للمتزوجين الحديثاً، والقدامى، والمقبلين على الزواج
المقدمة :.
" الحمد لله جل ثناءه وتقدست أسماؤه، رفع النكاح، وأعلى شأنه، وأقام بحلاله الأديان، وجعل به بقاء الحيوان، وعمر به البلاد، وكثر العباد، وحض عليه في كتبه المنزلة، وأبان لنا عن جلالة محله، بما خص اللذة به من الزيادة على غيرها والانافة على نظائرها، ثم بإضعافها في النساء، وإلهامهن إرادته، ليكون ذلك داعياً إلى طاعتهن، وباعثاً على متابعتهن".
إن الزواج بلا شك هو أعظم وأهم حادثة تقع في حياة الإنسان.
إن أكبر أمنية يمكن أن تراود ذهن الفتى أو الفتاة ــ حينما يبلغان الرشد ــ هي الزواج، حيث يستطيعان أن يتمتعا بقسط أوفر من الاستقلال والحرية من خلا ل تأسيس الحياة الأسرية المشتركة مع الأنيس الموافق، أمين السر الحبيب. فالزواج بالنسبة للبشر إحدى الحاجات الطبيعية وله فوائد مهمة هي:
1. تشكيل الأسرة والتخلص من الحيرة والضياع:
لأن العزاب من الرجال والنساء بمنزلة الطيور التي لا تمتلك أعشاشاً، وبالزواج يجد البشر عشه، وبيته، وملجأه، ويحصل على شريك حياته ومؤنسه وأمين سره والمواسي والمدافع والمعين له.
2. إرضاء الغريزة الجنسية:
إن الغريزة الجنسية عند البشر، غريزة مهمة وحيوية ولهذا يحتاج الإنسان إلى مزوج يسكن إليه في محيط آمن ، يعاشره ويستأنس به، ويقضي معه حاجته متى ما كان إلى ذلك محتاجاً.
إن إرضاء الغريزة الجنسية مسألة طبيعية، ولا بد للإنسان من تأمين ما تحتاجه هذه الغريزة، وإلا طفت على السطح أمراض نفسية وجسمية واجتماعية، لذا نرى الأفراد الذين يمتنعون عن الزواج في الغالب مبتلين بالأمراض النفسية والجسمية.
3. تكثير النسل:
وبالزواج يستطيع الإنسان تكثير الأبناء، وهو ما يسهم في تثبيت أساس الأسرة، ويبعث على حفظ الهدوء والانسجام بين الزوجين.
وحكمته في الإسلام ليس هو قضاء الطبع الجنسي فقط .. بل لمعان اجتماعية ونفسية ودينية، منها:
1. أن الزاج هو عماد الأسرة الثابتة التي تلتقي الحقوق والواجبات فيها بتقديس ديني، يشعر الشخص فيه بأن الزواج رابطة مقدسة، تعلو بها إنسانيته وتسمو به عن دركة الحيوانية التي تكون العلاقة بين الأنثى والذكر فيها هي الشهوة البهيمية فقط.
2. وهو العماد الأول للأسرة التي هي الواحدة الأولى لبناء المجتمع الذي يتكون من الأسرة ، فإن كانت قوية كان المجتمع بها قوياً.
3. وهو سبيل إلى حفظ التنوع الإنساني الكامل الذي يسير في مدارج الرقي، والذي لا يتحقق إلا بالزواج الذي يشكل الحياة الإنسانية الرفيعة، ولقد كان النبي (ص) يحث على طلب النسل بالزواج كما جاء في هذا الحديث الذي : (( إن رجلاً جاء إلى النبي (ص) فقال: (أصبت امرأة ذات حسن وجمال وحسب ومنصب ومال ، إلا إنها لا تلد ، أفأتزوجها؟) فنهاه (ص). ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك. ثم أتاه الثالثة ، فقال (ص): " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم".
4. وهو الراحة الحقيقية للرجل والمرأة على سواء، إذ أن المرأة تجد فيه من يكفل لها الرزق، فتعكف على البيت ترعاه، وعلى الأولاد تربيهم.
ومن أجل كل هذه المعاني العظيمة حث رسول الله (ص) على الزواج ورغب فيه، ولا سيما بالنسبة إلى الشباب. كما نهى عن التبتيل وهو عدم الزواج واعتبر هذا خروجاً عن سنته (ص).
