إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

نوافذ على جيل الصحابة.

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نوافذ على جيل الصحابة.

    المقداد ابن الأسود الكندي

    اسمه ونسبه:
    اسمه الحقيقي المقداد بن عمرو البهرائي، ولكن له اسم آخر اشتهر به وهو المقداد بن الأسود الكندي. وسبب هذه التسمية والشهرة هو أن عمرو بن ثعلبة أصاب دماً في قومه فاضطر إلى الرحيل عن قومه إلى حضرموت حفاظاً على نفسه حيث حالف قبيلة كندة وتزوج امرأة منهم فولدت له المقداد الذي نشأ شجاعاً مقداماً، ووقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلاف، فضرب المقداد رجله بالسيف وهرب إلى مكة، وهناك حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنّاه وكتب إلى أبيه بذلك، فقدم عليه مكة، ومنذ ذلك اليوم صار اسمه المقداد بن الأسود نسبة لحليفه والكندي نسبةً لحلفاء أبيه.
    وقد غلب عليه هذا الاسم، واشتهر به، حتّى إذا نزلت الآية الكريمة: « أُدعوهم لآبائهم » قيل له: المقداد بن عمرو.
    وكان يكنى: أبا الأسود، أبا عمرو، أبا سعيد، وأبا معبد.
    ومن أهم ألقابه: « حارس رسول الله »، « فارس رسول الله صلّى الله عليه وآله »:

    صفاته وأخلاقه:
    كان فارع الطول، صبيح الوجه، أبيض اللون، كثير شعر الرأس، ضخم الجثة، واسع العينين مقرون الحاجبين، جميل الصورة، وكان فارساً شجاعاً ومن الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو أول فارس في الإسلام، نجيباً، خيراً، سريع التلبية لداعي الجهاد حتّى عندما كبر سِنّه، وقد قال في ذلك: « أتت علينا سورة البعوث ( سورة التوبة ) انفروا خفافاً وثقالاً ولا أجدني إلا خفيفاً.
    وكان صبوراً، طيب القلب، يتودد إلى أعدائه أملاً في خطب ودّهم نحو الإيمان والتقوى، ثابت الجنان، قوي اليقين، لا يزعزعه شيء، وقد ورد في الأثر:
    « ما بقي أحدٌ إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد ». وهو ممن ساروا على درب النبيّ محمد صلّى الله عليه وآله ولم يبدلوا ولم يغيروا، عظيم القدر، شريف المنزلة، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها من الغزوات.

    إسلامه:
    من المسلمين القدماء. ذكر ابن مسعود أنّ أول من أظهر إسلامه سبعة، وعدّ المقداد واحداً منهم، وكان يُخفي إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفاً على حياته، شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين المسلمين الذي كانوا تحت قبضة قريش عامة، وحلفائهم وساداتهم خاصة، أمثال عمّار وأبيه وبلال الذين كانوا يلاقون أشد أنواع التعذيب والتنكيل لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فما الذي يمنع الأسود بن يغوث من أن يعاقب حليفه أشد العقوبة إن شعر بأنه أسلم، ولا سيما وأن الأسود كان أحد جبابرة قريش والمعاندين لمحمد صلّى الله عليه وآله والمستهزئين به وبما جاء.
    لذلك كان المقداد يتحيّنُ الفرصَ للهروب من الحلف المزعوم الذي ما هو إلا عبودية مقيتة. وفي السنة الأُولى للهجرة حصلت له الفرصة السانحة للالتحاق بركب النبي محمّد صلّى الله عليه وآله ليكون واحداً من كبار صحابته المخلصين. فقد عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله لعمه حمزة لواءً أبيض في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترضوا قوافل قريش ويأخذوا حقوقهم المسلوبة منها، وكان هو وصاحب له اسمه ( عمرو بن غزوان ) لا يزالان في صفوف المشركين، فخرجا معهم يتوصّلان بذلك، فلما التقيا بالمسلمين انضمّا إليهم). فكانت بداية الجهاد المقدس.
    في القرآن الكريم: هناك آيات كثيرة نزلت في بعض أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله تعظيماً من الله سبحانه وتعالى لمواقفهم الكريمة ولحث الأُمة في السير على هداهم.
    عن أبي عبدالله عليه السّلام قوله تعالى: « إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غير ممنون » قال: هم المؤمنون: سلمان، والمقداد، وعمار، وأبو ذر، لهم أجرٌ غير ممنون.
    في غزوة بدر الكبرى: كانت هذه الغزوة أول معركة تقع بين جيش الإسلام بقيادة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وقريش القوة الكبرى المتجبرة، التي خرجت مستعدة للحرب بينما لم يخرج جيش النبيّ صلّى الله عليه وآله الضعيف القليل للحرب بل ليحصل على أموال المهاجرين ـ من القافلة ـ التي جردتهم منها قريش.
    والقرآن الكريم يقول في ذلك: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غيرَ ذات الشوكةِ تكون لكم ويريدُ اللهُ أن يحقَّ الحقَّ بكلماته ويقطعَ دابرَ الكافرين .
    فوجدت قريش أنها فرصة سانحة لتقضي على هذا الدين وتستعيد هيبتها بين العرب. وعلم الرسول صلّى الله عليه وآله بتحرك قريش فأعلم أصحابه واستشارهم ليكونوا على بصيرة في ذلك.
    قام المقداد فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله فنحن معك، واللهِ لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربُّك فقاتِلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
    والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه.
    وبرك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وقيل بلد في اليمن وقيل في الحبشة، فجزّاه النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثم جلس
    لقد بعثت هذه الكلمات الأمل في نفوس المسلمين بالنصر على عدوهم، وزرعت في قلوبهم الصبر على صعوبات الحرب. وقد قال عبدالله بن مسعود في ذلك:
    « لقد شهدتُ مع المقداد مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ـ ثم ذكر المقداد ـ ثم قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يشرق وجهه بذلك وسرّه وأعجبه.
    ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سيروا بنا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.
    ثم سار حتّى نزل وادي بدر ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وكان النصر للمؤمنين بحول الله وقوته.

    زواج المقداد بن الأسود:
    لقد هدم الإسلام بتعاليمه الراقية كل أنواع التمييز العنصري، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لأبيض على أسود إلا بمقدار القرب من الله سبحانه وتعالى بالإيمان الصادق والعمل الصالح والخلق الفاضل والسلوك المستقيم.
    وكان من عادات الجاهلية أنهم لا يزوجون إلا الأكفاء من بني العم، وهذا الأمر خطير للغاية على البنية الاجتماعية لأنه يقلل الزواج في المجتمع فيكثر بذلك الفسَاد.
    لقد زوَّج النبي محمّد صلّى الله عليه وآله المقداد بن الأسود ابنة عمه الزبير بن عبدالمطلب ـ ضباعة، وقد كان عبدالمطلب أفضل رجل في قريش بلا منازع، وقريش أفضل قبائل العرب بلا نظير، فأراد الرسول صلّى الله عليه وآله أن يعلم الناس بأن المسلم كفءُ المسلمة بصرف النظر عن الاختلافات الطبقية والعرقية، فلا تفاضل إلا بالتقوى، وأشرف الشرف الإسلام.
    وقد أوضح الإمام زين العابدين عليه السّلام ذلك في كتاب بعثه إلى هشام بن عبدالملك حين لامه على زواجه من أمَتِه، كتب يقول:
    « ولنا برسول الله أسوة، زوّج زينب بنت عمته زيداً مولاه، وتزوج مولاتَه بنت حيي بن أخطب ». وكتب إليه أيضاً:
    « إنه ليس فوق رسول الله صلّى الله عليه وآله مرتقىً في مجد، ولا مستزادٌ في كرم ».
    وضباعة كنيتها أم حكيم، وقد ولدت للمقداد عبدالله، وكريمة، وكانت تروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وعن زوجها المقداد، وروى عنها ابن عباس.

    من مواقفه:
    قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد ( رضي الله عنه ) يحثو عليه التراب ويقول: أمرَنا رسول الله صلّى الله عليه وآله أن نحثو في وجوه المدّاحين التراب.

    كلمات في المقداد:
    قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: ما كان فينا فارس ( أي على فرس ) يوم بدر غير المقداد بن عمرو.
    ـ وقال أبو ذر: أوَّل من قاتل على فرس في سبيل الله المقداد.
    ـ قال القاسم بن عبدالرحمان: أول من عدا فرسه في سبيل الله المقداد، وكان في الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنما منزلة المقداد في هذه الأُمة كمنزلة ألف في القرآن، لا يلزق بها شيء .
    ـ مما كتبه الإمام الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام، وشرائع الدين، والولاية لأمير المؤمنين عليه السّلام: ـ والذين مضوا على منهاج نبيهم صلّى الله عليه وآله ولم يغيروا، ولم يبدِّلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمِقداد بن الأسود .
    ـ قال أبو جعفر أحمد بن أبي عبدالله البرقي: من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام: سلمان الفارسي، المقداد.
    ـ قال أبو نعيم الأصبهاني: السابق في الإسلام، والفارس يوم الحرب والإقدام، ظهرت له الدلائل والأعلام.. أعرض عن العمالات، وآثر الجهاد والعبادات، معتصماً بالله من الفتن والبليّات .
    ـ قال ابن عبدالبر: وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار.

    وفاته ( رضي الله عنه ):
    لقد قضى المقداد نيّفاً وثلاثين سنة فارساً في ساحات الجهاد المقدس بدءاً من غزوة بدر وانتهاءً بفتح مصر! وكانت سنين التأسيس صعبة ومُرّة قاسية جاهد فيها وكابد لم تخل منه ساحة جهاد. فقد ورد في ذلك أنه شهد أحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى وافته المنية في سنة 33 هـ أو أقل ـ على اختلاف الروايات، بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ عمره سبعين سنة.
    فقد كانت له أرض في مكان قريب من المدينة يقال له الجرف، وكان يتعاهدها زراعةً وسقياً يقضي فيها أوقات فراغه ما لم يؤذن بجهاد! وذات يوم تناول زيت « الخروع » فأضرَّ به ومات منه. فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر بالصلاة عليه.
    رحمك الله يا مقداد لقد جاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده وصبرتَ على الأذى في جنب الله حتّى أتاكَ اليقين فسلامٌ من الله عليك ورحمته وبركاته.
    والشكر موصول لشبكة الإمام الرضا عليه السلام.

  • #2
    ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
    والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه.

    هؤلاء هم الصحابة الكرام الحق.
    لا المنافقين والفسقة والزناة وشراب الخمر والكذابين.

    رحمك الله يا مقداد لقد جاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده وصبرتَ على الأذى في جنب الله حتّى أتاكَ اليقين فسلامٌ من الله عليك ورحمته وبركاته.

    اي والله رحمك الله يا مقداد وسلام من الله عليك وعلى أمثالك من الصحابة الكرام الغر الميامين.

    والشكر موصول لشبكة الإمام الرضا عليه السلام.
    والشكر لكم مولاي على هذا النقل العطر لسيرة هؤلاء الرجال العظام

    والسلام.

    تعليق


    • #3
      اللهم صل على محمد و آله
      الله يبارك فيكم مولاي طالب الثأر والشكر لكم على التعليق الجميل ونعم كما ذكرتم فهؤلاء هم الصحابة الذين يترضى عنهم الشيعة والذين يجب ان يترضى عنهم كل المسلمين لاسيف الباطل خالد بن الوليد ومن هم على شاكلته واشكركم مرة اخرى على مروركم الكريم بارك الله فيكم وجزاكم ربي الف خير.

      جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه

      هذا الشهيد:
      هو جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبدمَناف.

      أُمّه:
      فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمَناف.
      إخوته: عليٌّ أمير المؤمنين عليه السّلام، وعقيل، وطالب.

