بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
بينما اتصفح موقع اسلام اون لان وجدة هذا العنوان عن الشيخ المفيد وأحببت نقله والله لااعلم هل فيه مغالطات او لا
ارجوا من لديه علم ان يفيدنا ومن لديه وجهة نظر في طرح موضوع عن الشيخ المفيد في موقع سني كبير كموقع اسلام اون لاين ان يطرح وجهة نظره للحوار
(في ذكرى وفاته: 3 من رمضان 413هـ)
د. منى أحمد أبو زيد**
يعد الشيخ المفيد واحدا من أهم علماء طائفة الشيعة الإثنا عشرية؛ فهو مؤسس الاتجاه العقلي لعلم أصول الدين لديهم، وكان صاحب مدرسة تخرج فيها أغلب علماء الشيعة، إما مباشرة على يديه، أو بصورة غير مباشرة على مؤلفاته.
وقد حظي المفيد بمكانة عظيمة لدى أمراء بني بويه، وبلغ من احترام عضد الدولة له أنه كان يزوره في داره في أثناء مرضه. ومدحه كثير من المؤرخين على اختلاف مذاهبهم، فأبو حيان التوحيدي يقول فيه: "وأما ابن المعلم فحسن اللسان والجدل، صبور على الخصم، كثير الحيلة، ضنين السر، جميل العلانية"، وذكره ابن النديم في الفهرست فقال: "في عصرنا انتهت رياسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، شاهدته فرأيته بارعا".
ويصفه ابن حجر في كتابه "لسان الميزان" قائلا: "كان كثير التقشف والانكباب على العلم، برع في مقالة الإمامية، حتى كان يقال: له على كل إمامي منة"، قال فيه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "المفيد شيخ الإمامية والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم".
ابن المعلم.. المفيد
ولد محمد بن محمد بن النعمان المعروف "بابن المعلم" في (11 من ذي القعدة 336هـ= 27 من مايو 948م)، في مدينة "عكبراء" على نهر دجلة بين بغداد والموصل، حيث درس مبادئ العلوم والكتابة وحفظ القرآن على أبيه.
ثم رحل إلى بغداد؛ فدرس على يد علماء الشيعة في ذلك الوقت، وكان منهم الشيخ أبو ياسر الجعل، كما كان كثير التردد على شيوخ المعتزلة، وفي مقدمتهم أبو علي بن عيسي الرماني المعتزلي.
ويحدثنا عن زيارته الأولى للرماني قائلا: "دخلت عليه والمجلس غاص بأهله، ودخل عليه رجل وسأل الرماني: ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال: أما خبر الغار فدراية، وأما خبر الغدير فرواية، والرواية لا توجب الدراية، وانصرف الرجل"، فتقدم ابن المعلم وسأل الرماني: ماذا تقول فيمن قاتل الإمام العادل؟ قال الرماني: يكون مرتكبا للكبيرة، فسأله ابن المعلم: ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ قال الرماني: تابا، فرد عليه ابن المعلم: أما خبر الجمل فدراية، وأما خبر التوبة فرواية، فسأله الرماني: عمن يكون ومن هو أستاذه، وأرسل إلى الأستاذ الجعل خطابا أشاد فيه بهذا التلميذ، ووصفه بـ"المفيد"، وصار هذا اللقب ملازما لابن المعلم طوال حياته.
المفيد مناظرا
كان الشيخ المفيد دائم التردد على مجالس العلماء من الفرق المختلفة، كما كان يعقد مجالس العلم بمنزله أو مسجده، فيحضره الشيعة والمعتزلة والأشاعرة، وكان بينه ويبن علماء عصره مناظرات.
وقد ذكر اليافعي "أنه كان يناظر أهل كل عقيدة، وقد جمع مناظراته ومحاسن مجالسه ومختار كلامه في كتاب له سماه بـالعيون والمحاسن، لخصه تلميذه الشريف المرتضى في كتاب سماه بالعيون والمحاسن".
واشتهر المفيد بين أعلام عصره بفن المناظرة، والمناظرة بمعناها الصحيح ليست عملية مغالطة لقضية تتخذ من السفسطة طريقا للتغلب على وجهة النظر الأخرى، وإنما تعتمد فيما تعتمد الموضوعية والمنهج والدليل المتفق عليه طريقا للإقناع.
