إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

في تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بحث علمي)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بحث علمي)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد
    مما اعترضوا عليه تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: إن تعدد الزوجات لا يخلو في نفسه عن الشره والانقياد لداعي الشهوة: وهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنع بما شرعه لامته من الأربع حتى تعدى إلى التسع من النسوة.والمسألة ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن، والبحث من كل جهة من جهاتها يجب أن يستوفى عند الكلام على الآية المربوطة بها ولذلك أخرنا تفصيل القوم إلى محالة المناسبة له وإنما نشير ههنا إلى ذلك إشارة إجمالية.فنقول: من الواجب أن يلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى أن قصة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على هذه السذاجة (أنه صلى الله عليه وآله وسلم بالغ في حب النساء حتى أنهى عدة أزواجه لي تسع نسوة) بل كان اختياره لمن اختارها منهن على نهج خاص في مدى حياته فهو صلى الله عليه وآله وسلم كان تزوج ـ أول ما تزوج ـ بخديجة رضي الله عنها وعاش معها مقتصراً عليها نيفاً وعشرين سنة (وهي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج) منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة وكان على ذلك ما يقرب من عشرة سنين ثم حرم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه . ومن المعلوم أن هذا الفعال على هذه الخصوصيات لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن والوله بالقرب منهن فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك على أنا لا نشك بحسب ما نشاهده من العادة الجارية أن المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن مجذوب إلى الزينة عشق للجمال مفتون بالغنج والدلال حنين إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة، وهذه الخواص أيضاً لا تنطبق على سيرته صلى الله عليه وآله وسلم فإنه بنى بالثيب بعد البكر وبالعجوز بعد الفتاة الشابة فقد بنىبام سلمة وهي مسنة، وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يربو على خمسين بعدما تزوج بمثل عائشة وام حبيبة وهكذا.وقد خير صلى الله عليه وآله وسلم نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كن يردن الدنيا وزينتها وبين الزهد في الدنيا وترك التزين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة على ما يشهد به قوله تعالى في القصة:يا ايها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسر حكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً (الأحزاب:29) وهذا المعنى أيضاً ـ كما ترى ـ لا ينطبق على حال رجل غرم بجمال النساء صاب إلى وصالهن.فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق إذا أنصف إلا أن يوجه كثرة ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم فيما بين أول أمره وآخر أمره بعوامل اخر غير عامل الشره والشبق والتلهى.فقد تزوج صلى الله عليه وآله وسلم ببعض هؤلاء الأزواج اكتساباً للقوة وازدياداً للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء استمالة للقلوب وتوقياً من بعض الشرور، وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة. وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجرائه عملاً لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس كما في تزوجه بزينب بنت جحش وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثم طلقها زيد، وقد كان زيد هذا يدعى ابن رسول الله على نحو التبني وكانت زوجة المدعو ابناً عندهم كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب فتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزل فيها الآيات.وكان صلى الله عليه وآله وسلم تزوج لأول مرة بعد وفات خديجة بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية، وكانت سودة هذه مؤمنة مهاجرة و لو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر.وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبدالله بن جحش في احد وكانتمن السيدات الفضليات في الجاهلية تدعى أم المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين وعطوفتها بهم فصان بازدواجها ماء وجهها.