشخصيّة مستقلّة ، كما إنّ للمجتمع شخصيّة ومصالح مستقلّة. وكثيراً ما يحصل التناقض بين مصالح الفرد والمجتمع; لذا اهتمّت القوانين والأنظمة الوضعيّة والإلهيّة بتنظيم العلاقة ، وحلّ التناقض بين مصالح الفرد والجماعة في المجالات التي تتعارض فيها المصلحتان: الفرديّة والإجتماعية ..
وقد اهتمّت التعاليم الدينية بتنظيم الحياة المدنيّة للفرد والجماعة ; لحفظ الحقوق والواجبات الانسانية ، كذلك اهتمّت دراسات الأخلاق والآداب الاجتماعية بتنظيم حياة الفرد والمجتمع والموازنة بينهما على اُسس أخلاقيّة وإحساس وجدانيّ سليم..
فالبعض من الناس لا يفكِّر إلاّ بتحقيق مصالحه الشخصيّة ، ولا تعنيه مصلحة الآخرين ..
فالتاجر المحتكِر والبائع والمنتِج المتلاعِب بالأسعار ، لا يفكِّرون إلاّ بتحقيق الرِّبح الفرديّ ، ولا يعنيهم ما يقع على المستهلكين الفقراء من غلاء وأزمات ومشاكل معاشيّة ..
وصاحب الحاجة يفكِّر في سدِّ حوائجه ، ولا يعنيه أن تبقى حوائج الآخرين وأزماتهم قائمة تفتك بهم ، وتسبِّب القلق والمشاكل والمعاناة لهم ..
والّذي له هدف سياسي خاص يسعى لتحقيق هدفه الشخصيّ ، والحصول على موقع أو منصب يطمح إليه . فإذا حقّق ذلك ، لا يعنيه ما يصيب الآخرين من مشاكل ومعاناة أمنيّة ومعاشيّة وسياسيّة ..
والفلّاح الّذي يملك أرضاً زراعيّة ، لا يتضامن مع الآخرين لتوفير الماء أو العلاج إذا توفّر ذلك لزرعه .
فهذا الصِّنف من الناس لا ينظر إلى القضايا والمشاكل إلاّ من خلال مصالحه .
وقد شخّص الرسول الكريم محمّد (ص) هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة ، وهذه الأنانيّة الضّارّة بمصالح الجماعة ، فحذّر منها بقوله :
«لا يؤمنُ عبد حتّى يُحِبّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه من الخير»(1) .
وبذا يربط الرّسول الكريم محمّد (ص) بين التفكير بمصالح الجماعة، والخروج من الأنانيّة الفرديّة . فالأناني الذي لا يفكِّر بمصلحة الجماعة ليس بمؤمن صادق
(8)
الإيمان . ومَن لا يفكِّر بمصلحة الآخرين ، لا يفكِّر أحد بمصالحه .. وبذا تنهار وحدة المجتمع وبناؤه .
فما لم يتحقّق الشعور النفسي والتربوي السّليم لدى الفرد والجماعة ، وما لم تكن هناك قوانين تحفظ مصلحة الفرد والجماعة .. يتحوّل المجتمع إلى فوضى وأنانية ، وحرمان الأكثرية من أبناء المجتمع .. ومن ثمّ يفسح المجال أمام الأقوياء لقهر الضعفاء واستضعافهم ..
إنّ الإحساس الوجداني والأخلاقي في نفوسنا، والمبادئ الإلهيّة السّامية ، تدعونا إلى أن نحرص على مصلحة الجماعة ، كما نحرص على مصالحنا الفردية الخاصّة.. إذ إنّ كثيراً من المصالح الفرديّة تلحق الضّرر بمصلحة المجتمع ، لذا يجب الابتعاد عنها .
فتهريب الأرصـدة الماليـة ، مثلاً ، يحقِّق مكاسـب مادِّيّـة كبيرة للأشخاص المزاولين لهذه الأعمال .. غير أنّ ذلك يُحدِث ضرراً كبيراً باقتصاد الاُمّة وثروتها ; لذا حرّمه القانون الإسلامي وعاقب عليه .
وفي سلوك الأبرار نجد المواقف المبدئية ، والتطبيق العملي للموازنة بين مصلحة الفرد والجماعة ..
من ذلك السلوك العملي ما رُوي عن إمام المسلمين ، أبي عبدالله ، جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام).. روى أحد أصحابه المكلّف بإدارة شؤونه البيتية ، واسمه مُعتّب ، قال :
«قالَ لي أبو عبدالله، وقد تزيّد السِّعر بالمدينة: كم عندنا من طعام؟ قلتُ له : عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرة ، قال : أخْرِجْهُ وبِعْه ، قال : قلتُ له : وليس بالمدينة طعام ، فقال : بِعْه ، فلمّا بِعْتُه ، قال : إشترِ مع الناس يوماً بيوم .
وقال ـ الصّادق ـ : يا مُعتّب ، إجعل قوت عيالي ، نصفاً شعير ، ونصفاً حنطة ، فإنّ الله يعلم أنِّي واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ، ولكنِّي أحبّ أن يراني الله قد أحسنتُ تقدير المعيشة»(2) .
في هذه القصّة والموقف تعبير عمليّ عن الاهتمام الاسلامي بشؤون الجماعة .
فالإمام الصّادق (عليه السلام) يرفض أن يوفِّر الكفاية من الطّـعام ، لعدّة أشهر من السوق لعائلته مرّة واحدة ويدّخره في بيته ، في حين يتعذّر على بقيّة أفراد المجـتمع لظروف طارئة توفير حاجتهم اليومية ، وهو يريد بذلك أن يمتنع مَن كان قادراً على شراء كميّات كبيرة من الطعام عن شرائها لتبقى تلك الكميّات في السّوق، فتزداد كميّة العرض ـ عرض الطّعام في السّوق ـ فينخفض سعره ، ويتيسّر الحصول عليه للجميع .
تصرّف الإمام الصّادق (عليه السلام) مع هذه المسألة من مبدأ الاهتمام بشؤون المجتمع ، كما يهتم بشؤون اُسرته الشخصية . وتلك هي الصورة الصّادقة للإيمان .
(9)
جدير ذكره أنّ الإضرار بالمجتمع ، لا يبقى الفرد ، أيّاً كانت مصالحه الفرديّة متحقِّقة ، بمنأى عن الأذى ، إذ إنّ الانسان إجتماعي بالطّبع وبحاجة إلى أن يعيش في المجتمع السّليم والآمن
مع تحيات مهداوية
تعليق