وذكر ابن الجوزي أنه كان "لابن المعلم مجلس مناظرة بداره يحضره كافة العلماء"، وزاد ابن كثير عليه بوصف هذا المجلس بأن مجلسه كان يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف. ومن الثابت أن المفيد قد ناظر أبا بكر بن الطيب الباقلاني إمام الأشاعرة في عصره، كما ناظر قاضي القضاة عبد الجبار شيخ معتزلة البصرة.
المفيد ورفض الغلو والغلاة
الغلو في أصل اللغة مجاوزة الحد والخروج عن القصد، ومن أشده خطورة وضررا الإفراط في حق الأنبياء، أو الأئمة بالأخص، ومن صوره ادعاء الألوهية في البشر: أنبياء أو أئمة، أو ادعاء حلول الإله فيهم، أو إضفاء صفة من صفاته تعالى عليهم.
حاول الشيخ المفيد التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ووقف بحزم وجرأة في وجهها، ودافع عن مذهبه، وبين اعتقاداته الصحيحة، ففي تفسيره للآية {لا تغلوا في دينكم} قال: إن الله تعالى نهى عن تجاوز الحد في المسيح، وحذر من الخروج عن الحد، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعديه الحد.
وذكر الشيخ المفيد عدة أمور اعتقادية يصير بها الإنسان مغاليا، بحيث تخرجه عن الاعتقاد الصحيح، ومنها:
أولا: ادعاء الألوهية في النبي أو الإمام، أو ادعاء النبوة في الإمام، وهو ما رفضه المفيد قائلا: "ويكفي في علامة الغلو حكمه للأئمة أو للأنبياء بالألوهية"، وأضاف أن الغلاة من المتظاهرين بالإسلام، وهم الذين نسبوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذريته إلى الألوهية والنبوة، ووصفهم بأنهم أهل ضلال، حيث حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والإحراق، وقضى عليهم الأئمة بالكفر والخروج عن الإسلام.
ثم يبن المفيد الرأي الصحيح في الأنبياء والأئمة، وقال بأنهم رسل الله تعالى من البشر، والأئمة من خلفائهم، تلحقهم الآلام، وتحدث لهم اللذات، وتنمو أجسامهم بالأغذية، وتنقضي على مرور الزمن، ويحل بهم الموت. وهذا القول عليه إجماع أهل التوحيد.
ثانيا: وصف النبي أو الإمام ببعض الصفات الإلهية، وقد أشار الشيخ المفيد إلى أن من علامات الغلو إضافة صفة من صفات الله تعالى إلى النبي أو الإمام أو أي شخص آخر، وهذا "بدون شك تجاوز للحد، وتمثل هذا الغلو في أمرين: الأول إضفاء صفة الخلق أو الرزق إلى الأئمة، وثانيا: ادعاء علمهم بالغيب".
وفند الشيخ المفيد هذين الأمرين، ورأى أن من أضاف الخلق أو الرزق إلى الأنبياء أو الأئمة فقد خالف كتاب الله كما جاء في قوله تعالى {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} (فاطر: 3).
أما ادعاء علم الغيب للأئمة فأنكره الشيخ المفيد، ورأى فساده؛ لأن علم الغيب مقصور على الله عز وجل.
ثالثا: وصف الأئمة بصفات تخرجهم عن حد البشرية، فقد ادعى الغلاة أن النبي أو الإمام لا يموت، ورفض الشيخ المفيد هذا الادعاء، وقال: إن الاعتقاد الصحيح هو أن الأنبياء والأئمة جميعا يحل بهم الموت، ويجوز عليهم الفناء، وعلى هذا القول إجماع أهل التوحيد.
رابعا: ادعاء سبق ذات النبي صلى الله عليه وسلم وذوات الأئمة ذات أبينا آدم عليه السلام في الوجود. ويتهم الشيخ المفيد القائلين بهذا بأنهم من الغلاة، ووصفهم بأنهم لا إدراك لهم بمعاني الأشياء ولا بحقيقة الكلام، ويقول: إن هذا باطل بعيد عن الحق، ولا يدين به عالم. وينكر أيضا القول بقدم أنوار أهل البيت، ويذكر أن هذا من أقوال الغلاة، وهو مذهب مردود عليه عنده لأنه مذهب مرذول، والذاهب إليه مقلد بغير بيان، وإنه في جملته قول باطل.