وتزوج بام سلمة واسمها هند وكانت من قبل زوجة عبدالله أبي سلمة ابن عمة النبي وأخيه من الرضاعة أول من هاجر إلى الحبشة وكانت زائدة فاضلة ذات دين ورأي فلما توفي عنها زوجها كانت مسنة ذات أيتام فتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب سيد بني القريضة قتل زوجها يوم خيبر وقتل أبوها مع بني القريظة، وكانت في سبي خيبر فاصطفاها وأعتقها وتزوج بها فوقاها بذلك من الذل ووصل سببه ببني إسرائيل.وتزوج بجويرية واسمها برة بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد وقعة بني المصطلق وقد كان المسلمون أسروا منهم ماتي بيت بالنساء والذراري، فتزوج صلى الله عليه وآله وسلم بها فقال المسلمون هؤلاء أصهار رسول الله لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم جمياً فأسلم بنوا المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جماً غفيراً وأثر ذلك أثراً حسناً في سائر العرب.وتزوج بميمونة واسمها برة بنت الحارث الهلالية وهي التي وهب نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة زوجها الثاني أبي رهم بن عبدالعزى فاستنكحها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتزوج بها وقد نزل فيها القرآن.وتزوج بام حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان وكانت زوجة عبيدالله بن جحش وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصر عبيدالله هناك وثبتت هي على الإسلام وأبوها أبوسفيان يجمع الجموع على الإسلام يومئذ فتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها.وتزوج بحفصة بنت عمر وقد قتل زوجها خنيس بن حذاقة ببدر وبقيت أرملة وتزوج بعائشة بنت أبي بكر و هي بكر.فالتأمل في هذه الخصوصيات مع ما تقدم في صدر الكلام من جعل سيرته في أول أمره وآخره وما سار به من الزهد وترك الزينة وندبه نساءه إلى ذلك لا يبقي للمتأمل موضع شك في أن ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم في النساء، وإحياء ما كانتقرون الجاهلية وأعصار الهمجية أماتت من حقوقهن في الحياة، وأخسرته من وزنهن في المجتمع الإنساني حتى روي أن آخر ما تكلم به صلى الله عليه وآله وسلم هو توصيتهن لجامعة الرجال قال صلى الله عليه وآله وسلم : (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم) الحديث.وكانت سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في العدل بين نسائه وحسن معاشرتهن ورعاية جانبهن مما يختص به صلى الله عليه وآله وسلم (على ما سيأتي شذرة منه في الكلام على سيرته في مستقبل المباحث إن شاء الله) وكان حكم الزيادة على الأربع كيوم الوصال من مختصاته التي منعت عنها الامة وهذه الخصال وظهورها على الناس هي التي منعت أعداءه من الاعتراض عليه بذلك مع تربصهم الدوائر به.
    المصدر شبكة كربلاء المقدسة //
    التعديل الأخير تم بواسطة علي الدر; الساعة 10-05-2006, 10:50 PM.

  • #2

    عزيزتي خادمة فاطمة
    أشكرك جزيل الشكر على طرحكِ المميز ، واسمحِ لي أن أتناول الموضوع بأبعاده المختلفة نظرا لأهميته
    بيانُ حكمة تعدد زوجات نبينا محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) و الدوافع التي دعته إلى تكثير زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) بحاجة إلى دراسة موضوعية تحليلية عميقة و دقيقة حتى يتمكن الباحث من خلالها التعرف على الأسباب الحقيقية لتعدد زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) ، الأمر الذي حاول من خلاله بعض المغرضين و الحاقدين على الإسلام أن يسجل على النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ملاحظة غير واقعية محاولاً إثبات وجود رغبة جنسية جامحة لدى رسول الله كانت وراء تعدد زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) .
    لكن الباحث الذي يدرس هذا الأمر بعمق و وعي سرعان ما يتضح له زيف هذا الادعاء وبطلان هذا التصور الخاطئ .
    و مع أن دراسة هذا الموضوع بحاجة ـ كما قلنا ـ إلى بحث عميق و مفصل ، لكننا نحاول تسليط الضوء على النقاط الهامة و الرئيسية التي تمكن الباحث من الوصول إلى النتائج الصحيحة و الحقيقية ، أما النقاط فهي :
    الاتهام الباطل :
    قد يحلو لبعض المغرضين و الحاقدين : بأن يتهم الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه و آله ) بأنه إنما تزوج عدة نساءٍ استجابة لرغبة جنسية جامحة ، كان يعاني منها .