أما الذين يحاولون التحلل من الروابط القدسية التي تتمثل في الزواج، فالانحلاليون لا يرقون بالعلاقات البشرية كما ــ يزعمون ــ وإنما هم يجذبون الجنس البشري إلى الحضيض، وهو يحاولون أن يرتدوا به إلى الحيوانية. فالاتحاد الجنسي عند البشر لا يمتاز عن الاتحاد الجنسي عند الحيوان إلا بالحب وبالارتباط الدائم المتمثل في الزواج. ويعبر ( أ. ج. هاجين ) وهو من رجال الدين الأمريكيين عن هذه الحقيقة بقوله: " لا بد أن يرغب المحب في أن يكون محبوبه له وحده فظهور أي طرف ثالث يبدو تطفلاً لا يطاق، ولسنا ننكر أن الرغبة في امتلاك المحبوب والاستئثار به، ولكن الرغبة في التغيير في هذا المجال لا تنبعث إلا عن ضعف الحب، ذلك لأن الحب الطبيعي الحقيقي الصادق، بين الرجل والمرأة يستنكر التغيير والتعدد، ويصر على أن العلاقة بين الحبيبين يجب أن تكون دائمة ومقصورة عليهما وحدهما.
وليست هذه مجرد نظرية أو رأين وإنما هي جزء من التجربة المأخوذة عن آلاف الرجال والنساء في حياتهم اليومية، يوما بعد يوم. ذلك لأن المحب يشعر في غرامه بأنه لا يريد من الحياة شيئاً سوى أن يظل مخلصاً لحبيبه إلى الأبد، ولا ينشد جزاء هذا الإخلاص منه سوى إخلاص مماثل ممن يحب".
ونلخص من هذا إلى أن عليك ــ إذا شئت أن تتزوج ــ أن تختبر منذ البداية قوة حب الشريك الذي اخترته لك، كما أن عليه أن يختبر قوة حبك له . فكذا تتعرفا مدى استعداد كل منكما للإخلاص والتفاني، فإذا خالج أحدكما أي شك فخليق بكما أن تتريثا، لأن هذا دليل على أن أحدكما لم يستكمل بعد استعداده للزواج.
وقد تعترضك في سبيل الزواج عقبات، وقد تقفز في طريقك وطريق شريكك المختار أسباب، ولكن كل شيء سهل التذليل إذا توافر لكما الحب.
إننا الآن قد عرفنا الزواج ومقتضياته ودواعيه، وقبل أن تخطو خطوة أخرى أحب أن أسألك: " هل أقتنعت وشريكك أو شريكتك بأن الزواج علاقة طبيعية مقدسة، وأنه بطبيعته علاقة دائمة؟... وهل أنتما على استعداد لأن تتقبلا الالتزامات والتبعات التي تترتب عليه؟".
إذا كان جوابكما بالإيجاب فأنتما تسيران في الطريق الصحيح ومن ثم فلنمض قدماً: " فالزواج ليس كالرحلة التي تمضي في خط مستقيم مستمر من بداية معينة إلى نهاية معنية. فأي شيء يكون الزواج إذا لم يكن رحلة؟.
لم نختلف فإنما قصدت إن الزواج رحلة، ولكنه ليس ككل الرحلات تمضي في طريق معين مرسوم، وتبدأ من نقطة معينة لكي تنتهي عند نقطة معينة..
إنه رحلة قد يممن رسم اتجاهها العام، ولكن خط السير يرسمه الزوجان من يوم إلى آخر، بل من ساعة إلى ساعة، وفقاً للظروف، والمناسبات والمشكلات التي تعترض طريقهما. ثم هو يشبه الحياة التي لا توقف فيها، لأن التوقف ولو للحظة معينة معناه الموت، وهكذا رحلة الزواج لا تتوفق أو بالأحرى يجب ألا تتوقف إلا بموت أحد الشريكين ــ أقصد أحد الرفيقين ــ أثناء الرحلة.