المفيد مجدد شيعي
يمثل المفيد في تفكيره وآرائه النزعة التجديدية في نظريات الشيعة الإمامية، ونزعاتهم حول العقائد الدينية؛ فبعد أن كان علماؤهم يقفون على حرفية النصوص والأحاديث دون تأويل أو توسيع أو تعقل، نجد الشيخ المفيد من أوائل علماء الشيعة الذين تجاوزوا هذه الحرفية، إلى الاعتماد على منطق الفكر، حيث كانت أكثر مؤلفات الشيعة قبل عصر المفيد تلتزم حرفية النصوص في المسائل الاعتقادية دون تمحيص أو تدقيق، أما المفيد فقد نظر إلى هذه الكتابات وقام بتصحيحها، وأبرز مثال على ذلك تصحيحه لكتاب الشيخ الصدوق بن بابويه "اعتقادات الإمامية" بكتاب آخر ألفه المفيد عنوانه "تصحيح الاعتقاد"؛ ولذا اعتبر المفيد المجدد الأول لأصول المذهب، والممثل لآراء فرقته وأفكارهم.
المفيد والمعتزلة
قسم الشيخ المفيد أصول الدين إلى خمسة أصول، هي: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. ويعد المفيد أول من قدم هذا التقسيم في كتابه "النكت الاعتقادية". وهذه الأصول تشابه أصول المعتزلة الخمسة وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويبدو التشابه كبيرا بين الإثنا عشرية والمعتزلة في أول وأهم أصلين عندهما: التوحيد والعدل، وتفسير هذين الأصلين عندهما يكاد يكون متشابها؛ فالتوحيد هو ألا تجوّز على ربك ما جاز عليك، والعدل ألا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه.. ويقترب مفهوم العدل عند الإثنا عشرية من مفهومه لدى المعتزلة.
وهذا التشابه بين الفكرين كان ملحوظا لدى القدماء؛ فالمقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" يذهب إلى أن مذهب الاعتزال نشأ تحت ظل الدولة البويهية الشيعية، وأن مقالات الاعتزال فشت في صفوف الشيعة، ويقول: "قلما يوجد معتزلي إلا وهو رافضي (أي إمامي)".
ويذهب آخر وهو المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم" إلى أنه وجد أكثر الشيعة في بلاد العجم معتزلة، وأكثر فقهائهم على الاعتزال، وبرر ذلك بأن الشيعة وجدوا في بعض أقوال المعتزلة ما يتلاءم مع عقيدتهم في العدل والتوحيد.
ويشير المستشرق "آدم متز" في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" إلى أن الشيعة هم ورثة المعتزلة من حيث العقيدة والمذهب، وإنه لم يكن لهم حتى القرن الرابع مذهب كلامي خاص بهم، بل إنهم اقتبسوا من المعتزلة أصول الكلام -أي العقيدة- وأساليبه.
وإذا كان بين الشيعة والمعتزلة أوجه تشابه فهذا صحيح إلى حد ما، ولكن محاولة رد آراء الشيعة كلها إلى المعتزلة فيه نوع من المغالطة، والدليل على ذلك أن الشيخ المفيد قد حصر الخلاف بين الإثنا عشرية وبين المعتزلة وغيرهم في خمس وعشرين مسألة، منها ما هو خاص بالإمامة والنبوة والتكليف والرجعة والبداء والوعد والوعيد والأسماء والأحكام وغيرها.
ولكن أغلب هذه الاختلافات بين الإثنا عشرية وغيرهم من فرق الإسلام انحصرت في مسألة الإمامة، حيث اعتبرها الشيعة من أصول الدين، واعتبرها أهل السنة وغيرهم من فروع الدين، وفيما عدا هذا الأصل، فالخلافات فرعية لا تصح أن تفرق بين المسلمين.
وما أحوجنا اليوم إلى محاولة التقريب بين المؤمنين بالإسلام على مختلف طوائفه، والوقوف على جبهة واحدة ضد خصومه، وما أحوجنا إلى الابتعاد عن الخلافات الفرعية التي تؤثر على أمتنا الإسلامية بالسلب، ويمكن للشعوب الإسلامية أن تلتقي على أرضية فكرية مشتركة حيث إن ما يجمع بينهم أكثر بكثير مما يفرق.
وفاته
توفي المفيد في (3 من رمضان 413هـ= 1 من ديسمبر 1022م)، وشيّعه ثمانون ألفا من الباكين عليه، كان منهم الموافق له في المذهب، والمخالف له.