    و لكننا ، إذا درسنا هذه الناحية بعمقٍ ووعي ، فإننا نخرج بنتيجة حاسمة تعطينا : أن هذا الكلام محض خيال زائف ، ليس له منطق يساعده ، و لا دليل يتعمد عليه ، و ذلك بملاحظة ما يلي :
    1. إن حب الرجل للمرأة ، و إن كان أمراً طبيعياً ، و لقد كان النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) رجلاً إنساناً ، فطبيعي أن يميل إلى المرأة ، و يشعر بالمتعة معها ، و لكن أول ما يطالعنا في هذا المجال في حياته ( صلَّى الله عليه و آله ) ، هو أننا نلاحظ : أن أكثر زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) كنّ ثيِّبات : إما مطلقات ، أو ترمّلن من أزواجهن قبله ( صلَّى الله عليه و آله ) .
    فلو كان ( صلَّى الله عليه و آله ) يهتم بأمور الجنس ، لكان باستطاعته أن يتزوج خيرة الفتيات الأبكار ، و لوجد أولياءهن يفتخرون بمصاهرته لهم ، و هو الذي حثّ و حبَّذ و أثنى على الزواج بالأبكار ، و رغّب فيه بشكل واضح و ملموس .
    2. إنه ( صلَّى الله عليه و آله ) و هو في مكة بقي 25 سنة مع زوجته خديجة ، المرأة الوفية ، التي كانت تكبره سناً ، كما يقولون ، و لم يتزوج عليها في حياتها أحداً ، مع أن تعدد الزوجات كان مألوفاً لدى الناس آنئذٍ .
    3. إننا نجده يرفض عرض قريش عليه التزويج بأي النساء شاء ، في مقابل أن يلين في موقفه ، و يخفف من مواجهته لآلهتهم و عقائدهم .
    4. إن زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) كنّ على كثرتهنّ من قبائل شتى ، لا تكاد تجد منهم اثنتين من قبيلة واحدة ، إلا من اللواتي لم يدخل بهن .
    5. إن جميع زوجاته باستثناء خديجة ، إنما دخلن بيت الزوجية عنده حينما كان في المدينة المنورة ، أي بعد تجاوزه سنّ الخمسين ، و بعضهن تزوجهن ( صلَّى الله عليه و آله ) قبل وفاته بمدة قليلة .
    6. إن هذا التعدد لم يشغل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) عن واجباته ، و لا أخرجه عن اتزانه ، و لا طغى على وقته ونشاطه ، و تاريخ حياته ( صلَّى الله عليه و آله ) يشهد : بأنه ( صلَّى الله عليه و آله ) لم يكن يهتم بهذه الأمور ، بل كان مثال العفاف و الطهر البالغ ، و لم يلوث نفسه بأيٍ عمل قبيح مما كانت الجاهلية تبيحه ، و تشيع في مجتمعه ممارسته ، و لم يستطع أحد من أعدائه أن يصمه بشيء من ذلك .
    7. أنه ( صلَّى الله عليه و آله ) قد خير زوجاته بين الرضا بحياة التقشف معه ، و بين الطلاق والفراق ، فلو كان زواجه بهن بسبب طغيان الغريزة الجنسية لديه ، لكان يجب أن يحتفظ بهن في جميع الأحوال ، و لا يفرط بهن لمجرد حبّه لحياة التقشف و الزهد .
    فهل استيقظ فيه ( صلَّى الله عليه و آله ) الشعور الجنسي في المدينة بالذات وبعد شيخوخته ، و في أواخر عمره ؟!
    و هل استيقظ هذه الشعور على خصوص النساء اللواتي ترملن ؟ أو طلقهن أزواجهن ؟!
    أو هل أراد حقاً أن يتذوق نساء القبائل المختلفة في الجزيرة العربية ؟!
    و لماذا اختص ذلك بالعربية دون غيرها ؟!
    الدوافع الحقيقية :
    و بعد ما تقدم ، فإننا إذ نجيب على التساؤل حول السبب في كل ذلك ، و دوافعه ، وآثاره ، نقول :
    إن زواجه ( صلَّى الله عليه و آله ) المتعدد هذا ، قد كان لدوافع سياسية ، و أحكامية ، و إنسانية ، و إنطلاقاً من مصلحة الإسلام العليا .