ومن النصائح المأثورة عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: " خذ الرفيق قبل الطريق". وهذا يستدعي أن تعرف رفيقك كما ينبغي أن يعرفك هو الآخر. وفي طريق الحياة الزوجية نواح عديدة يجب أن يعرفها كل رفيق في رفيقه. هناك الخلاف الطبيعي ــ خلاف الجنس ــ وهو لا يقتصر على التكوين الجسدي، وإنما يمتد إلى نظرة الشخص إلى الأشياء وأسلوبه، وأحاسيسه وانفعالاته. وهذه أمور لا بد من معرفتها ودراستها، إذ أن أكبر خطأ يقع فيه الزوجان هو أن كلا من الزوجين يحكم على الآخر خلال شخصيته هو، وينسى أنه من جنس آخر، وأن القيم والمقاييس ووجهات النظر تتأثر باختلاف الجنس.
إن هدف الزوجين هو الإحساس بالتحاد وبأنهما أصبحا شيئاً واحداً وقد يوحي الحب الأفلاطوني بذلك في البداية ولكن العلاقة الجنسية هي الوحيدة القادرة على بعث مثل هذه الإحساس في نفسيهما، أكثر من أي شيء آخر. وتصبح لمسات الشفاه والنظرات المعبرة أو الضمة الحانية، يصبح كل هذا جزءاً لا يتجزأ من حياتهما بلاً من أن تصبح رمزاً للحب فقط. كما يصبح الإشباع الجنسي الكامل قمة هذا الشعور بالاتحاد.
ولن يصبح كذلك إلا إذا شعر كل من الشريكين أنه يشارك فيه بنفس القدر وفي نفس اللحظة. أما إذا أحس أحدهما أن شريكه يسعى إلى إشباع غرائزه هو وحده فقط فإن الجنس بالنسبة له يصبح تضحية مريرة .. عملاً قاسياً لا معنى له ولا فائدة فيه.
وإن أصعب ما يواجهه الأزواج في بلادنا هو الخجل البالغ من التحدث في هذه الأمور ــ وحتى الأطباء أنفسهم ــ نتيجة لعادات مترسبة ف بأعماقنا منذ قرون حينما كان الآباء يظنون أن الغريزة تقوم وحدا بتعليم الأبناء كل شيء وأنها توضح لهم السبيل، وحينما كانت الأمهات تحمر وجوههن خجلاً في مواجهة أسئلة الأبناء التي تدور حول الجنس.
إن هناك عقبات شتى في طريق المواءمة الجنسية بين الزوجين. هناك الفرق الذي قد يكون كبيراً في الزمن الذي يحدث بعده الإشباع عند الرجل وعند المرأة.
إن هذه الفوضى الجنسية، والأهواء الشهوانية السائرة في الغرب نحول كارثة الانهيار والدمار باعتراف علمائه ومفكريه، قد انتقلت إلينا بسبب وجود الفراغ والجهل في الجيل الجديد بهذه القضايا الجنسية، فأخذت تفتك فيه فتك أخطر الأسلحة وأشد السموم.
لهذا كله سارعت إلى نشر هذا الكتاب الطريف لإفهام الجيل الراشد فين الزواج حسب ما خطط له الإسلام، هذا التشريع العظيم والدين الجميل الذي أولى الأسرة اهتماماً عظيماً ورسم لها كل ما يكفل استمرار سعادتها ويسهل مهمتها في إعداد جيل مؤمن طموح وبناء، كما خطط لكل من الزوج والزوجة حقوقه وواجباته، فلا ينازع أحدهما الآخر في حقوقه، ولا يهمل واجباته. وإذا وقع نزاع سارعا معاً للاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة نسبيه (ص) اتباعاً لقوله سبحانه: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌُ وأحسن تأويلا " النساء59. وليس أضمن وأفضل في إزالة الخلاف من التشريع الصريح الذي يوضح لكل من الزوجين ما له وما عليه.
ولا شك أن القارئ والقارئة سيفاجآن ببحوث صريحة إلى غاية الصراحة في هذا الكتاب، ولا عجب فالإسلام دين الحياة، والغريزة الجنسية جزء هام من هذه الحياة. فكان من الطبيعي أن يعالجها هذا الدين الحنيف بشيء من الطرافة والتشويق والموضوعية مادام الزواج ركناً عظيماتً من أهم أركان صرح الأمة.