وتبارى شعراء عصره في رثائه، وكان منهم الشاعر عبد المحسن الصوريبقصيدة مطلعها:
تَباركَ منْ عَمَّ الأنامَ بفضله وبالموت بين الخلْق سَاوَى بعدْلِهِ
ورثاه أيضا الشريف المرتضى بقصيدة جاء فيها:
إن شيخ الإسلام والدين والعلـ م تولّى فأزعج الإسلاما
والذي كان غرة في دجى الأيا م أودى فأوحش الأياما
وقد احتفلت إيران سنة (1413 هـ= 1992م) بالذكرى الألفية لوفاة المفيد، وأقامت مهرجانا ثقافيا شارك فيه الباحثون من كافة البلاد الإسلامية، ومن كافة الاتجاهات، وصدرت أعمال هذا المهرجان في عدد من الدراسات، كما صدرت سلسلة لمؤلفات المفيد مطبوعة طبعة جديدة.
أهم مصادر الدراسة:
أبو زيد (د.منى): الحرية الإنسانية عند الشيعة الإثنا عشرية- منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000.
ابن طولون (شمس الدين): الأئمة الإثنا عشرية، تحقيق د.صلاح الدين المنجد، دار صاد، بيروت، 1377 = 1958.
جعفريات (د.رسول): المسار الفكري بين المعتزلة والشيعة من البداية حتى عصر الشيخ المفيد، ترجمة: خالد توفيق، دار الصفوة، بيروت، 1413= 1993.
الشيبي (د.مصطفى كامل): الصلة بين التشيع والتصوف، دار المعارف د.ت.
كوربان (هيزي) الشيعة الإثنا عشرية ترجمة د.ذوقان قرموط، القاهرة، 1413 = 1993.
متز (آدم): الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة د.محمد عبد الهادي أبو ريده القاهرة سنة 1359ـ 1940.
المناعي (د.عائشة): أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية، قطر، 1992.
--------------------------------------------------------------------------------
** أستاذة ورئيسة قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة حلوان بمصر.
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...rticle32.shtml
اللهم صل على محمد وآل محمد
بينما اتصفح موقع اسلام اون لان وجدة هذا العنوان عن الشيخ المفيد وأحببت نقله والله لااعلم هل فيه مغالطات او لا
ارجوا من لديه علم ان يفيدنا ومن لديه وجهة نظر في طرح موضوع عن الشيخ المفيد في موقع سني كبير كموقع اسلام اون لاين ان يطرح وجهة نظره للحوار

الفقه الشيعي.. "المفيد" نموذجا


(في ذكرى وفاته: 3 من رمضان 413هـ)
د. منى أحمد أبو زيد**
يعد الشيخ المفيد واحدا من أهم علماء طائفة الشيعة الإثنا عشرية؛ فهو مؤسس الاتجاه العقلي لعلم أصول الدين لديهم، وكان صاحب مدرسة تخرج فيها أغلب علماء الشيعة، إما مباشرة على يديه، أو بصورة غير مباشرة على مؤلفاته.
وقد حظي المفيد بمكانة عظيمة لدى أمراء بني بويه، وبلغ من احترام عضد الدولة له أنه كان يزوره في داره في أثناء مرضه. ومدحه كثير من المؤرخين على اختلاف مذاهبهم، فأبو حيان التوحيدي يقول فيه: "وأما ابن المعلم فحسن اللسان والجدل، صبور على الخصم، كثير الحيلة، ضنين السر، جميل العلانية"، وذكره ابن النديم في الفهرست فقال: "في عصرنا انتهت رياسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، شاهدته فرأيته بارعا".
ويصفه ابن حجر في كتابه "لسان الميزان" قائلا: "كان كثير التقشف والانكباب على العلم، برع في مقالة الإمامية، حتى كان يقال: له على كل إمامي منة"، قال فيه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "المفيد شيخ الإمامية والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم".
ابن المعلم.. المفيد
ولد محمد بن محمد بن النعمان المعروف "بابن المعلم" في (11 من ذي القعدة 336هـ= 27 من مايو 948م)، في مدينة "عكبراء" على نهر دجلة بين بغداد والموصل، حيث درس مبادئ العلوم والكتابة وحفظ القرآن على أبيه.