    و توضيح ذلك قدر الإمكان يكون في ضمن النقاط التالية :
    1. إن بعض موارد ذلك الزواج كانت دوافعه إنسانية بحتة ، لكون تلك المرأة قد أسلمت وهاجرت ، ثم توفي أو قتل عنها زوجها ، و لا سبيل لها إلى الرجوع إلى أهلها المشركين ، لأنها لا تستطيع أن تقاوم ضغوطهم النفسية و المادية عليها .
    هذا إن لم تتعرض للتعذيب الجسدي الوحشي ، فيما لو أرادت أن تحتفظ بدينها و عقيدتها فيما بينهم ، و لم يكن معيل و لا كفيل لها في هذا المجتمع الجديد ، كما كان الحال بالنسبة لسودة بنت زمعة التي كانت مسنّة ، و يزيد عمرها على الخمسين عاماً ، و كذا الحال بالنسبة لزينب بنت خزيمة .
    هذا بالإضافة إلى أن تأيمها سيطلق الألسنة و الأهواء في حقها و في اتهامها ، و يجعلها تتعرض لضغوط ، و حتى إلى إغراءات ، ربما لا تناسبها و لا تناسب موقعها و مصيرها في هذا المجتمع الغريب عنها ، هذا إن لم يؤدّ ذلك إلى أزمات نفسية ، و حتى قبلية لا مبرر لها .
    فخير كافل ، و خير معين ، و حافظ و ولي لها ، هو النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) ، إلا إذا وفق الله وتزوجها بعض خيار أصحابه ( صلَّى الله عليه و آله ) ، حين يكون ثمة من يقدم على ذلك .
    2. إن زواجه ( صلَّى الله عليه و آله ) بجويرية كان لمصلحة دينية ، حيث قد نشأ عنه : ـ كما يقولون ـ أن يُطْلِقَ المسلمون مئة من أهل بيتها ، و عند دحلان مئتين من الأسرى من قبيلتها ، فأسلم من قومها خلق كثير ، على حد تعبير المؤلفين في السيرة النبوية [1] .
    و لهذا وصفت بأنها كانت أكثر نسائه بركة ـ ما عدا خديجة ـ .
    فهذا نوع من التأليف للناس على الإسلام ، و الترغيب فيه ، كما كان ( صلَّى الله عليه و آله ) يتألفهم بطرق أخرى كبذل المال لهم ، و تزويجهم ، و توليتهم بعض الأمور ، و غير ذلك .
    بل نجد عمرو بن العاص يذكر لنا نوعاً من التأليف للقلوب لم يكن يخطر على بالنا ، يقول عمرو : " كان رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يقبل بوجهه و حديثه عليّ ، حتى ظننت أني خير القوم ... " .
    ثم ذكر أنه سأل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) عن نفسه ، و فلان ، و فلان ، فأخبره : أنهم أفضل منه ، فيقول عمرو : " فلوددت أني لم أكن سألته " [2] .
    3. إن زواجه بزينب بنت جحش كان لضرورة إقتضاها التشريع ، حيث إنه ( صلَّى الله عليه و آله ) كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة ، و كان العرب يعتقدون : أن آثار التبني هي نفس آثار البنوّة الحقيقية ، فيحلّ للمتبني ما يحلّ من ولده الحقيقي و يحرم عليه ما يحرم عليه منه ، و يرث ، و يعامل ـ تماماً ـ كالابن الحقيقي بلا فرق .
    و لم يكن مجال لإقتلاع هذا المفهوم الخاطئ إلا بالإقدام على عمل أساسي لا مجال للريب ، و لا للتأويل فيه .
    فكان زواج النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) من زوجة ابنه بالتبني بعد أن طلقها زيد هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم ، و هكذا كان .
    4. لقد جاء الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه و آله ) لهداية الناس و إرشادهم ، و لا بُدَّ لهم من الإيمان به ، و التسليم لأمره و نهيه . بل لا بُدَّ أن تكون له مكانة و محبة في نفوسهم تزيد على محبتهم لكل شيء آخر ، حتى المال ، و الولد ، و النفس ، بنص القرآن الكريم : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [3] .