      زوجته:
      أسماء بنت عُمَيس رضوان الله عليها.
      وُلِد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بمكّة المكرّمة بعد عام الفيل بعشرين سنة، وكان من المسلمين الأوائل.. حيث كان ثالثَ ثلاثة:
      • رَوَوا: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله بُعِث يوم الإثنين، وصلّى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام معه يوم الثلاثاء


      • وقال عفيف الكِنديّ ( أخو الأشعث بن قيس الكِنديّ ):
      رأيت شابّاً يصلّي، ثمّ جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما. فقلت للعبّاس بن عبدالمطّلب: هذا أمرٌ عظيم!
      قال العباس: ويحك! هذا محمّد، وهذا عليّ، وهذه خديجة.. إنّ ابن أخي حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمَرَه بهذا الدين، وواللهِ ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة •

      وذكروا: أنّ أبا طالب فقَدَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله يوماً، وكان يخاف عليه من قريش أن يَغتالوه، فخرج أبو طالب ومعه ابنُه جعفر يطلبانِ النبيَّ صلّى الله عليه وآله، فوجده قائماً في بعض شِعاب مكّة يصلّي، وعليٌّ عليه السّلام معه عن يمينه.. فلمّا رآهما أبو طالب قال لجعفر: تَقَدّمْ وصِلْ جناحَ ابنِ عمّك. فقام جعفر عن يسار النبيّ صلّى الله عليه وآله، فلمّا صاروا ثلاثةً تقدّم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وتأخّر الأخَوَان: عليٌّ وجعفر، فبكى أبو طالب ( فَرَحاً ) وقال:

      إنّ عليّـاً وجعفـراً ثِقـتـيعند مُلِمّ الخطوبِ والـنُّـوَبِلاتَخذُلا، وانصُرا ابنَ عمِّكماأخي لأُمّـي مِن بينهم وأبـيواللهِ لا أخـذلُ الـنبـيَّ ولايَخذُلُه مِن بَنِيَّ ذو حَسَب
      )


      • ودوّن الذهبيّ: عن الحسن بن زيد: إنّ عليّاً أوّلُ ذكَرٍ أسلم، ثمّ أسلَمَ زيدٌ ثمّ جعفر
      • وقد أجمع المؤرّخون والرجاليّون على أنّ جعفر الطيّار ابن أبي طالب عليه السّلام كان من السبّاقين إلى الإسلام، الذين بُشِّروا بقوله تعالى: والسّابِقُونَ السّابِقُونَ * أُولئكَ المُقَرَّبونَ * في جَنّاتِ النَّعيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلينَ * وقَليلٌ مِنَ الآخِرينَ

      في كتاب الله العزيز
      أكرمَ القرآنُ الكريم أُناساً مؤمنين، وثَمَّن مواقفهم.. كمؤمن آلِ فرعون، ومؤمن آلِ ياسين، وأصحاب الكهف، وغيرهم.
      كما شرّف المؤمنين المجاهدين الصادقين الثابتين بذِكْرٍ طيّب خالد، فنزلت آياته المباركة وثائقَ سماويّةً هي أسمى الأوسمة الإلهيّة النازلة، فجاء قوله تعالى:
      وبَشِّرِ الذينَ آمَنُوا وعمِلُوا الصالحاتِ أنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأنهارُ..


      في تفسير فرات الكوفيّ ( ص 2 ): عن ابن عبّاس قال: نَزَلتْ في: عليٍّ وحمزةَ وجعفرٍ وعُبيدةَ بنِ الحارث بن عبدالمطّلب.
      • وقولُه تعالى: وَهُدُوا إلَى الطَّيّبِ مِنَ القَولِ وهُدُوا إلى صِراطِ الحَميد


      • قال الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: ذاك حمزةُ وجعفر وعُبيدة وسلمان وأبوذرّ والمِقداد بن الأسوَد وعمّار، هُدُوا إلى أميرِ المؤمنين عليه السّلام
      • وقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُم ظُلِمُوا وإنَّ اللهَ على نَصرِهِم لَقَديرٌ


      قال الإمام الصادق عليه السّلام: نزَلَتْ في: عليٍّ وحمزةَ وجعفر

      • وقوله تعالى: الّذينَ أُخْرِجوا مِن دِيارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إلاّ أن يَقولوا: رَبُّنا اللهُ..
      قال الإمام الصادق عليه السّلام: نَزَلتْ في: عليٍّ أميرِ المؤمنين عليه السّلام، وجعفر وحمزة
      • وذكر ابن حَجَر العسقلانيّ أنّ الثعلبيّ أخرج في تفسير الآية: وعَلَى الأعرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسِيماهُم.. ..
      عن ابن عبّاس أنّ الأعراف موضعٌ عالٍ من الصراط، عليه: عليّ بن أبي طالب، وجعفر ذو الجَناحَين.. يَعرفون مُحبيّهم ببياضِ الوجوه، ومُبغضيهم بسوادِ الوجوه

      في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله
      طالما أشاد رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بمواقف أصحابه المخلصين الأوفياء، والمجاهدين الثابتين الأُمَناء، حتّى قال في معركة أُحد: لَمَقامُ نَسيبةَ بنتِ كعبٍ اليومَ خيرٌ من مَقام فُلانٍ وفلان!
      فكيف بجعفر بن أبي طالب.. وقد حَمَل رايةَ الجهاد عشرين عاماً، وهاجَرَ في سبيل الله الهِجرتَين، واستُشهِد من أجل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ؟! فهذه باقةٌ من جملة أحاديث نبويّةٍ شريفةٍ فيه:
      • روى المتّقي الهندي: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: عليٌّ أصلي، وجعفر فَرعي
      • وروى المحبّ الطبريّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قولَه: نحن بنو عبدالمطّلب ساداتُ أهل الجنّة: أنا، وحمزة، وعليّ، وجعفر بن أبي طالب، والحسن والحسين، والمهديّ
      • وعن أبي أيّوب الأنصاريّ قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله لفاطمة رضي الله عنها: منّا خير الأنبياء ـ وهو أبوكِ، ومنّا خيرُ الأوصياء ـ وهو بَعلُكِ، ومنّا خير الشهداء ـوهو عمُّ أبيكِ « حمزة »، ومنّا مَن له جَناحانِ يطير بهما في الجنّة حيث يشاء ـ وهو ابن عمّ أبيكِ « جعفر »، ومنّا سِبطا هذه الأمّة سيّدا شباب أهل الجنّة « الحسن والحسين » ـ وهما ابناكِ، ومنّا المهديّ ـ وهو وَلَدُكِ
      • وروى الشيخ الصدوق في أماليه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إنّي خُلِقتُ من طينةٍ مرحومةٍ في أربعةٍ من أهل بيتي: أنا وعليٌّ وحمزةُ وجعفر
      • ونقل الحاكم النيسابوريّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال لجعفر: أمّا أنت ـ يا جعفر ـ فأشبهتَ خَلْقي وخُلُقي، وأنت من شجرتي التي أنا منها .
      • ودوّن ابنُ الأثير هاتين الروايتين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال:
      ـ أمّا أنتَ ـ يا جعفر ـ فأشبهتَ خَلْقي وخُلُقي، وأنت مِن عترتي التي أنا منها.
      ـ رأيتُ جعفراً يطير في الجنّة مع الملائكة
      • فيما روى ابن عبدالبَرّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ وقد رأى جعفراً مُقْبِلاً من الحبشة إلى المدينة بمن معه من المسلمين ووفُد النَّجاشي، وكان المسلمون في غمرة الابتهاج بفتح خيبر ـ استقبله معانقاً إيّاه وقال: ما أدري بأيِّهِما أنا أشَدُّ فَرَحاً: أبِقُدومِ جعفر، أم بفتحِ خيبر ؟!
      قال الميرزا النوريّ: إنّ ما نزل في جعفر من الآيات، وما ورد في شأنه من الأخبار، ما يكشف عن مقامٍ هو فوق [ مقام ] العدالة بدرجات .

      خصال سامية
      في الحديث الشريف: الناس مَعادِنُ كمعادِنِ الذهب والفضة. وجعفر بن أبي طالب هو من الذوات الطاهرة النبيلة، تَرفّع عن الرذائل، وتسامى مع الفضائل، وسلك سبيل الصلاح والهدى والكرامة، فجاء الوحيُ الشريف يكرّمه:
      • عن جابر بن يزيد الجُعفيّ، عن الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قال: أوحى الله عزّوجلّ إلى رسوله صلّى الله عليه وآله: انّي شكرتُ لجعفر بن أبي طالب أربعَ خصال. فدعاه النبيُّ صلّى الله عليه وآله فأخبره، فقال ( جعفر ): لولا أنّ الله أخبرَك ما أخبرتُك: ـ
      ما شَرِبتُ خَمْراً قطّ؛ لأنّي علمتُ أن لو شربتُها زال عقلي.
      وما كَذِبتُ قطّ؛ لأنّ الكذب يُنقص المروءة.
      وما زَنَيتُ قطّ؛ لأنّي خِفتُ أنّي إذا عملتُ عُمِل بي.
      وما عبدتُ صنماً قطّ، لأنّي علمتُ أنّه لا يَضرّ ولا يَنفع.
      قال: فضرب النبيُّ صلّى الله عليه وآله يدَه على عاتقه فقال: حَقَّ لله عزّوجلّ أن يجعل لك جَناحَينِ تطير بهما مع الملائكة في الجنّة
      • وكان جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه يشبه رسولَ الله صلّى الله عليه وآله خَلْقاً وخُلُقاً. وقد كُنّي بـ: أبي عبدالله، وأبي المساكين. ولُقِّب بـ: الطيّار، وذي الجناحين. وهو أوّل مَن عقَرَ فرسَه في الإسلام.

      إلى الحبشة
      للظروف العصيبة التي مرّ بها رسول الله صلّى الله عليه وآله والمسلمون الأوائل، كان على البعض أن يهاجر إلى الحبشة، فهاجر إليها نيّفٌ وثمانون مسلماً بزعامة جعفر بن أبي طالب. ولقد أثار ذلك عداوة قريش وحفيظتَها، فأرسلت إلى ملك الحبشة ( النَّجاشيَّ ) وفداً مكوّناً من عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد محمَّلَينِ بالهدايا للملك وحاشيته، يطلبانِ بذلك أن يردّ المسلمين المهاجرين إلى قريش، فوَرَدا على الملك، وقال عمرو ـ وكان مُفاوِض قريش: أيّها الملك، إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا، وسَبّوا آلهتنا، وصاروا إليك، فرُدَّهم إلينا.
      فبعث النجاشيُّ إلى جعفر، فجاءه، فقال النجاشيّ له:
      ـ يا جعفر، ما يقول هؤلاء ؟!
      ـ أيّها الملك، وما يقولون ؟
      ـ يسألوني أن أردَّكم إليهم.
      ـ أيّها الملك، سَلْهم أعبيدٌ نحن لهم ؟
      فقال عمرو: لا، بل أحرارٌ كرام.
      قال جعفر: فسَلْهم، ألَهُم دُيونٌ يطالبوننا بها ؟
      قال عمرو: لا، ما لنا عليكم ديون.
      قال جعفر: فلكم في أعناقنا دماء تُطالبوننا بِذُحول ؟
      قال عمرو: لا.
      قال: فما تريدون منّا ؟! آذَيتمونا فخرجنا من بلادكم.
      فقال عمرو: أيّها الملك، خالَفونا في ديننا، وسَبُّوا آلهتنا، وأفسَدوا شبابنا، وفرّقوا جماعتنا،فرُدَّهم إلينا لنجمع أمرَنا.
      فقال جعفر: نعم أيّها الملك، خالفَناهم.. إن الله تعالى بعث فينا نبيّاً أمر بـ: خلْعِ الأنداد وتركِ الاستقسام بالأزلام، وأمَرَنا بالصلاة والزكاة.. وحَرَّم: الظلمَ والجور وسفكَ الدماء بغير حقّها، والزنا والربا والمِيتةَ والدم، وأمرَنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
      فقال النجاشي: بهذا بعَثَ اللهُ عيسى.. يا جعفر،هل تَحفَظ ممّا أنزَلَ الله تعالى على نبيّك شيئاً ؟
      قال: نعم.
      فقرأ جعفر على النجاشيّ سورة مريم.. فلمّا بلغ قولَه تعالى: وَهُزّي إلَيك بِجِذْع النَّخلةِ تُساقِطْ عَلَيكِ رُطَباً جَنِيّاً ، بكى النجاشيّ وقال: هذا ـ والله ـ هو الحقّ.
      وأنزلَ اللهُ تعالى في ذلك: وإذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إلى الرسولِ تَرَى أعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدُّمعِ مِمّا عَرَفُوا مِن الحقِّ يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا فآكتُبْنا مَعَ الشاهدين
      وتفشل مؤامرةُ قريش، وقد تساءل النجاشيّ عن الإسلام أراد أن يعرف معالمَه وقد شغله ذلك، فأجابه جعفر مستعرضاً ظروف مكّة والعرب والحياة الجديدة قائلاً:
      إنّ هؤلاء على شرِّ دِينٍ.. يَعبدون الحجارة ويُصلّون للأصنام، ويقطعون الأرحام، ويستعملون الظلم، ويستحلّون المحارم. وإنّ الله بعث فينا نبيّاً مِن أعظمنا قَدْراً، وأشرفِنا سراراً ( أي نَسَباً )، وأصدَقِنا لَهجةً، وأعزِّنا بيتاً.. فأمَرَ عن الله بتركِ عبادة الأوثان، واجتنابِ المظالم والمحارم، والعملِ بالحقّ، والعبادةِ لله وحده.
      فردّ النجاشيّ على عمروٍ وعمارة هداياهما وقال: أدفعُ إليكم قوماً في جواري على دين الحقّ، وأنتم على دين الباطل ؟!
      ودار بحثٌ عقائديّ بين عمروٍ وعمارة من جهة، وجعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه من جهة ثانية، والنجاشيّ يتابع الأمر وقد تناول موضوع السيّد المسيح وأمّه مريم عليهما الصلاة والسلام، انتهى ذلك البحث بتفوّق جعفر، كذلك انتهى الموضوع بخيبة عمرو وعمارة وإخفاق المؤامرة. وأقام المسلمون بأرض الحبشة حتّى وُلِد لهم الأولاد، فكان جميع أولاد جعفر قد وُلِدوا في أرض الحبشة، وعاشوا في أمنٍ وسلام
      هذا، وقد أسلم النجاشيّ على يَدَي جعفر بن أبي طالب، وكذا جماعة من أتباع النجاشيّ صرّح بذلك ابن حجر العسقلانيّ في كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة 86:2 ). وكان من النجاشيّ أن راسَلَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، وبَعَث إليه بالهدايا كرامةً ومحبّة، كذا بعث إليه بثلاثين قِسّيساً لينظروا في كلامه صلّى الله عليه وآله وآدابه، فوافَوا المدينة، ودعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الإسلام فآمَنوا، وعادُوا إلى النجاشيّ.. ومن هناك انتشر الإسلام في تلك الربوع إلى يومنا هذا