ثم رحل إلى بغداد؛ فدرس على يد علماء الشيعة في ذلك الوقت، وكان منهم الشيخ أبو ياسر الجعل، كما كان كثير التردد على شيوخ المعتزلة، وفي مقدمتهم أبو علي بن عيسي الرماني المعتزلي.
ويحدثنا عن زيارته الأولى للرماني قائلا: "دخلت عليه والمجلس غاص بأهله، ودخل عليه رجل وسأل الرماني: ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال: أما خبر الغار فدراية، وأما خبر الغدير فرواية، والرواية لا توجب الدراية، وانصرف الرجل"، فتقدم ابن المعلم وسأل الرماني: ماذا تقول فيمن قاتل الإمام العادل؟ قال الرماني: يكون مرتكبا للكبيرة، فسأله ابن المعلم: ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ قال الرماني: تابا، فرد عليه ابن المعلم: أما خبر الجمل فدراية، وأما خبر التوبة فرواية، فسأله الرماني: عمن يكون ومن هو أستاذه، وأرسل إلى الأستاذ الجعل خطابا أشاد فيه بهذا التلميذ، ووصفه بـ"المفيد"، وصار هذا اللقب ملازما لابن المعلم طوال حياته.
المفيد مناظرا
كان الشيخ المفيد دائم التردد على مجالس العلماء من الفرق المختلفة، كما كان يعقد مجالس العلم بمنزله أو مسجده، فيحضره الشيعة والمعتزلة والأشاعرة، وكان بينه ويبن علماء عصره مناظرات.
وقد ذكر اليافعي "أنه كان يناظر أهل كل عقيدة، وقد جمع مناظراته ومحاسن مجالسه ومختار كلامه في كتاب له سماه بـالعيون والمحاسن، لخصه تلميذه الشريف المرتضى في كتاب سماه بالعيون والمحاسن".
واشتهر المفيد بين أعلام عصره بفن المناظرة، والمناظرة بمعناها الصحيح ليست عملية مغالطة لقضية تتخذ من السفسطة طريقا للتغلب على وجهة النظر الأخرى، وإنما تعتمد فيما تعتمد الموضوعية والمنهج والدليل المتفق عليه طريقا للإقناع.
وذكر ابن الجوزي أنه كان "لابن المعلم مجلس مناظرة بداره يحضره كافة العلماء"، وزاد ابن كثير عليه بوصف هذا المجلس بأن مجلسه كان يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف. ومن الثابت أن المفيد قد ناظر أبا بكر بن الطيب الباقلاني إمام الأشاعرة في عصره، كما ناظر قاضي القضاة عبد الجبار شيخ معتزلة البصرة.
المفيد ورفض الغلو والغلاة
الغلو في أصل اللغة مجاوزة الحد والخروج عن القصد، ومن أشده خطورة وضررا الإفراط في حق الأنبياء، أو الأئمة بالأخص، ومن صوره ادعاء الألوهية في البشر: أنبياء أو أئمة، أو ادعاء حلول الإله فيهم، أو إضفاء صفة من صفاته تعالى عليهم.
حاول الشيخ المفيد التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ووقف بحزم وجرأة في وجهها، ودافع عن مذهبه، وبين اعتقاداته الصحيحة، ففي تفسيره للآية {لا تغلوا في دينكم} قال: إن الله تعالى نهى عن تجاوز الحد في المسيح، وحذر من الخروج عن الحد، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعديه الحد.
وذكر الشيخ المفيد عدة أمور اعتقادية يصير بها الإنسان مغاليا، بحيث تخرجه عن الاعتقاد الصحيح، ومنها:
أولا: ادعاء الألوهية في النبي أو الإمام، أو ادعاء النبوة في الإمام، وهو ما رفضه المفيد قائلا: "ويكفي في علامة الغلو حكمه للأئمة أو للأنبياء بالألوهية"، وأضاف أن الغلاة من المتظاهرين بالإسلام، وهم الذين نسبوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذريته إلى الألوهية والنبوة، ووصفهم بأنهم أهل ضلال، حيث حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والإحراق، وقضى عليهم الأئمة بالكفر والخروج عن الإسلام.
ثم يبن المفيد الرأي الصحيح في الأنبياء والأئمة، وقال بأنهم رسل الله تعالى من البشر، والأئمة من خلفائهم، تلحقهم الآلام، وتحدث لهم اللذات، وتنمو أجسامهم بالأغذية، وتنقضي على مرور الزمن، ويحل بهم الموت. وهذا القول عليه إجماع أهل التوحيد.