    و لكن ، و بعد أن اضطر ( صلَّى الله عليه و آله ) إلى مواجهتهم بالحرب ، و قهرهم ، و تمكّن من السيطرة عليهم ، صار بين كثير من القبائل التي كان عدد من زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) ينتمي إليها ، و بين المسلمين ، و النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) على رأسهم ، حروب و قتلى ، و كان لقضية الثأر و الدم عند العربي أهمية خاصة ، كما ألمحنا إليه من قبل .
    نعم بعد ذلك كله ، مسّت الحاجة إلى إتباع أساليب كثيرة من أجل تأليفهم ، و إيجاد علاقات من نوع معين ، تفرض عليهم ، أو على الأقل على الكثيرين منهم ـ و النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) يهمه حتى الفرد الواحد ـ : أن يرتبطوا به ، و يتعاملوا معه تعاملاً واضحاً ، و من موقع الثقة المتبادلة ، و يقطع الطريق عليهم في أن موقف سلبي منه ، و من دعوته .
    و بعد أن يتمكن من شحنهم روحياً و عقائدياً ، يكون قد مهد الطريق للقضاء على الأحقاد و الإحن ، ليمكن ـ من خلال ذلك ـ العمل يداً واحدة من أجل هدف واحد ، و في سبيل واحد .
    و لهذا نجده ( صلَّى الله عليه و آله ) يتحمل من بعض تلك النسوة أذى كثيراً ، و يواجه صعوبات جمة معها ، و لكنه لا يبادر إلى قطع العلاقة معها نهائياً ، لأنه يتعامل مع زوجاته من موقعه السياسي الحرج ، لا من جوّ بيت الزوجية [4] .
    5. و كشاهد على ما تقدم نذكر : أن زواجه ( صلَّى الله عليه و آله ) بحفصة مثلاً كان ـ على ما يظهر ـ زواجاً سياسياً ، و يمكن أن يتضح ذلك من كلام أبيها عمر لها ، حين طلقها النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ، و أراد طلاقها مرة ثانية ، حينما تظاهرت هي و عائشة عليه ( صلَّى الله عليه و آله ) ، و اعتزلهما ، فقد قال عمر لابنته : " و الله ، لقد علمتُ : أن رسول الله لا يحبك ، و لولا أنا لطلقك رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) " [5] .
    كما و يرى البعض : أنه ( صلَّى الله عليه و آله ) أراد أن يساوي بين أبي بكر و عمر من جهة المصاهرة لكل منهما [6] .
    و معنى كلامه هذا هو أن الدافع للزواج بحفصة كان سياسياً ، و ليس هو الرغبة الجنسية الجامحة ، كما يدَّعون .
    و كذا الحال بالنسبة لزواجه بعائشة ، حيث تزوجها من أجل الاحتفاظ بولاء أبيها و أبنائه إلى جانبه .
    و حينما طلّق رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) حفصة في المرة الأولى ، حثى عمر على رأسه التراب ، و قال ما يعبأ الله بعمر ، و ابنته بعدها ، فراجعها النبي ، رحمة لعمر [7] .
    فهذا الموقف الشديد لعمر من طلاق ابنته ، جعل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) يضطّر إلى مراجعتها من جديد ! !
    و قد ذكّرها عمر بهذا الأمر حينما أراد ( صلَّى الله عليه و آله ) طلاقها في المرة الثانية فقال : " إنه قد كان طلّقك مرة ، ثم راجعك من أجلي " أو قال : إن النبي طلقك و راجعك من أجلي ، أو نحو ذلك [8] .
    و بعد ما تقدم يتضح : أنه لا يصح قولهم : إنه ( صلَّى الله عليه و آله ) إنما راجعها ، لأن جبرئيل أمره بمراجعتها ، لأنها صوامة قوامة [9] .