      إلى مُؤتة
      مُؤْتة هي: قرية من قرى البَلْقاء على حدود الشام ، وهي اليوم معروفة في دولة الأُردنّ.
      وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أخذ ـ بعد فتح مكّة ـ يُراسل ملوكَ العالَم يدعوهم إلى الإسلام، ومنهم ملك بُصرى إذْ أرسل إليه الحرثَ بن عُمَير الأزديّ، فعرض له شُرَحبيلُ بن عمرو فقتله بعد أن عَرَفه أنّه من رُسُل النبيّ صلّى الله عليه وآله، فكان ذلك بداية للحرب.
      حينذاك أرسل صلّى الله عليه وآله جيشاً مكوّناً من ثلاثة آلاف مقاتل، عليهم جعفر بن أبي طالب، فإنْ أُصيب فزيد بن حارثة، فإن أُصيب فعبدُ الله بن رَواحة. وكان الملتقى في البَلْقاء شرقَ نهر الأُردنّ عند « مُؤْتة » حيث جيشُ الروم وعدّتُه مائتا ألفِ مقاتل، فتكون النسبة واحداً إلى سبعين، ومع ذلك قرّر المسلمون القتالَ ومُنازلةَ العدوّ على رغم قلّتهم.. ثلاثة آلاف مقابل مائتي ألف!
      ويتقابل الجيشان.. وتنشب المعركة، فما كان من جعفر إلاّ أن قطع عُرقوبَ فَرَسِه؛ تشجيعاً منه لجيشه وهو قائده، فكان أوّلَ مَن عَرْقبَ فَرَسَه في الإسلام. وتشتدّ المعركة واللواء بيد جعفر وهو يزحف بالمسلمين على قلّتهم، وتتساقط عُلوج الروم وهو يرتجز قائلاً:

      يا حَبّذا الجنّـةُ واقتِرابُـهاطيّبـةٌ وبـاردٌ شَـرابُـهاوالرومُ رومٌ قد دَنا عذابُهاكافـرةٌ، بَعيدةٌ أنسـابُـها
      حتّى قُطِعت يمينُه، فأخَذ السيفَ ( أو الراية ) بشماله، حتّى إذا قُطعت شماله ضَمَّ الرايةَ إلى صدره ختّى سقط صريعاً شهيداً.. فتناول اللواءَ منه زيدُ بن حارثة، فلمّا استُشهِد تناوله عبدُالله بن رواحة .
      والتُمِس جعفر من بين الشهداء.. فوُجِدَ فيما أقبل مِن جسمه بضعٌ وتسعون بين طعنةٍ ورمية .

      الذِّكر الجَميل
      • قال قيس بن سعد بن عُبادة لمعاوية في ذِكْر الأبطال: منهم جعفر بن أبي طالب، الطيّار في الجنّة بجناحين، اختصّه اللهُ بذلك مِن بين الناس .
      • وقال أبو هريرة: كان جعفر يحبّ المساكين ويجلس إليهم، ويحدثّهم ويحدّثونه، فكان رسول الله يُكنّيه « أبا المساكين » .
      • قال الشعبيّ: كان عبدالله بن عمر إذا حَيّى عبدَالله بن جعفر قال له: السلام عليك يا ابنَ ذي الجَناحَين
      • وقال ابن عبدالبَرّ: كان جعفر من المهاجرين الأوّلين، هاجَرَ إلى الحبشة وقَدِم منها على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاعتنقه وقال: ما أدري بأيّهما أنا أشدُّ فَرَحاً: أبِقُدوم جعفر، أم بفتحِ خيبر ؟! واختطّ له رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إلى جنب المسجد
      • وقال ابن حجر العسقلانيّ: جعفر.. ابن عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأخو عليٍّ شقيقه... استُشهِد بمؤتة من أرض الشام مُقْبِلاً غير مُدِبر، مجاهداً للروم سنة ثمانٍ من الهجرة في جُمادى الأُولى
      • وقال الذهبيّ: جعفر بن أبي طالب الشهيد، الكبير الشأن، هاجر الهجرتين: إلى الحبشة وإلى المدينة، فأقام بالمدينة أشهراً ثمّ أمّره رسولُ الله صلّى الله عليه وآله على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستُشهِد
      • وقال اليافعيّ: ومن فضائل جعفر: إرسالُ النبيّ صلّى الله عليه وآله إيّاه أميراً، وحصول الهجرتين له ولأصحابه، وصدقُه بين يدَي النجاشيّ في أنّ عيسى صلوات الله وسلامه عليه عبدُ الله ورسولُه، مع اتّخاذ النصارى له إلهاً وقتلِهم مَن يصف المسيح بكونه عبداً، وإسهامُ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله له ولأصحابه يومَ خيبر ( مع عدم حضورهم فيها ) ولم يكونوا شهِدوا الواقعة، وشدّةُ شفقةِ جعفر على المساكين وبرُّه لهم ـ كما ورد في الحديث
      • وقال محيي الدين النوويّ: هو أبو عبدالله جعفر بن أبي طالب، الهاشميّ، الطيّار، ذو الجناحَين، وذو الهجرتَين، الجواد أبو الجواد، كان مِن متقدّمي الإسلام، وهاجر إلى الحبشة، وكان هو وأصحابه سببَ إسلام النجاشيّ رحمه الله • وقال علي سامي النشّار: انقضّ جعفر على الروم يقتل فيهم يميناً وشمالاً، ولكن ما لبثت سيوفهم أن قَطَعت يمينه، فأخذ اللواءَ بشماله فقُطعت، فاحتَضَن اللواءَ بعَضُدَيه، فضربوه بسيوفهم حتّى قطعوه، وأقبل عليه المسلمون فوجدوا فيما بقيَ من بدنه تسعين ضربة.. بين طعنةٍ برمح وضربةٍ بسيف .
      • وقال خيرالدين الزركليّ: صحابيٌّ هاشميّ، مِن شجعانهم، يقال له: جعفر الطيّار. وهو أخو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ومن السابقين إلى الإسلام، أسلَمَ قبل أن يدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله دار الأرقم ويدعو فيها. وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، فلم يَزَل هناك إلى أن هاجر النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة.. • وقال محمّد حسين هيكل: تناول الرايةَ من يد النبيّ صلّى الله عليه وآله جعفر ـ وهو يومئذٍ في الثالثة والثلاثين من عمره ـ شابّ تعدل وسامته شجاعته، وقاتل بالراية.. حتّى إذا أحاط العدوُّ بفرسه اقتحم عنها فعَرقَبَها واندَفَع بنفسه وسط القوم، يَهوي سيفُه برؤوسهم حيثما وقع. وكان اللواء بيمينه فقُطعت، فأخذه بشماله فقُطعت، فاحتضنه بعضُدَيه حتّى قُتِل..
      زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب.. اللذانِ اقتحما صفوفَ الموت، وطارا للاستشهاد فَرَحاً .

      رحم الله جعفراً.. تنزّه عن المحارم، وعفّ عن الرذائل، وتألقّ في المكرمات، حتّى اختار اللهُ تعالى له درجات العُلى.

      تعليق


      • #4
        أحسنتم مولانا المبرقع الموسوي أثابكم الله بكل حرف حسنة

        استمروا مولاي بهذا النقل العطر ليعرف المخالف بأننا لا نكره ولا نكفّر الصحابة كما يفتري علينا الخصوم.
        بل غاية الأمر أننا نميز الخبيث من الطيب مصداقا لقوله تعالى:
        قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ


        أنّ الأعراف موضعٌ عالٍ من الصراط، عليه: عليّ بن أبي طالب، وجعفر ذو الجَناحَين.. يَعرفون مُحبيّهم ببياضِ الوجوه، ومُبغضيهم بسوادِ الوجوه

        اللهم بيّض وجوهنا يوم تسود الوجوه ولا تسوده يوم تبيض الوجوه
        اللهم ارزقنا شفاعة الأبرار الأطهار وألحقنا بالصديقين والأخيار
        بحق محمد (صلى الله عليه وآله) وآل محمد

        تعليق


        • #5
          الله يبارك فيكم مولاي طالب الثأر وسدد الله خطاكم واثابكم


          حذَيفَة بنُ اليَمان

          مَن هو حذيفة ؟
          حُذَيفة بن اليَمان العَبْسيّ، من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، أحد الأركان، سكَنَ الكوفة وتُوفّي في المدائن. قُتل أبوه في معركة « أُحد ».. قتله المسلمون خطأً يحسبونه من العدوّ، وحذيفة يصيح بهم فلم يفقهوا قوله حتّى قُتل، فلمّا رأى حذيفة أنّ أباه قد قُتل استغفر للمسلمين قائلاً: يغفر اللهُ لكم وهو أرحم الراحمين، فبلغ ذلك رسولَ الله صلّى الله عليه وآله فزاده عنده خيراً، وحُكي أنّ له درجةَ العلم بالسُّنّة
          كان حُذَيفة والياً على المدائن في أيّام عثمان، فلمّا قُتل عثمان أقرّه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام على عمله وكتب عهدَه إليه وإلى أهل المدائن، وكان فيما كتبه إليهم: قد وَلّيتُ أمورَكم حذيفةَ بن اليمان، وهو ممّن أرتضي بِهُداه وأرجو صلاحه، وقد أمرتُه بالإحسان إلى محسنكم والشدّة على مُريبكم والرِّفق بجميعكم، أسأل اللهَ تعالى لنا ولكم حُسنَ الخِيرة والإحسان ورحمتَه الواسعة في الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          أخلاقه
          تمتّع الصحابي حُذَيفة بن اليَمان بروحيّة عالية، وأخلاقٍ سامية.. حتّى وجدناه يدعو لقتَلَة أبيه خطأً بالمغفرة، ولم يضمر في قلبه شيئاً من الحقد أو الثأر الجاهلي في قلبه قطّ.
          وأمّا مع أمّه.. فيكفي ما رواه حذيفة نفسه، قال: سألَتني أمّي: متى عهدُك بالنبيّ ؟ فقلت لها: منذ كذا وكذا. فنالت منّي وسبّتني، فقلت لها: دَعيني؛ فإنّي آتي النبيّ صلّى الله عليه وآله فأصلّي معه المغرب، ثمّ لا أدَعُه حتّى يستغفر لي ولكِ.
          قال: فأتيتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله العشاء ثمّ انفتل فتَبِعتُه، فعرض له عارض فناجاه ثمّ ذهب، فاتّبعته، فسمع صوتي فقال: مَن هذا ؟! فقلت: حذيفة، قال: ما لك ؟! فحدّثتُه بالأمر فقال: غفر اللهُ لك ولأُمّك
          وكان من أخلاق حُذَيفة: النصيحة الصادقة الواضحة لجميع المسلمين، فقد حرص على تبيين الحقائق لهم جليّةً ناصعة؛ لكي لا يتوهّموا فيَضِلّوا ويُضِلّوا، وكان حذيفة حكى لفتىً من الأعاجم شيئاً عن المنافقين، فصار ذلك الفتى من المخلصين لأمير المؤمنين عليه السّلام، حتّى لَحِق به فاستُشهِد معه في معركة الجمل بعد أن أخذ المصحفَ ودعا القوم إليه، فقُطِعتْ يداه رضوان الله عليه.