ثانيا: وصف النبي أو الإمام ببعض الصفات الإلهية، وقد أشار الشيخ المفيد إلى أن من علامات الغلو إضافة صفة من صفات الله تعالى إلى النبي أو الإمام أو أي شخص آخر، وهذا "بدون شك تجاوز للحد، وتمثل هذا الغلو في أمرين: الأول إضفاء صفة الخلق أو الرزق إلى الأئمة، وثانيا: ادعاء علمهم بالغيب".
وفند الشيخ المفيد هذين الأمرين، ورأى أن من أضاف الخلق أو الرزق إلى الأنبياء أو الأئمة فقد خالف كتاب الله كما جاء في قوله تعالى {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} (فاطر: 3).
أما ادعاء علم الغيب للأئمة فأنكره الشيخ المفيد، ورأى فساده؛ لأن علم الغيب مقصور على الله عز وجل.
ثالثا: وصف الأئمة بصفات تخرجهم عن حد البشرية، فقد ادعى الغلاة أن النبي أو الإمام لا يموت، ورفض الشيخ المفيد هذا الادعاء، وقال: إن الاعتقاد الصحيح هو أن الأنبياء والأئمة جميعا يحل بهم الموت، ويجوز عليهم الفناء، وعلى هذا القول إجماع أهل التوحيد.
رابعا: ادعاء سبق ذات النبي صلى الله عليه وسلم وذوات الأئمة ذات أبينا آدم عليه السلام في الوجود. ويتهم الشيخ المفيد القائلين بهذا بأنهم من الغلاة، ووصفهم بأنهم لا إدراك لهم بمعاني الأشياء ولا بحقيقة الكلام، ويقول: إن هذا باطل بعيد عن الحق، ولا يدين به عالم. وينكر أيضا القول بقدم أنوار أهل البيت، ويذكر أن هذا من أقوال الغلاة، وهو مذهب مردود عليه عنده لأنه مذهب مرذول، والذاهب إليه مقلد بغير بيان، وإنه في جملته قول باطل.
المفيد مجدد شيعي
يمثل المفيد في تفكيره وآرائه النزعة التجديدية في نظريات الشيعة الإمامية، ونزعاتهم حول العقائد الدينية؛ فبعد أن كان علماؤهم يقفون على حرفية النصوص والأحاديث دون تأويل أو توسيع أو تعقل، نجد الشيخ المفيد من أوائل علماء الشيعة الذين تجاوزوا هذه الحرفية، إلى الاعتماد على منطق الفكر، حيث كانت أكثر مؤلفات الشيعة قبل عصر المفيد تلتزم حرفية النصوص في المسائل الاعتقادية دون تمحيص أو تدقيق، أما المفيد فقد نظر إلى هذه الكتابات وقام بتصحيحها، وأبرز مثال على ذلك تصحيحه لكتاب الشيخ الصدوق بن بابويه "اعتقادات الإمامية" بكتاب آخر ألفه المفيد عنوانه "تصحيح الاعتقاد"؛ ولذا اعتبر المفيد المجدد الأول لأصول المذهب، والممثل لآراء فرقته وأفكارهم.
المفيد والمعتزلة
قسم الشيخ المفيد أصول الدين إلى خمسة أصول، هي: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. ويعد المفيد أول من قدم هذا التقسيم في كتابه "النكت الاعتقادية". وهذه الأصول تشابه أصول المعتزلة الخمسة وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويبدو التشابه كبيرا بين الإثنا عشرية والمعتزلة في أول وأهم أصلين عندهما: التوحيد والعدل، وتفسير هذين الأصلين عندهما يكاد يكون متشابها؛ فالتوحيد هو ألا تجوّز على ربك ما جاز عليك، والعدل ألا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه.. ويقترب مفهوم العدل عند الإثنا عشرية من مفهومه لدى المعتزلة.
وهذا التشابه بين الفكرين كان ملحوظا لدى القدماء؛ فالمقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" يذهب إلى أن مذهب الاعتزال نشأ تحت ظل الدولة البويهية الشيعية، وأن مقالات الاعتزال فشت في صفوف الشيعة، ويقول: "قلما يوجد معتزلي إلا وهو رافضي (أي إمامي)".