    خصوصاً و أن الصوامة القوامة لا تجعل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) يضطر إلى طلاقها مرتين ، ثم يراجعها من أجل أبيها .
    كذبة مفضوحة :
    و من الكذب الواضح هنا : ما روي أنه لما طلقها النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) اغتم الناس ، و دخل عليها خالها عثمان بن مظعون ، و أخوه قدامة ، فبينما هو عندها ، و هم مغتمون ، إذ دخل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) على حفصة ، و قال : يا حفصة ، أتاني جبريل ( عليه السَّلام ) آنفاً ، فقال : إن الله يقرؤك السلام ، و يقول لك : راجع حفصة ، فإنها صوامة قوامة ، و هي زوجتك في الجنة .
    و ثمة نص قريب من هذا ، و رجاله رجال الصحيح [10] كما يدّعون .
    و هذا من الكذب الواضح ، فإن عثمان بن مظعون قد توفي قبل زواج النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بها بمدّة ، و قضية الطلاق إنما حصلت في قضية لها مع مارية التي قدمت إلى المدينة سنة سبع ، أو ثمان .
    و قد قلنا إن الصوامة القوامة لا يعهد منها أن تؤذي النبي إلى حد يضطر معه إلى طلاقها مرتين .
    و التي تؤذي النبي لا يعقل أن تكون معه في الجنة ، و الله تعالى يقول : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [11] .
    و قال عزَّ و جلَّ : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا } [12] .
    و بعد هذا ، فلا يمكن أن نصدق : أن يأتي جبرئيل فيأمره بمراجعة من هذه حالها ، ثم يحكم ـ علاوة على ذلك ـ لها بالجنة [13] .
    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] سيرة المصطفى / 467 .
    [2] مجمع الزوائد : 9 / 15 ، عن الطبري بأسناد حسن ، و في الصحيح بعضه بغير سياقه ، و حياة الصحابة : 2 / 706 عن الترمذي في الشمائل : 25 .
    [3] سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 24 .
    [4] يراجع : حديث الإفك : 165 ، للعلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي .
    [5] صحيح مسلم : 4 / 165 ، و الجامع لأحكام القرآن : 18 / 190 .
    [6] مع المفسرين و المستشرقين في زواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بزينب بنت جحش : 104 .
    [7] أسد الغابة : 5 / 426 ، و الإصابة : 4 / 273 ، و الإستيعاب بهامش الإصابة : 4 / 269 ، و مجمع الزوائد : 9 / 244 عن الطبراني .
    [8] تراجع هذه النصوص في : أسد الغابة : 5 / 426 ، و مجمع الزوائد : 9 / 244 عن الطبراني و رجاله رجال الصحيح ، و الإصابة : 4 / 273 عن أبي يعلى . و راجع : سيرة مغلطاي : 48 .
    [9] طبقات ابن سعد : 8 / 58 و 59 ، و مجمع الزوائد : 9 / 244 عن البزار و الطبراني ، و أسد الغابة : 5 / 425 ، و الإستيعاب بهامش الإصابة : 4 / 269 ، و تهذيب الأسماء و اللغات : 2 .
    [10] يراجع : مجمع الزوائد : 9 / 244 عن الطبراني في الأوسط ، و في السند من لم يعرفهم ، و في : 245 ما يقرب من هذا النص ، و قال : إن رجاله رجال الصحيح ، و يراجع أيضاً : تاريخ الخميس : 1 / 416 / 417 ، و طبقات ابن سعد : 8 / 58 .
    [11] سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 61 .
    [12] سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 57 .
    [13] يراجع بعض قضاياها في بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ترجمتها في كتاب قاموس الرجال ، و كتاب عائشة للعلامة المحقق السيد مرتضى العسكري و غيرهما
    منقوول من المنتدى العربي الموحد

    تعليق


    • #3
      اللهم صل على محمد وال محمد
      مشكورة اختي العزيزة شوق اللقاء على اطلالتك البهية وبارك الله بك على الاضافة الرائعة

      لاحرمنا الله من تواجدك عزيزتي

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

      يعمل...
      X