          علمه
          إنّ صحبة النبي صلّى الله عليه وآله لم تنفع من الصحابة إلاّ من صدّق وسلّم، ووالى بقلبه وروحه، وصدق بإيمانه. وكان من هؤلاء: حُذَيفة بن اليمان، فوُفّق لأخذ المعارف العالية عن منبعِها الإلهيّ.. فحُكي أنْ كان له درجةُ العلم بالسُّنّة، وجاء عن السيّد محمّد مهدي بحر العلوم قوله: إنّه يُستفاد من بعض الأخبار أنّ لحذيفة درجةَ العلم بالكتاب أيضاً
          وكان حذيفة رجلاً سَؤولاً باحثاً عن الحقائق العميقة، منتفعاً بها في حياته ومواقفه.. روى خالد بن خالد اليشكري قال: خرجتُ سنة فتح « تُسْتَر » حتّى قَدِمتُ الكوفة فدخلتُ المسجد.. فإذا أنا بحلقةٍ فيها رجل جَهْمٌ من الرجال، فقلت: مَن هذا ؟! فقال القوم: أما تعرفه ؟! فقلت: لا، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
          قال: فقعدتُ إليه، فحدّثَ القومَ فقال: إنّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ. فأنكر ذلك القومُ عليه، فقال: سأُحدّثكم بما أنكرتُم، إنّه جاء أمر الإسلام فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنتُ أُعطِيتُ من القرآن فقهاً، وكانوا يجيئون فيسألون النبيَّ صلّى الله عليه وآله، فقلت أنا: يا رسولَ الله، أيكون هذا الخير شرّاً ؟! ( وفي رواية: أيكون بعد هذا الخير شرّ ؟! )، قال: نعم، قلت: فما العصمة منه ؟ قال: السيف، قلت: وما بعد السيف بقية ( تقيّة ـ في نسخة أخرى ) ؟ قال: نعم، يكون إمارة على أقذاء، وهِدنة على دَخَن، قلت: ثمّ ماذا ؟ قال: ثمّ تفشو دعاة الضلالة ( رعاة الضلاة ـ في نسخة أخرى )، فإنْ رأيتَ يومئذٍ خليفةَ عدلٍ فالزَمْه، وإلاّ فمُتْ عاضّاً على جِذْلِ شجرة .
          قال المجلسيّ في بيان ذلك: يُقال رجلٌ جَهْمُ الوجه: أي كالحُه. وقال الجزري في ( النهاية ) في الحديث: هِدنة على دَخَن، وجماعة على أقذاء.. دَخَنت النار إذا أُلقيَ عليها حطب رطب فكثر دخانها، أي على فسادٍ واختلاف، تشبيهاً بدخان الحطب والرطب؛ لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر. وجاء تفسيره للحديث أنّه: لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، أي لا يصفو بعضها لبعض، ولا ينصع حبّها كالكدورة التي في لون الدابّة. والأقذاء جمع قَذى، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تُرابٍ أو تبن أو وسخ أو غير ذلك..
          وفي بيان آخر للشيخ المجلسي: وفي بعض الروايات: قلت: يا رسول الله، الهدنة على الدَّخَن ما هي ؟ قال: لا يرجع قلوب أقوامٍ على الذي كانت عليه. ويُروى « جماعة على أقذاء » يقول: يكون اجتماعهم على فسادٍ من القلوب، شبّهه بأقذاء العين.
          وأقول: رواه ( ابن الأثير ) في ( جامع الأصول 414:10 ـ 417 ) بأسانيد عن: البخاري ومسلم وأبي داود. وفي بعض رواياته: « وهل للسيف من تقيّة ؟! »، وفي بعضها: « قلت: وبعد السيف ؟ قال: تقيّة على أقذاء، وهدنة على دخن ». وفي شرح السُّنّة: أي هل بعد السيف شيء يُتّقى به من الفتنة، أو يُتّقى ويُشفَق به على النفس ؟ وجِذْل الشجرة أصلها، والمعنى: مُتْ معتزلاً عن الخَلْق حتّى تموت ولو احتَجْتَ إلى أن تأكل أُصول الأشجار، ويُحتمَل أن يكون كنايةً عن شدّة الغيظ
          ولعلّ سائلاً يقول: لماذا يفتّش حُذَيفة عن غوامض المستقبل وخوافيه ؟ دعونا نسمع من حذيفة نفسه جواب ذلك، حيث يقول: إنّه كان أصحابُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يسألونه عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ مخافةَ أن أقعَ فيه!
          ويقول حذيفة أيضاً: لو كنتُ على شاطئ نهرٍ وقد مَدَدتُ يدي لأغتراف، فحدّثتكم بكلّ ما أعلم، فما وَصلَت يدي إلى فمي حتّى أُقتل!
          إذن.. أحسّ حذيفة أنّ عواصفَ عاتية ستُقبل كقِطَع الليل المظلم، فلابدّ أن يعرف من أين تنبعث، وكيف النجاة منها، وبماذا يكون الاعتصام ؟ ولابدّ أن يُميّز أهلَ الحقّ عن أهل الباطل، ليعرف مَن يُوالي، ومَن يعادي ويتبرّأ منهم ؟ ولذا وقف على البيّنة، ولم يسقط في الفتنة! ولازم الحقّ وصبر وثبت ونصح.
          عن أبي أُمامة قال: كتب أبو ذرّ الغفاري إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يشكو إليه ما صنع به ( فلان ): بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعدُ يا أخي، فَخَفِ اللهَ مَخافةً يكثر منها بكاءُ عينَيك، وحَرِّرْ قلبك، وسَهِّرْ ليلك، وأنصِبْ بدنك في طاعة ربّك، فحقّ لمَن علم أنّ النار مثوى مَن سَخِط اللهُ عليه أن يطول بكاؤُه ونَصَبُه وسَهَرُ ليله حتّى يعلم أنْ قد رضيَ اللهُ عنه، وحقّ لمَن علم أنّ الجنّة مثوى مَن رضيَ الله عنه أن يستقبل الحقَّ كي يفوز بها، ويستصغرَ في ذاتِ الله الخروجَ مِن أهله وماله، وقيامَ ليله وصيام نهاره، وجهادَ الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتّى يعلمَ أنّ الله أوجَبَها له، وليس بعالِمٍ ذلك دون لقاء ربّه، وكذلك ينبغي لكلّ مَن رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه أن يكون. يا أخي، أنت ممّن أستريح إلى التصريح إليه بَثّي وحُزني، وأشكو إليه تَظاهُر الظالمين علَيّ. إنّي رأيتُ الجور يُعمَل به بعيني وسمعتُه يُقال فرَدَدتُه، فحُرِمتُ العطاء، وسُيِّرتُ إلى البلاد، وغُرِّبتُ عن العشيرة والإخوان وحَرَمِ الرسول صلّى الله عليه وآله، وأعوذ بربيَّ العظيم يكون هذا أن منّي له شكوى أن ركب منّي ما ركب، بل أنبأتك أنّي قد رضيتُ ما أَحبَّ ربّي وقَضاه علَيّ، وأفضيتُ ذلك إليك لتدعوَ اللهَ لي ولعامّة المسلمين بالرَّوح والفَرَج، وبما هو أعمُّ نفعاً وخيرٌ مَغبّةً وعُقبى، والسلام.
          فكتب إليه حُذَيفة: بسم الله الرحمن الرحيم، فقد بلغني كتابك تُخوّفُني به وتحذّرني فيه مُنقَلَبي، وتَحُثّني فيه على حظّ نفسي، فقديماً يا أخي كنتَ بي وبالمؤمنين حفيّاً لطيفاً، وعليهم حَدِباً شفيقاً، ولهم بالمعروف آمِراً وعن المنكر ناهياً، وليس يهدي إلى رضوان الله إلاّ هو، لا إله إلاّ هو، ولا يُتناهى مِن سخطه إلاّ بفضل رحمته وعظيم مَنّه، فنسأل الله ربَّنا لأنفسِنا وخاصّتِنا وعامّتنا وجماعةِ أُمّتنا مغفرةً عامّة ورحمةً واسعة، وقد فهمتُ ما ذكرتَ من تسييرك يا أخي وتغريبك وتطريدك، فعَزّ ـ واللهِ ـ علَيّ يا أخي ما وصل إليك من مكروه، ولو كان يُفتدى ذلك بمالٍ لأعطيتُ فيه مالي طيّبةً بذلك نفسي، يصرف اللهُ عنك بذلك المكروه...
          إلى أن قال: فكأنّي وإيّاك قد دُعينا فأجَبْنا، وعُرِضْنا على أعمالنا فاحتَجْنا إلى ما أسلَفْنا. يا أخي ولا تأسَ على ما فاتك ولا تَحزَنْ على ما أصابك واحتَسِبْ فيه الخير، وارتَقِبْ فيه من الله أسنى الثواب. يا أخي لا أرى الموت لي ولك إلاّ خيراً من البقاء، فإنّه قد أظَلَّتْنا فِتنٌ يتلو بعضُها بعضاً كقِطَع الليل المظلم، قد ابتُعِثتْ من مركبها، ووُطئت في حطامها، تُشهَر فيها السيوف، وينزل فيها الحتوف، يُقتَل فيها مَن اطّلع لها والتَبَس بها وركض فيها، ولا تبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر إلاّ دخلت عليهم، فأعزُّ أهل ذلك الزمان أشدُّهم عُتوّاً، وأذلُّهم أتقاهم، فأعادنا اللهُ تعالى وإيّاك من زمانٍ هذه حال أهله فيه، فلن أدَعَ الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار، وقد قال الله سبحانه ـ ولا خُلْفَ لموعوده ـ: ادعُوني أستَجِبْ لكُم إنّ الذينَ يَستَكبرونَ عن عِبادَتي سَيَدخُلونَ جَهنّمَ داخِرين ، فنستجير بالله من التكبّر عن عبادته، والاستنكافِ عن طاعته، جعَلَ اللهُ لنا ولك فَرَجاً ومَخرجاً عاجلاً برحمته، والسلام عليك .
          وهكذا جمع حذيفة إلى المعارف التي دوّنها في رسالته، مواساةً أخويّة كانت سلوى وعزاءً لأبي ذرّ الغفاريّ إذ كان يعيش محنته في تلك الغربة، فجاءت رسالة حذيفة كالماء البارد على صدر الظمآن، ولا ندري كم أدخلت من السرور على قلب أبي ذرّ وهو يقرأ كلمات حذيفة التي كانت تطفح على رسالته معاني الإيمان والأخلاق والروح الأخوية العميقة في مشاطرته مآسيه رضوان الله تعالى عليهما.. وقد يحبّ المرءُ أن يسمع ما يعلمه أو يقرأ ذلك من خطّ أخيه المؤمن، فيكون ذلك بلسماً لجراحه، ورواءً لغليله.
          وكان حذيفة ناصحاً صادقاً، للقريب والبعيد، مُفصحاً عن الحقّ ومبيّناً للحقائق، وكان نفّاعاً في كلامه يُدلي به عن قلب مخلص محبٍّ للخير.. عن الثُّمالي قال: دعا حذيفةُ ابن اليمان ابنَه عند موته فأوصى إليه وقال: يا بُنيّ، أظْهِرِ اليأس عمّا في أيدي الناس؛ فإنّ فيه الغنى، وإيّاك وطلَبَ الحاجاتِ إلى الناس؛ فإنّه فَقرٌ حاضر، وكُن اليومَ خيراً منك أمس، وإذا أنت صلّيتَ فصَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ للدنيا كأنّك لا تَرجِع، وإيّاك وما يُعتَذَر منه
          كلمات مستفادة من أحاديث النبيّ المصطفى والوصيّ المرتضى صلوات الله عليهما وآلهما، تَرشّحَت من قلب حُذَيفة بعد أن انتفع من صحبته لهما وولايته إيّاهما، فأخذ مستفيداً ومُفيداً رضوان الله عليه.

          ولايته
          أمّا ولاية حُذَيفة بن اليمان لمحمّدٍ وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم فهي جليّة واضحة في جانبيها: التولّي لهم، والبراءة من أعدائهم. وقد كان هذا الصحابيّ موفّقاً في تلقّي المعارف العالية والمعاني الخاصّة عن البيت النبويّ الشريف؛ لِما كان فيه من الإيمان الصادق والتقوى العميقة، والتسليم للرسول وللرسالة، والتصديق والأخذ الصادق، والمحبّة والولاء لآل البيت الميامين صلوات الله عليهم أجمعين، والتقديس والإجلال والأدب الرفيع لأهل بيت الوحي..
          عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال: لقيَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله حُذَيفةَ فمدّ النبيُّ صلّى الله عليه وآله يدَه، فكَفَّ حُذيفة يدَه، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: يا حذيفة، بَسَطتُ يدي إليك فكَفَفتَ يدَك عنّي ؟! فقال حذيفة: يا رسول الله، بيدك الرغبة؛ ولكنّي كنتُ جُنُباً فلم أُحبَّ أن تَمسَّ يدي يدك وأنا جُنُب، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: أما تعلم أنّ المسلمَينِ إذا التَقَيا فتَصافَحا تَحاتّتْ ذنوبُهما كما يَتحاتُّ ورقُ الشجر ؟