كل ذلك دون أن أغرق الزوجين في بحرين من العاطفة والخيال، فسيجد كل منهما مواقف الخير وموافق الحرام، ومواقف الجهاد إلى جانب مواقف المتعة، في جو من التوجيه والتنسيق والرغبة، فإن من أعظم توجيهات القرآن العظيم أنه إذا تحدث عن مسألة جنسية يحيطها بهالة من التقديس ويسارع إلى تذكير المستمع بالله سبحانه ووجوب مراقبته وتقواه كي يسود البحث الاحتشام والوقار والأدب فلا يغوص القارئ في أغوار الشهوة الحيوانية، وهذا مما امتاز به الأسلوب القرآني. وكم كان إغفال ذلك في كتب الجنس سبباً في انحراف القارئ. نأخذ كمثال على ذلك قوله تعالى وهو يتحدث من علياء سمائه عن طرق إتيان المرأة: "نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله وأعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين".
ولا شك إن القارئ سيجد في هذا الكتاب بعض الحلول الجميلة للمشاكل الزوجية والجنسية التي تشغل الرأي العام العالمي، فلا يجد لها علماء الغرب وقادته الحلول الصحيحة حتى باتت الأسرة مهددة بالزوال والانقراض، والأمراض الجنسية تفتك بالغربيين فتكاً ذريعاً. والأطفال اللقطاء يملئون الملاجئ التي من شأنها أن تخرج المجرمين والأشقياء لحرمانهم نعطف الأبوين ومحبتهم.
وقد توخيت في هذا الكتاب أن يكون هناك استعراض دقيق لكل المقومات والمشكلات التي يمكن أن يعاني منها الإنسان في مجال العلاقات الزوجية والجنسية، مروراً بالأسباب والعوامل المؤثرة إلى الأعراض ثم العلاج في ثقافة علمية ميسورة الفهم لكل قارئ حتى تكون مرشداً أو هادياً في التربية وكيفية التعامل مع هذه المسائل الحيوية، فلا نضل ولا نطغى ولا ننحرف ولا يتملكنا اليأس.
وأخيراً فكل فصل من هذا الكتاب يصلح لأن يكون موضوعاً لكتاب مستقل. وتحدوني الثقة ويملئني الأمل ف أن يكون هذا الكتاب ذا نفع كبير لقرائه من مختلف الأعمار.
المقدمة :.
" الحمد لله جل ثناءه وتقدست أسماؤه، رفع النكاح، وأعلى شأنه، وأقام بحلاله الأديان، وجعل به بقاء الحيوان، وعمر به البلاد، وكثر العباد، وحض عليه في كتبه المنزلة، وأبان لنا عن جلالة محله، بما خص اللذة به من الزيادة على غيرها والانافة على نظائرها، ثم بإضعافها في النساء، وإلهامهن إرادته، ليكون ذلك داعياً إلى طاعتهن، وباعثاً على متابعتهن".
إن الزواج بلا شك هو أعظم وأهم حادثة تقع في حياة الإنسان.
إن أكبر أمنية يمكن أن تراود ذهن الفتى أو الفتاة ــ حينما يبلغان الرشد ــ هي الزواج، حيث يستطيعان أن يتمتعا بقسط أوفر من الاستقلال والحرية من خلا ل تأسيس الحياة الأسرية المشتركة مع الأنيس الموافق، أمين السر الحبيب. فالزواج بالنسبة للبشر إحدى الحاجات الطبيعية وله فوائد مهمة هي:
1. تشكيل الأسرة والتخلص من الحيرة والضياع:
لأن العزاب من الرجال والنساء بمنزلة الطيور التي لا تمتلك أعشاشاً، وبالزواج يجد البشر عشه، وبيته، وملجأه، ويحصل على شريك حياته ومؤنسه وأمين سره والمواسي والمدافع والمعين له.
2. إرضاء الغريزة الجنسية:
إن الغريزة الجنسية عند البشر، غريزة مهمة وحيوية ولهذا يحتاج الإنسان إلى مزوج يسكن إليه في محيط آمن ، يعاشره ويستأنس به، ويقضي معه حاجته متى ما كان إلى ذلك محتاجاً.
إن إرضاء الغريزة الجنسية مسألة طبيعية، ولا بد للإنسان من تأمين ما تحتاجه هذه الغريزة، وإلا طفت على السطح أمراض نفسية وجسمية واجتماعية، لذا نرى الأفراد الذين يمتنعون عن الزواج في الغالب مبتلين بالأمراض النفسية والجسمية.