ويذهب آخر وهو المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم" إلى أنه وجد أكثر الشيعة في بلاد العجم معتزلة، وأكثر فقهائهم على الاعتزال، وبرر ذلك بأن الشيعة وجدوا في بعض أقوال المعتزلة ما يتلاءم مع عقيدتهم في العدل والتوحيد.
ويشير المستشرق "آدم متز" في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" إلى أن الشيعة هم ورثة المعتزلة من حيث العقيدة والمذهب، وإنه لم يكن لهم حتى القرن الرابع مذهب كلامي خاص بهم، بل إنهم اقتبسوا من المعتزلة أصول الكلام -أي العقيدة- وأساليبه.
وإذا كان بين الشيعة والمعتزلة أوجه تشابه فهذا صحيح إلى حد ما، ولكن محاولة رد آراء الشيعة كلها إلى المعتزلة فيه نوع من المغالطة، والدليل على ذلك أن الشيخ المفيد قد حصر الخلاف بين الإثنا عشرية وبين المعتزلة وغيرهم في خمس وعشرين مسألة، منها ما هو خاص بالإمامة والنبوة والتكليف والرجعة والبداء والوعد والوعيد والأسماء والأحكام وغيرها.
ولكن أغلب هذه الاختلافات بين الإثنا عشرية وغيرهم من فرق الإسلام انحصرت في مسألة الإمامة، حيث اعتبرها الشيعة من أصول الدين، واعتبرها أهل السنة وغيرهم من فروع الدين، وفيما عدا هذا الأصل، فالخلافات فرعية لا تصح أن تفرق بين المسلمين.
وما أحوجنا اليوم إلى محاولة التقريب بين المؤمنين بالإسلام على مختلف طوائفه، والوقوف على جبهة واحدة ضد خصومه، وما أحوجنا إلى الابتعاد عن الخلافات الفرعية التي تؤثر على أمتنا الإسلامية بالسلب، ويمكن للشعوب الإسلامية أن تلتقي على أرضية فكرية مشتركة حيث إن ما يجمع بينهم أكثر بكثير مما يفرق.
وفاته
توفي المفيد في (3 من رمضان 413هـ= 1 من ديسمبر 1022م)، وشيّعه ثمانون ألفا من الباكين عليه، كان منهم الموافق له في المذهب، والمخالف له.
وتبارى شعراء عصره في رثائه، وكان منهم الشاعر عبد المحسن الصوريبقصيدة مطلعها:
تَباركَ منْ عَمَّ الأنامَ بفضله وبالموت بين الخلْق سَاوَى بعدْلِهِ
ورثاه أيضا الشريف المرتضى بقصيدة جاء فيها:
إن شيخ الإسلام والدين والعلـ م تولّى فأزعج الإسلاما
والذي كان غرة في دجى الأيا م أودى فأوحش الأياما
وقد احتفلت إيران سنة (1413 هـ= 1992م) بالذكرى الألفية لوفاة المفيد، وأقامت مهرجانا ثقافيا شارك فيه الباحثون من كافة البلاد الإسلامية، ومن كافة الاتجاهات، وصدرت أعمال هذا المهرجان في عدد من الدراسات، كما صدرت سلسلة لمؤلفات المفيد مطبوعة طبعة جديدة.
أهم مصادر الدراسة:
أبو زيد (د.منى): الحرية الإنسانية عند الشيعة الإثنا عشرية- منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000.
ابن طولون (شمس الدين): الأئمة الإثنا عشرية، تحقيق د.صلاح الدين المنجد، دار صاد، بيروت، 1377 = 1958.
جعفريات (د.رسول): المسار الفكري بين المعتزلة والشيعة من البداية حتى عصر الشيخ المفيد، ترجمة: خالد توفيق، دار الصفوة، بيروت، 1413= 1993.
الشيبي (د.مصطفى كامل): الصلة بين التشيع والتصوف، دار المعارف د.ت.
كوربان (هيزي) الشيعة الإثنا عشرية ترجمة د.ذوقان قرموط، القاهرة، 1413 = 1993.
متز (آدم): الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة د.محمد عبد الهادي أبو ريده القاهرة سنة 1359ـ 1940.
المناعي (د.عائشة): أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية، قطر، 1992.
--------------------------------------------------------------------------------
** أستاذة ورئيسة قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة حلوان بمصر.
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...rticle32.shtml
تعليق