          وكان حذيفة ممّن يحرسون النبيَّ صلّى الله عليه وآله، فلمّا نزل قولُه تعالى: واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناس قال صلّى الله عليه وآله لحرّاسه: إلحَقوا بمَلاحِقكم؛ فإنّ الله عَصَمني من الناس
          وقد شارك حذيفة في الجهاد بين يدَي رسول الله صلّى الله عليه وآله وأبلى وعانى، فروى يوماً قائلاً: واللهِ لقد رأينا يوم الخندق ( غزوة الأحزاب ) وبنا مِن الجَهد والجُوع والخوف ما لا يعلمه إلاّ الله، وقام رسول الله صلّى الله عليه وآله فصلّى ما شاء الله من الليل ثمّ قال: ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم يجعله اللهُ رفيقي في الجنّة ؟ قال حذيفة: فوَ اللهِ ما قام مِنّا أحدٌ ممّا بنا من الخوف والجهد والجوع، فلمّا لم يَقُم أحد دعاني فلم أجد بُدّاً من إجابته، قلت: لبّيك، قال: اذهَبْ فجِئْني بخبر القوم، ولا تُحْدِثَنّ شيئاً حتّى ترجع.
          قال: وأتيتُ القومَ فإذا ريح الله وجنوده يُفعَل بهم ما يُفعَل، ما يَستَمسك لهم بناء ولا يَثبُت لهم نار، ولا يطمئنّ لهم قِدْر، فإنّي كذلك إذ خرج أبو سفيان مِن رَحْله ثمّ قال: يا معشرَ قريش، لينظرْ أحدُكم مَن جَليسُه. قال حذيفة: فبدأتُ بالذي عن يميني فقلت: مَن أنت ؟!
          قال: أنا فلان. ثمّ عاد أبو سفيان براحلته فقال: يا معشر قريش، واللهِ ما أنتم بدارِ مُقام، هلك الخُفُّ والحافر، وأخلَفَتْنا بنو قُرَيظة، وهذه الريح لا يَستَمسك لنا معها شيء. ثمّ عجّل فركب راحلته وإنّها لَمعقولة ما حلّ عِقالها إلاّ بعدما ركبها.
          قال حذيفة: قلت في نفسي: لو رَمَيتُ عدوَّ الله فقَتَلتُه كنتُ قد صَنَعت شيئاً، فوَتَّرت قوسي ثمّ وضعتُ السهمَ في كَبِد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتلَه، فذكرتُ قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تُحْدِثنّ شيئاً حتّى ترجع، فحططتُ القوس ثمّ رجعتُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يصلّي، فلمّا سمع حسّي فرّج بين رَحْلَيه فدخلتُ تحته، وأرسل علَيّ طائفةً من مَرطه ( إزار خَزّ )، فركع وسجد، ثمّ قال: ما الخبر ؟ فأخبرته
          وروى ابن شهرآشوب فيما ورد مِن سَبي الفُرس إلى المدينة، أنّ جماعةً رغبت في بنات الملوك، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لعمر: تُخيّرهُنّ ولا تُكرههنّ. فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجر، فحجبت وأبت، فقيل لها: أيا كريمةَ قومها، مَن تختارين مِن خُطّابكِ ؟ وهل أنتِ راضية بالبعل ؟ فسكتت، فقال أمير المؤمنين: قد رضِيتْ وبقيَ الاختيار بَعدُ، سكوتُها إقرارها. فأعادوا القول في التخيير، فقالت: لستُ ممّن يَعدِل عن النور الساطع، والشهاب اللامع، الحسين إن كنتُ مخيَّرة، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: لمَن تختارين أن يكون وليَّكِ ؟ فقال: أنت.
          فأمر أميرُ المؤمنين عليه السّلام حُذَيفةَ بن اليَمان أن يخطب، فخطب، وزُوِّجتْ من الحسين عليه السّلام..
          ولِمَقامٍ بلَغَه حُذَيفة.. حظيَ أن يُعرَّف ببعض الأسرار، حتّى قال ابن الأثير حين تعرّض للتعريف به في كتابه ( أُسد الغابة في معرفة الصحابة ): إنّه كان صاحبَ سرِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في المنافقين، لم يَعلَمْهم أحدٌ إلاّ حُذَيفة، أعلَمَه بهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله.
          وفي بعض بياناته الشريفة.. قال الإمام عليّ عليه السّلام في حذيفة: ذاك امرؤٌ عَلِم أسماءَ المنافقين، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عارفاً
          وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد كشف لحذيفة مشهداً رأى فيه المنافقين الذين كانوا يُظهرون الإسلام ويستبطنون الكفر، ويريدون قتل النبيّ صلّى الله عليه وآله والغدر بأهل بيته عليهم السّلام
          وبقي حذيفة رضوان الله عليه على بصيرةٍ من أمره، وقد التزم بولاية مَن أمر اللهُ تعالى بالتمسّك بولايتهم، وجابه المنافقين، وحذّر من المارقين والناكثين والقاسطين.. فقال يوماً للناس: لو أُحدّثكم بما سمعتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله لَوَجهتُموني ( وفي نسخة: لَرجمتُموني )، قالوا: سبحانَ الله! نحن نفعل ؟! قال: لو أُحدّثكم أنّ بعض أُمّهاتكم تأتيكم في كتيبةٍ كثيرٍ عددُها، شديدٍ بأسُها، تقاتلكم، صدّقتُم ؟ قالوا: سبحان الله! ومَن يُصدِّق بهذا ؟! قال: تأتيكم أمُّكم ( فلانة ) في كتيبةٍ يسوق بها أعلاجها من حيث تسوء وجوهُكم!
          وعن حَبّة العُرَني قال: سمعتُ حُذَيفة قبل أن يُقتلَ عثمان بسنة وهو يقول: كأنّي بأمّكم ( فلانة ) قد سارت يُساق بها على جملٍ وأنتم آخذون بالشَّوى والذَّنَب، معها الأزْد أدخلَهمُ اللهُ النار، وأنصارها بنو ضَبّة جَدّ اللهُ أقدامَهم.
          قال: فلمّا كان يوم الجمل وبرز الناس بعضُهم لبعض، نادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يَبدأنَّ أحدٌ منكم بقتالٍ حتّى آمُرَكم. قالوا: فرَمَوا فينا، فقلنا: يا أمير المؤمنين قد رُمِينا! فقال: كفُّوا. ثمّ رمونا فقتلوا منا، قلنا: يا أمير المؤمنين قد قتلونا! فقال: احملوا على بركة الله. قال: فحمَلْنا عليهم، فأنشب بعضنا في بعضٍ الرماحَ حتّى لو مشى ماشٍ لمشى عليها.
          ثمّ نادى منادي عليٍّ عليه السّلام: عليكم بالسيوف. فجعَلْنا نضرب بها البِيض فتنبو لنا، قال: فنادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: عليكم بالأقدام. قال: فما رأينا يوماً كان أكثرَ قطعِ أقدامٍ منه، قال: فذكرتُ حديث حذيفة: أنصارُها بنو ضبّة جَدَّ اللهُ أقدامهم. فعلمتُ أنّها دعوة مستجابة، ثمّ نادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: عليكم بالبعير؛ فإنّه شيطان! قال: فعَقَره رجلٌ برمحه، وقطع إحدى يديه رجلٌ آخر فبرك ورغا، وصاحت المرأة صيحة شديدة فولّى الناس منهزمين، فنادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تُجيزوا على جريح، ولا تتّبعوا مُدْبِراً، ومَن أغلق بابه فهو آمن، ومَن ألقى سلاحه فهو آمن
          وأمّا في تذكير حذيفة الناسَ بفضائل أهل البيت عليهم السّلام، فمواقفه كثيرة وشجاعة في هذا الأمر، لم يكن يخاف في الله لومة لائم، وكان مبادراً هو بنفسه للإقرار بإمامة أمير المؤمنين عليه السّلام..
          عن أبي راشد قال: لمّا أتى حذيفةُ ببيعة عليٍّ عليه السّلام، ضرب بيده واحدةً على الأخرى وبايع له، وقال: هذه بيعة أمير المؤمنين حقّاً..
          وفي المدائن ـ وكان والياً عليها في زمن عثمان ـ ثبّته أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ذلك عليها، فصَعِد حذيفة المنبر فحَمِد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ وآله، ثمّ قال: الحمُد لله الذي أحيا الحقَّ وأمات الباطل، وجاء بالعدل وأدحض الجور وكبت الظالمين. أيّها الناس، إنّما وليُّكمُ اللهُ ورسولُه وأمير المؤمنين حقّاً حقّاً، وخيرُ مَن نعلمه بعد نبيّنا محمّدٍ رسولِ الله، وأولى الناس بالناس، وأحقُّهم بالأمر وأقربُهم إلى الصدق وأرشدُهم إلى العدل، وأهداهم سبيلاً، وأدناهم إلى الله وسيلة، وأمسُّهم برسول الله صلّى الله عليه وآله رَحِماً. أنيبوا إلى طاعةِ أوّل الناس سلماً، وأكثرِهم علماً، وأقصدهم طريقاً، وأسبقهم إيماناً، وأحسنهم يقيناً، وأكثرهم معروفاً، وأقدمهم جهاداً، وأعزِّهم مَقاماً، أخي رسول الله وابنِ عمّه، وأبي الحسن والحسين، وزوج الزهراء البتول سيّدةِ نساء العالمين، فقوموا ـ أيُّها الناس ـ فبايعوا على كتاب الله وسُنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله؛ فإنّ لله في ذلك رضىً ولكم مقنع وصلاح، والسلام.
          فقام الناسُ بأجمعهم فبايعوا أميرَ المؤمنين عليه السّلام أحسنَ بيعةٍ وأجمعها..
          وقال يوماً لربيعة بن مالك السعدي: يا ربيعةُ، اسمعْ منّي وعِهْ واحفَظْه وقِه، وبلّغ الناسَ عنّي، إنّي رأيتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وقد أخذ الحسينَ بن علي ووضَعَه على مَنْكِبه وجعل يقي بعقبه وهو يقول: أيُّها الناس، إنّه مِن استكمال حُجّتي على الأشقياء من بعدي التاركين ولايةَ عليّ بن أبي طالب.. ألا وإنّ التاركين ولايةَ عليّ بن أبي طالب هم المارقون مِن ديني..
          وقال لربيعة بن مالك أيضاً: والذي نَفْس حُذَيفة بيده، لو وُضع جميع أعمال أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وآله في كفّة الميزان منذ بعَثَ الله محمّداً صلّى الله عليه وآله إلى يوم الناس هذا، ووُضِع عملُ واحدٍ من أعمال عليٍّ عليه السّلام في الكفّة الأخرى، لرجح على أعمالهم كلّها.
          ( ثمّ ذكر حذيفة يومَ الخندق وقتلَ عليٍّ عليه السّلام عمرَو بن عبد ودّ العامريّ.. حتّى قال: ) والذي نفس حذيفة بيده، لَعملُه ذلك اليومَ أعظمُ أجراً مِن أعمال أُمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وآله إلى هذا اليوم.. وإلى أن تقوم الساعة. ( رواه ابن أبي الحديد في: شرح نهج البلاغة 61:19 )
          وممّا رواه الشيخ الطوسي أنّه لمّا قَدِم الحسين ( وفي نسخةٍ: الحسن ) بن عليّ صلوات الله عليهما، وعمّار بن ياسر رضي الله عنه، يستنفرانِ الناس.. خرج حذيفة رحمه الله وهو مريضٌ مرضَه الذي قُبِض فيه، فخرج يتهادى بين رجلين ( أي يتمايل )، فحرّضَ الناس وحثّهم على اتّباعِ عليٍّ عليه السّلام وطاعتهِ ونُصرته، ثمّ قال:
          ألا مَن أراد ـ والذي لا إله غيرهُ ـ أن ينظر إلى أمير المؤمنين حقّاً حقّاً، فينظرْ إلى عليّ بن أبي طالب.. ألا فوازِرُوه واتّبِعوه وانصروه
          فعاش حذيفةُ بن اليَمان على بصيرةٍ وهُدى، وقال حقّاً ودعا إلى خيرٍ وصلاح وفلاح، وتُوفّي على الولاية والهداية رضوان الله تعالى عليه.

          تعليق


          • #6
            خُزيمَة بن ثابت الأنصاريّ

            النسب والسبب:
            خزيمة بن ثابت بن الفاكِه... بن مالك بن الأوس الأنصاريّ.

            كنيته:
            أبو عُمارة، ولقبه «ذو الشهادتَين»؛ لحادثة وقعت زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله، خلاصتها أنّ أعرابيّاً باع فَرَساً لرسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ أنكر الأعرابيّ البيعَ فأقبل خزيمة بن ثابت حتّى انتهى إلى الموقف وقال: أنا أشهد يا رسول الله لقد اشتريتَه منه. فقال الأعرابي: أتشهد ولم تحضرنا ؟! وقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أشَهِدتَنا ؟ فقال خزيمة:لا يا رسول الله، ولكنّي علمتُ أنّك قد اشتريتَه، أفأُصدِّقك بما جئتَ به من عند الله ولا اُصدّقك على هذا الأعرابيّ الخبيث ؟! فعجب له رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: يا خزيمة، شهادتك شهادة رجلَين.
            فصارت مقولة النبيّ صلّى الله عليه وآله وساماً له، فصار يُقال له: «خزيمة بن ثابت الأنصاريّ ذو الشهادتين».

            المولد:
            لم يتوفّر لنا في المصادر التاريخيّة تأريخاً محدّداً لمولد هذا الصحابيّ الجليل، ولا لكثير من الصحابة، لكنّ القرائن المستفادة من الوقائع والسِّير تشير إلى أنّ خزيمة بن ثابت كان قد وُلد في حدود سنة 20 قبل الهجرة النبوية المباركة فما قبلها.

            معالم الشرف:
            يكفي الصحابةَ الأخيار شرفاً ما جاء فيهم من التقريض والمدح على لسان المعصومين عليهم السّلام، وخزيمة واحد من الذين يفخر التاريخ الإسلاميّ بهم، إذ وسمه النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بوسام ذي الشهادتين، ووصفه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام بأنّه من إخوانه الذين ركبوا الطريق معه ومضَوا على الحقّ.
            وكان خزيمة الأنصاريّ رضوان الله عليه ممّن تنبّهوا ـ بعد أن مال الناس عن الإمام عليه السّلام ـ فاستيقن الأمر وعرفه، واتّبع الحقّ ورجع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام مزيحاً عن صدره وساوس تشكيكات القوم. وكان أيضاً من الصحابة الأبرار الأتقياء الذين مضَوا على منهاج نبيّهم صلّى الله عليه وآله، لم يغيّروا ولم يبّدلوا.. عدّدهم الإمام الرضا عليه السّلام فيما كتب للمأمون في محض الإسلام، وهم: سلمان الفارسيّ، وأبو ذرّ الغِفاريّ، والمقداد بن الأسود، وعمّار بن ياسر، وحُذَيفة اليمانيّ، وأبو الهيثم بن التيِّهان، وأبو أيوّب الأنصاريّ، وأبو سعيد الخُدريّ.. وآخرون أمثالهم، من بينهم: خزيمة بن ثابت الأنصاريّ ذو الشهادتين.
            وخزيمة هو أحد الذين أنكروا على مَن أنكر واقعة الغدير وتنصيب الإمام عليّ عليه السّلام فيها أميراً للمؤمنين، وخليفة لرسول ربّ العالمين. إذ كانت له كلمته، وكان له موقفه الشجاع الحقّ.. وإذ شهد مع الجماعة المخلصة ـ ومنهم: أبو أيوّب وقيس بن سعد بن عُبادة وعبدالله بن بُدَيل بن وَرْقاء ـ أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول يوم غدير خمّ: مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه.