3. تكثير النسل:
وبالزواج يستطيع الإنسان تكثير الأبناء، وهو ما يسهم في تثبيت أساس الأسرة، ويبعث على حفظ الهدوء والانسجام بين الزوجين.
وحكمته في الإسلام ليس هو قضاء الطبع الجنسي فقط .. بل لمعان اجتماعية ونفسية ودينية، منها:
1. أن الزاج هو عماد الأسرة الثابتة التي تلتقي الحقوق والواجبات فيها بتقديس ديني، يشعر الشخص فيه بأن الزواج رابطة مقدسة، تعلو بها إنسانيته وتسمو به عن دركة الحيوانية التي تكون العلاقة بين الأنثى والذكر فيها هي الشهوة البهيمية فقط.
2. وهو العماد الأول للأسرة التي هي الواحدة الأولى لبناء المجتمع الذي يتكون من الأسرة ، فإن كانت قوية كان المجتمع بها قوياً.
3. وهو سبيل إلى حفظ التنوع الإنساني الكامل الذي يسير في مدارج الرقي، والذي لا يتحقق إلا بالزواج الذي يشكل الحياة الإنسانية الرفيعة، ولقد كان النبي (ص) يحث على طلب النسل بالزواج كما جاء في هذا الحديث الذي : (( إن رجلاً جاء إلى النبي (ص) فقال: (أصبت امرأة ذات حسن وجمال وحسب ومنصب ومال ، إلا إنها لا تلد ، أفأتزوجها؟) فنهاه (ص). ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك. ثم أتاه الثالثة ، فقال (ص): " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم".
4. وهو الراحة الحقيقية للرجل والمرأة على سواء، إذ أن المرأة تجد فيه من يكفل لها الرزق، فتعكف على البيت ترعاه، وعلى الأولاد تربيهم.
ومن أجل كل هذه المعاني العظيمة حث رسول الله (ص) على الزواج ورغب فيه، ولا سيما بالنسبة إلى الشباب. كما نهى عن التبتيل وهو عدم الزواج واعتبر هذا خروجاً عن سنته (ص).
أما الذين يحاولون التحلل من الروابط القدسية التي تتمثل في الزواج، فالانحلاليون لا يرقون بالعلاقات البشرية كما ــ يزعمون ــ وإنما هم يجذبون الجنس البشري إلى الحضيض، وهو يحاولون أن يرتدوا به إلى الحيوانية. فالاتحاد الجنسي عند البشر لا يمتاز عن الاتحاد الجنسي عند الحيوان إلا بالحب وبالارتباط الدائم المتمثل في الزواج. ويعبر ( أ. ج. هاجين ) وهو من رجال الدين الأمريكيين عن هذه الحقيقة بقوله: " لا بد أن يرغب المحب في أن يكون محبوبه له وحده فظهور أي طرف ثالث يبدو تطفلاً لا يطاق، ولسنا ننكر أن الرغبة في امتلاك المحبوب والاستئثار به، ولكن الرغبة في التغيير في هذا المجال لا تنبعث إلا عن ضعف الحب، ذلك لأن الحب الطبيعي الحقيقي الصادق، بين الرجل والمرأة يستنكر التغيير والتعدد، ويصر على أن العلاقة بين الحبيبين يجب أن تكون دائمة ومقصورة عليهما وحدهما.
وليست هذه مجرد نظرية أو رأين وإنما هي جزء من التجربة المأخوذة عن آلاف الرجال والنساء في حياتهم اليومية، يوما بعد يوم. ذلك لأن المحب يشعر في غرامه بأنه لا يريد من الحياة شيئاً سوى أن يظل مخلصاً لحبيبه إلى الأبد، ولا ينشد جزاء هذا الإخلاص منه سوى إخلاص مماثل ممن يحب".
ونلخص من هذا إلى أن عليك ــ إذا شئت أن تتزوج ــ أن تختبر منذ البداية قوة حب الشريك الذي اخترته لك، كما أن عليه أن يختبر قوة حبك له . فكذا تتعرفا مدى استعداد كل منكما للإخلاص والتفاني، فإذا خالج أحدكما أي شك فخليق بكما أن تتريثا، لأن هذا دليل على أن أحدكما لم يستكمل بعد استعداده للزواج.
وقد تعترضك في سبيل الزواج عقبات، وقد تقفز في طريقك وطريق شريكك المختار أسباب، ولكن كل شيء سهل التذليل إذا توافر لكما الحب.
إننا الآن قد عرفنا الزواج ومقتضياته ودواعيه، وقبل أن تخطو خطوة أخرى أحب أن أسألك: " هل أقتنعت وشريكك أو شريكتك بأن الزواج علاقة طبيعية مقدسة، وأنه بطبيعته علاقة دائمة؟... وهل أنتما على استعداد لأن تتقبلا الالتزامات والتبعات التي تترتب عليه؟".
إذا كان جوابكما بالإيجاب فأنتما تسيران في الطريق الصحيح ومن ثم فلنمض قدماً: " فالزواج ليس كالرحلة التي تمضي في خط مستقيم مستمر من بداية معينة إلى نهاية معنية. فأي شيء يكون الزواج إذا لم يكن رحلة؟.
لم نختلف فإنما قصدت إن الزواج رحلة، ولكنه ليس ككل الرحلات تمضي في طريق معين مرسوم، وتبدأ من نقطة معينة لكي تنتهي عند نقطة معينة..
إنه رحلة قد يممن رسم اتجاهها العام، ولكن خط السير يرسمه الزوجان من يوم إلى آخر، بل من ساعة إلى ساعة، وفقاً للظروف، والمناسبات والمشكلات التي تعترض طريقهما. ثم هو يشبه الحياة التي لا توقف فيها، لأن التوقف ولو للحظة معينة معناه الموت، وهكذا رحلة الزواج لا تتوفق أو بالأحرى يجب ألا تتوقف إلا بموت أحد الشريكين ــ أقصد أحد الرفيقين ــ أثناء الرحلة.
ومن النصائح المأثورة عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: " خذ الرفيق قبل الطريق". وهذا يستدعي أن تعرف رفيقك كما ينبغي أن يعرفك هو الآخر. وفي طريق الحياة الزوجية نواح عديدة يجب أن يعرفها كل رفيق في رفيقه. هناك الخلاف الطبيعي ــ خلاف الجنس ــ وهو لا يقتصر على التكوين الجسدي، وإنما يمتد إلى نظرة الشخص إلى الأشياء وأسلوبه، وأحاسيسه وانفعالاته. وهذه أمور لا بد من معرفتها ودراستها، إذ أن أكبر خطأ يقع فيه الزوجان هو أن كلا من الزوجين يحكم على الآخر خلال شخصيته هو، وينسى أنه من جنس آخر، وأن القيم والمقاييس ووجهات النظر تتأثر باختلاف الجنس.
إن هدف الزوجين هو الإحساس بالتحاد وبأنهما أصبحا شيئاً واحداً وقد يوحي الحب الأفلاطوني بذلك في البداية ولكن العلاقة الجنسية هي الوحيدة القادرة على بعث مثل هذه الإحساس في نفسيهما، أكثر من أي شيء آخر. وتصبح لمسات الشفاه والنظرات المعبرة أو الضمة الحانية، يصبح كل هذا جزءاً لا يتجزأ من حياتهما بلاً من أن تصبح رمزاً للحب فقط. كما يصبح الإشباع الجنسي الكامل قمة هذا الشعور بالاتحاد.
ولن يصبح كذلك إلا إذا شعر كل من الشريكين أنه يشارك فيه بنفس القدر وفي نفس اللحظة. أما إذا أحس أحدهما أن شريكه يسعى إلى إشباع غرائزه هو وحده فقط فإن الجنس بالنسبة له يصبح تضحية مريرة .. عملاً قاسياً لا معنى له ولا فائدة فيه.
وإن أصعب ما يواجهه الأزواج في بلادنا هو الخجل البالغ من التحدث في هذه الأمور ــ وحتى الأطباء أنفسهم ــ نتيجة لعادات مترسبة ف بأعماقنا منذ قرون حينما كان الآباء يظنون أن الغريزة تقوم وحدا بتعليم الأبناء كل شيء وأنها توضح لهم السبيل، وحينما كانت الأمهات تحمر وجوههن خجلاً في مواجهة أسئلة الأبناء التي تدور حول الجنس.