            حوادث.. ومواقف:
            • حين ظهر نور الإسلام، كان خزيمة الأنصاريّ من أوائل المبادرين إليه، ثمّ شهد أوّلَ ما شهد «اُحُداً»، وما بعدها من المشاهد.
            • كان هو وعُمَير بن عَديّ يكسّران أصنام بني خَطْمة. ثمّ حمل راية بني خطمة يوم فتح مكّة، ودخل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله.
            • شهد معركة «مُؤتة» وشارك فيها مشاركة مشهودة.
            • كان من السابقين الذين عاوا إلى الإمام عليّ عليه السّلام، وقد وقف إلى جانبه ودعا إلى بيعته وأنكر على مخالفيه، وقال لأحدهم: ألستَ تعلم أنّ رسول الله قبِل شهادتي وحدي ؟ فقال: بلى، قال خزيمة: فإني أشهد بما سمعته منه، وهو قوله: إمامُكم بعدي عليّ؛ لأنّه الأنصح لاُمّتي، والعالم فيهم.
            وفي رواية اُخرى، قال: يا أبا فلان، ألستَ تعلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قَبِل شهادتي وحدي، ولم يُرِدْ معي غيري ؟ قال: نعم، قال خزيمة: فاُشهد بالله أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي يُفرِّقون بين الحقّ والباطل، وهمُ الأئمّة الذين يُقتدى بهم.
            • وشهد خزيمة ـ مع جماعة ـ لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام حين استُشهد، بحديث الغدير. وقبل ذلك كان من أوائل المبايعين والمؤيّدين له في مسيره لقتال الناكثين، وكذلك كان عند المسير لحرب القاسطين.
            • شارك إلى جانب الإمام عليّ عليه السّلام في حربَيه: الجمل، وصِفيّن، حيث استُشهد فيها.

            شاعريّته:
            لمواقفه المبدئيّة الولائيّة.. كان خزيمة مُعتَّماً على حياته، في أخباره وأدواره، فلم يُنقَل من شعره إلاّ النَّزر اليسير، مع أنّه كان يجيد الشعر ويقوله منذ زمن مبكّر على عهد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، كما في أبياته التي مدح فيها الإمام عليّاً عليه السّلام فتهلّل وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأبياته التي ذكر فيها قصّة التصدّق بالخاتم في حال الركوع، حيث قال:

            أبا حسنٍ، تفديك نفسي واُسـرتيوكلُّ بطيءٍ في الهُدى ومُسارعِفأنتَ الذي أعطيتَ إذ كنتَ راكعاًزكاةً.. فَدتْكَ النفسُ يا خيرَ راكعِفأنـزلَ فـيك اللهُ خـيرَ ولايـةٍوبَيّنها فـي مُـحكَماتِ الشرائعِ
            ولكنّ الذي يسدّ خلل المؤرخين الذين أهملوا قصائد خُزيمة.. أنّ الذي نقلوه ـ مع قلّته ـ يحفل بالمضامين العقائديّة العالية ما تُضاهي المطوَّلات، وكانت تعابيره ومصطلحاته مسامير في عيون الأعداء، وأبياته مرآة عاكسة للواقع الذي عاشه المسلمون.
            وقد أكّد خريمة بن ثابت الأنصاريّ على الإمامة الحقّة لأمير المؤمنين عليه السّلام، ووصايته، فخاطب يوماً إحدى زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله قائلاً لها:

            وصيُّ رسول الله مِن دون أهلهِوأنتِ على ما كان مِن ذاك شاهده
            وفي هذا الصدد، نجد خزيمة يُكثر من استعمال كلمة «إمام»، كما في قوله:

            وصيّ الرسول، وزوج البتولإمامُ البريّةِ شمسُ الضحى
            ويقول كذلك:

            فَديتُ عليّاً إمامَ الورىسراجَ البريّة مأوى التُّقىتصدّق خاتَمَهُ راكعاًفأحسِنْ بفعل إمام الورى
            والبارز في شعر خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، هو أنّه غالباً ما يأتي في شعره بالاستدلال والتحليل والبرهان، فحين يُفاضِل ويُثبت التقدّم للإمام عليّ عليه السّلام.. يقول:

            ويلكم! إنّه الدليل على اللّــهِ وداعيهِ للهدى وأمينُهْكلُّ خيرٍ يَزينُهُم هـو فـيهِولَهُ دُونَهم خصالٌ تَزينُهْ
            ويقول كذلك:

            ففيه الذي فيهم من الخيرِ كـلِّهِومـا فيهمُ مِثلُ الذي فيه من حَسَنْوإنّ قـريـشاً لا تـشقّ غُبارَهُإذا ما جرى يوماً على الضُّمَّرِ البُدُنْوصيّ رسول الله من دون أهلِهِوفـارسُهُ قد كان في سالفِ الزَّمَنْ
            حفل شعر خزيمة بالمديح الذي ركّز فيه على ذكر الفضائل والمناقب، وقد هزّته الشجاعة العلويّة فراح يتغزّل بها ويصف الفروسيّة والمواقف القتاليّة. وفي كلّ ذلك لا ينسى خزيمة أن يثبّت الفكرة الصحيحة والعقيدة السليمة، والأخلاق والقيم السامية.
            ثمّ إنّ شعر خزيمة امتاز بالسلاسة والجماليّة والوضوح، مخلّفاً تراثاً خالداً وسجلاًّ حافلاً بالوقائع التاريخيّة، تنقل لنا صوراً حقيقيّة من حياة الإسلام والمسلمين، ومشاهدَ رائعة من المناقب والفضائل.. فيكون بذلك وثيقةً أدبيّة لتلك الفترة، وشاهداً تاريخياً يعضد الشواهد الصادقة الاُخرى.

            شهادته:
            روى الخطيب البغداديّ أنّ عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: كنت بصفّين، فرأيت رجلاً راكباً متلثّماً.. يقاتل الناس قتالاً شديداً، يميناً وشمالاً، فقلت: يا شيخ، أتقاتل الناسَ يميناً وشمالاً ؟!
            فحسَرَ عن عمامته ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: قاتِلْ مع عليٍّ وقاتل. وأنا خزيمة بن ثابت الأنصاريّ.
            فكان خزيمة يجاهد أعداء الله وهو على بصيرة، وكان يعرف مَن هم الناكثون والقاسطون والمارقون، ولكنّه حينما رأى عمّاراً يقع شهيداً اشتدّ شوقه إلى لقاء الله تعالى، فلم يصبر حتّى استلّ سيفه وقاتل قتال مَن عشقَ الشهادة، فلا يريد رجعة من الحرب إلاّ وقد لحق بنبيّه وأحبّته، وهو الذي كان يقول قُبيل شهادته:

            كم ذا يُرجّي أن يعيشَ الماكثُ!والناسُ موروثٌ وفيهم وارثُهـذا عـليٌّ.. مَـن عـصاه نـاكثُ
            فخاض غمارَ المعركة، ونال ما تمنّاه من الشهادة المشرِّفة، فهي قتْلةٌ في طاعة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام وبين يديه، وهي قتلة على أيدي شِرار الخلق أعداء الله.
            وحسب خزيمة بن ثابت من الإكرام والتجليل ما أبّنه به الإمام عليّ عليه السّلام وتلهّف عليه، وتشوّق إليه، وأثنى عليه.. حيث قال: أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضَوا على الحقّ ؟! أين عمّار، وأين ابن التيِّهان، وأين ذو الشهادتَين [ أي خُزَيمة بن ثابت ]، وأين نُظَراؤهم مِن إخوانهمُ الذين تعاقَدوا على المنيّة.. ؟! قال نَوف: ثمّ ضرب عليه السّلام بيده على لحيته الشريفة الكريمة فأطال البكاء، ثمّ قال: أوَّه على إخوانيَ الذين تلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيَوُا السنّة، وأماتوا البدعة، دُعوا إلى الحرب فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه.
            وبعد لوعة إمامه، نسمع لوعة ابنته ضبيعة بنت خزيمة ترثي أباها:

            عينُ جُودي على خزيمةَ بالدَّمـْـعِ، قتيلِ الأحزابِ يومَ الفراتِقتلوا ذا الشـهـادتـيـنِ عتُوّاًأدركَ الله مـنهـمُ بـالـتِّـراتِلـعـنَ اللهُ مـعشـراً قَتلـوهُورَمـاهـم بالخِـزيِ والآفـاتِ

            المصادر

            1 ـ الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ ـ مؤسّسة الأعلميّ، بيروت.
            2 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير.
            3 ـ الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلانيّ ـ دار إحياء التراث العربي، بيروت.
            4 ـ الإكمال / ج 6، لابن ماكولا.
            5 ـ تاريخ الطبريّ / ج 5.
            6 ـ الخصال، للشيخ الصدوق ـ جامعة المدرّسين بقمّ.
            7 ـ رجال العلاّمة الحليّ.
            8 ـ رجال الكشيّ، للشيخ الطوسيّ.
            9 ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزليّ ـ دار إحياء الكتب العربيّة في القاهرة.
            10 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام / ج 2 للشيخ الصدوق ـ قمّ.
            11 ـ الكافي / ج 7 للشيخ الكلينيّ ـ قمّ.
            12 ـ الكامل في التاريخ / ج 3 لابن الأثير.
            13 ـ الوافي بالوفيات / ج 3 للصفديّ ـ دار نشر فرانز شتاينز بفيسبادن.
            14 ـ وقعة صفّين، لابن مزاحم المنقريّ ـ مكتبة المرعشيّ بقمّ.

            تعليق


            • #7
              عمّار بن ياسر

              النسب.. والمولد:
              عمّار بن ياسر بن عامر بن مالك... بن يَعرُب بن قَحطان.
              وُلد بمكّة المكرّمة، إذ كان أبوه قدم إليها مع أخوين له يُقال لهما: مالك والحارث، بحثاً عن أخ رابع لهم، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكّة وتزوّج بـ «سُميّة».. وقد استُشهِد والداه رضوان الله عليهما تحت وطأة التعذيب على أيدي جلاّدي قريش، فوقف رسول الرحمة صلّى الله عليه وآله يقول: صبراً آل ياسر ، فإنّ موعدكم الجنّة.
              أمّا سنة ولادة عمّار، فتنحصر بين 53 و 57 قبل الهجرة النبويّة.

              شهادات في إيمانه وولائه:
              يُعدّ عمّار بن ياسر من القلّة القليلة التي شهد لهم الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السّلام بالدرجات الرفيعة والمراتب العالية من الإيمان.
              • في كتاب الله تعالى تُذكر ظُلامته من جهة ويُوصف قلبه المؤمن بالاطمئنان من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة يُلتمَس له العذر ويُصبح موقفه حكماً شرعيّاً.. سأل سائلٌ الإمام الصادق عليه السّلام:
              أرأيت أن أختار القتل ـ أي الاستشهاد ـ دون البراءة ـ أي من أمير المؤمنين عليه السّلام إجباراً ـ ؟ فأجابه الإمام عليه السّلام قائلاً:
              واللهِ ما ذلك عليه وما له، إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل الله عزّوجلّ: إلاّ مَن اُكرِهَ وقلبُه مُطمئنٌّ بالإيمان (1)، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله عندها: يا عمّار، إن عادوا فعُد؛ فقد أنزل الله عزّوجلّ عُذرك، وأمرك أن تعود إن عادوا.
              • وعن أبي جعفر الباقر عليه السّلام، وكذا عن ابن عبّاس في قوله تعالى: أوَ مَن كانَ مَيْتاً فأحيَيناهُ وجَعَلْنا له نوراً يمشي به في الناس.. (2) أنّه عمّار بن ياسر حين آمن، كمَن مثَلُه في الظُلماتِ ليس بخارجٍ منها ؟! أنه أبو جهل. وفي الروايات: وجَعَلْنا له نوراً يمشي به في الناس النور: الولاية، أو الإمام الذي يأتمّ به، يعني عليَّ بن أبي طالب صلوات الله عليه.
              وقد كان عمّار رضوان الله عليه من أهل الولاية، ومن الموالين لأمير المؤمنين عليه السّلام والمخلصين المتفانين في محبّته، والمستشهَدين على هداه.
              • أمّا كلمات رسول الله صلّى الله عليه وآله في عمّار فهي كثيرة ووافرة، وصريحة ومتظافرة.. تشير إلى جلالته ورفعة مقامه وسموّ درجاته في الدنيا والآخرة، من ذلك:
              ـ إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً من قَرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه.
              ـ مرحباً بالطيِّب المطيَّب.. ائذنوا له.
              ـ دم عمّار ولحمه وعظمه حرام على النار.
              ـ الجنّة تشتاق إليك [ أي: يا عليّ ] وإلى عمّار وإلى سلمان، وإبي ذرّ والمِقداد.
              • وحين ألقته قريش في النار دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله قائلاً: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمّار، كما كنتِ برداً وسلاماً على إبراهيم. فلم تصل إليه النار، ولم يصل إليه منها مكروه.
              • ولمّا أخذ المسلمون يبنون مسجد المدينة، جعل عمّار يحمل حَجَرينِ حَجَرين، فمسح النبيّ صلّى الله عليه وآله ظهره ثمّ قال: إنّك من أهل الجنّة، تقتلك الفئة الباغية.
              • وقال له مبشّراً: أبشر يا أبا اليقظان؛ فإنك أخو عليّ في ديانته، ومن أفاضل أهل ولايته، ومن المقتولين في محبّته، تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن (أي لبن رقيق كثير ماؤه).