إن هناك عقبات شتى في طريق المواءمة الجنسية بين الزوجين. هناك الفرق الذي قد يكون كبيراً في الزمن الذي يحدث بعده الإشباع عند الرجل وعند المرأة.
إن هذه الفوضى الجنسية، والأهواء الشهوانية السائرة في الغرب نحول كارثة الانهيار والدمار باعتراف علمائه ومفكريه، قد انتقلت إلينا بسبب وجود الفراغ والجهل في الجيل الجديد بهذه القضايا الجنسية، فأخذت تفتك فيه فتك أخطر الأسلحة وأشد السموم.
لهذا كله سارعت إلى نشر هذا الكتاب الطريف لإفهام الجيل الراشد فين الزواج حسب ما خطط له الإسلام، هذا التشريع العظيم والدين الجميل الذي أولى الأسرة اهتماماً عظيماً ورسم لها كل ما يكفل استمرار سعادتها ويسهل مهمتها في إعداد جيل مؤمن طموح وبناء، كما خطط لكل من الزوج والزوجة حقوقه وواجباته، فلا ينازع أحدهما الآخر في حقوقه، ولا يهمل واجباته. وإذا وقع نزاع سارعا معاً للاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة نسبيه (ص) اتباعاً لقوله سبحانه: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌُ وأحسن تأويلا " النساء59. وليس أضمن وأفضل في إزالة الخلاف من التشريع الصريح الذي يوضح لكل من الزوجين ما له وما عليه.
ولا شك أن القارئ والقارئة سيفاجآن ببحوث صريحة إلى غاية الصراحة في هذا الكتاب، ولا عجب فالإسلام دين الحياة، والغريزة الجنسية جزء هام من هذه الحياة. فكان من الطبيعي أن يعالجها هذا الدين الحنيف بشيء من الطرافة والتشويق والموضوعية مادام الزواج ركناً عظيماتً من أهم أركان صرح الأمة.
كل ذلك دون أن أغرق الزوجين في بحرين من العاطفة والخيال، فسيجد كل منهما مواقف الخير وموافق الحرام، ومواقف الجهاد إلى جانب مواقف المتعة، في جو من التوجيه والتنسيق والرغبة، فإن من أعظم توجيهات القرآن العظيم أنه إذا تحدث عن مسألة جنسية يحيطها بهالة من التقديس ويسارع إلى تذكير المستمع بالله سبحانه ووجوب مراقبته وتقواه كي يسود البحث الاحتشام والوقار والأدب فلا يغوص القارئ في أغوار الشهوة الحيوانية، وهذا مما امتاز به الأسلوب القرآني. وكم كان إغفال ذلك في كتب الجنس سبباً في انحراف القارئ. نأخذ كمثال على ذلك قوله تعالى وهو يتحدث من علياء سمائه عن طرق إتيان المرأة: "نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله وأعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين".
ولا شك إن القارئ سيجد في هذا الكتاب بعض الحلول الجميلة للمشاكل الزوجية والجنسية التي تشغل الرأي العام العالمي، فلا يجد لها علماء الغرب وقادته الحلول الصحيحة حتى باتت الأسرة مهددة بالزوال والانقراض، والأمراض الجنسية تفتك بالغربيين فتكاً ذريعاً. والأطفال اللقطاء يملئون الملاجئ التي من شأنها أن تخرج المجرمين والأشقياء لحرمانهم نعطف الأبوين ومحبتهم.
وقد توخيت في هذا الكتاب أن يكون هناك استعراض دقيق لكل المقومات والمشكلات التي يمكن أن يعاني منها الإنسان في مجال العلاقات الزوجية والجنسية، مروراً بالأسباب والعوامل المؤثرة إلى الأعراض ثم العلاج في ثقافة علمية ميسورة الفهم لكل قارئ حتى تكون مرشداً أو هادياً في التربية وكيفية التعامل مع هذه المسائل الحيوية، فلا نضل ولا نطغى ولا ننحرف ولا يتملكنا اليأس.
وأخيراً فكل فصل من هذا الكتاب يصلح لأن يكون موضوعاً لكتاب مستقل. وتحدوني الثقة ويملئني الأمل ف أن يكون هذا الكتاب ذا نفع كبير لقرائه من مختلف الأعمار.
تعليق