              الولاء الصادق:
              تجلّى إيمان عمّار بالإمامة الحقّة من خلال مواقفه المشرّفة في الدفاع عن أمير المؤمنين عليه السّلام بيده ولسانه، مستدلاًّ على أحقيّته هاتفاً بقريش:
              يا معشر قريش، يا معشر المسلمين، إن كنتم علمتم وإلاّ فاعلموا أنّ أهل بيت نبيّكم أولى به وأحقّ بإرثه، وأقوَمُ بأمور الدين، وآمَنُ على المؤمنين، وأحفَظُ لملّته، وأنصح لاُمّته. فمُروا صاحبكم ليردّ الحقّ إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم، ويضعف أمركم، ويظهر شتاتكم... فقد علمتم أنّ بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم، وعليٌّ من بينهم وليّكم بعهد الله ورسوله.
              وقد قام هو وأبو ذرّ والمقداد فقالوا لأمير المؤمنين عليه السّلام: ما تأمر ؟ والله إن أمرتنا لنضربنّ بالسيف حتّى نُقتل، فقال عليه السّلام لهم: كُفّوا رحمكمُ الله، واذكروا عهد رسول الله وما أوصاكم به، فكَفُّوا.
              ولعلم النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بوفاء عمّار وثباته أودعه بعض أسرار الإمامة، وعرّفه بأعلام الهدى والحقّ، يقول عمّار: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في بعض غزواته، وقَتَل عليّ عليه السّلام أصحاب الألوية وفرّق جمعهم، فأتيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت له: يا رسول الله، إنّ عليّاً قد جاهد في الله حقّ جهاده! فقال: لأنّه منّي وأنا منه، وارث علمي، وقاضي دَيني، ومُنجز وعدي، والخليفة بعدي، ولولاه لم يُعرَف المؤمن المحض. حربه حربي وحربي حرب الله، وسِلمه سلمي وسلمي سلم الله. ألا إنّه أبو سِبطَيّ والأئمّة، من صُلبه يُخرج الله تعالى الأئمّة الراشدين، ومنهم مهديّ هذه الاُمّة. فقلت: بأبي واُميّ يا رسول الله، ما هذا المهديّ ؟ قال: يا عمّار، إنّ الله تبارك وتعالى عَهِد إلي أنّه يخرج من صلب الحسين تسعة، والتاسع من وُلده يغيب عنهم، وذلك قول الله عزّوجلّ: قل أرأيتُم إنْ أصبَحَ ماؤُكم غَوراً فمَن يأتيكم بماءٍ مَعين ! يكون له غَيبة طويلة، يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخَرون، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، ويقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل، وهو سَميّي وأشبه الناس بي.
              ثمّ قال صلّى الله عليه وآله يرشده ويُنبئه، بل ويبشّره:
              يا عمار، ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتّبعْ عليّاً وحزبه، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه. يا عمّار، إنّك ستقاتل بعدي مع عليٍّ صنفَين: الناكثين والقاسطين، ثم تقتلك الفئة الباغية.

              منزلته:
              حظي عمّار بن ياسر بمراقي الشرف والكرامة؛ لموالاته للنبيّ وآله صلوات الله عليه وعليهم.. فتسنّم المنازل الرفيعة والمراتب السامقة، إذ جرى ذِكر فضائله على لسان أهل بيت النبوّة والعصمة عليهم السّلام، فكان أحدَ «الأركان الأربعة» مع سلمان والمقداد وأبي ذرّ. وكان أحد الماضين على منهاج نبيّهم صلّى الله عليه وآله من جماعة الصحابة الأبرار الأتقياء الذين لم يبّدلوا تبديلاً. وكان رضوان الله عليه من السبعة الذين بهم يُرزَق الناس وبهم يُمطَرون، وبهم يُنصَرُون.. سيّدهم أمير المؤمنين عليه السّلام، ومنهم سلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمّار وحذيفة وعبدالله بن مسعود، وهم الذين صَلَّوا على جثمان فاطمة الزهراء عليها السّلام.
              وكان عمّار أحد الاثني عشر الذين قالوا بخلافة الإمام عليّ سلام الله عليه ووقفوا عند أمرهم ذاك وأنكروا خلافه ومخالفته. ولعمّار ـ بالخصوص ـ قيام وخطاب، واحتجاج واستدلال وجواب.. في موقف شجاع لا يقوم به إلاّ من كان ثابت الإيمان راسخ الاعتقاد.
              وعمّار بن ياسر من شرَطة الخميس، وقد سئل الأصبغ: كيف سُمّيتم شرطة الخميس ؟ فقال: إنّا ضمِنّا له ـ أي لأمير المؤمنين عليه السّلام ـ الذَّبح، وضمنَ لنا الفَتح.

              وقائع مهمّة، ومواقف مكرِّمة:
              • يُعدّ عمّار بن ياسر من المسلمين الأوائل الذين تحمّلوا أصناف التعذيب والتنكيل.
              • وهو من المهاجرين إلى المدينة.
              • صلّى إلى القِبلتَين، واتّخذ في بيته مسجداً، وكان أوّل من بنى مسجداً في الإسلام.
              • شهد بدراً والخندق والمشاهد كلّها، وقَتَل مجموعة من رؤوس الكفر والشرك.
              • دعا إلى بيعة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وكان من السابقين إلى الالتحاق به والمدافعين عنه حين هوجمت دار الزهراء عليها السّلام.
              • كان عمّار من الخواصّ الذين صلَّوا على جثمان الصدّيقة فاطمة عليها السّلام، وشيّعوها ودفنوها سرّاً.
              • ولي الكوفة، وشارك في فتح مدينة «تُستَر»، وساهم في تعبئة الجيوش لفتح «الريّ» و «الدستبى» و «نهاوند» وغيرها.
              • مواقفه مشهودة في الاعتراض على السقيفة، والشورى التي غبنت حقوق الإمام عليّ عليه السّلام. وكان يجاهر بنصرة الحقّ ولم يُداهن الولاة، حتّى دِيست بطنه وأصابه الفتق وغُشي عليه.
              • كان عمّار من المشاركين في توديع أبي ذرّ حين نُفي إلى الربذة، رغم المرسوم الصادر بالمنع من تشيعه، وقد هُدّد عمّار بالنفي وكاد يقع لولا احتجاج الإمام عليّ عليه السّلام وبني مخزوم.
              • سارع إلى مبايعة أمير المؤمنين سلام الله عليه، ووبّخ الذين شقّوا عصا الطاعة وأحدثوا الفُرقة في عهد الخليفة الحقّ.
              • توجّه بأمر الإمام عليّ عليه السّلام مع الإمام الحسن عليه السّلام ومِن بعدهما ثلّة من المؤمنين.. لعزل أبي موسى الأشعريّ عن الكوفة، واستنفار أهلها. فخطب هناك واحتجّ احتجاجات رائعة، وسحب أبا موسى من على المنبر.
              • لشجاعته وشهامته وإقدامه.. ولاّه أمير المؤمنين عليه السّلام مناصبَ حربيّة عديدة في معركة الجمل. وقد قتل عدداً من صناديد جيش الناكثين، وشارك في عقر جمل الفتنة.
              • كان من أوائل المشاوَرين في حكومة الإمام عليّ عليه السّلام، قُبيل واقعة الجمل وقبيل وقعة صفّين التي أبلى فيها بلاءً كبيراً، وقاتل فيها قتالاً شديداً، وما حجزه عن المواصلة إلاّ الليل، وكان له أثر واضح في الظفر.. ثمّ كان فيها شهادته المباركة رضوان الله عليه.

              أدبه الرساليّ:
              لمّا كان عمّار بن ياسر متميّزاً بالإيمان الثابت، والتضحية والإيثار، والبصيرة والوعي.. فقد انعكس ذلك كلّه على أدبه وشعره، متّسماً بالصدق كما اتّسم هو رضوان الله عليه بالثبات على المبادئ فلم يتقلّب في التيارات المنافقة، ولم ينجرف نحو المطامع والأهواء.
              وكما كان عمّار نفسه غيوراً على الإسلام مدافعاً عنه بيده في حالة من الإخلاص والفداء.. كذا كان شعره يقاتل وهو يتحدّر من قلب مؤمن شجاع غيور.
              وكم ارتجز مثيراً نخوة الجهاد، ومشوّقاً نفسه وإخوانه للشهادة ولُقيا الماضين من الشهداء!
              وكم أنشد لوحاتٍ من المعاني الإسلاميّة الحقّة، يطلب بها مرضاة ربّه وسعادة الآخرة، وتثبيت الحقيقة!
              وكان شعر عمّار مرآة عاكسةً لما جال في قلبه، فترنّم بأمجاد إمامه أمير المؤمنين عليه السّلام وفضائله، وتغنّى بمنهجه وهو الصراط المستقيم، ونابذ أعداءه الذين أخطأوا حظهم فاختاروا معصية الله تعالى. فكان يقول:

              طلحةُ فيها والـزبيرُ غـادرُوالحـقّ في كفّ عليٍّ ظاهرُويقول أيضاً:

              سيروا إلى الأحزابِ أعداءِ النبيسيروا فخيرُ الناس أتباعُ عليّأمّا خطباته فهي مثمرة بروائع من الكلمات والاحتجاجات الغلاّبة، فيصدع بالمتخاذلين والناكثين والمنهزمين قائلاً:
              ـ معاشر المسلمين، إنّا قد كنّا وما نستطيع الكلام؛ قلّةً وذِلّة.. فأعزّنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله، فالحمد لله ربّ العالمين.
              يا معشرَ قريش، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم ؟! تحوّلونه ها هنا مرّة، وها هنا مرّة، وما أنا آمنٌ أن ينزعه الله منكم ويضعَه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.
              وكأنّنا بعمّار رضوان الله عليه يترسّم خطى إمامه عليه السّلام ويقتدي به في بيان الحقّ ونصرته، وفضح الباطل وتخذيله.

              الشرف المختار:
              من عنايات الله تبارك وتعالى لعباده الصالحين المخلصين.. أن اختار لهم خاتمة الشرف والكرامة، حيث رُزقوا الشهادة ولو بعد عمر مديد. وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله بشّره قائلاً:
              ـ يا عمّار، إنّك ستتقاتل بعدي مع عليٍّ صنفين: الناكثين والقاسطين، ثمّ تقتلك الفئة الباغية. وهنا يتساءل عمّار سؤال الرجال الكبار: يا رسول الله، أليس ذلك على رضى الله ورضاي ؟ فيقول النبيّ صلّى الله عليه وآله: نعم، على رضى الله ورضاي، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.
              وكانت صفّين.. فخرج عمّار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قائلاً: يا أخا رسول الله، أتأذن لي في القتال ؟ قال: مهلاً رحمك الله. فلمّا كان بعد ساعة أعاد عليه، فأجابه بمثله، فأعاد عليه ثالثة، فبكى أمير المؤمنين عليه السّلام إذ يرى عمّاراً يلحّ على أجَله وقد اقترب منه، فيقول عمّار: يا أمير المؤمنين، إنّه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلّى الله عليه وآله.
              وهنا ينزل أمير المؤمنين عليه السّلام عن فرسه ويعانق عمّاراً يودّعه، ويقول له: يا أبا اليقظان، جزاك الله عن الله وعن نبيّك خيرا، فنِعم الأخُ كنت، ونعم الصاحب كنت. ثمّ بكى عليه السّلام وبكى عمّار وقال: يا أمير المؤمنين، ما تبعتك إلاّ ببصيرة، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول يوم خيبر: يا عمّار، ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتّبع عليّاً وحزبه؛ فإنّه مع الحقّ والحقُّ معه، وستقاتل الناكثين والقاسطين. فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الإسلام أفضل الجزاء، فقد أدّيت وأبلغت ونصحت.
              ثمّ ركب، وركب أمير المؤمنين عليه السّلام، وبرز عمّار إلى القتال وقد دعا بشربة من ماء، فقيل له: ما معنا ماء، فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن، فشربه ثمّ قال: هكذا عهد إليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن.
              وما برز عمّار إلاّ متثبّتاً على البيّنة والمحجّة، فحين شرب ضياح اللبن قال: الجنّة، تحت الأسنّة، ثمّ قال:

              اليومَ ألقى الأحبّهْمـحمّداً وحـزبَهْوالله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات «هَجَر» لعلمنا أنّا على الحقّ وهم على الباطل. ثمّ حمل على القوم فقتل منهم ثمانية عشر، وحمل عليه ابن جَون السكونيّ وأبو العادية الفزاريّ، فكان الفزاريّ أن طعنه، أما ابن جون فقد احتزّ رأسه.
              جرى ذلك في شهر صفر من سنة 37 من الهجرة الشريفة، وكان عمر عمّار يوم استُشهد رضوان الله عليه واحداً وتسعين عاماً، أو أربعاً وتسعين.. شيبةً كريمة مجاهدة، وشخصيّة صبورة مضحّية، فقد قضى وهو على طاعة إمامه، مجاهداً بين يدَيه، مدافعاً عن مبادئه الإلهيّة الحقّة، بعد أن تحمّل أنواع المآسي من أجل دينه وعقيدته.
              وأخيراً حصل على بغيته، فنال وسام الشهادة، وسعد وفاز.. إلاّ أنّه خلّف إمامه أمير المؤمنين عليه السّلام متلهّفاً متأسّفاً عليه، حزيناً مكتئباً على فراقه، متشوّقاً إليه، متذكّراً أحبّته الذين فارقوه، يقول:
              ـ أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضَوا على الحقّ ؟! أين عمّار، وأين ابن التَّيِّهان، وأين ذوالشهادتين ؟! وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة، وأُبرِد برؤوسهم إلى الفجرة ؟!
              ثمّ ضرب عليه السّلام بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء ثمّ قال: أوِّهِ على إخواني الذين تلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيَوُا السنّة وأماتوا البدعة، دُعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه.
              وسمع معاوية الخبر فأظهر فرحه وشماتته بشهادة هذا الصحابيّ الجليل، فكان يقول: كانت لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان، قُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعني عمّار بن ياسر..
              أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقد أبّنه أروع تأبين، واقفاً عليه وقفة إكبار وإجلال واعتزاز، إذ جاءه إلى مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حِجره وأنشد يقول:

              ألا أيّها الموت الذي هو قاصديأرحني فقد أفنيتَ كلّ خليلِأراك بـصـيـراً بالذين أحبُّهُمكـأنّك تنحو نحوَهم بدليلِثمّ حمله، وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه وهو يقول:

              وما ظبيةٌ تسبي القلوب بطَرفِهاإذا التـفـتَـت خِلْنا بأجفانها سِحْرابأحسنَ ممّن كلّل السيفُ وجهَهُدَماً في سبيل الله حتّى قضى صبراثمّ قال عليه السّلام: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إنّ امرأً لم تدخل عليه مصيبة مِن قتل عمّار فما هو من الإسلام في شيء. ثمّ قال: رحم الله عمّاراً يوم يُبعث، ورحم الله عمّاراً يوم يُسأل... قاتلُ عمّار، وسالب عمّار، وشاتم عمّار في النار.
              ثمّ إنّه عليه السّلام صلّى عليه، ودفنه بثيابه.

              المصادر

              1 ـ الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ ( ق 6هـ ) ـ منشورات الأعلميّ، بيروت 1403هـ.
              2 ـ الاختصاص، للشيخ المفيد ( ت 413هـ ) ـ قمّ 1402هـ.
              3 ـ الإرشاد، للشيخ المفيد ـ قمّ.
              4 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبرّ ( ت 463 هـ ) تحقيق البجاويّ ـ مصر.
              5 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير ( ت 630 هـ ) ـ دار إحياء التراث العربيّ.
              6 ـ أمالي الشيخ المفيد ـ قمّ.
              7 ـ الإمامة والسياسة، لابن قتيبة ( ت 276 هـ ) ـ قمّ 1413هـ.
              8 ـ أنساب الشراف، للبلاذريّ ( ق 3 هـ) ـ دار الفكر، بيروت 1403هـ.
              9 ـ تاريخ بغداد، للخطيب البغداديّ.
              10 ـ تفسير الإمام العسكريّ عليه السّلام ـ قمّ.
              11 ـ تنقيح المقال، لعبد الله المامقانيّ.
              12 ـ الجَمل، للشيخ المفيد ـ مكتبة الإعلام الإسلاميّ، قمّ 1413هـ.
              13 ـ جمهرة أنساب العرب.
              14 ـ الخصال، للشيخ الصدوق ( ت 381 هـ ) ـ قمّ 1403هـ.
              15 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، للسيّد علي خان المدنيّ ( ت 1120 هـ ) ـ قمّ 1397هـ.
              16 ـ رجال الكشّيّ أو اختيار معرفة الرجال، للطوسيّ ( ت 460 هـ ) ـ قمّ 1404هـ.
              17 ـ السقيفة وفدك، للجوهريّ ( ت 323 هـ )، تحقيق محمد هادي الأمينيّ ـ طهران 1401هـ.
              18 ـ سير أعلام النبلاء، للذهبيّ.
              19 ـ سيرة ابن هشام ـ أو السيرة النبويّة، لابن هشام الحميريّ ( ت 218 هـ ) ـ مصر 1329هـ.
              20 ـ الشافي في الإمامة، للشريف المرتضى ( ت 436 هـ ) ـ طهران 1410هـ.
              21 ـ شذرات الذهب، لابن العماد الإصفهانيّ.
              22 ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ( ت 656 هـ ) ـ دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة 1385هـ.
              23 ـ الطبقات الكبرى، لابن سعد ( ت 230 هـ ) ـ دار الفكر، بيروت.
              24 ـ العقد الفريد، لابن عبد ربّه ( ت 328 هـ ) ـ دار الكتب العلميّة، بيروت 1407هـ.
              25 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام، للشيخ الصدوق ـ قمّ 1985م.
              26 ـ الفتوح، لابن أعثم الكوفيّ ( ت 314 هـ ) ـ دار الكتب العلميّة، بيروت 1406هـ.
              27 ـ الكامل في التاريخ، لابن الأثير ـ دار صادر، بيروت 1385هـ.
              28 ـ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة عليهم السّلام، للإربلّيّ ( ت 693 هـ ) ـ المطبعة العلميّة، قمّ 1381هـ.
              29 ـ كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر، للخزّار الرازيّ.
              30 ـ المعارف، لابن قتيبة.
              31 ـ المغازي، للواقديّ ( ت 207 هـ ) ـ مؤسّسة الأعلميّ، بيروت 1409هـ.
              32 ـ نور الثقلين، للحويزيّ ( ت 1112 هـ ) ـ قمّ.
              33 ـ الوافي بالوفيات، للصفديّ ( ت 767 هـ ) ـ دار فرانز شتاينز 1401هـ.
              34 ـ وقعة صفّين، لابن مزاحم المنقريّ.

              تعليق


              • #8
                أحسنتم مولانا المبرقع الموسوي أثابكم الله بكل حرف حسنة
                استمروا مولاي بهذا النقل العطر ليعرف المخالف بأننا لا نكره ولا نكفّر الصحابة كما يفتري علينا الخصوم.
                بل غاية الأمر أننا نميز الخبيث من الطيب مصداقا لقوله تعالى:
                قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

                اللهم بيّض وجوهنا يوم تسود الوجوه ولا تسوده يوم تبيض الوجوه
                اللهم ارزقنا شفاعة الأبرار الأطهار وألحقنا بالصديقين والأخيار
                بحق محمد (صلى الله عليه وآله) وآل محمد

                ورحم الله والديك أخي المربقع على هذه التربية التي زرعت فيك حب الاصحاب الاطهار الذين أحبوا الله ورسوله وأهل بيته الطاهرين .

                تعليق


                • #9
                  أبوذرّ الغفاريّ

                  (31 أو 32هـ/652 أو 653م)

                  الصحابي الجليل جُندَب بن جُنادة الّذي ذاع صيته بسبب شخصيّته الخاصّة ومناهضته عثمان ومعاوية. وذُكر أيضاً أنّ اسمه بُرَيْر، بَيد أنّ البعض رأى أنّ ذلك هو لقبه. ونسبه المعلوم إلى عدنان يعضد انتماءه إلى قبيلة بني غِفار، وكانت أمّه رملة من هذه القبيلة أيضاً.
                  ولا يقدّم لنا المؤرّخون معلومات عن تاريخ ولادته، لكنّهم لمّا ذكروا أنّه توفّي وهو شيخ كبير، فلابدّ أنّه كان قد عمّر طويلاً قبل الإسلام. وذهبوا إلى أنّه كان في ثُلّة الأوائل الّذين آمنوا بالإسلام، وعدّوه رابعَ أو خامس من أسلم. قَدِمَ المدينة سنة 6هـ، فأسكنه النّبيّ صلّى الله عليه وآله في المسجد مع عِدّةٍ من المسلمين الفقراء، وهؤلاء هم المشهورون بأصحاب الصُّفَّة.
                  وكان أبو ذرّ من خاصّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وحواريّيه في المدينة كما كان مكيناً عنده. وعندما انتقل صلّى الله عليه وآله إلى جوار ربّه واستُخلف أبو بكر سنة (11هـ)، كان أبو ذرّ في الصّفوة الّتي أقبلت على أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، رافضاً بيعة أبي بكر، ثمّ بايعه مُكْرَهاً. وبلغ في القُرب من الإمام عليه السّلام درجةً أنّه كان معه في الخاصّة من أصحابه عند تشييع السّيّدة فاطمة الزّهراء عليها السّلام ودفنها.
                  وقد شهد أبوذرّ عدداً من الغزوات مثل غزوة الغابة، كما شهد سَرِيّة قرب المدينة. وخَلَفَ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله على المدينة في غزوة بني المصطلق، وعُمرة النّبيّ صلّى الله عليه وآله سنة (7هـ) فاضطلع بأعمالها. ورفع لواء بني غفار، وهم ثلاثمائة، في فتح مكّة ومرّ به على أبي سفيان.
                  وساءه ما رأى من ممارسات عثمان في المدينة، وعامله معاوية في دمشق مِن مثل محاباته قُرباه بالأعمال المهمّة، ودفعه الأموال الطّائلة، وكنز الثّروات، والتّبذير والإسراف، وانتهاك السُّنّة النّبويّة، فامتعض منهما وغضب عليهما. وكان يقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام وأهل البيت عليهم السّلام وصمد في معارضته للحاكمين على رغم محاولات معاوية في ترغيبه في الدنيا وتطميعه.
                  وطلب عثمان من معاوية أن يُرجِع أبا ذرّ إلى المدينة بُعنف. فأركبه على جمل بلا غطاء ولا وطاء، ولمّا دخل المدينة منهَكاً متعَباً حاول عثمان أن يسترضيه بشيءٍ من المال، فرفض ذلك وواصل انتقاده للنظام الحاكم والأسرة الأمويّة، فغضب عثمان وأمر بنفيه إلى الرَّبَذة ليُبعده عن النّاس.
                  ولمّا تحرّك متوجّهاً إلى الرّبذة شايعه أمير المؤمنين عليه السّلام وبعض مقرّبيه على الرّغم من الحظر الّذي فرضه عثمان. وتكلّم الإمام عليه السّلام عند توديعه كلاماً بليغاً أثنى فيه على أبي ذرّ، وذمّ عثمان وأعوانه. وموقف الإمام عليه السّلام هذا في مشايعه أبي ذرّ ودعمه أدّى إلى مواجهة شديدة بينه وبين عثمان.
                  توجّه أبوذرّ إلى الرّبذة مع زوجته وبنته. وأقام هناك ومعه بعض الغلمان وعدد من الأغنام والجمال. ومع أنّ أحداً لايشكّ في أنّه دُفن في الرّبذة، إلاّ أنّ وجود قبرٍ له في اسطنبول باعث على العجب!
                  يتمتّع هذا الصّحابيّ الجليل بمنزلة رفيعة مرموقة خاصّة بين الإماميّة، ويسمّونه والثلاثة الآخرين معه (سلمان والمقداد وعمّار) الّذين ثبتوا على ولائهم للإمام أميرالمؤمنين عليه السّلام بعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله بـ«الأركان الأربعة».
                  وتدلّ الرّوايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام في أبي ذرّ على أنّهم كانوا ينظرون إليه كرجلٍ زاهد كامل، وقوله وعمله أسوة للشّيعة، وكانوا عليهم السّلام يحدّثون شيعتهم دائماً بسيرته ومواعظه.
                  وحريٌّ بالذّكر أنّ نصّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله على صدقه في الحديث المتواتر المشهور «ما أظلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء أصدَق لهجةً من أبي ذرّ» (الاختصاص، للمفيد 13) دفع علماء الشّيعة والسّنّة إلى الثّناء عليه و تمجيده.

                  تعليق


                  • #10
                    .
                    قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
                    يرفع بالصلوات على محمد وآل محمد والتبريكات والترضيات على الصحابة الكرام المنتجبين والميامين

                    جزى الله الأخ المبرقع الموسوي كل الخير
                    التعديل الأخير تم بواسطة المهندس ابو علي; الساعة 23-06-2006, 08:29 PM.

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                    استجابة 1
                    10 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                    بواسطة ibrahim aly awaly
                     
                    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                    ردود 2
                    12 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                    بواسطة ibrahim aly awaly
                     
                    يعمل...
                    X